منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 Mar 2013, 07:05 PM
رضا عثمان رضا عثمان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 86
افتراضي أهمّ الفوائد والأحكام المستفادة من قصّة الراهب والساحر والملك والغلام

بسم الله الرحمان الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلّا الله وليّ الصالحين، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، المصطفى الأمين، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين. أمّا بعد:

فهذه محاولة لجمع قصّة الراهب، والساحر والملك والغلام، مع استلال أهمّ الفوائد والأحكام منها ؛
أسأل الله تعالى أن ينفع بها، إنّه وليّ ذلك والقادر عليه.

فأبتدئ أوّلا بذكر من خرّج القصّة، وبيان درجة بعض الروايات.
ثمّ أذكر القصّة معتمدا على رواية الإمام مسلم، ضامّا إليها الزيادات، مشيا على طريقة الشيخ الألباني -رحمة الله تعالى علينا وعليه-.
وفي الأخير أذكر أهمّ الفوائد والأحكام المستنبطة من القصّة.


أوّلا: التخريج


روى هذا الحديث:
ثابت البُناني عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن صهيب مرفوعا.

رواه عن ثابت: حمّاد بن سلمة ومعمر.

ورواه عن حمّاد:
1- هدبة (أو هدّاب) بن خالد، رواه عنه:
أ/ مسلم (رقم 5438).
ب/ ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (رقم 273).
ج/ الحسين بن سفيان، رواه عنه ابن حبّان (رقم 873)، صحّحه الألباني.
2- عفّان بن مسلم، رواه عنه:
أ/ أحمد بن حنبل (رقم 23320)، صحّحه الألباني في صحيح الجامع رقم 4461.
ب/ أحمد بن سليمان، وعنه النسائي في الكبرى (رقم 11215)، قال ابن حجر في التقريب: ثقة حافظ.
ج/ عمرو بن علي الفلّاس، وعنه البزّار (رقم 1842)، قال ابن حجر في التقريب: ثقة حافظ.
د/ محمّد بن إسحاق، وعنه محمّد بن يعقوب، وعنه أبو عبد الله الحافظ، وعنه البيهقي في الشعب (رقم 1583).
3- قبيصة بن عقبة، رواه عنه ابن أبي شيبة (رقم 482).
4- حرمي بن عمارة، عنه محمّد بن معمر، عنه الطبري (رقم 34175).
5- عليّ بن عثمان، عنه محمّد التمّار، وعنه الطبراني1 في الكبير (رقم 7152).

ورواه عن معمر: عبد الرزّاق، وعنه:
1- محمود بن غيلان، وعنه الترمذي (رقم 3345)، صحّحه الألباني.
2- عبد بن حميد، وعنه الترمذي (رقم 3345)، صحّحه الألباني.
3- إسحاق بن إبراهيم الدبري، وعنه الطبراني2 في الكبير (رقم 7151).


فالعمدة روايات: مسلم، وأحمد، والترمذي، وابن حبّان.
وروايات: ابن أبي عاصم، والنسائي، والبزّار ظاهرة الصحّة.
والطرق الأخرى ليس فيها ضعيف شديد الضعف، والله أعلم.

هذا، وقد اعتمدت في سرد القصّة على رواية مسلم، وأضفت إليها أكثر الزيادات من سائر الطرق، علما أنّ كثيرا من الزيادات عبارة عن إضافات توضيحية لما يقتضيه السياق من الروايات الصحيحة.


