منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07 Dec 2013, 05:18 PM
مصطفى قالية
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي إِرْشَادُ العَابِدِ السَّاجِدِ إِلَى بَعْضِ أَحْكَامِ وَآدَابِ المَسَاجِدِ / آخر الحلقات

بسم الله الرحمن الرحيم


إِرشاد العابِدِ السّاجِدِ إِلَى بَعْضِ أَحْكَامِ وآدابِ المَسَاجِدِ
الحلقة الحادية عشرة
وهي الأخيرة







الكلام عن الأمور الدُّنيويَّة في المسجد

من أعظم ما يميِّز بيوتَ الله عن غيرِها من البيوت أنَّها بنيت أصالةً لذكر الله وللصَّلاة، يقول سبحانه: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ[النور: 36].
والأصلُ فيمن يعمرُها أن يعمرَها بذلك، ولأجل ذلك، يقول سبحانه في تمام الآية السابقة: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ[النور: 36-38].
وقال سبحانه: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ[التوبة: 18].
ولكنَّ المشاهدَ اليوم في كثيرٍ من بيوتِ الله، والملاحظَ كذلك على أحوالِ كثيرٍ من روَّادها هو مخالفتُهم لهذا الأصل، فترى النَّاس في المساجد حِلقا حِلقا متجمِّعين، ولأطرافِ الحديث متبادِلين، وياليتَ تجمُّعَهم كان على طاعة، وياليتَ أحاديثَهم كانت في مباح.
وقد صحَّ عن نبيِّنا صلى الله عليه وسلم التَّحذيرُ الشَّديد من أولئك القومِ ومن صنيعِهم، وذلك فيما رواه: ابنُ أبي عاصم في الزّهد[1] -واللَّفظ له- والطَّبراني في المعجم الكبير[2] عن عبد الله بن مسعود ﭬ قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ((سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَقْعُدُونَ فِي الْمَسْجِدِ حِلَقًا حِلَقًا، إِمَامُهُمُ الدُّنْيَا، فَلَا تُجَالِسُوهُمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِمْ حَاجَةٌ)).
ورواه ابن حبان[3] بلفظ: ((سَيَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يَكُونُ حَدِيثُهُمْ فِي مَسَاجِدِهِمْ، لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِمْ حَاجَةٌ)).
والحديث فيه خلاف في تقويته وتضعيفه، وقد حسَّنه جمع من الأئمة منهم الشيخ الألباني رحمه الله في سلسلة الأحاديث الصَّحيحة[4].
ولا شكَّ بأنَّ حديث نبيِّنا
صلى الله عليه وسلم فيه ترهيبٌ شديٌد من اتِّخاذ المساجد أماكنَ للحديث عن الدُّنيا الفانية، إلى درجة أنّها تصير لا يفرَّق بينها وبين المقاهي أو الأسواق، فإنَّ المساجد لم تبن لذلك. وإلى الله المشتكى.

مسألة:حكم الكلام عن الأمور الدُّنيويَّة في المسجد:
- ذهب الحنفيّة[5] والمالكيّة[6] والحنابلة[7] إلى كراهة الكلام في المساجد بأمرٍ من أمور الدنيا، والكراهة عند بعض الحنفيَّة للتَّحريم[8].
- وذهب الشّافعيّة[9] إلى جواز الكلام المباح في المسجد.
والأقرب-والله أعلم- هو جواز الكلام المباح في المسجد بشروط:
1. ألَّا يكون ذلك على سبيل العادة والاعتياد[10].
2. وألَّا يصحبَه رفعُ الأصوات أو غيرُه من المخالفات[11].
3. والأَولى ألَّا يخلو كلام المجتمعين من الفوائد الدِّينية[12].
ويؤيِّد هذا أحاديث وآثار كثيرة منها ما رواه مسلم[13] عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((نَعَمْ كَثِيرًا، كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ أَوْ الْغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ، فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ)).
وفي رواية لأحمد[14] بإسناد حسن عن جابر رضي الله عنه :((شَهِدْتُ النَّبِيَّ
صلى الله عليه وسلم أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَرَّةٍ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَصْحَابُهُ يَتَذَاكَرُونَ الشِّعْرَ وَأَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَرُبَّمَا تَبَسَّمَ مَعَهُمْ)).
قال ابنُ حزم رحمه الله: (وَالتَّحَدُّثُ فِي الْمَسْجِدِ بِمَا لَا إثْمَ فِيهِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا مُبَاحٌ، وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى أَفْضَلُ)[15].
وقال النَّووي رحمه الله : (يجوز التَّحدث بالحديث المباح في المسجد وبأمورِ الدُّنيا وغيرِها من المباحات، وإن حصل فيها ضحكٌ ونحوُه، ما دام مباحاً)[16].
وقال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله : (أَمَّا الْكَلَامُ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِي الْمَسْجِدِ فَحَسَنٌ، وَأَمَّا الْمُحَرَّمُ فَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ أَشَدُّ تَحْرِيمًا، وَكَذَلِكَ الْمَكْرُوهُ، وَيُكْرَهُ فِيهِ فُضُولُ الْمُبَاحِ)[17].
وقال الشَّيخُ ابنُ باز رحمه الله : (التَّحدث في المساجد إذا كان في أمور الدُّنيا، والتَّحدث بين الإخوان والأصحاب في أمور دنياهم إذا كان قليلًا لا حرج فيه إن شاء الله، أمَّا إن كان كثيرا فيكره؛ لأنَّه يكره اتخاذ المساجد محلَّ أحاديثِ الدُّنيا، فإنَّها بنيت لذكر الله وقراءة القرآن والصَّلوات الخمس وغير هذا من وجوه الخير؛ كالتَّنفل والاعتكاف وحلقات العلم...)[18].
وقال رحمه الله في جواب آخر: (التَّحدث في المساجد يكره للرِّجال والنِّساء، يعني: التَّحدث في أمور الدُّنيا؛ لأنَّ المساجد لم تبن لهذا، وإنَّما بنيت لعبادة الله وقراءة القرآن والذِّكر والصَّلاة، لكن إذا كان الحديث قليلًا فلا بأس، إذا كان الحديث في أمور الدُّنيا ليس بكثير فيعفى عنه)[19].
وقال الشَّيخ ابنُ عثيمين رحمه الله عن الكلام في المسجد: (لا بأس بها ما لم يكن ممنوعاً، مثل: أن يرفع صوتَه بذلك فيشوِّش على من في المسجد، أو يكون ذلك بيعاً وشراءً أو تأجيراً واستئجاراً أو رهناً أو نحوَ ذلك ممَّا يُمنَع من عقده في المسجد)[20].

فائدة: روى التِّرمذي في جامعه[21] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﭬ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ، فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ)).

دخول المسجد بالرِّجل اليسرى

من الأشياء الَّتي تهاون فيها كثير من مرتادي بيوت الله: تركُهم تقصُّد الدُّخول إلى المسجد بالرِّجل اليمنى، والخروج بالرِّجل اليسرى، والسُّنَّةُ خلاف ذلك.
قال البخاري في صحيحه[22]: (بَابُ: التَّيَمُّنِ فِي دُخُولِ المَسْجِدِ وَغَيْرِهِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ: يَبْدَأُ بِرِجْلِهِ اليُمْنَى، فَإِذَا خَرَجَ بَدَأَ بِرِجْلِهِ اليُسْرَى).
أثر ابن عمررضي الله عنهما هذا أخرجه البخاري هكذا تعليقًا بصيغة الجزم.
قال الحافظ ابنُ حجر رحمه الله : (ولم أره موصولا)[23].
قال الألباني رحمه الله بعد نقله كلام الحافظ السابق: (والقسم الأوَّل منه يؤيِّده عموم حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كَانَ النَّبِيُّ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ، فِي طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ)). أخرجه البخاري (1/ 216 و 415) ومسلم (1/ 155 - 156)، وقد احتج به البخاري في هذا الباب)[24].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (مِنَ السُنَّةِ إِذَا دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكَ اليُمْنَى وَإِذَا خَرَجْتَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكَ اليُسْرَى)[25].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله بعد ذكره لهذا الأثر: (وَالصَّحِيح أَنَّ قَوْل الصَّحَابِيّ: «مِنْ السُّنَّة كَذَا» مَحْمُولٌ عَلَى الرَّفْع)[26].

