منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 08 Nov 2014, 10:39 AM
بلال بريغت بلال بريغت غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: قسنطينة / الجزائر.
المشاركات: 436
إرسال رسالة عبر Skype إلى بلال بريغت
افتراضي الذب عن معاوية رضي الله عنه وإبطال شبهة تبديله للحكم من الشورى إلى الوراثي

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى مَنْ أرْسَلَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعاَلَمِينَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَإِخْوَانِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ اَلْلَّهَ تَعَالَى أَغْدَقَ عَلَى عِبَادِهِ بِنِعَمٍ كَثيرةٍ لاَ تُحْصَى، وَخَيْرَاتٍ لاَ تُسْتَقْصَى، ظَاهِرِةٍ، وَبَاطِنَةٍ، فَلَوْ اجْتَهَدَ اَلْمُجْتَهِدُونَ، وَتَنَافَسَ اَلْمُتَنَافِسُونَ فِي عَدِّهَا لَنْ يَسْتَطِيعُوا عَدَّهَا، فَهِيَ لاَ تُعَدُّ وَلاَ تُحْصَى،كَمَا قَالَ عَزَّوَجَلَّ فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ:﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا‏﴾ [النحل:18].قَالَ السَّعْدِيُّ فِي تَفْسِيِرِهِ:«﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ﴾: عَدَدًا مُجَرَّدًا عَنِ الشُّكْرِ، ﴿لاَ تُحْصُوهَا‏﴾: فَضْلاً عَنْ كَوْنِكُمْ تَشْكُرُونَهَا، فِإنَّ نِعَمَهُ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ عَلَى العِبَادِ بِعَدَدِ الأَنْفَاسِ وَاللَّحَظَاتِ، مِنْ جَمِيعِ أَصْنَافِ النِّعَمِ مِمَّا يَعْرِفُ العِبَادُ، وَمِمَّا لاَ يَعْرِفُونَ، وَمَا يَدْفَعُ عَنْهُمْ مِنَ النِّقَمِ فَأَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى»(1).إنتهى كَلاَمُهُ رَحِمَهُ اللهُ.
وَمِنْ أَجَلِّ هَذِهِ النِّعَمِ التِّي مَنَّ اللهُ بِهَا عَلَيْنَا، نِعْمَةُ الإِسْلاَمِ العَظِيمِ، فَهُوَ نِعْمَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ خُصُوصًا، وَلِلْبَشَرِيَّةِ عُمُومًا، فَهُوَ الدِّينُ الذِّي ارْتَضَاهُ لَنَا رَبُّ البَرِيَّةِ فَقَالَ:﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً﴾[المائدة:3]. وَهُوَ بَاقٍ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، فَهُوَ دِينُ البَشَرِيَّةِ جَمِيعاً، لاَ يَهُودِيَّةٍ، وَلاَ نَصْرَانِيَةٍ، وَلاَ أَيَّ دِينٍ سَوَى دِينَ الإِسْلاَمِ، قَالَ جَلَّ وَعَلاَ: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾[آل عمران:19]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ﴾[آل عمران:85]، وَقَدْ تَكَفَّلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِحِفْظِ هَذَا الدِّينِ فَقَالَ: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[الحجر:9]، وَذَلِكَ يَكُونُ بِتَقْدِيرِ اللهِ تَعَالَى لِحِفْظِ هَذَا الدِّينِ مِنَ الأَسْبَابِ مَا يَكُونُ بِهِ الحِفْظُ، وَقَدْ بَعَثَ اللهُ جَلَّ وَعَلاَ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ مِنْ حَوْلِهِ رِجَالاً اخْتَارَهُمْ لِصُحْبَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلإِقَامَةِ دِينِهِ مِنْ بَعْدِهِ، فَكَانُوا هُمْ حَفَظَتَهُ وُنَقَلَتَهُ، لِذَلِكَ هُمْ أَفْضَلُ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَأَبَرُّهَا قُلُوبًا، وَأَعْمَقُهَا عِلْمًا، وَأَقَلُّهَا تَكَلُّفًا، وَقَدْ أَثْنَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾[الفتح:29]، وَقَالَ:﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾[التوبة:100]، وَرَضِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ وَحَذَّرَ مِنْ سَبِّهِمْ فَقَالَ:«لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ»(2)، وَقَالَ:«مَنْ سَبَّ أصْحَابي فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالملاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أجْمَعِين»(3)، وَعَدَالَتُهُمْ ثَابِتَةٌ بِثَنَاءِ اللهِ عَلَيْهِمْ، وَثَنَاءِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَـ«إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ وَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِهِ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِهِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ»(4)، فَقَدْ بَذَلُوا النَّفْسَ وَالنَّفِيسَ فِي نُصْرَةِ رَسُولِهِ الكَرِيمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِقَامَةِ الدِّينِ، وَرَفْعِ رَايَةِ التَّوْحِيدِ، وَرَبْطِ النَّاسِ بِرَبِّ العَالَمِينَ، فَفَضْلُهُمْ عَظِيمٌ، وَخَيْرُهُمْ كَبِيرٌ، فَهُمْ خَيْرُ النَّاسِ وَأَفْضَلُهُمْ بَعْدَ الأَنْبْيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، وَهُمْ كَمَا قَالَ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«خَيرُ النَّاسِ قَرْني»(5)، وإِنَّ لَهُم عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ الْمِنَّةَ وَالْفَضْلَ الْعَظِيمَ، فَمَوْضِعُهُمْ الذِّي وَضَعَهُمْ فِيهِ رَبُّ العَالَمِينَ مَوْضِعٌ شَرِيفٌ، وَمَنْزِلَةٌ رَفِيعَةٌ، فَرُزِقُوا العَدَالَةَ وَالإِمَامَةَ فِي الدِّينِ لَتَقُومَ بِهُمْ الحُجَّةُ بِمَا أَدَّوْهُ وَنَقَلُوهُ عَنْ نَبِيِّهِمْ مِنْ فَرَائِضِ وَسُنَنِ هَذَا الدِّينِ، فَكَانُوا مِنْ عُظَمَاءِ هَذِهِ المِلَّة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