سرد القصّة


كَانَ مَلِكٌ [مِنَ الْمُلُوكِ][1] فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَكانَ لَهُ سَاحِرٌ،
فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ لِلْمَلِكِ: إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ، [وَحَضَرَ أَجَلِي][2]، فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلَامًا [فَهِمًا - أَوْ قَالَ: فَطِنًا - لَقِنًا][3] أُعَلِّمُهُ السِّحْرَ، [فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ أَمُوتَ، فَيَنْقَطِعَ مِنْكُمْ هَذَا الْعِلْمُ، وَلَا يَكُونُ فِيكُمْ مَنْ يَعْلَمُهُ][4].
فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلَامًا [له][5] [عَلَى مَا وَصَفَ][6]يُعَلِّمُهُ [وَأَمَرُوهُ أَنْ يَحْضُرَ ذَلِكَ الْكَاهِنَ، وَأَنْ يَخْتَلِفَ إِلَيْهِ][7].
فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ [بَيْنَ السَّاحِرِ وَبَيْنَ الْمَلِكِ][8] رَاهِبٌ [في صومعة][9]؛
فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلَامَهُ وَأَعْجَبَهُ [نَحْوُهُ وَكَلَامُهُ][10].
[فَجَعَلَ الْغُلَامُ يَسْأَلُ ذَلِكَ الرَّاهِبَ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ [عَنْ دِينِهِ][11] حَتَّى أَخْبَرهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَعْبُدُ اللهَ][12].
فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ،
فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ، [وَقَالَ: مَا حَبَسَكَ؟][13] ؛
[وَإِذَا رَجَعَ مِنْ عِنْدِ السَّاحِرِ قَعَدَ إِلَى الرَّاهِبِ وَسَمِعَ كَلَامَهُ [فَيُبْطِئُ][14]][15] [فَإِذَا أَتَى أَهْلَهُ ضَرَبُوهُ،][16] [وَقَالُوا: مَا حَبَسَكَ؟][17].
فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ، فَقَالَ [لَهُ][18]:
[أَيْ بُنَيْ][19]إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ [أَنْ يَضْرِبَكَ][20]فَقُلْ: حَبَسَنِي أَهْلِي،
وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ [أَنْ يَضْرِبُوكَ][21]فَقُلْ: حَبَسَنِي السَّاحِرُ.
فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى [جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ كَثِيرَةٍ قَدْ حَبَسَتْهُمْ][22]دَابَّة [فَظِيعَة][23]عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسْتِ النَّاسَ [فَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَجُوزُوا][24][فقال بعضهم: إنّ تلك الدابّة كانت أسد][25]؛
فَقَالَ: الْيَوْمَ أَعْلَمُ: آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ ؟
فَأَخَذَ حَجَرًا ثُمَّ قَالَ: [ ][26] اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ [وَأَرْضَى لَكَ][27]مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ، [وَإِنْ كَانَ مَا يَقُولُ الْكَاهِنُ حَقًّا فَأَسْأَلُكَ أَنْ لَا أَقْتُلَهَا][28]؛
فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا، وَمَضَى النَّاسُ.
[فَقَالَ النَّاسُ: مَنْ قَتَلَهَا؟ فَقَالُوا: الْغُلَامُ. فَفَزِعَ النَّاسُ [إِلَيْهِ][29]، وَقَالُوا: قَدْ عَلِمَ هَذَا الْغُلَامُ عِلْمًا لَمْ يَعْلَمْهُ أَحَدٌ][30].
فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ.
فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: أَيْ بُنَيَّ؛ أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي؛
قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى ؛
وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى، فَإِنِ ابْتُلِيتَ فَلَا تَدُلَّ عَلَيَّ.
وَكَانَ الْغُلَامُ يُبرئ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوَاءِ[وَيُشْفِيهِمْ][31].
فَسَمِعَ به جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ -كَانَ قَدْ عَمِيَ-؛
فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقَالَ:
مَا هَاهُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي.
قَالَ: [لَا أُرِيدُ مِنْكَ هَذَا][32] إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا، إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ.
فإن أنتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ؛ دَعَوْتُ اللَّهَ؛ فَشَفَاكَ.
فَآمَنَ بِاللَّهِ؛ [فَدَعَا اللهَ لَهُ][33]فَشَفَاهُ اللَّهُ.
فَأَتَى الْمَلِكَ [يَمْشِي][34] فَجَلِسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ؛
فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: [فُلَانُ!][35] [أليس كنت أعمى ؟ قال: نعم ؛ قال: فـ][36] مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟
قَالَ: رَبِّي.
[قَالَ: أَنَا؟!
قَالَ: لَا، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ][37].
قَالَ: وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي؟
قَالَ: [نعم؛][38] رَبِّي وَرَبُّكَ [وَاحِدٌ][39] الله.
فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبْهُ [فَقَالَ: لَتَدُلَّنَّنِي عَلَى مَنْ عَلَّمَكَ هَذَا][40]حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلَامِ.
فَجِيءَ بِالْغُلَامِ؛ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ:
أَيْ بُنَيَّ؛ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبرئ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ؟
قَالَ: إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا، إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ [وَحْدَهُ][41].
