منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08 Jan 2010, 06:24 PM
أبو إبراهيم خليل الجزائري أبو إبراهيم خليل الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 379
افتراضي "منهج الدّعوة والإصلاح من قول الله جلّ وعلا { وداعيا إلى الله بإذنه }" للشّيخ حسن آيت علجت الجزائري.

السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته





منهج الدّعوة و الإصلاح

من قول الله جلّ و علا : { و داعيا إلى الله بإذنه }


للشّيخ الفاضل :


حسن آيت علجت الجزائري


- حفظه الله و رعاه -







إنّ الدّعوة إلى الله تعالى طريق الرّسل و أتباعهم ، كما قال الله تعالى : { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة انا و من اتّبعني و
سبحان الله ما أنا من المشركين } ( يونس : 108 ) ، كما أنّها أحسن الأقوال و الأحوال التي يكون عليها المؤمن ، إذ قال سبحانه : { ومن أحسن قولا ممّن دعا إلى الله و عمل صالحا و قال إنّني من المسلمين } ( فصلت : 33 ).ومن الآيات التي تناولت هذا الموضوع ذا الأهميّة البالغة ، قول الله عزّ و جلّ في سورة الأحزاب : { يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا و مبشّرا و نذيرا و داعيا إلى الله بإذنه و سراجا منيرا } ( الأحزاب : 45 – 46 ).

و سنقتصر على جزء من هذه الآية الثّانية و هو قوله تعالى : { و داعيا إلى الله بإذنه } ، هذه الجملة التي تضمنت المنهج الذي ينبغي أن يسلكه الدّاعي ، في دعوته إلى الله تعالى .

فإلى تفسير هذه الجملة :

أوّلا – قوله تعالى : { و داعيا إلى الله } :

لأهل التّفسير ثلاثة أقوال في معناها ، ذكرها الماوردي في تفسيره ( 3 / 383 ) ، و مؤدّاها كلّها واحد و هو إخلاص الدّين لله تعالى :

فالأول : قول ابن عباس رضي الله عنه : " إلى شهادة أن لا إله إلا الله " ، و هي كلمة الإخلاص ، كما جاء في حديث عبد الرحمن بن أبزى رضي الله عنه مرفوعا : " أصبحنا على فطرة الإسلام ، و كلمة الإخلاص ، ودين نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ، وملّة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما و ما كان من المشركين " (1).

و الثّاني : قول ابن عيسى : " إلى طاعة الله " ، و أصلها ما أمر به من إخلاص ، كما قال سبحانه : { و ما أمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدّين حنفاء } ( النساء : 05 ) ، و قال : { قل إنّي أمرت أن أعبد الله مخلصين له الدّين } ( الزمر : 11 ).

و الثّالث : قول النّقاش : " إلى الإسلام " ، و فيه معنى السّلامة التي هي الإخلاص ، قال أهل اللغة (2) : سلم لي الشّيء الفلاني ، أي : خلص لي ، و من ذلك قوله تعالى : { و رجلا سلما لرجل } ( الزمر : 29 ) ، أي عبدا خالصا لسيّده ، و في هذا جاء قول الله تعالى : { ومن أحسن دينا ممّن أسلم وجهه لله } ( النساء : 125 ) أي : أخلص العمل لله وحده لا شريك له ، كما قال ابن كثير في " تفسيره " ( 1 / 385 ).

و هذا الإخلاص ينبغي أن يتحقق من جهتين : من جهة الدّاعي نفسه ، ومن جهة الأمر المدعو إليه.

أما من جهة الدّاعي : فبأن يكون المقصود من دعوته تقريب النّاس إلى ربّهم عز و جل ، ابتغاء وجه الله تعالى ، لا يريد بذلك منهم جزاءا و لا شكورا.

