منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 05 May 2008, 06:29 AM
أبو البراء إلياس الباتني أبو البراء إلياس الباتني غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 106
افتراضي نقل لكتاب تخليص العباد من وحشية أبي القتاد للشيخ عبد المالك رمضاني / متجدد

سأحاول - إن شاء الله - نقل الكتاب بأكمله، مجزأً، و ذلك بمشاركة يومية.
يُرجى عدم إضافة ردود؛ لضمان تسلسل عناصر الكتاب.
و من وجد خطأ فليبلغ أحد المشرفين لتصحيحه.
و الله - وحده - الموفق لخير العمل.


--------------------------------------------------------------------------------------------------------

تخليص العباد من وحشية أبي القتاد الداعي إلى قتل النسوان و فَلَذات الأكباد
ردّ على أبي قتادة الفلسطيني في استباحة دماء الأطفال و النساء من المسلمين و غيرهم و بيان أن الإسلام بريء من ذلك



بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله – عز و جل –: {و إذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم و لا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم و أنتم تشهدون}.
و قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم -: "من خرج على أمتي يضرب برها و فاجرها، و لا يتحاشى من مؤمنها، و لا يفي لذي عهد عهده، فليس مني و لست منه" رواه مسلم.

و عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال: {دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة، و الناس مجتمعون عليه، فأتيتهم فجلست إليه، فقال: كنا مع رسول الله – صلى الله عليه و سلم – في سفر، فنزلنا منزلا، فمنا من يصلح خِباءه(1) ، و منا من ينتضل(2) ، و منا من هو في جشره(3) ، إذ نادى منادي رسول الله – صلى الله عليه و سلم -: الصلاة جامعة، فاجتمعنا إلى رسول الله – صلى الله عليه و سلم –، فقال: "إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، و ينذرهم شر ما يعلمه لهم، و إن أمتكم هذه جُعل عافيتها في أولها، و سيصيب آخرها بلاء و أمور تنكرونها، و تجيء فتنة فيرقق بعضها بعضا، و تجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه هذه !! فمن أحب أن يُزحزح عن النار و يُدخل الجنة فلتأته منيته و هو يؤمن بالله و اليوم الآخر، و ليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، و من بايع إماما فأعطاه صفقة يده و ثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر".
فدنوت منه فقلت له: أنشدك الله ! آنت سمعت هذا من رسول الله – صلى الله عليه و سلم –؟ فأهوى إلى أذنيه و قلبه بيديه، و قال: سمعته أذناي و وعاه قلبي... رواه مسلم [1844].

وقال بن مسعود – رضي الله عنه –: (إنها ستكون أمور مشتبهات، فعليكم بالتُّؤدة؛ فإنك أن تكون تابعا في الخير خير من أن تكون رأسا في الشر).

و قال العلامة ناصر الدين الألباني – رحمه الله –: [و اليوم و التاريخ يعيد نفسه كما يقولون، فقد نبتت نابتة من الشباب المسلم، لم يتفقهوا في الدين إلا قليلا، و رأوا أن الحكام لا يحكمون بما أنزل الله إلا قليلا، فرأوا الخروج عليهم دون أن يستشيروا أهل العلم و الفقه و الحكمة منهم، بل ركبوا رؤوسهم، و أثاروا فتنا عمياء، و سفكوا الدماء في مصر، و سوريا، و الجزائر.]

و قال الحافظ بن كثير – رحمه الله –: [و هذا الضرب من الناس من أغرب أشكال بني آدم، فسبحان من نوع خلقه كما أراد !!].

المقدمة

إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، و من يضلل فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله.
أما بعد، فإنني لا أكتب للجزائر و إن كنت لأكتب للجزائر، بعد هذه الجراحات التي طال أمدها، فعسر اندمالها، و لولا غور الجرح لما أجريت فيه قلما؛ لما فيه من تجديد ثياب العار و الشنار، و لكن قوما أرغمتهم محنة الجزائر على طأطأة الرؤوس عند معاينة الهزيمة بعد الجريمة، فمدوا أعناقهم إلى غيرها من البلاد الإسلامية؛ ظنا منهم أنهم قادرون أن يتحاشوا أخطاء من سبقهم ليحققوا ما أخفق فيه أولئك !

