منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 16 May 2017, 12:35 AM
أبو عبد الرحمن العكرمي أبو عبد الرحمن العكرمي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: ولاية غليزان / الجزائر
المشاركات: 1,352
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو عبد الرحمن العكرمي إرسال رسالة عبر Yahoo إلى أبو عبد الرحمن العكرمي إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبد الرحمن العكرمي
افتراضي شنآن القوم وصدق الشهادة ! بين الإمامين عبد الملك بن حبيب ويحيى الليثي

شنآن القوم و صدق الشهادة !


الحمد لله ربّ العالمين و صلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه ومن والاه وبعد :
أخبار الماضين من الأئمة المرضيين سيرة عطرة , و نماذج مبهجة مبهرة , هي بحق مرتع غضّ وافر , و مورد عذب لا ينضب , ومهيع فسيح مستقيم , فقلّبْ نظرك أيها الحبيب كيفما شئت في سير الصالحين الصادقين , لتبصر هنالك أخلاق المؤمنين , و تتلمس في ثنايا تراجمهم صدق المخلصين , و استحضار مراقبة رب العالمين .

ومن ذلك ما وقع بين الإمامين الجليلين عبد الملك بن حبيب السلمي المرداسي الأندلسي (1) صاحب تفسير غريب الموطأ و صاحب الواضحة من السنن والفقه , و يحيى بن يحيى الليثي (2) راويةُ الموطأ و ناشر مذهب مالك في بلاد الأندلس , من الخلاف و المناظرة و المشاحنة ما هو مشهور حيث كان ابن حبيب رحمه الله يخالف يحيى الليثي , وقد ذكر الذهبي في تاريخ الإسلام (3) ما جرى من الخلاف و النزاع فيقول :

(قال أحمد بن محمد بن عبد البر : وكان بينه –يعني ابن حبيب - وبين يحيى بن يحيى وحشة . كان كثير المخالفة له ، لقي أصبغ بمصر ، فأكثر عنه .
فكان يعارض يحيى عند الأمر ، ويرد قوله ، فيغتم لذلك .
قال : فجمعهم القاضي (4) مرة في الجامع ، فسألهم عن مسألة ، فأفتى فيها يحيى بن يحيى ، وسعيد بن حسان بالرواية ، فخالفهما عبد الملك ، وذكر خلافهما رواية عن أصبغ ، وكان عبد الأعلى بن وهب شابا ، قد حج ولحق أصبغ ، فحدثنا أحمد بن خالد ، عن ابن وضاح ، عن عبد الأعلى قال : دخلت على سعيد بن حسان ، فقال : ما تقول في كذا للمسألة المذكورة ؟
هل يذكر فيها الأصبغ شيئا ؟
قلت : نعم . يقول فيها بكذا وكذا ، فذكر موافقة سعيد ويحيى ، فقال لي سعيد : انظر ما تقول ، أنت على يقين منها ؟
قلت : نعم . قال : فأتني بكتابك :فخرجت مسرعا ، ثم ندمت فأخرجتها من قرطاس ، فسررت ، وأتيته بالكتاب .
قال : تمضي به إلى أبي محمد ، فمضيت به إلى يحيى بن يحيى ، فأعلمته ، فاجتمعا بالقاضي ، وقالا : هذا يخالفنا بالكذب ، فاردعه وكفه .
فجمعهم القاضي ثانيا ، فتكلموا ، فقال عبد الملك : قد أعلمتك بما يقول فيها أصبغ ، فبدر عبد الأعلى ، فقال : تكذب على أصبغ ، أنا رويت هذه المسألة عنه على وفق ما قالا ، وهذا كتابي ، فقرأه القاضي ، وقال لعبد الملك : ما ساءه ، وخرح عليه ، وقال : تفتينا بالكذب والخطأ ، وتخالف أصحابك بالهوى ! لولا البُقيا عليك ، لعاقبتك .
قال عبد الأعلى : فلما خرجت خطرت على دار ابن رستم الحاجب ، فرأيت عبد الملك خارجا من عنده في وجهه الشر ، فقلت : لأدخلن على ابن رستم ، فدخلت ، فلم ينتظر جلوسي ، وقال : يا مسكين ، من غرك ، أو من أدخلك في هذا ؟ تعارض مثل ابن حبيب وتكذبه ؟ فقلت : أصلحك الله ، إنما سألني القاضي ، فأجبت بما عندي . قال : وبعث الأمير إلى القاضي : يقول : من أمرك أن تشاور عبد الأعلى ، فبعث يثني علي ، ويقول : لم أر نفسي في سعة من ترك مشاورة مثله . فسأل الأمير وزراءه عن عبد الأعلى ، فأثنوا عليه ، ووصفوا علمه وولاءه ). اهـ


هكذا يصور الإمام الذهبي تلك العلاقة المتشنجة و المخالفة الظاهرة بين الإمامين عبد الملك و يحيى , و مآل الأمر إلى تكذيب الإمام عبد الملك , و سوء ظن القاضي به , بسسب ما صنع عبد الأعلى بعد أمر يحيى , وهو الذي عانى من ابن حبيب و معاكساته له.

