منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 08 Nov 2020, 05:01 PM
أبو بكر يوسف قديري أبو بكر يوسف قديري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2018
المشاركات: 286
افتراضي حكم الحلزون والخنفساء، بحث في الحل والطهارة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده وصلى الله على نبيه وصحبه، أما بعد
فهذا البحث الصغير يتناول بابين من أبواب الفقه وهما: الطهارة والأطعمة، ويخصّ حكم الحلزون والخنفساء من حيث الحلّ والطهارة
فأقول مستعينا بالله:

الباب الأول: في ميتة ما لا نفس له (دم)
اختلف العلماء في طهارة ميتة الحيوان الذي لا دم له، كالخنفساء والحلزون والصراصير ونحوها على ثلاثة أقوال:
القول الأول
هو طاهر مطلقا، سواء تولد من شيء طاهر أو من شيء نجس، وهذا هو مذهب الحنفية، والمالكية، وقول في مذهب الشافعية، وقول في مذهب الحنابلة.
القول الثاني
هو نجس، لكن إن تولد من شيء طاهر، ومات فيما تولد منه، لم ينجّسه، كدود التمر والتين والجبن يموت فيها، وإن أخرج ومات في غيره، نجّسه، وهو قول في مذهب الشافعية.
القول الثالث
إن تولّد من شيء طاهر، فهو طاهر مطلقا، سواء مات فيما تولد منه أم لا، وإن تولد من شيء نجس، كصراصير الكنف، فهو نجس، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة.

دليل من قال بطهارة ما لا نفس له سائلة مطلقا.
[الدليل الأول]
أن الله سبحانه وتعالى إنما حرم الدم المسفوح في قوله تعالى {أو دما مسفوحا}، وما لا نفس له سائلة ليس له دم مسفوح، فيكون طاهر الدم، فلا ينجس بالموت.
[الدليل الثاني]
قوله تعالى عن النحل {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس}.
قال الجصاص: فيه بيان طهارة العسل ومعلوم أنه لا يخلو من النحل الميت وفراخه فيه، وحكم الله تعالى مع ذلك بطهارته فأخبر عما فيه من الشفاء للناس، فدل ذلك على أن ما لا دم له لا يفسد ما يموت فيه. أحكام القرآن للجصاص (3/ 273)
[الدليل الثالث]
ما رواه البخاري 5782، من طريق عتبة بن مسلم مولى بني تيم، عن عبيد بن حنين مولى بني زريق، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء.
وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري، رواه أحمد (3/ 24) من طريق ابن أبي ذئب، قال: حدثني سعيد بن خالد، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا وقع الذباب في طعام أحدكم فامقلوه..
وجه الاستدلال:
قال ابن القيم: أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمقله: وهو غمسه في الطعام، ومعلوم أنه يموت من ذلك، ولاسيما إذا كان الطعام حارا، فلو كان ينجسه لكان أمرا بإفساد الطعام، وهو - صلى الله عليه وسلم - إنما أمر بإصلاحه، ثم عدي هذا الحكم إلى كل ما لا نفس له سائلة كالنملة والزنبور والعنكبوت وأشباه ذلك إذ الحكم يعم بعموم علته، وينتفي بانتفاء سببه، فلما كان سبب التنجس هو الدم المحتقن في الحيوان بموته، وكان ذلك مفقودا في ما لا دم له سائل انتفى الحكم بالتنجس لانتفاء علته. زاد المعاد (3/ 210)
[الدليل الرابع]
لو حكمنا بنجاسة الماء الذي يقع فيه الذباب أو نحوه من الحشرات التي لا نفس لها سائلة لوقع الناس في الحرج؛ لأنه يتعذر صون الأواني عنها، والحرج مرفوع عن هذه الأمة، {وما جعل عليكم في الدين من حرج}.
[الدليل الخامس]
ما رواه الدارقطني (1/ 37)، من طريق بقية، حدثني سعيد بن أبي سعيد، عن بشر ابن منصور، عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن سلمان، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا سلمان كل طعام وشراب وقعت فيه دابة ليس لها دم، فماتت فيه، فهو حلال أكله وشربه ووضوءه.
قال الدارقطني: لم يروه غير بقية، عن سعيد الزبيدي، وهو ضعيف.
