منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 19 Oct 2015, 10:41 PM
يوسف صفصاف يوسف صفصاف غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2012
الدولة: اسطاوالي الجزائر العاصمة
المشاركات: 1,199
إرسال رسالة عبر MSN إلى يوسف صفصاف إرسال رسالة عبر Skype إلى يوسف صفصاف
افتراضي الخِصالُ وَالأعمالُ الجالبةُ لمحبةِ ربِّ العزةِ وَ الجلالِ

الخِصالُ وَ الأعمالُ الجالبةُ لمحبةِ ربِّ العزةِ وَ الجلالِ
الحمد الله الرحمن الرحيم، الذي هدانا إلى الصراط المستقيم، و أرسل الرسل فأرشدوا الناس و علموهم أحسن تعليم، و صلى الله على نبينا محمد الأمين، و المبعوث إلى الناس أجمعين، و على آله الأطهار، و صحبه الأخيار، و من تبعهم بإحسان كلما تعاقب ليل و نهار.
أما بعد، فإن أهل السنة يثبتون صفات الله تعالى على الوجه اللائق به، من غير تحريف أو تعطيل، ومن غير تكييف أو تمثيل، خلافا لبعض الطوائف التي ضلت في أبواب الأسماء الصفات، فمنهم من ينفي و منهم من يعطل و منهم من يحرف و غيرها.
و من الصفات التي يثبتها أهل السنة لله تعالى صفة المحبة، و يعتقدون أن اللهَ تعالى يُحِبُّ و يُحَبُّ، على الوجه الذي يليق برب العزة و الجلال، مستدلين بما ثبت في نصوص الشرع من غير ميل عنها.
و دل على هذه الصفة الأدلة السمعية و العقلية :
1 _ الأدلة السمعية :
_ قال الله تعالى {و أحسنُوا إنَّ اللهَ يحبُّ المحسنينَ} [البقرة 159].
_ قال تعالى {إنَّ اللهَ يحبُّ التوابينَ و يحبُّ المتطهرينَ} [البقرة 222].
_ قال تعالى {قلْ إنْ كنتمْ تحبونَ اللهَ فاتبعوني يحببكُم اللهُ} [آل عمران 31].
_ قال تعالى {فسوفَ يأتي اللهُ بقومٍ يحبهُم و يحبونَه} [المائدة 54].
2 _ الأدلة العقلية :
إثابة الطائعين بالجنات و النصر و غيرها، يدل بلا شك على المحبة، و ثبت عمن سبق و لحق أن اللهَ تعالى أيد و نصر من عباده المؤمنين و أثابهم؛ فما هذا إلا دليل على حبه لهم.
إلا أنأهل البدع نفوا المحبة بناء على حجج واهية، منها :
1 _ أن العقل لا يدل عليها.
2 _ أن المحبة لا تكون إلا بين شيئين متجانسين؛ فلا تكون بين الخالق و المخلوق و يمكن أن تكون بين المخلوقات.
الرد عليها :
أما الأولى : فالرد عليها من وجهين :
أ _ نسلم أن العقل لم يدل على إثبات المحبة بين الخالق و المخلوق، و النص الصريح دل على ثبوتها؛ و النص دليل قائم بنفسه لا قياس معه.
ب _ دعوى أن العقل لا يدل عليها مردود، فقد دل العقل الصحيح على ثبوتها كما تقدم.
و أما الثانية : و هي ادعاؤهم أن المحبة لا تكون إلا بين متجانسين ممنوع و خطأ؛ بل تكون بين شيئين بينهما أعظم التباين، كما بين الإنسان و بعيره أو ساعته و نحوها.
فإذا تبين أن الله تعالى يحب و يحب، يطرح السؤال : ما هي الأسباب التي تجعلك تحظى بحب الله تعالى؟ لا سيما إذا علمنا أن الشأن كل الشأن أن يحبك الله تعالى لا أن تحب أنت الله كما صح عن بعض العلماء الحكماء [نقله ابن كثير في تفسيره (1/558)].
فيكون الجواب فيما يسر الله تعالى جمعه في هذه الأسطر؛ التي أسأل الله عز و جل أن ينفعنا بها و يوفقنا للعمل بها راجين منه الحصول على حبه.
1 _ التقوى :
قال الله تعالى {بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [آل عمران 76].
و قال الله تعالى {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة 4].
و قال تعالى {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة 7].
روى مسلم في صحيحه عن عامر بن سعد، قال : كان سعد بن أبي وقاص في إبله، فجاءه ابنه عمر، فلما رآه سعد قال : أعوذ بالله من شر هذا الراكب، فنزل فقال له : أنزلت في إبلك وغنمك، وتركت الناس يتنازعون الملك بينهم؟ فضرب سعد في صدره، فقال : اسكت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول : "إن الله يحب العبد التقي، الغني، الخفي".
و التقوى من أعظم و أهم ما أمر الله به عباده و أوصاهم به، حيث قال تعالى {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء 131].
و قال ربنا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران 102].
كذلك أمر و وصى النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه و أمته بها، روى الحاكم في المستدرك عن جابر، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن أحدكم لن يموت حتى يستكمل رزقه، فلا تستبطئوا الرزق، واتقوا الله أيها الناس، وأجملوا في الطلب" صححه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب و الترهيب (1698).
و قال صلى الله عليه و سلم كما في حديث العرباض بن سارية : "أوصيكم بتقوى الله" رواه ابن حبان و الحاكم و الترمذي و غيرهم، و صححه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب و الترهيب (37).
و كان كذلك الصحابة رضوان الله عليه يتواصون بالتقوى، كما قال عمر بن الخطاب لعمار بن ياسر رضي الله عنهما : "يا عمار اتق الله" رواه أبو داود و صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (2367).
و قالت عائشة لعثمان رضي الله عنهما : "اتق الله يا عثمان" رواه أبو داود و صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (7946).
و إن التقوى هي كما عرفها طلق بن حبيب فيما ذكره الذهبي في السير (4/601) عن بكر المزني، قال : لما كانت فتنة ابن الأشعث قال طلق بن حبيب : "اتقوها بالتقوى"، فقيل له : صف لنا التقوى، فقال : "العمل بطاعة الله، على نور من الله، رجاء ثواب الله، وترك معاصي الله، على نور من الله، مخافة عذاب الله" .
قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين (1/513) : "التقوى اسم مأخوذ من الوقاية؛ و هو أن يتخذ الإنسان ما يقيه من عذاب الله. و الذي يقيك من عذاب الله هو فعل أوامر الله، و اجتناب نواهيه".
2 _ الإحسان :
قال الله تعالى {وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة 195].
و قال تعالى {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران 134].
و قال عز و جل {فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران 148].
و قال جل و علا {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة 13].
و قال الله تعالى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة 93].
أقسامُ الإحْسانِ و أحكَامُه
ينقسمُ الإحسانُ باعتبارِ حكمِه إلى قسمينِ :
1 _ واجبٌ : و هو ما يتوقفُ عليه أداءُ الواجبِ.
2 _ مستحبٌ : و هو ما زادَ على ما يتوقفُ عليه أداءُ الواجبِ.
و الإحسانُ يكونُ في :
1 _ عبادةِ اللهِ تعالى : و قد فسَّره النبي صلى اللهُ عليه و سلم فيما رواه الشيخانِ عن أبي هريرةَ حينَ سأل جبريلُ النبيَّ صلى اللهُ عليه و سلم : ما الإحسانُ؟ فقال : "أن تعبدَ اللهَ كأنك تراهُ، فإن لم تكنْ تراهُ فإنه يراكَ".
2 _ في معاملةِ الخلقِ : فقد فسره الحسنُ البصري رحمه اللهُ بقوله : "كفُّ الأذَى، وبذلُ الندَى، وطلاقةُ الوجه"ِ.
3 _ التوبة :
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة 222].
معنى التوبةِ
لغة :
قال الزبيدي في التاج : "أَنَاب ورَجَعَ عنِ المَعْصيَة إلَى الطَّاعَةِ وهُو تَائِبٌ وتَوَّابٌ : كَثيرُ التَّوْبَةِ والرُّجُوع".
و في اللسان لابن منظور : "التَّوْبةُ الرُّجُوعُ من الذَّنْبِ".
و في الصحاح للجوهري : "التوبة: الرجوع من الذنب".
شرعا :
قال الإمام ابن تيمية في كتابه التوبة (ص15) : "التوبة رجوع عما تاب منه إلى ما تاب إليه، فالتوبة المشروعة هي الرجوع إلى الله، و إلى فعل ما أمر به و ترك ما نهى عنه".
قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين (1/86) : "الرجوع من معصية الله إلى طاعته".
حكمُ التوبةِ
تنقسم التوبة من حيث حكمها إلى نوعين : واجبة و مستحبة.
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه التوبة (ص13) : "التوبة نوعان : واجبة و مستحبة.
فالواجبة : هي التوبة من ترك مأمور أو فعل محظور، و هذه واجبة على جميع المكلفين، كما أمرهم الله بذلك في كتابه، و على ألسنة رسله.
و المستحبة : هي التوبة من ترك المستحبات و فعل المكروهات".
قال النووي رحمه الله في رياض الصالحين (ص 17) : "و قد تظاهرت دلائل الكتاب و السنة و إجماع الأمة على وجوب التوبة".
شروطُ التوبةِ
الشرط الأول : الإخلاص.
الشرط الثاني : الاستغفار باللسان.
الشرط الثالث : الندم على اقتراف تلك المعاصي.
الشرط الرابع : الإقلاع عن الذنب.
الشرط الخامس : العزم على عدم العودة إلى الذنب.
الشرط السادس : أن تكون التوبة في وقت قبول التوبة.
4 _ القسط :
{وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات 9].