ترك الذِّكر عند دخول المسجد والخروجِ منه

ومن أخطاء كثير من مرتادي المسجد - كذلك- تركُهم الإتيانَ بما صحَّ من الأدعية والأذكار عند دخول المسجد، وفي هذا تفويتٌ منهم لخير عظيم، وتفريطٌ منهم في ثواب جزيل، وممَّا ورد في ذلك:
ما رواه أبو داود في السُّنن بسند صحيح[27] عَنْ حَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ قَالَ: لَقِيتُ عُقْبَةَ بنَ مُسْلِمٍ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ حَدَّثْتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ النَّبِيِّ
صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ:((أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)) قَالَ: أَقَطْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ:((فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ، قَالَ الشَّيْطَانُ: حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ الْيَوْمِ)).
وروى مسلم في صحيحه[28] عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، أَو عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ ﭭ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ)).
وفي رواية صحيحة في غير الصَّحيح[29] زيادة التَّسليم على النَّبي
صلى الله عليه وسلم ولفظه: ((إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، فَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ)).

فوائد من الحديث

أوَّلا: قوله: (أَقَطْ): الْهَمْزَة لِلِاسْتِفْهَامِ، وَ(قَطْ) بِمَعْنَى حَسْب، قَالَ عُقْبَة لِحَيْوَةَ: «أَبَلَغَك عَنِّي هَذَا الْقَدْر مِنْ الْحَدِيث فَحَسْب»، فلذلك زادَه، وفي معناها أقوالٌ أخر[30].
ثانيًا: حمل جمهورُ أهلِ العلم الأمرَ هنا على الاستحباب[31]، خلافًا لابنِ حزم رحمه الله الذي ذهبَ إلى وجوبِ هذه الأذكار عند دخولِ المسجد[32]، ورجَّح هذا الألباني رحمه الله [33]، والله أعلم.
وهذا الخلاف بين الاستحباب والوجوب يدلُّ على عظم هذا الذِّكر، وعلى عظيم ما يفوِّته الكثيرُون.
ثالثًا: قال ابنُ الجوزي رحمه الله : (إِنَّمَا خصَّت الرَّحْمَةُ بِالدُّخُولِ لِأَن الدَّاخِلَ طَالبٌ للآخرَة، وَالرَّحْمَةُ أخصُّ مَطْلُوب، وَخصَّ الْفضل بِالْخرُوجِ، لِأَن الْإِنْسَانَ يخرج من الْمَسْجِد لطلب المعاش فِي الدُّنْيَا وَهُوَ المُرَاد بِالْفَضْلِ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ [الْجُمُعَة: 10])[34].
رابعًا: قال السِّندي رحمه الله : (إِنَّمَا شُرِعَ [يقصد: السَّلام] عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم عِنْدَ دُخُولِ الْمُصَلِّي الْمَسْجِدَ ... لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِي دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ وَوُصُولِهِ الْخَيْرَ الْعَظِيمَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَهُ بِالْخَيْرِ)[35].

التَّهاون في أداء تحية المسجد

بعضُ النَّاس إذا دخلَ المسجدَ جلسَ مباشرةً قبلَ أن يركعَ ركعتينِ أو أكثر، وهذا يُعدُّ خطأً منهم، فالصَّلاة عند دخول المسجدِ وقبل الجلوسِ واجبةٌ على الصَّحيح من أقوالِ أهلِ العلم[36]، فقد أخرج البخاري[37] ومسلم[38] من حديث أبي قتادة ﭬ قال: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ النَّاسِ، قَالَ: فَجَلَسْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَا مَنَعَكَ أَنْ تَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجْلِسَ؟)) قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُكَ جَالِسًا وَالنَّاسُ جُلُوسٌ، قَالَ: ((فَإِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ)).
قال ابنُ دقيق العيد رحمه الله : (وَلَا شَكَّ أَنَّ ظَاهِرَ الْأَمْرِ: الْوُجُوبُ، وَظَاهِرَ النَّهْيِ: التَّحْرِيمُ وَمَنْ أَزَالَهُمَا عَنْ الظَّاهِرِ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى الدَّلِيلِ)[39].
وقال الشَّوكاني رحمه الله بعد أن أجاب على من قال بسنيَّة التَّحية: (إذَا عَرَفْت هَذَا لَاحَ لَك أَنَّ الظَّاهِرَ مَا قَالَهُ أَهْلُ الظَّاهِرِ مِنْ الْوُجُوبِ)[40].
وقال الألباني رحمه الله : (والحديثُ دليلٌ بظاهرِه على وجوبِ ركعتَيْ تحيَّةِ المسجد لأنَّه في الرِّواية الأولى أَمَرَ بهما، والأمرُ للوجوب، وفي الأخرى نهى عن الجلوس قبل الصَّلاة، وذلك يفيد التَّحريم، وقد ذهب إلى هذا الظَّاهريَّة حاشا ابنَ حزمٍ منهم، فإنَّه صرَّح في (المحلَّى) بأنَّها سنَّة وهو قول الجمهور، وأجابوا عن الحديث بأنَّ الأمر فيه للنَّدب، واحتجُّوا على ذلك بأدلَّة لا تنهض بما ادَّعوه، وقد ساقها المحقِّق الشَّوكاني وتعقَّبها مبيِّنا عدم صلاحيَّتِها لصرف الأمر من الوجوب إلى النَّدب)[41].
وقال شيخنا محمَّد علي فركوس-حفظه الله-: (فالظاهرُ من النُّصوص الحديثية أنَّ تحيَّةَ المسجدِ واجبةٌ لقولِهِ
صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ»[42]، وفي لفظ: «فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ»[43]، فالحديثُ يدلُّ على وجوب ركعتي تحية المسجد؛ لأنَّ الأمرَ للوجوب كما في الرِّواية الأولى، والنهيَّ للتَّحريم كما في الرِّواية الثَّانية. وهذا هو الظَّاهر ومَنْ أزالهما عن الظَّاهر فهو محتاجٌ إلى الدَّليل. ومِنْ مُؤكِّدات الإيجاب حديث جابر بن عبد الله ﭬ أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قطع خطبتَه وأمر سُلَيْكًا الغَطَفَانِيَّ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا[44].
وغايةُ ما يَستدِلُّ به الجمهورُ أنّ الوجوبَ مصروفٌ إلى النَّدب ببعض النُّصوصِ الحديثيةِ منها: قولُ السائلِ: يَا رَسُولَ اللهِ أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ قَالَ: «الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ» قال: هل عَلَيَّ غيرهنّ؟ قال: «لاَ إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ»[45]، فيدلّ على أنّ تحيةَ المسجد ليستْ واجبةً. وحديثُ: «اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ وَآنَيْتَ»[46] فأمرَه
صلى الله عليه وسلم بالجلوس ولم يأمره بتحيَّة المسجد، فدلَّ على أنَّها ليستْ بواجبةٍ، وكذلك حديثُ النَّفَرِ الثلاثةِ، أقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد.. فأمّا أحدهما فرأى فُرْجَةً في الحلقة فجلس فيها، وأمّا الآخر فجلس خَلْفَهُم، وأمّا الثَّالث فأدبر ذاهبًا»[47] الحديث يفيد أنَّه لم يأمره صلى الله عليه وسلم بصلاة تحيَّة المسجد فدلَّ على عدم وجوبها إذ لا يُقرُّ صلى الله عليه وسلم على باطل.
فمجموع هذه الأدلة يمكن الجواب عنها فيما يلي:
أولاً: يحتمل في حديث: «إلَّا أن تطَّوَّع» أنَّه كان قبل أن يجب غيرُها من الصَّلوات، فيكون حصر واجبات الصَّلاة باعتبار وقت السَّائل الذي سأله فيه، ولم يقل له: إنَّه لا يجب عليه ما يوجبه الله من بعد، بل ما أوجبه الله وجب، بدليل أنَّ صلاة الجنازة واجبة ولم تذكر في محصور الحديث، وهذا الجواب يشمل أيضًا لحديث: «اجلس فقد آذيت» وحديثِ النَّفر الثَّلاثة؛ لأنَّ الشَّريعة تكاملت شيئًا فشيئًا.
ثانيًا: إنَّ النبيَّ
صلى الله عليه وسلم لَمَّا نفى وجوبَ الواجباتِ ابتداءً في قوله: «إلاّ أن تطّوّع» لا الواجباتِ بأسبابٍ يختار المكلّف فعلها كدخول المسجد، فلا يصحُّ شمول هذا الصَّارف وغيرِه لمثلها. وعليه، فإنَّ إيجاب ركعتَيْ تحيَّة المسجد هو الجاري على مقتضى الأوامر والنَّواهي)[48].

اتخَاذُ الرَّجُلِ مَكَاناً مُعَيَّناً فِي المَسْجِدِ، لَا يُصَلِّي إِلَّا فِيهِ

فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ شِبْلٍ رضي الله عنه قَالَ: ((نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ نَقْرَةِ الْغُرَابِ، وَافْتِرَاشِ السَّبْعِ، وَأَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرُ))[49].

