اذا لم يكن الراوي عالما بالألفاظ و مدلولاتها و مقاصدها، خبيرا بما يُحيل معانيها، بصيرا بمقادير التفاوت بينها، لم تجز له الرواية لما سمعه بالمعنى بلا خلاف ، بل يتعين اللفظ الذي سمعه، فإن كان عالما بذلك ، فقد اختلف العلماء في حكم روايته الحديث بالمعنى:
- فقالت طائفة من أصحاب الحديث والفقه والأصول: لا يجوز له الرواية بالمعنى كذلك، بل يتعين اللفظ، واليه ذهب ابن سيرين وثعلب و أبو بكر الرازي من الحنفية ورٌوي عن ابن عمر.
- و جوز بعضهم في غير حديث النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجوز فيه.
- وقال جمهور السلف والخلف من الطوائف: يجوز بالمعنى في جميعه اذا قطع بآداء المعنى، لأن ذلك هو الذي تشهد به أحوال الصحابة والسلف، ويدل عليه روايتهم القصة الواحدة بألفاظ مختلفة.
- قال الحافظ ابن حجر: ومن أقوى حججهم : الاجماع على جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم للعارف به، غاذا جاز الابدال بلغة أخرى، فجوازه باللغة العربية أولى.
- وقيل: إنما يجوز في المفردات دون المركبات.
- وقال الماوردي: ان نسي اللفظ جاز، لأنه تحمل اللفظ والمعنى، وعجز عن أداؤ أحدهما، فليزمه آداء الآخر، لاسيما أن تركه قد يكون كتما للأحكام، فإن لم ينسه، لم يجز أن يورده بعيره، لأن في كلامه صلى الله عليه وسلم من الفصاحة ما ليس في غيره.
- وقيل : عكسه وهو الجواز لمن يحفظ اللفظ ليتمكن من التصرف فيه دون من نسيه.
- وقال القاضي عياض: ينبغي سد باب الرواية بالمعنى لئلا يتسلط من لا يحسن ممن يظن أنه يحسن، كما وقع للرواة قديما وحديثا.
- و الأولى ايراد الحديث بلفظه دون التصرف فيه، ولا شك في اشتراط أن لايكون الحديث مما تٌعبد بلفظه(1) ،وقد صرح به الزركشي.
- وهذا الخلاف انما يجري في غير المصنفات، ولا يجوز تغيير شيئ من مصنف وابداله بلفظ آخر، وان كان بمعناه قطعا،لأن الرواية بالمعنى رخص فيها من رخص لما كان عليهم في ضبط الألفاظ من الحرج، و ذلك غير موجود فيما اشتملت عليه الكتب، ولأنه ان ملك تغيير اللفظ، فليس يملك تغيير تصنيف غيره.
- وينبغي للرواي بالمعنى أن يقول عقيبه: أو كما قال، أو نحوه، أو شبهه، أو ما أشبه هذا من الألفاظ.
وقد كان قوم من الصحابة يفعلون ذلك و هم أعلم الناس بمعاني الكلام، خوفا من الزلل، لمعرفتهم بما في الرواية بالمعنى من الخطر.
- روى الامام أحمد وابن ماجه والحاكم عن ابن مسعود أنه قال يوما: قال رسول الله صلى عليه وسلم، فاغرورقت عيناه وانتفخت أوداجه، ثم قال: أو مثله أو نحوه أو شبيه به(2)
و مثل ذلك في سنن الدارمي عن أبي الدرداء(3)
وفي المسند وابن ماجه عن أنس بن مالك أنه كان اذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ففرغ قال :
أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)(4)
__________________________________________________ ___________________
(1) : كما في حديث البراء في ذكر النوم، حيث قال البراء: )ورسولك الذي أرسلت(، فقال النبي صلى الله غليه وسلم:"لا ونبيك الذي أرسلت" والحديث أخرجه البخاري 97/1،2327/5
(2) :المسند 452/1، وابن ماجه ص 23، والحاكم 111/1
(3) الدارمي 83/1
(4) المسند 205/3، وابن ماجه ص 24