منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 01 Nov 2015, 01:01 AM
أبو عبد الرحمن فتحي المستغانمي أبو عبد الرحمن فتحي المستغانمي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2014
الدولة: الجزائر - مستغانم
المشاركات: 41
افتراضي التَّذكير بنعمة الأمن

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أما بعد،
فإنّ حياة العلم المذاكرة، وكما كنا وعدنا به سابقا، فهذا مقام آخر يجمعني بإخوة في الله من خلال هذا المقال، في هذه السلسلة التي أسأل الله السميع المجيب أن يجعلها مباركة علينا. وكنتُ ضمنتها كُليمات في سياق ذكر النعم التي تفضل الله تبارك وتعالى بها علينا والتي غالبا ما يُغفل شكرها كثير من الناس. إذ أن من طبيعة ولد آدم كفران النعم وجحودها، إلاّ قليلا ممن هدى الله، كما قال جلّ ذكره {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ}.
وذلك حين عرض الله الأمانة على السماوات والأرض والجبال فلم تطقها وهي أعظم منه خلقة واعتذرن عن حملها مخافة تضييعها وتحمُّل أوزارها، وتحمَّلها الإنسان وكان غِرًا بأمرِ ربه، قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ظلوما لنفسه جهولا بأمر الله وما احتمل من الأمانة" [1].
فهو {ظلوم} يضع الشيء في غير محله، كالذي في الظلام، لا يدري ما حوله وهل هو أحسن في ترتيبه ونظمه، لما غطى من شهواته على عقله. فإن الله أودع في النفس من الشهوات والحظوظ ما يجعل منها محل النقائص والعيوب. وكثيرا ما تعجز عن الصبر وذكر النعم فتَعجل إلى بخسها وتضييعها والتنكر لمسديها والمتفضل بها. حتى أن صار الظلم صفة ملازمة للإنسان، لازمة لجنسه.
وكونه ظلوما جهولا فهو مجترئ على المعاصي مقصر في حق ربه كفَّار لنعمه؛ وآفته إمّا من عدم الهداية وإما من فرط جهله. ولذلك قال: {جهولاً} أي فجهله يغلب على حلمه فيوقعه في الظلم.
ونِعم الله تثرى لا تحصى، قال الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}. وإن استيقن بعضها فهو مقصر في القيام بحقها، كما قال طَلْقُ بن حَبِيب رحمه الله: "إِنَّ حَقَّ الله أثقل مِن أَن يقوم به العباد، وإِنَّ نعم اللهِ أكثر مِن أَن يحصيها العباد".
ثم رجعنا إلى ما وصفه الله عزّ وجلّ من حاله {إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}، فمع ما أنعمه الله علينا من تلك الخيرات الكثيرة، إلاّ أن الإنسان تغلب عليه شقوته فيصرفها في غير طاعة الله، بل قد يستعين بها فيما يسخط الله تبارك وتعالى، بالإشراك به تارة، ومواقعة محارمه وحرب دينه وأوليائه، ... إلى غير ذلك. فيظلم نفسه ابتداء ويكون سببا في حرمانها. كما قال البيضاوي في تفسيره: "إِنَّ الإِنسان لَظَلُومٌ يظلم النعمة بإغفال شكرها، أو يظلم نفسه بأن يعرضها للحرمان" [2].
فإن من شؤم المعصية زوال النّعم وحلول النقم، "كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ما نزل بلاء إلاّ بذنب، ولا رُفِعَ إلاّ بتوبة"، وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}؛ فإذا ما غيَّر العباد الطاعة بالمعصية، والشُكر بالكفران، وأسباب رضا الله بأسباب سخطه، فإذا غيَّروا غَيَّرَ عليهم، جَزاءً وِفاقًا، وما ربّك بظلام للعبيد، وهكذا إذا ما غَيَّرَ العبد المعصية بالطّاعة، غَيَّرَ اللّه عليه العقوبة بالعافية، والذّلّ بالعزّ، وهذا من تمام عدله وقسطه سبحانه" [3].
قال ابن القيم رحمه الله: "ومن عقوباتها أنها تزيل النعم الحاضرة، وتقطع النعم الواصلة، فتزيل الحاصل، وتقطع الواصل، فإن نعم الله ما حفظ موجودها بمثل طاعته، ولا استجلب مفقودها بمثل طاعته، فإن ما عنده لا ينال إلا بطاعته، وقد جعل الله سبحانه لكل شيء سببا وآفة، سببا يجلبه، وآفة تبطله، فجعل أسباب نعمه الجالبة لها طاعته، وآفاتها المانعة منها معصيته، فإذا أراد حفظ نعمته على عبده ألهمه رعايتها بطاعته فيها، وإذا أراد زوالها عنه خذله حتى عصاه بها" [4].