فوائد وأحكام:
أوَّلا: هذا النَّهي خاصٌّ بغير الإمام، يقول الشَّيخ محمَّد بن عبد الوهاب رحمه الله: (ويكرَه لغيرِ الإمامِ اتَّخاذُ مكانٍ في المسجدٍ لا يصلِّي فرضَه إلَّا فيه لنهيه
صلى الله عليه وسلم عن إيطانٍ كإيطانِ البعير)[50].
ثانيا: الحكمة من هذا النهي:
1. قَالَ ابنُ حَجَرٍرحمه الله : (وَحِكْمَتُهُ أَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى الشُّهْرَةِ، وَالرِّيَاءِ، وَالسُّمْعَةِ، وَالتَّقَيُّدِ بِالْعَادَاتِ، وَالْحُظُوظِ، وَالشَّهَوَاتِ، وَكُلُّ هَذِهِ آفَاتٌ، أَيْ آفَاتٌ فَتَعَيَّنَ الْبُعْدُ عَمَّا أَدَّى إِلَيْهَا مَا أَمْكَنَ)[51].
2. قال الشَّوكاني رحمه الله : (وَعِلَّة النَّهْي عَنْ الْمُوَاظَبَة عَلَى مَكَان فِي الْمَسْجِد مَا سَيَأْتِي فِي الْبَاب الَّذِي بَعْد هَذَا مِنْ مَشْرُوعِيَّة تَكْثِير مَوَاضِع الْعِبَادَة)[52].
3. قال ابنُ الهمام الحنفي رحمه الله : (وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الصَّوْمِ عَنْ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ أَنْ يَتَّخِذَ فِي الْمَسْجِدِ مَكَانًا مُعِينًا يُصَلِّي فِيهِ، لِأَنَّ الْعِبَادَةَ تَصِيرُ لَهُ طَبْعًا فِيهِ وَتَثْقُلُ فِي غَيْرِهِ، وَالْعِبَادَةُ إذَا صَارَتْ طَبْعًا فَسَبِيلُهَا التَّرْكُ وَلِذَا كُرِهَ صَوْمُ الْأَبَدِ انْتَهَى).
ثالثًا: نَقْرَةِ الْغُرَابِ: بِفَتْحِ النُّون، يُرِيد الْمُبَالَغَة فِي تَخْفِيف السُّجُود، وَأَنَّهُ لَا يَمْكُث فِيهِ إِلَّا قَدْر وَضْع الْغُرَاب مِنْقَاره فِيمَا يُرِيد أَكْله[53].
رابعًا: افْتِرَاشِ السَّبُعِ: الافتراش: افتعال من الفرش، وَهُوَ أَنْ يَضَع سَاعِدَيْهِ عَلَى الْأَرْض فِي السُّجُود، ولا يرفعهما عن الأرض كما يبسط السبع والكلب والذِّئب ذراعيه[54].
خامسًا: قال الخطَّابي رحمه الله : (نقرةُ الغراب هي: أن لا يتمكَّن الرَّجل من السُّجود فيضعَ جبهتَه على الأرض حتَّى يطمئن ساجدا، وإنَّما هو أن يمسَّ بأنفِه أو جبهتِه الأرضَ كنقرةِ الطَّائر ثم يرفعُه.
وافتراشُ السَّبع: أن يمدَّ ذراعيْه على الأرض لا يرفعُهما ولا يجافي مرفقيْه عن جنبيْه.
وأمَّا إيطان البعير: ففيه وجهان:
أحدهما: أَنْ يَأْلَف الرجل مَكَانًا مَعْلُومًا مِنْ الْمَسْجِد لَا يُصَلِّي إِلَّا فِيهِ، كَالْبَعِيرِ لَا يَأْوِي مِنْ عَطَنه إِلَّا إِلَى مَبْرَك دَمِث قَدْ أَوْطَنَهُ، وَاِتَّخَذَهُ مُنَاخًا لَا يَبْرُك إِلَّا فِيهِ.
وَالْوَجْه الْآخَر: أَنْ يَبْرُك عَلَى رُكْبَتَيْهِ قَبْل يَدَيْهِ-إِذَا أَرَادَ السُّجُود- بَرْكَ الْبَعِير عَلَى الْمَكَان الَّذِي أَوْطَنَهُ، وَأَنْ لَا يَهْوِي فِي سُجُوده، فَيُثْنِي رُكْبَتَيْهِ حَتَّى يَضَعهَا بِالْأَرْضِ عَلَى سُكُون وَمَهْل)[55].
وهذا الوجه الثَّاني بعيد جدًّا عن الحديث، لا سيَّما بمجموع ألفاظه المذكورة أعلاه، فهي تعيِّن أنَّ المراد منه الوجه الأول، وبه جزم جمع من الشُّراح.
قال ملَّا علي القاري رحمه الله : (والمعنى الثَّاني لا يصحُّ هنا، لأنَّه لا يمكن أن يكون مشبَّها به، وأيضا لو كان أريد هذا المعنى، لما اختصَّ النَّهي بالمكان في المسجد، فلمَّا ذكر دلَّ على أنَّ المرادَ هو الأوَّل)[56].
سادسًا: قال ابنُ القيِّم رحمه الله : (نَهى - أي: النَّبي
صلى الله عليه وسلم - في الصَّلاة عن التَّشبُّه بالحيوانات، فنَهَى عن بروكٍ كبروكِ البعير، والتفاتٍ كالتفاتِ الثَّعلب، وافتراشٍ كافتراشِ السَّبع، و إقعاءٍ كإقعاءِ الكلب، ونقرٍ كنقرِ الغراب، ورفعِ الأيدِي وقتَ السَّلام كأذنابِ الخيلِ الشُّمس[57]، فهَدْيُ المصلِّي مخالفٌ لهدْيِ الحيوانات)[58].
سابعًا: قال الشَّيخ جمال الدِّين القاسمي رحمه الله : (يهوَى بعضُ مُلازِمي الجماعات مكانًا مخصوصًا أو ناحيةً من المسجدِ، إمَّا وراءَ الإمامِ، أو جانبَ المنبرِ، أو أمامَه، أو طرفَ حائِطه اليمينِ، أو الشِّمال، أو الصُّفَّة المرتفِعة في آخرِه، بحيثُ لا يَلَذُّ له التَّعبُّد ولا الإقامةُ إلَّا بها، وإذا أبصَرَ منْ سبقَه إليهَا فربَّما اضطَّره إلى أن يتنحَّى له عنها لأنَّها محتكَرَة، أو يذهبُ عنها مغضَبًا أو متحوْقلًا أو مسترْجعًا، وقد يفاجِئُ المَاكِثَ بها بأنَّها مُقامُه من كذا وكذا سنة، وقد يستعينُ بأشكالِه من جهلةِ المتنسِّكين على أن يُقام منها، إلى غير ذلك من ضروب الجهالات التي ابتليت بها أكثرُ المساجد، ولا يخفى أنَّ محبَّةَ مكانٍ من المسجد على حِدَة تنشأُ من الجهلِ أو الرِّياء والسُّمعة، وأن يقال إنَّه لا يصلي إلَّا في المكان الفلاني، أو إنَّه من أهل الصفِّ الأوَّل ممَّا يُحبِط العملَ ملاحظتُه ومحبَّتُه نعوذُ بالله.
وهَبْ أنَّ هذا المتوطِّنَ لم يقصد ذلك، فلا أقلَّ أنَّه يفقد لذَّة العبادةِ بكثرةِ الإِلفِ والحرصِ على هذا المكان، بحيثُ لا يدعُوه إلى المسجد إلَّا موضعُه، وقد ورد النَّهي عن ذلك...)[59]
.
ثامنًا: ورد في السُّنَّة ما يفيدُ في ظاهرِه جوازَ لزومِ مكانٍ معيَّن للصَّلاة دوْمًا سواءً في المسجد أو في البيت، نذكرُه ثمَّ نبيِّن ما يستفاد منه:
1- جاء في حديث مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمِي بَنِي سَالِمٍ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ
صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَإِنَّ السُّيُولَ تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِي، فَلَوَدِدْتُ أَنَّكَ جِئْتَ، فَصَلَّيْتَ فِي بَيْتِي مَكَانًا حَتَّى أَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالَ: «أَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»، فَغَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ بَعْدَ مَا اشْتَدَّ النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ: «أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟»، فَأَشَارَ إِلَيْهِ مِنَ المَكَانِ الَّذِي أَحَبَّ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ، فَقَامَ، فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ[60].
2- وعن يَزِيدَ بنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: كُنْتُ آتِي مَعَ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ ﭬ فَيُصَلِّي عِنْدَ الْأُسْطُوَانَةِ الَّتِي عِنْدَ الْمُصْحَفِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ أَرَاكَ تَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَ هَذِهِ الْأُسْطُوَانَةِ، قَالَ: ((فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ
صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَهَا))[61].
أمَّا الحديث الأوَّل: فلا إشكالَ فيه أصلًا لأنَّ النَّهي الواردَ عن نبيِّنا
صلى الله عليه وسلم هو عن استيطانِ المسجد لا غيرِه، والحديثُ جاء في تخصيص مكانٍ في البيت.
وأما الحديثُ الثَّاني: فظاهرُه جوازُ تخصيص مكان معيَّن لصلاة النَّافلة في المسجد، وقد ذهب إلى ذلك جمعٌ من أهلِ العلم.
قال ابنُ رجب رحمه الله: (وفي الحديث: دليلٌ على أنَّه لا بأس أن يلزمَ المصلِّي مكانًا معيَّنا من المسجد يصلِّي فيه تطوُّعًا)[62].
وذهب آخرُون إلى جواز ذلك التَّخصيص إذا ورد في شأنه دليلٌ خاص، كما هو الشَّأن في حديث الأسطوانة، فإنَّ الصَّحابي رضي الله عنه كان يتحرَّى الصَّلاة عندَها لرؤيتِه النَّبيَ
صلى الله عليه وسلم يفعلُ كذلك، أمَّا إذا لم يرِد دليلٌ خاصٌّ فالأَولى عدم التَّخصيص.
قال النَّووي رحمه الله : (وفي هذا أنَّه لا بأس بإدامةِ الصَّلاة فِي موضع واحدٍ إذا كان فيه فضْل، وأمَّا النَّهي عن إيطان الرَّجل موضعًا من المسجدِ يلازمُه فهو فيما لا فضْلَ فيه ولا حاجةَ إِليه)[63].
ويؤيِّد هذا أنَّه لم يرد -فيما أعلم- عن الصَّحابة ﭫ أنَّهم كانوا يتحرَّون أداءَ النَّافلةِ في أماكنَ أخرى غير الواردِ في هذا الحديث. والله أعلم.

