منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 10 Dec 2018, 09:56 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي موقف المسلم من الفتن.









موقف المسلم من الفتن .


للشّيخ صالح الفوزان بن عبدالله الفوزان حفظه الله.


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فإن الموضوع الذي سنتحدث عنه إن شاء الله هو كما أُعْلن "موقف المسلم من الفتن" وقانا الله وإيّاكم شرّها.

والفتن: جمع فتنة، وهي الابتلاء والاختبار، وسُنّة الله سبحانه وتعالى في خلقه أن يبتليهم، ولا يتركهم من غير ابتلاء لأنّهم لو تركوا من غير ابتلاء لم يتميّز المؤمن من المنافق، ولم يتبيّن الصادق من الكاذب ولحصل الالتباس كما قال الله سبحانه وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم (الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُون* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين

فالله سبحانه يجري الفتن ليظهر ويُعلم الصادق من الكاذب، ولولا ذلك لم يميّز بين هذا وهذا والتبس الأمر ووثق المسلمون بمن يظهر لهم الإيمان والإسلام وهو على خلاف ليخدع وليغش، لأجل أن يحذروه، ولا يثقوا به على أسرارهم وعلى أمورهم، ولو لم يكن هناك فتن ما عرفوه، ولا اختلط المؤمن بالمنافق، واختلط الصادق بالكاذب وحصل الفساد ولم يتميز هذا من هذا، ومن حكمته ورحمته أنّه يجري هذه الفتن لأجل أن يمايز بين الفريقين.

فالله سبحانه وتعالى حكيم في صنعه، وفي ما يجريه بهذا الكون، فالله قال لنا: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ)، (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ) من اختلاط المنافقين والكاذبين مع المؤمنين الصادقين لأنّ هذا يحصل به ضرر كبير على الدّين والدّنيا،

(مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ) وذلك بالفتن التي يجريها على عباده، (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) أنتم لا تعلمون ما في القلوب، فكثيرون من أظهر لكم الولاء والصدق والمصادقة والإيمان لأنّكم لا تتطلّعون على ما في قلبه وهو عدوّ متربّص، فلمّا كان الناس لا يعلمون ما في القلوب جعل الله هذه الفتن مظهرة لما في القلوب من المحن والكذب والنّفاق، *فإنها إذا جاءت الفتنة تكلّم المنافقون فعرفوا وانحازوا إلى الكفّار ولم يثبتوا، وأمّا في وقت الرّخاء فهم لا يُعرفون ويخدعون ويكذبون ويمارسون أعمالهم الخبيثة،

وأما قوله: (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي) أي يختار (مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ) هذا استثناء من قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ)، فإن الله يطلع على الغيب مَن شاء من رسله على شيء من الغيب لأجل المعجزة الدّالة على صدقهم، ولأجل أن يعالجوا هذا الخَلل الذي يحصل في المجتمع وفي الأمم (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ) كما قال الله جلَّ وعلا: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ)، فالرسل قد يطلعهم الله على شيء من المغيبات لأجل مصلحة الدعوة وإثبات الرسالة، أمّا غير الأنبياء فإنّهم لا يطّلعون على الغيب ولا يطلعهم الله على الغيب: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)، فهذه هي الحكمة في إجراء الفتن على العباد.

والفتن لا تكون في وقت دون وقت؛ بل الفتن في جميع أطوار الخليقة كما قال الله تعالى: (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) هذه سُنَّة الله في خلقه سبحانه وتعالى.

والفتن متنوّعة:

تكون الفتن في الدّين.

تكون الفتن في المال.

تكون الفتن في الأولاد.

تكون الفتن في المقالات والمذاهب واختلاف.....، تكون متنوعة.

فالله سبحانه وتعالى يجريها على عباده لنصرة دينه وخذلان أعدائه المتربّصين: (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ) يعني: ينتظرون بكم، (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنْ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً* إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ). وما أكثر المنافقين في كل زمان ومكان.

والفتن على اختلاف أنواعها وتعدّدها ترجع إلى نوعين: فتن في الشّبهات وفتن في الشّهوات.