ولا ريب أن أعظم المصائب على العبد أن يخذله الله عز وجلّ فيكله إلى نفسه وينزع عنه نعمه فيكون هو من تسبب في زوالها.

هذا ونحن نستهل شهرا جديدا لعام هجري جديد، جعله الله عام خير يغاث فيه الناس وفيه يأمنون، وحلول الشهر مناسبة للدعاء والتضرع لله بأن يزيل عنا النقم ويرفع عنا البلاء ويمن علينا بالنعم ويبارك لنا فيها.
ثم وقع بخاصة للتذكير بنعمة الأمن والإيمان، فكان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: «الله أكبر، اللهم أَهِلَّهُ علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، ربنا وربك الله»
فكذلك هي، أنها من أعظم نعم الله على عباده التي قَلَّ من يستشعر أهميتها وضرورتها ويقدرها حق قدرها، نعمة الأمن والاستقرار.
حتى في هذه الأوقات التي لَبس فيها كثير من الشعوب والبلدان من شتى أنواع الخوف والقلق، فلا تجدهم يهنؤون بعيش ولا يأمنون على أنفسهم وأموالهم. وقد كثر الهرج حتى صار لا يدري القاتل فيما قَتل ولا المقتول فيما قُتل، وهذا مصداق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أعلام النبوة.
ويكفي في إبراز شرفها وبالغ أهميتها أن جعلها الله عزّ وجلّ لأهل طاعته وخاصته من عباده في جناته، فيأمنُون من كل بأس أو خوف أو أذًى، ومن كل آفة أو تحوُّل فيُسلَبون نعمة امتنّ الله بها عليهم، قال تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ}، وقال سبحانه: {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ}، وقال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ}.
فحقيق أنها من أعظم النعم، وحريٌ بأن ترعى وتصان إذا ما حازها الإنسان في هذه الدار، فيكون آمناً على دينه ونفسه وعلى عرضه وولده وماله. قال عليه الصلاة وسلام: «من أصبح آمنا في سربه معافا في جسمه عنده طعام يومه فكأنما حيزت له الدنيا».
والأمن يطلق ويراد به طمأنينة النفس وزوال الخوف، كما قال الله تعالى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} أي أبلغه المكان الذي فيه أمنه وطمأنينة نفسه وزوال خوفه.
وما مِن عبد إلاَّ ويبحثُ لنفسه عن أسبابِ أمنِها وسعادتها، ويتوقَّى جَهده أسبابَ خوفها وشقوتها، فهو مطلب فطري جُبِل الإنسان عليه. ومهما أُوتي الإنسان من سلامةِ البَدن ووَفرة في الرزق فإنّه لا يشعُر بقيمته إلاَّ باستتباب أمنه وسلامته. بل قد يهون عليه ماله ورزقه كله عوضا عنه، وكيف له إلى التنعيم وحبالُ الخوف تهزّ كيانَه.
فلأجل هذا، لا تكاد أهميته تخفى على من أوتي أدنى مسكة من الفهم والعقل. وأما الخوارج قاطبة ومَن تشبه بهم مِن الغوغاء وكذا من يُسمون داعش، فهؤلاء جنس آخر.
قال الأزهري: "وقال اللّحياني: "رجل أُمَنَة، للَّذي يأمنه الناسُ وَلَا يَخافون غائلَته" [5]. وقال ابن منظور: "والثقات من أهل اللغة قالوا: أصبح آمنا في سِربه أي في نفسه؛ وفلان آمن السَّرب: لا يغزى ماله ونعمه، لعزه" [6].
كذلك والعاقل إذا أعمل فكره وتأمل، وجدَ الأمنَ ضرورةً في كلّ شأن، وأنّ مصالح العباد الدينية والدنيوية لا تتحقق إلاّ بوجوده، فلا يستغنى عنه، وأدرك أنّه لن يقف على غايةِ كمالِ أمرٍ إلا به. ولعل لأجل هذا كان من دعاء الخليل إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: {... رَبِّ اجْعَل هَـذَا البَلدَ آمِنًا} إلى قوله {... بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} الآية من سورة إبراهيم. فدعا اللهَ تبارك وتعالى أن يبسُطَ الأمنَ في بلده الحرام الذي هو مهوى أفئِدَة المسلمين، فيمكنهم من أداء نسكهم كما علمهم وعلى أكمل وجه، وليقيموا الصلاة.
