منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام » ركن الخطب المنبريّة والدروس العلمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 Feb 2012, 07:48 PM
أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2011
الدولة: مصر
المشاركات: 147
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد
افتراضي [تفريغ] [خطبة جمعة] [الموازنات] لفضيلة الشيخ محمد سعيد رسلان -حفظه الله وثبته على الحق-

بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمدُ لله والصلاةُ والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه... وبعدُ:

تنويه:
قام الإخوة المشرفون على موقع الشيخ رسلان بدمج خطبة الجمعة مع درسٍ يلي الخطبة أو كان بعد صلاة المغرب؛ لتصبحَ شريطًا واحدًا يحمل عنوان: (الموازنات)، لكنني -لضيق الوقت- قمتُ -فقط- بتفريغ الخطبة.

ولتحميل الخطبة -فقط- بدون الدرس..

اضغط هنا للتحميل بصيغة MP3

رابط بديل:

اضغط هنا للتحميل.

عناصر الخطبة:
1. من أعظم الجهاد حِياطة الدين من البدع والأهواء، ومن أساليب أهل البدع في عصرنا اعتمادهم على قاعدة الموازنات.
2. من أقوال (أبي الفتن) في التحذير من هذه القاعدة قبل أن ينقلب على عقبيه ما ذكره قديمًا في (السراج)، الفقرة 197 الطبعة الأولى لعام 1420 هجرية، ويقول: بعدم ذكر الحسنات للمبتدع عند جرحه.
3. بيان منهج السلف والأئمة مع أهل البدع والأهواء وبيان حالهم ... مثلما فعل عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- مع القدرية وما فعله الإمام أحمد بن حنبل والإمام أبو زُرعة -رحمهما الله- في بيان الحارث المحاسبي مع ذكر أقوالهم.
4. أهل البدع والأهواء أخطر من اللصوص؛ لأنّ اللص يسرق مالك أما المبتدع فيسرق قلبك ودينك.
5. اعلم أن العلم ليس بكثرة الكتب وإنما العلم في اتباع السنة والثبوت عليها ولذلك لا يجب الجلوس مع أهل البدع حتى لا تنحرف عن الطريق المستقيم
6. إن السلف كانوا لا يغترون بأعمال أهل البدع أو عبادتهم ولا بزهدهم ولا بطلبهم العلم بل كان ذلك سببًا في اجتهادهم في التحذير منهم وهجرهم وكشف حالهم للعوام حتى لا يغتروا بهم و لا يتبعوهم في بدعتهم .
7. منهج أهل السنة والجماعة في الرد على المخالف الذي هو أصل من أصول السنة، وبيان الفرق في ذكر حال المبتدع في الترجمة وذكره في الميزان .
8. ما ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء في احمد ابن أبي دؤاد الذي قال بخلق القرآن وبيان حاله في ترجمته وقوله: إنه من النبلاء، أما في بيان حاله في الميزان قال كلامًا قسم ظهره وقال: إنه ضال.
9. سؤال استنكاري: هل سيأتي يومًا نقول فيه: الشيطان رضي الله عنه؟!!
10. المخالف من أهل السنة والجماعة و كان على الطريق المستقيم وذل الذلة علينا أن نذكر حسناته لأنه لم يخطئ في عقيدة ولا في منهاج أما إذا كان المخالف من أهل البدع ويؤصل لها فلا يجوز ذكر حسناته قط.
11. لا يلزم في الرد على المخالف من أهل البدع والأهواء الموازنة بين الحسنات والسيئات والدليل على ذلك من الكتاب والسنة.
12. الأحاديث الدالة على وجوب التحذير من أهل البدع والأهواء والرد عليهم.
13. بيان أن المشكلة الكبرى التي نعانى منها مع المخالفين أنهم لا يفهمون ,, فعندما نقول: إنّ الخصومة في أصل الدين في تغيير الملة وتبديل الشريعة، يقول قائلهم إننا ننقلهم من التبديع إلى التكفير وهذا دليل على عدم فهمه وحماقته!!
14. نصيحة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لفاطمة بنت قيس في شأن زواجها من أسامة بن زيد وذكر أبى جهم ومعاوية بما فيهما وكذلك أحاديث أخرى تتضمن ذكر ما في الرجل ولا يكون غيبة له.
15. من أعظم ما سمعنا ورأينا من الفجور في هذا العصر المحاولة الفاشلة لإظهار شيخ الإسلام ابن تيمية مدافعًا، منافحًا عن الصوفية، وعن إحياء علوم الدين.
16. بيان أن غض الطرف عن الرد على المخالفين له أضرار كثيرة وعواقب وخيمة منها تعطيل فريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. اهـ
[نقلاً عن صفحة "مجموعة دروس فضيلة الشيخ محمد سعيد الرسلان" على الفيس بوك بتصرفٍ يسيرٍ].

لتحميل التفريغ بصيغة PDF - جاهز للطباعة والنشر - 16 ورقة
اضغط هنا للتحميل.

لتحميل التفريغ بصيغة DOC - للنسخ واللصق والتعديل
اضغط هنا للتحميل.

صورة من ملف التفريغ:



