منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 23 Feb 2016, 12:44 PM
حبيب تومي البجائي حبيب تومي البجائي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
الدولة: بجاية/ الجزائر
المشاركات: 24
افتراضي العلمُ بين التحصيل والحرمان

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصَّلاة والسَّلام على رسوله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين؛ أمَّا بعدُ:
فإنَّ العلمَ أعظمُ ما يُحصِّلُهُ الطَّالبُ، وكُتبه أنفع ما يقتنيه الكاسب، وحامله أفضل من يُجْلَسُ إليه ويُصاحبُ، ويكفيه شرفا أنَّه إذا نسب إلى غير أهله قرت عينه.
إلاَّ أنَّ الطالب قد تعتريه في بعض الأحيان أمور تجعله يعزف عن الطلب، وتقوم بتثبيطه بعدما أن ييأس ويفقد الثقة في نفسه وقدراته، ومن بين هذه الأمور حرمان العلم ابتداءً، أو ضياعه بعد تحصيله وجمعه، ولهذا وددت أن أشارك إخواني بهذا الموضوع الذي بعنوان "العلم بين التحصيل والحرمان" واختياري له راجع إلى أنَّ الإنسان إذا مرضَ واشتكى منه عضو لا شك أنَّه يُسرع في البحث عن الدواء المناسب، وداء القلب أولى بذلك، فقد قيل:
نُسائِل ما الدَّواءُ إذا مرضنا *** وداءُ القلب أولى بالسُّؤالِ

فإنَّ من وسائل تحصيل العلم وثباته : تقوى الله عزَّ وجلَّ، كيف لا؟! وهو وعدٌّ من الكريم المنَّان ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: 282]؛ قال ابن سعدي في تفسير هذه الآية: " أنَّ تقوى الله وسيلةٌ إلى حصول العلم" (1).
وقال جلَّ وعلا في موضعٍ آخر: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾[الأنفال: 29]؛ " والفرقان: هو العلم والهدى الذي يفرق به صاحبه بين الهدى والضّلال، والحق والباطل، والحلال والحرام، وأهل السعادة من أهل الشقاوة "(2).
وقال عزَّ وجلَّ أيضا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾[الحديد: 28]؛ قال ابن كثير(3) في قوله تعالى: ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ " يعني : هدى ينبصر به من العمى والجهالة، ويُغفَرُ لكم، ففضلَّهم بالنُّور والمغفرةِ".
فالمتأمل في الآيات السابقة يجد بأنَّ حصول العلم جَزَاءُ من توفرت فيه صفة تقوى الله عزَّ وجلَّ.
وكما لا يخفى أنَّ التقوى متوقفة ومرهونة بصلاح القلب، ولهذا لا بدَّ على المرء أن يجعل قلبه وعاءً للخير ويُخليه من الشّرِ والأسقام حتى يكون تقيا نقيا، ومثاله ذِكْرُ الله عزَّ وجلَّ فإنَّ ذلك يُقَوِّيهِ، وكذلك أن لا يجعله معرضا للغفلة فإنَّ ذلك يؤذيه؛ قال ابن القيم (4): " الذكر شفاء القلب ودواؤه، والغفلة مرضه".

وكذلك من وسائل تحصيل العلم وثباته ترك الذنوب والمعاصي؛ قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾[ الشمس: 9]؛ قال ابن سعدي رحمه الله: " أي طهَّرَ نفسه من الذُنوبِ ونقَّاها من العيوب، ورقَّاها بطاعة الله، وعلّاها بالعلم النَّافع، والعمل الصالح"(5)؛ وفي هذا أيضا قال ابن القيم أنَّ من آثار ترك المعاصي في الدنيا " تسهيل الطاعات عليه، وتيسير العلم والثّناء الحسن في النّاس"(6).
قال علي بن خشرم –رحمه الله-: " رأيتُ وكيع بن الجراح ولم يكن بيده كتاب، وكان يحفظ ما لا نحفظ، فعجبت من ذلك فسألته وقلت: يا وكيع لا تحمل كتابًا ولا تكتب سوادًا في بياض وتحفظ أكثر مما نحفظ؟! فقال وكيع: - وقد أسر في أذن علي- يا علي إن دللتك على دواء النسيان أتعمل به؟ قلتُ: إي والله، قال: تركُ المعاصي، فوالله ما رأيتُ أنفع للحفظ من ترك المعاصي"(7).
فإذا كان ترك المعاصي يُنال به الفضل الكبير والخير الكثير من الرفعة وعلو النفس بالعلم النافع فإنَّ ارتكابها والوقوع فيها له شأن آخر.
قال ابن القيم رحمه الله: " للمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المُضِرَّة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلاَّ الله:- فمنها حرمان العلم، فإنَّ العلم نورٌ يقذفه الله في القلب، والمعصية تُطفِئُ ذلك النور، ولمَّا جلس الإمام الشافعي بين يدي الإمام مالك –رحمهما الله- وقرأ عليه أعجبه مما رأى من وُفور فطنته، وتوقُّدِ ذكائه، وكمال فهمه؛ فقال: إنّي أرى الله قد ألقى على قلبك نورًا فلا تُطفئه بظلمة المعصية !!.
وقال الشافعي -رحمه الله-:
شكوتُ إلى وكيع سُوءَ حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال: اعلم بأنَّ العلم فضلٌ *** وفضلُ الله لا يُؤتاه عاصي (8)

