منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 02 Mar 2014, 10:25 PM
عبد الصمد سليمان عبد الصمد سليمان غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2013
المشاركات: 139
افتراضي كيف نوصي من وقع في الذنوب والمعاصي

بسم الله الرحمن الرحيم

كيف نوصي من وقع في الذنوب والمعاصي أو الرسالة النموذجية لنصح من اقترف ذنبا أو قارف معصية

هذه رسالة نموذجية صالحة أن توجه لكل مسلم واقع في معصية الله، مهما كانت معصيته، ومهما كان ذنبه الذي يقترفه، والجرم الذي يقع فيه ويخالف به شريعة ربه، ويكفي الناصح بهذه الرسالة أن يضع - في الخانة التي أعدت لذكر الذنب - المعصيةَ التي وقع فيها المنصوح له، ثم يوجهها إليه، فإن أراد أن يوجه النصيحة أيضا لشخص آخر فيكفيه أن يستبدل الجملة التي كتبت في الرسالة، وذكر فيها نوع الذنب، بجملة أخرى يذكر فيها الذنب المرتكب المناسب، وهكذا تكون هذه الرسالة صالحة لكل من وجهت إليه، وبذلت له.
متن الرسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، خالق الثقلين الإنس والجن، والمكلف لهم بما أنزله عليهم، وأرسل به رسله إليهم، والعالم بهم وبأحوالهم، والمطلع على سرائرهم وخفاياهم، من بيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، عالم لا تخفى عليه خافية، وخبير لا تعزب عنه صغيرة ولو كانت متناهية[1]، قوي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، قدير يتصرف في خلقه كيف يشاء، حاكم يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وحكيم حكمته تبهر عقل المستبصر المستفيد، غفور يغفر لعباده الذنوب التي اقترفوها، وتواب يتوب عليهم ليتوبوا منها بعد أن عملوها، حليم لا يُعَجِّلُ لعباده العقوبة، رحيم ومن رحمته أن فتح لهم أبواب التوبة والأوبة، كريم يرزق عباده ويمن عليهم مع كثرة ذنوبهم ومعاصيهم، عليم علم منازلهم التي يستحقونها، فهيأ لهم في حياتهم ما يبلغهم إيَّاها، ولو كان بابتلائهم وامتحانهم، وإنزال العقوبة العاجلة عليهم، فسبحانه من إله عظيم، ورب كبير جليل، جَلَّت عظمته أن يقدره العبد حق قدره، وعظم جلاله أن يؤدي العبد بعض حقوقه التي افترضها عليه.
فاللهم اغفر لنا، وتب علينا، وانصرنا على أعدائنا من شياطين الإنس والجن بل حتى على أنفسنا التي هي بين جنباتنا، واجبر ضعفنا، واكسر عدونا، وأعنا ولا تعن علينا، وحطنا بعنايتك، ولا تحرمنا ولايتك، ويسر لنا سبل الطاعة، واجعلنا ممن يحقق قول نبيك:"ولكن ساعة وساعة"[2]، وأكثر من إخواننا الذين يحرصون على هدايتنا، ويعنوننا على أمر ديننا، ولا يداهنونا في الدين، فنخسر جميعنا عندك يا رب العالمين، وشد أعضادنا بهم، وقوي عزائمنا بنصائحهم ووصاياهم، واجعلهم معنا في سرائنا وضرائنا، ومنشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وضعفنا وقوتنا، واجعلهم أعوانا لنا على كل خير، وحصونا منيعة لنا عن كل شر.
وبعد:
- قال الله تعالى:" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ"سورة الحجرات من الآية 10.
- عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَالِمًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" رواه البخاري رحمه الله تحت بَاب لَا يَظْلِمُ الْمُسْلِمُ الْمُسْلِمَ وَلَا يُسْلِمُهُ من كتاب المظالم والغصب، ومسلم تحت باب تَحْرِيمِ الظُّلْمِ من كتاب البر والصلة والآداب.
- ورواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا" وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ "بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِم، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ" تحت باب تَحْرِيمِ ظُلْمِ الْمُسْلِمِ وَخَذْلِهِ وَاحْتِقَارِهِ وَدَمِهِ وَعِرْضِهِ وَمَالِهِ من كتاب البر والصلة والآداب.
لقد جعل الله جل وعلا، ونبيه الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم؛ المؤمنين والمسلمين إخوة في الدين، ورتب على هذه الأخوة حقوقا وواجبات، وأحكاما وتشريعات، أوجب عليهم أن يتعاملوا بينهم بها، وأن يجتهدوا في تحقيقها وتطبيقها، وحذرهم من التفريط فيها وتضيعها.
فمن هذه الحقوق التي للمسلم على أخيه المسلم: أن يعتقد أخوته، وأن يحبه، وأن لا يظلمه حقوقه، ولا يخذله إذا احتاج إليه، وأن لا يسلمه إلى أعدائه الذين يتربصون به، وأن لا يبيع على بيعه، ولا يخطب على خطبته، وأن لا يحسده، ولا يباغضه، ولا يدابره، ويجمع هذا كله وغيره مما لم يذكر معه: أن ينصح له، ويمحض ويخلص الوصية له، وكأنه يؤديها إلى ذاته، ويقصد بها نفسه، ولأجل هذا جاء في دين الله الأمر بالنصيحة والترغيب فيها والحث عليها.
1- منزلة النصيحة من الدين:
- والنصيحة كما لا يخفى على من هو مثلك، وفي مثل منزلتك[3]: من أعظم العبادات وأجل الطاعات، فمكانتها عظيمة في الإسلام، ومنزلتها رفيعة المقام، ويكفي في بيان فضلها وعلو منزلتها وعظيم قدرها وشرفها، قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:" الدين النصيحة ثلاثا ...."الحديث[4]، ولذلك ينبغي إسداؤها لمن هو في حاجة إليها، وقبولها ممن أداها وقدمها.
2- حقيقة الناصح وغير الناصح:
وإسداء النصيحة دليل على حسن النية، وسلامة الطوية، كما أن ترك إسدائها لمن هو في حاجة إليها دليل على سوء الطوية:
- قال الإمام ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين ج3 ص 361[5]:
"وقيل مجالسة العارف تدعوك من ست إلى ست:1- من الشك إلى اليقين.2- ومن الرياء إلى الإخلاص.3- ومن الغفلة إلى الذكر.4- ومن الرغبة في الدنيا إلى الرغبة في الآخرة.5- ومن الكبر إلى التواضع.6- ومن سوء الطوية إلى النصيحة".
كما أن الناصح بريء من الغل، وسليم قلبه من الحقد على البعيد والخل:
- قال الإمام ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة ج 1 ص 277[6]:
وقوله:"ومناصحة أئمة المسلمين"؛ هَذَا أَيْضًا مُنَافٍ لِلغِلِّ وَالغِشِّ؛ فإنَّ النَّصيحةَ لا تُجَامِعُ الغِلَّ، إذ هي ضِدُهُ، فمن نَصَحَ الأئِمَّة والأمَّة فقد برئَ من الغِلِّ.
3- التارك للنصيحة مداهن غير أمين:
وقد يقع التارك للنصيحة في المداهنة، وهي خيانة أيّما خيانة:
- قال الإمام ابن القيم في الفوائد ص 80[7]:
.... فجاءتهم دولة أخرى؛ قامت فيها: البدع مقام السنن، والنفس مقام العقل، والهوى مقام الرشد، والضلال مقام الهدى، والمنكر مقام المعروف، والجهل مقام العلم، والرياء مقام الإخلاص، والباطل مقام الحق، والكذب مقام الصدق، والمداهنة مقام النصيحة، والظلم مقام العدل، فصارت الدولة والغلبة لهذه الأمور، وأهلها هم المشار إليهم، وكانت قبل ذلك لأضدادها، وكان أهلها هم المشار إليهم، فإذا رأيت دولة هذه الأمور قد أقبلت، وراياتها قد نصبت، وجيوشها قد ركبت، فبطن الأرض والله خير من ظهرها، وقلل الجبال خير من السهول، ومخالطة الوحش أسلم من مخالطة الناس....".