حجز الأماكنِ للصَّلاة وغيرِها

من الأخطاءِ الكبيرةِ الَّتي صِرْنا نراها كثيرًا في بيوت الله هو حجز الأماكن وتحجيرها فيها، سواء كان ذلك من الشَّخص نفسِه بأن يحضرَ مبكِّرا إلى المسجد فيضعَ شيئًا يدلُّ عليه ثم ينصرف، أو كان من غيره بأن يحجزَ المبكِّرُ لأخيه المتخلِّف.
وهذه بليَّة عظيمة ومصيبة خطيرة، وهو فعلٌ منهيٌّ عنه باتِّفاق أهلِ العلم -كما سيأتي بيانُه- ولو لم يكن فيها إلَّا العداوة والشَّحناء الَّتي تحدثُها بين المصلِّين لكَفَت، فكيف وهي تَحرُم المصلِّي من فضيلة التَّبكير، وتجرُّه إلى معصية تخطِّي الرِّقاب وغيرها.
أضفْ إلى هذا أنَّه ربَّما أحدثَ هذا التَّصرُف فراغاً في الصُّفوف إذا أقيمت الصَّلاة، ولم يأتِ صاحب المكان المحجوز، لأنَّ بعض النَّاس لا يسدُّها بحجَّة أنَّ ثمَّة من حجزَها.
وقد سُئِلَ شيخ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله عَمَّنْ تَحَجَّرَ مَوْضِعًا مِنْ الْمَسْجِدِ، بِسَجَّادَةٍ أَوْ بِسَاطٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. هَلْ هُوَ حَرَامٌ؟ وَإِذَا صَلَّى إنْسَانٌ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ هَلْ يُكْرَهُ؟ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ: (لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَحَجَّرَ مِنْ الْمَسْجِدِ شَيْئًا لَا سَجَّادَةً يَفْرِشُهَا قَبْلَ حُضُورِهِ، وَلَا بِسَاطًا، وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لَكِنْ يَرْفَعُهَا وَيُصَلِّي مَكَانَهَا؛ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ)[64].
وقال رحمه الله : (وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مِنْ تَقْدِيمِ مَفَارِشَ إلَى الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا قَبْلَ ذَهَابِهِمْ إلَى الْمَسْجِدِ فَهَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ؛ بَلْ مُحَرَّمٌ، ... وَالْمَأْمُورُ بِهِ أَنْ يَسْبِقَ الرَّجُلُ بِنَفْسِهِ إلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا قَدَّمَ الْمَفْرُوشَ وَتَأَخَّرَ هُوَ فَقَدْ خَالَفَ الشَّرِيعَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ: مِنْ جِهَةِ تَأَخُّرِهِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالتَّقَدُّمِ. وَمِنْ جِهَةِ غَصْبِهِ لِطَائِفَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ وَمَنْعِهِ السَّابِقِينَ إلَى الْمَسْجِدِ أَنْ يُصَلُّوا فِيهِ وَأَنْ يُتِمُّوا الصَّفَّ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ ثُمَّ إنَّهُ يَتَخَطَّى النَّاسَ إذَا حَضَرُوا).
وقد سئِل العلَّامة عبد الرَّحمن بن ناصر السّعدي رحمه الله: عن حكم التَّحجير فيالمسجد؟ فأجاب بجواب بديع نذكره بطوله لفائدته؟
قال رحمه الله: (اعلموا -رحمكم الله- أنَّ التَّحجر في المساجد، ووضع العصا والإنسانُ متأخِّر في بيتِه أو سوقِه عن الحضور لا يحلّ ولا يجوز، لأنَّ ذلكمخالفٌ للشَّرع ومخالفٌ لما كان عليه الصَّحابة والتَّابعون لهم بإحسان، فإنّ النَّبي
صلى الله عليه وسلم حثَّ النَّاس على التَّقدم للمساجد، والقرب مِن الإمام بأنفسهم، وحثَّ علىالصَّفِّ الأوَّل وقال: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِ الأَوَّلِ -يعني مِن الأجر العظيم- ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِلَاسْتَهَمُوا»، ولا يحصل هذا الامتثال وهذا الأجر العظيم إلَّا لِمَن تقدَّم وسبَقبنفسه، وأمّا مَن وضعَ عصاه ونحوَه، وتأخَّر عن الحضور، فإنَّه مخالفٌ لما حثَّ عليهالشَّارع، غيرُ ممتثل لأمره، فمَن زعم أنَّه يدرك فضيلةَ التَّقدم وفضيلةَ المكان الفاضلبتحجُّره مكاناً فيه وهو متأخِّر فهو كاذب، بل مَن فعل هذا فاتَه الأجر، وحصل له الإثموالوزر.
ومِن مفاسد ذلك: أنَّه يعتقد أنَّه إذا تحجَّر مكاناً فاضلاً في أوَّل الصَّفِّ، أو فيالمكان الفاضل، أنَّه يحصل له فضيلة التَّقدم، وهذا اعتقاد فاسد، فإنَّ الفضيلة لا تكونإلَّا للسَّابق بنفسه، وأمَّا المتحجِّر للمكان الفاضل، المتأخِّر عن الحضور، فلا يدرك شيئاًمِن الفضيلة، فإنَّ الفضل لا يحصل إلَّا للسَّابق بنفسه، لا لسبقِ عصاه، فلو كان في ذلكخير، لكان أولى النَّاس به الصَّحابةﭫ،وقد نزَّههم الله عن هذا الفعل القبيح، كمانزَّههم عن كل قبيح، فلو علم المتحجِّر أنَّه آثِم، وأنَّ صلَاتَه في مؤخّر المسجد أفضلُ له،وأسلمُ له مِن الإثم، لم يتجرَّأ على هذا، ولأبعد عنه غايةَ البعد، وكيف يكون مأجوراًبفعلٍ محرَّمٍ لا يجوز؟!
ومِن مفاسدِ ذلك: أنَّ المساجدَ لله،والنَّاس فيها سواء، وليس لأحد فيها حقٌّ إلَّا إذا تقدَّم بنفسه، فإذا سبَقَه غيرُه فهو أحقُّمنه، فإذا تحجَّر شيئاً لغيره فيه حقٌّ، كان آثماً عاصياً لله، وكان ظالماً لصاحب الحقِّ،وليس الحقُّ فيها لواحد، بل جميعُ مَن جاء قبلَه له حقٌّ في مكانه، فيكون قد ظلَم خلقاًكثيراً، ولو قدَّرنا أنّ إنساناً جاء والصَّفُّ الأوَّل قد تحجَّره المتحجِّرون بغير حقٍّ، فصفَّ فيالصُّفوف المتأخِّرة، كان أفضلَ منهم، وأعظمَ أجراً، وأسلمَ مِن الإثم، والله يعلم مِننيَّته أنَّه لو وجدَها خاليةً لصلَّى فيها، فهو الذي حصَّلَ فضلَها، وهُمْ حصَّلُوا الوزر، وفاتَهمالأجر.
ومِن مفاسِد ذلك: أنَّه يدعُوه إلى تخطِّي رقابِ النَّاسوإيذائِهم، وقد نهى الشَّارع عن ذلك، فيجمع بين التَّحجِّر والتَّأخر والتَّخطي، فيكون فاعلاًللنَّهي مِن وجوه متعدِّدة.
ومنها أنَّه إذا وضع عصاه، أوجبَ لهالكسَلَ والتَّأَخُّرَ عن الحضور، لأنَّه إذا عرف أنَّه يجد مكاناً في مقدَّم المسجد ولو تأخَّر،برَد قلبه، وكسَل عن التَّقدم، ففاته خيرٌ كثير، وحصَل له إثم كبير.
ومِن المفاسد: أنّه يحدثُ الشَّحناءَ والعَداوةَ والخُصومةَ في بيوتِ الله الَّتي لم تُبْنَإلَّا لذكر الله وعبادته.
ومِن المفاسد أنَّ صلَاة المتحِّجرناقصة، لأنَّ المعاصي إذا لم تُبْطِل الأعمال تنقِصها، ومِن العلماء مَن يرى أنَّ صلاةالمتحجِّرِ بغير حقٍّ غيرُ صحيحة، كالمصلِّي في مكان غصب، لا تصح صلاتُه، لأنَّه غصَبَه وظَلَمغيرَه.
ومِن مفاسد ذلك: أنَّ الذي يعتاد التَّحجُّر مُصِرٌّ علىمعصية الله، لأنَّه فاعل لها، جازم على معاودتها، والإصرارُ على المعاصي ينافيالإيمان، قال تعالى: ﴿وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾[آل عمران: 134]، والصَّغائر تكون كبائرَ مع الإصرارِ عليها.
ومِن العجب أنَّ أكثرَ مَنيفعلُ ذلك أناسٌ لهم رغبةٌ في الخير، ولعلَّه زال عنهم استقباح هذا الأمر لمداومتهمعليه، واقتداءِ بعضِهم ببعض، والرَّغبة في الخير لا تكونبالتَّقرب إلى الله بفعلٍ محرَّم، وإنَّما الرَّاغب في الخير مَن أبعَدَ عن معاصي الله، وعنظُلم النَّاس في حقوقِهم، فإنَّه لا يتقرَّبُ إلى الله إلَّا بطاعتِه.
وأعظمُ مِن ذلك أنْ يتحجَّرلنفسه ولغيره، فيجمع عدَّة مآثم، وشرُّ النَّاس مَن ظلم النَّاسَ للنَّاس فيشترك الحاميوالمحمى له في الإثم، فكيف يرضى المؤمن الموفَّق الذي في قلبه حياة، أنْ يفعل أمراًهذه مفاسدُه ومضارُّه؟!
فالواجب على كلِّ مَن يفعلُ ذلك، أنْ يتوبَإلى الله، ويعزَمَ على أنْ لا يعودَ، فإنَّ مَن علِم أنَّ ذلك لا يجوز، ثم أصرَّ على هذاالذَّنب، فهو متهاون بحرمات الله، متجرِّئ على معاصي الله، يُخْشى أنْ يكون مِمَّن يحبُّونأنْ يُحمدوا بما لم يفعلوا رياء وسمعة، يحبُّ أنْ يُحمد على صلاتِه في الصَّفِّ الأوَّل،والمكان الفاضل، وهو آثم ظالم لأهل المسجد، غيرُ محصِّل للفضيلة، ولكنَّه مصرٌّ على هذهالخصلة الذَّميمة الرَّذيلة، ونعتقدُ أنَّ المؤمنَ الحريصَ على دينه إذا علم أنَّ هذا محرَّم،وعلم ما فيه مِن المفاسد والمضارِّ، وتنقيصِ صلاتِه أو فسادِها، فإنَّه لا يقدِم عليه، ولايفعلُه، لأنَّه ليس له في ذلك مصلحةٌ في دينه ولا دنياه، بل ذلك مضرَّة محضة عليه،فالموفَّق يستعين الله على تركه، والعزم على أنْ لا يعود إليه، ويستغفر الله مِمَّاصدر منه، فإنَّ الله غفور رحيم، قال تعالى: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَوَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى﴾ [طه: 82].
ونسأل الله تعالى أنْ يحفظنا وإخوانَنا المسلمين مِن معاصيه، وأنْ يعفوَ عنَّا وعنهم ما سلفَمنها، إنَّه جواد كريم)[65].