كلّ هذا يحدث ,و كلّ تلك الشحناء تخرج , و كلّ ذلك التنافر البشري بين الأقران يكون , كما كان قبل و لا يزال ولن يزال إلى يوم الدين, حتى يلتقي المؤمنون في جنات ربّ العالمين فيكون أمرهم كما قال ربّهم : {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}(الحجر 47) .

نعم قد يكون بين الأقران حسد و تنافر و شحناء , ولكن ما مدى تلك الشحناء , وما منتهاها لديهم ؟!
نرى و رأينا نزاعا تحول شحناء , ثم ءآل بغضاء و حربًا , لأنّ النفوس فيه لم تراقب الله , و لم يمتد منها النظر إلى أكثر من حظّ النفس , و حبّها و حبّ الاستعلاء !


ولكن ها هنا قصة إمامين , يعرفان ربهما , و يراقبانه , يجعلان نصب أعينهما قوله تعالى : {يا أيُها الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاءَ بـالقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ علـى ألاَّ تَعْدِلُوا اعْدلُوا هُوا أقْرَبُ للتَّقْوَى} (المائدة 8)


فإليك أيها الأخ الفاضل مصداق تلك الآية في رجال صدقوا , وها هو القاضي المبجل و الإمام الفحل عياض اليحصبي يحكي في ترتيب المدارك (6) في ترجمة ابن حبيب ما يأتي:


ذكر باقي أخباره وفضائله ونوادر أشعاره
ذكروا أنه رفع للأمير عبد الرحمن بن الحكم، أن قاضيه ابراهيم بن العباس المرواني، ويحيى بن يحيى في جماعة يعملون على خلعه،وتقديم القاضي إبراهيم مكانه.
وإن القاضي لا يقبل من أهل قرطبة إلا من أشار يحيى بقبوله.
وكان يحيى هو الذي أشار على الأمير بتوليته القضاء. وأن يكون زونان كاتبه.
فوجد الأمير على ابن حبيب وقال له: تعلم يدي عنك، وأريد أن أسألك عن شيء فأصدقني فيه. فقال: نعم. لا تسألني عن شيء إلا صدقتك فيه.
فقال: إنه رفع إلينا عن يحيى والقاضي، أنهما يعملان علينا في هذا الأمر.
فقال ابن حبيب: قد علم الأمير ما بيني وبين يحيى، ولكني لا أقول عليه إلا الحق، ليس يحيى بن يحيى إلا ممن يحيي الحق، وكل ما رفع عليه فباطل....اهـ

هكذا يتصرف الكبار! يعملون حين يعملون لله , و يقصدون وجه الله و لا يظلمون اتقاء غضب الله و طلبا لمرضاته !
وخذ الإمام يحيى الليثي حيث أتته فرصة مشابهة للظفر بعدوه و صاحب معاكساته و منافراته و مناظراته , فكيف كان موقفه ؟

يقول القاضي عياض رحمه الله بعد حكايته لما سلف:
وقد ذكر أن بعض جيران ابن حبيب اشتكى إليه، بأن بعض المتصرفين لبعض الوزراء، أنه يؤذيه، ويستطيل عليه.
فأمر عبد الملك برصده، فجيء به إليه، فضرب بين يديه ضرباً مبرحاً، فشكا إلى صاحبه –أي إلى الوزير- فكتب إلى يحيى بن يحيى، فذكر له ما صنع ابن حبيب، بصاحبه وحاشيته. وسأله تأييده عليه عند الأمير.

فكتب إليه يحيى: ما كنا نعينك على العلم وأهله، وأيم الله لأقلامنا أنفذ من سهامكم. فانصرف عن رأيك والسلام.اهـ

هكذا يتصرف يحيى بن يحيى , في كل ثقة و جرأة يرد على الوزير طلبه , بل يهدده إن هو تعرض لابن حبيب أن يلاقي كتابا منه للأمير هو أنفذ من السهام , يطيش به الوزير قبل أن يٌمسّ ابن حبيب بسوء!!

نعم أيها الفضلاء , إنها علاقة الإيمان , و صدق التعامل مع الله , و حب الخير , والخوف من الظلم , و أختم هذه الذكرى بما قاله الطبري في تفسيره في قوله تعالى {يا أيُها الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاءَ بـالقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ علـى ألاَّ تَعْدِلُوا اعْدلُوا هُوا أقْرَبُ للتَّقْوَى} (المائدة 8)
قال رحمه الله : يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا بـالله وبرسوله مـحمد، لـيكن من أخلاقكم وصفـاتكم القـيام لله، شهداء بـالعدل فـي أولـيائكم وأعدائكم، ولا تـجوروا فـي أحكامكم وأفعالكم، فتـجاوزوا ما حددت لكم فـي أعدائكم لعدواتهم لكم، ولا تقصروا فـيـما حددت لكم من أحكامي وحدودي فـي أولـيائكم لولايتهم، ولكن انتهوا فـي جميعهم إلـى حدّي، واعملوا فـيه بأمري.