القراءة المباشرة:
إن الحمدَ لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله مِن شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده اللهُ فلا مُضلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:70].
أمّا بَعْدُ؛ فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد -صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم-، وشرَّ الأمور محدثاتها وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أمّا بَعْدُ:
فإنّ حِياطةَ الدين من أن يتطرقَ إليه إحداثٌ أو تلحقَ به بدعةٌ من أعظم الجهاد في سبيل الله.
ومن أخطر ما تُمرر به البدع، ويُغضُّ به الطَّرْفُ عن المبتدعة وأهل الأهواء، مما ابتُدعَ في عصرنا هذا، ما ابتدعه أهلُ الأهواء مما سَمَّوْهُ بقاعدة (الموازنات!!).
وقد كان ممن تصدى لذلك -قديمًا- عندما كان على السُّنة (أبو الفِتَن)، ثم نَكَصَ على عَقِبَيْهِ وانتكس على وجهه!!
قال (أبو الفِتَن) في الفِقرة (السابعة والتسعين بعد المائة) من (السِّراج) في الطبعة الأولى سنةَ (عشرين وأربعمائةٍ وألفٍ): (ولا أرى استحبابَ -فضلاً عن وجوب- ذكر حسنات أهل البدع كلما احتجتُ إلى ذمهم أو التحذير منهم؛ فإنّ ذلك يُفسد المقصود من التحذير منهم.
إنما أحتاجُ إلى ذكر حسناتهم إذا كنتُ في مقام (الترجمة)، وليس ذلك في كل (ترجمة) كما هو صنيعُ السلف - [هذا كلامُه!!] - فكم من تراجم لم يذكروا فيها حسنات أهل البدع، وكذلك أذكرُ بعضَ حسناتهم إذا كان هناك انحرافٌ عليهم بغير حق كمَن يطعنُ في إخلاص وصدق رجلٍ ابتُلي ببدعة، ويرميه بالزندقة أو نحو ذلك -والرجلُ ليس كذلك- فيُدافع عنه بالحق كما كان بعض أئمة الحديث يقول -مدافعًا عمَّن بُولغَ في ذمه-: "فلانٌ ليس به بأس، ولكنّ المسكينَ ليس له بَخْتٌ!"، أو كان من أهل الصدق، لكن أُتِيَ من قِبل التدليس، أو من وَهَم تلامذته عليه ونحو ذلك).
قال: (وأرى أن كثيرًا ممّن يتكلم بقاعدة (الحسنات والسيئات)، أو (الموازنة)، أو (الاعتدال في تقويم الرجال) - [وهو يتكلم بذلك الآن ويُدافعُ مُنافحًا عنه!!] - أنه مُسْتَدَلُ في مواضع بأدلةٍ واهيةٍ كبيت العنكبوت!! - [وقد صَدَقَ وهو كذوب!!] - وما فَهِمَ سلفُ الأمة منها فهمهم - [وقد أصابَ وهو خَطَّاء!!] - ومع ذلك لم يلتزموا بقاعدتهم مع مخالفيهم من أهل العِلم والسُّنة - [يعني: السلفيين، كما يفعل هو الآن!!] - فإنهم إذا ذكروهم ما ذكروا إلا مَثَالِبَهُم!! - [أي: إذا ذكروا مخالفيهم من السلفيين الأقحاح الذين ترك موقعه بينهم وكان بينهم قديمًا!! ثم صارَ إِلْبًا عليهم وحربًا لهم، وجُنَّةً لأهل البدع، ومُنَظِّرًا لأهل الأهواء] - ومع ذلك لم يلتزموا بقاعدتهم - [يعني: قاعدة الموازنات] - مع مخالفيهم من أهل العِلم والسُّنة - [يعني: السلفيين الأقحاح] - فإنهم إذا ذكروهم ما ذكروا إلا مَثَالِبَهُم!! أو بَخَسُوهم حقهم!!، والحقُّ أنّ الصادقين اليقظين أهلَ الحكمة والإدراك من طلبة العِلم حالُهم كما قال القائلُ:
ولا عيبَ فيهم غيرَ أنّ سيوفَهم
بهنّ فُلولٌ من قِراعِ الكتائبِ. اهـ