و السعيد من وُعظ بغيره و لم يتعظ به الناس، و أنى لهؤلاء ذلك و هم لا يزالون يحسبون السراب ما بقيعة، بعد كدر الصنيعة، و الله يقول: {إن الله لا يصلح عمل المفسدين} [يونس 81] ؟ !

و لقد كان يسعني أن أستروح إلى التحليلات السياسية لدى الأحزاب الإسلامية اليوم، فأرمي بثقل تلك الجرائم على عاتق المخابرات؛ لأبرئ ساحات من باشرها على مرأى منا و مسمع، فأحظى بعدها بتزكية الحركات الإسلامية، التي لا يعنيها أن تصدق و تطهر بواطنها، بقدر ما يعنيها أن تستر كل من عاند السلطان و تُزَيّن ظواهرها، و لكن:
كتبت و قد أيقنت يوم كتابتي [][][][] بأن يدي تفنى و يبقى كتابها
فإن عملتْ خيرا ستجزى بمثله [][][][] و إن عملتْ شرّا عليّ حسابها

و لا يزال الحق يُمتحن بالباطل، و يُبتلى الخير بالشر، كما قال الله – تعالى –: {كذلك يضرب الله الحق و الباطل} [الرعد 17]، و أبطل الباطل قسمان:
أحدهما: الكفر،
وثانيهما: البدعة.

و قد أخبرنا الله – عز و جل – أن الكفر كلما قوي أهله لم يراعوا لأهل الحق قرابة و لا عهدا، فقال: {كيف و إن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاًّ و لا ذمّة يرضونكم بأفواههم و تأبى قلوبهم و أكثرهم فاسقون} [التوبة 8].

وكذلك شأن أهل البدع، فكم امتُحن الإسلام بهم و شُوّهت صورته الجميلة بما حرّفوا من نصوصه، و كم عانى المسلمون منهم، و ذاقوا مرّ كيدهم للسنة و أهلها !

و لو ترك أهل الحق أهل الباطل من الكفار يعربدون لذهبت معالم الإسلام، و لما فرّق الناس بين توحيد و شرك، قال الله – تعالى –: {و لولا دفعُ الله الناسَ بعضهم ببعض لهُدّمت صوامع و بيع و صلوات و مساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا و لينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} [الحج 40].

و لو ترك أهل الحق أهل الباطل من المبتدعة يعربدون لذهبت معالم السنة، و لما فرّق الناس بين عبادة الرسول – صلى الله عليه و سلم – و عبادة معاندِ الرسول – صلى الله عليه و سلم –، قال الله – عز و جل –: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [النور 63].

قال الفضيل بن عياض – رحمه الله –: [كيف بك إذا بقيت إلى زمان شاهدت فيه ناسا لا يفرقون بين الحق و الباطل، و لا بين المؤمن و الكافر، و لا بين الأمين و الخائن، و لا بين الجاهل و العالم، و لا يعرفون معروفا و لا ينكرون منكرا]. رواه بن بطة في 'الإبانة / الإيمان' (24).

أما شبهات الكفر و أهله فقد دحضها الله في كتابه و على لسان رسوله – صلى الله عليه و سلم –، و اقتدى بذاك علماء الإسلام فلم يتركوا لهم حجة إلا فنّدوها، قال الله – تعالى –: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق و لكم الويل مما تصفون} [الأنبياء 18].

و أما شبهات البدعة و أهلها فقد دحضها عصبة رسول الله – صلى الله عليه و سلم –، و ذبوا عن حياض السنة بما حمدهم عليه من طابت أفئدتهم بالسنة، قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم –: "لا تزال طائفة من أمتي قائمةً بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم و لا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله و هم ظاهرون على الناس" متفق عليه من حديث معاوية – رضي الله عنه.
و عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم –: "سيكون في آخر أمتي ناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم و لا آباؤكم، فإياكم و إياهم !" رواه مسلم.

