قيد الفوائد من مجالس مشايخنا الأماجد"لا حول ولا قوة إلا بالله" معناها موضعها فوائدها"

[أبو عبد الله حيدوش]

بسم الله الرحمن الرحيم
وبعد فهذه فائدة جليلة القدر في معنى قول ( لا حول ولا قوة إلا بالله) بشرح وافٍ مما تيسر لي إفادته وتقييده من مجلس شيخنا الفاضل أبو عبد الله عمر الحاج مسعود - حفظه الله ورعاه - فإنَّه من توفيق الله علي أن يسر لي حضور مجالس شيخنا - حفظه الله- وذلك في شرحه لكتاب بلوغ المرام للحافظ ابن حجر- عليه رحمة الله- ولما كان هذا العلم صيد والكتابة قيد وكان المقصود من حضور مجالس العلم رفع الجهل عن النفس ثم السعي في رفعه عن الآخرين أحببت أن أشارك إخواني ببعض مايسره الله لي :
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يا عبد الله بن قيس ، ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوة إلا بالله } متفق عليه
راوي الحديث هو أبو موسى الأشعري واشتهر بكنيته.
زاد النسائي : { لا ملجأ من الله إلا إليه } .
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفي مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة قال قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟قال بلى: لا حول ولا قوة إلا بالله. يقول الله عزوجل أسلم عبدي واستسلم} -يعني إذا قال:لا حول ولا قوة إلا بالله- وفي رواية للحاكم قال له:{ألا أدلك على كلمة من تحت العرش من كنز الجنة:تقول لا حول ولا قوة إلا بالله. فيقول الله -عزوجل- [أسلم عبدي واستسلم]قال الحاكم حديث صحيح ووافقه الذهبي والألباني
شرح الحديث:
ألا: أداة استفتاح الغرض منها التنبيه والإثارة
أدلك على كنز:أصل الكنز المال المدفون تحت الأرض. .والكنز هو أنفس الأموال يقال فلان عنده كنز عنده مال نفيس وكنز جمع وادخر.
{لا حول ولا قوة إلا بالله}
الحول: الحركة والتحول والحيلة .
والقوة: الطاقة على الشيء وله قوة على هذا الفعل:له طاقة عليه أي لا حركة ولا استطاعة ولا حيلة إلا بمشيئة الله .
{ لا ملجأ من الله إلا إليه }
هو الملجأ والملاذ والمهرب.
ليس للعبد حيلة ولا قدرة على التحول من حال إلى حال من المعصية إلى الطاعة ومن الفقر إلى الغنى ومن الضعف إلى القوة. .. إلا بالله ولا قدرة ولا طاقة له في جلب خير إلا بإذن الله
قال الطحاوي (لا حيلة لأحد ولا حركة لأحد ولا تحول لأحد من معصية إلا بمعونة الله ولا قوة لأحد على إقامة طاعة الله والثبات عليها إلا بتوفيق الله) والمعنى أن العبد لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلا بإذن الله.
قال تعالى لنبيه :
قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) ) الآية
فهذا سيد ولد آدم أمره الله عزوجل أن يقول هذا وأن يبلغه وأن يعلمه. ..
وقال سبحانه وتعالى: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ۚ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) )الآية.
-معنى انها من كنوز الجنة ؟
قال العلماء: أن ثوابها نفيس ومدخر كالكنز. .وقال بعضهم: معنى ذلك أنها من محصلات نفائس الجنة. . وقال بعضهم في هذه الكلمة أصول الإيمان وحقائقه من التوكل على الله والافتقار إليه والإيمان بقدره.
فيها تحقيق التوحيد والإيمان بالقدر:
فالعبد إذا قالها ينبغي له أن يكون متوكلا على الله مستعيناً به مفوضا أمره إليه. ..
قال شيخ الإسلام رحمه الله (والكنز مال مجتمع لا يحتاج إلى جمع وذلك أنها- يعني هذه الكلمة- تتضمن التوكل والافتقار إلى الله تعالى ومعلوم انه لا يكون شيء إلا بمشيئته وقدرته وأن الخلق ليس منهم شيء إلا ما أحدثه الله فيهم فإذا انقطع طلب القلب للمعونة منهم وطلبها من الله فقد طلبها من خالقها الذي لا يأتي بها إلا هو)
ولا شك ان العبد إذا وصل إلى هذه الدرجة كان سعيداً وكان محققاً للتوحيد الخالص الذي أمر به الله جل وعلا فنال هذه الكنوز التي هي من تحت العرش.
وهذه الكلمة إسلام واستسلام كما في الرواية الثانية.
استسلام:لأحكام الله الشرعية والقدرية (وربك يخلق ما يشاء ويختار) الآية
فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطئه لم يكن ليصيبه ورضي بأحكام الله وشرعه لأن الله هو الذي شرعها ورضيها لعباده.
-هذه الكلمة كلمة استعانة وتوكل وليست كلمة استرجاع