يوضحه أيضا قوله تبارك وتعالى: {حَافِظُواْ عَلى الصَّلوَاتِ والصَّلاَةِ الوُسْطَى وَقُومُواْ للهِ قَانِتِينَ () فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللهَ كَمَا عَلمَكُم مَّا لمْ تَكُونُواْ تَعْلمُونَ}. وقوله تعالى أيضا: {فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلى المُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا}، فاشترط الطمأنينة والأمن من العدو للقيام بهذه العبادة العظيمة التي هي الصلاة، كاملة الوصف، وتامة الأركان. وأما عند الخوف فيُصار إلى العفو والتجوز وقد شرعت لنا صفة خاصة [7]. فتبين أنّه لا يتأتّى القيام بالعبادات على أكمل صورها إلا بتوفر الأمن.
وهكذا هو أمن الطريق بالنسبة لمن عزم الحج من عامه، فحُوصر بعدو، يسقط عنه الوجوب. لأن الله تعالى إنما فرض الحج على المستطيع، ولذلك اشترطوا للحج "تخلية الطريق وهو أن تكون مسلوكة، لا مانع فيها، بعيدة كانت أو قريبة، برا كان أو بحرا، إذا كان الغالب السلامة، فإن لم يكن الغالب السلامة، لم يلزمه سلوكه"، فيتعذر معه نفس الأداء، وإن توفر له الزاد والراحلة، قولاً واحدًا عند الفقهاء [8]. وهو قول السلف من الصحابة والتابعين [9]. قال الله تعالى: {فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ}.
كما أنّ الدعوة إلى الله وانتشار الإسلام في وقت الأمن أكثر من غيره من الأوقات، وما صلح الحديبية بِبَعيد، حيث خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يومها ومعه خمسمائة وألف من المسلمين، فلما انعقد الصلح وكان من شروطه وقف الحرب عشر سنين يأمن فيها النّاس، دخلوا خلالها في دين الله أفواجاً. فلم يَنقَضِ سوى عامين وأشهر حتى خرج النبي صلى الله عليه وسلم لفتح مكة، ومعه عشرة آلاف من المسلمين. ولكن دعاة الانقلابات والاضطرابات لا يلتفتون لهذا! ... لو كانوا يفقهون؟![10]
وكذلك نبي الله موسى عليه وعلى رسولنا الصلاة والسلام، لم يؤمن له سوى نفر قليل، كما قص عنه الله عز وجلّ: {فَمَا آمَنَ لمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لعَال فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لمِنَ المُسْرِفِينَ}. ولما أَغرق الله فرعون ودمّر ما كان يصنع وقومه، ذهب عن النّاس خوفهم وروعهم واستتب لهم الأمن، فدخل في دين الله من بني إسرائيل أفواجاً كثيرة. كما خرَّج البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عرضت عليّ الأمم، ورأيت سوادًا كثيرًا سَدَّ الأفق، فقيل: هذا موسى وقومه».
والمقصود أنه إذا اختلَّ الأمنُ وتبدَّل الحال إلى خوف وقلق، لم يهنأ أحدٌ بنعمة، والله يحب أن يظهر أثر نعمه على عبده فيشكرها ويؤدي حقها. كما صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا آتاك الله مالا فليُر أثر نعمةِ الله عليك، وكرامته».
وإذا اختلَّ الأمن، كذلك هُجرت المساجد وخشي الناس من إظهارِ شعائر دينهم، كما كان من شأن قوم موسى عليه السلام. كما تُعاق سُبُلُ الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتخبو كلمة العلماء لقلة من يطلبها ولشدة العسر في تبليغها. فيتكلم من ليس بأهل، وتنطلق الدهماء، فيحصل أن تُقتّل الأنفس المعصومة، وترمَّل النساء حتى لعلهن يُسبَون، ويُيتَّم الأطفال. هذا وتقطع الأرحام، وتهجَر الديار وتختلُّ المعايش [11]. وإنّ الناظر في حال من حولنا من البلاد تجده على هذه الحقيقة شاهداً. وكما هو لا يخفى أيضا على أهل بلدنا الجزائر حرسه الله من كيد الأشرار ومن غدر الفجار، كيف يصير الحال لو وقعت الفتنة، وانفرط عقد الأمن ساعة من الزمان.