و من هؤلاء الذين تضرر بهم المسلمون اليوم و صاروا محنة على الإسلام: الخوارج، و هم و إن كان تاريخهم قديما، بل هم أقدم من ضل من فرق المسلمين، [فمازال الفكر التكفيري يمضي بقوة في أوساط شباب الأمة، منذ أن اختلقته الخوارج الحرورية، لا يرعوي إلا في فترات بزوغ منهج أهل السنة و تألق عقيدة سلف الأمة، و لا أكون مبالغا في القول: إنه سبب كَثرةٍ كاثرة من البلايا و الرزايا التي مُنيت بها الأمة في ماضي الزمان و حاضره، و ما هذه التفجيرات المدمرة و السيارات المفخخة و الاغتيالات الغاشمة و المذابح الماكرة للمصلين، بل للشيوخ و الأئمة، ما هذا كله و غيره من فواجع أضرمت القلب، و أمرت العيش إلا ثمرة بشعة من ثمرات الفكر التكفيري و عواقبه و لواحقه.

و مما يأخذ بالمرء في شعاب الهموم و أودية الأحزان ما نراه من بعض المنتسبين لمعاقل أهل السنة من تسرب بعض مسائل هذا الفكر إليهم، بل صاروا يؤلفون فيه و يدعون إليه، و يقذفون بالإرجاء و التعطيل و العلمنة من لم يتبدل فكره بفعل العواطف و المتغيرات، و لم يثنه عن أصول أهل السنة الحماسةُ و السياسات] من قلم الدكتور خالد العنبري في كتابه 'هزيمة الفكر التكفيري' (ص 6).

و لا ريب أن هذا الوصف هو الذي نعيشه اليوم، و بين الحين و الآخر تخرج إلينا جماعة من جماعات التكفير، و تدخل في صراع مع حكوماتها، بل و مع شعوبها، ثم يتفرق عنها جماعات، و كلما خرجت أمة لعنت أختها، و بادلتها تُهم التكفير، و ربما أدّى الأمر إلى إعمال الأيدي فيما بينها، و كلها من مشتقات الخوارج !

قال الإمام الشوكاني – رحمه الله – في 'السيل الجرّار' (4 / 584 – 585): [و ها هنا تُسكب العبرات، و يناح على الإسلام و أهله بما جناه التعصب في الدين على غالب المسلمين من الترامي بالكفر، لا لسنة و لا لقرآن، و لا لبيان من الله و لا لبرهان، بل لما غلت به مراجل العصبية في الدين، و تمكن الشيطان الرجيم من تفريق كلمة المسلمين، لقّنهم إلزامات بعضهم لبعض بما هو شبيه الهباء في الهواء، و السراب بقيعة، فيا لله و للمسلمين من هذه الفاقرة التي هي من أعظم فواقر الدين، و الرزية التي ما رُزي بمثلها سبيل المؤمنين... !
و الأدلة الدالة على وجوب صيانة عِرض المسلم و احترامه يدل بفحوى الخطاب على تجنب القدح في دينه بأي قادح، فكيف إخراجه عن الملة الإسلامية إلى الملة الكفرية ؟ ! فإن هذه جناية لا تعدلها جناية، و جرأة لا تماثلها جرأة، و أين هذا المجترئ على تكفير أخيه من قول رسول الله – صلى الله عليه و سلم –: "المسلم أخو المسلم، لا يظلهم و لا يُسلمه"، و قوله – صلى الله عليه و سلم –: "سِباب المسلم فسوق، و قتاله كفر"، و قوله – صلى الله عليه و سلم –: "إن دماءكم و أموالكم و أعراضكم عليكم حرام"].
و صدق – رحمه الله –؛ فهذه الجزائر منذ فشت فيها هذه المقالة، و هي في خراب و اضطراب، بدؤوا بالحكام، ثم تدحرجوا إلى سائر الأنام، متقربين إلى الله بتكفيرهم سرّا و علانية؛ يرجون تجارة لن تبور!

لقد بدأت هذه السلسلة من الفتن عن طريق الخطب السياسية المحرضة، التي سب الحكّام فيها كتسبيح الطرائق الصوفية لا يحصيه العادّ، فإذا نهاهم الناصحون من أهل العلم عن هذا الأسلوب، لم يكن لديهم من الأخلاق ما يمنعهم من اتهامهم بأنهم أذناب سلطان، أو أنهم مجادلون عن الطواغيت !
و الذي مد في أجَل هذا الفكر و بسط سلطانه في ديار أهل السنة هو تهاون الغافلين عن التصدي له، و قد توهّموا – بمكر من متغافلين ! – أن منطق هذا الخطاب لا يتجاوز منطق القواعد من النساء، فإذا بالأمر يمتد إلى تكتيل الناس على أفكار كانت من إفرازات التهييج السياسي، و من لم يجمع قلبه على هذه الأفكار – التي غالبا ما تكون من نتاج بشري – أعملوا فيه معاول الولاء و البراء بفقه حزبي أعمى، فإذا تصدى لهم الناصحون بالنهي عن هذا التحزب رموهم بالعشوائية في العمل الإسلامي، و اتهموهم بتحريم العمل الجماعي تدليسا، و نفّقوا تحزبهم بتسميته (عملا جماعيا) تلبيسا !