وَمِنْ هَؤُلاَءِ العُظَمَاءِ، الصَّحَابِيُّ الجَلِيلُ، وَمَلِكُ الإِسْلاَمِ، أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ، وَخَالُهُمْ، وَكَاتِبُ النَّبِيِّ الأَمِينُ، عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلاَةِ وَأَزْكَى التَّسْلِيمْ، وَصِهْرُهُ، وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِّ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، مُعَاوِيَةَ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَهُوَ الهَادِي الْمَهْدِيُّ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا وَاهْدِ بِهِ»(6)، الذِّي دَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ دُعَاءٍ، فَعَنْ العِرْبَاضِ بْنُ سَارِيَةَ السُّلَمِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:«اللَّهُمَّ عَلِّمْ مُعَاوِيَةَ الْكِتَابَ وَالْحِسَابَ وَقِهِ الْعَذَابَ»(7)، المَغْفُورُ لَهُ بِنَصِّ كَلاَمِهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَنْ أُمِّ حَرَامٍ الأَنْصَارِيَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:«أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا»(8).
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ:« قَالَ الْمُهَلَّب: فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْقَبَة لِمُعَاوِيَة لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَزَا الْبَحْرَ»(9).
وَعَنْ ‏‏ابْنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُمَا ‏‏قَالَ :‏«كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏فَتَوَارَيْتُ خَلْفَ بَابٍ ، قَالَ : فَجَاءَ ‏‏فَحَطَأَنِي ‏حَطْأَةً وَقَالَ :‏ ‏اذْهَبْ وَادْعُ لِي ‏‏مُعَاوِيَةَ ،‏ ‏قَالَ فَجِئْتُ فَقُلْتُ : هُوَ يَأْكُلُ ، قَالَ : ثُمَّ قَالَ ‏‏لِيَ : اذْهَبْ فَادْعُ لِي ‏ ‏مُعَاوِيَةَ ،‏ ‏قَالَ : فَجِئْتُ فَقُلْتُ : هُوَ يَأْكُلُ ، فَقَالَ : لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ» و في رواية لأحمد زاد : «وَكَانَ كَاتِبَهُ» (10).
قَالَ العَلاَّمَةُ الأَلْبَانِيُّ فِي السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ (1/165) :«وَقَدْ يَسْتَغِلُّ بَعْضُ الفِرَقِ هَذَا الحَدِيثَ لَيَتَّخِذُوا مِنْهُ مَطْعَنًا فِي مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُسَاعِدُهُمْ عَلَى ذَلِكَ؛ كَيْفَ وَفِيهِ أَنَّهُ كَاتِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ! وَلِذَلَكَ قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ (16/349/2): «إِنَّهُ أَصَّحُ مَا وَرَدَ فِي فَضْلِ مُعَاوِيَةَ».
فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ مَقْصُودٍ، بَلْ هُوَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ العَرَبِ فِي وَصْلِ كَلاَمِهَا بِلاَ نِيَّةٍ».
وَقاَلَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَةَ:«إِنَّ مُعَاوِيَةَ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّهُ أَمَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَمَّرَ غَيْرَهُ، وَجَاهَدَ مَعَهُ، وَكَانَ أَمِيناً عِنْدَهُ يَكْتُبُ لَهُ الوَحْيَ، وَمَا اتَّهَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابَةِ الوَحَيِّ، وَوَلاَّهُ عَمَرَ بْنِ الخَطَابَ الذِّي كَانَ أَخْبَرَ النَّاسِ بِالرِّجَالِ، وَقَدْ ضَرَبَ اللهُ الحَقَّ عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبِهِ، وَلَمْ يَتَّهِمْهُ فِي وِلاَيَتِهِ»(11).
هَذَا؛ وَإِنَّ مِنْ نَكَدِ العَيْشِ أَنْ نَعِيشَ لِنَسْمَعَ وَنَرَى التَّطَاوُلَ عَلَى مَقَامِ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَخَاصَةً مَا نُشَاهِدُهُ مِنْ طَعْنٍ وَتَكْفِيرٍ وَرَمْيٍّ بِأَبْشَعِ الصِّفَاتِ فِي حَقِّ الصَّحَابِيِّ اَلْجَلِيلِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَهَاهِيَ الرَّافِضَةُ التِّي لَمْ يَسْلَمْ مِنْهَا إِلاَّ النَّفَرُ القَلِيلُ مِنَ الصَّحَابَةِ قَدْ فَرَّخَتْ فِي أَعْشَاشِ أَهْلِ السُّنَّةِ لِيَظْهَرَ عَلَيْنَا اليَوْمَ أَقْوَامٌ لَيْسَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ العُلُومِ الشَّرْعِيَةِ لِيُطْلِقُوا أَلْسِنَتَهُمْ فِي مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ وَأَرْفَعُهُمْ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ بِكَثِيرٍ، فَبِدَعْوَى حُبِّ نُصْرَةِ الإِسْلاَمِ وَإِعَادَةِ الخِلاَفَةِ الرَّاشِدَةِ زَعَمُوا، خَلَطُوا الحَابِلَ بِالنَابِلِ، وَأَغْرَقُوا البِلاَدَ فِي الفِتَنِ الخَلاَّقَةِ، حَتَى أَصْبَحَ النَّاسُ فِيهَا حَيَارَى، لاَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ، وَهَذَا مَسْلَكٌ خَطِيرٌ، وَمَنْهَجٌ شِيعِيٌّ رَافِضِيٌّ بَحْتٌ، رُوِّجَ لَهُ عَبْرَ القَنَوَاتِ الفَضَائِيَّةِ الْمَقِيتَةِ، وَعَبْرَ كُتُبِ سَيِّدْ قُطْبْ الذَّمِيمَةِ، وَلاَ نَنْسَى بَعْضَ الجَرَائِدِ الجَزَائِرِيَّةِ اليَوْمِيَّةِ كَالشُّرُوقِ وَغَيْرِهَا، فَأَصْبَحْنَا نَسْمَعُ مِنْ هَؤُلاَءِ الشَّبَابِ، بَلْ مِنَ الصَّحَافِيَّاتِ الكَاسِيَّاتِ العَارِيَّاتِ التَّهَجُمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَكَأَنَّهُ عَدُوٌ للهِ، بَلْ وَصَفُوهُ بِأَنَّهُ خَارِجِيٌّ، وَأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ نَحَّى حُكْمَ الشُورَى وَالخِلاَفَةَ الرَّاشِدَةُ كَمَا يَزْعُمُونَ، وَوَضَعَ النِّظَامَ اَلْمَلَكِيَّ الوِرَاثِيَّ، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِهِمْ يَقُولُ: «إِنَّ مُعَانَاةَ اَلْمُسْلِمِينَ سَبَبُهُ مُعَاوِيَةَ».
لِهَذَا اسْتَعَنْتُ بِاللهِ جَلَّ وَعَلاَ وَرَفَعْتُ قَلَمِي لِأُدَافِعَ بِهَذَا اَلْمَقَالِ اَلْمُتَوَاضِعِ عَنْ هَذَا الصَّحَابِيِّ اَلْجَلِيلِ، وَأُبَيِّنَ أَمْرَ هَذِهِ الفِرْيَةِ السَّمِجَةِ، مُشَارَكَةً مِنِّي لِإِخْوَانِي فِي هَذَا اَلْمُنْتَدَى اَلْمُبَارَكِ وَنُصْحًا لِلْعَامَةِ وَلِجَمِيعِ اَلْمُسْلِمِينَ، حَتَى يَتَّضِحَ لَهُمْ أَنَّ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ لَمْ يُبَدِّلْ شَيْئًا فِي الإِسْلاَمِ، وَأَنَّ الشُورَى غَيْرُ وَاجِبَةٍ بَلْ مُسْتَحَبَّةٌ، سَوَاءٌ فِي اسْتِخْرَاجٍ الرَّأْيِّ أَوْ فِي أُمُورِ الاسْتِخْلاَفِ، فَنَسْأَلُ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُوَفِقَنَا لِهَذَا العَمَلِ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنْ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