وأما قوله: { وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئآنُ قَوْمٍ علـى ألاَّ تَعْدِلُوا}فإنه يقول: ولا يحملنكم عداوة قوم علـى ألا تعدلوا فـي حكمكم فـيهم وسيرتكم بـينهم، فتـجوروا علـيهم من أجل ما بـينكم وبـينهم من العداوة.اهـ

إلى هنا انتهى ما قصدته من جمع , والحمد لله ربّ العالمين


تنبيه: هذه القصة بتمامها في مقدمة العلامة عبد الرحمن العثيمين لتحقيقه لكتاب (تفسير غريب الموطأ )وما كان مني إلا زيادات وصياغة ذاتية , وتصرف طفيف ليناسب تسلسل الموضوع ونشره.

ــــــــــ
1-توفي سنة 238 هجري انظر ترجمته في طبقات الفقهاء للشيرازي 168 طبعة إحسان عباس . و في الديباج المذهب لابن فرحون 2/7 طبعة الدكتور محمد الأحمدي ,دار التراث.و ترتيب المدارك لعياض 4/122 طبعة فضالة . و إنباه الرواة 2/206 للقفطي. و سير أعلام النبلاء للذهبي 12/108 طبعة الرسالة و غيرها.
وقد أفاض ابن فرحون في ترجتمه , و ذكر كثيرا من أخباره و مما يدلك على سعة علمه و كثرة الطلبة لديه ما حكاه ابن فرحون عن المغامي أنه قال : لو رأيت ما كان على باب ابن حبيب لازدريت غيره ! , بل إن سحنون صاحب المدونة الشهيرة لما نعي إليه ابن حبيب استرجع وقال : مات عالمُ الأندلس ! بل والله عالم الدنيا ! .اهـ 2/8 و حسبك بمثل هذه الشهادة دلالة على علمه رحمه الله.
2-هو الإمام الشهير و العالم الخطير يحيى بن يحيى المصمودي الليثي مولاهم , سمع مالكا في السنة التي مات فيها , أخذ عن جلّ أصحابه و تلاميذه , واختص ابن القاسم وعنه أحذ فقه مالك و مسائله , وبه وبعيسى بن دينار انتشر فقه مالك بالأندلس , و كان مفتي قرطبة أيام الأمير عبد الرحمن بن الحكم , و هو الذي يعتمد عموم مالكية المغرب الإسلامي روايته للموطأ , يقول ابن لبابة :فقيه الأندلس عيسى بن دينار , وعالمها ابن حبيب , و عاقلها يحيى . انظر ترجمته في جذوة المقتبس 74طبعة الدار المصرية .وترتيب المدارك 3/379 . ووفيات الأعيان لابن خلكان 6/143 طبعة إحسان عباس , و الديباج المذهب لابن فرحون 2/282 .
3-17/259 طبعة دار الكتاب العربي.
4-هو قاضي قرطبة يحيى بن معمر الألهاني ت 226هـ.
5- 4/131 مطبعة فضالة المحمدية-المغرب.


التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن العكرمي ; 16 May 2017 الساعة 09:35 AM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16 May 2017, 11:08 AM
عبد الله بوزنون عبد الله بوزنون غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2014
المشاركات: 187
افتراضي

بوركت أبا عبد الرحمان على هذه الخريدة الفريدة التي تدلّ على إنصاف العلماءممع الخصوم, ولنا مع شيخ الإسلام نماذج نيّرة مع شانئيه حين غلب عليهم وتمكّن منهم فما كان منه إلاّ أن قال مقالة العدل فيهم , ولو شاء لفصل الهامات عن مقيلها.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 16 May 2017, 08:47 PM
أبو عبد الرحمن العكرمي أبو عبد الرحمن العكرمي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: ولاية غليزان / الجزائر
المشاركات: 1,352
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو عبد الرحمن العكرمي إرسال رسالة عبر Yahoo إلى أبو عبد الرحمن العكرمي إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبد الرحمن العكرمي
افتراضي

وفيكم بارك الرحمن أخي الفاضل عبد الله , أما ابن تيمية فهو صاحب المناقب الشهيرة , و ترجمة البزار في الأعلام العلية و ترجمة ابن عبد الهادي في العقود الدرية المفردتان في شيخ الإسلام و مناقبه تدلانك على صدقه مع الموالف و المخالف بشهادة المخالف قبل الموالف , فرحمه الله علماءنا .
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013