منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 21 Jan 2019, 10:11 PM
أبو بكر يوسف قديري أبو بكر يوسف قديري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2018
المشاركات: 286
افتراضي إتحاف أولي الفضل الشرفاء بتهذيب ترجمة أبي هريرة من سير أعلام النبلاء

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم
أما بعد
فقد قد روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه.
وإنّ من تلك الأنفس النقية الطاهرة أبا هريرة رضي الله عنه أكثر من روى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهادة كبار هذه الأمة.
وإن هذه الشخصية تعرّض لها أهل الإلحاد والزندقة بكثير من الطعونات والقدح وغرضهم بذلك واضح وهو ما رواه هذا الإمام من أحاديث لا يرغبون بسماعها، فضلا عن البحث عن صحتها وفق المنهج العلمي، فضلا عن العمل بما فيها والاهتداء بهديها.
فمِن هذا وغيره يتبين لنا حتمية الدفاع عن راوية الإسلام وحافظ الصحابة وأول ذلك معرفة سيرته وفضائله رضي الله عنه.
وقد كنت قرأتُ مرة ترجمته في سير أعلام النبلاء فقررت أن أقوم بتهذيبها ليستفيد منها غيري
ودونَك ترجمتَه كما ذكرها الذهبي -رحمه الله- ليس لي منها إلا إعادة الترتيب وحذف المكرّر وإضافة نقول من كتب أخرى خصوصًا الإصابة لابن حجر والبداية والنهاية لابن كثير.
وجعلتُ ما زاد على كلام الذهبي بين معوفتين [ ] مع عزو ما كان في البداية أو الإصابة.

قال الإمام الذهبي:

أَبُو هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ صَخْرٍ
(ع [ أي روى له الجماعة])

الإمام الفقيه المجتهد الحافظ، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أبو هريرة الدوسي اليماني . سيد الحفاظ الأثبات .
اختلف في اسمه على أقوال جمة، أرجحها: عبد الرحمن بن صخر.

[من قبيلة دَوس وجدُّها:] دَوس بن عُدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد.
والمشهور عنه أنه كُنِي بأولاد هرّة برية. قال : وجدتها فأخذتها في كُمّي فكُنِيتُ بذلك.

قال الطبراني: وأمّه -رضي الله عنها- هي: ميمونة [وقيل: أميمة] بنت صُبيح [أو صُفيح. كما في الإصابة].

حمل عن النبي - صلى الله عليه وسلم- علما كثيرا طيبا مباركا فيه - لم يُلحق في كثرته- وعن أبي بكر، وعمر، وأبيّ بن كعب، وأسامة، وعائشة، والفضل، وبَصرة بن أبي بَصرة، وكعبٍ الحَبر.

حدّث عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين،
[فمن الصحابة] ابن عمر وابن عباس وجابر وأنس وواثلة بن الأسقع.
قال البخاري: روى عنه ثمان مائة أو أكثر.

[وأصَحُّ الأسَانِيْدِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ثَمَانِيَةٌ، وهِي:
1ـ الزُّهْريُّ عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيَّبِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وهو أصحها عند الحاكم.
2ـ مَالِكٌ عَنْ أبي الزِّنَادِ عَنِ الأعْرَجِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وهو أصحها عند البخاري.
3ـ حمَّادُ بنُ زَيْدٍ عَنْ أيُّوْبَ السَّخْتِيانيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وهو أصحها عند ابن المديني.
4ـ يَحْيَى بنُ أبي كَثِيْرٍ عَنْ أبي سَلَمَةَ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وهو أصحها عند سليمان بن داود.
5ـ إسْماعِيْلُ بنُ أبي حَكِيْمٍ عَنْ عَبِيدَةَ بنِ سُفْيَانَ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وهو أصحها عند أحمد بن صالح.
6ـ مَعْمَرُ بنُ رَاشدٍ عَنْ همَّامِ بنِ مُنبِّهٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
ذكره العراقي.
7ـ الأعْمَشُ عَنْ أبي صَالحٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
8ـ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أبي سَلَمَةَ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.]
كما في تدريب الراوي والنكت لابن حجر وفتح المغيث وتقريب الأسانيد.

[قدومه المدينة]

كان مقدمه وإسلامه في أول سنة سبع عامَ خيبر .
وقال أبو هريرة : شهدت خيبر. هذه رواية ابن المسيب .
وروى عنه قيس بن أبي حازم : جئت يوم خيبر بعد ما فرغوا من القتال.
[وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه] عن أبي هريرة قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر ، وقدمت المدينة مهاجرا ، فصليت الصبح خلف سِباع بن عُرفُطة - كان استخلفه - فقرأ في السجدة الأولى بسورة مريم، وفي الآخرة: ويل للمطففين .
فقلت : ويلٌ لأبي! قلّ رجل كان بأرض الأزد، إلا وكان له مكيالان: مكيال لنفسه، وآخر يبخس به الناس.

وقال قيس: قال لنا أبو هريرة: صحبت رسول الله ثلاث سنين .
وأما حُميد بن عبد الرحمن الحِميري ، فقال: صحب أربعَ سنين. وهذا أصح؛ فمن فتوح خيبر إلى الوفاة أربعة أعوام وليال.

وقيل: إن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمّر العلاء بن الحضرمي، وبعث معه أبا هريرة مؤذّنا.


[صفته الخَلقية]

وقال عبد الرحمن بن لبينة رأيت أبا هريرة رجلا آدم بعيد ما بين المنكبين أفرقَ الثنيتين ذا ضفيرتين .
وقال ابن سيرين : كان أبو هريرة أبيض لينا، لحيته حمراء، يخضب.