[الدليل السادس]
ما رواه عبد الرزاق 297، عن ابن عيينة، عن منبوذ، عن أمه، أنها كانت تسافر مع ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -،*قالت:*فكنا نأتي الغدير فيه الجعلان أمواتا، فنأخذ منه الماء. يعني: فيشربونه. [إسناده ضعيف].
دليل من قال: بنجاسة ما لا نفس له سائلة.
[الدليل الأول]
من القرآن قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة}، وهذا ميتة.
وقال تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة}.
وهذا عام يشمل كل ميتة، سواء كان له نفس سائلة أم لا.
وأجيب:
أنتم لا تأخذون بعموم هذا اللفظ، فهذا شعر الميتة إذا جز حال الحياة لا تقولون بنجاسته، وهو جزء من الميتة، وهذا جلد الميتة يطهره الدباغ، وهو جزء من الميتة، فكونه يخرج من هذا العموم الذباب ونحوه مما لا دم له ليس بمستنكر، فيكون قد خص من هذا العموم ما لا دم له، كما خص غيره من الجلود إذا دبغت ونحوها.
[الدليل الثاني]
من السنة، ما رواه البخاري 5538 من طريق الزهري، قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أنه سمع ابن عباس يحدثه عن ميمونة، أن فأرة وقعت في سمن فماتت فسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها فقال: ألقوها وما حولها وكلوه.
وجه الاستدلال:
أنه تنجس ما حول الفأرة حين ماتت، وهذا دليل على نجاسة الميتة، وهو عام في كل ميتة، ولا يخرج منه شيء إلا بدليل.
قال ابن حزم: العجب من تفريق أبي حنيفة ومالك بين ما لا دم له يموت في الماء وفي المائعات، وبين ما له دم يموت فيها، وهذا فرق لم يأت به قط قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة, ولا قول صاحب، ولا قياس ولا معقول, والعجب من تحديدهم ذلك بما له دم، وبالعيان ندري أن البرغوث له دم والذباب له دم.
فإن قالوا: أردنا ما له دم سائل, قيل: وهذا زائد في العجب ومن أين لكم هذا التقسيم بين الدماء في الميتات؟ وأنتم مجمعون معنا ومع جميع أهل الإسلام على أن كل ميتة فهي حرام, وبذلك جاء القرآن, والبرغوث الميت والذباب الميت والعقرب الميت والخنفساء الميت حرام بلا خلاف من أحد, فمن أين وقع لكم هذا التفريق بين أصناف الميتات المحرمات؟ فقال بعضهم: قد أجمع المسلمون على أكل الباقلاء المطبوخ وفيه الدقش الميت, وعلى أكل العسل وفيه النحل الميت وعلى أكل الخل وفيه الدود الميت، وعلى أكل الجبن والتين كذلك، وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمقل الذباب في الطعام. قيل لهم وبالله تعالى التوفيق: إن كان الإجماع صح بذلك كما ادعيتم، وكان في الحديث المذكور دليل على جواز أكل الطعام يموت فيه الذباب كما زعمتم، فإن وجه العمل في ذلك أحد وجهين: إما أن تقتصروا على ما صح به الإجماع من ذلك وجاء به الخبر خاصة. ويكون ما عدا ذلك بخلافه، إذ أصلكم أن ما لاقى الطاهرات من الأنجاس فإنه ينجسها, وما خرج عن أصله عندكم فإنكم لا ترون القياس عليه سائغا أو تقيسوا على الذباب كل طائر, وعلى الدقش كل حيوان ذي أرجل, وعلى الدود كل منساب. ومن أين وقع لكم أن تقيسوا على ذلك ما لا دم له؟ فأخطأتم مرتين:
إحداهما أن الذباب له دم, والثانية اقتصاركم بالقياس على ما لا دم له, دون أن تقيسوا على الذباب كل ذي جناحين أو كل ذي روح. فإن قالوا: قسنا ما عدا ذلك على حديث الفأر في السمن. قيل لهم: ومن أين لكم عموم القياس على ذلك الخبر؟ فهلا قستم على الفأر كل ذي ذنب طويل, أو كل حشرة من غير السباع وهذا ما لا انفصال لهم منه أصلا، والعجب كله من حكمهم: أن ما كان له دم سائل فهو النجس, فيقال لهم: فأي فرق بين تحريم الله تعالى الميتة وبين تحريم الله تعالى الدم؟ فمن أين جعلتم النجاسة للدم دون الميتة؟ وأغرب ذلك أن الميتة لا دم لها بعد الموت فظهر فساد قولهم بكل وجه. المحلى (1/ 152)
والجواب على ما أثاره ابن حزم، أن يقال:
أولا: ليس كل دم حرام، وإنما النص جاء في الدم المسفوح، فقال تعالى: {أو دما مسفوحا}.