[قَالَ: أَنَا؟
قَالَ: لَا][42]، [وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ وَاحِدٌ][43]
[قَالَ: أَوَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي؟
قَالَ: نَعَمْ؛][44] [رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ][45] [وَاحِدٌ][46]
فَأَخَذَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبْهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ.
فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ [فَأَخَذَهُ بِالْعَذَابِ][47]، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ ؛ فَأَبِى.
[فَقَالَ الْمَلِكُ: لَأَقْتُلَنَّ كَلَّ وَاحِدٍ مِنْكِمْ قِتْلَةً لَا أَقْتُلُ بِهَا صَاحِبَهُ][48].
فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ، فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ؛ فشُقَّ بِهِ، حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ [فِي الْأَرْضِ][49].
[ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ فَقِيلَ:
ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ [أَوْ لَأَقْتُلَنَّكَ][50]!
فَأَبِى.
فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ [إلى الأرض][51]][52].
ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلَامِ؛ فَقِيلَ لَهُ:
ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ [أَوْ لَأَقْتُلَنَّكَ][53]فَأَبِى!
فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ:
اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ؛ فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ، وَإِلَّا فَاطْرَحُوهُ [مِنْ رَأْسِهِ][54]!
فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ؛ فَقَالَ:
اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ !
فَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ، فَسَقَطُوا [أَجْمَعُونَ][55][حَتَّى لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْغُلَامُ][56]؛ وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ.
فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟
قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ!
فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ؛ فَقَالَ:
اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ، فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ، [فَلَجِّجُوا بِهِ،][57] فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ، وَإِلَّا فَاقْذِفُوهُ!
فَذَهَبُوا بِهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ !
فَانْكَفَأَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ فغَرِقُوا [أَجْمَعُونَ][58]؛
وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ؛
فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟
قَالَ: [دَعَوْتُ اللهَ][59]كَفَانِيهِمُ اللَّهُ.
[قَالَ: لَأَقْتُلَنَّكَ][60].
فَقَالَ لِلْمَلِكِ: [وَاللهِ][61]إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ !
[فَإِنْ أَنْتَ فَعَلْتَ مَا آمُرُكَ بِهِ قَتَلْتَنِي][62]، [وَإِلَّا فَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ قَتْلِي][63]،
قَالَ: وَمَا هُوَ؟
قَالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كنانتي[64]، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قُلْ: بِسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ ارْمِنِي؛
فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي!
فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبِدِ قَوْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ رَمَاهُ ؛
فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ[65]، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ؛ فَمَاتَ[رحمه الله][66]!
فَقَالَ النَّاسُ: [لَقَدْ عَلِمَ هَذَا الْغُلَامُ عِلْمًا مَا عَلِمَهُ أَحَدٌ][67]؛ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ !آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ !آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ !
فأُتي الْمَلِكُ، فَقِيلَ لَهُ:
أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ، قَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ؛ قَدْ آمَنَ النَّاسُ [كُلُّهُمْ][68]!
[فَقِيلَ لِلْمَلِكِ: أَجَزِعْتَ أَنْ خَالَفَكَ ثَلَاثَةٌ فَهَذَا الْعَالَمُ كُلُّهُمْ قَدْ خَالَفُوكَ][69]
فَأَمَرَ بِالْأُخْدُودِ في أَفْوَاهِ السِّكَكِ، فخُدَّتْ [(و)أَلْقَى فِيهَا الْحَطَبَ][70]وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ؛
وَقَالَ: [مَنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ فَدَعُوهُ، وَ][71]مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فيها!
أَوْ قِيلَ لَهُ: اقْتَحِمْ!
فَفَعَلُوا، [فَجَعَلُوا يَتَقَحَّمُونَ[72] فِي النَّارِ][73]، [فَكَانُوا يَتَعَادَوْنَ[74] فِيهَا وَيَتَدَافَعُونَ][75]؛
حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا [تُرْضِعُهُ][76]،
[فَلَمَّا ذَهَبَتْ تَقْتَحِمُ وَجَدَتْ حَرَّ النَّارِ، فَنَكَصَتْ][77]؛
فَـ[كَأَنَّهَا][78]تَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا؛
فَقَالَ لَهَا الْغُلَامُ: يَا أُمَّهْ؛ اصبِرِي، فإنَّكِ على الحقِّ.