هذا ما كان عليه الرجل، ويا حُسنى ما كان عليه!!، وصار إلى ما صار إليه، ويا بُؤسَ ما صار إليه!!
فَلْنُعِنْهُ على نفسه حتى لا نُعينَ شيطانَه عليه، ولنجتهد في النظر في فعل الأئمة من علمائنا تطبيقًا وتنزيلاً للقواعد على الواقع الذي يُعاش، وعلى الرواة الحقيقيين -لا الافتراضيين- كما يحيا الرجل في عالَمٍ افتراضي!! من وراء حدود الدنيا بأسوارها.
هل خُدع الأئمة بزهد (الحارِث المُحاسِبيّ) ووعظه؟!!
قال الإمام (أحمد) لـ (علي بن أبي خالد): لا تجالسه!! ولا تُكلِّمه!! -يعني: الحارثَ-.
وقال لجارٍ لـ (علي بن أبي خالد) كان حَسَنَ الرأي في (الحارثِ): ذاكَ لا يعرفه إلا مَن قد خَبَرَه وعرفه، ذاكَ جالسه المَغَازِلِيُّ، ويعقوبُ، وفلانٌ، فأخرجهم إلى رأي جَهْمٍ، فهلكوا بسببه!!
فقال له الشيخُ: يا أبا عبدالله يروي الحديثَ ساكنٌ خاشعٌ من قِصَّتِه ومن قِصَّتِه!!
فغضب أبو عبدالله، وجعل يقول: لا يَغُرَّكَ خشوعُه ولِينُه!!، ويقول: لا تغترَّ بتنكيس رأسه؛ فإنه رجلُ سوء!! ذاكَ لا يعرفه إلا مَن قد خَبره، لا تكلِّمه ولا كرامةَ له، كلُّ مَن حدّث بأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان مبتدعًا تجلس إليه؟!! لا، ولا كرامة، ولا نُعمى عين، وجعل يقول: ذاكَ!! ذاكَ!! اهـ
وسيأتي هذا مُطَوَّلاً -إن شاء الله- بعد حين.
فتأمل كيف لم يَعْبَأ (أحمد) -رحمه الله- بحسناته؟! وكيف جرحه؟!
وقال البَرْدَعِيُّ: شهدتُ أبا زُرْعَةَ، سُئل عن الحارث المحاسبي، وكُتبِه؟ فقال للسائل: إياك، وهذه الكتب، هذه كُتب بدعٍ وضلالاتٍ، عليكَ بالأثر، فإنكَ تجد فيه ما يُغْنِي عن هذه الكتب.
قيلَ له: في هذه الكتب عِبرة؟!!
قال: مَن لم يكن له في كتاب الله عِبرة، فليس له في هذه الكتب عِبرة، بلغكم أن مالك بن أنس، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والأئمةَ المتقدِّمين صنّفوا هذه الكتبَ في الخَطرات، والوساوس، وهذه الأشياء؟!
هؤلاء قومٌ خالفوا أهل العِلم فأتونا مرةً بالحارث المحاسبي، ومرةً بعبد الرحيم الدَّيْبَليّ، ومرةً بحاتمٍ الأصم، ومرةً بشَقِيقٍ البَلْخِي، ثم قال: ما أسرعَ الناسَ إلى البدع!! اهـ
هل خُدعَ الأئمةُ بوعظ منصورٍ بن عمّارٍ وتذكيره؟!!
قال الذهبي -رحمه الله- وذكر منصور بن عمّارٍ: كان عديم النظير في الموعظة والتذكير، وبَعُدَ صِيته وتزاحم عليه الخَلْقُ، وكان ينطوي على زهدٍ وتَأَلُّهٍ وخشية، ولوعظه وَقْعٌ في النفوس.
قال أبو بكر بن أبي شيبة: كنا عند ابن عُيينة فسأله منصور بن عمار عن القرآن؟ فزبره وأشار إليه بعكازه؛ فقيل يا أبا محمد: إنه عابد!؛ فقال: ما أُرَاهُ إلا شيطانًا.
وقال ابن عدي: حديثه منكر.
وقال أبو حاتم: صاحبُ مواعظَ ليس بالقوي.
وقال العُقَيْلي في الضعفاء: منصور بن عمار القاصُّ، لا يُقِيمُ الحديثَ، فيه تَجَهُّمٌ.
وقد أخرجَ مسلمٌ في "صحيحه": أنه قد جاء يَحْيَىَ بْنِ يَعْمَرَ وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ إِلى عَبْدِ اللّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- وأخبراه عن حال القَدَرِيَّة الذين يقولون: الأمرُ أُنُفٌ، وإنه لاَ قَدَرَ.
يقولون: الأمرُ أُنُفٌ، ولا قَدَر.. إلى غير ذلك، وأظهروا الأمرَ بالبصرة؛ فقالا لعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: (قَد ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَأُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَقَفّرُونَ الْعِلْمَ. وَذَكَرُوا مِنْ شَأْنِهِمْ، وَأَنّهُمْ يَزْعَمُونَ أَنه لاَ قَدَرَ، وأنّ الأَمْرَ أُنُفٌ).
فلم يغترَّ ابن عمر بتلك الأعمال؛ لأنهم ظهروا ببدعة، فقال -رضي الله عنه-: (فَإِذَا لَقِيتَ هؤلاءِ فَأَخْبِرْهُمْ أَنّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وهم بُرَآءُ مِنّي، وَالّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ! لَوْ أَنّ لأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبا فَأَنْفَقَهُ، مَا قَبِلَ اللهُ مِنْهُ حَتّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ).
وهذا إمامُ أهل السُّنة لم يجعل الزهدَ، ووعظَ الناس، وتَقَفُّرَ العلم مقياسًا لمعرفة أن يكونَ الإنسانُ على الصوابِ أم لا؟!
ذكر القاضي أبو يَعْلَى في طبقات الحنابلة في ترجمة علي بن خالدٍ، قال: نقلَ عن إمامنا - [يعني: أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى] - أشياءَ، منها: قلتُ لأحمد: إنّ هذا الشيخَ -لشيخٍ قد حضر معنا- هو جاري، وقد نهيته عن رجلٍ ويحبُّ أن يسمعَ قولَك فيه، هو: حارثٌ القَصِير - [يعني: حارثًا المحاسبي] - وكنتَ - [يقولُ للإمام] - رأيتني معه - [أي: مع الحارثِ] - منذ سنينَ كثيرةٍ وقلتَ لي: لا تجالسه، ولا تكلِّمه؛ فلم أكلِّمه حتى الساعة، وهذا الشيخُ يجالسه فما تقول فيه؟