ثانيا: لا شك أن تحريم الميتة كان من أسبابها انحباس الدم، ولذلك روى البخاري في صحيحه من طريق سعيد بن مسروق، عن عباية بن رفاعة، عن جده أنه قال: يا رسول الله ليس لنا مُدى فقال: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل ليس الظفر والسن أما الظفر فمدى الحبشة وأما السن فعظم."
فقوله: ما أنهر الدم، دليل على أن انحباس الدم وعدم إنهاره مؤثر في حل الذبيحة.
ثالثا: جاء في حديث ابن عباس في مسلم 366:
"إذا دبغ الإهاب فقد طهر".
فالإهاب لما كان متصلا برطوبة النجاسة ودمها كان نجسا، فإذا دبغ قطعت عنه هذه النجاسات، فأصبح طاهرا، فما بالك بالحيوان الذي ليس فيه دم أصلا.
وقد ذكر ابن تيمية أن علة نجاسة الميتة، إنما هو لاحتباس الدم فيها، فما لا نفس له سائلة، ليس فيه دم سائل، فإذا مات لم يكن فيه دم يحتبس فيه، فلا ينجس، فالعظم ونحوه أولى بعدم التنجس من هذا، فإن العظم ليس فيه دم سائل، ولا كان متحركا بالإرادة إلا على وجه التبع، فإذا كان الحيوان الكامل الإحساس، المتحرك بالإرادة، لا ينجس لكونه ليس فيه دم سائل، فكيف ينجس العظم الذي ليس فيه دم سائل.
والذي يوضح هذا أكثر أن الله سبحانه وتعالى حرم علينا الدم المسفوح، قال سبحانه وتعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس} الآية.
وعفا عن غير الدم المسفوح، مع أنه من جنس الدم، والله سبحانه وتعالى حرم ما مات حتف أنفه، أو بسبب غير جارح محدد، فحرم المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة، والفرق بينهما إنما هو في سفح الدم، فدل على أن سبب التنجس هو احتقان الدم واحتباسه، ثم قال: ولا يعارض هذا بتحريم تذكية المرتد والمجوسي، ولو سفح الدم؛ لأن التحريم تارة يكون لاحتقان الدم، كما هو الحال في المتردية والنطيحة، وما صيد بعرض المعراض، وتارة تكون لفساد التذكية، كذكاة المجوسي والمشرك. مجموع الفتاوى (21/ 99 - 100)
دليل من قال: يشترط أن يكون متولدا من طاهر.
هذا المذهب يرى أن الاستحالة لا تطهر إلا ما ورد فيه النص، كالخمر تنقلب خلا، فإذا تولد من نجس، كان أصله نجسا، وما كان أصله نجسا فهو نجس، فيعطى المستحيل حكم ما استحال منه.
فإذا احترقت النجاسة وصارت رمادا، أو وقع الخنزير في الملاحة، وصار ملحا، أو تكثف البخار المتصاعد من ماء نجس، فتحول إلى رطوبة، فإن كل هذا لا يحول الأعيان النجسة إلى طاهرة، فكذلك إذا تولد ما لا نفس له سائلة من النجاسات صارت عينه نجسة.
والصحيح أن الاستحالة مؤثرة، فالاستحالة تقلب الطيب إلى خبيث، كالغذاء ينقلب إلى عذرة، وتقلب الخبيث إلى طيب، كاللبن من دم الحيض، وعلى القول بنجاسة الخمر فإنها إذا انقلبت خلا بنفسها حكمتم بطهارتها وهكذا.
قال ابن حزم: وإذا أحرقت العذرة أو الميتة أو تغيرت فصارت رمادا أو ترابا، فكل ذلك طاهر، ويتيمم بذلك التراب، برهان ذلك أن الأحكام إنما هي على ما حكم الله تعالى بها فيه مما يقع عليه ذلك الاسم الذي به خاطبنا الله عز وجل، فإذا سقط ذلك الاسم فقد سقط ذلك الحكم، وأنه غير الذي حكم الله تعالى فيه. والعذرة غير التراب وغير الرماد، وكذلك الخمر غير الخل، والإنسان غير الدم الذي منه خلق, والميتة غير التراب. المحلى (مسألة: 132).
