26 Jul 2014, 03:00 PM
|
موقوف
|
|
تاريخ التسجيل: Dec 2013
المشاركات: 300
|
|
بعض المسائل والفوائد المتعلقة بزكاة الفطر (الحلقة الثانية )
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فهذة الحلقة الثانية في بيان بعض المسائل والفوائد المتعلقة بزكاة الفطر لعلّ الله أن ينفع بها في هذه الأيام المباركة – أواخر العشر من رمضان-،جعلنا الله وإياكم من عتقائه وممن شملهم عفوه وغفرانه –آمين- فأقول مستعينا بالله تعالى :
هل يجوز إخراج زكاة الفطر مالا بدلا عن الطعام:
ذهب جماهير العلماء من السلف والخلف إلى عدم جواز أو إجزاء إخراج زكاة الفطر بالقيمة وبه قال مالك والشافعيّ وأحمد وابن حزم والشوكاني وابن باز وابن عثيمين والألباني وغيرهم.
لأنه لم يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم أنهم كانوا يخرجونها نقودا ولأن إخراج القيمة خلاف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فقوله صلى الله عليه وسلم :"طعمة للمساكين"، فهذا يدل على الإطعام، ومن أخرجها قيمة لا يصدق عليه أنّه أطعم.
ولأنه مخالف لما كان عليه السلف الصالح فعن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال: كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط.
قال ابن قدامة رحمه الله : وشرط المجزئ من زكاة الفطر أن يكون حباً فلا يجزي القيمة بلا خلافٍ[1].[2]
وقال النووي رحمه الله: ولم يجز عامة الفقهاء إخراج القيمة.[3]
وقال ابن حجر رحمه الله :لو كانت القيمة مقصودة لاختلفت حسب الزمان والمكان، ولكنه تقدير شرعي.[4]
وحاء في "المغني"(2/671): ومن أعطى القيمة لم تجزئه.
قال أبو داود قيل لأحمد وأنا أسمع : أعطى دراهم -يعني في صدقة الفطر- قال : أخاف أن لا يجزئه خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال أبو طالب: قال لي أحمد: لا يعطي قيمته، قيل له : قوم يقولون , عمر بن عبد العزيز كان يأخذ بالقيمة ؟! قال: يدعون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون: قال فلان !!!، قال ابن عمر رضي الله عنهما: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الله تعالى : { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول } [ النساء : 59 ] . وقال: قوم يردّون السنن : قال فلان , قال فلان. وظاهر مذهبه أنه لا يجزئه إخراج القيمة في شيء من الزكوات وبه قال مالك والشافعي...
ولنا قول ابن عمر رضي الله عنهما: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعا من تمر , وصاعا من شعير،فإذا عدل عن ذلك فقد ترك المفروض ... ولأن الزكاة وجبت لدفع حاجة الفقير وشكرا لنعمة المال , والحاجات متنوعة فينبغي أن يتنوع الواجب ليصل إلى الفقير من كل نوع ما تندفع به حاجته ويحصل شكر النعمة بالمواساة من جنس ما أنعم الله عليه به , ولأن مخرج القيمة قد عدل عن المنصوص فلم يجزئه كما لو أخرج الرديء مكان الجيد .اهـ
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :أما إخراجها نقدا فلا يجزىء؛ لأنها فرضت من الطعام، قال ابن عمر رضي الله عنهما:فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، وقال أبو سعيد الخدري:كنا نخرجها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام، وكان طعامنا التمر، والشعير، والزبيب، والأقط». فتبين من هذين الحديثين أنها لا تجزىء إلا من الطعام، وإخراجها طعاما يظهرها ويبينها ويعرفها أهل البيت جميعا، وفي ذلك إظهار لهذه الشعيرة، أما إخراجها نقدا فيجعلها خفية، وقد يحابي الإنسان نفسه إذا أخرجها نقدا فيقلل قيمتها، فاتباع الشرع هو الخير والبركة.