[وقد جاع أبو هريرة، واحتاج، ولزم المسجد]

[فقد قال: نشأت يتيما وهاجرت مسكينا. كما في البداية لابن كثير]
فلما هاجر، كان معه مملوك له، فهرب منه.
[فقد روى البخاري] عَنْ قَيْسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ فِي الطَّرِيقِ:
يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الْكُفْرِ نَجَّتِ
قَالَ: وَأَبَقَ مِنِّي غُلاَمٌ لِي فِي الطَّرِيقِ- قَالَ- فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَايَعْتُهُ، فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ إِذْ طَلَعَ الْغُلاَمُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، هَذَا غُلاَمُكَ". فَقُلْتُ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ. فَأَعْتَقْتُهُ.
قال ابن سيرين: كنا عند أبي هريرة فتمخّط فمسح بردائه، وقال: الحمد لله الذي تمخط أبو هريرة في الكتان، لقد رأيتُني وإني لأخرّ فيما بين منزل عائشة والمنبر مغشيا علي من الجوع حتى يقولوا: مجنون! فيمرّ الرجل، فيجلس على صدري، فأرفع رأسي فأقول: ليس الذي ترى، إنما هو الجوع.
قلتُ: كان يظنه من يراه مصروعا، فيجلس فوقه ليرقيه، أو نحو ذلك .
وعن عامر عن أبي هريرة قال: كنت في الصفة، فبعث إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر عجوة، فكنا نقرن التمرتين من الجوع، وكان أحدنا إذا قرن، يقول لصاحبه: قد قرنت فاقرنوا. [رواه ابن حبان في صحيحه]
[وفي البخاري عن مُجَاهِد أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ آلله الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِنْ كُنْتُ لأَعْتَمِدُ بِكَبِدِي عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْجُوعِ، وَإِنْ كُنْتُ لأَشُدُّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنَ الْجُوعِ، وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَوْمًا عَلَى طَرِيقِهِمُ الَّذِي يَخْرُجُونَ مِنْهُ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ الله، مَا سَأَلْتُهُ إِلاَّ لِيُشْبِعَنِي، فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِي عُمَرُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ الله، مَا سَأَلْتُهُ إِلاَّ لِيُشْبِعَنِي، فَمَرَّ فَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِي أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآنِي وَعَرَفَ مَا فِي نَفْسِي وَمَا فِي وَجْهِي ثُمَّ قَالَ: "أَبَا هِرٍّ". قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ الله. قَالَ: "الْحَقْ". وَمَضَى فَتَبِعْتُهُ، فَدَخَلَ فَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنَ لِي، فَدَخَلَ فَوَجَدَ لَبَنًا فِي قَدَحٍ فَقَالَ: "مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ". قَالُوا أَهْدَاهُ لَكَ فُلاَنٌ أَوْ فُلاَنَةُ. قَالَ: "أَبَا هِرٍّ". قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ الله. قَالَ: "الْحَقْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لِي". قَالَ وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الإِسْلاَمِ، لاَ يَأْوُونَ إِلَى أَهْلٍ وَلاَ مَالٍ، وَلاَ عَلَى أَحَدٍ، إِذَا أَتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ، وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئًا، وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، وَأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا، فَسَاءَنِي ذَلِكَ فَقُلْتُ وَمَا هَذَا اللَّبَنُ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ كُنْتُ أَحَقّ أَنَا أَنْ أُصِيبَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا، فَإِذَا جَاءَ أَمَرَنِي فَكُنْتُ أَنَا أُعْطِيهِمْ، وَمَا عَسَى أَنْ يَبْلُغَنِي مِنْ هَذَا اللَّبَنِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ الله وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُدٌّ، فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ فَأَقْبَلُوا، فَاسْتَأْذَنُوا فَأَذِنَ لَهُمْ، وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ الْبَيْتِ قَالَ: "يَا أَبَا هِرٍّ". قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ الله. قَالَ: "خُذْ فَأَعْطِهِمْ". قَالَ فَأَخَذْتُ الْقَدَحَ فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ، فَأُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَح حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَوِيَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ، فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ فَنَظَرَ إِلَيَّ فَتَبَسَّمَ فَقَالَ: "أَبَا هِرٍّ". قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ الله. قَالَ: "بَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ". قُلْتُ صَدَقْتَ يَا رَسُولَ الله. قَالَ: "اقْعُدْ فَاشْرَبْ". فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ. فَقَالَ: "اشْرَبْ". فَشَرِبْتُ، فَمَا زَالَ يَقُولُ: "اشْرَبْ". حَتَّى قُلْتُ لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا. قَالَ: "فَأَرِنِي". فَأَعْطَيْتُهُ الْقَدَحَ فَحَمِدَ الله وَسَمَّى، وَشَرِبَ الْفَضْلَةَ.]
وعن محمد بن هلال عن أبيه عن أبي هريرة قال: خرجت يوما من بيتي إلى المسجد ، فوجدت نفرا ، فقالوا: ما أخرجك؟ قلت : الجوع . فقالوا : ونحن والله ما أخرجنا إلا الجوع .
فقمنا فدخلنا على رسول الله، فقال: "ما جاء بكم هذه الساعة؟" فأخبرناه، فدعا بطبق فيه تمر، فأعطى كل رجل منا تمرتين. فقال: "كلوا هاتين التمرتين، واشربوا عليهما من الماء، فإنهما ستجزيانكم يومَكم هذا" .
فأكلت تمرة، وخبأت الأخرى، فقال: يا أبا هريرة لم رفعتها؟ قلت: لأمي. قال: "كلها، فسنعطيك لها تمرتين".

[إسلام أمّه]

[ عن أبي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، وَقَالَ لَنَا: وَاللهِ مَا خَلَقَ اللهُ مُؤْمِنًا يَسْمَعُ بِي وَلَا يَرَانِي إِلَّا أَحَبَّنِي. قُلْتُ: وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: إِنَّ أُمِّي كَانَتِ امْرَأَةً مُشْرِكَةً، وَإِنِّي كُنْتُ أَدْعُوهَا إِلَى الْإِسْلَامِ، وَكَانَتْ تَأْبَى عَلَيَّ، فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا، فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَكْرَهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أَبْكِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ، وَكَانَتْ تَأْبَى عَلَيَّ، وَإِنِّي دَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ ". فَخَرَجْتُ أَعْدُو أُبَشِّرُهَا بِدُعَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَتَيْتُ الْبَابَ إِذَا هُوَ مُجَافٍ، وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ، وَسَمِعَتْ خَشْفَ رِجْلَىَّ -يَعْنِي وَقْعَهُمَا-، فَقَالَتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، كَمَا أَنْتَ. ثُمَّ فَتَحَتِ الْبَابَ وَقَدْ لَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا، فَقَالَتْ: إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رواه مسلم وأحمد واللفظ له.]