4- العقل والنصيحة:
وكل عاقل محتاج إلى النصيحة لأنها لقاح عقله، وسبب استنارته وقوته.
- قال الإمام ابن القيم رحمه الله في الفوائد ص 284[8]:
"والنصيحة لقاح العقل فكلما قويت النصيحة قوي العقل واستنار" إهـ المقصود من كلامه رحمه الله.
فالعاقل يفرح بصحبة ناصح يقوي عقله، ويدله على مواطن خطئه، ومكامن ضعفه.
ومما لا شك فيه ولا ريب يعتريه أننا جميعا في حاجة إلى النصيحة لبشريتنا وضعفنا، فلا نسلم من الوقوع فيما يغضب الله عز وجل منا، فنحتاج لمن ينصحنا ويعظنا ويخوفنا، وكذلك نحن في حاجة إليها لعزوب الحق في كثير من الأحيان عنا، فنحتاج لمن يوجهنا ويرشدنا للخير الذي عزب وغاب عنا.
5- بعض شروط قبول النصيحة والانتفاع بها:
ولكن حتى تؤدي النصيحة دورها، وتؤتي ثمارها، لابد أن يكون هنالك استعداد عند السامع لها، بتحقق شروط فيه، وانتفاء موانع عنه:
وأعظم شرط يجب أن يتوفر فيه ليقبل نصيحة من نصح له، أن يفرغ فؤاده من ضدها، لتحل فيه من دون مدافع لها:
- قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد ص 57 [9] تحت:
فائدة[10]: قبول المحل لما يوضع فيه مشروط بتفريغه من ضده
......كما إذا بذلت النصيحة لقلب ملآن من ضدها، لا منفذ لها فيه فإنه لا يقبلها، ولا تلج فيه، لكن تمر مجتازة لا مستوطنة، ولذلك قيل:
نزه فؤادك من سوانا تلقنـا .. فجنابنا حـــل لكـــــــــــــــــــــــــــل منزه
والصبر طلسم لكنز وصالنا ... من حل ذا الطلسم فاز بكنزه
6- ما هو أعظم مانع من قبول النصيحة؟:
ومن أعظم ما يضاد النصيحة ويدفعها، ويجعل السامع لها يأباها ويرفضها: الكبر الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه:" لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ" رواه مسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه[11]، ولذلك ينبغي تخلية القلب منه، وتحليته بضده، وهو التواضع لله وللمؤمنين، ومن تواضع لله رفعه الله كما أخبر النبي الكريم عليه أزكى الصلاة وأفضل التسليم[12].
- قال الإمام ابن القيم رحمه الله في الفوائد ص 211 و 212[13]:
فصل: أصل الأخلاق المذمومة كلها الكبر والمهانة والدناءة، وأصل الأخلاق المحمودة كلها الخشوع وعلو الهمة. فالفخر والبطر والأشر والعجب والحسد والبغي والخيلاء والظلم والقسوة والتجبر والإعراض وإباء قبول النصيحة والاستئثار وطلب العلو وحب الجاه والرئاسة وأن يحمد بما لم يفعل وأمثال ذلك كلها ناشئة من الكبر.....
7- من أعظم دواعي قبول النصيحة:
ومما يعين على قبول النصيحة من قائلها، ويرغب في عدم إبائها وردها، العلم بالعقوبة التي أعدها الله سبحانه للمعرض عن سماعها، أو الرافض لقبولها:
قال الله تعالى:" وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)" سورة الأعراف.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: قال تعالى:"فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ" أي: فلما أبى الفاعلون المنكر قبول النصيحة، "أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا" أي: ارتكبوا المعصية "بِعَذَابٍ بَئِيسٍ" فنص على نجاة الناهين وهلاك الظالمين......

الموضوع:
اعلم رحمني الله وإيّاك، أني لم أكن لأختار مكاتبتك على مشافهتك، إلا لخصوصية الموضوع الذي أريد أن أخوضه معك، ويشهد الله سبحانه وتعالى أني كاره لفتحه، مكره ومرغم عليه، كما في المثل السائر: مرغم أخاك لا بطل.
أما كراهيتي لفتح هذا الموضوع معك، فلأنه ليس من المواضيع التي يفرح بها، ويسر بالكلام عليها، والخوض فيها، للحساسية الشديدة التي تحيط به.
وأما كوني مكره عليه، مرغم على خوض غماره، فلأنه ليس من المواضيع التي يسكت عليها، وتمرر بتجاهلها وغض الطرف عنها، لأن ذلك يعني ترك التعبد لله بالنصيحة، ويعني أنني من أصحاب سوء الطوية الذين يرضون الباطل في إخوانهم، ولا يحاولون تغييره بتحويله عنهم، ويعني أيضا مداهنة الإخوان وأنا لا أريد أن أكون من أولائك المداهنين، وأبني علاقتي مع سائر المسلمين؛ من الموافقين والمخالفين، فضلا عن الإخوة المقربين، على غير التناصح في الدين، بل وطنت نفسي على النصيحة لإخواني، القاصي منهم والداني، عسى الله عز وجل أن يغيّر أحوالنا وأن يصلحنا بإخواننا ويصلح بنا إخواننا، فإن في ذلك الخير الكثير لنا في دنيانا وأخرانا.
أما الموضوع فهو:
اعلم رحمك الله أنه قد بلغني عنك، ووصلني من أخبارك[14]؛ أنك وقعت في " وتسمي المعصية التي بلغك عن أخيك وقوعه فيها".
فمع أن الأمر هالني، وأقلقني وأزعجني[15]، إلا أن السني يعلم أنه لا يوجد بعد الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم، وهذا من عقيدة أهل السنة والجماعة معلوم، ولذلك لا يسعني أن أقول لك يا أخي في الله إلا كما قال لأمنا عائشة رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حيث قال في الحديث المتفق عليه:" أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ".
فأقول أما بعد: فيا أخي في الله إنه قد بلغني عنك[16] ما تقدم فَإِنْ كُنْتَ بَرِيئًا فَسَيُبَرِّئُكَ اللَّهُ وَإِنْ كُنْتَ أَلْمَمْتَ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ.
فإن كنت بريئا فاعلم أن الله سيبرؤك[17]، ويدافع سبحانه وتعالى عنك، وأنه عز وجل لن يخذلك، ولكن مع ذلك أنصحك أن تبتعد عن مواطن الريبة التي طعن بسببها فيك، وتكلم لأجل غشيانها في عرضك، وذلك لأمرين اثنين:
الأول: أن يكون ما نقل عنك هو مجرد زور وبهتان، فيكون ذلك من باب الاحتياط للعرض، ورد كيد كل مغرض.
الثاني: وإن كان الأمر كما قيل ونقل فيكون ذلك من باب اتقاء الوقوع فيما يغضب الرب، فإن من أسباب الوقاية من الشرور والفتن، البعد عنها وترك غشيان ما يدعو إليها ويوقع فيها.
ثم اعلم أن الخبر إن كان صدقا، وما قيل فيك موجود حقا[18]، فلعل الله قد أطلع بعض إخوانك عليه، وأعلمهم به، حتى ينصحوك ويوجهوك، ويعينوك على نفسك وشيطانك قبل أن يستفحل الأمر بك، ويعسر العلاج عليك، وإن الله يبتلي عباده، بما يشاء سبحانه، ليعلم الصادق من الكاذب، والآبي دخول الجنة من الخاطب، فيظهر الذي يجاهد نفسه وهواه، في ذات ربه ومولاه، ممن يميل مع هواه ونفسه، ولو كان في ذلك هلاكه بإغضاب ربه سبحانه.