وقد يقول قائل: إن إخراج الطعام لا ينتفع به الفقير.
وجوابه: أن الفقير إذا كان فقيرا حقا لابد أن ينتفع بالطعام.[5]
وسئل رحمه الله ما نصه: يقول كثير من الفقراء الآن إنهم يفضلون زكاة الفطر نقودا بدلا من الطعام؛ لأنه أنفع لهم، فهل يجوز دفع زكاة الفطر نقودا؟
فأجاب بقوله:
الذي نرى أنه لا يجوز أن تدفع زكاة الفطر نقودا بأي حال من الأحوال، بل تدفع طعاما، والفقير إذا شاء باع هذا الطعام وانتفع بثمنه، أما المزكي فلابد أن يدفعها من الطعام، ولا فرق بين أن يكون من الأصناف التي كانت على عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، أو من طعام وجد حديثا، فالأرز في وقتنا الحاضر قد يكون أنفع من البر؛ لأن الأرز لا يحتاج إلى تعب وعناء في طحنه وعجنه وما أشبه ذلك، والمقصود نفع الفقراء، وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: كنا نخرجها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام، وكان طعامنا يومئذ التمر، والشعير، والزبيب، والأقط ، فإذا أخرجها الإنسان من الطعام فينبغي أن يختار الطعام الذي يكون أنفع للفقراء، وهذا يختلف في كل وقت بحسبه.
وأما إخراجها من النقود أو الثياب، أو الفرش، أو الآليات فإن ذلك لا يجزىء، ولا تبرأ به الذمة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد.[6]
وقال رحمه الله :زكاة الفطر لا تصح من النقود، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : كنا نخرجها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام، وكان طعامنا يومئذ التمر والشعير، والزبيب والأقط، فلا يجوز إخراجها إلا مما فرضه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين.
والعبادات لا يجوز تعدي الشرع فيها بمجرد الاستحسان، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم فرضها طعمة للمساكين، فإن الدراهم لا تطعم، فالنقود أي الدراهم تقضى بها الحاجات؛ من مأكول ومشروب وملبوس وغيرها.
ثم إن إخراجها من القيمة يؤدي إلى إخفائها وعدم ظهورها، لأن الإنسان تكون الدراهم في جيبه، فإذا وجد فقيرا أعطاها له فلم تتبين هذه الشعيرة ولم تتضح لأهل البيت، ولأن إخراجها من الدراهم قد يخطىء الإنسان في تقدير قيمتها فيخرجها أقل فلا تبرأ ذمته بذلك، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم فرضها من أصناف متعددة مختلفة القيمة، ولو كانت القيمة معتبرة لفرضها من جنس واحد، أو ما يعادله قيمة من الأجناس الأخرى.[7]
وقال رحمه الله :زكاة الفطر لا تجوز إلا من الطعام، ولا يجوز إخراجها من القيمة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها صاعا من تمر أو صاعا من شعير وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: كنا نخرجها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام.
فلا يحل لأحد أن يخرج زكاة الفطر من الدراهم، أو الملابس، أو الفرش بل الواجب إخراجها مما فرضه الله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، ولا عبرة باستحسان من استحسن ذلك من الناس، لأن الشرع ليس تابعا للآراء، بل هو من لدن حكيم خبير، والله عز وجل أعلم وأحكم، وإذا كانت مفروضة بلسان محمد صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام فلا يجوز أن تتعدى ذلك مهما استحسناه بعقولنا، بل الواجب على الإنسان إذا استحسن شيئا مخالفا للشرع أن يتهم عقله ورأيه.[8]
وقال شيخنا صالح الفوزان حفظه الله : المشروع في زكاة الفطر أن تؤدى على الوجه المشروع الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، بأن يدفع المسلم صاعًا من قوت البلد وتُعطى للفقير في وقتها، أما إخراج القيمة فإنه لا يجزئ في زكاة الفطر؛ لأنه خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وما عمل به صحابته الكرام من إخراج الطعام، ولم يكونوا يخرجون القيمة وهم أعلم منا بما يجوز وما لا يجوز، والعلماء الذين قالوا بإخراج القيمة قالوا ذلك عن اجتهاد، والاجتهاد إذا خالف النص فلا اعتبار به.