ثم امتد الأمر إلى تقديم بيعة، و لو كانت في بلد مسلم عليه أمير مسلم !
فإذا وُوجِهوا بنهي الشريعة عن بيعة تحت بيعة، قالوا: لا يفقهون واقع الطواغيت !

ثم امتد الأمر إلى المطالبة السياسية في البرلمان أو المجالس النيابية، و هنا باب من يلجه لا يخرج منه إلا ضاربا أو مضروبا؛ لأن طبيعة المطالبة تدل على المغالبة !

و عندها يرخص كل شيء في سبيل الوصول إلى السلطان، يرخص الدم و العِرض و المال، بل و الدين؛ لأننا وجدنا أهله مستعدين لبذل ما يُطلب منهم من دين، عِوضا عما يُمَنَّون به من الوصول إلى رتبة السلاطين !

و هنا تنغمر الأمة الضعيفة في بحر من الفتن لا ساحل له، و تهيج النفوس، و تسكُر أشد من سُكر الكؤوس، إنّه سُكر حب السلطان، و يبغي بعضهم على بعض حتى يقتتل ذوو الأرحام...

و تتقطّع الأمة إلى شيع، عددها كما قيل: (إسراف في أطراف)، و شرّها للناس هم أهل التكفير باعتساف، ظاهرهم الغيرة على الدين، و باطنهم الكيد للمسلمين، بزعم ارتدادهم، و من ثَم استحقاقهم السيف !

و لعل القارئ لا يدري أننا نعالج فتنة قوم بدأ مرضهم بحرب كلام، و انتهى إلى استحلال المال الحرام؛ إذ قالوا بحِلّ اختلاس أموال الكفار، بل و بحِلّ دماء المسلمين الأبرار منهم و الفجّار !

و زادوا في الشطط، فدعوا إلى الخروج على السلاطين، حتى انتهى بهم الضلال إلى حمل السلاح في وجوه جميع من لم يلحق بهم من المسلمين، بل غزوا قراهم غزوا جماعيا، لا يرحمون امرأة و لا صغيرا و لا كبيرا فانيا !!

و الأغرب منه هو بروز هذه الجرائم في صورة فتاوى شرعية، تلك هي فتاوى أبي قتادة الفلسطيني !
فمن ذا الذي يُطيق السكوت على ذا ؟ !
و من ذا الذي يرغب في هذا الإسلام؟ !
فتاوى سخيفة، و عبث بالأرواح الضعيفة، فلأقولنّ له قريبا مما قيل:
أَوْسَعْتَنا يا نحسُ سُخفا و عبثْ [][][][][][] لأَنْفِيَنّك كما يُنفى الخبثْ

و قد كنت من أول يوم – قبل هجرتي من الجزائر و قبل أن يحصل هذا – أسمّي هؤلاء بالتسمية الشرعية اللائقة بهم، فأقول: (إنهم خوارج)، فكان المتظاهرون بالاعتدال و معهم طائفة من الجهّال يستعظمون علينا ذلك، و يرونه غلوّا، حتى رأوا من يتقرب إلى الله بدم أبيه و أمّه، و من ذبح من عائلته أربعة عشر نفسا لـ (وجه الله !!) فهَِم الخطاب القديم، و لقد أجاد من قال:
بَذَلتُ لهم نُصحي بمُنعرج اللّوى [][][][][][] فلم يَسْتَبينوا الرشد إلا ضحى الغدِ
و قال البخاري في 'صحيحه' (13 / 47 – الفتح): وقال ابن عيينة عن خلف بن حوشب: كانوا يستحبون أن يتمثلوا بهذه الأبيات عند الفتن، قال امرؤ القيس:
الحـرب أول ما تـكون فـَتـيّـة [][][][][] تسعى بـزينتها لـكـل جهـولِ
حتى إذا اشتعلت و شبّ ضِرامها [][][][][] ولت عجوزا غير ذات حليلِ
شـمـطـاء يـنـكـر لونها و تغيـرت [][][][][] مكـروهـة للـشـم و التقـبـيـلِ