هذه الكلمة كلمة استعانة وتوكل ف(لا حول ولا قوة إلا بالله) تقال عند قول المؤذن حي على الصلاة حي على الفلاح وفائدة هذا أن الله هو الذي يعين العبد على المحافظة على الصلاة والاتيان إليها فكل ذلك بتوفيق الله سبحانه وتعالى.
فهي كلمة استعانة وتوكل
(لا حول ولا قوة إلا بالله) ليست كلمة استرجاع! يخطىء من إذا بلغه نبأ موت أحدهم قال لا حول ولا قوة إلا بالله والمشروع في حقه أن يقول (إنا لله وإنا إليه راجعون..) الدعاء
وهناك من يقولوها عند الغضب! ؟ ولا معنى لذكر هذه الكلمة عند مثل هذه المواقف فهي كلمة توكل واستعانة وتفويض.
يقول شيخ الإسلام:هي كلمة استعانة لا كلمة استرجاع وكثير من الناس يقولوها عند المصائب بمنزلة الاسترجاع ويقولوها جزعا لا صبر)
فوائد
من أنفع الأدعية أن يطلب العبد عون الله عزوجل كما في قوله تعالى: [إياك نعبد وإياك نستعين]الآية وفي الدعاء الذي علمه صلى الله عليه وسلم لمعاذ (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)
قال ابن تيمية رحمه الله (تأملت أنفع الدعاء هو سؤال العون على مرضاته ثم رأيته في الفاتحة في قوله تعالى [إياك نعبد وإياك نستعين]
هذه الكلمة فيها الإيمان بالقدر.
لا حول ولا قوة إلا بالله:لا حيلة في التنقل والتحول من حال إلى حال ولا قوة في جلب العبد لنفسه ما ينفعه إلا بإذن الله وفي هذا الإيمان بالقدر وأن كل شيء من الله وبإذنه وأنه الفعال لما يريد ما شاء كان ومالم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا به.
(إعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك)
فإذا أمن العبد بهذا كان مرتاح البال مطمئن.
قال ابن تيمية في هذه الكلمة: (بها تحمل الأثقال وتكابد الأهوال وينال رفيع الأحوال)
-لا ملجأ من الله إلا إليه
هذه الزيادة في حديث أبي هريرة تابعة للكلمة الأولى.
(لا ملجأ من الله إلا إليه)
فالإنسان مهما هرب من الله يرجع إلى الله.
يموت فيبعث ويحاسب ويجازى فلا ملاذ من الله إلا إليه كما أنه لا مهرب من عذاب الله إلا إلى الله بالتوبة والاستغفار والفرار إلى الله العزيز الغفار. كما قال عزوجل [ففروا إلى الله] فالله هو الذي ينجي من نفسه بنفسه وهو الذي يعيذ بنفسه من نفسه وهو الذي يأتي بالحسنات ويذهب بالسيئات والعبد لا يملك شيئا من ذلك لذلك لا ينفع إلا الفرار إلى الله واللجوء إليه وفي هذا تحقيق للتوحيد والإيمان بالقدر.
تحقيق التوحيد بعبادة الله وامتثال أمره والتوبة إليه وللقدر وذلك بالإيمان أن الله على كل شيء قدير وأنه فعال لما يريد.
فصل
من فهم هذا فهم دعاء النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا احصي عليك ثناء انت كما اثنيت على نفسك)
فمن أيقن انه لا حول ولا قوة إلا بالله وأنه لا ملجأ من الله إلا إليه انقطع تعلقه بالعباد وعلق قلبه بالله رب العباد توكل عليه ورجا عفوه وطلب الفرج منه عزوجل وأكثر من الدعاء وألح فيه وواضب عليه وأيقن أن الله هو السميع القريب المجيب وهو الذي يفرج الكربات قال تعالى(وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)
-قوله تعالى ( وَظَنُّوا ) بمعنى ايقنوا-
كعب بن مالك وصاحباه رضي الله عنهم أصابهم ما أصابهم من الهم هجرهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام خمسين ليلة ومع ذلك كان في قلوبهم التوكل على الله والاعتماد عليه والثقة به سبحانه وتعالى علقوا قلوبهم بالله وكانوا ينتظرون الفرج ويدعون الله ليل نهار ففرج الله عنهم وتاب عليهم لما ظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه هربوا إليه بتوحيده ودعاءه والتضرع إليه فتاب عليهم وأصلح بالهم.
وهكذا يجب أن يكون المسلم.
قيده (بتصرف يسير) أبو عبد الله حيدوش

[موسى بن أحمد مستوي]

جزاك الله خيرا أخي العزيز .

[فارس شريطي]

جزاك الله خيرا وبارك فيك

[معبدندير]

جزاكم الله خيرا

[أبو عبد الله حيدوش]

وجزاكم الله خيرا أيها الإخوة الكرام بوركتم سررت بمروركم وإهتمامكم بما ينقل عن مشايخنا
ولقد بلغني عن بعض أفاضل إخواني من أئمة مساجد ولاية سطيف حرسها الله تدريسه لهذا الشرح وعزوه لشيخنا أبو عبد الله عمر الحاج مسعود حفظه الله فجزاه الله خير الجزاء