منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09 May 2016, 09:51 AM
عبد الصمد سليمان عبد الصمد سليمان غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2013
المشاركات: 139
افتراضي سفر وخواطر من مغنية إلى بسكرة الجزء الثاني

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على نبينا الأمين وعلى آله الطيبين وصحابته الغر الميامين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
ومما جال بخاطري أثناء سفري بعض فوائد السفر فدونتها رجاء إفادة الإخوان بها:
1- فمن فوائد السفر: ما يحصل فيه للمرء من تدبر في مخلوقات الله سبحانه وآياته الكونية الدالة عليه وعلى عظيم قدرته.
2- ومن فوائد السفر: إجمام النفوس والترويح عليها وكسر المعتاد الذي يؤثر سلبا فيها؛ فلكل جديد لذة.
3- ومن فوائد السفر: الأخذ برخص الله سبحانه، المحبوبة له جل جلاله؛ كقصر بعض الصلوات، والجمع بينها تقديما وتأخيرا على حسب الحاجات، فإن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه.
4- ومن فوائد السفر: السياحة في بلاد الله سبحانه والتطواف بأرضه: فيرى المرء مدنا طالما سمع بها، وأماكن كان يُحَدَّثُ عنها وربما قرأ في الكتب عن بعضها، ومن ذلك ما يراه من آثار مدن بقيت بَعْدَ أهلها، وأصبحت أطلالا من بعد ما كانت عامرة بسكانها، فيراهم من خلالها، ويتصور طبيعة حياتهم من نظره فيها وفي مواقعها، ويعلم أن الآثار وإن تخلفت بعد أصحابها إلا أن الفناء سيدركها، وكما أفناهم يفنيها؛ وكما قال المتنبي:
تَتَخَلَّفُ الآثارُ عَن أَصْحَابهَا ... حينا ويدركها الفناء فَتَتْبَعُ
فإذا كانت هذه هي طبيعة الدنيا وأن الله سبحانه إنما خلقها ليفنيها فكيف يتعلق المرء بها؟.
5- ومن الفوائد التي تحصل للمسافر: استجابة الله دعاءه، وإعطاؤه سؤله، فدعاؤه من الدعوات الثلاث التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهن مستجابات؛ وما ذلك إلا بسبب إظهاره فاقته لربه، ووقوع الافتقار الحقيقي منه.
6- ومن فوائد السفر: تكثير بقع الأرض التي تشهد لصاحبها بالخير يوم العرض؛ فهي شاهدة لأصحابها بما عملوا جميعا عليها إن خيرا فخير وإن شرا فشر؛ قال الله تعالى:" يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)" سورة الزلزلة، ففي السفر صلوات يؤديها، وتلاوة يتلوها، وأذكار يقولها، وغير ذلك من العبادات التي يتقرب لله بها، وهذا يقع له من غير قصد منه، ورحمة ربك واسعة وكرمه عظيم.
7- ومن فوائد السفر: القيام بوظيفة الأنبياء من الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإن المسافر ليستعين بعدم معرفة الناس به على دعوتهم، ومحاولة إصلاحهم، لأنه مقبولٌ قوله مسموعٌ خطابه، بعكس أمره في بلده فأزهد الناس في عالم أهله.
8- ومن فوائد السفر: لقاء الإخوان والتعرف عليهم، والتحاور معهم، وفتح باب النقاش الهادف عند مجالستهم؛ فتستفيد منهم، وتثري معلوماتك بما يطرق سمعك من كلامهم.
9- ومن فوائد السفر: التعرف على عادات الناس وتقاليدهم، والاطلاع على أحوالهم وطرائق عيشهم؛ فيعرف الإنسان وينكر، ويرفض ويقر، ويستغرب ويتعجب:
- فمما تعرفه وتستبشر برؤيته ما لاحظه أحد إخواننا ممن سافروا معنا من تغطية النسوة في بعض القرى وجوههن بأياديهن إذا مر الرجال بهن، وما رأيناه جميعا حينما توقفنا ببيت أخ من إخواننا ممن كان يرافقنا حيث باغتنا امرأتين جالستين تنتظران النقل العمومي أو غير ذلك فبمجرد أن وقع بصرهما علينا هربتا من أمامنا.