قال الله تعالى{لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [الممتحنة 8].
أقسامُ الإقساطِ و حكمُه
حكمُه : الإقساطُ هو العدلُ، و العدلُ واجبٌ لقوله تعالى {وَ أَقْسِطُوا} [الحجرات 9].
و الإقساطُ يكونُ في :
1 _ معاملةِ اللهِ تعالى : فإنه منَ العدلِ أن يشكرَ العبدُ ربه الذي ينعمُ عليه بالنعمِ.
2 _ معاملةِ الخلقِ : و يدخلُ في ذلك أمورٌ كثيرةٌ منها : أن يعامِل العبدُ الخلقَ بما يحبُّ أن يعاملوه به، و العدلُ بين الورثةِ، و العدلُ بين الزوجاتِ، و العدلُ في العطيةِ بين الأولادِ و غيرها.
فرقٌ مهمٌّ :
الإقساطُ ليس هو القَسط، فالقَسط الجور و الإقساط العدل، ففعل قَسط -الذي بمعنى جار- رباعي دخلت عليه همزة النفي أو السلب؛ فنفت عنه معناه –الذي هو الجور- فصار أقسط بمعنى عدل.
قال الجوهريُّ في الصحاح : " القُسوطُ : الجَورُ والعدولُ عن الحقّ. وقد قَسَطَ يَقْسِطُ قُسوطاً. قال الله تعالى: {وأمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} والقِسْطُ بالكسر: العَدْلُ. تقول منه : أقْسَطَ الرجلُ فهو مُقْسِطٌ. ومنه قوله تعالى: {إنَّ الله يُحِبُّ المُقْسِطِينَ}".
5 _ اتباع النبي صلى الله عليه و سلم :
قال الله تعالى {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران 31].
هذه الآية ابتلى الله بها عباده المؤمنين و امتحن صدق قولهم : أنهم يحبون الله تعالى، قال الحسن البصري كما ذكره ابن كثير رحمه الله (1/558) : "زعم قوم أنهم يحبون الله، فابتلاهم الله بهذه الآية".
و قال ابن كثير في تفسيره (1/558) : "هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله ، وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر ، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأحواله".
و قال السعدي رحمه الله في تيسير الكريم الرحمن (ص111) : "وهذه الآية فيها وجوب محبة الله، وعلاماتها، ونتيجتها، وثمراتها، فقال {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ}أي: ادعيتم هذه المرتبة العالية، والرتبة التي ليس فوقها رتبة فلا يكفي فيها مجرد الدعوى، بل لابد من الصدق فيها، وعلامة الصدق اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله، في أقواله وأفعاله، في أصول الدين وفروعه، في الظاهر والباطن، فمن اتبع الرسول دل على صدق دعواه محبة الله تعالى، وأحبه الله وغفر له ذنبه، ورحمه وسدده في جميع حركاته وسكناته، ومن لم يتبع الرسول فليس محبا لله تعالى، لأن محبته لله توجب له اتباع رسوله، فما لم يوجد ذلك دل على عدمها وأنه كاذب إن ادعاها، مع أنها على تقدير وجودها غير نافعة بدون شرطها، وبهذه الآية يوزن جميع الخلق، فعلى حسب حظهم من اتباع الرسول يكون إيمانهم وحبهم لله، وما نقص من ذلك نقص".
6 _ الصبر :
قال الله تعالى {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران 146].
معنى الصبر
لغة : الحبس، قال الفيروزآبادي في القاموس (ص421) : "صبره عنه يصبره : حبسه".
اصطلاحا : حبس النفس عن ثلاثة أمور : على طاعة الله، و على محارم الله، و على أقدار الله.
1 _ على طاعة الله : إن الطاعة ثقيلة على نفس الإنسان، و قد تكون ثقيلة على البدن، و قد تكون ثقيلة من جانب المال، يحتاج الإنسان إلى صبر حتى يعمل بطاعة الله و يواصل و يواظب على ذلك.
قال الله تعالى {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولَٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (54)} [القصص] أي صبروا على الإيمان و العمل بطاعة الله.
و قال تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59)} [العنكبوت] أي الذي صبروا على طاعة الله و عمل الصالحات.
و قال تعالى {رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم 65].
و قال {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ} [طه 132].
2 _ على محارم الله : يحبس المرء نفسه و لسانه و جوارحه عما نهاه الله عنه و حرمه الله عليه، فيحتاج إلى صبر حتى يكف هواه و نفسه الأمارة بالسوء.
قال الله تعالى{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان 24]، أي : على حكم الله القدري و الشرعي، و حكم الله تعالى الشرعي يشتمل على أوامر و نواهي، فيحتاج العبد أن يصبر حتى لا يقع في ما نهاه الله تعالى عنه و ينتهك محارمه.
3 _ على أقدار الله : أي على ما يصيب المرء من مصائب و أذى في الحياة الدنيا، فيحبس نفسه عما يحرم عليه من إظهار الجزع باللسان، أو بالقلب، أو بالجوارح.
و من أنواع ما يصبر عليه المرء مما يصيبه في الدنيا :
الصبر على المصائب قال الله تعالى {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان 17].
و على أذى الناس قال تعالى {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام 34].
و قال تعالى {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [إبراهيم 12].
و على فقدان الحبيب و القريب، قال الله تعالى {وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} [يوسف 18].
الصبر عند الظلم، قال الله تعالى {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42)وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)} [الشورى].
الصبر عند الموت، روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر، فقال : "اتقي الله واصبري" قالت : إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها : إنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تجد عنده بوابين، فقالت : لم أعرفك، فقال : "إنما الصبر عند الصدمة الأولى".
الصبر على المرض أو فقدان أعضاء الجسم، روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "إن الله قال : إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر، عوضته منهما الجنة".
و للبخاري و مسلم عن عطاء بن أبي رباح، قال : قال لي ابن عباس : ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت : بلى، قال : هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله لي، قال : "إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك" فقالت : أصبر، فقالت : إني أتكشف، فادع الله لي أن لا أتكشف، فدعا لها".
الصبر على الفقر، روى ابن حبان في صحيحه عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال : "تجتمعون يوم القيامة، فيقال : أين فقراء هذه الأمة ومساكينها؟ قال : فيقومون، فيقال لهم : ماذا عملتم؟ فيقولون : ربنا ابتليتنا فصبرنا، وآتيت الأموال والسلطان غيرنا، فيقول الله : صدقتم، قال : فيدخلون الجنة قبل الناس" حسنه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب و الترهيب (3187).
الصبر على جار السوء، قال النبي صلى الله عليه و سلم : "ثلاثة يحبهم الله،...ورجل كان له جار سوء فيصبر على أذاه" رواه ابن أبي شيبة عن أبي ذر و صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (3074) و في المشكاة (1922) [و سيأتي بطوله قريبا].
7 _ التوكل :
قال الله تعالى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران 159].
معنى التوكَّلِ
التوكُّلُ هوَ : صدقُ الاعتمادِ على اللهِ في جلبِ المنافعِ و دفع المضار، معَ الثقةِ به و فعلِ الأسبابِ المأذونِ فيها.
و لابدَّ فيه منْ أمرين :
1 ـ أنْ يكونَ الاعتمادُ صادقًا حقيقيا.
2 ـ فعلُ الأسبابِ المأذونِ فيها.
أقسامُ التوكُّلِ و أحكامُها
التوكلُ ثلاثة أقسامٍ و هي :
1 ـ توكلُ اعتمادٍ و خضوعٍ و عبادة، و هو الاعتمادُ المطلقُ على المتوكَّلِ عليه، فهذا يجبُ إخلاصه للهِ تعالى و صرفُه لغيره شركٌ أكبرُ.
2 ـ توكلٌ على غيرِ اللهِ بشيءٍ منَ الاعتمادِ، لكن فيه إيمانٌ بأنه سببٌ و أن الأمرَ لله، فهذا شركٌ أصغرُ.
3 ـ توكلٌ على شخصٍ فيما فوَّضَ إليه منَ التصرفِ فيه، و أنَّ المتوكِّلَ فوقه، فهذا جائزٌ.
8 _ القتال في سبيل الله :
قال الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} [الصف 4].
و قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة 54].