و يخل بهذا الإخلاص أمران : حب الرياسة ، و حب المال ، و قد جمع بينهما رسول الله صلى الله عليه و سلم في حديث كعب بن مالك رضي الله عنه مرفوعا : " ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم ، بأفسد لها ، من حرص المرء على المال و الشرف لدينه " (3) ، و في رواية أبي هريرة : " ما ذئبان ضاريان جائعان باتا في زريبة غنم أغفلها أهلها ، يفترسان و يأكلان ، بأسرع فيها فسادا من حبّ المال و الشّرف في دين المرء المسلم " (4) ، كما جمع الله بينهما في قوله : { ما أغنى عنّي مالية هلك عنّي سلطانيه } ( القلم : 28 – 29 ) ، و ذكر سبحانه مثالين لمن ابتلي بهاتين الفتنتين في سورة القصص :

أما الأوّل : فهو فرعون المفتون بحبّ الرّياسة ، قال الله تعالى : { إنّ فرعون علا في الأرض و جعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبّح أبناءهم و يستحيي نساءهم إنّه كان من المفسدين } ( القصص : 04 ).

أما الثّاني : فهو قارون المفتون بحبّ المال ، قال تعالى : { إنّ قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم و آتيناه من الكنوز ما إنّ مفاتحه لتنوأ بالعصبة أولى القوّة } ( القصص : 76 ).

فالفتنة الأولى : هي حبّ الشّرف و الرّياسة : وهي الشّهوة الخفيّة التي حذّر منها رسول الله صلى الله عليه و سلم كما في حديث عبد الله بن زيد المازني رضي الله عنه مرفوعا : " إنّ أخوف ما أخاف عليكم : الرّياء ، و الشّهوة الخفيّة " (5) ، قال الإمام أبو داود السّجستانيّ فيما رواه عنه الخطيب في تاريخه ( 4 / 115 ) : " الشّهوة الخفيّة : حبّ الرّياسة ".

وتجد المُبتلى بهذا الأمر يدعو إلى نفسه و تعظيمها ، كما نبه على هذا الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب في " كتاب التّوحيد " ، فقال في معرض ذكر مسائل باب : ( الدّعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله ) : " الثّانية : التّنبيه على الإخلاص ، لأنّ كثيرا من النّاس لو دعا إلى الحقّ ، فهو يدعو إلى نفسه ".

و نبّه على هذا أيضا العلاّمة عبد الرّحمن السّعدي في " تفسيره " ( ص 667 ) فقال : إنّ كونه { و داعيا إلى الله } يستلزم إخلاص الدّعوة إلى الله ، لا إلى نفسه و تعظيمها ، كما قد يعرض ذلك لكثير من النّفوس في هذا المقام .

و سبب هذا المرض أمر آخر مهلك و هو : العجب ، كما جاء في الحديث المرويّ عن جماعة من الصّحابة من طرق يشدّ بعضها بعضا أنّ النّبيّ صلى الله عليه و سلم قال :
" ثلاث مهلكات : شحّ مطاع ، و هوى متّبع ، و إعجاب المرء بنفسه " (6).

ومن العلامات الدّالة على وجود هذه الآفة في الدّاعي أمور منها :

كثرة الكلام عن نفسه على وجه المباهاة و التّعاظم لغير حاجة تقتضيه ، و ذلك سواء بذكر فضائله و أفضاله على الدّعوة ، أو بذكر من عرف من الشّيوخ ، و جالس من العلماء ، وما له من التّزكيات و الإجازات.
نعم ! قد يكون ذلك سائغا إذا احتاج المدرّس أو المعلّم إلى ذلك ليطمئنّ الطالب ، و ليوثّق العلم الذي عنده بذكر أصله و مصدره ، أما الإكثار من ذلك و التّباهي به ، فمناف للإخلاص ألبتّة ، و لله درّ الإمام الشّافعي القائل : " وددت أنّ كلّ علم أعلمه ، يتعلّمه النّاس : أؤجر عليه و لا يحمدونني " ، و القائل : " وددت أنّ النّاس تعلّموا هذه الكتب ، و لا ينسب إليّ منها شيء " رواهما عنه ابن عساكر في " تاريخه " ( 51 / 365 ).

ومنها : إرادة كون قوله هو المقبول حقّا كان أو باطلا : و ذلك على طريقة : " عنز و لو طارت !" بخلاف الذي يدعو إلى الله فإنه لا يريد إلاّ أن يقوم دين الله تعالى ، كما أفاده الشّيخ ابن عثيمين في " القول المفيد " ( 1 / 139).