قيل للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : قوم يقولون: عمر بن عبد العزيز كان يأخذ القيمة في الفطرة؟ قال: يَدَعون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون: قال فلان، وقد قال ابن عمر: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا....[9]
تنبيه : إذا ألزم ولي الأمر رعيته أن تخرج زكاة الفطر أموالا ،فإنهم يخرجونها نقودا ثم يخرجوها مرة أخرى ما أمر الله به وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم من الطعام.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله مانصه : في بعض البلاد يلزم الناس بإخراج زكاة الفطر دراهم، فما الحكم؟ جزاكم الله عن المسلمين خير الجزاء؟
فأجاب فضيلته بقوله:
الظاهر لي أنه إذا أجبر الإنسان على إخراج زكاة الفطر دراهم فليعطها إياهم ولا يبارز بمعصية ولاة الأمور، لكن فيما بينه وبين الله يخرج ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فيخرج صاعاً من طعام؛ لأن إلزامهم للناس بأن يخرجوا من الدراهم إلزام بما لم يشرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وحينئذ يجب عليك أن تقضي ما تعتقد أنه هو الواجب عليك، فتخرجها من الطعام، واعط ما ألزمت به من الدراهم ولا تبارز ولاة الأمور بالمعصية.[10]
الرد على استدلال من أجاز إعطاء النقود بدل الإطعام في زكاة الفطر :
استدل المجيزون بجملة من الأدلة في جواز إعطاء النقود بدل الإطعام ،منها :
1- عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر وقال أغنوهم في هذا اليوم ، وقالو: الإغناء يتحقق بالقيمة كما يتحقق بالطعام ولأن حاجة الفقير الآن لا تقتصر على الطعام فقط ، بل تتعداه إلى اللباس وسائر الحاجات .
- وأجيب عنه بأجوبة :
أ ـ بأنه حديث ضعيف لم يثبت ، وقد ضعفّه جمعٌ من أهل العلم منهم: النووي وابن حجر وابن حزم والصنعاني والألباني وغيرهم.
ب ـ لو كانت القيمة يجوز إخراجها في زكاة الفطر لذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
ج ـ وعلى فرض ثبوته فإن الإغناء الذي ورد في الحديث مطلق بلا كيفية معينة وجاءت السنة مقيدة له ومبينة كما في حديث أبي سعيد المتقدم :
2- "أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة نصٌ في تحريم دفع القيمة ،والأحاديث الواردة في النص على أصناف معينة من الطعام لا تفيد تحريم ما عداها
وأجيب : بأنها عبادة توقيفية لا يدخلها الاجتهاد.
3- ربما كانت القيمة أفضل؛ إذ كثرة الطعام عند الفقير تحوجه إلى بيعه بدليل أن كثيراً من الفقراء يأخذ الطعام ويبيعه في يومه أو غده بأقل من ثمنه فلا هو الذي انتفع بالطعام ولا هو الذي أخذ قيمة هذا الصّاع بثمن المثل فتبين بذلك أنّ إخراج القيمة أيسر على المكلف، وقد جاء في إعلان وزارة الشؤون الاجتماعية بالمملكة العربية السعودية في جريدة عكاظ (45) تحذيراً بعنوان: (الشؤون الاجتماعية تحذّر من التلاعب في زكاة الفطر) قدمت تحته صورةواحدة من صور هذا التلاعب بهذه الفريضة في العبارة التالية:
قال مصدر مسؤول في الوزارة: إنّ بعض هؤلاء يقومون ببيع زكاة الفطر ويتركون أولادهم بجوارهم ويوهمون المشتري بأنهم فقراء يحتاجون الزكاة فيقوم المشتري بمنحهم ما قام بشرائه، وبعد ذلك يقوم الباعة ببيعها إلى مشتر آخر.