روى الحاكم في المستدرك عن مطرف بن عبد الله، قال : كان يبلغني عن أبي ذر، حديث فكنت أشتهي لقاءه فلقيته فقلت : يا أبا ذر، كان يبلغني عنك حديث فكنت أشتهي لقاءك قال : لله أبوك فقد لقيتني. قال : قلت : حدثني بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثك. قال : "إن الله يحب ثلاثة ويبغض ثلاثة" قال : فلا أخالني أكذب على خليلي. قال : قلت : من هؤلاء الذين يحبهم الله؟ قال : "رجل غزا في سبيل الله صابرا محتسبا مجاهدا فلقي العدو فقاتل حتى قتل، وأنتم تجدونه عندكم في كتاب الله المنزل، ثم قرأ هذه الآية {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} قلت : ومن؟ قال : رجل له جار سوء يؤذيه فيصبر على إيذائه حتى يكفيه الله إياه إما بحياة أو موت، قلت : ومن؟ قال : رجل يسافر مع قوم فأدلجوا حتى إذا كانوا من آخر الليل، وقع عليهم الكرى والنعاس فضربوا رءوسهم، ثم قام فتطهر رهبة لله ورغبة لما عنده، قلت : فمن الثلاثة الذين يبغضهم الله ؟ قال : المختال الفخور، وأنتم تجدونه في كتاب الله المنزل {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} قلت : ومن؟ قال : البخيل المنان قال : ومن؟ قال : التاجر الحلاف أو البائع الحلاف" صححه الألباني رحمه الله في صحيح اللترغيب و الترهيب (2569).
إن الجهاد ذروة سنام الإسلام، روى الحاكم في المستدرك عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : "إن شئت أنبأتك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه" قال : قلت : أجل يا رسول الله. قال : "أما رأس الأمر فالإسلام، وأما عموده فالصلاة، وأما ذروة سنامه فالجهاد في سبيل الله" صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (5136) و في الإرواء (413)، جعل الله تعالى للمجاهد في سبيله الأجور العظيمة، و من أعظمها نيل محبة الله تعالى كما في النصوص المذكروة.
و لنيل هذا الأجر العظيم فلا بد من توفر شروط مذكورة فيما تقدم من هذه النصوص :
1 _ الإخلاص -كما هو شرط في كل عبادة-، بأن يكون في سبيل الله، قال الله تعالى {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ}،و قال {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّه}، ومن قوله صلى الله عليه و سلم : "رجل غزا في سبيل الله".
2 _ الصبر، و عدم التضجر و التسخط، و دلك من قول النبي صلى الله عليه و سلم : "صابرا".
3 _ احتساب الأجر و الثواب، لا يكون همه السمعة أو مناصب الدنيا أو أموال فانية، بل همه ما عند الله و ما أعده الله له، و ذلك من قول النبي صلى الله عليه و سلم : "محتسبا".
و الجهاد أنواع منها :
1 _ جهاد بالسيوف و السنان، كما دلت عليه النصوص، و كما قاتل النبي –و النبيون قبله- صلى الله عليه وسلم المشركين، و بعده صحابته رضوان الله عليهم، و من بدعهم من المسلمين، و لا يزال الجهاد قائما إلى أن يرث الله الأرض و من عليها.
2 _ جهاد الحجة و البيان، و هذا لا يخوضه إلا من كان له علم، أما الأول فيستطيعه كل من قدر على حمل السلاح، و هذا من شرف العلم و العلماء، و قد دل القرآن على هذا النوع قال الله تعالى {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان 52] أي جاهده بالقرآن كما قال ابن عباس رضي الله عنه (ينظر تفسير القرطبي و ابن كثير و الطبري للآية).
و إن الله تعالى {يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص 68]، و اختار من عباده من يقوم بهذا الجهاد، و قد اختار الله أهل السنة للقيام به، و لا يزالون قائمين به إلى أن تقوم الساعة كما روى مسلم عن جابر قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة".
9 _ التطهر :
قال الله تعالى {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة 108].
و قد قال الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة 222].
و الآية شاملة لنوعي الطهارة :
1 _ الحسية : و هي تطهير الظاهر من النجاسات و الأردان.
2 _ المعنوية : و هي تطهير الباطن من الشرك، و الذنوب، ز المعاصي.
قال ابن السعدي رحمه الله في التيسير (ص329) : "{‏فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا‏}‏ من الذنوب، ويتطهروا من الأوساخ، والنجاسات والأحداث‏".‏
و قال (ص329): "{‏وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ‏} الطهارة المعنوية، كالتنزه من الشرك والأخلاق الرذيلة، والطهارة الحسية كإزالة الأنجاس ورفع الأحداث‏".
10 _ حب الأنصار رضي الله عنهم :
روى الشيخان في صحيحه عن البراء رضي الله عنه ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ، أو قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله".
روى ابن حبان في صحيحه عن الحارث بن زياد ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أحب الأنصار أحبه الله يوم يلقاه، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله يوم يلقاه" صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (5953).
الأنصار و ما أدراك ما الأنصار، كيف لا نحبهم و هم الذين مدحهم الله تعالى قائلا {وَ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَ الْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَ لَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر 9]، كيف لا نحبهم و هو الذين آووا و نصروا رسول الله صلى الله عليه و سلم و المهاجرين قال تعالى {وَ الَّذينَ آمَنُوا وَ جَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ الَّذِينَ آوَوْا وَّ نَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَّفْغِرَةٌ وَ أََجْرٌ كَرِيمٌ} [الأنفال 74]، كيف لا نحبهم و هم الذين رضي الله عنهم، قال عز و جل {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة 100].
فإن حب الأنصار من دلائل صدق الإيمان، و صدق الإسلام، أما من أبغضهم فهو دليل على نفاقه و الله المستعان، و كان الجزاء من جنس العمل؛ فإن الله تعالى يحب من أحبهم و يبغض من أبغضهم.
و ليستبشر أهل السنة؛ فإنهم يحبون صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم رضوان الله عليهم، و هم الذين يدافعون عنهم و بذبون عنهم، فليهنؤوا بذلك.
11 _ السماحة في البيع و الشراء و القضاء :
روى الحاكم في المستدرك و الترمذي عن عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إن الله يحب سمح البيع، سمح الشراء، سمح القضاء" صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (1888).
قال الأمير الصنعاني رحمه الله في التنوير (3/387) : "(إن الله يحب سمح البيع، سمح الشراء) أي : العبد المتصف بالسهولة و المسامحة و المساهلة (سمح القضاء) فيما له و عليه، وقد تقدم معناه؛ و ذلك لأن هذه الصفات من مكارم الأخلاق و الله يحب مكارم الأخلاق".
و ينال المتصف بهذه الأمور هده المنقبة لحسن خلقه، و لشرف و عزة نفسه، و قطع علاقة قلبه بالمال.
12 _ التقرب إلى الله بأداء الفرائض و النوافل :
روى البخاري في الصحيح عن أبي هريرة، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته : كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته".
حديث الولي حديث عظيم؛ بين الله تعالى فيه صفات أوليائه الذين تحرم معاداتهم، و تجب موالاتهم، وهم الذين يتقربون إلى الله بما يقربهم منه.
و قسم أولياءه المقربين إليه إلى قسمين :
1 _ من تقرب إليه بأداء الفرائض : و التقرب بأداء الفرائض يكون بـ :
أ _ فعل الواجبات.
ب _ ترك المحرمات.
2 _ من تقرب إليه بالفرائض و النوافل : و النوافل ما عدا الفرائض التي افترضها الله على عباده من جميع أجناس الطاعات.
و أولياء الله على درجتين :
الدرجة الأولى المقتصدون : و هم الذين يتقربون بالفرائض، و أداء الفرائض أعظم الأعمال و أفضل العبادة.
الدرجة الثانية السابقون المقربون : و هم الذين يتقربون إلى الله بعد الفرائض بالاجتهاد في النوافل، و الانكفاف عن دقائق المكروهات.
فلا طريق يوصل إلى التقرب إلى الله تعالى، و نيل ولايته، و الفوز بمحبته سوى طاعته التي شرعها على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم (ينظر جامع العلوم و الحكم لابن رجب).
و من هنا يتبين لنا أن من تقرب إلى الله تعالى بغير ما شرعه فإنه في الحقيقة يبتعد عن ربه، و لا يزيده تقربه بهذا إلا بعدا من ربه و بغضا منه، كيف لا و هو الذي ابتدع في دين الله تعالى ما لم يشرعه.
13 _ الجمال و التجمل :
روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" قال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، قال : "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس".
روى الترمذي في سننه عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا يدخل النار يعني من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان"، قال : فقال له رجل : إنه يعجبني أن يكون ثوبي حسنا ونعلي حسنة، قال : "إن الله يحب الجمال، ولكن الكبر من بطر الحق وغمص الناس" صححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي (1999) و في صحيح الجامع (7674).
قال ابن القيم رحمه الله في النونية :
و هو الجميل على الحقيقة كيف لا --- و جمال سائر هذه الأكوان