ومنها : طلب عيوب أقرانه و إخوانه ، و الطّعن فيهم بالباطل ، لينفرد بالزّعامة و الرّياسة ، كما ذكر ابن مفلح في " الآداب الشّرعيّة " ( 2 / 341 ) عن أبي بكر الخلاّل أنّه قال : " بلغني أنّ أحمد ( ابن حنبل ) قال لسفيان ( ابن عيينة ) : حبّ الرّياسة أعجب على الرّجل من الذّهب و الفضّة ، ومن أحبّ الرّياسة طلب عيوب النّاس ".

وفي الجملة فإنّ المبتلى بحبّ الرّياسة يطغى عليه قول : أنا ، و نحن ، و عندي ، ولي ، وهذا ممّا حذّر منه الإمام ابن القيّم فقال في " زاد المعاد " ( 2 / 428 ) : " و ليحذر كلّ الحذر من طغيان : " أنا " ، و " لي " ، و " عندي " ، فإنّ هذه الألفاظ الثّلاثة ابتلي بها إبليس ، و فرعون ، و قارون : ف { أنا خير منه } ( ص : 76 ) لإبليس ، و{ لي ملك مصر } ( الزخرف : 52 ) لفرعون ، و { قال إنّما أوتيته على علم عندي } ( القصص : 78 ) لقارون . و أحسن ما وضعت " أنا " في قول العبد : أنا العبد المذنب ، و المخطىء ، المستغفر ، المعترف ، و نحوه ، و " لي " في قوله : لي الذّنب ، و لي الجرم ، و لي المسكنة ، و لي الفقر ، و " عندي " في قوله : " اغفر لي جدّي و هزلي ، و خطئي و عمدي ، و كل ذلك عندي (7) "" اه.

و قد قيل في هذا المعنى شعر :

أربعةٌ مفسدةٌ للعبد **** نحن و لي و أنا و عندي

و لا سبيل إلى التّخلص من هذا المرض العضال إلا بسلوك سبيل الانبياء ، و كبار أولياء الله تعالى من الصّحابة و من سار على هديهم ، و ذلك بالإزراء على النّفس و كبح جماحها.

ومن درر ابن القيّم ما ذكره في معرض الكلام عن تبرئة الله تعالى لأمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها من قول أهل الإفك ، و ذلك في كتابه " جلاء الأفهام " ( 239 – 240 ) فقال : " و تأمّل هذا التّشريف و الإكرام النّاشىء عن فرط تواضعها و استصغارها لنفسها حيث قالت : " و لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلّم الله في بوحي يتلى ، و لكن كنت أرجو أن برى رسول الله رؤيا يبرّئني الله بها " (8). فهذه صدّيقة الأمّة ، و أمّ المؤمنين ، وحبّ رسول الله ، و هي تعلم أنّها بريئة ، مظلومة ، و أن قاذفيها ظالمون لها ، مفترون عليها ، قد بلغ أذاهم إلى أبويها ، و إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و هذا كان احتقارها لنفسها ، و تصغيرها لشأنها ، فما ظنّك بمن صام يوما أو يومين ، أو شهرا أو شهرين ، و قام ليلة أو ليلتين ..." إلى أن قال : " و ينبغي للعبد أن يستعيذ بالله أن يكون عند نفسه عظيما و هو عند الله حقير " اه.

و الفتنة الثّانية هي حبّ المال : و ذلك أن يكون في الدّاعي نوع من طلب الأجر على دعوته ، فإنّ هذا من قبيل أكل الدّنيا بالدّين ، بل الواجب أن تكون له أسوة في رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي لم يسأل على تبليغ رسالة ربّه أجرا ألبتة ، بل أجره على الله ، كما قال الله تعالى : { قل ما أسألكم عليه من أجر و ما أنا من المتكلّفين } ( ص : 86 ) ، و قال : { قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله } ( سبأ : 47 ) ، بل هذا هو ديدن سائر المرسلين ، فقد تكرّر في سورة الشّعراء قوله تعالى حكاية عن جملة منهم : { وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على ربّ العالمين } ( الشعراء : 109 ).