حَقِيقَةُ الشُورَى فِي الإِسْلاَمِ وَمَفْهُومِهَا:

[لَقَدْ كَثُرَ الكَلاَمُ فِي هَذِهِ الآوِنَةِ الأَخِيرَةِ عَنِ الشُورَى فِي الإسْلاَمِ، وَهِيَ فِي حَقِيقَتِهَا لاَ تَعْدُو أَنْ تَكُونَ بَذْلَ النُّصْحِ لِلْمَنْصُوحِ بِطَلَبٍ أَوْ بِدُونِ طَلَبٍ وَهِيَ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ فِي الإسْلاَمَ وَلاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الشُورَى؛ لأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَهَا مِنْ صِفَاتِ اَلْمُؤْمِنِينَ، بَلْ حَثَّ عَلَيْهَا القُرْآنُ؛ حَيْثُ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي تِعْدَادِ كَثِيرٍ مِنْ صِفَاتِ اَلْمُؤْمِنِينَ: ﴿فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ﴾[الشورى:36-39].
هَذِهِ مَجْمُوعَةٌ مِنْ صِفَاتِ اَلْمُؤْمِنِينَ يَعْرِضُهَا القُرْآنُ الكَرِيمُ، حَاثًّا عَلَيْهَا تَتَوَسَّطُهَا «الشُورَى»؛ لأَنَّ اَلْمُؤْمِنَ مِنْ دَأْبِهِ أَنْ يَكُونَ مُتَوَاضِعًا غَيْرَ مُتَكَبِّرٍ، فَلاَ يَمْنَعُهُ كِبَرَهُ مِنَ الاسْتِشَارَةِ] (12). وَعَرَّفَهَا الرَّاغِبُ الأَصْفَهَانِيُّ بِقَوْلِهِ: « وَالتَّشَاوُرُ، وَاَلْمُشَاوَرَةُ، وَاَلْمَشُورَةُ: اسْتِخْرَاجُ الرَّأْيِّ بِمُرَاجَعَةِ البَعْضِ إِلَى البَعْضِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: شِرْتُ العَسَلَ، إِذَا اتَّخَذْتَهُ مِنْ مَوْضِعِهِ وَاسْتَخْرَجْتَهُ مِنْهُ، قَالَ اللهُ تُعُالُى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾[آل عمران: 159] الذِّي يُتَشَاوَرُ فِيهِ»(13).
قَالَ شَيْخُ الإسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ: «وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ اللهَ أَمَرَ بِهَا نَبِيَّهُ لِتَأْلِيفِ قُلُوبِ أَصْحَابِهِ، وَلِيَقْتَدِي بِهِ مَنْ بَعْدَهُ، وَلِيَسْتَخْرِجَ مِنْهُمْ الرَّأْيَ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيٌ، مِنْ أَمْرِ الحُرُوبِ، وَالأُمُورِ الحَرْبِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَغَيْرُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى بِاَلْمَشُورَةِ»(14).
وَمِمَّا سَبَقَ الإِشَارَةُ إِلَيْهِ مِنْ أَنَّ الشُورَى مِنْ صِفَاتِ اَلْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّهَا اسْتِخْرَاجٌ لِلرَّأْيِّ فِيمَا لَمْ يَنزِلْ فِيهِ وَحْيٌ، مِنْ أَمْرِ الحُرُوبِ، وَالأُمُورِ الجُزْئِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ بَقِيَ أَنْ نَعْرِفَ هَلْ الشُورَى وَاجِبَةٌ عَلَى السُلْطَانِ أَمْ لَيْسَتْ وَاجِبَةً؟.
إِذَا أَمْعَنَّ النَّظَرَ فِي سِيرَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَقَقْنَا فِي اَلْمَواقِفِ التِّي تَعَرَّضَ لَهَا، نُلاَحِظُ جَيِّدًا أَنَّهُ قَامِ فِي العَدِيدِ مِنَ اَلْمَرَّاتِ بِمُشَاوَرَةِ أَصْحَابِهِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ بِهَا، بَلْ كَانَ مُتَوكِلاً عَلَى اللهِ وَحْدَهُ فِي الأُمُورِ التِّي عَزَمَ عَلَى تَنْفِيذِهَا، لِهَذَا فَوَلِيُّ الأَمْرِ [إِذَا حَصَلَ لَدَيْهِ عَزْمٌ عَلَى تَنْفِيذِ أَمْرٍ مَا لِكَوْنِهِ وَاضِحًا لاَ غُمُوضَ فِيهِ، أَوْ كَانَ اَلْمَقَامُ مَقَامًا يَتَطَلَّبُ اَلْحَزْمَ وَالبَتَّ لِخُطُورَتِهِ، وَلَدْيِهِ قَنَاعَةٌ كَامِلَةٌ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي صَالِحِ اَلْمُجْتَمَعِ الإسْلاَمِيِّ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبُتَّ فِي الأَمْرِ وَحْدَهُ بِحَزْمٍ وَثَبَاتٍ؛ مُتَوَكِلاً عَلَى اللهِ، وَمُعْتَمِدًا عَلَيْهِ فِي نَجَاحِ الأَسْبَابِ، دُونَ اسْتِشَارَةٍ، بَلْ دُونَ قَبُولٍ لِقَوْلِ اَلْمُسْتَشَارِ لَوْ قَدَّمَ رَأْيَهُ وَنَصَحَهُ دُونَ طَلَبٍ مِنْ وَلِيِّ الأَمْرِ](15)، وَلاَ يُوجَدُ أَدَلَّ مِنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى مُخَاطِبًا نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾[آل عمرا،159]، قَالَ البَغَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: «قَوْلُهُ تَعَالَى:﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾: لاَ عَلَى مُشَاوَرَتِهِمْ أَيْ: قُمْ بِأَمْرِ اللهِ وَثِقْ بِهِ وَاسْتَعِنْهُ»(16).
وَمِنْ هُنَا فَاعْلَمْ أَيُّهَا اليَائِسُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمْ يُبَدِّلْ شَيْئًا فِي الإسْلاَمِ لأَنَّ اَلْمَوَاقِفَ التِّي سَأَذْكُرُهَا بِإِذْنِ اللهِ تُبَيِّنُ مَدَى بَرَاءَتِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْ هَذِهِ الفِرْيَةِ القَبِيحَةِ.