أهمّ الفوائد والأحكام المستفادة من القصّة


1- ضعف الملوك الجبابرة، وعدم نصحهم لرعاياهم.
حيث كثيرا ما كانوا يستعينون بالسحرة لإقناع شعوبهم بالخضوع لهم، أو لقهرهم واضطهادهم.


2- أنّ علم العالم قد يندرس إذا لم يعتن به الطلبة.


3- أفضل فترة للتعليم هي فترة الصغر، ومن أهمّ مقوّمات التعليم الذكاء وسرعة الحفظ.


4- دقّة تدبير الله تعالى للأمور.
حيث إنّ الله تعالى قدّر أنّ الراهب استقرّ في الطريق بين بيت والِدَيِ الغلام وبيت الساحر. وهذا حتّى يمرّ عليه الغلام ويستفيد منه بعد زمان.


5- لم يَخْلُ زمان مِن أهل الإيمان والعلم نافع؛ وهذا حتّى عند وجود الملوك المضطهِدين.


6- المؤمنون والصالحون والعلماء يمتازون عادة بالأخلاق الطيّبة المباركة، وكلامهم نافع ومستعذب، ويتّصفون بصفات ظاهرة يكتسبون بها طمأنينة الناس وثقتهم.


7- من ذاق العلم الصحيح والنافع لا ينفكّ يستعذبه، ولا يستطيع أن يستغني عنه.
حيث أنّ حال الراهب وكلامه أعجب الغلام، فلم ينفكّ عن ملازمته، حتّى بعد نيله الضرب بسبب تأخّره.
فكان يمرّ عليه عند ذهابه إلى الساحر، وعند إيّابه إلى أهله.


8- أرشد الراهبُ الغلامَ إلى الكذب على الساحر وعلى والديه إمّا اضطرارا، لقلّة أهل الإيمان في ذلك الزمان، ولفراسة لعلّه شعر بها؛ وإمّا أنّه أرشده إلى التورية والمعاريض.


9- الغلام كان يجلس إلى الراهب، ولكنّه كان يجلس إلى الساحر أيضا -اضطرارا، لأنّ الملك أمره بذلك-؛ فاستغلّ حادثة الدابّة لرفع كلّ شكّ، ودفع كلّ ريب.


10- إنّ الله جلّ جلاله قد يستجيب دعوة الصالحين، وقد يحقّق على أيديهم كرامات، تكريما لهم، ورفعا لمقامهم، وحجّة وبيانا لغيرهم ليعرفوا أنّهم على الحقّ المبين.


11- ظهر للناس الحاضرين في حادثة الدابّة كرامة الغلام، وعلموا أنّه امتاز عن غيره بشيء عظيم.


12- ضرورة رجوع التلميذ إلى شيخه متى استشكل الأمور، وأنّه قد لا يستغني عن علمه وحكمته وخبرته.
أرشد إلى ذلك رجوعُ الغلام إلى الراهب، حيث قصّ عليه خبر الدابّة، طالبا منه النصح والتوجيه.


13- قد يفوق التلميذُ الشيخَ، ولا حرج ولا تثريب على أيِّ واحد منهما، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
حيث تواضَعَ الراهبُ عند سماع قصّة الغلام، واعترف أنّ الغلام أصبح خيرا منه، رغم أنّه كان سببا.


14- أهل الصدق والإخلاص لا يهتمّون بالشهرة والرياسة، بل همّهم الوحيد انتشار الخير، سواء كان على أيديهم أو على أيدي غيرهم.