وأضاف: إنّ الوزارة وكافة فروعها في المناطق تشدّد على مثل هذه الحالات والقبض على من يزاول هذه المهنة ونصح جميع المواطنين والمقيمين بوضع الزكاة في محلها الحقيقي والانتباه من هذه الأساليب الجديدة التي تحاول استنزاف الجيوب والإبلاغ عن أية حالة يكون فيها اشتباه) .
- وأجيب: بأنّ التعليل بدفع الحاجة يرفع وجوب الطعام بعينه، مع أنّ الحديث صريح في وجوبها فيه؛ لأن حاجة الفقير تندفع، وهذا التعليل يعود على أصله بالإبطال، من شروط صحة العلة ألا يرجع الوصف المعلل به على الأصل بالإبطال.
4- إنّ القيمة تمكنه من شراء ما يلزمه من الأطعمة والملابس، وسائر الحاجات؛ لأنّ حاجة الفقير الآن لا تقتصر على الطعام فقط ، بل تتعداه إلى اللباس ونحوه .
- وأجُيب: بأنّ زكاة الفطر لم تشرع لذلك ، ومن تأمل الحكمة في إيجاب الفطرة، وجد أنّها لإشباع الفقراء ذاك اليوم، لا كسوتهم، كما أن الأضحية في الأضحى لتغذية الفقير، وإطعامه اللحم، ولذا قال الإمام مالك رحمه الله: "إنما هي زكاة الأبدان"، فهو إغناء مقيّد بيوم العيد ، وليس إغناء مطلق
5- إن إخراج القيمة هو الأيسر بالنظر لعصرنا وخاصة في المناطق الصناعية التي لا يتعامل الناس فيها إلا بالنقود.
- وأجيب : بأن إتباع الأيسر ليس هو بالأصل، ولا بالأمر الواجب، إذا لم تؤيّده الأدلة، وتعضده النصوص، وقد اتفق العلماء على أنه لا اجتهاد مع نص، وأنه لا يجوز الخروج على الحكم الشرعي المقرر إلا لضرورة قوية ولا ضرورة هنا فالطعام ميسر في الأسواق وكما أنّ الواحد منا يشتري الطعام لنفسه يشتريه للفقير كذلك، ولم يكن كل الصحابة ممّن يدخر الطعام، ولا كانوا جميعاً أصحاب زرع، بل كانوا يشترون طعامهم من الأسواق ، فثبت أنهم كانوا يشترون الطعام لإخراج الزكاة منه كذلك، ولم ير النبي مشقة تجوز لهم إخراج القيمة، فينبغي أنْ يسعنا ما وسعهم.
6- ممّا يدل على جواز إخراج القيمة ما ذكره ابن المنذر أنّ الصحابة أجازوا إخراج الصاع من القمح؛ لأنّهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر أو الشعير ولهذا قال معاوية رضي الله عنه: إنّي أرى مُدَّيْن مِن سمراء الشام تعدل صاعاً من التمر وهو ما حكاه التابعي الجليل أبو إسحاق السبيعي عمّن أدركهم من السلف فيقول: أدركتهم وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمةالطعام،ولقد أدرك أبو إسحاق عددامن الصحابة منهم علي بن أبي طالب، والبراء بن عازب، وجابر بن سمرة، وجرير بن عمر، وعدي بن حاتم، والمغيرة بن شعبة، وغيرهم. ولم ينقل عن أحد من الصحابة القول بعدم جواز إخراج القيمة، بل ثبت عن معاذ بن جبل أنه كان يأخذ القيمة من أهل اليمن بدل الحنطة والشعير، وذلك في زكاة الحبوب، ويبعث بذلك إلى النبي في المدينة، لأنه كان يرى أن القيمة أيسر على أهل اليمن من أداء الحبوب وأنفع لفقراء المهاجرين، ولم يرد عن النبي أنه أنكر على معاذ، وفي ذلك دلالة قاطعة على أنّ باب الزكاة باب معقول المعنى، ويدخله النظر والقياس، وليس أمرا تعبديا محضا، ونص الحديث الوارد بإخراج زكاة الفطر.