[الراجح]
الراجح قول من قال بطهارة ما لا دم له سائل، لأن الاستدلال بنجاسته بناء على أنه ميتة غير مستقيم، لأن هناك من أجزاء الميتة ما هو طاهر مطلقا كالشعر، وهناك ما هو طاهر بالدباغ كالجلد، وحديث غمس الذباب ظاهر في الطهارة، وما كان مثل الذباب كان في حكمه، لأن الشرع لا يفرق بين متماثلين، وأثر الدم في نجاسة الميتة وطهارتها ظاهر، حيث اشترط في حل الذبيحة أن تكون الآلة مما تنهر الدم، وحرمت الموقوذة والمتردية لانحباس الدم فيها، والله أعلم.
انتهى الباب الأول ملخّصا من موسوعة الطهارة. تأليف: دبيان الدبيان.

الباب الثاني: في حكم أكل الحلزون والخنفساء
للفقهاء في أكل الحشرات ما عدا الجراد والضب والدود ثلاث اتجاهات:
- الاتجاه الأول: حلّ جميع أصناف الحشرات، ومنها الحلزون والخنفساء، بشرط تذكيتها، وهو مذهب المالكية، وهو في الأصل إحدى الروايتين فيه، ثم انعقد المذهب عليها.
قال الطرطوشي: انعقد المذهب في إحدى الروايتين وهي رواية العراقيين، أنه يؤكل جميع الحيوان من الفيل إلى النمل والدود، وما بين ذلك إلا الخنزير فهو محرّم بالإجماع.
القوانين الفقهية 115
وفي المدونة 1\542: (سئل مالك عن شيء يكون في المغرب يقال له الحلزون يكون في الصحارى يتعلق بالشجر أيؤكل؟
قال: أراه مثل الجراد ما أخذ منه حيا فسُلق أو شوي فلا أرى بأكله بأسا، وما وجد منه ميتا فلا يؤكل.)
وفي النوادر لابن أبي زيد 4\371:
(من الواضحة قال مالك وغيره: ومن احتاج إلى شيء من خشاش الأرض لدواء أو غيره فكان مما لا لحم له ولا دم فذكاته كذكاة الجراد كالعقرب والخنفساء وبنات وردان ... والبعوض والذباب وشبهه.)
ثم إن القول بحلّ جميع الحشرات ليس على إطلاقه، فإنهم قد اختلفوا في بعضها كالفأر والعقرب والحية وبنت عرس.
- الاتجاه الثاني: هو حرمة أكل الحشرات، ومنها الحلزون والخنفساء، لاستخباثها ونفور الطباع السليمة منها، وفي التنزيل في صفة النبي صلى الله عليه وسلم: {ويحرم عليهم الخبائث} واتفق على هذا في الجملة مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة على اختلاف بينهم في بعض الحشرات ليس منها الحلزون والخنفساء.
وقد ذهب بعض المالكية إلى حرمة الحشرات والهوام، كابن عرفة والقرافي، ولعلهم أخذوا بالرواية الأخرى في المذهب.
انظر في حكاية هذين الاتجاهين الموسوعةَ الفقهية الكويتية 17\279 و5\144
وهو مذهب الظاهرية أيضا كما في المحلى 6\76 وسيأتي.
- الاتجاه الثالث: الجواز مطلقا سواء ذكّيت أم لا وهذا قول المالكية البغداديين؛ قال البُرزلي: (الذي تلقيته من سائر شيوخنا عن البغداديين أنهم يبيحون أكل الخشاش بغير ذكاة.)
نقله عنه الحطاب في مواهب الجليل 3\270
وهو مقابل المشهور عن المالكية؛ قال ابن الحاجب: (وأما ما لا نفس له سائلة كالجراد فالمشهور: يفتقر -أي إلى الذكاة- ويكفي قطع رؤوسها أو شيء منها، وكذلك الحرق والسلق على المشهور)
جامع الأمهات 277
وهذا الاتجاه قال به الأوزاعي وابن أبي ليلى في الحية؛ قال ابن عبد البر: (وقال مالك لا بأس بأكل الحية إذا ذكيت وهو قول ابن أبي ليلى والأوزاعي إلا أنهما لم يشترطا فيها الذكاة.)