قال معاوية رضي الله عنه: "إيّاكم والفتنةَ، فلا تهمّوا بها، فإنها تفسِد المعيشةَ، وتكدِّر النِّعمة، وتورثُ الاستئصال".
إذا عُرف ذلك، تبين أن من اقتحم هذا الطريق فأمره في غواية ومتّبع سنن الجاهلية. فهو ممن يصدون عن سبيل الله، ويبغونها عوجا، وإن ظنّ أنه يحسن صنعا، ومن ضل بعد ذلك فإن عاقبته سيئة. ولا لائمة بعد بيان، قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: "لا عذر لأحد بعد السنة، في ضلالة ركبها يحسب أنها هدى".
وفي ذكر بعض الآيات الدالة على ما جاء من الوعيد في من صد عن سبيل الله، قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ () وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ () وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ}
وقال تعالى: {اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ () الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ}
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}.
ثم إذا بقي بعد كل هذا الذي استطردنا، من يسمي المظاهرات السياسية التحريضية والأعمال التخريبية ومنازعة الأمر أهله بتأليب العامة على الحكام وإثارة الفتنة حتى لا يُدرى أيًا من أي، وحتى تسفك الدماء ويُروع الآمنين، ثم يزعم أنّ هذا هو الإصلاح، فلا عجب، فإن من العجب أن تعجب، كما كان يقول شيخنا رحمة الله عليه محمد أمان. خاصة في هذا الزمان الذي نطق فيه الرويبضة [12]، وألِفنا نسمع من يسمي الأشياء بغير اسمها.
هذا ومن تأمل شريعة الإسلام السمحاء، فإنه يجدها جمعت بحق المكارم كلّها، فصانت الدينَ والعقول وطهَّرتِ الأموال وحفظتها، وصانت الأعراض وأمَّنت النفوس وعصمتها، ومن ذلك أنّها أمرت بإفشاء تحية السلام والأمان في مجتمعات الناس ونواديهم، على من عرفتَ وعلى من لم تعرف من المسلمين، فقال صلى الله عليه وسلم: «أفشوا السلام بينكم»، وقال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ} الآية. بل أوجبت حفظ النفس، حتى في مظِنَّة أَمنِها، تنبيه على عظم حرمتها، فقال عليه الصلاة والسلام: «إذا مَرَّ أحدُكم في مسجدِنا – وهذا الشاهد - أو في سوقنا ومعه نَبلٌ فليمسِك على نِصالها، - أو قال: فليقبِض بكفِّه -، أن يصيبَ أحدًا من المسلمين منها بشيء». وحذَّرت من إظهارِ أسباب الرَّوع بين صفوفِ المسلمين، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا يُشِير أحدُكم إلى أخيه بالسلاح. فإنه لا يدري لعلَّ الشيطانَ ينزِع في يده، فيقعُ في حفرةٍ من النار».
وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: «من أشار إلى أخيه بحديدةٍ فإنّ الملائكة تلعنُه حتى يدعَها، وإن كان أخاه لأبيه وأمه» كما في الصحيح أيضا. قال النوويّ رحمه الله: "هذا مبالغة في إيضاح عُموم النهي في كلِّ أحدٍ، سواء من يُتَّهم فيه ومن لا يتَّهم، وسواء كان هذا هزلاً ولعبًا أم لا. لأن ترويعَ المسلم حرامٌ بكلِّ حال" [13]. قال صلى الله عليه وسلم: «لا يحلُّ لمسلمٍ أن يروِّع مسلِمًا».

كذلك ويقع على الخيرين من المسلمين أن ينشروا في مجتمعهم تلك النصوص الدالة على ما أسلفنا، وأن يذكروا نعم الله عليهم ويبسطوا القول في التذكير بهذه النعمة الجليلة فإن الناس إلى معرفتها والتعرّف إليها أحوج. وفي مثل هذا العمل الخيّر: نشر للسنة، ومحاربة للبدع، وتجفيف لينبوع الشر والفتن. وإغاظة لأهل الشغب من الفجار والمتربصين وسائر الكفار والمنافقين.