هَلْ الشُورَى تَكُونُ لِجَمِيعِ النَّاسِ؟:

اعْلَمْ وَفَّقَكَ اللهُ أَنَّ الشُورَى لاَ تَكُونُ لِجَمِيعِ النَّاسِ بَرِّهِمْ وَفَاجِرِهِمْ، بَلْ تَكُونُ لأَهْلِ الخِبْرَةِ وَالاخْتِصَاصِ مِنْ العُلَمَاءِ اَلْمَعْرُوفِينَ بِالتَّقْوَى وَالصَّلاَحِ، وَهُمْ: «أَهْلُ الحَلِّ وَالعَقْدِ»، وفي قوله تعالى: ﴿وشاوِرْهُمْ في الأَمْرِ﴾[آل عمران:159]، وقوله: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾[ الشورى: 38‏]، نصوص عامة يراد بها الخصوص، قال ابن الجوزي رحمه الله في تفسيره: «وعمهم بالذكر والمقصود أرباب الفضل والتجارب منهم»(17).
ويشهد لهذا ما جاء في صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:«... فَلَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى، قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: «مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: يَا نَبِيَّ اللهِ ! هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ، أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً، فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ. فقالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: «مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟». قُلْتُ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ ! مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا، فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلَانٍ نَسِيبًا لِعُمَرَ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا. فَهَوِيَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ.
فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ، جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ ؟ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا !؟. فَقَالَ رسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: «أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمْ الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ - شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيِّ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم -» وَأَنْزَلَ اللهُ عزّ وجلّ:﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ*﴾[الأنفال:67-68] فَأَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ الْغَنِيمَةَ»(18).
وَالشَاهِدُ مِنَ القِصَّةِ وَاضِحٌ، فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاوَرَ صَاحِبَاهُ، أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرَ، فَاخْتَارَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْيَ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ: «العَفْوَ عَنْ الأَسْرَى»، وَلَمْ يَهْوَى رَأْيَ عُمَرَ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الأَمْرَ كَانَ اجْتِهَادًا مِنْهُ بَعْدَ مُشَاوَرَةِ أَصْحَابِهِ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِيهِ مِنَ اللهِ تَعَالَى نَصٌّ، وَزِيَادَةٌ عَلَى هَذَا فَهِيَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ تُرْجَمَانُ القُرْآنِ، إِذْ جَاءَ تَفْسِيرِهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾، قَالَ: «أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا»(19)، وَلاَ يَدُلُّ هَذَا إِلاَّ عَلَى فِقْهِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَتَفْسِيرُهُ يُبَيِّنُ أَنَّ اَلْمَشُورَةَ لاَ تَكُونُ لِجَمِيعِ الأُمَّةِ بِمَا فِيهَا مِنْ صَالِحٍ وَطَالِحٍ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الحَلِّ وَالعَقْدِ الذِّينَ هُمْ بِطَانَةُ الإِمَامِ، وَانْظُرْ مَنْ هِيَ بِطَانَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاللهُ اَلْمُسْتَعاَنُ.
وَاَلْرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاوَرَ أَصْحَابَهُ حِينَ بَلَغَهُ إِقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ تَكَلَّمَ عُمَرُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ:« إِيَّانَا تُرِيدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا لَأَخَضْنَاهَا»(20)، قَالَ الإمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: «قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا قَصَدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتِبَارَ الْأَنْصَارِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَايَعَهُمْ عَلَى أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُ لِلْقِتَالِ وَطَلَبِ الْعَدُوِّ وَإِنَّمَا بَايَعَهُمْ عَلَى أَنْ يَمْنَعُوهُ مِمَّنْ يَقْصِدُهُ فَلَمَّا عَرَضَ الْخُرُوجَ لِعِيرِ أَبِي سُفْيَانَ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُمْ يُوَافِقُونَ عَلَى ذَلِكَ فَأَجَابُوهُ أَحْسَنَ جَوَابٍ بِالْمُوَافَقَةِ التَّامَّةِ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ وَغَيْرِهَا»، وَقَالَ: « وَفِيهِ اسْتِشَارَةُ الْأَصْحَابِ وَأَهْلِ الرَّأْيِ وَالْخِبْرَةِ»(21).

مَوَاقِفُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ وَغَيْرِهَا:

أولا: صلح الحديبية:
فَالكُلُّ يَعْرِفُ مَا وَقَعَ فِي صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ بَيْنَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعْدَ انْتِهَاءِ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا، ذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي البِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: أَلَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: " بَلَى ". قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ، وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: " بَلَى ". قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذَنْ؟! . قَالَ: " إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ وَهُوَ نَاصِرِي ". قُلْتُ: أَوَلَسْتَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: " بَلَى، فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ؟ " قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ: " فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ ". قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى. قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ، وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ . قَالَ: بَلَى. قَالَ: قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذَنْ؟ قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ، إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ، وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وَهُوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ عَلَى الْحَقِّ. قُلْتُ: أَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟ فَقُلْتُ: لَا. قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ»(22).
وَالشَاهِدُ مِنَ القَصَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَضَ طَلَبَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ اَلْمُتَضَمِنِ عَدَمَ قَبُولِ تِلْكَ الشُّرُوطِ القَاسِيَةِ التِّي وَضَعَهَا اَلْمُشْرِكُونَ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلَهَا مَعَ قَسَاوَتِهَا وَشِّدَتِهَا، وَلَمْ يَلْتَفِتْ لِرَأْيِّ عَمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، بَلْ نَفَذَّ الصُّلْحَ مُتَوَكِلاً عَلَى اللهِ عَزَّوَجَلَّ وَحْدَهُ لأَنَّ [أَمْرَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ثَبَتَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُخَالِفَهُ وَلاَ يَتَحَيَّلَ فِي مُخَالَفَتِهِ](23).