- ومما تستغربه وتتعجب منه ما رأيناه في قرية من قرى إحدى الولايات التي مررنا بها من تولي النساء أمر رعي الغنم دون الرجال فتراهن آيبات قُبَيْلَ الغروب من رعيهن لوحدهن.
10- ومن فوائد السفر: معاينة حقائق أمور دنيوية وأخرى شرعية: فمما عايناه في سفرنا هذا من الأمور التي كنا نسمع بها ولا نعرف حقيقتها تأبير النخل والذي ذكر في بعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ فرأينا الشباب يتسلقون النخيل ومعهم الحقائب التي تحوي حبوب الطلع، ثم يعمدون إلى عراجين التمر الجديدة فيفتحونها ويضعون الحبوب وسطها، ويقصون من طولها رجاء كبر حجم التمر الذي يخرج منها، ويفعلون هذا بالعراجين كلها، ثم إذا أرادوا النزول من عليها أخذوا بجريد النخل واحدة باليمين والأخرى بالشمال ووضعوا بعضها بين أرجلهم وتدحرجوا نازلين يرخون أيديهم ويقبضون إلى أن يقعوا على الأرض قائمين.
ومما يعاينه المسافر في سفره حقيقة ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنه من أن السفر قطعة من العذاب، وأنه يمنع المسافر الطعام والنوم والشراب، وما ذلك إلا بسبب عدم استقراره وبعده عن الأهل والأحباب: فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم – قَالَ:" السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ، فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ" رواه البخاري ومسلم.
- قال الإمام ابن بطال في شرحه على البخاري ج4 ص454[1]: "يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه" فامتناع هذه الثلاثة التي هي أركان الحياة مع ما ينضاف إليها من شقة السفر وتعبه، هو العذاب الذي أشار إليه، ولذلك قال عليه السلام: (فإذا قضى أحدكم نهمته فليرجع إلى أهله) لكي يتعوض من ألم ما ناله، من ذلك الراحة والدعة في أهله، والعرب تشبه الرجل في أهله بالأمير.
- قال السندي في حاشيته على ابن ماجه ج2 ص207[2]: قَوْلُهُ: (يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) بَيَانٌ لِسَبَبِ كَوْنِهِ قِطْعَةً مِنَ الْعَذَابِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: أَيْ يَمْنَعُ كَمَالَهَا وَلَذِيذَهَا لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ وَالتَّعَبِ وَمُقَاسَاةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالسُّرَى وَالْخَوْفِ وَمُفَارَقَةِ الْأَهْلِ وَالْأَصْحَابِ وَخُشُونَةِ الْعَيْشِ، وَفِي الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ سُئِلَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ حِينَ جَلَسَ مَوْضِعَ أَبِيهِ: لِمَ كَانَ السَّفَرُ قِطْعَةً مِنَ الْعَذَابِ فَأَجَابَ عَلَى الْفَوْرِ: لِأَنَّ فِيهِ فِرَاقَ الْأَحْبَابِ.
11- ومن فوائد السفر: تحقيق التوكل على الله، والاعتماد بالقلب عليه في جلب المنافع ودفع المضار في نفسك وأهلك، فهو الصاحب في السفر والخلفية في الأهل.
12- ومن فوائد السفر: ما أخذت منه مادته وسمي به؛ وهو أن السفر يسفر عن أخلاق الرجال وآدابهم، ويبرز محاسنهم ومساويهم، ومحابهم ومساخطهم، وغير ذلك منهم؛ وهذا كما يتعلق برفقاء السفر، فهو متعلق بمن تلقاهم في أثنائه من البشر: ومما أسفر عنه سفرنا هذا: أدب إخواننا من أهل بسكرة وحسن ضيافتهم، وكرمهم الذي يذكر لهم ويشكر من أخلاقهم؛ حيث أنزلونا كالأهل بينهم، وطَوَّفُوا بنا أماكن من بلادهم، وحرصوا جزاهم الله خيرا على إدخال السرور والأنس علينا جهدهم.
وعموما إن من أعظم ما يميز إخواننا ممن لقيناهم في سفرنا التواضع الكبير والكرم الغزير والأدب الجم والحياء الرفيع.
فهذا ما رأيناه وأحسسنا به نحسبهم كذلك والله حسيبهم ولا نزكيهم على الله سبحانه.