قال: فرأيتُ أحمدَ قد احْمَّر لونه، وانتفخت أَوْدَاجُه وعيناه وما رأيته هكذا قط، ثم جعل ينتفض ويقول: ذاك فَعَلَ الله به فَعَلَ، ليس يعرف ذاك إلا مَن خَبَرَهُ وعرفه، أَوَّيَّه أَوَّيَّه -يعني يتأفف- ذاكَ لا يعرفه إلا مَن قد خَبَرَهُ وعرفه، ذاك جالسه المغازلي، ويعقوب، وفلان فأخرجهم إلى رأي جهمٍ، هلكوا بسببه!!
فقال له الشيخ: يا أبا عبدالله يروي الحديثَ، ساكنٌ، خاشعٌ من قِصَّتِه ومن قِصَّتِه؛ فغضب أبو عبدالله، وجعل يقول: لا يَغُرَّكَ خشوعُه ولينُه، ويقول: لا تغتر بتنكيس رأسه؛ فإنه رجلُ سُوء، ذاك لا يعرفه إلا مَن قد خَبَرَه، لا تكلِّمه ولا كرامة له، كُلُّ مَن حدَّث بأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان مُبتدعًا تجلس إليه؟! لا، ولا كرامة، ولا نُعْمَى عين، وجعل يقول: ذاك!! ذاك!! اهـ
يقول الإمام البربهاري -رحمه الله-: (واعلم -رحمكَ الله تعالى- أنّ العِلمَ ليس بكثرة الرواية والكتب، إنما العالمُ مَن اتّبعَ العِلمَ والسنن -وإنْ كان قليلَ العِلم والكتب- ومَن خالف الكتاب والسنة فهو صاحبُ بدعة -وإنْ كان كثيرَ العِلمِ والكتب).اهـ
نعم، العلمُ ليس بكثرة الرواية والكُتب، إنما العِلمُ بإصابة السُّنة.. العِلمُ بإصابة السُّنة، وكثيرٌ من الضُّلال كان على خُططِ رُشدٍ، وعلى سبيل سلامة، فلما جالسوا أهلَ الضلال والهوى والبدعة حَرَفُوهُم عن الصراط المستقيم.
وتَعْجَبُ -ولا عجبَ من قدرة الله -رب العالمين- الطليقة- من أقوامٍ كانوا ينافحون عن السُّنة، ويتصدون لأهل البدعة، ثم هم -الآن- يُؤصِّلون للديمقراطية!! ويقولون: الليبراليون، والعَلمانيون، والإخوان المسلمون، والتبليغيون، والصوفيون .. كلهم سلفيون!!
قال البربهاري -رحمه الله-: (وإذا رأيتَ الرجلَ مُجتهدًا، مُتَقَشِّفًا، مُحترِقًا بالعبادة، صاحبَ هوى، فلا تجالسه، ولا تقعد معه، ولا تسمع كلامه، ولا تمشِ معه في طريق؛ فإني لا آمنُ أن تستحلي طريقته فتهلكَ معه).اهـ
أهلُ البدع أعظمُ من السُّراق!! لأنهم يسرقون قلبكَ، ويسطون على دينكَ، وأما السُّراقُ فإنهم يسرقون مالكَ، ويسطون على كِيسك، وهذا أمرٌ يسيرٌ يُعوَّض.
وأما قلبُكَ فإنْ ضاعَ منكَ فأنّى تجده؟! وإنْ ولَّى عنكَ مُدبرًا، فلن تُدركه، فاحذرهم؛ فإنهم أشدُّ عدوى من الجَرَب!! لا تسمع منهم، ولا تجالسهم، ولا تقرأ كُتبهم، ولا تنظر في وجوههم؛ فإنّ النظرَ في وجوههم يُقَسِّي القلوب، ويُزيغُ عن الصراط المستقيم.
قال الآجري -رحمه الله-: (فلا ينبغي لمَن رأى اجتهادَ خارجيّ قد خرج على إمامٍ، عَدْلاً كان الإمامُ أو جائرًا، فخرج وجمع جماعةً، وسَلَّ سيفَه ، واستحلَّ قتالَ المسلمين - [وكان الرجلُ من قبل، يقول: هذا من منهج الخوارج ومن مذهبهم، وهذا الخروج لا يجوز، والإجماعُ مُنعقد .. إلى كلامٍ كثيرٍ، ثم صار إلى أنّ الفتوى تتغيرُ بتغير الأحوال، وأنه إذا كانت المفسدةُ قليلة في مقابل مصلحةٍ تُحصَّلُ عظيمة، فإنه حينئذٍ (يجبُ!!).
الذي كان بالأمس حرامًا وباطلاً صار اليومَ حلالاً وصار قُرْبَة!!!، وهكذا أهلُ البدع لا يثبتون على حالٍ، نسألُ اللهَ السلامة والعافية] - فلا ينبغي له أن يغتر بقراءته القرآن، ولا بطول قيامه في الصلاة، ولا بدوام صيامه، ولا بحسن ألفاظه في العِلم إذا كان مذهبه مذهب الخوارج). اهـ
وأهلُ البدع -في الجملة- لهم عبادةٌ وذِكر، وإنفاقٌ وبَذْل، ومشاركةٌ في العِلم والحفظ، وكل هذا ليس بشيءٍ إذا قِيسَ بما هم عليه من البدعة والمخالفة، ومجانبة الحق ومحاربة أهله، وعبادتهم واجتهادهم عليهم لا لهم، ولا يزيدهم ذلك من الله إلا بُعدًا.
وقد ظهر ذلك في حال الخوارج ومقالِهم؛ فإنهم يقولون من خير قول البرية، ويقرءون القرآن ليس قراءتُكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتُكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامُكم إلى صيامهم بشيء..
ولم يخدع هذا كلُّه أحدًا من الصحابة، ولا يخدعُ أحدًا ممن تبعهم بإحسان؛ لأن الخوارج أهلُ بدعٍ وَزَيْفٍ، إنهم يقرءون القرآن يحسبون أنه لهم، وهو عليهم، (لا تُجَاوِزُ صلاتُهم تَرَاقِيَهُم، يمرقون من الإسلام كما يَمْرُق السهم من الرَّمية)، كما وردتْ بذلك أحاديثُ خير البرية -صلى الله عليه وآله وسلم-.
فبماذا نفعتهم عبادتهم؟!! وبماذا نفعهم تَقَشُّفُهم وزهدهم؟!! ولم يزدهم اجتهادهم في عبادتهم عن الله إلا بُعدًا!
وقد ظهر ذلك -أيضًا- في حال (القَدَرِيَّة) كما أخبرَ به يَحْيَىَ بْنِ يَعْمَرَ وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَبْدَ اللّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- فقالا: ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَأُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَقَفّرُونَ الْعِلْمَ، وَذَكَرُوا مِنْ شَأْنِهِمْ..