تنبيهان


الأوَّل: من تقدَّم إلى المسجد وفي نيَّته انتظار الصَّلاة، ثم عرض له عارض من وضوءٍ ونحوِه فقام، فلا حرج عليه في حجز المكان حتَّى يرجع، لأنَّه أحقُّ بهذا المكان، لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْمِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ))[66].
والثَّاني:من جاء ووجد مكاناً محجوزاً فماذا يصنع؟
قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله: (ثُمَّ إذَا فَرَشَ هَذَا فَهَلْ لِمَنْ سَبَقَ إلَى الْمَسْجِدِ أَنْ يَرْفَعَ ذَلِكَ وَيُصَلِّي مَوْضِعَهُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا:لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ.
وَالثَّانِي:وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ لِغَيْرِهِ رَفْعَهُ وَالصَّلَاةَ مَكَانَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا السَّابِقَ يَسْتَحِقُّ الصَّلَاةَ فِي ذَلِكَ الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ أَيْضًا، وَهُوَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فِعْلِ هَذَا الْمَأْمُورِ وَاسْتِيفَاءِ هَذَا الْحَقِّ إلَّا بِرَفْعِ ذَلِكَ الْمَفْرُوشِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْمَأْمُورُ إلَّا بِهِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ، وَأَيْضًا فَذَلِكَ الْمَفْرُوشُ وَضَعَهُ هُنَاكَ عَلَى وَجْهِ الْغَصْبِ وَذَلِكَ مُنْكَرٌ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ
صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ»، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُرَاعَى فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يُؤَوَّلَ إلَى مُنْكَرٍ أَعْظَمَ مِنْهُ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ)[67].