و آخرون لم يفهموا الخطاب إلى الآن، استفظعوا هذه الأمور أن يقوم بمثلها مسلم، فيتكلمون بالظنون، و يتهمون من لا يعرفون، مع أنهم لو ألقوا نظرة خاطفة على تاريخ الخوارج ما تحيروا و لا تخرّصوا، لقد قاتل علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – الخوارج الأُول، و كان معه أبو أيوب الأنصاري – رضي الله عنه – و غيره من الصحابة، قال بن كثير في 'البداية و النهاية' (10 / 588): [قال أبو أيوب: وطعنت رجلا من الخوارج بالرمح فأنفذته من ظهره، و قلت له: أبشر – يا عدو الله – بالنار، فقال: ستعلم أيّنا أولى بها صِلِيا !!)، و انظر 'تاريخ الطبري' (3 / 122).

و أورد ابن سعد في 'الطبقات الكبرى' (3 / 39-40) قصة عبد الرحمن بن ملجم الخارجي الذي قتل عليّا – رضي الله عنه – و ذكر (أن عبد الله بن جعفر قطع يديه و رجليه فلم يجزع و لم يتكلم، فكحّل عينيه بمسمار محمّى فلم يجزع، و جعل يقول: إنك لتكحّل عيني عمِّك بمُلمُول مضٍّ(4)، و جعل يقول: {اقرأ باسم ربك الذي خلق (1) خلق الإنسان من علق}، حتى أتى على آخر السورة كلّها و إن عينيه لتسيلان، ثم أمر به فعولج عن لسانه ليقطعه فجزَع، فقيل له: قطعنا يديك و رجليك و سملنا عينيك – يا عدو الله – فلم تجزع، فلما صرنا إلى لسانك جزعت؟ !
فقال: ما ذاك مني من جزع، إلا أني أكره أن أكون في الدنيا فُوَاقاً لا أذكر الله !).
و الفُواق هنا هو على معنى الزمن الذي بين فتح يدك و قبضها على الضَّرْع، كما في 'القاموس المحيط' للفيروزآبادي مادة فوق، و معناه أن هذا المجرم الذي قتل عليّا – رضي الله عنه – جزع من أن تمر عليه اللحظة القصيرة و لا يذكر فيها الله !

و قد كانوا لا يتورّعون من عدّ أصحاب رسول الله – صلى الله عليه و سلم – المبشرين بالجنة من أئمة الكفر؛ ففي 'فتح الباري' لابن حجر (8 / 426) قال: [و قد روى ابن مَرْدويه من طريق أبي عوْن عن مصعب، قال: نظر رجل من الخوارج إلى سعد (أي ابن أبي وقاص – رضي الله عنه –)، فقال: هذا من أئمة الكفر !! فقال له سعد: كذبت ! أنا قاتلت أئمة الكفر، فقال له آخر: هذا من الأخسرين أعمالا !! فقال له سعد: كذبت ! {أولئك الذين كفروا بآيات ربهم} (الكهف 105) الآية].

و صدق الإمام ابن كثير إذ يقول في 'البداية و النهاية' (10 / 580): [و هذا الضرب من الناس من أغرب أشكال بني آدم، فسبحان من نوّع خلقه كما أراد، و سبق في قدره ذلك، و ما أحسن ما قال بعض السلف في الخوارج: إنهم المذكورون في قوله – تعالى –: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا (103) الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا (104) أولئك الذين كفروا بآيات ربهم و لقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا} (الكهف 103-105) !
و المقصود أن هؤلاء الجهلة الضلال، و الأشقياء في الأقوال و الأفعال، اجتمع رأيهم على الخروج من بين أظهر المسلمين...]