ثانيا: غزوة أحد:

وَكَذَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ الحَافِظُ رَحِمَهُ اللهُ: «وَشَاوَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فِي اَلْمُقَامِ وَالخُرُوجِ، فَلَمَّا لَبِسَ لَأْمَّتِهِ وَعَزَمَ قَالُوا: أَقِمْ، فَلَمْ يَمِلْ إِلَيْهِمْ بَعْدَ العَزْمِ وَقَالَ: لاَيَنْبَغِي لِنَبِيٍّ يَلْبَسُ لَأْمَّتِهِ فَيَضَعُهَا حَتَى يَحْكُمَ اللهُ»(24).

ثالثا: واقعة الإفك و غزوة الفتح:

وَكَذَلِكَ[شَاوَرَ عَلِيًّا وَأُسَامَةَ فِيمَا رَمَى بِهِ أَهْلُ الإفْكِ عَائِشَةَ فَسَمِعَ مِنْهُمَا حَتَى نَزَلَ القُرْآنُ، فَجَلَدَ الرَّامِينَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى تَنَازُعِهِمْ وَلَكِنْ حَكَمَ بِمَا أَمَرَهُ اللهُ] (25)، وَكَذَلِكَ فَعَلَ فِي غَزْوَةِ الفَتْحِ[حَيْثُ لَمْ يُعْلِنْ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا لأَصْحَابِهِ، بَلْ أَخْفَى خَبَرَهَا عَنْهُمْ جَمِيعًا، فَضْلاً عَنْ أَنْ يَسْتَشِيرَهُمْ فِي أَمْرِهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ أَمْرَ الغَزْوِ وَسَبَبَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ لأَنَّ اَلْمَوْقِفَ يَتَطَلَّبُ الكِتْمَانَ وَالتَّحَفُظَ الشَّدِيدَيْنِ، وَهَذَا مِنْ خُدَعِ الحَرْبِ '' الحَرْبُ خُدْعَةٌ''.
وَهَذَا اَلْمَوْقِفُ يَدُلُّ عَلَيْهِ الذِّي قَبْلَهُ عَلَى أَنَّ الشُورَى لاَ يَجْرِيهَا وَلِيُّ الأَمْرِ فِي جَمِيعِ الأُمُورِ، بَلْ عِنْدَ الحَاجَةِ إِلَيْهَا، وَعِنْدَمَا يَكُونُ اَلْمَوْقِفُ عَادِيًا، أَمَّا عِنْدَ عَدَمِ الحَاجَةِ، أَوْ عِنْدَمَا يَكُونُ اَلْمَوْقِفُ حَرِجًا يَتَطَلَّبُ الكِتْمَانَ أَوْ البَتَّ دُونَ اسْتِشَارَةِ أَحَدٍ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَكَلَ عَلَى اللهِ، وَيَبُتُّ فِي الأَمْرِ؛ مُسْتَعِينًا بِاللهِ وَحْدَهُ](26).
قال ابن بطال رحمه الله: «أن للمستشير والحاكم أن يعزم من الحكم على غير ما قال به مشاوره إذا كان من أهل الرسوخ في العلم، وأن يأخذ بما يراه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في مسألة عائشة رضي الله عنها، فإنه شاور عليًا وأسامة، فأشار عليه أسامة رضي الله عنه بإمساكها، وأشار عليه علي رضي الله عنه بفراقها، فلم يأخذ بقول أحدهما وتركها عند أهلها حتى نزل القرآن فأخذ به...»(27).

مَوَاقِفُ الصِّدِيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:


وكَذَلِكَ مَوَاقِفُ الصِّدِيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَعْرُوفَةٌ لاَ تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ حِينَ قَامَ بِتَنْفِيذِ جَيْشِ أُسَامَةَ، وَقَاتَلَ اَلْمُرْتَدِّينَ، وَمَانِعِي اَلْزَّكَاةَ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ لِمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي البِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ: «أشَارَ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ على الصِّدِّيقِ أنْ لا يُنْفِذَ جَيْشَ أسَامَةَ لاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِ، فِيْمَا هُوَ أهُمُّ الآنَ مِمَّا جُهِّزَ بِسَبَبِهِ فِي حَالِ السَّلَامَةِ، وكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ أشَارَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، فَامْتَنَعَ الصِّدِّيقُ مِنْ ذَلِكَ، وأبَى أشَدَّ الإبَاءِ إلَّا أنْ يُنْفِذَ جَيْشَ أسَامَةَ، وقَالَ : وَاللهِ لاَ أُحِلُّ عُقْدَةً عَقَدَهَا رَسُوْلُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّم، وَلَوْ أَنَّ الطَّيْرَ تَخَطَّفُنَا، وَالسِّبَاعُ مِنْ حَوْلِ اَلْمَدِينَةِ، وَلَوْ أَنَّ الكِلاَبَ جَرَّتْ بِأَرْجُلْ أُمَّهَاتِ اَلْمُؤْمِنِينَ، لَأُجَهِزَّنَ جَيْشَ أُسَامَةَ، فَجَهَزَّهُ وَأَمَرَ اَلْحَرَسَ يَكُونُونَ حَوْلَ اَلْمَدِينَةِ، فَكَانَ خُرُوجَهُ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ مِنْ أَكْبَرِ اَلْمَصَالِحِ وَاَلْحَالَةُ تِلْكَ، فَسَارُوا لاَ يَمُرُّونَ بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ إِلاَّ أَرْعَبُوا مِنْهُمْ، وَقَالُوا: مَا خَرَجَ هَؤُلاَءِ مِنْ قَوْمٍ إِلاَّ وَبِهِمْ مَنعَةٌ شَدِيدَةٌ، فَغَابُوا أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيُقَالُ: سَبْعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ آبُوا سَالِمِينَ غَانِمِينَ، ثُمَّ رَجَعُوا فَجَهَّزَهُمْ حِينَئِذٍ مَعَ الأَحْيَاءِ الذِّينَ أَخْرَجَهُمْ لِقِتَالِ اَلْمُرْتَدَّةِ وَمَانِعِي اَلْزَّكاةَ»(28).
وَرَوَى اَلْجَمَاعَةُ فِي كُتُبِهِمْ سِوَى ابْنُ مَاجَه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: «عَلاَمَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَى يَشْهَدُوا أَنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فِإِذَا قَالُوهَا عُصِمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا»، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عِنَاقًا، وَفِي رِوَايَةٍ: عِقَالاً كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأُقَاتِلَّنَهُمْ عَلَى مَنْعِهَا، إِنَّ الزكَاةَ حَقُّ اَلْمَالِ، وَاللهِ لَأُقَاتِلَّنَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزكَاةِ. قَالَ عُمَرُ: فَمَا هُوَ إِلاَّ أَنْ رَأَيْتُ اللهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ للقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الحَقُّ»(29).
قال ابن بطال رحمه الله: «وكذلك فعل أبو بكر الصديق فإنه شاور أصحابه رضي الله عنهم في مقاتلة من منع الزكاة، وأخذ بخلاف ما أشاروا به عليه من ترك قتالهم لما كان عنده متضحًا من قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إلا بحقها»، وفهمه هذه النكتة مع ما يعضدها من قوله: من غير دينه فاقتلوه»(30).
فَالصِّدِيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمْ يُخَالِفْ أَمْرَ اللهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾ بَلْ شَاوَر أَصْحَابَهُ تَطْبِيقًا لِهَذِهِ الآيَةِ وَأَخَذَ بِرَأْيِّهِ لَمَّا رَآهُ الأَصْوَبَ، وَفِي مِثْلِ هَذَا يَقُولُ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ:«وَمِنْهَا: اسْتِحْبَابُ مَشُورَةِ الْإِمَامِ رَعِيّتَهُ وَجَيْشَهُ اسْتِخْرَاجًا لِوَجْهِ الرّأْيِ وَاسْتِطَابَةً لِنَفُوسِهِمْ وَأَمْنًا لِعَتَبِهِمْ وَتَعَرّفًا لِمَصْلَحَةٍ يَخْتَصّ بِعِلْمِهَا بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ وَامْتِثَالًا لِأَمْرِ الرّبّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وشاوِرْهُمْ في الأَمْرِ﴾[آل عمران:159]، وَقَدْ مَدَحَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عِبَادَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾[ الشورى: 38‏]»(31).
[وفقه الصحابة يدل على أن الشورى غير ملزمة، فلما جاء وفد بزاخة من أسد وغطفان إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه يسألونه الصلح فخيرهم بين الحرب المجلية وبين السلم المخزية، عرض أبو بكر رضي الله عنه ما قال على القوم، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «قدر رأيت رأيا وسنشير عليك»(32).
قال العلامة ابن هبيرة رحمه الله: «فيه من الفقه أن من يذكر للإمام ما عنده من الرأي فإنه يذكره على سبيل المشورة لا على سبيل الحتم والقطه، فإن عمر رضي الله عنه قال: وسنشير عليك»](33).