والجواب : أنّ ما عمل به الصحابة من إخراج نصف صاع من القمح لم يكن اجتهادا منهم ، بل كان فيه نص صريح صحيح، فقد روى أحمد :" أدوا صاعاً من بر أو قمح" وهو في "الصحيحة "للألباني رحمه الله.
7- القياس: إن زكاة الأموال ـ وهي أعظم عبادة مالية في تكاليف الإسلام، يجوز أخذ القيمة فيها فكذلك الفطرة؛ لأنّ مقصودَ الزكاة أن يتخلى المكلَّف عن قدر من ثروتِه .
وأجيب : بأنّه قياس مصادم للنص، فلا عبرة به .
ـ8- الزكاة حق مالي مكتسب، فتجوز فيه القيمة ؛ لأنّ تشريع زكاة الفطر وزكاة الأموال معقول المعنى، ولا يصلح إلحاقها بالسجود الذي هو عبادة توقيفية محضة لا مجال للعقل فيها.
9- النقود كانت نادرة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأجيب :بأن الطعام ليس نادرا اليوم حتى نعدل عنه، فالواجب لزوم السنة، ؛ إذ لو كان جائزاً لبينه ، ولأنّ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز،فإذا كان المنصوص عليه باللسان مأذوناً فيه كان السكوت عنه ممنوعاً، وإن كان العكس فالعكس، وهو معنى قولهم : السكوت في معرض البيان يفيد الحصر، وهي قاعدة وقائية عظيمة والسكوت في مقام البيان يفيد الحصر، وما كان ربك نسياً، وهو صلى الله عليه وسلم أرحم بالفقراء من كل إنسان."[11]
هل زكاة الفطر تخرج عن أهل البيت كلهم :
عن نافع رحمه الله قال: وكان ابن عمر يُعطي عن الصغير والكبير حتى إن كان يُعطي عن بنيّ، أي: أولاد نافع مولاه.[12]
هل يجب إخراجها عن الجنين[13] :
لا يجب إخراج زكاة الفطر على الجنين الذي هو في بطن أمه ، وله حالتان:
الأُولى: قبل أن تُنفخ فيه الروح -أقل من أربعة أشهر-: ففي مثل هذه الحالة لا تُخرج عنه الفطرة؛ لأنّ الروح لا تُنفخ فيه إلا بعد أربعة أشهر كما في حديث ابن مسعود ط قال :حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال:إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع كلمات ويقال له اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح....[14]
الثانية: بعد أن تُنفخ فيه الروح.
قال الإمام أحمد رحمه الله :إن عثمان أخرج عن الجنين ،وسُنة الخلفاء سنة لنا ما لم يرد ما يدفعها من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
قال ابن المنذر رحمه الله : وكان أحمد يحبه ولا يوجبه.[15]
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : زكاة الفطر لا تدفع عن الحمل في البطن على سبيل الوجوب، وإنما تدفع على سبيل الاستحباب.[16]
هل تجب زكاة الفطر على اليتيم :
اختلف أهل العلم في اليتيم الذي له مال هل تجب عليه الفطرة أولا، والصحيح أنها تجب عليه وبه قال مالك، والشافعي، وابن حزم، وأبو حنيفة وغيرهم.
لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : "على الصغير والكبير"،ولأنها عبادة مالية وفيها حق للفقراء.
تنبيه : ومثل اليتيم المجنون، قال ابن حزم رحمه الله : تجب زكاة الفطر في مال المجنون إن كان له مال؛ لأنّه ذكر أو أنثى، حر أوعبد، صغير أو كبير.[17]اهـ
لمن تعطى زكاة الفطر :
مصرف زكاة الفطر منحصرة في الفقراء والمساكين فقط دون غيرهم، وبه قال مالك وابن تيمية وابن القيم وغيرهم ، لحديث ابن عباس المتقدم وفيه: "وطعمة للمساكين".