النوع الأول: فتن الشبهات: تكون في الدّين وفي العقيدة. * *

النوع الثاني: وفتن الشهوات: تكون في السلوك والأخلاق والملذات والمشتهيات للبطون والفروج وغير ذلك من الشهوات كما قال جلَّ وعلا في سورة التوبة: (كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ) يعني: بشهواتهم (فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ) تشبّهتم بهم في نيل الشهوات المحرمة وإن كانت على حساب دينكم وأخلاقكم، (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً).

أنظروا الابتلاء والامتحان (كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ) أي: بنصيبهم من هذه الأمور، انطلقوا معها تاركين لدينهم في فروجهم، وفي بطونهم، وفي رئاساتهم، وفيما يشتهون: (فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ) تشبّه، ثم قال: (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا)هذه فتنة الشبهات: الخوض في أمور الدين، ظهور المقالات المخالفة، ظهور الفرق المخالفة. هذا من الفتن في الدّين فتن الشُّبهات، منها نشأ ما نشأ من الفرق في الإسلام: فرقة القدرية، فرقة الجهمية، فتنة الشيعة، وفتن كثيرة انحدرت من هذه الفتن، وهذه الفرق كما قال صلى الله عليه وسلم: "ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلّها في النار إلا واحدة"، قالوا: مَن هي يا رسول الله؟ قال: "مَن كان على ما أنا عليه" أو"على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي". فرقة واحدة ناجية تسمّى الفرقة الناجية، لأنّها نجت من النار.

كلّها في النار إلاّ واحدة نجت من النار بسبب أنّها تمسّكت بما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وثبتوا على ذلك، وصبروا عليه رغم ما يعترضهم من الصعوبات ومن المشقّات إلاّ أنهم صبروا، وثبتوا على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولم ينجرفوا مع الفرق المنجرفة.

وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ من بَعْدِي تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ"، وفي رواية: "وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ".
الرسول ما ترك شيئا إلا وضّحه لنا، وبيّنه لنا، ومن ذلك أنّه بيّن موقف المسلم من هذه الفتن: أنّه يكون على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ويلزم ذلك ويصبر عليه، ويكون على سُنّة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه. هذا فيه النّجاة من الفتن، وهذا موقف المسلم من الفتن: أنّه لا ينخدع ولا ينجرف معها وإنّما يبقى على دينه، ويصبر عليه، وله قدوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لاسيّما الخلفاء الراشدين المهديين.

وكذلك من المنجيات من هذه الفتن وموقف المسلم منها: أنّه يلزم جماعة المسلمين وإمام المسلمين الموجودين في عهده، فيكون مع جماعة المسلمين وإمام المسلمين ويبتعد عن الفرق المخالفة، لأنّ حذيفة بن اليمان رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفتن قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشرّ مخافة أن يدركني من ذلك. أنّه سأله: ماذا يصنع؟ ما تأمرني إن أدركني ذلك؟ أي وقت الفتن والاختلاف قال: "تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ" ما داموا موجودين ولو كانوا قلّة، إذا كانوا على الحق تلزمهم وتكون معهم، وتكون تحت إمامهم، إمام المسلمين، لأنّ هذا منجاة من الفتن بإذن الله،

"تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ" ولا تنجرف مع المنجرفين باسم الحرية أو باسم الديمقراطية أو باسم العلمانية أو باسم التعددية أو ما أشبه ذلك، لا ليس هذا عندنا، نحن نتمسّك بديننا وننحاز مع جماعة المسلمين وإمام المسلمين. هذا هو النجاة من الفتن عند حدوثها، ولا نغترّ بالدعايات، ولا نغترّ بزخرف القول، ولا نصغي إلى الشُّبُهات التي تحاول أن تجتثنا من جماعة المسلمين وإمام المسلمين.

قال حذيفة رضي الله عنه: فإِنْ لَمْ يكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ - ولا حول ولا قوة إلا بالله - جاءت فتن عظيمة وليس هناك جماعة ولا إمام للمسلمين، قَالَ: "فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا" لا تدخل في الفتن، اعتزل هذه الفرق كلّها لأنّها ليس لبعضها ميزة على بعض، ليس فيها جماعة وليس فيها إمام، فهي كلّها على ضلال تائهة، لا تدخل معها، اعتزلها ولو أن تكون وحدك: "وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ"، فهذا موقف المسلم من الفتن:

أولاً: يأخذ بكتاب الله عز وجل.