هَلْ الشُورَى وَاجِبَةٌ فِي الاسْتِخْلاَفِ؟:

وَأَمَّا فِي أَمْرِ الاسْتِخْلاَفِ، وَتَوْرِيثِ الحُكْمِ، وَمَا يُدَنْدِنُ حَوْلَهُ اَلْمَارِقِينَ مِنَ الدِّينِ، أَنَّ عَدَمَ الأَخْذِ بِالشُورَى فِي تَوْلِيَةِ الحَاكِمِ يُعَدُّ جَرِيمَةً وَخُرُوجًا عَنِ الإِسْلاَمِ -كَمَا تَقُولُ الرَّافِضَةُ وَمَنْ هُمْ عَلَى شَاكِلَتِهِمْ مِمَّنْ يَنْتَسِبُونَ لأَهْلِ السُّنَّةِ مِنَ الفَجَرَةِ اَلْمَأْجُورِينَ- كَلاَمٌ يَدُّلُ عَلَى أَنَّ الشُورَى مُلْزِمَةٌ فِي الحُكْمِ، وَبَطُلَتْ بِذَلِكَ خِلاَفَةُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَبَطُلَ الاسْتِخْلاَفُ الذِّي وَرَدَتْ الأَدِلَّةُ بِجَوَازِهِ،كَالذِّي رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: « قِيلَ لِعُمَرَ: أَلا تَسْتَخْلِفُ؟ قَالَ: إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، أَبُو بَكْرٍ، وَإِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ، فَقَالَ: رَاغِبٌ وَرَاهِبٌ، وَدِدْتُ أَنِّي نَجَوْتُ مِنْهَا كَفَافًا لَا لِي وَلَا عَلَيَّ لَا أَتَحَمَّلُهَا حَيًّا وَلَا مَيِّتًا»(34).
وَهَذَا مِنْ أَقْوَى الأَدِلَّةِ عَلَى كَوْنِ أَبِي بَكْرٍ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ مِنْ بَعْدِهِ، وَلَمْ يَتْرُكْ الأَمْرَ شُورَى، فَهَلْ يَجْرُؤُ أَحَدٌ عَلَى تَخْطِئَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَاَلْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارَ شُهُودٌ لاَ يُنْكِرُونَ؟ بَلْ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ عَلِمَ فِي الأُمَّةِ اخْتِلاَفًا فِي تَوْلِيَةِ أَبِي بَكْرٍ لَعَهِدَ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ شُورَى، فَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:«قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ ادْعِي لِي أَبَا بَكْرٍ أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولُ قَائِلٌ أَنَا أَوْلَى وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلا أَبَا بَكْرٍ»(35).
قَالَ ابْنُ أَبِي العِزِّ الحَنَفِيُّ: «وَالظَّاهِرُ وَاللهُ أَعْلَمُ أَنَّ اَلْمُرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَخْلِفْ بِعَهْدٍ مَكْتُوبٍ، وَلَوْ كَتَبَ عَهْدًا لَكَتَبَهُ لِأَبِي بَكْرٍ، بَلْ قَدْ أَرَادَ كِتَابَتَهُ ثُمَّ تَرَكَهُ، وَقَالَ: «يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلا أَبَا بَكْرٍ».
فَكَانَ هَذَا أَبْلَغَ مِنْ مُجَرَّدِ العَهْدِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلَّ اَلْمُسْلِمِينَ عَلَى اسْتِخْلاَفِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ بِأُمُورٍ مُتَعَدِّدَةٍ، مِنْ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَأَخْبَرَ بِخِلاَفَتِهِ إِخْبَارَ رَاضٍ بِذَلِكَ، حَامِدًا لَهُ، وَعَزَمَ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ بِذَلِكَ عَهْدًا، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ اَلْمُسْلِمِينَ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ، فَتَرَكَ الكِتَابَ اكْتِفَاءً بِذَلِكَ»(36).
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الفَرَّاءُ: «يَجُوزُ للإِمَامِ أَنْ يَعْهَدَ إِلَى إِمَامٍ بَعْدَهُ، وَلاَ يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إِلىَ شَهَادَةِ أَهْلِ الحَلِّ وَالعَقْدِ، وَذَلِكَ لأَنَّ أَبَا بَكْرٍ عَهِدَ إِلىَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَعُمَرُ عَهِدَ إِلَى سِتَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَعْتَبِرَا فِي حَالِ العَهْدِ شَهَادَةَ أَهْلِ الحَلِّ وَالعَقْدِ»(37).
وَقَالَ اَلْمَاوَرْدِيُّ: «وَأَمَّا انْعِقَادُ الإمَامَةِ بِعَهْدٍ مِنْ قَبْلِهِ فَهُوَ مِمَّا انْعَقَدَ الإجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهِ، وَوَقَعَ الاتِّفَاقُ عَلَى صِحَّتِهِ لأَمْرَيْنِ عَمَلَ اَلْمُسْلِمُونَ بِهِمَا وَلَمْ يَتَنَكَّرُوهُمَا:
- أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَهِدَ بِهَا إِلَى عُمَرَ رِضَيَ اللهُ عَنْهُ فَأَثْبَتَ اَلْمُسْلِمُونَ إِمَامَتَهُ بَعْدَهُ وَلَمْ يُنْكِرُوهَا.
- وَالثَّانِي: أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَهِدَ بِهَا إِلَى أَهْلِ الشُورَى، فَقَبِلَتْ الجَمَاعَةُ دُخُولَهُمْ فِيهَا، وَهُمْ أَعْيَانُ العَصْرِ اعْتِقَادًا لِصِحَّةِ العَهْدِ بِهَا، وَخَرَجَ بَاقِي الصَّحَابَةُ مِنْهَا، وَقَالَ عَلِيٌّ للعَبَّاسِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمَا حِينَ عَاتَبَهُ عَلَى الدُّخُولِ فِي الشُورَى: «كَانَ أَمْرًا عَظِيمًا مِنْ أُمُورِ الْإِسْلَامِ لَمْ أَرَ لِنَفْسِي الْخُرُوجَ مِنْهُ»، فَصَارَ العَهْدُ بِهَا إِجْمَاعًا فِي انْعِقَادِ الإمَامَةِ»(38).