ولكن أحيانا قد لا يعزم العبد على مجاهدة نفسه، مع تيقنه بوجوب ذلك عليه، إلا إذا وجدت أسبابها ودواعيها[19]، التي تشجعه على خوض غمارها وتحمل مشاقها، ومن هذه الدواعي أن يهتك الله الستر عنه، فيستيقظ المحظوظ من سكر شهوته، التي غطت على لبه وعقله، لأن المسترسل مع شهوته، قلما يتفطن لسوء حاله، فإن أراد الله به خيرا نبهه وأيقظه ولو بما يؤلمه ويحزنه، وهذه من رحمة الله تعالى ورأفته بعبده، ومن أسباب ووسائل تربيته وتأديبه له.
ولهذا فإن العاقل وإن هُتك عنه الستر في الدنيا فأحزنه ذلك وآلمه، إلا أنه ينبغي عليه أن يعتبر ذلك بما هو أعظم منه؛ ففضيحة يعلم بها بعض الناس أخف من فضيحة يعلمها كل الأجناس، وفضيحة يعلمها الأبعدون أخف من فضيحة يطلع عليها المقربون، وفضيحة في الدنيا يعلمها بعض العباد أخف من فضيحة يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، بل فضيحة في الدنيا تكون سببا للتوبة، خير من فضيحة في الآخرة يتبعها ما لا يمكن تصوره من العقوبة.
- ثم اعلم رحمني الله وإيّاك أن المفاسد المترتبة على هذا الذنب كثيرة وخطيرة ينبغي العلم بها، والتفطن لها، ليقوى داعي العقل على داعي الشهوة ومنها:
1- المفسدة الأولى: أن الوقوع في مثل هذا الذنب من أسباب تخلي الله عن عبده، وبغضه له، وإحلاله العقوبة الشديدة به، وأن يكله إلى نفسه، وأن يخلي بينه وبين أعدائه، وأن يُسَوِّدَ وجهه، ويقبح سيرته لقبح سريرته، وأن يحرمه لذة مناجاته، وحلاوة العبادات التي يتعبد بها له، ويحرمه السعادة ويلزمه الشقاوة، ويسلط عليه كل حقير، وينزع هيبته من قلب كل كبير وصغير.
2- المفسدة الثانية: أن يَطَّلِعَ على أمرك، أقرب الناس إليك، كوالديك وإخوتك، وأبناء عمومتك وخؤولتك، ومن يحترمك ويوقرك، ومن يبغضك ويحسدك، فيحزن وقد يمرض المحبون، ويشمت المبغضون الحاسدون[20].
3- المفسدة الثالثة: أن يَطَّلِعَ على هذا من يتخذك قدوة[21]، ويرى فيك أنك من أهل التقوى، فيترك الاستقامة إن كان يتطلع إليها، أو يستمر على المعصية إن كان مبتلا بها.
4- المفسدة الرابعة: أن تصير حجة لأهل المعاصي والذنوب[22]، وعلة يتعلل بها مرضى النفوس والقلوب، فإن المرء إذا كان ذا مكانة وديانة، فيلزمه ما لا يلزم غيره، ويطلب منه ما لا يطلب ممن هو دونه، وذلك أن الناس يقتدون به، ويحتجون بفعله، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر أهله بما ينفعهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم، وينبههم إلى اقتداء الناس بهم وملاحظتهم لهم، فعن ثوبان رضي الله عنه قال:" جاءت بنت هبيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يدها فتخ [ من ذهب ] [ أي خواتيم كبار ] فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يضرب يدها [ بعصية معه يقول لها: أيسرك أن يجعل الله في يدك خواتيم من نار ؟ ] فأتت فاطمة تشكو إليها قال ثوبان: فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على فاطمة وأنا معه وقد أخذت من عنقها سلسلة من ذهب فقالت: هذا أهدى لي أبو حسن (تعني زوجها عليا رضي الله عنه)- وفي يدها السلسلة - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا فاطمة أيسرك أن يقول الناس: فاطمة بنت محمد في يدها سلسلة من نار؟ [ ثم عذمها[23] عذما شديدا ] فخرج ولم يقعد فعمدت فاطمة إلى السلسلة فباعتها فاشترت بها نسمة فأعتقتها فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الحمد لله الذي نجى فاطمة من النار" أخرجه النسائي وغيره وصحح إسناده العلامة الألباني في آداب الزفاف[24] ص 230 و231.
5- المفسدة الخامسة: أن تستمرئ هذه المعصية وتسترسل معها، حتى تصل إلى غيرها مما هو أعظم منها، فإن المعصية تجر إلى غيرها، وتدعو صاحبها إلى اقتراف ما هو أكبر منها، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ" رواه البخاري ومسلم[25].
فالخوف كل الخوف من الاسترسال، حتى يصل المرء إلى ما لا يخطر على بال، من معاص مهلكة، وذنوب موبقة، والله المستعان.
6- المفسدة السادسة: أن يُطْعَنَ في المنهج السلفي بسببك[26]، وينفر منه من أجل ما قد يشاع عنك، فتكون جان على المنهج الذي طالما دعوة الناس إليه، ورغبتهم فيه وحضضتهم عليه، فإن الدعوة بالحال، أبلغ من الدعوة بالمقال، فمن دعا الناس إلى أمر بقاله، وصدهم عنه بحاله، كان كمن قدم للناس الماء أحوج ما هم إليه، فلما أرادوا تناوله للانتفاع به أراقه أرضا فمنعهم منه.
7- المفسدة السابعة: أن يبلغك علم الناس بأمرك، واطلاعهم على ما وقع منك، فيصعب عليك مواجهتهم، ويُعَظِّمُ الشيطان عليك اللقاء بهم، فتعتزل الناس وتترك مخالطتهم، وقد يبلغ بك الأمر إلى اعتزال الجمعة والجماعات، ومجالس الذكر واللقاءات، فيتدرج الشيطان بك حتى يصدك عن ذكر ربك، ولا تستبعدن هذا فإنه مما ذكره العلماء، ونبه إليه الحكماء، وما كتاب تلبيس إبليس منا ببعيد، فإن أردت فعد إليه لتستفيد، والله المستعان وعليه التكلان.
نصائح ووصايا:
1- الوصية الأولى: اعلم رحمني الله وإيّاك أن العبد وإن خذله ربه، فكشف عنه ستره الذي كان يستره به[27]، فإنه سبحانه قادر أن يعيد عليه ستره، وينسي الناس ما كان من سالف أمره، بل لعله يجعل ذلك من أسباب مدحه والثناء عليه، إن هو تاب وأناب، وطلب عفو الملك الوهاب، ومن أقوى الأدلة على ذلك ما وقع لكعب بن مالك ولصاحبيه رضي الله عنهم[28]، فإن الله صير قصتهم عبرة لمن يعتبر، وذكرى لمن يتذكر، فاجتهد في التوبة إلى الله، واستبشر خيرا واحذر القنوط من رحمة الإله.