[حفظه وإتقانه]
وكان حفظ أبي هريرة الخارق من معجزات النبوة.
فعن أبي هريرة قال: إنكم تقولون : إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وتقولون: ما للمهاجرين والأنصار لا يحدّثون مثله! -والله الموعد- إن إخواني المهاجرين كان يشغلهم الصفْق بالأسواق، وكان إخواني من الأنصار يشغلهم عمل أموالهم، وكنت امرأ مسكينا من مساكين الصفة ، ألزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على ملء بطني، فأحضُر حين يغيبون، وأعي حين ينسَوْن، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في حديث يحدّثه يوما: "من يبسط ثوبه حتى أقضي مقالتي، ثم قبضه إليه، لم ينس شيئا سمع مني أبدا."
ففعلتُ. فوالذي بعثه بالحق، ما نسيت شيئا سمعته منه. [متفق عليه]
[وفي رواية] عن سعيد بن أبي هند عنه أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال : "ألا تسألني من هذه الغنائم التي يسألني أصحابك؟" قلت : أسألك أن تعلمني مما علمك الله. فنزع نَمِرة كانت على ظهري ، فبسطها بيني وبينه، حتى كأني أنظر إلى النمل يدبّ عليها فحدثني، حتى إذا استوعبت حديثه قال: "اجمعها فصُرْها إليك" فأصبحتُ لا أسقط حرفا مما حدثني.
وعن أبي هريرة أنه قال: قلت : يا رسول الله ، من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: "لقد ظننت يا أبا هريرة لا يسألني عن هذا الحديث أحد أوّل منك لِما رأيتُ من حرصك على الحديث، إن أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصا من نفسه". [أخرجه البخاري]
[وروى الحاكم] عن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أبو هريرة وعاء من العلم" [الضعيفة 1744]
وقال أبو صالح السمان: كان أبو هريرة من أحفظ الصحابة.
وعن سعيد بن أبي الحسن أنه قال: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أكثر حديثا من أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وإنّ مروان - زمنَ هو على المدينة - أراد أن يكتب حديثه كله فأبى، وقال: اروِ كما رَوينا.
فلما أبى عليه، تغفله مروان، وأقعد له كاتبا ثَقِفًا، ودعاه، فجعل أبو هريرة يحدثه، ويكتب ذاك الكاتب، حتى استفرغ حديثه أجمع .
ثم قال مروان : تعلمُ أنا قد كتبنا حديثك أجمع؟ قال : وقد فعلت؟ قال : نعم. قال : فاقرءوه علي. فقرءوه . فقال أبو هريرة: أما إنكم قد حفظتم، وإن تطعني تمحه. قال: فمحاه.
[وفي رواية عن] أبي الزعيزعة كاتبِ مروان: أن مروان أرسل إلى أبي هريرة، فجعل يسأله، وأجلسني خلف السرير، وأنا أكتب، حتى إذا كان رأس الحول دعا به، فأقعده من وراء الحجاب، فجعل يسأله عن ذلك الكتاب، فما زاد ولا نقص، ولا قدّم ولا أخّر.
قلتُ: هكذا فليكن الحفظ .
قال الشافعي: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره.
وقال مكحول: تواعد الناس ليلة إلى قبة من قباب معاوية، فاجتمعوا فيها، فقام فيهم أبو هريرة يحدّثهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حتى أصبح.
وقال عبد الله بن شقيق: قال أبو هريرة: لا أعرف أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أحفظَ لحديثه مني.
[وروى البخاري عنه]: ما أحدٌ من أصحاب رسول الله أكثرَ حديثا مني عنه، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو ، فإنه كان يكتب، وكنت لا أكتب.
وعن أبي رافع عن أبي هريرة: أنه لقي كعبا، فجعل يحدثه ويسأله، فقال كعب: ما رأيت أحدا لم يقرأ التوراة أعلم بما فيها من أبي هريرة.
وعن ابن عمر أنه مرّ بأبي هريرة وهو يحدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من تبع جنازة فصلى عليها فله قيراط، فإن شهد دفنها فله قيراطان، القيراط أعظم من أحد» فقال له ابن عمر: أبا هر، انظر ما تحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقام إليه أبو هريرة حتى انطلق به إلى عائشة، فقال لها: يا أم المؤمنين، أنشدك بالله أسمعتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من تبع جنازة فصلى عليها فله قيراط، فإن شهد دفنها فله قيراطان»؟ فقالت: اللهم نعم. فقال أبو هريرة: إنه لم يكن يشغلني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس الودي ولا صفق بالأسواق، إني إنما كنت أطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة يعلمنيها، أو أكلة يطعمنيها. فقال له ابن عمر: أنت يا أبا هر كنت ألزمَنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمَنا بحديثه.[رواه أحمد].
وأسند الواقدي عن نافع قال: كنت مع ابن عمر في جنازة أبي هريرة، فبقي يكثر الترحم عليه، ويقول: كان ممن يحفظ حديث رسول الله على المسلمين.
دخل أبو هريرة على عائشة ، فقالت له : أكثرتَ يا أبا هريرة عن رسول الله! قال: إي والله يا أماه! ما كانت تشغلني عنه المرآة ولا المُكحلة ولا الدهن. قالت: لعله. [قال ابن حجر في الإصابة: رواه ابن سعد بسند جيد]
وقد كان أبو هريرة يجلس إلى حجرة عائشة، فيحدث، ثم يقول : يا صاحبة الحجرة ، أتنكرين مما أقول شيئا؟ فلما قضت صلاتها لم تنكر ما رواه، لكن قالت: لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يسرد الحديث سردكم [أصله في الصحيحين]
وكذلك قيل لابن عمر: هل تنكر مما يحدّث به أبو هريرة شيئا؟ فقال : لا، ولكنه اجترأ وجبُنّا .
فقال أبو هريرة: فما ذنبي إن كنت حفظتُ ونسوا !
وعن عاصم بن محمد عن أبيه أنه قال: رأيتُ أبا هريرة يخرج يوم الجمعة، فيقبض على رمّانتي المنبر قائما، ويقول : حدثنا أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم- الصادق المصدوق، فلا يزال يحدث حتى يسمع فتح باب المقصورة لخروج الإمام، فيجلس.
وقال سُليم: أتيت المدينة، فإذا أبو أيوب يحدث عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- فقلت: وأنت صاحب رسول الله! قال: إنه قد سمع [ما لم نسمع]، وأن أحدّثَ عنه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحبُّ إلي من أن أحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- [يعني ما لم أسمعه منه كما في البداية لابن كثير].
وقال مالك بن أبي عامر [ جدّ الإمام مالك]: جاء رجل إلى طلحة بن عبيد الله، فقال: يا أبا محمد! أرأيتَ هذا اليماني -يعني: أبا هريرة- أهو أعلمُ بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- منكم؟ نسمع منه أشياء لا نسمعها منكم، أم هو يقول على رسول الله ما لم يقل؟ قال: أما أن يكون سمع ما لم نسمع فلا أشك؛ سأحدثك عن ذلك: إنا كنا أهل بيوتات وغنم وعمل، كنا نأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- طرفي النهار ، وكان مسكينا ضيفا على باب رسول الله، يدُه مع يده، فلا نشكّ أنه سمع ما لم نسمع، ولا تجد أحدا فيه خير يقول على رسول الله ما لم يقل.
وعن محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم أنه قعد في مجلس فيه أبو هريرة وفيه مشيخة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بضعة عشر رجلا، فجعل أبو هريرة يحدثهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم- بالحديث، فلا يعرفه بعضهم، ثم يتراجعون فيه، فيعرفه بعضهم، ثم يحدثهم بالحديث، فلا يعرفه بعضهم، ثم يعرفه، حتى فعل ذلك مرارا. فعرفتُ يومئذ أنه أحفظ الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن محمد بن قيس بن مخرمة : أن رجلا جاء إلى زيد بن ثابت فسأله عن شيء، فقال : عليك بأبي هريرة؛ فإنه بينا أنا وهو وفلان في المسجد ندعو ، خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فجلس، وقال : "عودوا إلى ما كنتم." قال زيد : فدعوت أنا وصاحبي، ورسول الله يؤمّن. ثم دعا أبو هريرة ، فقال: اللهم إني أسألك مثل ما سألاك ، وأسألك علما لا يُنسى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آمين".
فقلنا : ونحن نسأل الله علما لا يُنسى.
فقال: "سبقكما بها الدَّوسي".
تفرّد به الفضل بن العلاء، وهو صدوق.