التمهيد 15\177
أدلة المجيزين
1- قول الله تعالى {قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرّمًا إلا أن يكون ميتة أو دمًا مسفوحًا أو لحمَ خنزير} الآية ولم يذكر الحشرات في هذه الآية ولا في غيرها.
2- الأصل في الحيوان الحلّ؛ قال الله تعالى {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا}.
سئل فقيه الزمان ابن عثيمين -رحمه الله-:
(هل الأصل في اللحوم هو الحل أو التحريم؟
الجواب: الأصل في اللحوم التحريم لا في الحيوان، الأصل في الحيوان الحل والأصل في اللحوم التحريم حتى نعلم أو يغلب على ظننا أنها مباحة، يعني: لو شككنا في هذا الحيوان هل هو حلال أو حرام؟ فهو حلال فنذكيه ونأكله. لكن لو شككنا في هذا اللحم هل هو مذكى أو ميتة؟ فالأصل التحريم، حتى يغلب على ظننا أنه حلال.) لقاء الباب المفتوح 234. وهذان ضابط وفرق نافعان في الباب.
3- حديث غمس الذباب شفاء، ولا يجوز التداوي بالمحرم.
4- (قد أجمع المسلمون على أكل الباقلاء المطبوخ وفيه الدقش الميت، وعلى أكل العسل وفيه النحل الميت وعلى أكل الخل وفيه الدود الميت، وعلى أكل الجبن والتين كذلك.)
نقل هذا الإجماع مقرّا له ابن حزم الظاهري في المحلّى.
5- قياسهما على الجراد بجامع عدم وجود الدم السائل في الكلّ، وهو قياس صحيح كما سيأتي بيانه.
وهذا القول أرجح لقوة حججه،
وأما القول بالمنع فالاعتراض على أدلته أكثر، ودونك شيئا من ذلك:
أدلة المانعين
1- {ويحرّم عليهم الخبائث} فكل ما استخبثته الطباع السليمة فهو محرّم
مناقشة:
كونُ المستخبث طبعا محرّمًا شرعًا غيرُ مسلّم؛ قال ابن عثيمين:
(فهذا الدليل صحيح، ولكن الاستدلال به غير صحيح؛ لأن معنى الآية أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ لا يحرم إلا ما كان خبيثا، وأن ما حرمه الشرع لا تسأل عنه، فهو لا يحرم إلا الخبيث، وليس المعنى كل ما عددته خبيثا فهو حرام؛ لأن بعض الناس قد يستخبث الطيب، ويستطيب الخبيث، فيعلنون عن الدخان ويقولون: طيب النكهة، لذيذ في طعمه، وطيب في رائحته، وطيب في لفافته، فيلف لفا طيبا، وطيب في عقبه، فتنتهي السيجارة قبل أن تشوي الفم، فيولونه من الأوصاف الطيبة ما يجعله من أطيب الطيبات، فهل ينقلب هذا الخبيث طيبا؟! لا. أبدا. ورأينا من الناس من يستخبث الجراد ـ مثلا ـ حتى إن زميلا أذكره ـ كان يدرس معنا في المعهد ـ يقول: إني حاولت أكل جرادة فكادت نفسي تخرج معها، وعجزت أن أبلعها لكراهتي لها، ولولا أن الله لطف لمت، إلى هذه الحال يستخبثها!!
إذًا لو رجعنا إلى هذه الأمور لصار الحل والتحريم أمرا نسبيا، فيكون هذا الشيء عند قوم حلالا، وعند آخرين حراما لأن هؤلاء اعتادوه فاستطابوه، والآخرين لم يعتادوه فلم يستطيبوه، بل استخبثوه، ولكن لا يمكن أن يكون الشرع هكذا، فالشرع إذا حرم عينا فهي حرام عند كل الناس، وليس مطلق كون الشيء خبيثا يقتضي التحريم، بدليل قول الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا» يعني بها البصل، وقالوا: حرمت حرمت؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنه ليس لي تحريم ما أحل الله لي، ولكنها شجرة أكره ريحها».