13- ومن فوائد السفر: قضاء الحاجات وتحقيق الآمال والرغبات: من عبادة يؤديها، ورحم يبلها، وصحبة يزورها، وفائدة يقتنصها، وتجارة ينميها، ومصلحة يحققها، وفسحة يستجم بها، وسياحة يتدبر في آيات الله أثناءها، وامرأة ينكحها، ووظيفة يقوم بها، ورسالة يوصلها، ومهمة يسهر عليها، وبلاد يفتحها، وعلاج مرض يسعى إليه، ودواء يحرص على جلبه، وعلم يطلبه، وانتقال من البلد يريده، وغير ذلك مما لا يتحقق إلا بالسفر، ولا يدرك إلا بالارتحال عن بلد المستقر.
14- ومن فوائد السفر: الإتيان بجملة من العبادات، والعديد من القربات؛ التي لا تتحقق إلا فيه، ولا تكون إلا بسببه:
كالحج والعمرة بالنسبة لغالب المسلمين إذ لا يمكنهم الاتيان بهما إلا بالسفر إلى البلاد التي جعلها الله محلا لهما ولمناسكهما.
ومن ذلك الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي وكذا في المسجد الأقصى طهره الله من اليهود الغاصبين والصهاينة المعتدين، والذي رغب النبي صلى الله عليه وسلم فيها وخص أماكنها بالإذن في شد الرحال إليها.
ومن ذلك دعاء السفر فإن المسلم لا يدعو به إلا إذا هم بالخروج من بلده ومثله دعاء الرجوع إليه بعد قضاء نهمته من سفره.
ومن ذلك الدعاء للمقيمين من إخوانه ودعاء إخوانه له الذي لا يتحقق إلا عند إنشاء السفر والعزم على مفارقة المقر.
ومن ذلك طلب العلم الشرعي الذي انتشر أهله في أصقاع الدنيا؛ فيرحل إليهم ليحصل العلم على أيديهم، ويزاحم بالركب في مجالسهم.
ومن ذلك الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، ومن بلاد البدعة إلى بلاد السنة، ومن بلاد المعصية إلى بلاد الطاعة؛ وهذه العبادة الجليلة لا يمكن تحقيقها في كثير من الأحوال إلا بالسفر والترحال.
ومن ذلك الجهاد في سبيل الله إذا تحققت شروطه وانتفت موانعه؛ أقصد جهاد الفتح خاصة الذي يحتاج أهله للانتقال من بلادهم إلى البلاد التي يقصدون فتحها، وإيصال الخير العميم إليها.
ومن ذلك الدعوة إلى الله والتي يحتاج الداعي في كثير من أحيانه أن ينتقل إلى بلاد أخرى ليبلغها ويبثها، ويصلح الناس بالقيام بها، وإن كان السلف في الأصل الذي جرت سنتهم عليه أن العالم يُرحل له ولا يرحل لغيره.
ومن ذلك صلة الأرحام وعيادة المرضى والتي قد يسافر المرء ليحققها ويقوم بها.
وغير ذلك من العبادات، ومن المعلوم أن هذه الأسفار منها ما يكون واجبا إذا كانت العبادة واجبة، وما يكون مستحبا إذا كانت مستحبة، فحكم السفر تابع لحكم العبادة التي يُوصِل إليها ويُعين على تحقيقها.
15- ومن فوائد السفر: ما يقع فيه من الاعتبار والاستبصار؛ فيعتبر المسافر حال سفره إلى الآخرة بحال سفره في الدنيا، فهو مسافر في آخر عمره إلى آخرته كسفره في الدنيا من بلده إلى بلد مقصده، وهو مفارق أهله بموته كفراقه لهم في الدنيا بانتقاله وارتحاله، فكما يستعد المرء لكل سفر يريده فيتزود له ويُعِدُّ قبل إنشائه ما يحتاجه فيه فعليه أن يستعد لموته بإعداد الزاد الذي ينفعه يوم المعاد، فسفره الآخر يشبه إلى حد بعيد سفره الحاضر، فحال المسافر إلى الآخرة ممن لم يعد له عدته كحال رجل سافر في هذه الدنيا وهو بلا زاد عنده ولا مال قد أعده، ورجل هذا حاله هالك لا محالة.