[وكان رضي الله عنه حكيمًا في روايته الحديث؛
فقد صحّ عنه أنه] قال: حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وعاءين: فأما أحدهما، فبثثته في الناس، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم. [رواه البخاري]
وعن الحسن: قال أبو هريرة : لو حدثتكم بكل ما في كيسي ، لرميتموني بالبعر، ثم قال الحسن: صدق والله؛ لو حدثهم أن بيت الله يُهدم أو يحرق ما صدّقوه.
وعن مكحول قال: كان أبو هريرة يقول : ربّ كِيسٍ عند أبي هريرة لم يفتحه. يعني: من العلم.
قلتُ: هذا دالّ على جواز كتمان بعض الأحاديث التي تحرّك فتنة في الأصول أو الفروع أو المدح والذم،
أما حديث يتعلق بحل أو حرام فلا يحل كتمانه بوجه؛ فإنه من البينات والهدى. وفي صحيح البخاري : قول علي رضي الله عنه: حدّثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يُكذّب الله ورسوله؟
وكذا لو بثّ أبو هريرة ذلك الوعاء لأوذي، بل لقُتل. ولكن العالم قد يؤديه اجتهاده إلى أن ينشر الحديث الفلاني إحياء للسنن، فله ما نوى وله أجر- وإن غلط - في اجتهاده.

[إقلاله من الحديث زمن عمر قبل أن يأذن له أمير المؤمنين]
كان عمر - رضي الله عنه- يقول : أقلّوا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وزجرَ غيرَ واحد من الصحابة عن بث الحديث، وهذا مذهب لعمر ولغيره.
[قال ابن كثير في البداية: وَهَذَا مَحْمُولٌ مِنْ عُمَرَ عَلَى أَنَّهُ خَشِيَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يَضَعُهَا النَّاسُ عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهَا، وَأَنَّهُمْ يَتَّكِلُونَ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ أَحَادِيثِ الرُّخَصِ، أَوْ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَكْثَرَ مِنَ الْحَدِيثِ رُبَّمَا وَقَعَ فِي أَحَادِيثِهِ بَعْضُ الْغَلَطِ أَوِ الْخَطَأِ فَيَحْمِلُهَا النَّاسُ عَنْهُ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. ثمّ قال: فَإِنَّ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: اشْتَغِلُوا بِالْقُرْآنِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ الله. وَلِهَذَا لَمَّا بَعَثَ أَبَا مُوسَى إِلَى الْعِرَاقِ قَالَ لَهُ: إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا لَهُمْ فِي مَسَاجِدِهِمْ دَوِيٌّ بِالْقُرْآنِ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، فَدَعْهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ، وَلَا تَشْغَلْهُمْ بِالْأَحَادِيثِ، وَأَنَا شَرِيكُكَ فِي ذَلِكَ. وَهَذَا مَعْرُوفٌ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.] فعن السائب بن يزيد : سمع عمر يقول لأبي هريرة : لتتركَنَّ الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-أو لألحقنك بأرض دوس! وقال لكعب : لتتركن الحديث أو لألحقنك بأرض القِردة [موطنه باليمن].
وعن أبي هريرة كان يقول: إني لأحدث أحاديث لو تكلمت بها في زمن عمر لشج رأسي.
وعنه أيضا قال: ما كنا نستطيع أن نقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حتى قُبض عمر - رضي الله عنه-؛ كنا نخاف السياط.
قلتُ: فبالله عليك، إذا كان الإكثار من الحديث في دولة عمر ، كانوا يُمنعون منه، مع صدقهم وعدالتهم وعدم الأسانيد، بل هو غضّ لم يشب، فما ظنك بالإكثار من رواية الغرائب والمناكير في زماننا مع طول الأسانيد وكثرة الوهم والغلط؟ فبالحري أن نزجر القومَ عنه، فيا ليتهم يقتصرون على رواية الغريب والضعيف، بل يروون - والله- الموضوعاتِ والأباطيلَ والمستحيلَ في الأصول والفروع والملاحم والزهد، نسأل الله العافية.
فمن روى ذلك مع علمه ببطلانه، وغرّ المؤمنين، فهذا ظالم لنفسه، جانٍ على السنن والآثار، يستتاب من ذلك فإن أناب وأقصر، وإلا فهو فاسق كفى به إثما أن يحدث بكل ما سمع. وإن هو لم يعلم فليتورع، وليستعن بمن يعينه على تنقية مروياته -نسأل الله العافية- فلقد عمّ البلاء ، وشملت الغفلة ، ودخل الداخل على المحدّثين الذين يركن إليهم المسلمون، فلا عتبى على الفقهاء وأهل الكلام.