قال ابن القيم رحمه الله: وكان من هديه تخصيص المساكين بهذه الصدقة، ولم يكن يُقسّمها على الأصناف الثمانية قبضةً قبضةً، ولا أمر بذلك، ولا فعله أحدٌ من أصحابه، ولا من بعدهم، بل أحد القولين عندنا: أنه لا يجوز إخراجها إلا على المساكين خاصة، وهذا القول أرجح من القول بوجوب قسمتها على الأصناف الثمانية.[18]
قال الشوكاني رحمه الله -معلِّقاً على حديث ابن عباس-: وفيه دليل على أن الفطرة تُصرف في المساكين دون غيرهم من مصارف الزكاة.[19]
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ليس لها إلا مصرف واحد وهم الفقراء.[20]
هل يجوز إعطاؤها للأقارب الفقراء :
إذا كان القريب فقيراً، -ولم يكن ممن تجب عليه النفقة-، فهو أحقّ بالفطرة من غيره البعيد لما فيه من الصدقة وصلة الرحم.
عن سلمان بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الصدقة على المساكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنان: صدقة وصلة.[21]
وعن زينب امرأة عبد الله قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء تصدقن ولو من حليّكن قالت وكان عبد الله خفيف ذات اليد فقالت له أيسعني أن أضع صدقتي فيك وفي بني أخ لي يتامى فقال عبد الله سلي عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فإذا على بابه امرأة من الأنصار يقال لها زينب تسأل عما أسأل عنه فخرج إلينا بلال فقلنا له انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسله عن ذلك ولا تخبره من نحن فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من هما قال زينب قال أي الزيانب قال زينب امرأة عبد الله وزينب الأنصارية قال نعم لهما أجران أجر القرابة وأجر الصدقة .[22]
قال ابن عبد البر رحمه الله :والصدقة على الأقارب الفقراء أفضل منها على غيرهم.اهـ[23]
وأما إن كان الأجنبي أحوج فهو أولى بها من القريب ،قال ابن تيمية رحمه الله :القريب الذي يستحقها إذا كانت حاجته قبل حاجة الأجنبيّ، فهو أحق بها منه؛ لأنَّ الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم صدقة وصلة.[24]
هل يجوز نقل الفطرة من بلد إلى آخر:
الأصل في زكاة الفطر أو غيرها من الزكاة المفروضة أن لا تُنقل من بلد إلى بلد آخر؛ وأما إذا استغنى أهل البلد ،أو كان لمصلحة كنقلها إلى أحد أقارب أو أهل البلد الآخر كانوا أحوج بكثير أو نحو ذلك جاز ذلك.
لحديث ضمام بن ثعلة وفيه أنه قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم:.. أُنشدك بالله، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا، فتقسّمها على فقرائنا؟.فقال : اللهم نعم.[25]
سُئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل له قرابة محتاجون في غير بلده الذي فيه، ترى أن يُؤخذ إليهم من زكاة ماله ؟ قال: نعم يُجزئ .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : نقل صدقة الفطر إلى بلاد غير بلاد الرجل الذي أخرجها إن كان لحاجة بأن لم يكن عنده أحد من الفقراء فلا بأس به، وإن كان لغير حاجة بأن وجد في البلد من يتقبلها فإنه لا يجوز.[26]
هل يبعث المغترب بزكاة الفطرة إلى بلده الأصلي :
تعطى زكاة الفطر في البلد الذي وجبت على المكلف فيه ،لأن زكاة الفطر متعلقة بالأبدان وجاز أن يوكّل من يخرج عنه ، والأحوط أن يخرجها في البلد الذي صام فيه ودخل عليه فجر العيد.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ما نصه : إذا كان في سفر وأخرج زكاة الفطر في وقتها في البلد الذي هو فيه قبل أن يصل إلى أولاده فما حكم ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله:
لا بأس بذلك ولو كان بعيداً عن أولاده، لأن زكاة الفطر تدفع في المكان الذي يأتيك الفطر وأنت فيه، ولو كان بعيداً عن بلدك.[27]
تفريق الفطرة على جماعة أو العكس:
جاء في "الروض المربع" (ص:115): ويجوز أن يعطى الجماعة من أهل الزكاة ما يلزم الواحد وعكسه بأن يُعطى لواحد ما على جماعة، والأفضل أنْ لا ينقص معطى عن مدٍ.اهـ
قبول صوم رمضان غير مُتوَقف على إخراج الفطرة :
بعض الناس يعتقد أن شهر رمضان متعلق بين السماء والأرض، ولا يرفع إلى الله إلا بزكاة الفطر ويروون في ذلك حديثا ضعيفا،وهذا ليس عليه أثارة من علم بل هو من التقّول على الله بغير علم ،لأن الحديث المرووي في ذلك لم يثبت.