هَذَا وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ: «الثَّابِتُ تَارِيخيًّا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إنَّمَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِ الحَلِّ وَالعَقْدِ فِي هَذَا الأَمْرِ وَسَأَلَهُمْ إِنْ كَانُوا يَرْضَوْنَ مَنْ يُوَلِّيَهُ عَلَيْهِمْ فَوَافَقُوا جَمِيعًا، لاَ أَنَّهُ وَلَّى عُمَرَ كَمَا يَزْعُمُ البَعْضُ ثُمَّ قَبِلَتِ الأُمَّةُ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا ثَقُلَ عَلَيْهِ اَلْمَرَضُ دَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابَ؟ فَقَالَ: مَا تَسْأَلُنِي عَنْ أَمْرٍ إِلاَّ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَإِنْ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنَ بْنَ عَوْفٍ: هُوَ وَاللهِ أَفْضَلُ مِنْ رَأْي كَثِيرٍ، ثُمَّ دَعَا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ عُمَرَ، فَقَالَ: أَنْتَ أَخْبِرْنَا بِهِ. فَقَالَ: عَلَى ذَلِكَ؟ فَقَالَ: اللَّهُمَ عِلْمِي بِهِ أَنَّ سَرِيرَتَهُ خَيْرٌ مِنْ عَلاَنِيَتِهِ، وَأَنْ لَيْسَ فِينَا مِثْلَهُ، وَشَاوَرَ مَعَهُمَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ حَضِيرٍ، وَغَيْرِهِمَا مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ».
وَهَذَا الخَبَرُ رَوَاهُ ابن عساكر في تاريخ دمشق(39)، ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ(40)، من طريق ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، ضعيف الحديث، قَالَ أَحْمَدٌ:كَانَ يَضَعُ الحَدِيثَ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ البُخَارِيُّ: ضَعِيفُ الحَدِيثِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكٌ، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ، وهو في جملة من يضع الحديث(41).
فَلاَ دَاعِي لِتَسْفِيهِ أَقْوَالِ العُلَمَاءِ بِهَذَا الخَبَرِ فَإِنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِيهِ عَلَى مَا تَذْهَبُونَ.
وَكَذَلِكَ هُنَاكَ أَمْرٌ مُهِمٌّ وَهُوَ أَنَّ عَلِيًّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمْ يُشَاوِرْ أَحَدًا قَبْلَ مَوْتِهِ بَلْ بَايَعَ اَلْمُسْلِمُونَ للحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا دُونَ إِقَامَةِ الشُورَى، ثُمَّ تَنَازَلَ اَلْحَسَنُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ الخِلاَفَةِ لِمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَبَايَعَهُ النَّاسُ جَمِيعاً، وَسُمِيَّ ‏ذَلِكَ العَامُ بِعَامِ اَلْجَمَاعَةِ، فَلِمَ لَمْ يُشَاوِرْ اَلْحَسَنَ أَصْحَابَهُ عِنْدَ تَنَازُلِهِ عَنْ الخِلاَفَةِ؟ فَهَلْ نَحْكُمْ بِحُكْمِكُمْ وَنَقُولُ أَنَّ الحَسَنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ مُجْرِمًا لأَنَّهُ لَمْ يُطَبِّقْ الشُورَى؟، بَلْ إِنَّ تَنَازَلَ الحَسَنِ لاَ يَدُلُ إِلاَّ عَلَى إِسْلاَمِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَفَضْلِهِ، وَإِلاَّ ‏لَمَا كَانَ للحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنْ يُسَلِّطَهُ عَلَى وِلاَيَةِ اَلْمُسْلِمِينَ.‏
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ رَحِمَهُ اللهُ: «فَبُويِعَ الحَسَنُ، ثُمَّ سَلَّمَ الأَمْرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، وَفِي بَقَايَا الصَّحَابَةِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُمَا، بِلاَ خِلاَفٍ، مِمَّنْ أَنْفَقَ قَبْلَ الفَتْحِ وَقَاتَلَ، فَكُلُّهُمْ ـ أَوَلُهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ ـ بَايَعَ مُعَاوِيَةَ، وَرَأَى إِمَامَتَهُ، وَهَذَا إِجْمَاعٌ مُتَيَقَنٌ، بَعْدَ إِجْمَاعٍ عَلَى جَوَازِ إمَامَةِ مَنْ غَيْرُهُ أَفْضَلُ، بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ، إِلَى أَنْ حَدَثَ مَنْ لاَ وَزْنَ لَهُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، فَخَرَقُوا الإجْمَاعَ بِآرَائِهِمْ الفَاسِدَةِ بِلاَ دَلِيلٍ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ الخِذْلاَنِ»(42).
فَهَلْ يَبْقَى لِلْقَوْلِ بِوُجُوبِ الشُورَى مَحَلٌّ مِنْ هَذِهْ الأَدِلَّةِ القَوِيَّةِ؟ وَهَلْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بَدَّلَ الدِّينَ أَمْ أَنْتُمْ الذِّينَ خَرَقْتُمْ الإجْمَاعَ بِآرَائِكُمْ الفَاسِدَةِ بِلاَ دَلِيلٍ وَلاَ بُرْهَانٍ؟ وَهَلْ هَؤُلاَءِ العُلَمَاءُ الأَجِلاَّءُ فِكْرُهُمْ فِكْرٌ سُعُودِيٌّ بَحْتٌ؟ فِإِنْ دَلَّ هَذَا فَلاَ يَدُلُ إِلاَّ عَلَى حِقْدِكُمْ عَلَى الإسْلاَمِ وَاَلْمُسْلِمِينَ، فَأَنْتُمْ لاَ تُرِيدُونَ نُصْرَتَهُ بَلْ تُرِيدُونَ القَضَاءَ عَلَيْهِ لأَمْرٍ يَعْرِفُهُ كُلُّ عَاقِلٍ وَهُوَ تَنْفِيذُ مُخَطَّطَاتِكُمْ اَلْمَاسُونِيَةِ، فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَ كَيْدَكُمْ فِي نُحُورِكُمْ، وَأَنْ يَخْزِيَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنْ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالِمِينَ.