و قد ذكر هذا – رحمه الله – بعد أن ساق بعض الحكايات الغريبة عنه، و لا بأس من سوق شيء منها لينظر القارئ التشابه بين المتقدمين و المتأخرين، و منها ما رواه عبد الملك بن أبي حرّة [أن عليّا لما بعث أبا موسى لإنفاذ الحكومة، اجتمع الخوارج في منزل عبد الله بن وهب الراسبي، فخطبهم خطبة بليغة، زهدهم في هذه الحياة الدنيا،و رغبهم في الآخرة و الجنة، و حثهم على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، ثم قال: فاخرجوا بنا – إخواننا – من هذه القرية الظالم أهلها إلى جانب هذا السواد، إلى بعض كوَر الجبال، أو بعض هذه المدائن منكرين لهذه الحكام الجائرة، ثم قام حرقوس بن زهير، فقال بعد حمد الله و لثناء عليه: إن المتاع بهذه الدنيا قليل، و إن الفراق لها وشيك، فلا تدعونّكم زينتها و بهجتها إلى المقام بها، و لا تلفتنّكم عن طلب الحق و إنكار الظلم؛ فإن الله مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون، فقال سنان بن حمزة الأسدي: يا قوم ! إن الرأي ما رأيتم، و إن الحق ما ذكرتم، فولّوا أمركم رجلا منكم، فإنه لا بد لكم من عماد و سناد، و من راية تحفون بها و ترجعون إليها، فبعثوا إلى زيد بن حصن الطائي و كان من رؤوسهم، فعرضوا عليه الإمارة عليهم فأبى، ثم عرضوها على حرقوص بن زهير فأبى، ثم عرضوها على حمزة بن سنان فأبى، ثم عرضوها على شريح بن أبي أوفى العبسيّ فأبى، ثم عرضوها على على عبد الله بن وهب الراسبيّ فقبلها، أمّا – و الله !– لا أقبلها رغبة في الدنيا و لا أدعها فَرَقًا من الموت.
و اجتمعوا أيضا في بيت زيد بن حصن الطائي السنبسيّ، فخطبهم و حثهم على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و تلا عليهم آيات من القرآن، منها قوله – تعالى –: {يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق و لا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} الآية (سورة ص 26)، و قوله: {و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} (المائدة 44)، و التي بعدها و بعدها {الظالمون} (45)، {الفاسقون} (47)، ثم قال: فأشهد على أهل دعوتنا من أهل قبلتنا أنهم قد اتبعوا الهوى و نبذوا حكم الكتاب، و جاروا في القول و الأعمال، و أن جهادهم حق على المؤمنين، فبكى رجل منهم يُقال له عبد الله بن شجرة السُّلمي، ثم حرّض أولئك على الخروج على الناس، و قال في كلامه: اضربوا وجوههم و جباههم بالسيوف حتى يُطاع الرحمن الرحيم، فإن أنتم ظفرتم و أُطيع الله كما أردتم آتاكم الله ثواب المطيعين له العاملين بأمره، و إن قتلتم فأي شيء أفضل من الصبر و المصير إلى الله و رضوانه و جنته؟ !!].
لا ريب أن هذه القصة تذكّر من عرف الخوارج اليوم كثيرا من نقاط التشابه بينهم و بين أولئك، مع ملاحظة ما أوتوا – من إعانة إبليس لهم – من أساليب خطابية ملهبة لمشاعر من قل صبره على السنة، و من الله وحده العصمة و له المنة.