فالمعاصي تنسيك العلم الذي قمت بتحصيله كما تقوم أيضا بتثبيطك وقطعك عن العلم الذي لم تصل إليه؛ قال ابن القيم رحمه الله:" ومن عقوباتها –أي المعاصي- أنَّها تزيل النِّعمَ الحاصلة وتقطع النعم الواصلة"(9).
وقد قيل:
والعلم يدخل قلب كلِّ موفق *** من غير أبواب ولا استئذان
ويرده المحروم من خذلانه *** ولا تشقنا اللَّهم بالحرمان

فمن هذا يتضحُ لنا أنَّ سِرَّ السعادة والتوفيق يكمن في ملازمة التقوى والقرب من الله عزّ وجلّ بصالح الأعمال وأنَّ الشقاوة والحرمان تكون بالابتعاد عن الرحمن بالذنوب والعصيان؛ وآخر دعوانا أنْ الحمدُ لله رب العالمين.


جمعه وكتبه: أخوكم حبيب تومي البجائي
يوم الاثنين : 13 جمادى الأولى 1437ه
---------------------
(1) و(2) - تيسير الكريم الرحمن ، عبد الرحمن بن ناصر السعدي.
(3) – تفسير ابن كثير.
(4)- الوابل الصيب من الكلم الطيب، ابن القيم الجوزية، دار ابن الهيثم، ص 82
(5) - تيسير الكريم الرحمن ، عبد الرحمن بن ناصر السعدي.
(6)- الفوائد ، ابن القيم الجوزية، ص 209
(7)- سير أعلام النبلاء، (9/151)، المكتبة الشاملة.
(8)- الداء والدواء، ابن القيم الجوزية، ص82
(9)- الداءوالدواء، ص 151


التعديل الأخير تم بواسطة حبيب تومي البجائي ; 23 Feb 2016 الساعة 05:04 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 23 Feb 2016, 03:16 PM
أبو ياسر أحمد بليل أبو ياسر أحمد بليل غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
الدولة: ولاية سعيدة - الجزائر
المشاركات: 405
افتراضي

جزاكم الله خيرا على هذه الكلمات النافعة بإذن الله تبارك وتعالى ونفعنا بما خطت يمينك
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 23 Feb 2016, 10:32 PM
أبو معاذ رضا التبسي أبو معاذ رضا التبسي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2014
الدولة: الجزائر تبسة
المشاركات: 85
افتراضي

بارك الله فيك أخي على طرقك هذا الباب أسأل الله أن يزيدك من فضله، ولعل إخواننا في هذا المنتدى المبارك يدلون بدلوهم في الموضوع فيتشكل عندنا بحث نرجع إليه كلما احتجناه
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 25 Feb 2016, 11:03 AM
حبيب تومي البجائي حبيب تومي البجائي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
الدولة: بجاية/ الجزائر
المشاركات: 24
افتراضي

أخويّ: أبا ياسر وأبا معاذ، سررت بمروركما و بارك الله فيكما.
و أسأل الله جلّ و علا أن يرزقنا الاخلاص لوجهه الكريم.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 25 Feb 2016, 12:18 PM
أبو أمامة حمليلي الجزائري أبو أمامة حمليلي الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jun 2011
الدولة: مدينة أبي العباس غرب الجزائر
المشاركات: 409
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو أمامة حمليلي الجزائري إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو أمامة حمليلي الجزائري
افتراضي

أحسن الله إليكم .
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 25 Feb 2016, 12:38 PM
حبيب تومي البجائي حبيب تومي البجائي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
الدولة: بجاية/ الجزائر
المشاركات: 24
افتراضي

امين و اياكم
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013