2- الوصية الثانية: عليك أن تعلم وتتيقن أن العبد ليس له إلا ربه، وأنه لا منجى له منه إلّا إليه، فيجب عليه أن يندم على ما اقترفت يداه، ويتوب بإخلاص وصدق لمولاه، ومما يعين على ذلك الاعتبار بقصص الماضين وسير السلف الصالحين، فإن في قصصهم عبرة، وفي سيرهم ذكرى، ومن ذلك ما رواه أبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء[29] ج 9 ص 328 و329:
عن منصور بن عمار قال: خرجت في ليلة من الليالي وظننت أن النهار قد أضاء، فإذا علي ليل، فقعدت إلى دهليز مشرف فإذا أنا بصوت شاب يدعو ويبكي، وهو يقول: اللهم وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك، ولقد عصيتك إذ عصيتك وما أنا بنكالك جاهل، ولا لعقوبتك متعرض، ولا بنظرك مستخف، ولكن سولت لي نفسي فأعانتني عليها شقوتي، وغرني سترك المرخى علي، فقد عصيتك وخالفتك بجهلي، فمن من عذابك يستنقذني، ومن أيدي زبانيتك من يخلصني، وبحبل من أتصل إذا أنت قطعت حبلك عني، واسوأتاه إذا قيل للمخفين جوزوا وللمثقلين حطوا، فيا ليت شعري مع المثقلين نحط أم مع المخفين نجوز وننجو، كلما طال عمري وكبر سني كثرت ذنوبي وكثرت خطاياي، فيا ويلي كم أتوب وكم أعود ولا أستحي من ربي. قال منصور: فلما سمعت هذا الكلام، وضعت فمي على باب داره، وقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:"قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ" الآية. قال منصور: ثم سمعت للصوت اضطرابا شديدا، وسكن الصوت. فقلت: إن هناك بلية، فعلمت على الباب علامة ومضيت لحاجتي، فلما رجعت من الغد إذا أنا بجنازة منصوبة، وأكفان تصلح، وعجوز تدخل الدار وتخرج باكية، فقلت: يا أمة الله من هذا الميت منك؟ قالت: إليك عني، لا تجدد علي أحزاني. قلت: إني رجل غريب أخبريني؟. قالت: والله لولا أنك غريب ما أخبرتك، هذا ولدي، ومن زل عن كبدي، ومن كنت أظن به سيدعو لي من بعدي، كان ولدي من موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إذا جن عليه قام في محرابه يبكي على ذنوبه، وكان يعمل هذا الخوص فيقسم كسبه أثلاثا، فثلث يطعمني، وثلث للمساكين، وثلث يفطر عليه، فمر علينا البارحة رجل لا جزاه الله خيرا، فقرأ عند ولدي آية فيها ذكر النار، فلم يزل يضطرب ويبكي حتى مات رحمه الله. قال منصور: فهذه صفة الخائفين إذا خافوا السطوة" أهـ.
قلت: فأنى لنا بخوف مثل هذا يحجزنا عن معصية الله، ويقربنا منه، ويدفعنا إلى طاعته وطلب مرضاته، ويجعلنا من أوليائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
3- الوصية الثالثة: اعلم رحمني الله وإيّاك أن هذا الذي ينصحك هو أيضا من أهل المعاصي والذنوب، والآثام والعيوب، ولذلك لا تظنن أني أعتب عليك، أو أرى نفسي أفضل منك، أو أحتقرك وأزدريك، أو أستصغرك لما علمت من أمرك، فإني أيضا مبتلا بنفسي، ولا أحد أعلم مني بعد الله بكبير إفلاسي، إلا أني فضلت عليك بأن ستر الله عيوبي فلم يفضحني، وأنت فضلت علي بأن هيأ لك من ينصحك ويوجهك دوني، فلا تظنن أن الناصح أفضل من المنصوح، ولا المستور أفضل من المفضوح، لأن من كُشف عنه الستر قد يكون أقرب إلى الله ممن ستر، ولذلك هيأ الله له كشف الستر عنه ليتوب إليه، ويرعوي عن غيه، فيبلغ الدرجات التي يريد الله أن يبلغه إيّاها، ويحصِّلُ المنزلة التي يهيئه لها، وكما قال ابن المبارك رحمه الله: قال سفيان: ليس بفقيه من لم يعد البلاء نعمة، والرخاء مصيبة.
4- الوصية الرابعة: في ذكر الأسباب التي تعينك على ترك المعاصي بأكملها وهذه المعصية بعينها وهي:
- مما يعين على ترك المعاصي بأكملها وترك هذه المعصية بعينها: حب الله لعبده، فإن الله إذا أحب عبدا عصمه من الفتن، وأحاطه بعنايته فأنى له أن يفتتن، وقربه إليه، وطرد عنه عدوه حتى لا يتسلط عليه، ووفقه لكل عمل صالح، وسدد قلبه وعقله وما فيه من الجوارح، والدليل على ذلك ما جاء في صحيح الإمام البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ"[30].
ونلاحظ أن هذه المحبة التي تورث هذه الفضائل والخيرات، إنما تنال بكثرة الطاعات والقربات، فليكن جهادك يا أخي في تحصيل هذه المحبة، لتستقيم لك جوارحك فتسلم من الحوبة.
- مما يعين على ترك المعاصي بأكملها وترك هذه المعصية بعينها: الدعاء، فإن الدعاء من أقوى الأسباب وأعظمها، وأنفعها في تحصيل كل خير، والسلامة من كل شر، قال الله تعالى:" وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)"سورة غافر. وقال تعالى:" وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)"سورة البقرة.
فما على الإنسان إلا الحرص على الدعاء والإكثار منه، وبخاصة طلب الثبات على الدين، والسير على سبيل سيد الأنبياء والمرسلين، وطلب العصمة من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وطلب مغفرة جميع الذنوب والآثام، استنانا بسنة النبي عليه الصلاة والسلام، فعَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" رواه البخاري رحمه الله في صحيحه تحت باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ من كتاب الدعوات، ورواه مسلم تحت باب التَّعَوُّذِ مِنْ شَرِّ مَا عُمِلَ وَمِنْ شَرِّ مَا لَمْ يُعْمَلْ من كتاب الذكر والدعاء والتوبة.
واعلم أن الله عز وجل يستجيب دعاء من دعاه، إذا أخلص فيه لله، وأظهر حاجته وفاقته لمولاه، وقدم أسباب الاستجابة التي بينها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وهي معلومة لمن طلبها، وميسرة يمكن الإتيان بها، ومن أسهلها وأعظمها ما جربه وتحقق ثمرته أحد أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وهو جابر بن عبد الله رضي الله عنهما حيث روى الإمام أحمد والبزار وغيرهما عن جابر يعني ابن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم:" دعا في مسجد الفتح ثلاثا يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين فعرف البشر في وجهه" قال جابر: فلم ينزل بي أمر مهم غليظ إلا توخيت تلك الساعة فأدعو فيها فأعرف الإجابة" قلت: حسنه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب رقم 1185 وفي غيره.
قال المناوي رحمه الله في فيض القدير[31] ج 3 ص 541 وهو يعدد المواطن التي يستجاب فيها الدعاء:"... وبين صلاة الظهر والعصر من يوم الأربعاء...".
فاحرص أخي بارك الله فيك على الدعاء في هذه الساعة، وستجد ثمرة ذلك بإذن الله تعالى.
- ومما يعين على ترك المعاصي بأكملها وترك هذه المعصية بعينها: العناية بأمور ثلاثة تعين الإنسان على كثرة الإحسان، وعلى تجنب الذنوب والعصيان، وهي كثرة قراءة القرآن مع التدبر فيه والتفكر في معانيه، والإكثار من الصيام فرضه ونفله، ولزوم الصالحين من عباد الله، وقد جاء ذكر هذه الأمور الثلاثة في حديث واحد رواه البخاري ومسلم رحمهما الله في صحيحيهما عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ"[32].
فدليل الصيام من الأثر قوله:"وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ".
ودليل قراءة القرآن بتدبر قوله:"وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ".
ودليل صحبة الصالحين ولزومهم قوله:"فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ".
والدليل على أن هذه الأمور تعين على كثرة الإحسان، وعلى مجانبة الذنوب والآثام والعصيان قوله:" وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ"، وقوله:"فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ".