====

(1) : تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص:407) ط. دار السلام.
(2) : رواه البخاري (3673) ومسلم (2541) من حديث أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه
(3) : حسَّنه الشيخ الألباني رحمه الله في الصَّحيحة ، برقم: (2340).
(4) : من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وقد حسنه الألباني في الضعيفة (2/17) رقم (533) .
(5) : أخرجه البخاري (2652) ، (3651) ومسلم (6472) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(6) : صححه الشيخ الألباني رحمه الله في الصَّحيحة ، برقم: (1969).
(7) : صححه الشيخ الألباني رحمه الله في الصَّحيحة ، برقم: (3227).
(8) : رواه البخاري (2924).
(9) : فتح الباري. ط: طيبة ( 7/ 196 ).
(10) : الحديث دون لفظ : «وَكَانَ كَاتِبَهُ» أخرجه مسلم في صحيحه (2604) وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في الصَّحيحة ، برقم: (82).
(11) : مجموع الفتاوى (4 / 288).
(12) : من كلام الشيخ أمان الجامي رحمه الله تعالى، رسالة حقيقة الشورى في الإسلام (ص:32).
(13) : مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني : مادة : شَوَرَ.
(14) : السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية ط. المجمع (ص:227).
(15) : من كلام الشيخ أمان الجامي رحمه الله تعالى، رسالة حقيقة الشورى في الإسلام (ص:41-42).
(16) : معالم التنزيل (تفسير البغوي) ط. دار طيبة (2/124).
(17): زاد المسير (1/489).
(18) :صحيح مسلم رقم : (1763).
(19) : إسناده صحيح، رواه الحاكم في المستدرك (3/74) وصححه ووافقه الذهبي.
(20) : صحيح مسلم رقم : (1779).
(21) : شرح صحيح مسلم (12/124).
(22) : البداية والنهاية .ت: التركي (6/253).
(23) : فتح الباري (ط.طيبة) (17/278).
(24) : فتح الباري (ط.طيبة) (17/275).
(25) : المصدر السابق.
(26) : من كلام الشيخ أمان الجامي رحمه الله تعالى، رسالة حقيقة الشورى في الإسلام (ص:43-44).
(27): جامع البيان: (6/191).
(28) : البداية والنهاية .ت: التركي (9/321-322).
(29) : أخرجه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي و الترمذي و أحمد و انظر تخريجه في السلسلة الصحيحة للألباني رحمه الله (1 / 764-767-770) رقم (407- 408-409-410).
(30): جامع البيان: (6/191).
(31) : زاد المعاد في هدي خير العباد (ط.الرسالة) (3/268).
(32): البخاري (7221).
(33): فقه الشورى للشيخ حمد بن إبراهيم العثمان حفظه الله (ص:65).
(34) : أخرجه البخاري (7218) و مسلم (1823).
(35) : أخرجه مسلم (2387).
(36) : شرح العقيدة الطحاوية .ت: الأرنؤوط و التركي (ط: الرسالة)، (2/323-324).
(37) : الأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء ت: الفقي : (ص:25).
(38) : الأحكام السلطانية للماوردي (ص:11).
(39): تاريخ دمشق (30/410).
(40): طبقات ابن سعد (3/199).
(41): انظر السير للذهبي (7/331-332).
(42) : الفِصَل في الملل والأهواء والنَّحَل (4 / 127).


التعديل الأخير تم بواسطة بلال بريغت ; 31 Dec 2015 الساعة 06:39 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08 Nov 2014, 11:26 AM
طه صدّيق طه صدّيق غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2013
المشاركات: 312
افتراضي

جزاكم الله خيرًا
نسأل الله أن يحشرنا معهم
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09 Nov 2014, 02:39 PM
أبو البراء
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

جزاك الله خيرا على هذه المقالة المسدَّدة، فإنَّ تلك الشبهة الذميمة لاصقة بأذهان كثير من المخدوعين.
فرحمك الله، وحفظك مدافعًا عن أعراض خيار الأمة.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09 Nov 2014, 04:18 PM
أبو معاذ محمد مرابط
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

من المقالات التي فرحت بها كثيرا فجزاك الله خيرا أخي بلال
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 09 Nov 2014, 04:27 PM
بلال بريغت بلال بريغت غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: قسنطينة / الجزائر.
المشاركات: 436
إرسال رسالة عبر Skype إلى بلال بريغت
افتراضي

الإخوة الأفاضل بارك الله فيكم نسأل الله أن يجعل هذا المنتدى شوكة في حلوق أهل الزيغ
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 09 Nov 2014, 11:42 PM
أبو جميل الرحمن طارق الجزائري أبو جميل الرحمن طارق الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: الجزائر
المشاركات: 414
افتراضي

أخي الفاضل مقال كالجمان
ذب الله عن وجهك النار كما ذببت عن عرض الصحابي الجليل
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 22 Nov 2014, 07:30 PM
بلال بريغت بلال بريغت غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: قسنطينة / الجزائر.
المشاركات: 436
إرسال رسالة عبر Skype إلى بلال بريغت
افتراضي

بارك الله فيك أخي طارق
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013