وكما يعتبر العبد بالاستبصار في وجوه الشبه بين السفرين، فيعتبر أكثر بالاستبصار في الفوارق بين الرحلتين وإليك بعضها:
الفارق الأول: أن سفر الدنيا المسافر فيه هو الذي يقرر يوم انطلاقه وساعته ولذلك يمكنه أن يعد له عدته قبل أن يبدأه أما سفر الآخرة فيباغته ولا يعطيه الفرصة للإعداد له ولذلك يجب أن يكون مستعدا له على الدوام ولا يسوف كفعل أهل الأماني والأحلام.
الفارق الثاني: سفر الدنيا يمكن لمن أراده أن يتراجع عنه إذا لم يتوفر الزاد لديه أما سفر الآخرة فإنه لا يمكن لأحد أن يتراجع عنه لأنه ليس بيده ولذلك فالعاقل يعد له عدته قبل مجيئه وحلوله.
الفارق الثالث: أن سفر الدنيا يرجع المسافر في الغالب منه إذا لم يرق له أو نفد زاده ليتزود لمثله أما سفر الآخرة فلا أوبة منه ولا رجوع بعده ولذلك لا يمكن التزود له إلا مرة واحدة ليست بالمتجددة.
الفارق الرابع: أن سفر الدنيا إذا ابتدأته يمكنك التغيير في وجهته؛ فتكون مشرقا فتصير مغربا، وتكون ذاهبا فتصير آيبا، أما سفر الآخرة فإذا ابْتَدَأَ لا يمكن تغيير وجهته، ولا تبديل نهايته؛ ولذلك تحديد الوجهة الحسنة المحبوبة إنما يكون قبل حلوله ونزوله بصاحبه.
الفارق الخامس: سفر الدنيا يعود بعده الرجل إلى أهله والمعتاد من حياته، فإذا لم يحصل مطلوبه منه كان له عوض في ما خلفه من ورائه، أما سفر الآخرة كما تقدم لا أوبة منه، فإذا كان الذي صار إليه مكروها لنفسه، والذي فارقه فاته بموته، ولن يرجع أبدا إليه لينتفع به كان خسرانه محققا وبواره مؤكدا.
الفارق السادس: أن سفر الدنيا المسافر فيه إذا نفد زاده، وانقطعت السبل به، فإنه يمكن أن يعان من قبل إخوانه؛ ممن هو في بلدهم وبين أظهرهم، وبخاصة إذا كانوا من المستقيمين على دين نبيهم، والملتزمين بشرع ربهم الذي جاء فيه الإحسان إلى ابن السبيل وهو المسافر المنقطع به، الذي يحتاج إلى مال يرجع به إلى بلده وأهله، أما سفر الآخرة إذا لم يكن للعبد زاد قد تزوده في دنياه، لم يجد من يحسن إليه وينفعه في أخراه؛ ولو كان من أقرب الناس منه، وأعظمهم صلة به، قال الله تعالى:" يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)" سورة عبس.
والخلاصة أن المسافر إلى الآخرة لابد له إذا أراد الخير لنفسه أن يعد زاده في حينه، ولا يسوف به لأنه لا يدري متى يحل الأجل فيرحل.
16- ومن فوائد السفر: معرفة قدر نعم الله سبحانه، ومنزلة مننه على عبده جل جلاله؛ وهي كثيرة ووفيرة، يُذَكِّرُ السفر بها، ويُشْعِرُ بعظيم قدرها؛ أذكر بعضها تتميما للفائدة:
- فمنها: مسقط رأسه وبلد إقامته الذي يعرفه معرفة الرجل ببيته، ويفرح فيه فرح العريس يوم عرسه، فهو من نعم الله عليه حيث ألفه، وأحبه، وصار له اطمئنان فيه، وأنس بأهله وذويه، فإذا سافر عرف قدره، ولذلك تجده يحن إليه، ولا يقوى أن يصبر عليه.
- ومنها: بيته الذي يسكنه ويجد راحته بين جدرانه، فهو من نعم الله عليه حيث لا يجد الراحة في غيره، ولا الأنس في سواه، مهما كان المكان الذي ينتقل إليه معدا، والمحل الذي يصير إليه مهيأ، فالسفر بمشاقه ومتاعبه يشعر العبد بأهميته، وحاجته إليه، وعظيم منة الله عليه به.