- ومما يعين على ترك المعاصي بأكملها وترك هذه المعصية بعينها: معرفة العقوبات الشرعية التي رتبها الله عليها، فإن معرفة عقوبة الذنب، تستوجب من العاقل تركه ولا ريب، قال الإمام ابن القيم رحمه الله وهو يعدد بعض عقوباتها مجملة في كتابه الجواب الكافي[33] ص 98 وما بعدها:
فمما ينبغي أن يعلم أنّ الذنوب والمعاصي تضرُّ ولابدّ، وأنَّ ضررها في القلوب كضرر السموم في الأبدان، على اختلاف درجاتها في الضرر. وهل في الدنيا والآخرة شرٌّ وداءٌ إلاَّ وسببه الذنوب والمعاصي؟
فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟
وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء، وطردَه ولعنَه، ومسخَ ظاهره وباطنه، فجعلت صورتُه أقبح صورة وأشنعها، وباطنُه أقبح من صورته وأشنع، وبدل بالقرب بعدًا، وبالرحمة لعنةً، وبالجمال قبحًا، وبالجنة نارا تلظّى، وبالإيمان كفرا، وبموالاة الولي الحميد أعظمَ عداوةٍ ومشاقّةٍ، وبزجلِ التسبيح والتقديس والتهليل زجلَ الكفر والشرك والكذب والزور والفحشِ، وبلباسِ الإيمان لباسَ الكفر والفسوق والعصيان. فهان على الله غاية الهوان، وسقط من عينه غاية السقوط، وحل عليه غضب الرب تعالى فأهواه، ومقته أكبر المقت فأرداه. فصار قوَّادًا لكل فاسق ومجرم، رضي لنفسه بالقيادة، بعد تلك العبادة والسيادة. فعياذا بك اللهم من مخالفة أمرك وارتكاب نهيك.
وما الذي أغرق أهل الأرض كلَّهم حتى علا الماء فوق رأس الجبال؟.
وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتي على وجه الأرض، كأنهم أعجاز نخل خاوية، ودمَّرت ما مرَّت عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابِّهم حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة؟.
وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحةَ حتى قطَّعت قلوبهم في أجوافهم، وماتوا عن آخرهم؟.
وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكةُ نبيحَ كلابهم، ثم قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها فأهلكم جميعا. ثم أتبعهم حجارة من السماء أمطرها عليهم، فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على أمَّةٍ غيرهم؟. ولإخوانهم أمثالها، وما هي من الظالمين ببعيد!.
وما الذي أرسل على قوم شعيب سحابَ العذاب كالظُّلل، فلما صارَ فوق رؤوسهم أمطر عليهم نارا تلظّى؟.
وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر، ثم نُقلت أرواحُهم إلى جهنّم. فالأجساد للغرق، والأرواح للحرق؟.
وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟.
وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات، ودمَّرها تدميرا؟.
وما الذي أهلك قوم صاحب يس بالصيحة، حتى خمدوا عن آخرهم؟.
وما الذي بعث على بني إسرائيل قومًا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار، وقتلوا الرجال، وسبوا الذريَّة والنساء، وأحرقوا الديار، ونهبوا الأموال. ثم بعثهم عليهم مرة ثانية فاهلكوا ما قدروا عليه، وتبَّروا ما علو تتبيرا؟.
وما الذي سلّطَ عليهم أنواعَ العقوبات، مرَّةً بالقتل والسبي وخراب البلاد، ومَرَّةً بجور الملوك، ومَرَّةً بمسخهم قردةً وخنازير، وآخر ذلك أقسم الرب تبارك وتعالى:" لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ"[34] إلخ.
ومما ذكر في كتابه هذا عقوبات الذنوب مفصلة فينبغي الرجوع إليها، والاستبصار فيها، فإن ذلك مما يعين على ترك المعصية والبعد عنها.
- ومما يعين على ترك المعاصي بأكملها وترك هذه المعصية بعينها: التعبد لله بعبادة أمرنا الله سبحانه أن نتواصى بها، وأن يرغب بعضنا بعضا فيها، لأهميتها وعظيم نفعها، ولأن العبد لا يمكنه في سيره إلى الله أن يستغني عنها، ألا وهي الصبر والتصبر، وقد ألف الإمام ابن القيم رحمه الله - كما لا يخفى عليك إن شاء الله[35] -، كتابا حافلا حول هذه العبادة، وتكلم عليها بكلام ليس عليه زيادة، وهو كتاب:"عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين"، فعد إليه وتدبر فصوله وجمله وكلماته، فقد حوى من الخير الشيء الكثير، ومن الدرر ما بها القلب يستنير. ومما جاء من كلام عليه[36]، لهذا الإمام نفسه، في غير الكتاب الذي تقدمت الإشارة إليه، قال رحمه الله في مدارج السالكين[37] ج2 ص 163:
وهو ثلاثة أنواع : صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على امتحان الله.
فالأولان: صبر على ما يتعلق بالكسب. والثالث: صبر على ما لا كسب للعبد فيه.
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها: أكمل من صبره على إلقاء إخوته له في الجب وبيعه، وتفريقهم بينه وبين أبيه، فإن هذه أمور جرت عليه بغير اختياره، لا كسب له فيها، ليس للعبد فيها حيلة غير الصبر. وأما صبره عن المعصية: فصبر اختيار ورضا ومحاربة للنفس، ولا سيما مع الأسباب التي تقوى معها دواعي الموافقة، فإنه كان شابا وداعية الشباب إليها قوية، وعزبا ليس له ما يعوضه ويرد شهوته، وغريبا والغريب لا يستحي في بلد غربته مما يستحي منه من بين أصحابه ومعارفه وأهله، ومملوكا والمملوك أيضا ليس وازعه كوازع الحر، والمرأة جميلة وذات منصب وهي سيدته، وقد غاب الرقيب وهي الداعية له إلى نفسها والحريصة على ذلك أشد الحرص، ومع ذلك توعدته إن لم يفعل: بالسجن والصغار، ومع هذه الدواعي كلها: صبر اختيارا وإيثارا لما عند الله وأين هذا من صبره في الجب على ما ليس من كسبه.
وقال ابن القيم رحمه الله في الكتاب نفسه وهو ينقل كلام المتقدمين على الصبر وتعاريفهم له ج2 ص 165:
وقف رجل على الشبلي فقال: أي صبر أشد على الصابرين؟ فقال: الصبر في الله. قال السائل: لا. فقال: الصبر لله. فقال: لا. فقال: الصبر مع الله. فقال: لا. قال الشبلي: فإيش هو؟. قال: الصبر عن الله. فصرخ الشبلي صرخة كادت روحه تتلف" إهـ.
قلت: وهذه والله هي الطامة الكبرى أن يصبر الإنسان على بعده عن ربه، وهو لا يمكنه أن يستغني طرفة عين عنه، فكيف يصبر العبد على من الخير كله بيديه، ومصالح العبد لا تتحقق إلا بمشيئته وإرادته، وتقديره وقضائه، وليس للعبد فوز إلا بالقرب منه والدنو من حضرته، ولا حياة ولا سعادة ولا فلاح ولا سرور ولا طمأنينة إلا بالتذلل له والاجتهاد في إرضائه.
- ومن أكبر ما يعين على ترك المعاصي بأكملها وترك هذه المعصية بعينها: تذكر المصير المحتم، والمفاجئ الأعظم، ومنغص الشهوات، وهادم اللذات، ألا وهو الموت الذي ينبغي الإكثار من ذكره، والاستعداد له قبل مجيئه، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أكثروا ذكر هاذم اللذات يعني الموت" رواه ابن ماجة وغيره وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة.