الخُروج مِن المَسجد بعد الأذان

وهذا من الأخطاءِ الكبيرة الَّتي نراها تصدُر بين الحين والآخر من بعض مرتادي بيوت الله، وهذا الفعل منهم عجيب، فالأصل بعدَ سماعِ الأذان أو أثناءَه التَّوجهُ إلى بيوتِ الله لا الخروج منها، فالأَذَان دُعَاءٌ إلَى صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَاسْتِجْلَابٌ لِلْمُسْلِمِينَ إلَيْهَا، فَمَنْ خَرَجَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ الْمَسْجِدِ فَظَاهِرُهُ قَصْدُ خِلَافِهِمْ وَتَفْرِيقُ جَمَاعَتِهِمْ وَهَذَا مَمْنُوعٌ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ[68].
وقد ورد النَّهي الصَّريح الشَّديد عن هذا الفعل:
فعَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، قَالَ: كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمَسْجِدِ يَمْشِي فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَمَّا هَذَا، فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ ﷺ»[69].
قال النَّووي رحمه الله: (فِيهِ: كَرَاهَة الْخُرُوج مِنْ الْمَسْجِد بَعْد الْأَذَان حَتَّى يُصَلِّي الْمَكْتُوبَة إِلَّا لِعُذْرٍ)[70].
قال ابنُ عبد البر رحمه الله : (أَجْمَعُوا عَلَى الْقَوْلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ وَكَانَ عَلَى طَهَارَةٍ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ قَدْ صَلَّى وَحْدَهُ إِلَّا لِمَا لَا يُعَادُ مِنَ الصَّلَوَاتِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ بُسْرِ بْنِ مِحْجَنٍ، فَإِذَا كَانَ مَا ذَكَرْنَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْخُرُوجُ مِنَ الْمَسْجِدِ بِإِجْمَاعٍ إِلَّا أَنْ يَخْرُجَ لِلْوُضُوءِ وَيَنْوِيَ الرُّجُوعَ)[71].
ولا يستثنى من هذا الحكم إلاَّ من كان له عذرٌ شرعيٌّ كانتقاضِ طهارة، أو خوفِ فواتِ رفقة، أو كان إمامًا لمسجد آخر، ونحو هذا.
عَنْ عُثْمَانَ ﭬ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَدْرَكَهُ الْأَذَانُ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ خَرَجَ، لَمْ يَخْرُجْ لِحَاجَةٍ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ الرَّجْعَةَ، فَهُوَ مُنَافِقٌ»[72].
قال التِّرمذي رحمه الله : (وَعَلَى هَذَا العَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ: أَنْ لاَ يَخْرُجَ أَحَدٌ مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الأَذَانِ، إِلاَّ مِنْ عُذْرٍ: أَنْ يَكُونَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، أَوْ أَمْرٍ لاَ بُدَّ مِنْهُ.
وَيُرْوَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: يَخْرُجُ مَا لَمْ يَأْخُذِ الْمُؤَذِّنُ فِي الإِقَامَةِ.
وَهَذَا عِنْدَنَا لِمَنْ لَهُ عُذْرٌ فِي الخُرُوجِ مِنْهُ)
[73].
وقد أشار الإمام البخاري رحمه الله لهذه المسألة حيث ذكر في صحيحه: [باب: هَلْ يَخْرُجُ مِنَ المَسْجِدِ لِعِلَّةٍ؟].
ثم ذكر بسنده حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم خَرَجَ وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، وَعُدِّلَتِ الصُّفُوفُ، حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ، انْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ، انْصَرَفَ، قَالَ: «عَلَى مَكَانِكُمْ» فَمَكَثْنَا عَلَى هَيْئَتِنَا، حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً، وَقَدِ اغْتَسَلَ).
قال الحافظ ابنُ رجب رحمه الله: (مقصودُ البخاري بهذا الباب: أنَّه يجوز لمن كان في المسجد بعد الأذان أو بعد الإقامة أن يخرج منه لعذر، والعذر نوعان:
أحدهما: ما يحتاج إلى الخروج معه من المسجد، ثم يعود لإدراك الصَّلاة فيه، مثل أن يذكرَ أنَّه على غير طهارة، أو ينتقضَ وضوؤه حينئذ، أو يدافعَه الأخبثان، فيخرجُ للطَّهارة، ثمَّ يعودُ فيلحق الصَّلاة في المسجد، وعلى هذا دلَّ حديث أبي هريرة المخرَّج في هذا الباب.
والثَّاني: أن يكون العذر مانعاً من الصَّلاة في المسجد كبدعة إمامِه ونحوه، فيجوز الخروج منه - أيضا - للصَّلاة في غيره، كما فعل ابن عمر ﭭ، روى أبو داود من حديث أبي يحيى القتَّات، عن مجاهد، قال: كنت مع ابن عمر، فثوَّب رجل في الظُّهر أو العصر، فقال: (اخرج بنا؛ فإنَّ هذه بدعة)[74]...
وأمَّا الخروج بعد الأذان لغير عذر، فمنهيٌّ عنه عند أكثر العلماء)[75].
وقال الحافظ ابنُ حجر رحمه الله: (وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى تَخْصِيصِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ أَنْ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَقَالَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ فَإِنَّ حَدِيثَ الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ لَيْسَ لَهُ ضَرُورَةٌ فَيُلْحَقُ بِالْجُنُبِ الْمُحْدِثُ وَالرَّاعِفُ وَالْحَاقِنُ وَنَحْوُهُمْ وَكَذَا مَنْ يَكُونُ إِمَامًا لِمَسْجِدٍ آخَرَ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ) [76].

فائدة: فِي بيانِ العلَّةِ منْ هذَا النَّهي:
1. أنَّه يُخشى أن تفوتَه الصَّلاة جماعة[77].
2. أنَّ هذا من صفاتِ المنافقين، ومن أعمالِهم[78]، كما ورد ذلك صريحًا في أحاديثِ الكتاب.
ولاشكَّ في كون فاعل ذلك من المنافقين إن خرج راغباً عنها وآبياً من فعلها[79].
3. أنَّ فيه تشبُّها بالشَّيطان الذي يَخرج بعد سماع الأذان[80].
4. أنَّه قد يعرِّضُ الشَّخصَ الخارجَ للتُّهمةِ وإساءَةِ الظَّنِّ به[81].
قال الباجي رحمه الله : (قَوْلُهُ: إلَّا أَحَدٌ يُرِيدُ الرُّجُوعَ إلَيْهِ: اسْتِثْنَاءٌ لِمَنْ نَزَلَتْ بِهِ ضَرُورَةٌ مِنْ حَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ فَخَرَجَ لِيُزِيلَ الضَّرُورَةَ وَيَرْجِعَ فَيُدْرِكَ الصَّلَاةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ، فَإِنْ كَانَتْ الضَّرُورَةُ ظَاهِرَةً كَالرُّعَافِ وَنَحْوِهِ فَفِي ذَلِكَ بَيَانٌ لِحَاجَتِهِ وَإِزَالَةُ اللُّبْسِ فِي أَمْرِهِ وَمَانِعٌ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ ضَرُورَةً بَاطِنَةً فَيُظْهِرُ أَمْرًا يَقُومُ بِهِ عُذْرُهُ مِنْ قَبْضِهِ عَلَى أَنْفِهِ كَهَيْئَةِ الرَّاعِفِ[82])[83].
وقال المرغيناني رحمه الله : (لأنَّهُ يتَّهمُ بمخالفةِ الجماعةِ عيانًا)[84].
وقال الزَّيلعي رحمه الله : (لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِمُخَالَفَةِ الْجَمَاعَةِ عِيَانًا، وَرُبَّمَا يُظَنُّ أَنَّهُ لَا يَرَى جَوَازَ الصَّلَاةِ خَلْفَ أَهْلِ السُّنَّةِ كَمَا تَزْعُمُ الْخَوَارِجُ وَالشِّيعَةُ)[85].

صوتُ الموسيقَى ورنين الجوَّالات أثناءَ وقبلَ وبعدَ الصَّلاة

ممَّا ابتلينا به وابتليت به بيوت الله في هذه الأعصار، وصار لا يكاد يفارقنا في مساجدنا، بل وفي كل صلواتنا تقريبا-والله المستعان- صوتُ الموسيقى والغناء الذي ينبعثُ من الهواتف والجوَّالات، فما إن يكبِّر الإمامُ ويشرع المؤمنون في صلاتِهم مجاهدين أنفسَهم لاستحضار الخشوع أو الثَّبات عليه، حتَّى يكسِر ذلك الجوَّ الإيماني صوتٌ شيطانِي منبعثٌ من هاتفٍ لأحدِهم أو أكثر، وكثيرًا ما ترى أصحابَ هذه الجوَّالات يتورَّعون عن إطفائها خوفا من أن تبطلَ صلاتُهم، مفضِّلين –بفعلِهم- تركَ النَّاس لذلك المجون مستمعين، وعن صلاتهم غافلين. وإلى الله المشتكى.

وكان الواجب عليهم:
أوَّلا: تغييرُ صوت الموسيقى في رنَّة الهاتف إلى صوتٍ طبيعي، أو رنَّةٍ غيرِ موسيقيَّة، لأنَّ المقصود التَّنبيه إلى ورود مكالمة، وهذا يتحقَّق بعدة طرق.
ثانيًا: الاهتمامُ بتعظيم الصَّلاة وتعظيمِ بيتِ الله، فمبجرَّدِ إرادةِ دخولِها ينبغِي إطفاءُ الهواتف أو جعلِها على الصَّامت.
ثالثًا: إذا نسيَ إطفاءَ الهاتفِ أو جعلَه على الصَّامت ثمَّ رنَّ، فله أن يطفئه بل ربَّما وجبَ، لأنَّ الحركة إذا دعت إليها مصلحة فلا حرج، ولأنَّه ما لا يتمُّ الواجبُ إلَّا به فهو واجب.
رابعًا: يجب نصحُ من صدر منه هذا المنكر بعد انتهاء الصَّلاة برفق وحلم، ولا يشترط أن يكون نصحُه من إمام المسجد، بل لو فعل ذلك من كان بجانبه لحصل المقصود.
قال الشَّيخ ابنُ عثيمين رحمه الله : (لا بأس باستعمال الجوَّال والهاتف للمعتكف في المسجد إذا لم يشوِّش على النَّاس، فإن شوَّش على النَّاس فإنَّه لا يُستعمل؛ لأنَّ النَّبي
صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه ذات ليلة وهم يصلُّون في المسجد أوزاعاً ويجهرون في القراءة فقال: لا يؤذيَّن بعضكم بعضاً في القراءة، وكلُّكم يناجي ربَّه، وأمرَهم ألَّا يجهروا لئلَّا يؤذي بعضُهم بعضاً[86]، فإذا كانت هذه الجوَّالات أو البياجِر[87] تشوِّش على المصلِّين فإنَّ الواجب أن يغلقَها الإنسان حتَّى لا يشوِّش على إخوانِه)[88].
وقد سئل الشَّيخ عبد المحسن العبَّاد - حفظه الله-: هل إغلاق الجوَّال أثناء خطبة الجمعة يعد من اللغو؟ فأجاب حفظه الله : (الواجِب إغلاقُه قبل، لكنْ إذا حصَل الرَّنين وكان مفتوحًا، لا شكَّ أنَّ هذا من الأمور الَّتي لا بدَّ منها لأنَّ إغلاقَه أولى من تركِه يرنُّ يشوِّش على النَّاس).
وقال الشَّيخ عبد العزيز الرَّاجحي -حفظه الله-: (ينبغي للإخوان أن يراقبوا جوَّالاتِهم الَّتي فيها نغمات تشبه أصوات الموسيقى، فلابدَّ من أن يغيِّروا هذه النَّغمات، وينبغي للإنسان أن يغلقَ الجوَّال إذا دخل المسجد للصَّلاة أو للدَّرس حتَّى لا يشغل النَّاس، وينبغي لطلبة العلم ألَّا يتشبَّهوا بالفسَّاق، فليس هناك داعٍ لتلك النَّغمات، فاجعلها نغمةً عادية).