[قال ابن كثير: وَقَدْ جَاءَ أَنَّ عُمَرَ أَذِنَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ،] فعن أبي هريرة قال: بلغ عمرَ حديثي، فأرسل إلي، فقال: كنتَ معنا يوم كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في بيت فلان؟ قلت : نعم، وقد علمتُ لأي شيء سألتني. قال : ولم سألتك؟ قلت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال يومئذ "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" قال : أما لا، فاذهب فحدّث. وفي سنده ضعيف.
[وروى الإمام أحمد] أنّ أبا هريرة كان يبتدئ حديثه بأن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من كذب علي متعمّدا فليتبوأ مقعده من النار ".

[فتياه وفقهه]

قال الشافعي: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير بن الأشج عن معاوية بن أبي عياش الأنصاري أنه كان جالسا مع ابن الزبير ، فجاء محمد بن إياس بن البكير، فسأل عن رجل طلق ثلاثا قبل الدخول.
فبعثه إلى أبي هريرة وابن عباس - وكانا عند عائشة - فذهب، فسألهما. فقال ابن عباس لأبي هريرة : أفته يا أبا هريرة، فقد جاءتك معضلة. فقال: الواحدة تُبينها، والثلاث تحرمها. وقال ابن عباس مثله.
وقد ولي أبو هريرة البحرين لعمر، وأفتى بها في مسألة المطلقة طلقة ثم يتزوج بها آخر، ثم بعد الدخول فارقها فتزوجها الأول، هل تبقى عنده على طلقتين كما هو قول عمر وغيره من الصحابة ومالك والشافعي، وأحمد في المشهور عنه،
أو تلغى تلك التطليقة، وتكون عنده على الثلاث، كما هو قول ابن عباس وابن عمر وأبي حنيفة ورواية عن عمر، بناءً على أن إصابة الزوج تهدم ما دون الثلاث، كما هدمت إصابته لها الثلاث.
فالأول مبني على أن إصابة الزوج الثاني إنما هي غاية التحريم الثابت بالطلاق الثلاث فهو الذي يرتفع، والمطلقة دون الثلاث لم تحرم، فلا ترفع الإصابة منها شيئا. وبهذا أفتى أبو هريرة. فقال له عمر: لو أفتيت بغيره، لأوجعتك ضربا.
عن زياد بن مينا قال: كان ابن عباس وابن عمر وأبو سعيد وأبو هريرة وجابر مع أشباه لهم يفتون بالمدينة ويحدثون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من لدن توفي عثمان إلى أن توفوا.
قال: وهؤلاء الخمسة، إليهم صارت الفتوى.
وكان أبو هريرة يجهر في صلاته: ببسم الله الرحمن الرحيم.
وروى الزهري عن سالم أنه سمع أبا هريرة يقول: سألني قوم محرمون عن مُحلّين أهدَوْا لهم صيدا. فأمرتهم بأكله. ثم لقيت عمر بن الخطاب، فأخبرته. فقال: لو أفتيتهم بغير هذا لأوجعتك.
وكذلك أفتى أبو هريرة في دقاق المسائل مع مثل ابن عباس، وقد عدّه ابن حزم في الإحكام في طبقة المتوسّطين من الصحابة في الفتوى، وقد عمل الصحابة فمَن بعدهم بحديث أبي هريرة في مسائل كثيرة تخالف القياس.
قال الحافظ أبو سعد السمعاني : سمعت أبا المعمر المبارك بن أحمد: سمعت أبا القاسم يوسف بن علي الزنجاني الفقيه: سمعت الفقيه أبا إسحاق الفيروزآبادي: سمعت القاضي أبا الطيب يقول: كنا في مجلس النظر بجامع المنصور، فجاء شاب خراساني، فسأل عن مسألة المُصرّاة فطالب بالدليل، حتى استُدل بحديث أبي هريرة الوارد فيها. فقال وكان حنفيا: أبو هريرة غير مقبول الحديث.! فما استتمّ كلامه حتى سقط عليه حية عظيمة من سقف الجامع، فوثب الناسُ من أجلها، وهرب الشاب منها، وهي تتبعه.
فقيل له : تب، تب. فقال: تبتُ. فغابت الحية، فلم يُر لها أثر.
إسناد هذه القصّة أئمة.
وأبو هريرة إليه المنتهى في حفظ ما سمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم وأدائه بحروفه. وقد أدّى حديث المصرّاة بألفاظه، فوجب علينا العمل به، وهو أصل برأسه.
وقد كان أبو هريرة وثيق الحفظ، ما علمنا أنه أخطأ في حديث.

[إمامته في القرآن
الكثير من أهل المغرب العربي لا يعرف أن روايتي ورش وقالون تنتهيان في أسانيدهما إلى أبي هريرة
فورش مثلا قرأ على نافع، عن أبي جعفر والأعرج وشيبة بن نصاح ومسلم بن جندب ويزيد بن رومان، عن أبي هريرة وابن عبّاس وعبد الله بن عياش، عن أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن جبريل عليه السلام، عن ربّ العزة جلّ جلاله.
وقد ذكره الحافظ الذهبي في معرفة القراء الكبار في رأس الطبقة الثانية.
وقال ابن الجزري في طبقات القراء 370/1: قرأ على أبي بن كعب، وعرض عليه عبد الرحمن بن هرمز الأعرج وأبو جعفر قيل وشيبة بن نصاح ... وتنتهي إليه قراءة أبي جعفر ونافع]

[انتقادان مهجوران]
1- قال بعضهم: كان أبو هريرة يدلس!
قلت: تدليس الصحابة كثير، ولا عيب فيه؛ فإن تدليسهم عن صاحب أكبر منهم، والصحابة كلهم عدول.