ثانياً: يأخذ بِسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه خلفاؤه وأصحابه.

ثالثاً: يكون مع جماعة المسلمين أينما وجودوا ومع إمام المسلمين.

رابعاً: إذا لم يكن هناك جماعة ولا إمام فإنّه ينجو بنفسه وينحاز عن هذه الفرق كلّها حتى يدركه الموت وهو ومتمسّك بدينه وعلى سُنّة نبيّه.

إن المنافقين في كل زمان ومكان وهم يعيشون بيننا وربما يكونون من أولادنا، ومن جماعتنا إنّهم يتربصون بالمسلمين الدوائر، وينحازون مع العدو دائما، إذا جاءت الفتن انحازوا إلى العدو وتركوا المسلمين كما حصل منهم يوم الأحزاب في غزوة الأحزاب في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لمّا تألّف العرب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءوا يريدون القضاء على الإسلام والمسلمين، يريدون القضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، جاءوا وأحاطوا بالمدينة وهم كثرة كافرة من القبائل ،عند ذلك انحاز معهم اليهود ونقضوا العهد الذي أقاموه مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وانظموا إلى صفوف الكفار وهم أهل كتاب يعرفون أنّه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
انحازوا مع أعدائه وصاروا مع الكفار وقال الله جل وعلا: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ* هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدا)

ماذا كان موقف المؤمنين وما كان موقف المنافقين؟

(وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيد* وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورا) الرسول وعدنا أنّه سينتصر وأنّه سيبسط الأمن على الجزيرة ويسير الراكب من كذا وكذا آمنا والآن يقولون ما نقدر نذهب إلى قضاء حوائجنا، وين وعد الرسول؟ (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورا) هذا موقف المنافقين.

وأمّا المؤمنون: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً* مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً* لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً* وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا). هذه النتيجة الآن لمّا حصل الامتحان وامتاز المنافقون عن المؤمنين وانحاز اليهود مع الكفار وهم أهل كتاب يعرفون أنّه رسول الله: (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً)

وفي مطلع هذه الآيات يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً)

ماذا حصل؟

المسلمون ما قَاتَلُوا (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ) أرسل الله ريحاً شديدة باردة فكفأت صدروهم وحصبتهم وأنزل ملائكة من السماء تلقي الرعب في قلوبهم فرحلوا خائفين مهزومين (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزا* وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ)

اليهود الذين أعانوهم وانحازوا معهم أنزلهم الله من حصونهم التي تحصّنوا بها وظنّوا أنّها تمنعهم من الله عز وجل: (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً* وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَئُوهَا). هذا في خيبر ،أوّل، لم تطئوها، هذه النتيجة، نتيجة الصبر؛ لكن بعد الامتحان بعدما (وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدا) (وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ) لكنّهم ثبتوا، ووجدوا وعد لله سبحانه وتعالى وصبروا ،هذه هي النتيجة، إذا تميز المؤمن الصادق من المنافق الكاذب عند هذه المحنة والفتنة وعند غيرها، هذه حكمة الله جل وعلا في إجراء الفتن.

واليوم كما تعملون الكفار أقبلوا على المسلمين بقبضهم وقضيضهم ومختلف مكرهم وأسلحتهم وكيدهم يردون القضاء على الإسلام والمسلمين بحجة أن الشعوب مظلومة، وأنّها مقهورة، وأنّها تريد حقوقها ، وبحجة الحرية والمطالبة بالحقوق والديمقراطية وإلى آخره، وانحاز إليهم من الكتّاب المغرورين والمخدوعين مَن انحاز وصاروا يتكلّمون بألسنتهم ويقولون ما يقولون؛ ولكن كل هذا لن يضر الإسلام والمسلمين،

الآن ينادون بالتعددية الفكرية وبحرية المذاهب وحرية المقالات وإلى آخره، يعني ما لنا دين؟

ألم ينزل الله علينا كتابا من السماء ويرسل إلينا رسولاً ويأمرنا باتّباع الكتاب والسُنّة، والالتزام بطاعة ولاة الأمور من: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً

ينادون بحرية المرأة بكل ما تعنيه الحرية البهيمية. ما هي بالحرية الطيبة التي تحرر المرأة من الخنوع والخضوع للشهوات ورغبات الكفار، وأن تكون مثل الرجل وهي ليست كرجل (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى). يريدون أن تكون مثل الرجل أن تتولى أعمال الرجال، أن تخرج من البيوت التي هي مقار عملها: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ) لا يريدون هذا، يريدون أن تكون المرأة المسلمة مثل المرأة الغربية الكافرة؛ بل وأحطّ منها ستكون أحطّ منها لأنّها كفرت نعمة الله وتركت آداب الإسلام وصارت أحطّ من المرأة الكافرة التي لم تعرف الإسلام ولم تعش تحت ظلهِ فترة طويلة ،فتكون أذلّ منها بكثير. هم يريدون هذا، ويعلمون أنّها إذا انجرفت النساء انجرف المجتمع لقوله صلى الله عليه وسلم: "وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ"، قال صلى الله عليه وسلم: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِى فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ" .

لمّا عرفوا أنّ النساء بهذه المثابة جنّدوها ضد أخلاقها، وضد دينها، وضد مجتمعها لينالوا مأربهم بها ، بالمرأة، ركزوا عليها وناصرهم من ناصرهم من المنافقين من أبنائنا ومن حولنا. ناصرهم على ذلك. صاروا ينعقون بآرائهم ويعلنون هذه الآراء التي لا يعرفون مغزاها ولا معناها وإنّما لأنّها جاءت من قِبَل دول متقدّمة بزعمهم وهي متأخرة في الحقيقة، جاءت أفكار من دول الغرب فيرونها كمالاً وأنّنا متأخرون وأننا, وأننا، نحتاج إلى إصلاح. يسمّونها الإصلاح وهو الإفساد (إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) كما يقول المنافقون:(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ* أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ) فهذا موقف هؤلاء عند الفتن ولم يصبر على ذلك إلا أهل الإيمان واليقين والثبات الذين لا يغترّون بالدعايات، نحن ولله الحمد لسنا في شك من ديننا ولسنا في شك من عقدتنا، فلماذا لا نتمسّك بديننا ونصبر عليه؟

لماذا لا نتمسّك بعقيدتنا؟

لماذا ننزل من أعلى إلى أسفل؟

هذا، يريدون به أن نتخلى عن عزّتنا ، والله جلَّ وعلا يقول: (وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ) بشرط ما هو الأعلون المطلقة بشرط (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، (وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).

فبالإيمان يعلو المؤمنون، وبعدم الإيمان ينخذلون ويذلّون، ولكن لابد من الامتحان والابتلاء فلا نستغرب،.

وسيأتي فتن كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وأنّه كلّما تأخّر الزمان اشتدّت الفتن وتنوّعت ، كل فتنة أشد من التي قبلها، فتن يرقّق بعضها بعضا، فتن يكون فيها "المؤمن القابض على دينه كالقابض على الجمر"، "بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غريبًا كَمَا بَدَأَ. فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ"، قالوا يا رسول الله: ومن الغرباء؟ قال:"الَّذِينَ يَصْلَحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ"، وفي رواية: "الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسَ"، هؤلاء هم الغرباء في آخر الزمان،

لماذا كانوا غُرَباء؟ لأنّ أكثر الناس ضدّهم وعلى خلاف ، فهم غُرَباء.

والغريب: هو الذي يعيش بين أناس ليسوا من أهله، وليسوا من بلده. هذا هو الغريب.

فالمؤمن يعيش في آخر الزمان بين أناس ليسوا من أهله، وليسوا من موطنه: بأخلاقهم وثقافتهم وأفكارهم ليسوا من بلده، فالمؤمن يصبر على ذلك: (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).

أسال الله عز وجل أن يوفّقنا وإيّاكم لصالح القول والعمل.

وصلّى الله وسلم على نبيّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. *


الموقع الرّسمي للشيخ صالح الفوزان حفظه الله،

مع تعديل بعض الأخطاء المطبعية ماستطعتُ إلى ذلك سبيلاً. وأرجو المعذرة إن فاتتني بعض التصحيحات ولم أنتبه إليها.





http://www.alfawzan.af.org.sa/node/13693














رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013