خاتمة هذه السلسلة

هذا آخر ما يسَّر الله جمعَه وبيانَه ممَّا يتعلَّق بالمساجد من مسائلَ وأحكام، ركَّزت فيه بصورة كبيرة على المخالفات التي تصدر من كثير من روَّاد بيوت الله، سواء فيما يتعلَّق بعمارتها الماديَّة أو المعنويَّة، ولم أقصد استقصاء الأخطاء ولا استيعابها، وإنَّما ذكرتُ ما ظهر لي أنَّه أهمُّها.
والقصد من هذا الجمع هو التَّنبُّه لهذه الأخطاء لتجتنب وتترك، فإنَّ المساجد أحبُّ البلاد إلى الله، وينبغي أن تكون لنا كذلك.
وقد بذلت في إخراجه بهذه الصُّورة جهدي، وهو مع ذلك جهد بشري لا يخلو من خطأ أو تقصير، فمن وجد خيرا فليعلم بأنَّه من توفيق الله وحده، ومن وجد غيرَ ذلك فهو منِّي وأستغفر الله وأتوب إليه منه، وليكن كما قال النَّاظم:
وإنْ تَجِدْ عَيبًا فَسُدَّ الخَلَلا *** فَجَلَّ مَنْ لَا فيهِ عَيبٌ وَعَلا
وفي الأخير أسأل الله سبحانه أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، إنَّه على ذلك قدير وبالإجابة جدير وهو حسبي ونعم الوكيل والحمد لله ربِّ العالمين.


مصطفى قالية
الثلاثاء 25 ذو القعدة 1434 هـ

الموافق لـ: 01 أكتوبر 2013م




[1]
(284).

[2] (10452).
[3] في صحيحه (6761).
[4](3/151)(1163).
[5]انظر: فتح القدير (1/422)، والبحر الرَّائق شرح كنز الدقائق (2/39)، ومراقي الفلاح شرح متن نور الإيضاح (ص 267).
[6]المدخل لابن حاج (1/48) و(2/227)
[7]كشاف القناع عن متن الإقناع (1/327).
[8] حاشيىة ابن عابدين (2/450).
[9]انظر المجموع(2/177)، وفتح الباري لابن رجب (3/345)، والموسوعة الفقهية الكويتية (35/118).
[10] انظر الثمر المستطاب(1/832).
[11]فتاوى نور على الدَّرب لابن عثيمين وسيأتي ذكره قريبا.
[12] انظر مرقاة المفاتيح(2/756).
[13] (670).
[14] في المسند (34/436 و 513).
[15]المحلى (3/160).
[16]المجموع(2/177).
[17]مجموع الفتاوى (22/200).
[18] فتاوى نور على الدَّرب (11/345).
[19] فتاوى نور على الدَّرب (11/348).
[20]فتاوى نور على الدَّرب لابن عثيمين الشَّريط (352) الوجه: أ.
[21] برقم (3433). والحديث صحيح. انظر صحيح الجامع (2/1065)(6192).
[22]في كتاب: الصلاة، بَابُ: التَّيَمُّنِ فِي دُخُولِ المَسْجِدِ وَغَيْرِهِ
[23] فتح الباري (1/523).
[24]الثَّمر المستطاب (2/603).
[25] أخرجه الحاكم في المستدرك (1/338)(791)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (2/620)(4322). وحسنه الألباني $ في سلسلة الأحاديث الصحيحة(5/624)(2478).
[26] انظر فتح الباري(1/523).
[27]أخرجه أبو داود في السنن (466)، ومن طريقه البيهقي في الدعوات الكبير (68). انظر صحيح أبي داود-الأم- (2/364)(485).
[28](713).
[29] الدَّارمي في المسند (1434)، وابن ماجه في السنن (772)، وأبو داود في السنن (440)، وابن ماجه في السنن (465)، وابن حبان في الصَّحيح (2048)، وغيرهم. انظر صحيح الجامع(1/150)(510).
[30] انظر شرح أبي داود للعيني (2/376)، وعون المعبود(2/94).
[31] مراقي الفلاح (ص 149)، تحفة المحتاج للهيتمي (2/168)، وكشاف القناع عن متن الإقناع (2/476)، وحاشية الروض المربع (4/89)، وشرح مسلم للنووي (5/224)، وحاشية السندي على ابن ماجه (1/260).
[32] انظر المحلى(2/380).
[33]الثّمر المستطاب(1/611).
[34]كشف المشكل من حديث الصَّحيحين (2/136)، و قد أشار إلى نحو هذا المعنى شيخ الإسلام $ انظر: مجموع الفتاوى (10/662).
[35]حاشية السِّندي على سنن ابن ماجه (1/259).
[36]ذهب إلى القولِ بوجوبِ الصَّلاة قبل الجلوس في المسجد: الظَّاهرية، وهو ظاهر صنيع ابنِ عوانة $ حيث بوَّب في مستخرجه (2/14) لهذه الأحاديث بقوله: [بَيَانُ إِيجَابِ الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى مَنْ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ...]، ورجَّح هذا القولَ ابنُ دقيق العيد، والصَّنعاني والشَّوكاني وغيرُهم، خلافا للجمهور ومنهم ابن حزم الظاهري الذين قالوا بالاستحباب فقط.
[37](1163).
[38] (714).
[39] إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1/288).
[40] نيل الأوطار (3/84).
[41] الثَّمر المستطاب (2/615).
[42] أخرجه البخاري في «المساجد»: (٤٣٣)، ومسلم في «صلاة المسافرين»: (١٦٥٤)، والترمذي في «الصلاة»:(٣١٦)، والنسائي في «المساجد»: (٧٣٠)، ومالك في «الموطإ»: (٣٨٦)، والدارمي في «سننه»: (١٣٦٥)، وابن حبان: (٢٤٩٩)، وأحمد: (٢٢٠٨٨)، من حديث أبي قتادة الأنصاري ﭬ.
[43] أخرجه البخاري في «التطوع»: (١١١٠)، ومسلم في «صلاة المسافرين»: (١٦٥٥)، وابن خزيمة: (١٨٢٩)، وأحمد: (٢٢٠٩٥)، من حديث أبي قتادة الأنصاري ﭬ. وأخرجه ابن ماجه في «إقامة الصلاة»: (١٠١٢)، وابن خزيمة: (١٣٢٥)، من حديث أبي هريرة ﭬ.
[44] أخرجه مسلم في «الجمعة» : (٢٠٢٣)، وأبو داود في «الصلاة»: (١١١٦)، وابن ماجه في «إقامة الصلاة»: (١١١٢)، وابن حبان: (٢٥٠٠)، وابن خزيمة: (١٨٣٥)، وأحمد: (١٣٩٩٦)، من حديث جابر بن عبد الله ﭭ.
[45] أخرجه البخاري في «الإيمان»: (٤٦)، ومسلم في «الإيمان»: (١٠٠)، وأبو داود في «الصلاة»: (٣٩١)، والنسائي في «الصلاة»: (٤٥٨)، ومالك في «الموطإ»: (٤٢٣)، وابن حبان: (١٧٢٤)، وابن خزيمة: (٣٠٦)، من حديث طلحة بن عبيد الله ﭬ.
[46] أخرجه ابن ماجه في «إقامة الصلاة»: (١١١٥)، من حديث جابر ﭬ. وأخرجه وأبو داود في «الصلاة»: (١١١٨)، والنسائي في «الجمعة»: (١٣٩٩)، وابن حبان: (٢٧٩٠)، وابن خزيمة: (١٨١٢)، وأحمد: (١٧٣٤٤)، والبيهقي: (٥٩١٥)، والحاكم: (١٠٩٣)، من حديث عبد الله بن بسر ﭬ. والحديث صحّحه الألباني في «صحيح الجامع»: (١٥٥).
[47] أخرجه البخاري في «العلم»: (٦٦)، ومسلم في «السلام»: (٥٦٨١)، والترمذي في «الاستئذان»: (٢٧٢٤)، ومالك في «الموطإ»: (١٧٢٤)، وابن حبان: (٨٦)، وأحمد: (٢١٤٠٠)، من حديث أبي واقد الليثي ﭬ.
[48]الفتوى رقم: (٦٥٢)، الصنـف: فتاوى الصلاة. من موقع الشيخ حفظه الله-.
[49] أخرجه أحمد في المسند (24/292)، والدارمي في السنن (2/835)، وابن ماجه في السنن (1428)، وأبي داود في السنن (862)، والنسائي في السنن (1112)، وفي الكبرى (700)، وغيرهم. والحديث في سلسلة الأحاديث الصحيحة (3/156)(1168).
[50]آداب المشي إلى الصلاة (ص 28).
[51] نقله عنه ملا علي القاري في مرقاة المفاتيح(2/727).
[52] نيل الأوطار(3/234).
[53] النهاية في غريب الحديث (5/104).
[54] النهاية في غريب الحديث (3/429-430).
[55] معالم السنن (1/212-213).
[56]انظر مرقاة المفاتيح(3/415).
[57]بِسُكُونِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا وَهِيَ الَّتِي لَا تَسْتَقِرُّ بَلْ تَضْطَرِبُ وَتَتَحَرَّكُ بِأَذْنَابِهَا وأرجلها، لِشَغَبِها وَحِدَّتها. انظر شرح النَّسائي للسيوطي (3/62).
[58]انظر زاد المعاد(1/217-218).
[59] انظر إصلاح المساجد(186-187).
[60] رواه البخاري(840)، ومسلم (33).
[61] رواه البخاري(480)، ومسلم(509).
[62] فتح الباري (4/50).
[63] شرح مسلم (4/226).
[64]مجموع الفتاوى (22/193).
[65] فتاوى الإمام السّعدي (ص 182).
[66] رواه مسلم (2179).
[67] مجموع فتاوى ابن تيمية(22/193).
[68] المنتقى للباجي (1/285)، وكشف المشكل من حديث الصحيحين (3/594).
[69] أخرجه مسلم (655).
[70] شرح مسلم(5/157).
[71] التمهيد (24/213).
[72] أخرجه ابن ماجه (734)، والطبراني في الأوسط (3842). وهو في سلسلة الأحاديث الصحيحة (6/56)(2518).
[73]انظر جامع الترمذي (1/279).
[74] أخرجه أبو داود في السنن (538)، والطبراني في الكبير (13486)، والبيهقي في السنن الكبرى (1990) وإسناده حسن. انظر إرواء الغليل (1/254)(236).
[75] فتح الباري (5/425-426).
[76] فتح الباري (2/121).
[77] أعلام الموقعين (3/118).
[78] المنتقى للباجي (1/285)،
[79] البيان والتحصيل (17/105).
[80] الحاوي للفتاوي للسيوطي (1/38).
[81] انظر الهداية مع العناية (1/474).
[82]عَنْ عَائِشَةَ ڤ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِذَا أَحْدَثَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَأْخُذْ عَلَى أَنْفِهِ ثُمَّ لِيَنْصَرِفْ)). أخرجه ابن حبان في الصحيح (2238)، والدارقطني في السنن (589). وهو صحيح. انظر التعليقات الحسان (4/87)(2235).
[83] المنتقى (1/285).
[84] الهداية في شرح بداية المبتدي (1/71).
[85] تبيين الحقائق (1/182).
[86] حديث صحيح أخرجه أحمد في المسند (11896) وغيرُه، ولفظه: ((إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَرْفَعَنَّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقِرَاءَةِ)) .
[87]البياجر جمع بيجر، وهو: جهاز الكتروني للتَّنبيه صغير يسهل حمله ويستخدم لاستقبال الرّسائل قصيرة أو رقم الشَّخص الذي يحاول الاتصال بالجهاز، وكان استعماله بكثرة قبل انتشار الجوَّالات.
[88]مجموع فتاوى ابن عثيمين (24/78).