وقال سبحانه: {فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} وقال جلّ جلاله: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ}. وقال عزّ وجلّ: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ () الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}. وقال سبحانه: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}. قال السّعدي في التفسير: "وهذا يشمل النعم الدينية والدنيوية، والتحدث بها أي الثناء على الله بها، وتخصيصها بالذكر إن كان هناك مصلحة. أو يكون على الإطلاق، فإن التحدث بنعمة الله، داع لشكرها، وموجب لتحبيب القلوب إلى من أنعم بها، فإن القلوب مجبولة على محبة المحسن" اهـ [14]. وقال تعالى:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}
والمقصود أنّ في لزوم الجماعة بطاعة الله وبطاعة رسوله وولاة الأمور، واجتماع الكلمة، والابتعاد عن الفرقة والحذر منها والتحذير منها كما أمرنا الله ورسوله، لهو من أهم أسباب ووسائل تحقيق نعمة الأمن والأمان، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} الآية.
فإذا بدّل النّاس الطاعة بالمعصية والشكر بالكفر، ومالوا إلى الاختلاف والتنازع، نالهم من عذاب الله ووعيده، ونزلت عليهم العقوبات والنقم جزاء وفاقا، والجزاء من جنس العمل. قال الله تبارك وتعالى، وهو العزيز الذي يلوذ به الضعفاء والمساكين: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ () وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ () لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} . قال شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله: "ومن العجب علم العبد بذلك مشاهدة في نفسه وغيره، وسماعا لما غاب عنه من أخبار من أزيلت نعم الله عنهم بمعاصيه، وهو مقيم على معصية الله، كأنه مستثنى من هذه الجملة، أو مخصوص من هذا العموم، وكأن هذا أمر جار على الناس لا عليه، وواصل إلى الخلق لا إليه، فأي جهل أبلغ من هذا؟ وأي ظلم للنفس فوق هذا؟ فالحكم لله العلي الكبير" ا ه [15].
وأما بخصوص السُنّة فقد جاءت مبينة لهذا الأمر أيضا، وأن طاعة ولي الأمر واجبة بالمعروف، وحرَّمت الخروج على إمام المسلمين وتفريق الكلمة وإن ساءت العشرة وظهر منه الحيف، لما في ذلك من المفاسد. بل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بردع من سعى في هذا الأمر، فقال: «من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» وقال صلى الله عليه وسلم: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه».
كذلك وإن وَجد أثرة عليه، فيَلزمه الصبر لما أرشد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنكم ستجدون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض».
هذا مع ما يتعين من النصيحة للأمراء والسلاطين دون غشهم أو التغرير بهم بكتمان الحق عنهم أو بالثناء الكاذب عليهم طمعا في دنياهم من مال أوجاه أو رياسة. نعوذ بالله من فتنة الدنيا.
قال النووي رحمه الله في شرحه لمسلم: "وأما النصيحة لأئمة المسلمين فمعاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وأمرهم به، وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغْهم مِن حقوق المسلمين، وترك الخروج عليهم، وتألـُّفُ النّاس لطاعتهم، قال الخطابي: ومن النصيحة لهم الصلاة خلفهم، والجهاد معهم، وأداء الصدقات إليهم، وترك الخروج بالسيف عليهم إذا ظهر منه حيفٌ أو سوء عشرة، وأن لا يُغَرُّوا بالثناء الكاذب عليهم، وأن يدعى لهم بالصلاح" [16].
ومن آداب النصيحة أيضا أن تكون سراً بأن يأخذ بيد الأمير فيخلوا به، ويأمره وينهاه، ويدعو له بالصلاح ولا ينزع يده من طاعته ولو وجد منه العيب والنقص، ما لم ير كفراً بواحاً عنده من الله فيه سلطان؛ وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه حين سألوه: أفلا ننابذهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «لا! ما أقاموا فيكم الصلاة؛ لا! ما أقاموا فيكم الصلاة، أَلا من وليَ عليه والٍ، فرآه يأتي شيئاً من معصية، فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعنَّ يداً من طاعة».
كما أنه من الخطأ بمكان التشهير بعيوبهم واستعمال المنابر في تأليب العامة على ولي أمرهم، وأنهم سبب الانتكاسات والتقهقر وهوان الأمة... مثل ما قام يخطب به فينا من يذهل عن هذا الأمر: "أسفا على فلسطين فإنا قد ضيعنا ... والنساء يقتلن، عذرا حرائر الأقصى فقد انشغلنا عن نصرتكم بحب المراكز وركوب السيارات الفخمة ... إلى آخر ما قاله خطيبنا يومها.