و قد تصدّيتُ لهذه الكتابة لقلة المتصدين لها على الرغم من اشتداد البلاء بهذه الجماعات، و انتشار سُمّها في جسد الأمة، مع كثرة المنخدعين بها، و كذا المدافعين عنها من خارجها، أو الساكتين عنها: أولئك النافخون في كير الفتنة.
و قد قرأت لبعض الغيورين كتابات دعوية عظيمة، دعموها بفتاوى الأئمة الكبار؛لدحض حجج أولئك الأغرار، فكان لها الأثر الطيب في ذلك، و اشتهر عند الناس رأي أولئك: الألباني و ابن باز و ابن عثيمين – رحمهم الله –، واغتاظ التكفيريّون بها أشد الغيظ، و هم يرون أنه قد اتحدت كلمتها و اشتد عودها، و أشد ما غاظهم فيها أن يجتمع سواد الأمة على الرجوع إلى هؤلاء الجبال الثلاثة و من معهم من أهل العلم، فكادوا لهم، و حركوا غيرهم هنا و هناك، بعد أن كاد يُقطع نسل هذه الجماعة !
و في الوقت الذي يشيّع الناس جنازتها، و يهيلون التراب على جدثها، كتب أقوام من الأحداث كتبا في اتهام المجاهدين لها – من أهل السنة بل من أئمة السنة – بالإرجاء، فذرّت قرنها، و رفعت عقيرتها، و قد رأت أن صار لها مراجع... !
من أجل هذا جرّدت قلمي، و أنا راج من الله أن يكتبني في المجاهدين، كما قال ابن القيّم – رحمه الله – في 'التبيان في أقسام القرآن' (ص 132): [القلم الجامع هو قلم الرد على المبطلين و رفع سنّة المحقين و كشف أباطيل المبطلين، على اختلاف أنواعها و أجناسهاّ، و بيان تناقضهم و تهافتهم، و خروجهم عن الحق، و دخولهم في الباطل، و هذا القلم في الأقلام نظير الملوك في الأنام، و أصحابه أهل الحجة الناصرون لما جاءت به الرسل، المحاربون لأعدائهم، و هم الداعون إلى الله بالحكمة و الموعظة الحسنة، المجادلون لمن خرج عن سبيله بأنواع الجدال، و أصحاب هذا القلم حرب لكل مبطل، و عدو لكل مخالف للرسل، فهم في شأن، و غيرهم من أصحاب الأقلام في شأن].

هذا و لم أتوسع في مراجع الرجل، و إنما اعتمدت في نقل أغلب كلامه على ثلاثة:
الأول: مقالاته التي ينشرها في مجلة الأنصار الصادرة في لندن، و قد أحيلُ أحيانا إلى كتبه 'الجهاد و الاجتهاد' الذي جُمع فيه جلّ أبحاث مجلته هذه.
الثاني: خطبة جمعة له في لندن، في حكم ما قامت جماعة في الجزائر من قتل للنساء و الأطفال، و هي مشهورة متداولة.
الثالث: حوار أجرته معه جريدة 'الحياة'، العدد (13219)، في (ص 6)، بتاريخ: (الثلاثاء 3 صفر 1420 هـ)، و الموافق لـ (18 أيار مايو 1999 م).
و قد صورت جميع الوثائق التي استقيت منها المعلومات بحسب الإمكان، و جعلتها في أماكنها من الكتاب حتى تكون قريبة من عين القارئ، فبلغت أكثر من ثلاثين وثيقة.

و لا بأس من تذكير القارئ الكريم بأنني كتبت في الموضوع ثلاثة كتب:
الأول: 'مدارك النظر في السياسة بين التطبيقات الشرعية و الانفعالات الحماسية'، و قد جعلته خاصا بباب السياسة.
الثاني: 'فتاوى العلماء الأكابر فيما أُهدر من دماء في الجزائر'، و قد جعلته خاصا بباب الدماء، و كلاهما قد طبع و الحمد لله.
و الثالث: هو هذا، و هو في موضوعه تابع لسابقه، ثم لمّا طال الكتاب، جعلته قسمين: قسم هو هذا، جعلته خاصا بالدماء، و قسم خاص بالأعراض و الأموال، سمّيته 'تنبيه النبيه على لصّ بسمت فقيه'.

و أتقدم بالشكر الجزيل لجميع الإخوة الذين أمدوني بمراجع القوم، و أسال الله لهم السداد في القول و العمل، و الثبات على الإسلام و السنة، و أن يلحقنا و إياهم بالصالحين.
و أسأله – تعالى – أن يحقن دماء إخواني، و أن يحشرنا إليه إخوانا على سرر متقابلين، و أن يكتب لي القبول عنده فيما أكتب؛ فإن الله إن رضي عن عبده هانت عليه مساخط غيره، إنه نِعم المولى و نعم النصير.

المدينة في 29 ربيع الأول 1422 هـ.


----------------------------------------------------

(1) أحد بيوتات العرب، يكون من وبر أو صوف، وقيل من شعر أيضا.
(2) من المناضلة: و هي المراماة بالنّشّاب.
(3) هي الدواب التي ترعى و تبيت مكانها.
(4) أسند الحربيّ بعض هذه القصة في 'غريب الحديث' (1 / 331)، و قال في (1 / 337): [هو الميل الذي يُكتحل به]، و في 'لسان العرب' لابن منظور عند مادة مض: (و كحلَه بملمول مضٍّ، أي حار).
رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013