ولم يخدع هذا كلُّه عَبْدَ اللّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، بل بيّن أن هذا وغيرَه من العمل الصالح لا أَثَرَ له مع بدعتهم وزيغهم؛ فقال: (والذي يحلفُ به عبدالله بن عمر، لو أنّ لأحدهم مثل أحدٍ ذهبًا، فأنفقه ما قَبِلَ اللهُ منه حتى يُؤمن بالقدر). اهـ
فذهب ذلك كله هَدَرًا!!
وظهر ذلك أيضًا في حال المُحاسبيّ، قد قال الرجلُ للإمام أحمد: يا أبا عبدالله يروي الحديثَ، ساكنٌ، خاشعٌ من قِصَّتِه ومن قِصَّتِه.
ولم يخدع ذلك -كلُّه- أحمد -رحمه الله- بل قال غاضبًا: (لا تغترَّ بتنكيس رأسه؛ فإنه رجلُ سوء!! ذاكَ لا يعرفه إلا مَن قد خَبره، لا تكلمه ولا كرامةَ له، كلُّ مَن حدّث بأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان مبتدعًا تجلس إليه؟!! لا، ولا كرامة، ولا نُعمى عين). اهـ
والمقصود: أنّ السلفَ لم يكونوا يغترون بأعمال أهل البدع، ولا بزهدهم، ولا بطلبهم العِلمَ، بل كان ذلك داعيةً لاجتهادهم في التحذير منهم وهجرِهم؛ لاغترارِ كثيرٍ من الناس بحالهم، وجهلهم بحقيقة ما هم عليه وما يدعون إليه.
فكانوا كلما ازدادوا اجتهادًا في العِلم والطلب والعبادة والعمل مع البدعة، ازداد أهل السنة منهم تحذيرًا وعنهم تنفيرًا؛ لاغترار الناس بأحوالهم.
فأين أصحابُ القواعد المُستحدثة من هذا المسلك الذي بيّنه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وسلكه أصحابه -رضوان الله عليهم- ومضى عليه علماءُ الأمة من أهل السنة؟!!
تجدُ الرجل يؤصِّل لقاعدة (الموازنات) المُنحرِفة؛ فيأتي بما يزيدُ على (خمسة وعشرين) نَقْلاً، ما في نقلٍ واحدٍ منها: قال اللهُ، قال رسولُه، قال الصحابة؟!! أيُّ ضلالٍ هذا؟!!
يأتيه مخالفوه بقال الله، قال رسوله، قال الصحابةُ، ويأتي بالأقوال!!
قد رأيتَ أنّ الأئمة عند النصح للأمة، والتحذير من أهل البدع يُبيِّنون بدعهم، ويُنَفِّرُن منهم دون ذكر محاسنهم، وتَعْدَاد مناقبهم، بل ما ذكروه من ذلك نَصُّوا على أنه عليهم لا لهم!!
كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في (الخوارج) لما ذكر عبادتهم، قال: (يقرءون القرآن لا يجاوزُ تَرَاقِيَهُم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)، ولما ذكر ما لهم، دَلَّ على أنه عليهم لا لهم -صلى الله وسلم وبارك عليه-.
ذِكرُ حسنات المجروح عند جرحه، والتحذير منه يُضعف الجرحَ، وقد يَمْحَقُه، بل يكون ذلك كالدعوة إليه، وإلى منهاجه وطريقته.
وقد يلتبسُ صنيعُ بعضِ الأئمة كالإمام الذهبي -رحمه الله- على بعضِ طلاب العِلم، فيخلطُ بين (ترجمة) الراوي و(جرحِه)، ويحتجُّ من فعل الذهبي بما لا حُجةَ فيه على ما لا حُجةَ له.
فيُلزِمون العلماءَ الربانيين القائمين على منهاج النبوة بذكر حسنات المبتدعة والمجروحين عند جرحهم والتحذير منهم!!
وحقيقةُ فِعل الأئمة، وبيانُ الفَرْق بين (الترجمة) و(الجرح) يتضح بالمثال من كلام الإمام الذهبي -نفسِه رحمه الله تعالى-.
ومن أعجب العجب أن تُكلِّمَ الرجلَ في أمرٍ قد استقبله وجهُه فيُحدِّثكَ عن قَفَاه!! وتأخذُ به لسَمْت اليمين، فيأبى إلا أن يسيرَ إلى الشِّمال!!
من عَجَبٍ أن تنتكسَ الفطرة، وأن تَرْتَكِسَ النفس في الحَمْئَة، وأن تصيرَ النفوسُ إلى هذه الضَّعَةِ والذِّلة، وإلى الله المُشتكى.
ترجم الذهبي -رحمه الله- في سير الأعلام لأحمدَ بن أبي دؤاد، ولم يكن أحمد بن أبي دؤاد من النبلاء أصلاً!! فضلاً عن أن يكون من أعلامهم، فقد كان داعية التجهم الأكبر في عصره، وحاملَ لواء أهل البدعة في حرب أهل السنة وإيذاء أعلامها.
ولننظر في ترجمة الذهبي لابن أبي دؤاد في (السِّيَر) ثم لننظر في كلامه فيه في (ميزان الاعتدال).
قال في (السِّيَر): القاضي الكبير!! أبو عبد الله، أحمد بن فرج بن حَرِيزٍ الإيادي البصري ثم البغدادي، الجهمي، عدوُّ أحمد بن حنبل.
كان داعيةً إلى خلق القرآن، له كرمٌ، وسخاءٌ، وأدبٌ وافرٌ، ومكارم!! - [داعيةُ التجهمِ الأكبر!!] - وُلد سنة ستين ومائة بالبصرة، ولم يُضف إلى كرمه كرم!!). اهـ
كلامُ الذهبي في داعية التجهم الأكبر!! .. في (الترجمة!!).
سيأتي على الناسِ زمانٌ يُذكرُ فيه الشيطان، فيقولون: رضي الله عنه!! إذا قلتَ: لمَ؟! قالوا: حَقُّه!! منهجُ الموازنات يقضي بأن نذكر ما له كما نذكر ما عليه!!
فإذا قلتَ: وما له؟!
يقولون: ألم يدل أبا هريرة على قراءة آية الكرسي إذا أصبح، وإذا أمسى، وإذا أخذ مضجعه؟!!
نقول: فأخذتموها عن الشيطان بإسنادٍ عالٍ؟!!
نحن: إنما أخذناها عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- لما اعتمدها، أخذناها عنه ومنه، لا عن الشيطان!!