2- وقال بعض أهل العراق: ما كان أصحابنا يأخذون من حديث أبي هريرة إلا ما كان حديث جنة أو نار!
قلتُ: هذا لا شيء، بل احتجّ المسلمون قديما وحديثا بحديثه، واحتجّ به أبو حنيفة [إمام أهل العراق]؛ لحفظه وجلالته وإتقانه وفقهه، وناهيك أن مثل ابن عباس يتأدب معه، ويقول : أفت يا أبا هريرة .
وأين مثل أبي هريرة في حفظه وسعة علمه؟

[عبادته وأخلاقه رضي الله عنه]

قال أبو عثمان النهدي: تضيفت أبا هريرة سبعا، فكان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثا: يصلي هذا، ثم يوقظ هذا، ويصلي هذا، ثم يوقظ هذا. قلت: يا أبا هرير!، كيف تصوم ؟ قال : أصوم من أول الشهر ثلاثا.
وعن شُرحبيل: أن أبا هريرة كان يصوم الاثنين والخميس.
[وفي الصحيحين عنه أنه قال: «أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام.»
وقال أبو هريرة: إني أجزّئ الليل ثلاثة أجزاء، فجزء لقراءة القرآن، وجزء أنام فيه، وجزء أتذكر فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان له مسجد في مخدعه، ومسجد في بيته، ومسجد في حجرته، ومسجد على باب داره، إذا خرج صلى فيها جميعها، وإذا دخل صلى فيها جميعها.
وعن أبي عثمان النهدي أن أبا هريرة كان في سفر ومعه قوم، فلما نزلوا وضعوا السفرة وبعثوا إليه ليأكل معهم فقال:إني صائم. فلما كادوا أن يفرغوا من أكلهم جاء فجعل يأكل، فجعل القوم ينظرون إلى رسولهم الذي أرسلوه إليه، فقال لهم: أراكم تنظرون إلي، قد والله أخبرني أنه صائم. فقال أبو هريرة: صدق، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "«صوم شهر الصبر وصوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر» ". وقد صمت ثلاثة أيام من أول الشهر، فأنا مفطر في تخفيف الله، صائم في تضعيف الله عز وجل.
وعن أبي المتوكل عن أبي هريرة أنه كان هو وأصحاب له إذا صاموا يجلسون في المسجد، وقالوا: نطهر صيامنا. كما في البداية]
وعن عكرمة أن أبا هريرة كان يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة، يقول : أسبح بقدر دِيَتي.
عن الطفاوي قال: نزلت على أبي هريرة بالمدينة ستة أشهر ، فلم أر من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلا أشدّ تشميرا ولا أقومَ على ضيف من أبي هريرة.
فدخلتُ عليه ذاتَ يوم وهو على سريره ومعه كيس فيه نوى -أو حصى-، أسفلُ منه سوداءُ، فيسبح ويلقي إليها، فإذا فرغ منها، ألقى إليها الكيس فأوعته فيه، ثم ناولته فيعيد ذلك.
وعن حفيده نُعيم بن المحرّر بن أبي هريرة عن جده: أنه كان له خيط فيه ألفا عقدة، لا ينام حتى يسبّح به.
وعن ميمون بن ميسرة قال: كانت لأبي هريرة صيحتان في كل يوم أوّلَ النهار وآخره يقول: ذهب الليل، وجاء النهار، وعُرض آل فرعون على النار. فلا يسمعه أحد إلا استعاذ بالله من النار.
[وقال -كما في البداية-: لا تغبطن فاجرا بنعمة، فإنّ مِن ورائه طالبا حثيثا طلبُه {جهنمُ كلما خبت زدناهم سعيرا}]
وقال الحسن: كان أبو هريرة إذا مرت به جنازة قال: اغدوا فإنا رائحون، وروحوا فإنا غادون.
[وفي البداية أنه كان يتعوذ في سجوده أن يزني أو يسرق أو يكفر أو يعمل بكبيرة. فقيل له: أتخاف ذلك؟ فقال: ما يؤمنني وإبليس حي، ومصرّف القلوب يصرفها كيف يشاء؟]
وقال عبد الوهاب المدني: بلغني أن رجلا دخل على معاوية ، فقال: مررت بالمدينة، فإذا أبو هريرة جالس في المسجد، حوله حلقة يحدثهم، فقال: حدثني خليلي أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم- ثم استعبر فبكى، ثم عاد فقال : حدثني خليلي - صلى الله عليه وسلم- نبي الله أبو القاسم . ثم استعبر فبكى. ثم قام.
[وعن أبي المتوكل أن أبا هريرة كانت لهم زنجية قد غمتهم بعملها، فرفع عليها يوما السوط، ثم قال: لولا القصاص يوم القيامة لأغشيتك به، ولكن سأبيعك ممن يوفيني ثمنك أحوج ما أكون إليه، اذهبي فأنت حرة لله عز وجل. كما في البداية]
قلتُ: كان أبو هريرة طيب الأخلاق، ربما ناب في المدينة عن مروان أيضا.
فعن أبي رافع قال: كان مروان ربما استخلف أبا هريرة على المدينة، فيركب حمارا ببرذعة، وفي رأسه خلبة من ليف، فيسير فيَلقى الرجلَ فيقول: الطريقَ! قد جاء الأمير.
وربما أتى الصبيانَ، وهم يلعبون بالليل لعبة الأعراب، فلا يشعرون حتى يلقي نفسه بينهم، ويضرب برجليه، فيفزع الصبيان، فيفرون.
وربما دعاني إلى عشائه، فيقول: دع العُراق للأمير. [يعني قِطعَ اللحم]. فأنظر، فإذا هو ثريدة بزيت!