- روى ابن قدامة رحمه الله في كتابه التوابين: عن علي بن الحسين قال: كان لنا جار من المتعبدين قد برز في الاجتهاد، فصلى حتى تورمت قدماه، وبكى حتى مرضت عيناه، فاجتمع إليه أهله وجيرانه فسألوه أن يتزوج، فاشترى جارية وكانت تغني وهو لا يعلم، فبينا هو ذات يوم في محرابه يصلي، رفعت الجارية صوتها بالغناء، فطار لبه فرام ما كان عليه من العبادة فلم يطق، فأقبلت الجارية عليه فقالت: يا مولاي لقد أبليت شبابك، ورفضت لذات الدنيا أيام حياتك، فلو تمتعت بي. فمال إلى قولها، واشتغل باللذات عما كان فيه من التعبد، فبلغ ذلك أخا له كان يوافقه على العبادة، فكتب إليه بسم الله الرحمن الرحيم، من الناصح الشفيق، والطبيب الرفيق، إلى من سلب حلاوة الذكر، والتلذذ بالقرآن، والخشوع والأحزان، بلغني أنك اشتريت جارية بعت بها من الآخرة حظك، فإن كنت بعت الجزيل بالقليل، والقرآن بالقيان، فإني محذرك هادم اللذات، ومنغص الشهوات، وموتم الأولاد، فكأنه قد جاء على غرة فأبكم منك اللسان، وهدم منك الأركان، وقرب منك الأكفان، واحتوشك الأهل والجيران، وأحذرك من الصيحة إذا جثت الأمم لهول ملك جبار، فاحذر يا أخي ما يحل بك من ملك غضبان، ثم طوى الكتاب وأنفذه إليه، فوافاه الكتاب وهو في مجلس سروره، فغص بريقه، وأذهله ذلك فنهض مبادرا من مجلس سروره، وكسر آنيته، وهجر جاريته، وآلى أن لا يطعم الطعام، ولا يتوسد المنام. قال الذي وعظه: فلما مات رأيته في المنام بعد ثلاث، فقلت ما فعل الله بك؟. قال: قدمنا على رب كريم أباحنا الجنة وقال:
الله عوضنــي ذو العرش جارية ... حوراء تسقيني طورا وتهنيني
تقول لي اشرب بما قد كنت تأملني ... وقر عينا مع الولدان والعين
يا من تخلى عن الدنيــا وأزعجه ... عن الخطايا وعيد في الطواسين
- ومما يعين على ترك المعاصي بأكملها وترك هذه المعصية بعينها: قراءة قصص التائبين، والنظر في سير المنيبين، والتبصر فيما ذكر عنهم، والاستبصار في أقوالهم وأعمالهم وأحوالهم، فإن الحكايات كما قال بعض السلف جند من جنود الله، يثبت بها من يشاء من عباده، وأنصحك بقراءة كتاب التوابين للإمام ابن قدامة رحمه الله على ما فيه، وها أنا أنتقي لك منه بعض قصصه، لعلها تحفزك على قراءته، والانتفاع به، وهي:
- روى الإمام ابن قدامة في كتاب التوابين ص 157[38]: عن جعفر الصائغ قال: كان في جيران أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رجل ممن يمارس المعاصي والقاذورات، فجاء يوما إلى مجلس أحمد يسلم عليه، فكأن أحمد لم يرد عليه ردا تاما وانقبض منه، فقال له: يا أبا عبد الله لم تنقبض مني؟ فإني قد انتقلت عما كنت تعهدني برؤيا رأيتها. قال: وأي شيء رأيت؟. قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، كأنه على علو من الأرض، وناس كثير أسفل جلوس. قال: فيقوم رجل رجل منهم إليه، فيقول: ادع لي، فيدعو له حتى لم يبق من القوم غيري. قال: فأردت أن أقوم فاستحيت من قبيح ما كنت عليه. قال لي: يا فلان لم لا تقوم إلي فتسألني أدعو لك؟. قال قلت: يا رسول الله يقطعني الحياء لقبيح ما أنا عليه. فقال: إن كان يقطعك الحياء فقم فسلني أدع لك، فإنك لا تسب أحدا من أصحابي. قال: فقمت فدعا لي فانتبهت وقد بغض الله إلي ما كنت عليه. قال: فقال لنا أبو عبد الله: يا جعفر يا فلان حدثوا بهذا واحفظوه فإنه ينفع.
- وروى رحمه الله في الكتاب نفسه ص 124[39]: عن مالك بن دينار أنه سئل عن سبب توبته، فقال: كنت شرطيا، وكنت منهمكا على شرب الخمر. ثم إنني اشتريت جارية نفيسة؛ ووقعت منّي أحسن موقع، فولدت لي بنتا، فشغفت بها، فلما دبت على الأرض ازدادت في قلبي حبا، وألفتني وألفتها.
قال: فكنت إذا وضعت المسكر بين يَدَيَّ، جاءت إليَّ، وجاذبتني عليه، وهرقته من ثوبي.
فلما تمّ لها سنتان ماتت؛ فأكمدني حزنها.
فلما كانت ليلة النصف من شعبان، وكانت ليلة الجمعة، بتُّ ثَمِلًا من الخمر؛ ولم أصل فيها عشاء الآخرة. فرأيت فيما يرى النائم كأن القيامة قد قامت، ونفخ في الصور، وبعثرت القبور، وحشر الخلائق، وأنا معهم. فسمعت حسًّا من ورائي، فالتفت، فإذا أنا بتنِّينٍ، أعظم ما يكون، أسودَ أزرقَ، قد فتح فاه مسرعًا نحوي.
فمررت بين يديه هاربًا مرعوبًا، فمررت في طريقي بشيخٍ نقيِّ الثوب، طيّب الرائحة؛ فسلمت عليه فردَّ السلام، فقلت: أيّها الشيخ! أجرني من هذا التنِّين أجارك الله. فبكى الشّيخ وقال لي: أنا ضعيف، وهذا أقوى منِّي، وما أقدر عليه، ولكن مُرّ وأسرع، فلعل الله أن يُتِيح لك ما ينجيك منه.
فولَّيْتُ هاربًا على وجهي، فصعدتُ على شَرف من شُرَف القيامة، فأشرفت على طبقات النِّيران، فنظرت إلى هولها، وكدت أهوي فيها من فزع التنين، فصاح بي صائح: ارجع فلست من أهلها، فاطمأننت إلى قوله ورجعت.
ورجع التنِّين في طلبي، فأتيت الشيخ فقلت: يا شيخ، سألتك أن تجيرني من هذا التنِّين فلم تفعل. فبكى الشيخ، وقال: أنا ضعيف ولكن سر إلى هذا الجبل، فإن فيه ودائعَ المسلمين، فإن كان لك فيه وديعة فستنصرك.
قال: فنظرت إلى جبل مستدير من فضّة، وفيه كوًى مخرَّمة، وستور معلقة، على كُلِّ خوخة وكوَّة مصراعان من الذهب الأحمر، مفصَّلة باليواقيت، مكوكبة بالدّر، على كل مصراع ستر من الحرير.
فلما نظرت إلى الجبل، ولَّيتُ إليه هاربًا، والتنِّين من ورائي، حتى إذا قربت منه صاح بعض الملائكة: ارفعوا السُّتور، وافتحوا المصاريع، وأشرفوا، فلعل لهذا البائس فيكم وديعة تجيره من عدوِّه، فإذا الستور قد رُفعت، والمصاريع قد فتحت، فأشرف عليَّ من تلك المخرمات أطفال بوجوه كالأقمار. وقَرُبَ التنِّينُ مني فتحيَّرْتُ في أمري.
فصاح بعض الأطفال: ويحكم أشرفوا كُلّكم فقد قربَ منه عدوُّه.
فأشرفوا فوجًا بعد فوج، وإذا أنا بابنتي التي ماتت قد أشرَفَتْ عليَّ معهم.
فلما رأتني بكت وقالت: أبي والله، ثُمَّ وَثَبَتْ في كَفَّة من نور، كَرَمْيَةِ السَّهْمِ، حَتَى مَثُلَتْ بَيْنَ يَدَيَّ. فمدّت يدها الشِّمال إلى يدي اليمنى، فتعلَّقْتُ بها، ومدَّت يدها اليمنى إلى التنِّينِ فولَّى هاربا.
ثم أجلستني وقعدت في حجري، وضربت بيدها اليمنى إلى لحيتي، وقالت: يا أبتِ :" أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ" سورة الحديد من الآية 16. فبكيت، وقلت: يا بُنَيَّة، وأنتم تعرفون القرآن؟. فقالت: يا أبت! نحن أعرف به منكم.