من بعـض آثار الجميـل فربها --- أولى و أجدر عند ذي العرفان

فجماله بالذات و الأوصاف و الأفعـ --- ـال و الأسماء بالبرهان

لا شيء يشبـه ذاتـه و صفاتـه --- سبحانه من إفك ذي البهتان
فهو سبحانه جميل في ذاته، و أسمائه و صفاته، و أفعاله، و إذا كان ربنا هو معطي الجمال فهو أولى و أجدر به.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في الفوائد (ص219) : "و جماله سبحانه على أربع مراتب :
_ جمال الذات.
_ و جمال الصفات.
_ و جمال الأفعال.
_ و جمال الأسماء.
فأسماؤه كلها حسنى، و صفاته كلها صفات كمال، و أفعاله كلها حكمة و مصلحة و عدل و رحمة، و أما جمال الذات و ما هو عليه فأمر لا يدركه سواه و لا يعلمه غيره، و ليس عند المخلوقين منه إلا تعريفات تعرف بها إلى من أكرمه من عباده؛ فإن ذلك جمال مصون عن الأغيار محجوب بستر الرداء و الإزار كما قال رسوله صلى الله عليه و سلم فيما يحكي عنه : "الكبرياء ردائي و العظمة إزاري"".
و قال أيضا (ص221) : "و قوله في الحديث : "إن الله جميل يحب الجمال" يتناول جمال الثياب المسؤول عنه في نفس الحديث. و يدخل فيه بطريق العموم الجمال من كل شيء".
و ليس من مقتضى الجمال و التجمل مشابهة الكفار كما يفعله شبابنا اليوم، بل إن الجمال في موافقة هدي النبي صلى الله عليه و سلم.
من ذلكم لبس القميص، روى الحاكم في المستدرك عن أم سلمة، رضي الله عنها قالت : "لم يكن ثوب أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من القميص" صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (4625).
و من ذلكم رفع الإزار فوق الكعبين، روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار".
و من ذلكم إعفاء اللحية، روى الشيخان عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى".
و إنه لمن العجب أن ترى أقواما يعفون لحاهم، لكن لا اتباعا لنبيهم صلى الله عليه و سلم، بل اتباعا للكفار و الله المستعان، فلما كانت اللحية تعفى لأجل أنها من الدين كان تخلفا و تشددا و تعصبا، ثم لما أعفى عنها الكافر صار تقدما و تطورا فإلى الله المشتكى.
و لكن ينبغي ألا تمر عليك هذه الظاهرة دون تدبر أو اتعاظ، بل عليك التدبر في حديث النبي صلى الله عليه و سلم الذي رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال : "لتتبعن سنن من كان قبلكم، شبرا شبرا وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم"، قلنا : يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال : "فمن" فصدق رسول الله عليه الصلاة و السلام.
14 _ الصدق و أداء الأمانة و حسن الجوار :
روى البيهقي في الشعب عن عبد الرحمن بن أبي قراد، أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ يوما فجعل أصحابه يتمسحون بوضوئه، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : "ما يحملكم على هذا ؟" قالوا : حب الله ورسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "من سره أن يحب الله ورسوله، أو يحبه الله ورسوله فليصدق حديثه إذا حدث، وليؤد أمانته إذا ائتمن، وليحسن جوار من جاوره" حسنه الألباني رحمه الله في المشكاة (4990).
1 _ الصدق :
أنواع الصدق :
1 _ الصدق في الأقوال : و ذلك بأن يخبر بما يوافق الواقع، قال صلى الله عليه و سلم كما في الحديث المتقدم : "فليصدق حديثه إذا حدث" و يقابله الكذب الذي هو : إخبار يما يخالف الواقع.
2 _ الصدق في الأعمال : و ذلك بأن يكون باطن الإنسان موافقا لظاهره، قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة 119]، قال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية (10/421) : "قيل هم الذين استوت ظواهرهم و بواطنهم".
3 _ الصدق في الإيمان : قال القرطبي رحمه الله في تفسير قول الله تعالى { فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} [محمد 21] [19/272] : "لو صدقوا الله أي في الإيمان والجهاد {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} من المعصية والمخالفة".
2 _ أداء الأمانة :
تطلق الأمانة على عدة أمور :
1 _ أمانة الأمير على رعيته : قال الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الِأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَ إِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء 58].
2 _ القيام بفرائض الله و طاعته : قال الله تعالى {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب 72].
3 _ الأمانة المالية : روى الشيخان عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان ".
أقسام الأمانة المالية باعتبار المستفيد :
1 _ ما كان لمصلحة المالك : و هي الوديعة، بأن يترك رجل لآخر شيئا و يقول له : احفظه لي عندك.
2 _ ما كان لمصلحة من بيده : و هذه تسمى العارية، و ذلك بأن يعير شخص آخر شيئا يستفيد منه لمدة ثم يرجعه إلى مالكه.
3 _ ما كان لمصلحتهما : و هي العين المستأجرة، و هي بأن يستأجر رجل شيئا من آخر يستفيد منه بأجرة ينتفع منها المالك.
و إن أداء الأمانة من الخصال الكريمة التي مدح نبيَّنا صلى الله عليه و سلم بها أهلُ الجاهلية، فإنه كان يلقب بالأمين، روى أحمد في المسند عن السالب ابن أبي السالب : "أنه كان فيمن يبني الكعبة في الجاهلية؟ قال : ولي حجر أنا نحته بيدي أعبده من دون الله تبارك وتعالى، فأجيء باللبن الخاثر الذي أنفسه على نفسي، فأصبه عليه، فيجيء الكلب فيلحسه، ثم يشغر فيبول فبنينا حتى بلغنا موضع الحجر، وما يرى الحجر أحد، فإذا هو وسط حجارتنا مثل رأس الرجل يكاد يتراءى منه، وجه الرجل فقال : بطن من قريش نحن نضعه، وقال : آخرون نحن نضعه، فقالوا : اجعلوا بينكم حكما، قالوا : أول رجل يطلع من الفج، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : أتاكم الأمين، فقالوا له، فوضعه في ثوب، ثم دعا بطونهم فأخذوا بنواحيه معه، فوضعه هو صلى الله عليه وسلم" فينبغي التحلي بهذه الصفة الجليلة.
3 _ حسن الجوار :
إن شأن الجار، قال فيه نبينا صلى الله عليه و سلم : "ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه" رواه الشيخان عن ابن عمر، جعل النبي صلى الله عليه و سلم الإحسان إليه من أدلة الإيمان فقال : "من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليحس إلى جاره" رواه مسلم عن أبي شريح.
و جعل له الشارع حقوقا منها :
1 _ عدم أذيته : روى البخاري و مسلم عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره".
و روى ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة، أن رجلا قال : يا رسول الله، إن فلانة ذكر من كثرة صلاتها، غير أنها تؤذي بلسانها قال : "في النار"، قال : يا رسول الله، إن فلانة ذكر من قلة صلاتها وصيامها، وأنها تصدقت بأثوار أقط، غير أنها لا تؤذي جيرانها، قال : "هي في الجنة" صححه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب و الترهيب (2560).
2 _ عدم ظلمه : روى البخاري والحاكم عن أبي شريح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن" قيل : ومن يا رسول الله؟ قال : "الذي لا يأمن جاره بوايقه".
3 _ أن يحب لجاره ما يحب لنفسه : روى مسلم عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره -أو قال : لأخيه- ما يحب لنفسه".
4 _ إكرامه : روى البخاري و ابن حبان عن أبي شريح العدوي، قال : سمعت أذناي، وأبصرت عيناي، حين تكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره".
5 _ عدم منعه من غرز خشبة في الجدار : روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره".
6 _ ألا يبيت و جاره جوعان : روى الحاكم في المستدرك عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "ليس بالمؤمن الذي يبيت شبعانا وجاره جائع إلى جنبه" صححه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب و الترهيب (2563).
7 _ أنه أحق بالشفعة : روى أبو داود عن جابر بن عبد الله، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها، وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا" صححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (3518).
8 _ عرض الأرض لمن يريد البيع على جاره : روى ابن ماجه عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من كانت له أرض فأراد بيعها، فليعرضها على جاره" صححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن ابن ماجه (2538).
9 _ الجار أولى بالخير : روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه ، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره" صححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي (1944).
10 _ حفظه : روى أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحفظ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت" صححه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب و الترهيب (2566).
11 _ عظم جرم الزنى بحليلة الجار أو سرقته : روى أحمد في المسند عن المقداد بن الأسود، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : "ما تقولون في الزنا؟" قالوا : حرمه الله ورسوله، فهو حرام إلى يوم القيامة، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : "لأن يزني الرجل بعشرة نسوة، أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره"، قال : فقال : "ما تقولون في السرقة؟" قالوا : حرمها الله ورسوله فهي حرام، قال : "لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات، أيسر عليه من أن يسرق من جاره" صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (5043).
12 _ الإحسان إليه : روى مسلم عن أبي شريح الخزاعي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره".
و صور الإحسان كثيرة منها :
أ _ تقديم الهدية : روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت : يا رسول الله، إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال : "إلى أقربهما منك بابا".