15- قد يتكرّم الله على العالم بتلميذ يكون السبب في نشر علمه ودعوته.


16- أظهر الراهب إحاطة بالعلم والحكمة عندما أخبر الغلام أنّه سيُفتَن، لأنّ هذا شأن الدعاة إلى دين الله حقّا وصدقا؛ خصوصا إذا كانت الأمّة في ضلال مبين.


17- المؤمن لا يعرض نفسه وإيمانه للفتن.
ولذلك طلب الراهب من الغلام أن لا يخبر عنه.
فإن ابتلاه الله تعالى، فإنّه يسأل الله تعالى الصبر والثبات.


18- خصّ الله تعالى الغلام بأن جعله مستجاب الدعوة؛ فاستغلّ الغلام هذه الميزة لدعوة الناس إلى دين الله تعالى الحقّ.
وهكذا يفعل الصالحون. خلافا للدجّالين، الذين يدّعون خصوصيات، ويريدون وراء ذلك تحقيق مآربهم الشخصية.


19- كان الغلام لا يقبل أجرة ولا هدايا، بل لم يكن يسعى سوى لهداية الناس؛ فامتثل بذلك منهج الأنبياء الكرام.


20- عندما كان الغلام يدعو الله تعالى أن يشفي المرضى؛ كان يبيّن لهم بيانا شافيا أنّه لا يملك الشفاء، ولكنّ الشافي هو الله وحده دون أحد سواه.
فكان بذلك يحمي حمى التوحيد، ويغلق سائر الأبواب التي قد يستغلّها شياطين الإنس والجنّ لنشر العقائد الباطلة.


21- لما أَخْبَرَ الأعمى الملكَ أنّ الذي ردّ عليه بصره هو ربّه، قال الملك متعجّبا: أنا؟
وهذا دليل من أدلّة كثيرة تبيّن بوضوح تناقض واضطراب أهل الكفر والإلحاد.
أفيليق بربٍّ أن يشفي الناس، وهو لا يعلم ذلك؟!


22- لم يتأخّر الملك في اللجوء إلى الاضطهاد والقهر، بدون تريّث ومباحثة رجاء ظهور الحقّ.


23- حاول الملك استدراج الغلام؛ حيث أراد أن ينسب كرامته للسحر الذي تعلّمه -افتراضا- من الساحر.
لكنّ الغلام ردّ في الحالّ هذا الادّعاء الكاذب؛ وأخبر أنّه لا يملك القدرة على المداواة، وإنّما الشافي هو الله تبارك وتعالى.


24- لجأ الملك إلى القوّة والعنف مجدّدا، وسريعا، رغم أنّ الضحيّة كانت "غلام"...
ما يدلّ على عظيم طغيانه، وتمرّده على كلّ المبادئ الصالحة.


25- استطاع الملك استخراج سرّ الغلام، وسرّ الأعمى عن طريق التعذيب؛
ولكنّه لم يفلح في صدّهم عن دينهم الحقّ، ولو بالتهديد، والتعذيب، والقتل والتمثيل.


26- قطع الملك جسمي الراهب والأعمى قطعتين، رغم أنّهما ماتا عند ابتداء نشر الرأس، لأنّه أراد أن يمثّل بهما، تنكيلا بهما، وشفاء لغليله، وإرهابا للناس.


27- رغم هذا، ثبت الغلام على دينه، وأبى الرجوع عنه مهما كان مصيره.


28- لمزيد من إرهاب الناس، اختار الملك للغلام عذابا وقتلة مغايرين لقتلة وعذاب صاحبيه -رحمهما الله-؛ والذي ادّخره له لم يكن بأخفّ ممّا سبق.


29- كرّم الله تعالى الغلام، ونجّاه مرّتين من "موت محتوم" -كما يقال-، ما يدلّ دلالة واضحة أنّ المتصرّف الوحيد في الكون هو الله تعالى، وأنّه لا ينفع ولا يضرّ أحد بغير إذنه.
ما يذكّرنا بحديث: "... وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ...".
وهذا يحمل المؤمن على الثقة والثبات وحسن الظنّ بالله، ولو بدى له أنّ كلّ الأبواب قد أغلقت أمامه، فإنّ الذي عنده مفاتيح كلّ شيء هو الله لا أحد سواه.


