وكتب عيسى بن يونس رحمه الله تعالى إلى بعض أصحابه يقول: " لا تجالسوا الجهمية، وبينوا للناس أمرهم كي يعرفوهم، فيحذروهم " (11) .
وعن أبي ادريس الخولاني رحمه الله تعالى: " أنه رأى رجلاً يتكلم في القدر فقام إليه فوطئ بطنه، ثم قال: إن فلاناً لا يؤمن بالقدر فلا تجالسوه فخرج الرجل من دمشق إلى حمص " (12).
فقد دلت هذه الآثار المنقولة عن سلف الأمة من الصحابة -رضوان الله عليهم-، ومن تابعيهم -رحمهم الله- على اتفاقهم على هجر أهل البدع وترك مُجالستهم.
يقول الإمام عبد الله محمد بن أبي زمنين رحمه الله تعالى: " ولم يزل أهل السنة يعيبون أهل الأهواء المضلة، وينهون عن مجالستهم، ويخوفون فتنتهم " (13).
ويقول ابن عبد البر: " أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، إلا أن يكون يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه، أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه، فإن كان كذلك فقد رخص له مجانبته ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية " (14).
ويقول الشاطبي رحمه الله تعالى في معرض ذكره لأحكام أهل البدع: " الثاني: الهجران وترك الكلام والسلام، حسبما تقدم عن جملة من السلف في هجرانهم لمن تلبس ببدعة، وما جاء عن عمر رضي الله عنه من قصة صبيغ العراقي " (15).
ويقول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تعالى: " فالمقصود بهذا أن يهجر المسلم السيئات ويهجر قرناء السوء الذين تضر صحبتهم إلا لحاجة أو مصلح راجحة " (16).
ــــــــ
(11) أورده الدارمي في رده على بشر المريسي ص5.
(12) أخرجه ابن بطه في الإبانة الكبرى (2/450).
(13) أصول السنة لابن أبي زمنين بتحقيق محمد هارون (3/1024).
(14) التمهيد لابن عبد البر (6/127).
(15) الاعتصام (1/175).
(16) مجموع الفتاوى (28/216).
|