- ومنها: منبع الرأفة والشفقة، وعين الرحمة والرقة؛ الوالدان أو من بقي منهما؛ المرافق لك بدعائه في حلك وترحالك، وضعفك وقوتك، وفقرك وغناك، فكم ممن يحيا في ظل دعاء والديه أو أحدهما وهو لا يدري، وفي حصن تضرعهما وإلحاحهما وهو غافل الذهن والفكر، فهما من نعم الله العظمى، ومننه الكبرى، فالسفرُ يذكرُ العبدَ بقدرهما، ومنة الله عليه ببقاء من بقي منهما، كما يذكر السفرُ بفراقهما فيعطي المؤمن العاقل همة جديدة في برهما، والإحسان إليهما، قبل أن لا يجد سبيلا لذلك بعد فراقهما.
- ومنها: أهله التي يسكن إليها، وجعل الله المودة بينه وبينها؛ تغسل ثيابه، وتحصن فرجه، وتطبخ طعامه، وتربي عياله، وتقوم على خدمته وراحته، فإذا سافر وفارقها برحيله أدرك قدرها، وعظيم منة الله عليه بها، وأنه لا أحد من الناس يقوم مقامها، ويؤدي تجاهه وظيفتها.
- ومنها: أولاده الذين هم قرة عينه، وفلذة كبده، وتمام سعادته، عدته في دنياه، وذخره بعد موته، إذا صلحوا صلحت بهم الأيام، وطاب معهم المقام، وعظم فرحه في الدنيا والآخرة، فيذكر السفرُ العبدَ بقدرهم وكبير نعمة الله عليه بهم.
- ومنها: أرحامه وعشيرته، مساندوه ومعاضدوه، وأهل الغيرة عليه والحمية له، من يقف معه في الشدة والرخاء، والسراء والضراء، فإذا سافر افتقدهم، وعرف الضعف بغيابهم، وعلم قدر نعمة الله عليه بهم.
- ومنها: أصحابه وخلانه، أهل أنسه، وذهاب وحشته، من يحب له الخير، ويدرأ عنه ما استطاع الشر، يحبونه كأهله، ويقربونه كذويه، حياته بدونهم لا تستطاب، وأيامه عند غيابهم مشقة وعذاب.
وغير ذلك من النعم التي يذكر السفر بها ويشعر بعظيم قدرها وكبير منة الله عليه بها.
17- ومن فوائد السفر: صحة الأبدان والعافية التي ينالها الإنسان: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" سَافِرُوا تَصِحُّوا، وَاغْزُوا تَسْتَغْنُوا" رواه أحمد وصححه العلامة الألباني بطرقه وشاهده في الصحيحة رقم 3352.
- قال الإمام ابن بطال في شرحه على البخاري ج4 ص455[3]: فإن قيل: فقد روى ابن عمر وابن عباس، عن النبي عليه السلام أنه قال: (سافروا تصِحُوا وتغنموا) وهو مخالف لحديث أبى هريرة( يعني: قول النبي صلى الله عليه وسلم:" السفر قطعة من العذاب"). قيل: لا خلاف بين شيء من ذلك، وليس كون السفر قطعة من العذاب بمانع أن يكون فيه منفعة ومصحة لكثير من الناس؛ لأن في الحركة والرياضة منفعة، ولا سيما لأهل الدعة والرفاهية، كالدواء المرّ المُعْقِب للصحة وإن كان في تناوله كراهية، فلا خلاف بين الحديثين.
وكتبه: أبو عبد السلام عبد الصمد سليمان
مغنية: الأحد 1 شعبان 1437هـ
الموافق: 8 / 05 / 2016 م

[1]- طبعة مكتبة الرشد الرياض، ضبط نصه وعلق عليه أبو تميم ياسر بن إبراهيم.
[2]- طبعة دار الجيل بيروت.
[3]- طبعة مكتبة الرشد الرياض، ضبط نصه وعلق عليه أبو تميم ياسر بن إبراهيم.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09 May 2016, 01:23 PM
أبو الحسن نسيم أبو الحسن نسيم غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2015
الدولة: الجزائر العاصمة
المشاركات: 390
افتراضي

مقال ماتع مفيد أخي عبد الصمد،ينبئ عن تفكير عميق وتدبر كبير في كشف وتجلية فوائد السفر وثماره وعوائده،والآيات التي جعلها الله فيه،زادك الله علما نافعا وعملا صالحا.
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
فوائد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013