[وكان يذكر نعمة الله عليه ويشكره]

فعن أبي يونس عن أبي هريرة : أنه صلى بالناس يوما، فلما سلم رفع صوته فقال: الحمد لله الذي جعل الدين قواما، وجعل أبا هريرة إماما بعد أن كان أجيرا لابنة غزوان على شبع بطنه، وحمولة رجله.
وقال مضارب بن حزن: بينا أنا أسير تحت الليل إذا رجل يكبر، فألحقه بعيري، فقلت : من هذا؟ قال : أبو هريرة . قلت : ما هذا التكبير؟ قال : شكر . قلت : علامه؟ قال : كنت أجيرا لبسرة بنت غزوان بعقبة رجلي، وطعام بطني، وكانوا إذا ركبوا سقت بهم، وإذا نزلوا خدمتهم، فزوجنيها الله، فهي امرأتي.
[وروى البخاري في الأدب المفرد] عن حُميد بن مالك بن خثيم قال: كنتُ جالسا عند أبي هريرة في أرضه بالعقيق، فأتاه قوم فنزلوا عنده. فقال : اذهب إلى أمي، فقل: إن ابنك يقرئك السلام ويقول: أطعمينا شيئا. قال: فوضعتْ ثلاثة أقراص في الصحفة وشيئا من زيت وملح ووضعتها على رأسي فحملتُها إليهم. فلما وضعتُه بين أيديهم كبّر أبو هريرة وقال: الحمد لله الذي أشبعنا من الخبز بعد أن لم يكن طعامُنا إلا الأسودين: التمرَ والماء.
فلم يصب القومُ من الطعام شيئا.
فلما انصرفوا قال : يابن أخي، أحسن إلى غنمك، وامسح عنها الرعام، وأطب مراحها، وصلّ في ناحيتها فإنها من دوابّ الجنة، والذي نفسي بيده، يوشك أن يأتي على الناس زمان تكون الثُلة من الغنم أحبّ إلى صاحبها من دار مروان.

[أمانته وتعفّفه]
[تقدّم أن النبي صلى الله عليه وسلم جعله مؤذنا لبعث العلاء الحضرمي، وذلك يدلّ على أمانته. وهي المرة الوحيدة التي فارق فيها النبيّ صلى الله عليه وسلم. كما في البداية]
عن ابن سيرين: أن عمر استعمل أبا هريرة على البحرين، فقدم بعشرة آلاف. فقال له عمر : استأثرت بهذه الأموال يا عدوّ الله وعدو كتابه؟.
فقال أبو هريرة: فقلت: لست بعدو الله وعدو كتابه، ولكني عدوّ من عاداهما .
قال : فمن أين هي لك؟ قلتُ: خيل نُتجت، وغلة رقيق لي، وأعطية تتابعت .
فنظروا ، فوجدوه كما قال.
فلما كان بعد ذلك دعاه عمر ليوليه، فأبى. فقال: تكره العمل وقد طلب العمل من كان خيرا منك: يوسف عليه السلام! فقال: يوسف نبي ابن نبي ابن نبي وأنا أبو هريرة بن أميمة، وأخشى ثلاثا واثنتين. قال : فهلا قلت خمسا؟ قال: أخشى أن أقول بغير علم، وأقضي بغير حلم، وأن يُضرب ظهري، ويُنتزع مالي، ويُشتم عرضي.
وعن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: أن عمر قال لأبي هريرة: كيف وجدت الإمارة؟ قال : بعثتني وأنا كاره، ونزعتني وقد أحببتها. وأتاه بأربعمائة ألف من البحرين. فقال: ما جئت به لنفسك؟ قال : عشرين ألفا . قال: من أين أصبتها؟ قال : كنت أتّجر. قال: انظر رأس مالك ورزقك فخذه، واجعل الآخر في بيت المال.
وقال ثعلبة بن أبي مالك القُرظي: أقبل أبو هريرة في السوق يحمل حزمة حطب، وهو يومئذ خليفة لمروان، فقال: أوسع الطريقَ للأمير!!
ورُوي عنه أنه قال: درهم يكون مِن هذا -وكأنه يمسح العرق عن جبينه- أتصدّق به، أحبّ إلي من مائة ألف ومائة ألف ومائة ألف من مال فلان.
[وقال أبو الزعيزعة كاتب مروان: بعث مروان إلى أبي هريرة بمائة دينار، فلما كان الغد بعث إليه: إني غلِطتُ ولم أردْك بها، وإني إنما أردت غيرَك. فقال أبو هريرة: قد أخرجتها، فإذا خرج عطائي فخذها منه. وكان قد تصدّق بها. وإنما أراد مروان اختبارَه. كما في البداية]
عن ابن سيرين أن أبا هريرة قال لابنته: لا تلبَسي الذهب؛ فإني أخشى عليك اللهب.
قلتُ: هذا صحيح عن أبي هريرة. وكأنه كان يذهب إلى تحريم الذهب على النساء أيضا أو أن المرأة إذا كانت تختال في لبس الذهب وتفخر فإنه يحرم كما فيمن جر ثوبه خيلاء.