قلت: فأخبريني عن التنِّين الذي أراد أن يهلكني؟. قالت: ذلك عملك السوء، قوَّيتَه، فأراد أن يغرقك في نار جهنّم.
قلت: فأخبريني عن الشيخ الذي مررت به في طريقي؟. قالت: يا أبتِ! ذلك عملك الصَّالح، أضعفته، حتى لم يكن له طاقة بعملك السوء.
قلت: يَا بُنَيَّة! وما تصنعون في هذا الجبل؟. قالت: نحن أطفال المسلمين، قد أُسكِنَّا فيه إلى أن تقوم الساعة، ننتظركم تقدمون علينا فنشفعَ لكم.
قال مالك: فانتبهتُ فزعًا، وأصبحتُ، فَأَرَقْتُ المسكر، وكَسَّرتُ الآنية، وتُبتُ إلى الله عَزَّ وَجلّ، وهذا كان سبب توبتي.
- وروى في الكتاب نفسه ص 126[40] بسنده: عن علي بن خشرم قال: أخبرني رجل من جيران الفضيل بن عياض، قال: كان الفضيل يقطع الطريق وحده. فخرج ذات ليلة ليقطع الطريق، فإذا هو بقافلة قد انتهت إليه ليلًا، فقال بعضهم لبعض: اعدلوا بنا إلى هذه القرية فإن أمامنا رجلًا يقطع الطريق، يقال له: الفضيل.
قال: فسمع الفُضيل، فأُرعِد، فقال: يا قوم أنا الفضيل، جوزوا، والله لأجتهدَنَّ أن لا أعصي الله أبدًا، فرجع عما كان عليه. ورُوِيَ من طريق أُخْرَى: أنه أضافهم تلك الليلة؛ وقال: أنتم آمنون من الفضيل. وخرج يرتاد لهم علفا، ثمّ رجع فسمع قارئا يقرأ:" أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ" سورة الحديد من الآية 16.
قال: بلى والله قد آن. فكان هذا مبتدأ توبته.
وقال إبراهيم بن الأشعث: سمعت فُضَيلًا ليلة وهو يقرأ سورة محمد صلى الله عليه وسلم، ويبكي ويردد هذه الآية:" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)" سورة محمد. وجعل يقول: وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ، ويردّد ويقول: وتبلوَ أخبارنا، إن بلوتَ أخبارنا فضحتنا، وهتكتَ أستارنا، إن بلوتَ أخبارنا أهلكتنا وعذّبتنا.
وسمعته يقول: تزيّنتَ للناس وتصنّعتَ لهم، وتهيّأت لهم، ولم تزل ترائي حتى عرفوك، فقالوا: رجل صالح، فقضوْا لك الحوائج، ووسَّعوا لك في المجلس، وعظَّموك خيبة لك، ما أسوأ حالك إن كان هذا شأنك.
وسمعته يقول: إن قدرتَ أن لا تُعرف فافعل، وما عليك أن لا تُعرف، وما عليك إن لم يُثنَ عليك، وما عليك أن تكون مذمومًا عند الناس إذا كنت عند الله محمودًا.
وأخيرا:
اعلم رحمني الله وإيّاك ما قصدت إلا نصيحتك ووصيتك، إن كانت هذه الأمور المذكورة عنك حقيقة فيك، ولو لا أن الناقل ثقة لما كتبت لك سوداء على بيضاء[41].
ثم اعلم رحمك الله أن هذه النصيحة كلها مبناها على ما تقدم نقله من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمنا عائشة رضي الله عنها وهو:" أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ".
فهو قال: إن كنت وإن كنت، ولم يقل قد فعلت وقد فعلت، وفرق بين التعبيرين، وفارق بين اللفظين، فاللفظ الأول يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه كلام فبذل النصيحة، والثاني ـ لو كان ـ يعني أنه قد تيقن من كلام بلغه بطرق صحيحة.
فأنا بنيت نصيحتي هذه على الوجه الأول لا ثاني، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم[42].
ثم إني أسأل الله لي ولك السلامة والعافية، من كل مصيبة وبلية، وأن يجعلنا من أهل التقوى والورع، وأن يجنبنا أهل الغرور والخدع، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يفتح علينا أبواب مناجاته، ويرزقنا الشوق إلى لقائه، ولذة النظر إلى وجهه الكريم، وأن يحسن عاقبتنا، وأن لا يؤاخذنا بذنوبنا وسيئات أعمالنا، وأن يجعلنا من أوليائه الصالحين، وعباده المخلِصين المخلَصين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
تنبيه: مما يجدر التنبيه عليه أنه من أراد أن يراسل أخا له بمحتوى هذه النصيحة فعليه أن يحذف كل التعليقات والحواشي الموجودة في الأصل إلا ما كان من تخريج حديث أو شرح كلمة مبهمة فإنه لا بأس بهما لمسيس الحاجة إليهما والله الموفق للصواب ولا حول ولا قوة إلا بالله الملك الوهاب.
وكتب: أبو عبد السلام عبد الصمد سليمان
صبيحة يوم: الأحد 01 جمادى الأول 1435 هـ




.[1]- أي متناهية في الصغر
[2]- جاء في حديث طويل رواه مسلم رحمه الله عن حنظلة الأسيدي رضي الله عنه تحت باب فَضْلِ دَوَامِ الذِّكْرِ وَالْفِكْرِ فِى أُمُورِ الآخِرَةِ وَالْمُرَاقَبَةِ وَجَوَازِ تَرْكِ ذَلِكَ فِى بَعْضِ الأَوْقَاتِ وَالاِشْتِغَالِ بِالدُّنْيَا من كتاب التوبة، والحديث بطوله هو: عَنْ حَنْظَلَةَ الأُسَيِّدِىِّ قَالَ - وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ - لَقِيَنِى أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا تَقُولُ قَالَ قُلْتُ نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْىَ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا. فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَمَا ذَاكَ ». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْىَ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِى وَفِى الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِى طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ». ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.
[3]- هذا الاستهلال إنما يستهل به إذا كانت النصيحة موجهة لمن يظن به طلب العلم ويعلم منه المطالعة لكتب العلماء، فإن لم يكن كذلك أمكنك أن تستهل الموضوع بمثل قولك: مما لا يخفى على علماء الإسلام وفقهائه الكرام أن النصيحة من أعظم العبادات وأجل الطاعات... إلى آخر الكلام الموجود في المتن.
[4]- الحديث رواه الإمام مسلم عليه رحمة الله تحت باب بَيَانِ أَنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ من كتاب الإيمان بلفظ: عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:" الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قُلْنَا لِمَنْ قَالَ « لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ".
[5]- طبعة دار الكتب العلمية بيروت لبنان.
[6]- طبعة دار ابن عفان، تعليق وتخريج علي حسن عبد الحميد هداه الله، راجعه الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله.
[7]- طبعة مكتبة الرشد للنشر والتوزيع الرياض حققه، وعلق عليه، وخرج أحاديثه سليم الهلالي.
[8]- طبعة مكتبة الرشد للنشر والتوزيع الرياض حققه، وعلق عليه، وخرج أحاديثه سليم الهلالي.
[9]- طبعة مكتبة الرشد للنشر والتوزيع الرياض حققه، وعلق عليه، وخرج أحاديثه سليم الهلالي.
[10]- وقد جاءت هذه الفائدة معنونة في النسخة التي حققها سليم الهلالي بـ: فائدة: التخلية قبل التحلية.
[11]- رواه مسلم تحت باب تَحْرِيمِ الْكِبْرِ وَبَيَانِهِ من كتاب الإيمان.
[12]- حديث:" مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ" رواه أبو نعيم في الحلية وحسنه العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة رقم 2328.
[13]- طبعة مكتبة الرشد للنشر والتوزيع الرياض حققه، وعلق عليه، وخرج أحاديثه سليم الهلالي.