وأما أقوامٌ يستدلون لجواز منهج (الموازنات) بالشيطان!!! فهل لنا مع هؤلاء كلامٌ؟!! إلى الله المشتكى، وعليه التكلان.
قال أبو العَيْنَاء: كان ابن أبي دؤاد شاعرًا، مُجيدًا، فصيحًا، بليغًا، ما رأيتُ رئيسًا أفصحَ منه.
قال عبد الله بن أحمد: سمعتُ أبي، قال: سمعتُ بِشْرَ بن الوليد، يقول: استتبتُ أحمدَ بن أبي دؤاد من قوله: القرآن مخلوق في ليلةٍ ثلاثَ مراتٍ، ثم يرجع.
أهل السنة والجماعة وهم يردون على المخالف سواء كان من أهل السنة والجماعة أم كان من غيرهم؛ فإنهم يأخذون بحق الله -تبارك وتعالى- ويُراعون حِياطةَ الدين، وهذا هو العدلُ والإنصافِ.
إذا كان المُنْتَقَدُ من أهل السنة والجماعة، والدفاعِ عن السُّنة، وكانت أخطاؤه في الأمور التي لا تُخِلُّ بالعقيدة ولا بمنهاج النبوة، فهذا تُذكر ميزاتُه وحسناتُه.
لأنها تَغْمُرُ زلاتِه وأخطاءَه التي لا تتعلق لا بالعقيدة، ولا بالمنهج، ومَن الذي لا يُخطئ؟!! ومَن الذي له الحُسْنَى فقط؟!! ما من أحدٍ إلا ويُؤخذُ من كلامه ويُردُّ إلا رسولَ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
ولكن إنْ كان الرجلُ من أهل السُّنة مُستقيمًا على منهاج النبوة وزَلَّ الزَّلَّة، نُقِيلُ عَثْرَتَه، ونذكرُ حسناته؛ لأنه ما أخطأ لا في عقيدة ولا في منهاج، ومَن الذي لا يُخطئ؟!! لأنه يقوم بنصرة السُّنة.
أما إذا كان المُنْتَقَدُ من أهل الضلال والبدعة، ويؤصِّلُ لها، فلا يجوزُ لنا أن نذكرَ حسناته، والإخلالُ بذلك أدّى إلى فسادٍ عظيمٍ قد بَدّدت جموعٌ من طلاب العلم طاقاتها، وأهدرت أوقاتها في الدفاع عن أهل البدعة، ومحاربة أهل الحق بحُجة الإنصاف والعدل!! بذكر الحسنات والسيئات عند الجرح؛ فأفسدوا البلادَ والعبادَ، وهم يحسبون أنهم يُحسنون صُنْعًا.
لا يلزمُ في الردِّ على المُخالف ذِكرُ حسناتِ المردود عليه، أو الموازنةُ بين الحسنات والسيئات.
وقد مدح الله -تعالى- المؤمنين من غير ذكر مساوئهم، وذَمَّ الله -تعالى- الكافرين، والمنافقين، والفاسقين من غير ذِكر محاسنهم.
وقد حذّر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته من أهل الأهواء دون التفاتٍ إلى ما فيهم من الحسنات.
وذَكرَ النبي -صلى الله عليه وسلم- عيوبَ أشخاصٍ مُعَيَّنِين، ولم يذكر محاسنهم، وكان ذلك من باب النصيحة.
قال الذهبي -رحمه الله- لما ذَكرَ ابن أبي دؤاد، مُترجمًا له، ذَكرَ ما مَرَّ ذِكرُه، فلما ذَكره في (الميزان) أتى بعبارةٍ قصمت ظهره!!: (هذا الجهمي الضال، داعيةٌ إلى التجهم والبدعة). وانتهى الأمر، هذا نَقْدٌ.
وأما أن يذكرَ ما له، وما عليه، فهذا عند (الترجمة)، وما لنا ولها الآن؟!!
عند التحذير من أهل البدع، نذكرُ بدعهم مُحذِّرين منها بإنصافٍ وعدلٍ من غير أن نتجاوزَ في وصفهم بما هو فيهم، ومن غير أن نبالغَ فيه، ونتوقفُ عند حدود الإنصاف والعدل.
وليس بإنصاف أهل البدع والأهواء الذي يَشْهَرُون سيفه في وجوه أهل السُّنة، ويقولون: ليس من الإنصاف أن تذكروا سيئات الرجل وأخطاءه مُحذِّرين منه من غير ذكر حسناته، وما له من الممادِح.
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: تلا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- قولَ الله -تبارك وتعالى-: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران:7].
قالتْ: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فإذا رأيتم الذين يتّبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سَمَّى اللهُ؛ فاحذروهم). متفقٌ عليه.
وذكر مسلمٌ في مقدمة الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: (سيكون في آخر أمتي أُناسٌ يُحدِّثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم؛ فإياكم وإياهم).
بأبي هو، وأمي، ونفسي -صلى الله عليه وآله وسلم- قد واللهِ رأيناهم وعرفناهم!!
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: (يكونُ في آخر الزمان دجّالون كذّابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم؛ فإياكم وإياهم، لا يُضلونكم ولا يفتنونكم). أخرجه مسلمٌ في مقدمة صحيحه.
ومعلومٌ أنّ أهلَ البدع لا يخلون من محاسن ومع ذلك لم يلتفت رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إلى تلك المحاسن، ولم يذكرها، ولم يقل: استفيدوا من محاسنهم!! كما يدّعى القائلون: بمنهج (الموازنات) الذي أدّى اتباعه إلى كثيرٍ من الضلال والزيغ.
لقد حذّر رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- من أقوامٍ يُحدِّثون الناسَ بما لم يسمعوا هم ولا آباؤهم، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (فإياكم وإياهم)، ولم يقل: وازنوا بين سيئاتهم وحسناتهم، وفَتِّشُوا عن جَميل خصالهم!!