30- أيقن الغلام أنّ الملك سيستفرغ جهده لقتله، وأنّه سيقتله لا محالة، فأراد أن ينفع الناس بموته ! بأن تكون دليلا قويّا على صدق دعوته.
وهذا يذكّرنا بقول الله تعالى: [قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ].


31- وهنا أيضا أظهر الملك غباء شديدا، وتناقضا ظاهرا، وذلّا ذريعا؛ حيث امتثل لأوامر "الغلام" حرفيا؛ رغم أنّ قصد الغلام كان واضحا جليّا. لكنّ الله تعالى أعمى بصيرته وأظهر بجلاء قصور هذا الذي ادّعى الربوبية زورا وبهتانا.


32- كانت طريقة قتل الغلام دليلا بيّنا على صدقه وإخلاصه وعلى أحقّية دعوته.
حيث أنّ الملك بجنوده لم يتمكّن من قتل "غلام"، حتّى امتثل لأوامره، واستعان باسم "ربّ الغلام" جلّ جلاله.


33- وبعد هذا، لجأ الملك مرّة أخرى للعنف والاضطهاد، والتصفية العرقية.


34- عندما أيقن الناس بصدق دين الغلام، ثبّتهم الله تعالى؛ ففضّلوا الموت على ترك الهداية التي جاءتهم من عند الله، تلكم الهداية التي ستأخذهم لمعيشة أبدية، في جنّات ونعيم.


35- وفي الأخير؛ ثبّت الله تعالى المرأة، وأنطق غلامها الرضيع، وهي آية من آيات الله تعالى.


36- كان الغلام هو الشخصية المبرّزة في هذه القصّة المؤثّرة. ما يدلّ على أنّ السنّ لا يعتبر في دين الله تعالى، وأنّ الأهمّ هو العلم النافع والعمل الصالح.
وقد جعل الله تعالى الخير والهداية في كثير من الشباب، وعلى رأسهم: إبراهيم وعيسى ويحيى عليهم السلام، وكذا أصحاب الكهف وغيرهم.


37- من أهمّ فوائد هذه القصّة؛ أنّ الله تعالى شاء بحكمته البالغة وعلمه الواسع ألّا تكون الغلبة دائما لأهل الإيمان والصلاح، بل قد يمنحها في فترات لأهل الكفر والطغيان، وهذا لحكم بالغة.
فإذا نصر الله تعالى أهل الإيمان على أعدائهم فـ:
- ليمكّن لهم في الأرض،
- ولينتشر الخير ويعمّ الصلاح،
- ولينظر الله تعالى كيف يعملون.

وإذا أَذِنَ بالغلبة المؤقّتة لأهل الكفر؛ فلحكم عديدة منها:
أ/ استدراجهم في غيّهم وضلالهم، فإذا أخذهم أخذهم أخذ عزيز مقتدر.
ب/ ومنها ابتلاء المؤمنين:
- ليميز الخبيث من الطيّب، والصادق من الكاذب.
- وليكفّر عنهم سيّئاتهم، ويضاعف أجرهم، ويرفع درجاتهم.
فإذا رأى المؤمن شيئا من ذلك في زمانه؛ فعليه أن يوقن أنّ كلّ شيء بقدر، وأنّ قدر الله تعالى مبنيّ على منتهى العلم والحكمة والمصلحة.

هذا والله أعلم وأحكم، وهو الهادي والموفّق للخير والصلاح، لا إله إلّا هو.

والحمد لله أوّلا وآخرا.

[1]الترمذي، الطبراني1، البيهقي.

[2]أحمد، النسائي، الطبري، البيهقي.

[3]الترمذي، الطبراني1، البيهقي.

[4]الترمذي، الطبراني1، البيهقي.

[5]البزّار، الطبراني1.

[6]الترمذي، الطبراني1، البيهقي.

[7]الترمذي، الطبراني1، البيهقي.