[14]- تنبيه: إن كان اطلاعك على المعصية التي وقع فيها المنصوح بلغتك بالخبر، لابد من أن يكون المخبر بها، والمنبئ عنها؛ ثقة عدلا، وإن كُنتَ قد باشرت رؤيتها، والاطلاع عليها، فتُغَيِّرُ من الجملة هذه فتقول مثلا: اعلم رحمك الله أنني قد رأيت فيك، أو تقول: سمعت منك، أو تقول: شاهدتك ،أو تقول: سمعتك، وتذكر المعصية التي علمتها في أخيك وتريد أن تنصح له بتركها والتنزه عنها.
[15]- هذا هو المفترض من السني إذا بلغه ما وقع من إخوانه مما يغضب ربهم عليهم ويهلكهم في آخرتهم أنه ينزعج لذلك ويتأثر.
[16] - هذه في حالة ما إذا كانت المعصية قد بلغتك ممن اطلع عليها ولم تكن أنت المطلع عليها مباشرة. فإن علمت بها أنت مباشرة دون أن يطلعك عليها غيرك أمكنك أن تغير هنا فتقول مثلا: فأقول أما بعد: فيا أخي في الله إنني قد اطلعت منك على ما تقدم فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ".
[17] - فإن علمت بها أنت مباشرة دون أن يطلعك عليها غيرك أمكنك أن تغير هنا فتقول مثلا: ولأجل هذا أنصحك أن تبتعد عن مواطن الريبة التي طعن بسببها فيك، وتكلم لأجل غشيانك لها في عرضك، وذلك من باب اتقاء الوقوع فيما يغضب الرب، فإن من أسباب الوقاية من الشرور والفتن، البعد عنها وترك غشيان ما يدعوا إليها ويوقع فيها.
[18]- فإن علمت بها أنت مباشرة دون أن يطلعك عليها غيرك أمكنك أن تغير هنا فتقول مثلا: ثم اعلم أن الله لعله سبحانه قد أطلعني على معصيتك، وأعلمني بها، حتى أنصحك وأوجهك، وأعينك على نفسك وشيطانك قبل أن يستفحل الأمر بك، ويعسر العلاج عليك... إلخ الكلام الموجود في المتن.
[19]- أي: وجدت أسباب المجاهدة ودواعيها.
[20]- هذا إذا كانت المعصية مما يؤثر على السمعة عند الناس، وإلا فكثير من المعاصي اليوم أصبحت من الأمور المألوفة التي لا يستنكرها أحد من الناس والله المستعان.
[21]- هذه المفسدة تذكر لمن كان يتوقع منه أن يقتدي به غيره كأهل الاستقامة من السنيين، وكمن له أبناء من سائر المسلمين، وكالأساتذة في مدارسهم، والأئمة في مساجدهم وغيرهم كثير وعلى من تقدم فقس.
[22]- هذه المفسدة تذكر لمن كان له مكانة وديانة كالمتدينين والمستقيمين ومن عرف بطلب العلم والدعوة إلى الله ممن يحتج الناس بأفعالهم وأقوالهم على ما يفعلونه من المنكرات ويقترفونه من السيئات نسأل الله السلامة والعافية.
[23] - أي : لامها وعنفها والعذم : الأخذ باللسان واللوم كذا في " اللسان ".
[24]- طبعة المكتبة الإسلامية عمان الأردن.
[25]- رواه البخاري رحمه الله تحت باب زِنَا الْجَوَارِحِ دُونَ الْفَرْجِ من كتاب الاستئذان، ورواه مسلم رحمه الله تحت باب قُدِّرَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظُّهُ مِنَ الزِّنَى وَغَيْرِهِ من كتاب القدر.
[26]- هذه المفسدة تذكر لأهل الاستقامة خاصة ممن عرفوا بسلوك طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباع سبيل الصحابة رضوان الله عليهم والدعوة إلى هذا المنهج العظيم، واعلموا رحمكم الله أنني إنما ذكرتها لما تقرر في دين الله وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل:" كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطّائِينَ التَوَّابُونَ" رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما وحسنه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب وغيره، فكل آدمي يخطئ ولو كان من السنيين السلفيين على عكس ما يعتقد عموم الناس من أن المستقيم لا يذنب ولذلك يستعظمون الذنب منه ما لا يستعظمونه من غيره.
[27]- وهذه الوصية تنفع إن شاء الله من كشف الله عنه ستره وفضحه أمام خلقه، ولاشك أنه ما بلغك أمر أخيك إلا وقد كشف عنه السر لكن كشف الستر مراتب ودرجات كما لا يخفى.
[28]- قصة كعب بن مالك رضي الله عنه صحيحة اتفق على تخريجها وروايتها البخاري ومسلم رحمهما الله؛ رواها البخاري رحمه الله تحت باب حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا } من كتاب المغازي، ورواها مسلم رحمه الله تحت باب حَدِيثِ تَوْبَةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْه من كتاب التوبة.
[29]- طبعة دار الكتب العلمية بيروت لبنان.
[30]- رواه البخاري رحمه الله تحت باب التواضع من كتاب الرقاق.
[31]- طبعة دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت لبنان الطبعة الثانية.
[32]- رواه البخاري رحمه الله في كتاب بدء الوحي الحديث السادس، ورواه مسلم رحمه الله تحت باب كَانَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ من كتاب الفضائل.
[33]- طبعة دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع تحقيق :محمد أجمل الإصلاحي، وخرج أحاديثه: زائد بن أحمد النشيري، إشراف: بكر بن عبد الله أبو زيد.
[34]- سورة الأعراف من الآية 167.
[35]- هذه الجملة الاعتراضية تكتب إن كانت النصيحة موجهة لمن يظن به طلب العلم ويعلم منه المطالعة لكتب العلماء.
[36]- أي الصبر.
[37]- طبعة دار الكتب العلمية بيروت لبنان
[38]- طبعة دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع بيروت لبنان الطبعة الأولى.
[39]- طبعة دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع بيروت لبنان الطبعة الأولى.
[40]- طبعة دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع بيروت لبنان الطبعة الأولى.
[41]- هذه إذا كان الذنب المرتكب قد بلغك بنقل غيرك لك وإن كانت الأخرى أي أنك اطلعت على ذلك بنفسك فتلغى هذه الجملة بأكملها.
[42]- هذه إذا كان الذنب المرتكب قد بلغك بنقل غيرك لك وإن كانت الأخرى أي أنك اطلعت على ذلك بنفسك فتلغى هذه الجملة بأكملها.


التعديل الأخير تم بواسطة عبد الصمد سليمان ; 02 Mar 2014 الساعة 11:15 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02 Mar 2014, 10:41 PM
أبو أمامة حمليلي الجزائري أبو أمامة حمليلي الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jun 2011
الدولة: مدينة أبي العباس غرب الجزائر
المشاركات: 409
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو أمامة حمليلي الجزائري إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو أمامة حمليلي الجزائري
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الصمد سليمان مشاهدة المشاركة

وكتب: أبو عبد السلام عبد الصمد سليمان
صبيحة يوم: الأحد 01 جمادى الأول 1434 هـ


.
بارك الله فيكم اخي الفاضل عبد الصمد ، وصايا ماتعة .
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 03 Mar 2014, 05:20 PM
أبو عبد الرحمان حسام الدين موساوي أبو عبد الرحمان حسام الدين موساوي غير متواجد حالياً
أعانه الله
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
الدولة: الجزائر المسيلة
المشاركات: 369
إرسال رسالة عبر ICQ إلى أبو عبد الرحمان حسام الدين موساوي إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو عبد الرحمان حسام الدين موساوي إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبد الرحمان حسام الدين موساوي
افتراضي

أحسن الله إليك أخي عبد الصمد و أبا أمامة
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, مميز, المعاصي, دعوة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013