بل حذّر رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- من أشخاصٍ مُعَيَّنِين في مسائلَ مخصوصة لم يذكر حسناتهم، وكانت لهم حسناتٌ عظيمةٌ جليلةٌ!!
نحنُ نعاني أمرًا عظيمًا -مما يزيده سوءًا وقُبحًا- أنّا نُكلِّمُ في الجملةِ أقوامًا لا يفهمون!! غلبت عليهم حماقاتُهم، واستحكمت بهم مِرَّتُهم، واستنزفت قواهُم أحوالُ دنياهم؛ فصار علمُهم يتآكلُ مع الصباح والمساء؛ إذ تختلف عليه عواملُ التَّعْرِيَة!! حتى صارَ إلى المَحْقِ والبلاء، والعدمِ والفناء..
فالواحدُ منهم يتكلَّمُ في العِلم على أثارةٍ كانت قديمًا في ذهنه قائمة = صارت شاحِبةً باهِتةً، فالرجل يلقى الرجل، قابله يومًا من الدهر منذ أزمانٍ مُتطاولات، فإذا رآه لم يستطع أن يتذكر أين لقيه؟! ولا أين كان مرآه؟!
نحن نعاني أمرًا عظيمًا -يزيده بلاءً وسُخْفًا!- أننا نخاطبُ أقوامًا لا يفهمون!!، عندما نقول: الخصومةُ في أصل الدين، في تغيير الملة، وتبديل الشريعة، ومَسْخِ الدِّيانة، يقول قائلٌ -بحماقةٍ ظاهرةٍ!!-: يُصَعِّدُ الأمرَ الآن من مبتدعٍ إلى ما فوقه!!
يعني: التكفير. اخْسَأ!! لا خَلاكَ ذمٌ!! ما فهمتَ، ولن تفهمَ -إن شاء الله- ..
مع أن القياس كان على ما كان أيام الأئمة: أحمد وصحبه من أهل السُّنة، كانت خصومتهم مع مَن خاصموهم في تغيير الملة، وتبديل الشريعة، وتشويه الدِّيانة؛ لأن الجهمية كانوا يُنكرون الصِّفات، ولأن القَدَرِيَّة كانوا يقولون: الأمرُ أُنُفٌ.
فالمعتزلة والجهمية، كلُّ أولئك كانوا خصومًا لأحمد وحزبِه، فالخصومةُ في تغيير الملة، وتبديل الشريعة، وإدخالِ ما ليس من الدين فيه، في أمر العقيدة فيما يتعلق بأسماء ربنا وصفاته، وفي القدر، فهل كفَّرُوهم؟!!
كذلك عندما نقول: الخصومةُ في تغيير الملة، يقول -مُسْتَظْرِفًا!!-: الانتخابات.
يا رجل!! إنما هي لافتةٌ لأصلٍ، إنما هي فَرْعٌ عنه.. السيادةُ للشعب!!
والحُكمُ له!!
السيادةُ للقانون!!
والرأي للأغلبية!!
ولا تشريعَ إلا من خلال المجالس النيابية التشريعية!!
الديمقراطية!!
الخلافُ هنا، أليس هذا بتبديلٍ للشريعة؟!! وتغييرٍ للملة؟!! وتشويهٍ للديانة؟!!
ولا تكفير، والأمرُ كما كان على عهد أحمد -رحمه الله- رب العالمين رحمةً واسعةً، أسألُ الله أن يهدينا جميعًا إلى الصراط المستقيم.
الخُطبة الثانية:
الحمدُ لله رب العالمين، وأشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له هو يتولى الصالحين، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أمّا بَعْدُ:
فقد حذّر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من أشخاصٍ مُعَيَّنِين في مسائلَ مخصوصة، ولم يذكر حسناتهم، وكانت لهم حسناتٌ عظيمةٌ جليلةٌ.
عن فاطمة بنت قَيْس أنها ذكرت للنبي -صلى الله عليه وسلم- أنّ مُعاوية بن أبي سفيان، وأبا جهمٍ خطباها، فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: (أما أبو جهمٍ فلا يضعُ عصاه عن عاتِقه، وأما مُعاويةُ فَصُعْلُوكٌ لا مالَ له، انكحي أسامةَ بن زيدٍ). رواه مسلمٌ.
هذه استشارةٌ في أمرٍ يتعلق بخطبةٍ ونكاحٍ، وقد نصح النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فاطمةَ بنت قَيْسٍ بأنْ تنكحَ أسامةَ بن زيد، وذكر مُعاوية وأبا جهمٍ بما فيهما، ولم يذكر من فضائلهما ومحاسنهما شيئًا ولهما من ذلك الكثير -رضي الله تعالى عنهم-.
ولكنّ المقامَ مقامُ نصيحةٍ ومَشورة، ولا يتطلبُ أكثرَ من هذا.
وعن عائشةَ -رضي الله عنها- أن رجلاً استأذنَ على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- أو سَمِعَ به، قال: (بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ). أخرجه البخاري.
قال القُرطبي: (وفي الحديثِ جوازُ غِيبة المُعْلِن بالفسق أو بالفُحْش أو نحو ذلك من الجَور في الحُكم، والدعاء إلى البدعة).
وقال النووي: (وفي الحديث مُداراة مَن يُتَّقى فُحْشُه، وجواز غِيبة الفاسق المُعْلِن بفسقه، ومَن يحتاجُ الناسُ إلى التحذير منه).
وعن عائشة -رضي الله عنها- أنّ هندَ بنت عُتبة قالت: يا رسولَ الله، إنّ أبا سفيان رجلٌ شحيح، وليس يُعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذتُ منه وهو لا يعلم. قال: (خُذي ما يكفيكِ وولدكِ بالمعروف). والحديثُ أخرجه البخاري في مواضع.
وقد استُدلَّ بهذا الحديث على جواز ذكر الإنسان بما لا يُعجبه إذا كان على وجه الاستفتاء والاشتكاء ونحو ذلك، وهو أحدُ المواضعِ التي تُباحُ فيها الغِيبة.
فلم يُنكر عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكرَها الجانبَ الذي لا ترضاه، ولم يُكلِّفها بذكر محاسنِ أبي سُفيان، وإنّه لذو محاسن -رضي الله تعالى عنه-.