قال العلامة الألباني رحمه الله : لا أعلم أحداً من أهل العلم قال بهذا ، وأنا أعلم أن بعض المُفتين ينشر هذا الحديث على الناس كلما أتى شهر رمضان، وذلك من التساهل الذي كنا نطمع أن يحذروا الناس منه فضلاً أن يقعوا فيه هم أنفسهم.[28]
هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه : عبد الحميد الهضابي.
10 / 10 / 1435
مكة المكرمة
الحواشي :
[1] ـ قلت : في كلامه نظر،وإلا فالخلاف قائم في هذه المسألة فممن رأى بالجواز تابعون أجلاء وأئمة أعلام منهم :عمر بن عبد العزيز، والثوري، والحسن البصري، وعطاء، أبوحنيفة وأصحابه وهو ظاهر تبويب البخاري في الصحيح حيث قال: ( باب العوض في الزكاة).
قال الحافظ في "الفتح"(3/378): قال ابن رشيد: (وافق البخاري في هذه المسألة الحنفيّة مع كثرة مخالفته لهم، لكن قاده إلى ذلك الدليل - يعني: قصة معاذ)
[2] ـ "المغني" ( 3 /66 )
[3] ـ "شرح صحيح مسلم"(7/59)
[4] ـ انظر:"تتمة أضواء البيان" (1/491).
[5] ـ "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين"(18/265)
[6] ـ (18 /277 ـ 278)
[7] ـ "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/278ـ279)
[8] ـ "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/280)
[9] ـ "المنتقى من فتاوى الفوزان"(س 163)
[10] ـ "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/281 ـ 282)
[11] ـ ما بين المعكوفتين منقول من كتاب "قضاء الوطر ببيان أحكام صدقة الفطر".
[12] ـ أخرجه البخاري (1440)
[13] ـ الجنين : هو الحمل في بطن الأُم، وسُميَ بذلك ؛ لاجتنابه، أي : استتاره، وأصلُ مادة ( الجيم والنون) : الخفاء
[14] ـ أخرجه والبخارى (3036) ، ومسلم (2643)
[15] ـ "الإجماع"(ص:57)
[16] ـ "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18 /263)
[17] ـ "المحلى"(6/431)
[18] ـ "الزاد"(1/151)
[19] ـ "نيل الأوطار"(4/255)
[20] ـ "مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (18/259)
[21] ـ أخرجه البيهقي (7523)،والنسائي (2582)،وفي "الكبرى"(2363)، وابن ماجه(1844)،والترمذي (658) ،والدارمي (1680)،وصححه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه (1844).
[22] ـ أخرجه البخاري (1397)،ومسلم (1000)
[23] ـ "الكافي"(1/193)
[24] ـ "مجموع الفتاوى" (25/69)
[25] ـ أخرجه البخاري (63)
[26] ـ (18 /285)
[27] ـ (18/263)
[28] ـ "الضعيفة"عقب حديث (43)
التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر ; 13 Jun 2018 الساعة 12:15 PM
|