فإذًا نقول: لا أثر لاستخباث ذوي اليسار، وأن معنى الآية أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ لا يحرم إلا ما كان خبيثا، فيكون الوصف بالخبث علة لما حرمه الشرع، وأن الشرع لا يحرم إلا خبيثا، فإذا حرم شيئا فلا تبحث هل هو طيب؟ أو غير طيب؟ بل إذا حرمه فاعلم أنه خبيث، أما أن نقول:.كل ما استخبثه الناس، أو ذوو اليسار منهم فهو حرام، فهذا أمر لا يمكن؛ لأن معنى ذلك أن نرد الأحكام إلى أعراف الناس وعاداتهم.) الشرح الممتع ج15 ص24
2- وقال المانعون أيضا: أمرَ النبي صلى الله عليه وسلم بقتل بعض الحشرات كالعقرب والحية والوزغ، فهي مؤذية متعدّية
مناقشة:
الدليل هنا أخصّ من المدلول، فيُقتصر على تحريم ما أمر الشرع بقتله دون بقيّة الدوابّ لأنّنا لم نؤمر بقتها.
3- وقالوا أيضا: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل بعض الحشرات كالنحل والنمل ونحوهما فلا يجوز أكلها لعدم جواز قتلها
مناقشة:
يقال هنا مثلما قيل في الدليل السابق: وهو أن الدليل أخصّ من المدلول، فيُقتصر على تحريم ما نهى الشرع عن قتله دون بقية الحشرات لأننا لم ننه عن قتلها.
4- حديث: "أحلت لكم ميتتان ودمان، فأما الميتتان: فالحوت والجراد، وأما الدمان: فالكبد والطحال." رواه ابن ماجه 3314 مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم
ووجه الاستدلال أنه لم يستثن من الميتات غير الحيتان والجراد، فيبقى غيرهما من الدوابّ يحتاج إلى تذكية على الأصل؛ قال ابن حزم في المحلّى: (وقد صح البرهان على أن الذكاة في المقدور عليه لا تكون إلا في الحلق أو الصدر، فما لم يقدر فيه على ذكاة فلا سبيل إلى أكله.)
مناقشة:
أولا- الصواب وقف الحديث على ابن عمر رضي الله عنهما وإن كان له حكم الرفع كما ذكره الألباني في الصحيحة.
ثانيا- لا يفهم من متن الحديث الحصر لأن قوله (ميتتان) عدد والعدد لا مفهوم له مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم "أُعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي" مع أنه صلى الله عليه وسلم خصّص بأكثر من خمس، وبدليل قوله: "دمان" رغم أنه تجوز كل أجزاء الذبيحة كالكلية والرئة والخصية، فلم يفهم العلماء منه الحصر.
5- أنه يمتنع قياسهما على الجراد، لأن حِلّ الجراد مخالف للقياس، وما خالف القياس فلا يقاس عليه (1).
والجواب من وجوه:
أولا: أن اشتراط عدم مخالفة القياس غير صحيح بل هو مرجوح قال به بعض الأحناف فقط ومذهبهم معروف في الغلو في القياس
وقد ردّ ابن السمعاني هذا في قواطع الأدلة 2\136 وقال:
(والجملة أن عندنا كل أصل يوجد معناه في غيره جاز القياس عليه سواء كان ما ورد به النص مجمعا على تعليله أو مختلفا فيه وكذلك سواء كان موافقا لقياس الأصول أو مخالفا.)
وقال ابن تيمية كما في المجموع 20\555:
(ذهب طائفة من الفقهاء إلى أن ما ثبت على خلاف القياس لا يقاس عليه ويُحكى هذا عن أصحاب أبي حنيفة. والجمهور أنه يقاس عليه وهذا هو الذي ذكره أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما. وقالوا: إنما ينظر إلى شروط القياس فما علمت علته ألحقنا به ما شاركه في العلة سواء قيل: إنه على خلاف القياس أو لم يقل وكذلك ما علم انتفاء الفارق فيه بين الأصل والفرع والجمع بدليل العلة كالجمع بالعلة وأما إذا لم يقم دليل على أن الفرع كالأصل فهذا لا يجوز فيه القياس سواء قيل: إنه على وفق القياس أو خلافه ولهذا كان الصحيح أن العرايا يلحق بها ما كان في معناها، وحقيقة الأمر أنه لم يشرع شيء على خلاف القياس الصحيح بل ما قيل: إنه على خلاف القياس: فلا بد من اتصافه بوصف امتاز به عن الأمور التي خالفها واقتضى مفارقته لها في الحكم وإذا كان كذلك فذلك الوصف إن شاركه غيره فيه فحكمه كحكمه وإلا كان من الأمور المفارقة له.)
