حال من ينتسب للسنة ويظهر نصرة المشايخ وهو يعتذر لأهل الباطل

[أبو الحسن نسيم]

الحمد لله رب العالمين،وصلى الله عليه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،أما بعد:فمن الأمور التي يحرص طالب العلم والداعية إلى الله عليها أن يكون واضحا في علمه وتعليمه،وأن يحرص أن يكون على طريقة مشايخ السنة في البلد ممن زكاهم أهل العلم الكبار،وأن يحذر من أهل الأهواء والبدع ومن صحبتهم ومجالستهم،ومن الخطأ الكبير الذي يقع فيه بعض من ينتسب لدعوتنا أنك ترى أحدهم يظهر نصرة المشايخ السلفيين كالعلامة فركوس والعالم عبد المجيد جمعة والشيخ عبد الغني ومشايخ الإصلاح،لكنه يعتذر لأهل الباطل من المميعة وأهل الضلال ممن حذر منهم مشايخنا في البلد وخارجها،وهذا مسلك قد ذمه الأئمة وحذروا من هذا صنيعه،فلينصح كل سلفي نفسه بأن يكون صادقا سالكا الطريق الواضح والنهج البين،ولينصح نفسه من خلطة أهل الباطل وتزكية المنحرفين الذين يجتمعون على بغض مشايخنا والتحذير منهم وتنقصهم والطعن فيهم،وتلميع اهل الباطل.
وقد أورد الحافظ ابن رجب قصة عجيبة توضح حال من يقع في هذا الأمر ذكرها في شرح علل الترمذي 2/806:

قال المروذي: مضيت إلى الكرابيسي، وهو إذ ذاك مستور يذب عن السنة، ويظهر نصرة أبي عبد الله، فقلت له: إن كتاب المدلسين يريدون أن يعرضوه على أبي عبد الله، فأظهر أنك قد ندمت حتى أخبر أبا عبد الله.
فقال لي: إن أبا عبد الله رجل صالح مثله يوفق لإصابة الحق، وقد رضيت أن يعرض كتابي عليه.
وقال: قد سألني أبو ثور وابن عقيل، وحبيش أن أضرب على هذا الكتاب فأبيت عليهم. وقلت: بل أزيد فيه.
ولج في ذلك وأبي أن يرجع عنه، فجيء بالكتاب إلى أبي عبد الله، وهو لا يدري من وضع الكتاب، وكان في الكتاب الطعن على الأعمش والنصرة للحسن بن صالح، وكان في الكتاب: إن قلتم: إن الحسن بن صالح كان يرى رأي الخوارج فهذا ابن الزبير قد خرج.
فلما قرىء على أبي عبد الله، قال: هذا جمع للمخالفين ما لم يحسنوا أن يحتجوا به، حذروا عن هذا، ونهى عنه.


فوائد القصة:
1-المتستر المظهر لنصرة المشايخ والذب عنهم وهو متخف بالإعتذار لأهل الباطل لا بد أن يكشف ولو بعد حين،فهذا الكرابيسي كان يظهر النصرة لأبي عبد الله أحمد بن حنبل لكنه فضح بتأليف كتاب المدلسين الذي فيه الغعتذار لأهل الباطل.

2-النصح الذي ينبغي أن يوجه لهذا الصنف من الدعاة من طرف أهل الحق بالحكمة واللين والموعظة الحسنة كما فعل المروذي مع الكرابيسي.

3-إن طريقة أهل الحق أن يقبلوا من المخالف المعتذر لأهل الباطل،وأن ذلك مما يرفعه،ويرفع عنهم تجريح أهل الحق له.

4-مكانة مشايخ السنة وأنه يعرض عليهم ما يُكتب من العلم،وينتظر الحكم على الكتاب والمؤلف كما فعل بالكرابيسي حيث عرض كتابه على أحمد ولم يعد هذا أبدا من الغلو في الأشخاص وقطع الطريق على الناس للانتفاع من العلم،ومن الأمور التي يرجف بها المرجفون أنهم يهولون من كون الناس يرجعون إلى مشايخهم وهذا أحمد بن حنبل يصدر الناس عن حكمه فيمن يتكلم في دين الله ولم يعتبر غلوا ولا قصرا للحق في رجل كما يدندن حوله مميعة اليوم.

5-الاعتذار لأهل الباطل بذكر موقف رجل فاضل عالم أخطأ فيه من الأمور المذمومة،فالكرابيسي اعتذر لأمثال الحسن بن صالح الذي تكلم فيه اهل العلم بذكر خروج ابن الزبير،وما أشبه هذا الصنيع بمن إذا قيل له إن فلانا بدعه العلماء استدل لك بفاضل لم يبدع المخالف مع وضوح الحجة في بيان ضلاله وانحرافه وأحقية تبديعه.

6-الاعتذار لأهل الباطل من موجبات التجذير من الرجل،فإن الإمام أحمد ذكر عن الرجل أنه جمع للمخالفين ما لم يحسنوا أن يجمعوا لأنفسهم،ومن عجيب الأمور أن تجد من يعتذر عن القطبييين والسروريين والتكفيرين والحركيين والإخوان والتبليغ بقواعد محدثة كحمل المجمل على المفصل وقاعدة لا يلزمني ووغيرها من القواعد التي لم يحسن المخالفون أنفسهم أن يجمعوها لأنفسهم،مع كونه هؤلاء الجامعين للأعذار أشد شراسة لأهل السنة من المخالفين أنفسهم كما هو واقعهم.

أسأل الله تعالى أن يوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح إنه سميع مجيب.