[شدته في الحق ولو خالفه الأمير]
نزع معاويةُ مروان وبعث أبا هريرة على المدينة، فقال لغلام أسود: قف على الباب، فلا تمنع إلا مروان، ففعل الغلام، ودخل الناس، ومنع مروان. ثم جاء نوبة فدخل، وقال: حَجَبنا عنك [الغلام]، فقال : إن أحقّ من لا أنكرَ هذا لأنت.
ولما أرادوا أن يدفنوا الحسن في الحجرة النبوية، وقع خصام [وكأن مروان والي المدينة لمعاوية عارضَ ذلك]
فأنكر أبو هريرة على مَرْوَانَ وقال:
والله ما أنت والٍ، وإن الوالي لغيرك فدعْه - يعني حين أرادوا أن يدفنوا الحسن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - ولكنك تدخل فيما لا يعنيك، إنما تريد بهذا إرضاء من هو غائب عنك. يعني معاوية. قال: فأقبل عليه مروان مغضبا، فقال: يا أبا هريرة، إن الناس قد قالوا: إنك أكثرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث. وإنما قدمت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بيسير. فقال أبو هريرة: نعم، قدمت والله ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر سنة سبع، وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين سنة سنوات، وأقمت معه حتى توفي، أدور معه في بيوت نسائه وأخدمه، وأنا والله يومئذ مقل، وأصلي خلفه وأغزو وأحج معه، فكنت -والله- أعلمَ الناس بحديثه، [قد والله سبقني قوم - بصحبته والهجرة - من قريش والأنصار، فكانوا يعرفون لزومي له، فيسألوني عن حديثه، منهم عمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير، فلا والله ما يخفى علي كل حدث كان بالمدينة، وكل من أحب الله ورسوله، وكل من كانت له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلة، وكل صاحب له، فكان أبو بكر صاحبه في الغار، وغيره قد أخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة أن يساكنه. يعرض بأبي مروان الحكم بن أبي العاص. ثم قال أبو هريرة: ليسألني أبو عبد الملك عن هذا وأشباهه، فإنه يجد عندي منه علما جما ومقالا. قال: فوالله ما زال مروان يقصر عن أبي هريرة ويتقيه بعد ذلك ويخافه ويخاف جوابه.
وفي رواية أن أبا هريرة قال لمروان: إني أسلمت وهاجرتُ اختيارا وطوعا، وأحببت رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا شديدا، وأنتم أهل الدار وموضع الدعوة، أخرجتم الداعي من أرضه، وآذيتموه وأصحابه، وتأخر إسلامكم عن إسلامي إلى الوقت المكروه إليكم. فندم مروان على كلامه له واتقاه.]

[وروى أبو يعلى عن أبي رافع، أن رجلا من قريش أتى أبا هريرة في حلة يتبختر فيها، فقال: يا أبا هريرة، إنك تكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل سمعته يقول في حلتي هذه شيئا؟ قال: والله إنكم لتؤذوننا، ولولا ما أخذ الله على أهل الكتاب ليبيننه للناس ولا يكتمونه ما حدثتكم بشيء، سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: «إن رجلا ممن كان قبلكم بينما هو يتبختر في حُلّة إذ خسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها حتى تقوم الساعة.» فوالله ما أدري لعله كان من قومك. أو: من رهطك. شكّ أبو يعلى كما في البداية]
[وفي صحيح البخاري عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لاَ يَمْنَعُ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ". ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَاللَّهِ لأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ.]

[وفاته رضي الله عنه
عن أبي سلمة أن أبا هريرة مرض فدخلتُ عليه أعوده، فقلت: اللهم اشف أبا هريرة. فقال: اللهم لا ترجعها. ثم قال: يا أبا سلمة، يوشك أن يأتي على الناس زمان يكون الموت أحبَّ إلى أحدهم من الذهب الأحمر.
ولما حضره الموت بكى فقيل له: ما يبكيك؟ فقال:ما أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي على بُعد سفري وقلة زادي، وإني أصبحت في صعود مهبط على جنة ونار، لا أدري إلى أيهما يؤخذ بي.
وعن عمير بن هانئ قال: قال أبو هريرة: اللهم لا تدركني سنة ستين. قال: فتوفي فيها أو قبلها بسنة. وهكذا قال الواقدي أنه توفي سنة تسع وخمسين عن ثمان وسبعين سنة.
قالوا: وصلّى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان نائب المدينة وفي القوم ابن عمر وأبو سعيد وخلق، وكان ذلك عند صلاة العصر، وكانت وفاته في داره بالعقيق، فحمل إلى المدينة، فصلى عليه، ثم دفن بالبقيع، رحمه الله ورضي عنه. وكتب الوليدُ بن عتبة إلى معاوية بوفاة أبي هريرة، فكتب إليه معاوية أن انظر ورثته فأحسن إليهم، واصرف إليهم عشرة آلاف درهم، وأحسن جوارهم، واعمل إليهم معروفا فإنه كان ممن نصر عثمان، وكان معه في الدار، رحمه الله تعالى. كما في البداية]
وقال الواقدي: كان ينزل ذا الحليفة، وله بها دار، فتُصُدِّق بها على مواليه، فباعوها من عمرو بن مربع.

هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

جمعه: أبو بكر يوسف قديري

في مغنية ليلة الثلاثاء 16 من جمادى الأولى عام 1440

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 22 Jan 2019, 04:56 PM
الطيب عزام الطيب عزام غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2019
المشاركات: 22
افتراضي

‏قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كلامه عن الصحابة :

( لكن إذا ظهر مبتدع يقدح فيهم بالباطل فلا بد من الذب عنهم وذكر ما يبطل حجته بعلم وعدل ) . منهاج السنة النبوية "6_254"

وإنما وجب الدفاع عن الصحابة لأنهم نقلة الشريعة وأمناؤها فإسقاطهم إسقاط للشرع .
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 23 Jan 2019, 01:02 PM
خالد فضيل خالد فضيل غير متواجد حالياً
مـشـرف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
المشاركات: 49
افتراضي

بارك الله فيك أخي يوسف وجزاك الله خيرا على هذا التهذيب النافع، الذي يعرفنا بسيرة صحابي حفظ على الأمة ميراث نبيّها صلى الله عليه وسلم، أما الطعن في هذا الصحابي الجليل فإنه سبيل كل منافق أراد الخلوص إلى الطعن في نبينا صلى الله عليه وسلم، ولكن كما قال الحافظ الإمام أبو زرعة الرازي رحمه الله: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول عندنا حق والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريد هؤلاء أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، الجرح بهم أولى وهم زنادقة".
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 23 Jan 2019, 09:40 PM
أبو أويس عمر التلمساني أبو أويس عمر التلمساني غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2019
المشاركات: 11
افتراضي

جزاك الله خيرا اخي يوسف وفقك الله
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 23 Jan 2019, 11:30 PM
كمال بن سعيد كمال بن سعيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2018
المشاركات: 238
افتراضي

جزاك اللّه خيرا
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 24 Jan 2019, 09:10 PM
أبو همام القوناني أبو همام القوناني غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2018
المشاركات: 121
افتراضي

حفظكم الله أخي الفاضل
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 25 Jan 2019, 09:08 AM
أبو حذيفة عبد الحكيم حفناوي أبو حذيفة عبد الحكيم حفناوي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2018
المشاركات: 214
افتراضي

جزاك الله خيرا .
وذب الله عن عرضك يوم القيامة .
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013