ب _ إطعامه مما يطعم : روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها، ولو فرسن شاة".
15 _ الغيرة لله و الخيلاء عند القتال و الصداقة :
روى ابن حبان في صحيحه عن جابر بن عتيك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن من الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله، فأما الغيرة التي يحب الله فالغيرة في الله، وأما الغيرة التي يبغض الله فالغيرة في غير الله، وإن من الخيلاء ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله، فأما الخيلاء التي يحب الله أن يتخيل العبد بنفسه عند القتال، وأن يتخيل عند الصداقة، وأما الخيلاء التي يبغض الله، فالخيلاء لغير الدين".
و رواه أبو داود و ابن ماجه و النسائي عنه بلفظ : "من الغيرة ما يحب الله ومنها ما يبغض الله، فأما التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة، وإن من الخيلاء ما يبغض الله، ومنها ما يحب الله، فأما الخيلاء التي يحب الله فاختيال الرجل نفسه عند القتال، واختياله عند الصدقة، وأما التي يبغض الله فاختياله في البغي" حسنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (2221).
قال شرف الحق آبادي في عون المعبود (7/200) : "(فالغيرة من غير ريبة) نحو أن يغار الرجل على أمه أن ينكحها زوجها، و كذلك سائر محارمه، فإن ذلك مما يبغضه الله تعالى؛ لأن ما أحله الله فالواجب علينا الرضى به، فإن لم نرض به كان ذلك من إيثار حمية الجاهلية على ما شرعه الله لنا، (واختياله عند القتال) لما في ذلك من الترهيب لأعداء الله و التنشيط لأوليائه، (واختياله عند الصدقة) فإنه ربما كان من أسباب الاستكثار منها و الرغوب فيها".
و قال أيضا (7/200) : "(فاختياله في البغي) نحو أن يذكر الرجل أنه قتل فلانا و أخذ ماله ظلما، أو يصدر منه الاختيال حال البغي على مال الرجل أو نفسه".
16 _ الصبر على أذى جار السوء :
روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي العلاء، قال قلت لأبي ذر : حديث بلغني عنك عن نبي الله، قال : هات، إني لا إخالني أن أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إذ سمعته منه، قال قلت : ذكرت : ثلاثة يحبهم الله، قال : سمعته وقلته، أما الذي يحبه الله فرجل لقي فئة فانكشفت فئة فقاتل من ورائهم حتى يقتل أو يفتح الله له ورجل أسرى مع قوم حتى يجيئوا الأرض فنزلوا فقام يصلي حتى أيقظهم برحيلهم ورجل كان له جار سوء فيصبر على أذاه" صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (3074) و في المشكاة (1922).
و هو الذي استعاذ النبي صلى الله عليه و سلم منه، و روى ابن حبان في صحيحه و الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : "اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة، فإن جار البادي يتحول" حسنه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب و الترهيب (2556) و في الصحيحة (1443).
و جعله النبي صلى الله عليه و سلم من أسباب الشقاوة، روى ابن حبان عن سعد ابن أبي وقاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "وأربع من الشقاوة : الجار السوء، والمرأة السوء، والمسكن الضيق، والمركب السوء" صححه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب و الترهيب (1914).
فمن كان حاله هكذا و صبر عليه، فهو على خير عظيم لما ثبت من فضل في حقه كما في الحديث، إذ بسبب صبره عليه ينال محبة الله تعالى، و هذا العمل يتطلب مجاهدة و مصابرة، خاصة في هذا الزمن.
17 _ إحسان العمل :
روى الطبراني في الكبير عن كليب بن شهاب، أنه خرج مع أبيه إلى جنازة شهدها النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا غلام أعقل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "يحب الله للعامل إذا عمل أن يحسن" حسنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (8037).
سواء كان العمل دينيا كالصلاة و الصيام و غيرها فيؤديها كما أمر الله بها، أو دنيويا، فيؤديه على أحسن وجه و أكمله.
قال الأمير الصنعاني رحمه الله في التنوير (11/196) : "(يحب الله العامل) أي : عمل مأذون فيه شرعا (إذا عمل أن يحسن) أي : يحب من العمل إحسان العمل و إتقانه فينبغي لكل صانع صنعة أن يتقن عمله ليكون محبوبا لله".
قال المناوي رحمه الله في فيض القدير (6/459) : "فعلى الصانع الذي استعمله الله في الصورة و الآلات و العدد أن يعمل بما علمه عمل إتقان و إحسان بقصد نفع خلق الله، و احتمل أن المراد يحب من العامل بالطاعة أن يحسنها بإخلاص و استيفاء للشروط و الأركان و الآداب".
18 _ الرفق :
روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا : السام عليكم، قالت عائشة : ففهمتها فقلت : وعليكم السام واللعنة، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مهلا يا عائشة، إن الله يحب الرفق في الأمر كله" فقلت : يا رسول الله، أولم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قد قلت : وعليكم".
معنى الرفق
قال المناوي رحمه الله في فيض القدير (2/287) :"بكسر فسكون : لين الجانب بالقول و الفعل و الأخذ بالأسهل و الدفع بالأخف". وهو : "ضد العنف" كما قال ابن حجر في الفتح (10/552).
قال فضل الله الجيلاني رحمه الله في فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد (2/143) : "فاللطيف يتلطف في تحصيل الخير بحسب الإمكان مع المطوعة، خلاف المتواني و المتكاسل فإنه يتثاقل عن مصلحته بعد إمكانها فيتقاعد عنها".
و للرفق فضل عظيم، روى مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : "من يحرم الرفق، يحرم الخير".
و رواه الترمذي عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير" صححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي (2013).
و لمسلم عن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه".
و له عنها أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال : "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه".
و روى الطبراني في الكبير عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "ما أعطى أهل البيت الرفق إلا نفعهم" صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (5541) و في الصحيحة (942).
و له عن معدان بن أبي كرب الكلاعي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن الله عز وجل رفيق يحب الرفق، ويرضاه ويعين عليه ما لا يعين على العنف" صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (1770).
و الرفق يتأكد في من لابد للإنسان من معاشرتهم، كالآباء و الزوجة و الأولاد، وهم الأولى به.
و إننا لنعجب من أقوام إذا كانوا خارج البيت كانوا ألطف الناس و أرفقهم و أحسنهم خلقا، حتى إذا دخلوا بيوتهم –أو سجونهم- ذهب ذلك اللطف و الرفق و حسن الخلق، فهذا دليل على تصنع هذه الأخلاق للناس لأجل المصالح، و من جهة أخرى فالنبي صلى الله عليه و سلم يقول : "خيركم خيركم لأهله" رواه ابن حبان عن عائشة رضي الله عنها و صححه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب و الترهيب (1924).
19 _ العطاس :
روى البخاري في صحيحه و أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : "إن الله يحب العطاس، ويكره التثاؤب، فإذا عطس فحمد الله، فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته، وأما التثاؤب : فإنما هو من الشيطان، فليرده ما استطاع، فإذا قال : ها، ضحك منه الشيطان".
قال الأمير الصنعاني رحمه الله في التنوير شرح الجامع الصغير (3/382) : "(يحب العطاس) لأنه يدل على خفة البدن، و انفتاح المسام، و عدم الغاية في الشبع، (و يكره التثاؤب) لأنه يدل على امتلاء البدن، و كثرة الأكل و التخليط فيه؛ و لأن الأول يستدعي النشاط، و الثاني عكسه، فالمحبة و الكراهة تنصرف على سببهما كما قاله الخطابي".
قال المناوي رحمه الله في في القدير (2/289) : "(إن الله يحب العطاس) أي سببه الذي لا ينشأ عن زكام؛ لأنه المأمور فيه بالتحميد و التشميت، و يحتمل التعميم كما في الفتح، و هو يفتح المسام و يخفف الدماغ؛ إذ به تندفع الأبخرة المحتبسة فيه، و يخفف الغذاء، و هو أمر مندوب إليه لأنه يعين صاحبه على العبادة و يسهل عليه الطاعة، و من ثم عده الشارع نعمة يحمد عليها كما سبق (و يكره التثاؤب) بالهمز و قيل بالواو، و هو تنفس ينفتح معه الفم بلا قصد، و ذلك لأنه يكون عن امتلاء البدن و ثقله و كثرة الغذاء و ميله إلى الكسل، فيثبط صاحبه عن الطاعة، فيضحك منه الشيطان و لهذا سن الشارع كظمه و رده ما أمكن".
20 _ إظهار نعم الله :
روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله يحب أن يُرى أثر نعمته على عبده" حسنه الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي (2819) و في صحيح الجامع (1887).
قوله صلى الله عليه و سلم : "يُرى" مغير الصيغة مبني للمجهول، أي أن يراه غيره عليه، لا أن يراه هو.
و النعمة نعمتان :
1 _ دنيوية : من مال و بنين و مأكل و ملبس و غيرها مما فتح الله عليه به، و إظهار هذه النعم يكون بشكر الله تعالى الذي يكون :
1 _ بالجنان : بأن يعترف أن هذه النعم من عند الله تعالى و لا حول له و لاقوة.
2 _ باللسان : فيحدث العبد بنعم الله عليه كما قال تعالى {وَ أَمَّا بِنِعِمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى 11].
3 _ بالأركان : بأن يسخرها في ما يرضي الله تعالى، و لا يجعلها فيما يغضبه.
2 _ دينية : و ذلك بالعمل بما فتح الله عليه من علم، و التأدب بأحسن الآداب و الاتصاف بأحسن الأخلاق و غيرها، و المداومة على طاعة الله تعالى.
21 _ إتيان رخص الله تعالى :
روى ابن خزيمة في صحيحه و ابن حبان عن ابن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تترك معصيته" قال الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب و الترهيب (1059) : حسن صحيح.
1 _ العزيمة :