ويا لها من غفلة. فما الذي كان يؤمل يَفهم منه الناس، إلاّ أن المقصود بهم أصحاب القرار كما يقولون.
وإلاّ فإن العامة لا حيلة لهم ولا قدرة لهم في تغيير وضعهم، فينكب النظر إذن إلى حكامهم، فإنْ هم قصروا أو ضعفوا، لامهم النّاس على الحال وربما ثاروا عليهم وحصل من الشر الشيء الكثير ولم تتحقق مصلحة قط.
فليتنبه أيضا لهذا. وإنّ في ذِكر ما يوجب حقن الدماء وتسكين الدهماء مَئِنَّة من فقه الرجل.
ثم إنّ هذا مناف للنصيحة لأئمة المسلمين، بل إنّ النصيحة لهم تكون بإعانتهم على ما حُمِلّوا من المهام، وسدُّ خلَّتهم وجمع الكلمة عليهم ورد القلوب النَّافرة إليهم [17]، والدعاء لهم بالصلاح والاستقامة والمعافاة. إذ بصلاحهم يصلح العباد والبلاد. كما قال ابن حجر رحمه الله: "والنصيحة لأئمة المسلمين إعانتهم على ما حملّوا القيام به وتنبيههم عند الغفلة، وسدُّ خلَّتهم عند الهفوة، وجمع الكلمة عليهم، ورد القلوب النافرة إليهم، ومن أعظم نصيحتهم دفعهم عن الظلم بالتي هي أحسن" [18].
بل إن الواجب على كل فرد من المسلمين أن يَحمل كل من تحت يده على حسن التفكر في هذه النعمة، والحث على الشُكر لواهبها ومسديها، حتى يتحقق السلم والسلام وينتظم الأمنُ الأمان. والله الهادي إلى كل خير، وهو نعم المولى ونعم النصير.
وله الحمد في الأولى والآخرة. وهو أعلى وأعلم، وصلى الله على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وسلم تسليما.

وكتب أبوعبد الله حُميد الجزائري
مستغانم /29 ذي الحجة 1436
===========================================
[1]. معالم التنزيل في تفسير القرآن للبغوي (6/381)
[2]. أنوار التنزيل وأسرار التأويل (3/200)
[3].أنظر الجواب الكافي لابن القيم (58)
[4].الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم (81)
وقال أيضا رحمه الله (58): "ومن عقوباتها - أي المعصية - ما يُلْقيه اللهُ سبحانه وتعالى من الرُّعْب والخوف في قلب العاصي، فلا تراه إلا خائِفًا مَرْعوبًا.
فإِنَّ الطَّاعة حصن الله الأعظم، من دخله كان من الآمنينَ من عقوبات الدّنيا والآخرة، ومَن خرج عنه أحاطت به المخاوف من كلّ جانب، فمَن أطاع اللهَ انقلبت المخاوف في حقِّه أَمَانًا، ومَن عصاه انقلبت مَآمِنُهُ مَخاوِفَ، فلا تجد العاصي إلا وقلبه كأَنه بين جناحي طائر، إن حرَّكَتِ الرّيح الباب قال: جاء الطّلب. وإن سمع وقع قدم، خاف أن يكون نذيرًا بالعطبِ. يحسب أنَّ كلّ صَيْحَةٍ عليهِ، وكلَّ مكروه قاصدٌ إليه، فمن خاف اللهَ آمَنَهُ من كُلّ شيء، ومن لم يخفِ اللهَ أخافه من كلّ شيء"
[5]. تهذيب اللغة (15/367)
[6]. لسان العرب لابن منظور (1/463).
[7]. وانظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير (2/401)
[8]. وانظر الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (1/351)، والتاج والإكليل لمختصر خليل (4/292) والمغني لابن قدامة (3/214)
[9]. أنظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/533)
[10]. يَبلغُ أنّ محمد حسان المصري كان له درس في السيرة النبوية ولست أدري ماذا فعل فيه. وقد كان ممن يحرض على الخروج في الفتنة أيام المظاهرات والشغب في قاهرة مصر. فمثله لا يؤتمن ويحذر منه ومن دروسه ومقالاته، كما أفتى به أهل العلم، ولا يقال ينتفع به العامة. فإن هذا من التلبيس والتغرير بهم وغش للمسلمين يحمل وزره يوم القيامة. وقد كان يقول به حزب الميوعة وأصحاب المنهج الواسع الأفيح عندنا قَبلُ. رغمت أنوفهم!