وقد ذكر ابن القيّم علاجا نافعا لهذين الدّائين الدّويّين المهلكين في كتابه " الفوائد " ( ص 149 ) فقال : " لا يجتمع الإخلاص – في القلب – و محبّة المدح و الثّناء ، و الطّمع فيما عند النّاس ، إلّا كما يجتمع الماء و النّار ، و الضّبّ و الحوت ! فإذا حدّثتك نفسك بطلب الإخلاص : فأقبل على الطّمع – أوّلا – فاذبحه بسكّين اليأس ، و أقبل عل المدح و الثّناء فازهد فيهما زهد عشّاق الدّنيا في الآخرة ، فإذا استقام لك ذبح الطّمع ، و الزّهد في الثّناء و المدح : سهل عليك الإخلاص ، فإن قلتَ : و ما الذي يسهل عليّ ذبح الطّمع ، و الزّهد في الثّناء و المدح ؟ قلت : أما ذبح الطّمع ، فيسهله عليك : علمك يقينا أنّه ليس من شيء يطمع فيه إلاّ و بيد الله وحده خزائنه ، ولا يملكها غيره ، و لا يؤتي العبد منها شيئا سواه ، و أمّا الزّهد في الثّناء و المدح ، فيسهله عليك : علمك أنّه ليس أحدٌ ينفع مدحه و يزين ، و يضرّ ذمّه و يشين ، إلا الله وحده ، كما قال ذلك الأعرابيّ للنبيّ صلى الله عليه و سلم : " إنّ مدحي زين ، وذمّي شين " فقال صلى الله عليه و سلم : " ذلك الله عزّ و جلّ ! " ، فازهد في مدح من لا يزينك مدحه ، وفي ذمّ من لا يشينك ذمّه ، وارغب في مدح من كلّ الزّين في مدحه ، و كلّ الشّين في ذمّه ، و لن يقدر على ذلك إلاّ بالصّبر و اليقين ، فمتى فقدت الصّبر و اليقين ، كنت كمن أراد السّفر في البحر في غير مركب ، قال تعالى : { فاصبر إنّ وعد الله حقّ و لا يستخفنّك الذين لا يوقنون } ( الروم : 60 ) ، و قال تعالى : { وجعلنا منهم أئمّة يهدون بأمرنا لمّا صبروا و كانوا بآياتنا يوقنون } ( السجدة : 24 ) " اه.

و أمّا من جهة الأمر المدعو إليه : فإنّ أوّل شيء ، و أعظم شيء يتعيّن على الدّاعي أن يدعو إليه هو : إخلاص الدّين لله ، و إفراده بالعبادة ، و هذا هو توحيد القصد و الطّلب الذي هو توحيد العبادة ، أو توحيد الألوهيّة ، و هذا هو حق الله على العباد كما جاء في حديث معاذ رضي الله عنه في " الصّحيحين " مرفوعا : " حقّ الله على العباد أن يعبدوه و لا يشركوا به شيئا " ، و هو الأمر الذي بعث الله به جميع أنبيائه و رسله ، كما قال عزّ من قائل : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلاّ نوحي إليه أنّه لا إله إلّا أنا فاعبدون } ( الأنبياء : 25) ، و به – أيضا – بدأ الأنبياء دعوة أقوامهم ، كما ذكر الله عنهم في غير ما موضع من كتابه الكريم قولهم : { يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } ( المؤمنون : 23 ) ، و في " الصّحيحين " عن ابن عباس رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم لمّا بعث معاذا إلى اليمن ، قال : " إنّك تأتي قوما من أهل الكتاب ، فليكن أوّل ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ( و في رواية : إلى أن يوحّدوا الله ) ".


ثانيا – قوله تعالى : { بإذنه } : ممّا ينبغي أن يعلم أنّ الإذن في كتاب الله نوعان : كونيّ ، و شرعيّ .

فالإذن الكونيّ : هو بمعنى المشيئة و الخلق ، ومنه قوله تعالى في السّحر : { وما هم بضارّين به من أحد إلاّ بإذن الله }( البقرة : 102) فإنّ ذلك بمشيئة الله و قدرته ، و إلاّ فهو لم يبح السّحر ، و قوله جلّ و علا : { و ما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله }( آل عمران : 166 ) فالذي أصابهم من القتل و الجراح و الهزيمة ، كان بمشيئته ، و إن كان لا يحبّه و لا يرضاه.