التعديل الأخير تم بواسطة مصطفى قالية ; 08 Dec 2013 الساعة 04:00 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08 Dec 2013, 06:48 PM
عبد المالك البودواوي عبد المالك البودواوي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 123
افتراضي

بارك الله فيك كفيت ووفيت

التعديل الأخير تم بواسطة أبو معاذ محمد مرابط ; 08 Dec 2013 الساعة 07:00 PM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 08 Dec 2013, 09:50 PM
أبو أمامة حمليلي الجزائري أبو أمامة حمليلي الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jun 2011
الدولة: مدينة أبي العباس غرب الجزائر
المشاركات: 409
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو أمامة حمليلي الجزائري إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو أمامة حمليلي الجزائري
افتراضي

احسن الله إليكم .
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 08 Dec 2013, 09:55 PM
بلال بريغت بلال بريغت غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: قسنطينة / الجزائر.
المشاركات: 436
إرسال رسالة عبر Skype إلى بلال بريغت
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي مصطفى
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 08 Dec 2013, 11:13 PM
أبو عبد الله يوسف بن الصدّيق أبو عبد الله يوسف بن الصدّيق غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2011
الدولة: مدينة تقرت، الجزائر
المشاركات: 320
إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبد الله يوسف بن الصدّيق
افتراضي

جزاك الله خيرا
سلسلة مفيدة ورائعة للغاية
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 09 Dec 2013, 08:24 AM
مصطفى قالية
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

جزاكم الله خيرا إخوتي الكرام على مروركم وحسن كلامكم.
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 09 Dec 2013, 08:34 AM
عثمان بوشايبة عثمان بوشايبة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2013
المشاركات: 155
افتراضي

جزاك الله خيرا شيخنا على هذة الحلقات النفيسة التي تعتبرمشروع من المشاريع التي كنت أتمناها أسأل الله أن يسخر لنا من يقوم بطباعة هذه الحلقات في مجلد وتوزيعها مجانا على كافة مساجد هذا البلد لأنها تستحق ذلك.
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 09 Dec 2013, 08:05 PM
أبو عبد المحسن زهير التلمساني أبو عبد المحسن زهير التلمساني غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
الدولة: تلمسان حرسها الله من الشرك والبدع
المشاركات: 394
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أحسن الله إليك ونفع بك إخوانك السلفيين وعامة المسلمين يا شيخ مصطفى
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 10 Dec 2013, 08:16 AM
مصطفى قالية
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

جزاكما الله خيرا أيها الفاضلين: عثمان وزهير.
وأقول لأخي عثمان يسر الله ما ترجو وتؤمل.
ولأخي زهير جعلك الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر.
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 10 Dec 2013, 08:47 AM
مراد براهيمي مراد براهيمي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2013
الدولة: الدولة الجزائر/برج بوعريريج
المشاركات: 355
افتراضي

جزاك الله أفضل الجزاء وأجزله أيها الفاضل أستاذ مصطفى. موضوع طيب استفدت منه كثيرا.
أسأل الله تعالى أن يجعله في ميزان حسناتكم وأن يثقل به صحيفة أعمالكم.

التعديل الأخير تم بواسطة مراد براهيمي ; 10 Dec 2013 الساعة 09:10 AM
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 10 Dec 2013, 08:57 AM
مراد براهيمي مراد براهيمي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2013
الدولة: الدولة الجزائر/برج بوعريريج
المشاركات: 355
افتراضي

وأنا أؤيِّدُ الأخ عثمان فيما أمَّل وجزى الله خيرا الأخ خالد على التنبيه

التعديل الأخير تم بواسطة مراد براهيمي ; 15 Dec 2013 الساعة 01:39 PM
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 10 Dec 2013, 09:52 AM
عبد الله سنيقرة عبد الله سنيقرة غير متواجد حالياً
عفا الله عنه
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 268
افتراضي

جزاكم الله خيرا وبارك فيكم ونفع بكم
وأنا أيضاً أضم صوتي إلى صوت إخواني
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 10 Dec 2013, 10:28 AM
أبو البراء
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

وأنا أيضا أؤيد الأخ عثمان فيما أمَّل.
لكني لا أؤيِّد إخواني في قولهم: "أضمُّ صوتي إلى صوت.."، فإنه تركيبٌ صحفي ممجوج بعيد عن تراكيب الفصحى، والعجب أن كلمة "الصحفي" طابقت كلمة "الفصيح" في حروفه كلِّها، لكن بينهما في كثير من الأحيان بونٌ كبير، وهذا يدلُّ على أنَّ الاشتقاق الكُبَّار الذي افترعه ابن جني ليس مطَّردًا في جميع موارده!
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 10 Dec 2013, 02:44 PM
ياسين مزيود ياسين مزيود غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 122
افتراضي

بورك في هذا الجهد وجعله ذخرا لكم يوم القيامة ورفعكم به درجات
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 11 Dec 2013, 08:07 AM
زين الدين صالحي
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

جزاكم الله خيرا وبارك فيكم ونفع بجهودكم الطيبة.
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أضاحي, الصلاة, فقه

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013