[11]. وهذا دل عليه كذلك الواقع؟! إلى كل من يدعي فقه الواقع!!
والشيء بالشيء يذكر، فإنّ هذه التركيبة المحدثة بين اللفظين "فقه" و "واقع" رفع بها حزب الإخوان عقيرتهم، تفلتا من النصوص الشرعية القاضية ببطلان توجهاتهم، والدالة على ضلالهم وانحرافهم، فذهبوا يصطادون في الماء العكر. ويلبسون على العامة بمثل هذه الشعارات الزائفة البائرة. والله بما يعملون محيط.
كما أنّ لعلماء السنّة جهود عظيمة في كشف تلبيسهم ودحض شبههم. وانظر كتاب "منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فيه العقل والحكمة" للشيخ ربيع المدخلي. فهو من أجود ما ألف في بيان أن دعوة الأنبياء ليست دعوة سياسة وإنما هي دعوة إلى التوحيد وهو أسها وأوليتها وكذا طاعة الله في كل حال وفي كل شأن من شؤون الحياة البشرية، أمراً ونهياً.
[12]. في كتب يسمونها كتب الفكر الإسلامي، ومنها ما سوده سيد قطب، يقول (ظلال القرآن 4/2122): "إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي". وقال ذلك المفكر أيضاً في (الضلال 3/1634): " إن المسلمين اليوم لا يجاهدون، ذلك أن المسلمين اليوم لا يوجدون"؛ وقال أيضا ساخراً من أمة محمد (الضلال 2/1057): " ارتدت البشرية إلى عبادة العباد وإلى جور الأديان، ونكصت عن لا إله إلا الله، وإن ظل فريق منها يردد على المآذن لا إله إلا الله"؛ وقال وهو في عزلته الشعورية (الضلال 4/2009): "إن هذا المجتمع الجاهلي الذي نعيش فيه ليس هو المجتمع المسلم". ومن أعنف فجوره وليس هو آخره، يصف قتلة إمام المسلمين وخليفتهم المبشر بالجنة عثمان بن عفان، فيقول في هذه الفعلة الشنيعة " إن تلك الثورة في عمومها كانت فورة من روح الإسلام " بل وراح يجعله من (العدالة الاجتماعية ص 160). وقال صاحب (الضلال 3/1451) أيضا، يحرض على الخروج والفتنة" إنه لا مندوحة للمسلمين أو أعضاء الحزب الإسلامي عن الشروع في مهمتهم، بإحداث الانقلاب المشهود، والسعي وراء تغيير نظم الحكم في بلادهم التي يسكنونها"
نَعم، كل هذا عنده، بل أشد وأكثر مما نقلنا، وما أصبر أهل السنة على أمثال هؤلاء المحدِثين المخالفين. كان الله لهم.
قال الشيخ العلامة زيد في كتابه "الإرهاب وآثاره على الأفراد والأمم (58)": ويكفي ما كتبه عن عقيدته وفكره الشيخ العلامة عبد الله بن محمد الدويش رحمه الله، وما كتبه العلامة الشيخ ربيع بن هادي عمير المدخلي حفظه الله" اهـ.
فرحم الله من سعى في نشر السنة، ومحاربة البدع، وتجفيف ينابيع الشر والتكفير والفتنة والتفجير.
[13]. شرح النووي على صحيح مسلم (16/170)
[14]. تيسير الكريم الرحمن للسّعدي (928)
[15]. الجواب الكافي لابن القيم (81).
[16]. شرح النووي على صحيح مسلم (2/37)
[17]. وتتمة للفائدة، قال ابن حجر رحمه الله كما في فتح الباري في شرح حديث الدين النصيحة (1/167):"ومن جملة أئمة المسلمين أئمة الاجتهاد، وتقع النصيحة لهم ببثِّ علومهم، ونشر مناقبهم، وتحسين الضن بهم" ا ه
وقد خالف أهل البدع هذا الأصل، "بثِّ علوم أئمة المسلمين وعلمائهم ونشر مناقبهم، وتحسين الضن بهم"
ومن أولئك: الحدادية الأفاكون الكذابون، قومٌ بُهت. وماذا فعلوا بالشيخ ناصر السنة الألباني رحمه الله، حتى تحولوا إلى الشيخ ربيع حفظه الله وإخوانه المجاهدين الذين بذلوا أنفسهم وأعراضهم في حماية هذا الدين. وهل يغتر بهم سليم العقل ومن شم رائحة العلم، كيف وهم يأمرون بحرق كتب شيخ الإسلام والدرر السنية ومن قبل فتح الباري وشرح النووي، ولست أدري لماذا تركوا بقية التراث الإسلامي من مصنفات ومؤلفات؟! سلّم الله لنا عقولنا.