و الإذن الشّرعيّ : وهو بمعنى الإباحة و الجواز أو المحبّة و الرّضا ، و من ذلك قوله تعالى : { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله } ( الحشر : 05 ) فإنّ هذا يتضمّن إباحته لذلك ، و قوله : { من ذا الذي يشفع عنده إلاّ بإذنه } ( البقرة : 255 ) و يتضمّن رضاه عن الشّافع و المشفوع له ، و قوله : { وما أرسلنا من رسول إلاّ ليطاع بإذن الله } ( النساء : 64 ) فهو سبحانه يحبّ أن يطاع رسله و يرضى بذلك ، و من ذلك أيضا هذه الآية و هي قوله تعالى : { وداعيا إلى الله بإذنه } (10).

و قد ذكر المفسّرون ثلاثة أقوال لهذه اللّفظة ذكرها الماورديّ في تفسيره ( 3 / 373 ) و مردّها كلّها إلى أمر واحد أيضا وهو : بما شرعه الله تعالى له ، أي : إذنه الشّرعي كما تقدم :

فالأوّل قول ابن عباس رضي الله عنه : " بأمره " ، و هو ما أمره الله به ، و شرعه له.

و الثّاني قول الحسن البصري : " بعلمه " ، و هو ما أنزله الله تعالى عليه من العلم.

الثّالث قول يحيى بن سلام : " بالقرآن " ، و هو أصل العلم الإلهي الذي جاء به الرّسول صلّى الله عليه و سلّم.

فيتقرّر من هذا أنّ الرّسول صلى الله عليه و سلم داع إلى الله ، بإذن الله ، لا من تلقاء نفسه ، بل بما أنزله الله عليه من العلم و الهدى و الكتاب المنير ، خلاف الذين ذمّهم الله تعالى و هم صنفان (11) : صنف ابتدعوا في دين الله ، وهم المذكورون في قوله تعالى : { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدّين ما لم يأذن به الله } ( الشورى : 27 ) ، و الصّنف الثّاني حرّموا ما أحلّ الله ، و هم المذكورون في قوله تعالى : { قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما و حلالا قل آ الله أذن لكم أم على الله تفترون } ( يونس : 59 ) ، ومن هذا استنبط العلماء قاعدة أصوليّة عظيمة و هي : " الأصل في العبادات الحظر ، و الأصل في العادات الإباحة ".

و عليه فإن لفظة : " بإذنه " تضمّنت توجيها للدّاعي بأن يحقّق في دعوته توحيد المتابعة للرّسول صلّى الله عليه و سلّم ، و ذلك من جهتين : من جهة و سائل دعوته ، ومن جهة مقاصدها :

أمّا من جهة الوسائل : فيتعيّن على الدّاعي أن يراعي في وسائل دعوته أن تكون مأذونا بها من الشّارع ، سواءا إذن تنصيص أو بدخولها تحت قاعدة عامّة كالمباح.

و أمّا من جهة المقاصد : فينبغي على الدّاعي أن يحرص على دعوة النّاس إلى اتباع آثار رسول الله صلى الله عليه و سلم باطنا و ظاهرا ، وذلك بنشر ما صحّ من سنّته ، و دعوة النّاس للتّحاكم إليها ، و أن تترك أقوال الرّجال لها ، و على النّهي عمّا يضادّ هذا الأصل و هو : البدع و الأهواء ، و التّحذير منها ، و هو من تمام توحيد متابعة الرّسول صلى الله عليه و سلم ، لأنّه ما ابتدعت بدعة إلاّ رفع مثلها من السّنّة.

فتبيّن حينئذ أنّ قوله تعالى : { و داعيا إلى الله بإذنه } يتضمّن توجيها للدّاعي أن تكون دعوته مؤسّسة على الأمر بشيئين هما : توحيد الإخلاص ، و توحيد المتابعة ، و التّحذير من ضدّيهما و هما : الشّرك ، و البدعة ، و هما الأمران اللّذان قال فيهما العلاّمة ابن أبي العزّ في " شرحه للطّحاويّة " ( 1 / 447 ) : " فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلاّ بهما : توحيد المرسل ، و توحيد متابعة الرّسول ".


و الله تعالى أعلم.