تعريفها :
لغة :القصد المؤكد.
اصطلاحا : الحكم الثابت بدليل شرعي خال من معارض راجح.
أنواع العزيمة :
1 ـ ما شرع ابتداءً من أولِّ الأمر لصالح المكلفين عامة، كالعبادات و المعاملات و الجنايات، و كل الأحكام التي تحقق المصالح في الدنيا و الآخرة.
2 ـ الأحكام التي شرعت ناسخةً لأحكامٍ سابقة، فيصير الحكم الناسخ هو العزيمة، و يرتفع الحكم المنسوخ، كنسخ استقبال بيت المقدس.
3 ـ المستثنياتُ من أمر عام محكوم فيه، كتحريم الله أن يأخذَ الزوج شيئا مما دفعه إلى أهله، ثم استثنى أخذَ المال من المرأة على سبيل فسخ الزواج بينهما، و هو الخلعُ، و ذلك عند انعدام الوفاء بينهما و احتمال انتهاك حرمات الله تعالى.
4 ـ الأحكام التي شُرعت لسبب طارئ اقتضى مشروعيته، كحرمة سبِّ الأوثان و الطواغيت التي تعبد من دون الله لكونها ذريعة إلى سب الله تعالى.
2 _ الرخصة :
تعريفها :
لغة : اللين و السهولة، يقال شيء رُخْصٌ.
اصطلاحا : الحكم الثابت للمعذور على خلاف الدليل لمعارض راجح.
أقسام الرخصة : الرخصة قد تكون :
1 ـ واجبة : كإساغة الغصة بالخمر، و أكل الميتة للمضطر.
ـ ضابط الرخصة الواجبة : هي التي يؤدي تركها إلى الوقوع في الحرام.
2 ـ مندوبة : كالإبراد بالظهر، والنظر إلى المخطوبة.
ـ ضابط الرخصة المندوبة : أنها تفوت بتركها مصلحة أومنفعة راجحة.
3 ـ مكروهة : كالنطق بكلمة الكفر مع اطمئنان القلب بالإيمان.
ـ ضابط الرخصة المكروهة : ما يستوي فيها الأمران الفعل والترك.
4 ـ مباحة : كالفطر في السفر، و المسح على الخفين.
ـ ضابط الرخصة المباحة : ما يستوي فيها الأمران الفعل والترك.
تنبيه مهم : الرخصة لا تكون محرمة، لأن الشارع لا يأمر بمحرم أصلا (ينظر الفتح المأمول لشيخنا العلامة محمد علي فركوس حفظه الله فقد اختصرت كلامه).
قال المناوي رحمه الله في فيض القدير (2/292) : "فإنَّ أمرَ الله تعالى في الرخصة و العزيمة واحد فليس الأمر بالوضوء أولى من التيمم في محله، و لا الإتمام أولى من القصر في محله، فيطلب فعل الرخص في مواضعها، و العزائم كذلك، فإن تعارضا في شيء واحد راعى الأفضل".
و قال أيضا (2/293) : "قال ابن تيمية : و لهذا الحديث و ما أشبهه كان المصطفى صلى الله عليه و سلم يكره مشابهة أهل الكتاب فيما عليهم من الآصار و الأغلال، و يزجر أصحابه عن التبتل و الترهب".
22 _ معالي الأمور و أشرفها :
روى الطبراني في الكبير عن حسين بن علي، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفاسفها" صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (1889).
قال الأمير الصنعاني رحمه الله في التوير (3/389) : "(إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها) الأخلاق الشريفة الخصال الشريفة فهي معالي الأمور، لا العلو و الفساد في الأرض (ويكره سفاسفها) حقيرها و رديئها".
23 _ الصدقة الخفية و الصلاة خفية و القتال إذا انكشف الجيش حتى الموت أو النصر :
روى المروزي في قيام الله عن أبي ذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ثلاثة يحبهم الله؛ يحب رجلا كان من قوم فأتاهم سائل فسألهم بوجه الله لا يسألهم بقرابة بينهم وبينه، فبخلوا عنه فخلفهم بأعقابهم فأعطاه حيث لا يراه إلا الله ومن أعطاه، ويحب رجلا كان في كتيبة فانكشفوا فكر فقاتل حتى يفتح على يديه أو يقتل، ويحب رجلا كان في قوم فأدلجوا فطالت دلجتهم فنزلوا والنوم أحب إليهم مما يعدل به فناموا وقام يتلو آياتي ويتملقني" صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (3074).
قال الأمير الصنعاني رحمه الله في التنوير شرح الجامع الصغير (5/238) : "( لا يسألهم بقرابة بينهم وبينه) أي أنه لا وسيلة له إليهم إلا الله تعالى، و الظاهر أنه أريد بذلك بيان أن الذي أعطاه لم يعطه إلا لوجه الله تعالى، فلو كان قريبا للسائل لم يكن له هذه الصفة، أما لو كان من حرمه قرابة و المعطي أجنبيا لكان بهذه الصفة (فتخلف رجل بأعقابه) بالقاف و الباء الموحدة بعد الألف أي تأخر بعدهم حتى لا يعلموا (بإعطائه) و زاد بيان كيفية إسراره بما ذكره من إنه سرا (لا يعلم بعطيته إلا الله) و لم يكتف بقوله سرا لأنه قد يتوهم أنه قد أريد السر عن قومه فأبان أنه لا يعلمه أحد (و قوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به) بمال إليه عوض عنه (و وصعوا رؤوسهم) و ضع الرأس كناية عن النوم (و قام أحدهم يتملقني) بمثناة تحتية مفتوحة و المثناة الفوقية و القاف بعد اللام، أي يتضرع إليَّ و يزيد في الدعاء و الابتهال طلبا لمودتي (و رجل كان في سرية فلقي العدو فهزموا) أي أصحاب السرية (فأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح له) أي توجه نحو العدو بعد فرار الناس عنه، و فيه دليل أنه ليس من إلقاء النفس إلى التهلكة و إن جهاد الواحد للأكثر من الاثنين فضيلة و إن لم يكن واجبا فإن الواجب إنما هو ثباته للاثنين لمقتضى آية الأنفال".
24 _ الحب في الله و التجالس في الله و التزاور في الله :
روى ابن حبان في صحيحه عن معاذ بن جبل قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "قال الله تبارك وتعالى : وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ" صححه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب و الترهيب (3018).
و روى مسلم عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم : "أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى، فأرصد الله له، على مدرجته، ملكا فلما أتى عليه، قال : أين تريد؟ قال : أريد أخا لي في هذه القرية، قال : هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال : لا، غير أني أحببته في الله عز وجل، قال : فإني رسول الله إليك، بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه".
روى الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما تحاب رجلان في الله إلا كان أحبهما إلى الله عز وجل أشدهما حبا لصاحبه" قال الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب و الترهيب (3014) : حسن صحيح.
1 _ الحب في الله :
إن مما شرعه الله تعالى بين عباده المؤنين التحاب في الله، الذي هو من أوثق عرى الإيمان، روى أحمد في المسند عن البراء بن عازب، قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : "أي عرى الإسلام أوثق؟"، قالوا : الصلاة، قال : "حسنة، وما هي بها؟" قالوا : الزكاة، قال : "حسنة، وما هي بها؟" قالوا : صيام رمضان. قال : "حسن، وما هو به؟" قالوا : الحج، قال : "حسن، وما هو به؟" قالوا : الجهاد، قال : "حسن، وما هو به؟" قال : "إن أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله، وتبغض في الله" حسنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (2009).
و الحب في الله من أسباب تذوق حلاوة الإيمان، روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار".
و المتحابون في الله يظلهم الله في ظل عرشه يوم القيامة، روى مسلم عن أبي هريرة، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله يقول يوم القيامة : "أين المتحابون بجلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي".
و الحب في الله من أسباب نيل محبة الله تعالى، كما في قوله تعالى في الحديث القدسي : "وجبت محبتي للمتحابين فيّ" و في قوله صلى الله عليه و سلم : "بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه" و في قوله : "إلا كان أحبهما إلى الله عز وجل أشدهما حبا لصاحبه"، فلسبب المحبة في الله وجبت محبة الله للعبد أي : لزمت و حقت.
و الحب المطلوب هنا هو حب المرء لا لدنيا أو مال أو جاه، إنما الحب المطلوب هو حب المرء لصلاح دينه، المطلوب هو الحب لأجل الإيمان و التقوى، المطلوب هو الحب لمن آمن و عمل الصالحات قال الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا} [مريم 96] قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية (3/204) : "يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات، وهي الأعمال التي ترضي الله عز وجل لمتابعتها الشريعة المحمدية يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين مودة، وهذا أمر لا بد منه ولا محيد عنه"، و تلك هي الأخوة التي عناه الله تعالى في قوله {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات 10].
فإذا تحاب المؤمنان في الله صار بينهما حقوقا، و من أعظمها أن يحب له ما يحب لنفسه من الخير، روى الشيخان عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا يؤمن أحدكم، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
2 _ التجالس في الله :
و التجالس في الله هو ما كان لأجل ذكره، و مجالس الذكر لها الفضل العظيم الثواب الجزيل.
و من تلكم الفضائل :
أن الله يأوي من جلس فيها، روى الشيخان عن أبي واقد الليثي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد، قال : فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما أحدهما : فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر : فجلس خلفهم، وأما الثالث : فأدبر ذاهبا، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه".
أنها من رياض الجنة، روى الترمذي عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا" قالوا : وما رياض الجنة؟ قال : "حلق الذكر" حسنه الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي (3510) و في الصحيحة (2562).