[8]أحمد، ابن أبي شيبة، البيهقي.

[9]الترمذي، الطبراني1، البيهقي.

[10]أحمد، النسائي، البزّار.

[11]الطبراني1.

[12]الترمذي، الطبراني1، البيهقي.

[13]أحمد، النسائي، ابن أبي شيبة، البزّار، الطبري، البيهقي، الطبراني2.

[14]البزّار، البيهقي.

[15]ابن حبّان، البزّار، الطبري، البيهقي، ابن أبي شيبة، الطبراني2.

[16]أحمد، النسائي، ابن حبّان، البزّار، الطبري، البيهقي، الطبراني2.

[17]أحمد، النسائي، ابن أبي شيبة، الطبري، البيهقي، الطبراني2.

[18]ابن حبّان.

[19]ابن أبي شيبة.

[20]أحمد، البيهقي.

[21]أحمد، البيهقي.

[22]الترمذي، الطبراني1، البيهقي.

[23]أحمد، النسائي، البزّار، البيهقي، ابن أبي شيبة

[24]أحمد، النسائي.

[25]الترمذي، الطبراني1، البيهقي.

[26] زاد الطبراني في روايته عن عبد الرزّاق في هذا الموضوع: بسم الله، ولم يطمئنّ القلب لهذه الزيادة.

[27]أحمد، النسائي.

[28]الترمذي، الطبراني1، البيهقي.

[29]الطبراني1، البيهقي.

[30]الترمذي، الطبراني1، البيهقي.

[31]أحمد، النسائي، البيهقي.

[32]الترمذي، الطبراني1، البيهقي.

[33]أحمد، النسائي، البزّار، الطبري، البيهقي، ابن أبي شيبة، الطبراني1، الطبراني2.

[34]ابن حبّان.

[35]أحمد، النسائي ، ابن حبّان.

[36]الطبري.

[37]أحمد، النسائي، ابن أبي شيبة، البيهقي.

[38]أحمد، النسائي، ابن أبي شيبة، البزّار، الطبري، البيهقي.

[39]ابن حبّان.

[40]الطبري.

[41]ابن أبي عاصم.

[42] أحمد، النسائي، ابن أبي شيبة.

[43]ابن أبي شيبة.

[44]أحمد، النسائي، البزّار، البيهقي، الطبراني2.

[45]أحمد، النسائي، ابن أبي شيبة، البزّار، البيهقي، الطبراني2.

[46]ابن أبي شيبة.

[47]الطبراني2.

[48]الترمذي، الطبراني1، البيهقي.

[49]أحمد، النسائي، البزّار، البيهقي.

[50]الطبري.

[51]النسائي، البيهقي.

[52]النسائي، ابن حبّان، البزّار، البيهقي، ابن أبي شيبة، الطبراني2.

[53]الطبري.

[54]الترمذي، الطبراني1.

[55]أحمد، البزّار، البيهقي، ابن أبي شيبة، الطبراني2.

[56]الترمذي، الطبراني1.

[57]ابن حبّان.

[58]أحمد، البزّار، البيهقي، الطبراني2.

[59]الطبري.

[60]الطبري.

[61]ابن أبي شيبة.

[62]أحمد، النسائي، البزّار، البيهقي، الطبراني2.

[63]أحمد، البزّار، البيهقي.

[64] عند ابن حبّان والطبراني2: "كنانتك"، فلعلّه خطأ لمخالفته لرواية الجماعة.

[65] لغة هو ما بين العين والأذن.

[66]النسائي.

[67]الترمذي، الطبراني1، البيهقي.

[68]أحمد.

[69]الترمذي، الطبراني1، البيهقي.

[70]الترمذي، الطبراني1، البيهقي.

[71]أحمد.

[72] يلقون بأنفسهم فيها.

[73]ابن أبي شيبة.

[74] الْمُعادَاةُ: الْإِسْرَاع بِالسَّيْرِ.

[75]أحمد.

[76]أحمد، النسائي، البيهقي.

[77]الطبري.

[78]أحمد، البزّار، البيهقي، ابن أبي شيبة.

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مميز, حديث, فوائد, قصةالساحروالغلام


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013