الحواشي :

(1) صحيح : رواه أحمد و غيره . " الصحيحة " ( 2989 ).
(2) أنظر : " لسان العرب " لابن منظور ( باب : سلم و باب : شكس ).
(3) صحيح : رواه الترمذي و ابن حبان . " صحيح الترغيب " ( 1710 ).
(4) صحيح : رواه الطبراني و غيره . " صحيح الترغيب " ( 3251 ).
(5) حسن : رواه الطبراني و أبو نعيم. " الصحيحة " ( 508 ).
(6) حسن : رواه البزار و البيهقي و غيرهما . " الصحيحة " ( 1802 ).
(7) جزء من حديث متفق عليه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(8) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها.
(9) صحيح : انظر " صحيح سنن الترمذي " ( 3267 ).
(10) انظر " فتاوى ابن تيمية " ( 11 / 267 ) و ( 14 / 383 ).
(11) انظر " فتاوى ابن تيمية " ( 15 / 161 ).



انظر مجلة الإصلاح السلفية ( العدد الثاني ) ربيع الأول / ربيع الثاني 1428ه ص ( 34 - 40 ).


التعديل الأخير تم بواسطة أبو نعيم إحسان ; 17 Feb 2010 الساعة 12:12 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15 Feb 2010, 12:37 AM
أبو إبراهيم خليل الجزائري أبو إبراهيم خليل الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 379
افتراضي


السّلام عليكم

يرفع لأهمّيّته بارك الله فيكم
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 15 Feb 2010, 03:22 PM
أبو معاذ محمد مرابط
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

بارك الله في شيخنا الكريم على ما سطرت أنامله
وحفظك الله أخي خليل على النقل الطيب
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 15 Feb 2010, 11:41 PM
أبو إبراهيم خليل الجزائري أبو إبراهيم خليل الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 379
افتراضي


آمين
وفيك بارك الله
و حفظك الله و رعاك أنت كذلك
و الشكر موصول لكم على تثبيت المقال
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 17 Feb 2010, 12:11 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

الله أكبر !

بارك الله فيك على نقلك هذه التحفةَ ، و بارك الله في الشيخ حسن و أحسن إليه كما أحسن إلينا بهذا الموضوع الشيق الذي تناول أهم المشاكل التي تعانيه الدعوة السلفية اليوم من قبل كثير من الأدعياء الذين يحبون المال و الرياسة ، و يدعون إلى تعظيم أنفسهم أكثر من دعوتهم إلى الله ؛ حتى وصف بعضهم نفسه بأنه أرفع بكثير ممن انتقده ! و كأن أمر الانتقاد صار معياره الرفعة لا الدليل !

نسأل الله العافية و السلامة و الثبات على السنة إلى يوم لقائه ، آمين
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 17 Feb 2010, 06:32 PM
سفيان الجزائري سفيان الجزائري غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 436
إرسال رسالة عبر MSN إلى سفيان الجزائري إرسال رسالة عبر Yahoo إلى سفيان الجزائري إرسال رسالة عبر Skype إلى سفيان الجزائري
افتراضي أحسنت أخي خليل

بارك الله في الشَّيخ الفاضل آيت علجت على مقاله الماتع
جزاه الله خيراً
نفع الله به أهل الجزائر
وشكر موصول لأخينا الفاضل خليل على نقله للمقال على وجه المنتدى
جعله الله فيي ميزان حسناته
واصل أخي الكريم ...

اقتباس:
الذي تناول أهم المشاكل التي تعانيه الدعوة السلفية اليوم من قبل كثير من الأدعياء الذين يحبون المال و الرياسة ، و يدعون إلى تعظيم أنفسهم أكثر من دعوتهم إلى الله ؛ حتى وصف بعضهم نفسه بأنه أرفع بكثير ممن انتقده ! و كأن أمر الانتقاد صار معياره الرفعة لا الدليل !
أصلح الله أحوالنا

التعديل الأخير تم بواسطة سفيان الجزائري ; 17 Feb 2010 الساعة 06:36 PM
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 17 Feb 2010, 11:56 PM
أبو إبراهيم خليل الجزائري أبو إبراهيم خليل الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 379
افتراضي


جزاكما الله خيرا
و بارك فيكما
و نفع بكما
أيها الأخوان الفاضلان
حفظكما الله
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, منهج الدعوة, حسن آيت علجت, دعوة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013