أن ملائكة يطوفون يلتمسون حلق الذكر، و للبخاري عن أبي هريرة، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا : هلموا إلى حاجتكم" قال : "فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا" قال : "فيسألهم ربهم، وهو أعلم منهم، ما يقول عبادي؟ قالوا : يقولون : يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك" قال : "فيقول : هل رأوني؟" قال : "فيقولون : لا والله ما رأوك؟" قال : "فيقول : وكيف لو رأوني؟" قال : "يقولون : لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيدا وتحميدا، وأكثر لك تسبيحا" قال : "يقول : فما يسألوني؟" قال : "يسألونك الجنة" قال : "يقول : وهل رأوها؟" قال : "يقولون : لا والله يا رب ما رأوها" قال : "يقول : فكيف لو أنهم رأوها؟" قال : "يقولون : لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا، وأشد لها طلبا، وأعظم فيها رغبة، قال : فمم يتعوذون؟" قال : "يقولون : من النار" قال : "يقول : وهل رأوها؟" قال : "يقولون : لا والله يا رب ما رأوها" قال : "يقول : فكيف لو رأوها؟" قال : "يقولون : لو رأوها كانوا أشد منها فرارا، وأشد لها مخافة" قال : "فيقول : فأشهدكم أني قد غفرت لهم" قال : "يقول ملك من الملائكة : فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة. قال : هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم".
أن الله يباهي بهم الملائكة، روى النسائي في الصغرى عن معاوية رضي الله عنه : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة يعني من أصحابه فقال : "ما أجلسكم؟" قالوا : جلسنا ندعو الله ونحمده على ما هدانا لدينه، ومن علينا بك، قال : "آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟" قالوا : آلله ما أجلسنا إلا ذلك، قال : "أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، وإنما أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة" صححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن النسائي (5441).
أن الله يغفر لهم و يبدل سيئاتهم حسنات، روى أحمد في المسند عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله، لا يريدون بذلك إلا وجهه، إلا ناداهم مناد من السماء : أن قوموا مغفورا لكم، قد بدلت سيئاتكم حسنات" صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (5507).
أن غنيمة المجلس الجنة، روى أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو، قال : قلت يا رسول الله : ما غنيمة مجالس الذكر؟ قال : "غنيمة مجالس الذكر الجنة الجنة" حسنه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب و الترهيب (1507).
3 _ التزاور في الله :
و التزاور في الله يكون للأقارب، و يكون بين الإخوة في الله، و زيارة المريض و غيرها، وقد كان النبي صلى الله عليه و سلم يزور غيره و الصحابة مقتدون بالنبي صلى الله عليه و سلم في ذلك، روى مسلم في صحيحه عن أنس، قال : قال أبو بكر رضي الله عنه، بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر : "انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصاحين (3/243) : "و الزيارة لها من الفوائد مع هذا الأجر العظيم، فهي تؤلف القلوب، و تجمع الناس، و تذكر الغافل، و تعلم الجاهل، و فيها مصالح كثيرة يعرفها من جربها".
و التزاور في الله له الفضائل العظيمة منها :
ما تقدم في الحديث الذي رواه ابن حبان عن معاذ : "وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ".
روى ابن حبان و ابن ماجه و الترمذي عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إذا عاد المسلم أخاه المسلم، أو زاره قال الله تبارك وتعالى : طبت وطاب ممشاك، وتبوأت منزلا في الجنة" حسنه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب و الترهيب (2578).
و للحاكم في المستدرك عن حبيب بن مسلمة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "زر غبا تزدد حبا" صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (3568).
روى الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "ألا أخبركم برجالكم في الجنة؟" قلنا : بلى يا رسول الله . قال : "النبي في الجنة، والصديق في الجنة ، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر، لا يزوره إلا لله في الجنة" حسنه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب و الترهيب (1941).
25 _ الإصلاح بين الناس :
روى الطبراني في الكبير عن أبي أيوب قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا أبا أيوب ألا أدلك على صدقة يحبها الله ورسوله؟ تصلح بين الناس إذا تباغضوا، وتفاسدوا" حسنه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب و الترهيب (2820) و في الصحيحة (2644).
من المعلوم أن الناس في حياتهم يحدث بينهم مشاحنات و معاداة و بغضاء، لأسباب عديدة، لذلك شرع الله تعالى هذا الخلق الفضيل و حث عليه عباده، إذ به تحل النزاعات، و يلم به ما يقع في الأمة من شتات، و به تدفع الفرقة و الخلافات.
و قد ورد في شرعنا الفضل الكبير لهذا العمل الجليل و لمن قام به من الناس.
فقد أمر الله تعالى به عباده فقال {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال 1]، و قال تعالى {فَأََصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات 10].
و قال الله تعالى {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء 114]، فجعل أكثر مناجاة الناس لا خير فيها إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين من كان بينه و صاحبه مفسدة.
و رتب على ذلك أجرا كبيرا فقال تعالى {وَ مَن يَّفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أجْرًا عَظِيمًا} [النساء 114].
و قد كان من هدي النبي صلى الله عليه و سلم الإصلاح بين الناس، روى البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه : أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال : "اذهبوا بنا نصلح بينهم".
و قد أثنى النبي صلى الله عليه و سلم على الحسن حيث يصلح الله به بين الناس، روى البخاري عن أبي بكرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين".
و الإصلاح بين الناس من الصدقة، روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين الناس صدقة".
و الإصلاح بين الناس أفضل من درجة الصيام و القيام، روى ابن حبان و أبو داود و الترمذي و غيرهم عن أبي الدرداء، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "ألا أخبركم، بأفضل من درجة الصيام، والقيام؟"، قالوا : بلى يا رسول الله، قال : "إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين هي الحالقة" حسنه الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (4919) و في صحيح سنن الترمذي (2640).
و الصلح له ميادين كثيرة منها :
الإصلاح بين الزوجين، و قال تعالى {وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنَهُمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِن يُّرِيدَا إِصْلَاحًا يُّوَفِقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء 35].
قال الله تعالى {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء 128].
الإصلاح بين أفراد المجتمع، قال الله تعالى {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء 114].
و قال تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال 1].
و قال صلى الله عليه و سلم كما تقدم : "يعدل بين الناس صدقة".
الإصلاح بين طائفتين متقاتلتين، قال الله تعالى {وَ إِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات 10].
26 _ الحلم و الأناة و التؤدة و الحياء :
روى مسلم عن أبي سعيد الخدري قال : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس : "إن فيك لخصلتين يحبهما الله : الحلم والأناة".
و رواه عنه ابن ماجه بلفظ : "يا أشج إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله، الحلم والتؤدة" صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (7848).
و لابن ماجه و الترمذي عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال للأشج العصري : "إن فيك خصلتين يحبهما الله : الحلم، والحياء" صححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي (2011) و في صحيح الجامع (2136).
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم (1/264) : "أما الحلم : فهو العقل. و أما الأناة : فهي التثبت و ترك العجلة".
قال العظيم آبادي رحمه الله في عون المعبود (14/104) : "الحلم -بكسر الحاء- : تأخير مكافأة الظالم، و المراد به هنا عدم استعجاله و تراخيه حتى ينظر في مصالحه، و الأناة على وزن القناة : و هو التثبت و الوقار".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين (3/573) : "أما الحلم : فهو أن يملك الإنسان نفسه عند الغضب، إذا حصل غضب و هو قادر فإنه يحلم، و لا يعاقب، و لا يعاجل بالعقوبة.
و أما الأناة : فهو التأني في الأمور، و عدم العجلة، و ألا يأخذ الإنسان الأمور بظاهرها فيتعجل، و يحكم على الشيء قبل أن يتأنى فيه و ينظر".
قال عبد الغني الدهلوي رحمه الله في شرح سنن ابن ماجه (ص 1540) : "و التؤدة : المهلة، في القاموس في مادة وأد، و التؤدة بفتح الهمزة و سكونها، و الوئيد و التؤد : الرزانة و التأني، و قد اتأد و تؤئد".
و قال ابن حجر رحمه الله في الفتح (1/73) : "(الحياء) هو بالمد، و هو في اللغة : تغير و انكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به، و قد يطلق على مجرد ترك الشيء بسبب، و الترك إنما هو من لوازمه.
و في الشرع : خلق يبعث على اجتناب القبيح، و يمنع التقصير في حق ذي الحق و لهذا جاء في الحديث الآخر (الحياء كله خير)".
قال ابن عثيمين رحمه الله في شرح الأربعين (ص 233) : "و الحياء نوعان :
الأول : فيما يتعلق بحق الله عز و جل.
الثاني : فيما يتعلق بحق المخلوق.
أما الحياء فيما يتعلق بحق الله عز و جل فيجب أن تستحي من الله عز و جل أن يراك حيث نهاك، و أن يفقدك حيث أمرك.
و أما الحياء من المخلوق فأن تكف عن كل ما يخالف المروءة و الأخلاق".
هذا ما يسر الله تعالى جمعه بفضله و توفيقه، أسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا و أن يعلمنا ما جهلنا و أن يوفقنا للعمل به.
كما أسأله عز و جل أن يوفقنا للعمل و التحلي بهذه الخصال الحميدة المباركة.
كتبه : يوسف صفصاف