ومثال آخر: نجد أصحاب الموازنات المتمايلين المائعين، الذين ضيعوا الحق وداهنوا فيه، والمتبصر في حقيقة أمرهم يدرك أنما هم واقعين أسارى في شباك الحدادية اللئام، كما وقعت المرجئة في شباك الخوارج الطغام، وزعمت أن الإيمان هو التصديق وأخرت العمل، تفلتا من التكفير فتنة الخوارج ومذهبهم القبيح، القاضي بتكفير أصحاب الذنوب وأنكروا لهذا الشفاعة. وأهل الحق يقررون أنّ الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وأن المذنبين من المسلمين إذا ماتوا من غير توبة فهم تحت المشيئة الربانية، وقد تُدركهم شفاعة الشافعين، ورحمة رب العالمين، فإن فضل التوحيد عظيم. وهذه مصنفات أهل السنة زاخرة تدل على هذا. فمال القوم لا يفقهون حديثا.
ثم هم الآن صاروا يُخذِّلون النّاس عن العلماء. وقد أحدثوا قبله جبهة تفتات عليهم وتنفث في عضدهم – وهي إلى الآن باقية - وكان من شنيع فعالهم تزكية ومداهنة ومدح بل وإطراء لرؤوس أهل الضلال والانحراف. ومن هو مغموص عليه في دينه. ثم يلمزون أهل الحديث والأثر، الذين عرفوا بالعلم والديانة بأبشع الألقاب تنفيرا عنهم، (بأنّهم أصحاب إقصاء وتجريح) سبحانك هذا بهتان عظيم.
ثم أليس هذا جرحا لقوم آخرين؟ وكيف يحل لهم هذا التصنيف وهم ينتقدون على علمائنا حتى تمييز القطبية التي أهلكت الحرث والنسل؟ ولكنه تهافت شبه أهل الباطل حيث أقضّت أصول أهل الحق مضاجعهم فذهبوا يقاتلون بلا عقل.
هذا وأما عن علمائنا فإنّهم بحمد الله ثابتون لم تحرفهم تلك الفتن، وهم كما وصف ابن قدامة في تحريم النظر: "على طَريقَة سلفنا وجادة أَئِمَّتنَا وَسنة نَبينَا صلى الله عليه وسلم مَا أحدثنا قولا وَلا زدنا زيادة بل قلنا بِمَا قَالُوا وسكتنا عَمَّا سكتوا عَنه وسلكنا حَيث سلكوا فَلا وَجه لنسبة الخلاف والبدعة إِلينا".
وأما حالهم فبما وصف به بعض من تلبس بالبدعة بقوله: "وَصَارَ ذليلا حَقِيرًا، فنسب حَاله إِلَى من سواهُ وَجعل الْحَدث مِنْهُ حَادِثا مِمَّن عداهُ وكسى وَصفه لغيره وعير أهل السّنة بِمثل ذَنبه؛ كَمَا قيل رمتني بدائها وانسلت" ا ه.
[18]. فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني (1/167)
رد مع اقتباس

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01 Nov 2015, 01:54 PM
محمد بن شرفة محمد بن شرفة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 61
افتراضي

جمع موفق و تذكير نافع بإذن الله تعالى لنعمة الأمن ، جزى الله أخونا أبو عبد الله حميد خير الجزاء و أحسنه على هذا المقال الماتع و شكر الله لأخينا أبو عبد الرحمن فتحي على النقل و بارك الله فيه .
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 06 Nov 2015, 12:04 AM
أبو عبد الرحمن فتحي المستغانمي أبو عبد الرحمن فتحي المستغانمي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2014
الدولة: الجزائر - مستغانم
المشاركات: 41
افتراضي

أسأل الله أن يبارك في أخينا حُميد ويجازيه خير الجزاء على ما أفاد به في هذا المقال الماتع.
وإنا في انتظار المزيد من تلك المشاركات النافعة، جعلها الله في ميزان حسانته.
وأنت أخي بشرفة جزاك الله خيرا على هذا المرور الطيب.
ولا شك أن حُميد سوف تسعده مقالتك تلك.
وفق الله الجميع.
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, مميز, دعوة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013