يعني لم يقل لها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: يا هندُ، اتقِ الله! اذكري محاسنه ووازِني، قلتِ: إنه شَحِيحٌ، ولكنّ فيه خصالاً حَسَنَة، وإنه لذو محاسن، فاذكري محاسنه، وائتِ بالموازنة بين الحسنات والسيئات!!
هل أشارَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إلى شيءٍ من ذلك؟!!
قال شيخُ الإسلام -رحمه الله-: وقال بعضُهم لأحمدَ بن حنبل: إنه يَثْقُلُ عليَّ أنْ أقولَ: فلانٌ كذا، وفلانُ كذا. فقال: إذا سكتَّ أنتَ، وسكتُّ أنا، فمتى يعرفُ الجاهلُ الصحيحَ من السقيم.
ومِثْلُ أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة، إنّ بيانَ حالِهم، وتحذيرَ الأمة واجبٌ باتفاق المسلمين، حتى قيلَ للإمام أحمد -رحمه الله-: الرجلُ يصومُ، ويُصلِّي، ويعتكفُ أحبُّ إليكَ، أو يتكلَّمُ في أهل البدع؟!
فقال الإمام أحمد: (إذا قام، وصلَّى، واعتكف، فإنما هو لنفسه، وإذا تكلَّم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضلُ).
ومن أعظم ما رأيتُ وسمعتُ من الفجور في هذا العصر، المحاولةُ الدَّءُوب الفاشلة؛ لإظهار شيخ الإسلام ابن تيمية: مُنافحًا، مُدافعًا عن الصوفية!! مُنافحًا، مُدافعًا عن إحياء علوم الدين!!
إلى هذا المدى يبلغُ ضلالُكم!! نسألُ اللهَ العافيةَ والسلامةَ.
غَضُّ الطَّرْفِ عن المُخالفين، وعدمُ الرد عليهم؛ مخالفةٌ لسبيل المؤمنين، وانتهاجٌ لنهج المفسدين، وتعطيلٌ لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر.
والجَوْرُ الفاحش أن ترجحَ منزلةُ الكِفَّةِ الفارغة بالسجلات الطائشة على منزلة الكِفَّةِ الراجحة بكلمة التوحيد الخالص، والسُّنة الثابتة.
وفيه مَدُّ رُوَّاقِ المخالفة في الاعتقاد، والأقوال، والأعمال؛ حتى تصيرَ الأهواءُ على طَرَفِ البَنَان، وفي متناول كلِّ لاقطٍ.
وفي عدم الرد على أهل الأهواء فُشُوُّ الشبهة، ومُداخلتُها للاعتقاد الحق، وفيه تحريف العقيدة الحقة عن موضعها، ويظهر البَطَّالون من أهل الأهواء في المجامع وعلى درجاتِ المنابر، ويقعدون للناس على طريق الجنة يقطعونهم.
فلو تُركَ أهلُ الأهواء، وهم عاكفون على أهوائهم يحترفون الكَيد لهذا الدين بسطوٍ عظيمٍ، ولسانٍ غليظٍ، بالمسخ والتحريف، والغمزِ والتبديل، وإنْ ترفقوا فَبِصَوْغِ عبارات لو عُصرت لتقاطرت منها الدعوةُ إلى غير سبيل المؤمنين.
وهكذا في حال زحفٍ مؤلمة، وهجمةٍ شرسة، ولا كحال اللَّعَّانين الصَّخَّابين، بل هم المضللون بنزف المحابر على سطور الدفاتر، وألسنةٍ غلاظٍ على أعواد المنابر.
لو تُركَ كلُّ مخالفٍ ومخالفتَه، وضالٍ وضلالته، ومبتدعٍ وبدعته، وفاسقٍ وفسقه؛ لتجرَّعَ أهلُ القبلة منهم سمومًا قاتلة، وأهواءً ضالة، وحياةً قاتمة: خافضةً للملة، رافعةً لقَتام الفتنة ودَنَس الشهوة.
وحينئذ فلا تسأل عن تبدُّل الكفر بالإيمان، والبدعة بالسُّنة، والمعصية بالطاعة، والذِّلة بالعزة، ولَفَسَدَ فينا أمرُ الكتاب كما فسد دينُ أهل الكتاب قبلنا بما وقع فيه من التبديل الذي لم يُنكر فيه على أهله.
فواجبٌ تبيين منهاج النبوة للناس؛ فأكثرُ الناس لا يعلمون: توزَّعتهم السُّبُل، وتكالبَ عليهم أهلُ الأهواء والبدع، وتخطفتهم شياطينُ الإنس والجن من كل سبيل.
فواجبٌ على كل مسلمٍ عَلِمَ الحقَّ واهتدى إليه أن يُعلنه ويُظهره، وأنْ يدعوا إليه، ويُبيِّنه، وأنْ يحتسبَ عند الله الأذى فيه.
وكتمانُ ذلك غِشٌ للمسلمين، وهو مُحرَّمٌ لا يُغِلُّ عليه قلبُ مؤمنٍ أبدًا.
الشبابُ يُتخطَّفُ من كل صَوبٍ للحزبيات المقيتة، والجماعات البدعية بسكوت أهل الحق عن بيانه، بل صارَ الأمرُ أكبر بدعوةِ مَن هو محسوبٌ أنه من أهل الحق إلى ذلك!!
وقد صارَ كثيرٌ من المسلمين حربًا على أهل السُّنة، أهلِ الحديث، ولا خلاصَ من ذلك كلِّه إلا ببيان الحق والدعوةِ إليه، وبيان حال أهل البدع والتحذير منهم، وهذا واجبٌ باتفاق المسلمين حتى قيلَ للإمام أحمد -رحمه الله-: الرجلُ يصومُ، ويصلي، ويعتكف، أحبُّ إليكَ أو يتكلمُ في أهل البدع؟!! قال: إذا قامَ، وصلّى، واعتكف، فإنما هو لنفسه، وإذا تكلَّمَ في أهل البدع، إنما هو للمسلمين، هذا أفضلُ.
هذا أصلٌ عظيمٌ من أصول منهاج النبوة ينبغي أن تُعقدَ عليه الخناصرُ أولَ ما تُعقد، وأن يكون بإزاء أعين البصائر، لا يغيبُ عنها ولا يلين، وإلا فهو تبديلُ الملة!! وتغييرُ معالم الديانة!! وتشويه الشريعة!! فتنشأ على ذلك أجيالٌ في إثر أجيال.
وإلى الله المُشتكى، وهو المستعان، وهو حسبنا ونِعْمَ الوكيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.

وفرَّغه/
أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد المصريّ
7 من ربيع الثاني 1433 هـ، الموافق 29/2/2012 م

فإنْ تجد عيبًا فسُد الخللَ = جلّ مَن لا عيبَ فيه وعلا.

رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013