06 المحرم 1437

19 أكتوبر 2015


التعديل الأخير تم بواسطة يوسف صفصاف ; 20 Oct 2015 الساعة 07:18 AM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20 Oct 2015, 12:02 AM
أبو العباس منصور كمال أبو العباس منصور كمال غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jun 2015
الدولة: الجزائر
المشاركات: 72
افتراضي

جزاك الله خيرا يا أبا عبد البارئ

قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: ( فليس الشأن أن تحب الله ولكن الشأن أن يحبك الله فالطاعة للمحبوب عنوان محبته كما قيل :
تعصي الإله وأنت تزعم حبه ... هذا محال في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع
[ روضة المحبين :199 ]
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22 Oct 2015, 12:35 PM
أبو صهيب إسماعيل خليلي أبو صهيب إسماعيل خليلي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 363
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي يوسف أسأل الله أن ان ينفعنا بما كتبت
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 22 Oct 2015, 10:22 PM
يوسف صفصاف يوسف صفصاف غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2012
الدولة: اسطاوالي الجزائر العاصمة
المشاركات: 1,199
إرسال رسالة عبر MSN إلى يوسف صفصاف إرسال رسالة عبر Skype إلى يوسف صفصاف
افتراضي

جزاكما الله خيرا أخواي أبا العباس و أبا صهيب.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 23 Oct 2015, 11:22 AM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

جزاك الله خيرًا أخي يوسف على جمعك الطيِّب لموضوع تشعَّبت أطرافُه في نصوص الكتاب والسُّنَّة فجمعتها ورتبتها وقدمتها على أبهى حلَّة، فبارك الله فيما بذلته من جهد؛ ونسأله أن يوفِّقنا للعمل بهذه الأسباب، وأن يرزقنا حبَّه وحبَّ من يحبُّ.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 25 Oct 2015, 07:09 AM
يوسف صفصاف يوسف صفصاف غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2012
الدولة: اسطاوالي الجزائر العاصمة
المشاركات: 1,199
إرسال رسالة عبر MSN إلى يوسف صفصاف إرسال رسالة عبر Skype إلى يوسف صفصاف
افتراضي

بارك الله فيك أخي الحبيب فتحي سررت بمرورك.
27 _ قراءة سورة الإخلاص و حبها :
روى البخاري و مسلم عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال : "سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟"، فسألوه، فقال : لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أخبروه أن الله يحبه".
و للبخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء، وكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح : بقل هو الله أحد حتى يفرغ منها، ثم يقرأ سورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلمه أصحابه، فقالوا : إنك تفتتح بهذه السور، ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بأخرى، فإما تقرأ بها وإما أن تدعها، وتقرأ بأخرى فقال : ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت، وإن كرهتم تركتكم، وكانوا يرون أنه من أفضلهم، وكرهوا أن يؤمهم غيره، فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر، فقال : "يا فلان، ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك، وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة" فقال : إني أحبها، فقال : "حبك إياها أدخلك الجنة".
من فضائلها :
أنها تعدل ثلث القرآن، روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري، أن رجلا سمع رجلا يقرأ : قل هو الله أحد يرددها، فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، وكأن الرجل يتقالها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن".
و لمسلم عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : "أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟ " قالوا : وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال : "قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن".
و له عن أبي هريرة، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "احشدوا، فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن"، فحشد من حشد، ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ : قل هو الله أحد، ثم دخل، فقال بعضنا لبعض : إني أرى هذا خبر جاءه من السماء فذاك الذي أدخله، ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقال : "إني قلت لكم سأقرأ عليكم ثلث القرآن، ألا إنها تعدل ثلث القرآن".
بشر النبي صلى الله عليه و سلم قارئها بالجنة، روى الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أقبلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وجبت" فسألته : ماذا يا رسول الله؟ قال : "الجنة" قال أبو هريرة : فأردت أن أذهب إلى الرجل فأبشره، ثم فرقت أن يفوتني الغداء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآثرت الغداء، ثم ذهبت إلى الرجل فوجدته قد ذهب" صححه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب و الترهيب (1478).
سورة الإخلاص و المعوذتان أفضل ما يتعوذ به، روى النسائي في الصغرى عن عقبة بن عامر الجهني، قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قل" قلت : وما أقول؟ قال : "قل هو الله أحد، قل أعوذ برب الفلق، قل أعوذ برب الناس" فقرأهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال : "لم يتعوذ الناس بمثلهن، أو لا يتعوذ الناس بمثلهن" صححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن النسائي (5446).
و كان النبي صلى الله عليه و سلم يقرأها و المعوذتين في كفه و يمسح بهما إذا آوى إلى فراشه، عن عائشة : "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما فقرأ فيهما : قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات".
و كان النبي صلى الله عليه و سلم يختم بها صلاة ليله و يفتتح بها صلاة صباحه، روى ابن ماجه في السنن عن أبي بن كعب، قال : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد" صححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن ابن ماجه (1182).
روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر : "قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد ".
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 25 Oct 2015, 08:05 PM
إبراهيم بويران إبراهيم بويران غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 313
افتراضي

أحسنت أخي يوسف، جهد موفق، وجمع طيب، جزيت خيرا، أسأل الله لك المزيد من الخير والتوفيق .
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 26 Oct 2015, 11:56 AM
يوسف صفصاف يوسف صفصاف غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2012
الدولة: اسطاوالي الجزائر العاصمة
المشاركات: 1,199
إرسال رسالة عبر MSN إلى يوسف صفصاف إرسال رسالة عبر Skype إلى يوسف صفصاف
افتراضي

بارك الله فيك و جزاك الله خيرا شيخ إبراهيم.
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 27 Oct 2015, 07:55 AM
أسامة العابد أسامة العابد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2014
الدولة: الجزائر
المشاركات: 159
افتراضي شكر

بوركت أخي يوسف جزاك الله خيرا
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 27 Oct 2015, 10:51 AM
يوسف صفصاف يوسف صفصاف غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2012
الدولة: اسطاوالي الجزائر العاصمة
المشاركات: 1,199
إرسال رسالة عبر MSN إلى يوسف صفصاف إرسال رسالة عبر Skype إلى يوسف صفصاف
افتراضي

أحسن الله إليك أخي اسامة.
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 27 Oct 2015, 11:01 AM
أبو البراء
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

أحسن الله أخي يوسف وجزاك خيرًا.
أسأل الله أن يبلِّغنا رضاه ويرزقنا محبَّته.
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 27 Oct 2015, 11:06 AM
يوسف صفصاف يوسف صفصاف غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2012
الدولة: اسطاوالي الجزائر العاصمة
المشاركات: 1,199
إرسال رسالة عبر MSN إلى يوسف صفصاف إرسال رسالة عبر Skype إلى يوسف صفصاف
افتراضي

آمين، بارك الله فيك أيها الشيخ الحبيب.
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 28 Oct 2015, 09:07 AM
أبو أويس بدر عسلمي أبو أويس بدر عسلمي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
الدولة: الجزائر اسطاوالي
المشاركات: 56
افتراضي

بوركت أخي يوسف وجزاك الله خيرا
نسأل الله أن يرزقنا محبته ورضاه
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مميز, تزكية, رقائق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013