وقال 22\477: (الصواب أن ما خالف القياس يقاس عليه إذا عرفت علته: إذ الاعتبار في القياس بالجامع والفارق.)
ثانيا: أن حلّ الجراد أصل بذاته دلت عليه الشريعة، وقد قال ابن تيمية: (ليس في الشريعة شيء يخالف القياس). كما مرّ في النقل السابق، فيقاس على الجراد ما كان مثله كالخنفساء والحلزون.
ثالثا: أن علة تحريم الميتة مفقودة في الجراد أصلا، فكيف يقال أنه خالف القياس، وتسمية الجراد ميتة لغةً لا يلزم منه التحريم الشرعي؛
قال ابن القيم في الهدي 3\347: (فإن الميتة إنما حرمت لاحتقان الرطوبات والفضلات والدم الخبيث فيها، والذكاة لما كانت تزيل ذلك الدم والفضلات، كانت سبب الحل، وإلا فالموت لا يقتضي التحريم، فإنه حاصل بالذكاة كما يحصل بغيرها، وإذا لم يكن في الحيوان دم وفضلات تزيلها الذكاة لم يحرم بالموت ولم يشترط لحله ذكاة كالجراد، ولهذا لا ينجس بالموت ما لا نفس له سائلة كالذباب، والنحلة، ونحوهما، والسمك، من هذا الضرب، فإنه لو كان له دم وفضلات تحتقن بموته لم يحل لموته بغير ذكاة، ولم يكن فرق بين موته في الماء، وموته خارجه، إذ من المعلوم أن موته في البر لا يذهب تلك الفضلات التي تحرمه عند المحرمين إذا مات في البحر، ولو لم يكن في المسألة نصوص لكان هذا القياس كافيا، والله أعلم.)
رابعا: روى عبد الرزاق في مصنفه (رقم 8758) عن ابن عباس قال: كان عمر يأكل الجراد، يقول: لا بأس به؛ لأنه لا يذبح.
فجعل علّةَ حلّه كونَه لا يذبح. فيُقاس عليه كلّ ما لا يذبح ما لم ينه عنه الشرع.
وفي هذا الأثر أيضا ردّ على ابن حزم القائل (لم يقدر فيه على ذكاة فلا سبيل إلى أكله.) وقد سبق نقله.
وقد سئل العلامة صالح اللحيدان -حفظه الله- عن الحلزون، فلم يعرفه لكن قال: إن كان مثل البهائم فيذبح، وإن كان مثل الجراد فيطبخ. أخبرني مَن سمعه قال ذلك في صحن المسجد الحرام. وهذا ضابط نافع جدا. والله أعلم


فرغ منه: يوسف قديري
يوم الاثنين 17 ربيع الأول 1442
الموافق: 02 نوفمبر 2020


--------------------------------
(1) ذكر هذا الدكتور فركوس في تحريمه للحلزون وجميع المواد الغذائية المشتملة على أثر من الخنافس. والمقصود من هذا المقال هو الردّ عليه لكثرة من يقلّده من الشباب. والله المستعان.
وقد كتب أخي مهدي بن صالح البجائي مقالا في بيان تناقضه: "الدُّكتور والملوِّن الغذائي e120"
https://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=24726

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08 Nov 2020, 09:02 PM
أبو معاوية مجدي الصبحي أبو معاوية مجدي الصبحي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 18
افتراضي

جزاك الله خيرا.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 25 Nov 2020, 02:54 PM
أبو كنان بلحسن علي أبو كنان بلحسن علي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2019
الدولة: تلمسان/الجزائر
المشاركات: 59
افتراضي

جزاك الله خيرا .
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29 Nov 2020, 09:50 AM
محسن سلاطنية محسن سلاطنية غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2018
المشاركات: 320
افتراضي

حسنت الانتقاء والبحث والتلخيص أخي يوسف جزاك الله خيرا ونفع بكتابتك التي قد تساهم في إزالة هالة القداسة الملقاة على شخصية الدكتور فركوس من عند متعصبته الغلاة هداهم الله.
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013