منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 21 Jun 2014, 06:39 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي سد أدقِّ الثغرات ببيان أسرار المقابلات

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

أمَّا بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى أنزل كتابه لتدبُّر آياته: ﴿كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا ءاياته وليتذكر أولوا الألباب﴾[ص:26]، ودعا إلى تدبُّر كتابه وتعقُّله وتفهُّمه وذمَّ الذين لا يَفهمونه ولا يعقلونه ﴿أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها﴾[محمد: 24]، ثم إن معنى الآية قد يكون ظاهرا جليًّا، وقد يكون خفيًّا، فلا يوصل إليه إلا بدقة نظر، وإعمال فكر، وأحيانا يوصل إلى المعنى بالجمع بين الآيتين كما فعل علي رضي الله عنه في استنباطه أقل مدة الحمل جمعا بين قوله تعالى: ﴿وحمله وفصاله ثلاثون شهرا﴾[الأحقاف: 15] وقوله تعالى: ﴿والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة﴾[البقرة: 233]، وكذلك من أخصِّ وأدقِّ أنواع التَّفسير الوقوف على المقابلة بين كلمات الآية الواحدة أو بين أجزاء الآيات، وما يتضمَّنه ذلك من الحكمة ووجه الفائدة.

وقد قصدت في هذا المقال إيراد طرف مما بيَّنه علماؤنا من هذا النوع الدَّقيق من التفسير وتدبر القرآن، يُستدل به على غيره مما يكون داعيا إلى التدبر والتفكر في كتاب الله جل وعلا، وإبراز بعض الدقائق التي قد تخفى على الناظر فيقرأ هذه الآيات مرَّات ومرَّات، فلا تخطر له على بال، فرحم الله الأئمة الأعلام وجزاهم عنا خير الجزاء.

واكتفيت بذكر ثلاثة أمثلة من القرآن، أتبعت كل واحدة منها بنقل عن عَلَم من الأعلام يفك مقفلها، ويستخرج دررها، ويجلي عباراتها، مقتصرا على مجرد النَّقل عنهم إذ فيهم غنية والكفاية، وسلكت في ترتيبها مسلكا قد يبدو غريبا، فلا هي انتقال من الأدنى (المقابلة بين كلمات الآية الواحدة) إلى الأعلى (المقابلة بين أجزاء الآيات) ولا من الأعلى إلى الأدنى، وإنما راعيت جانب المعنى حتى لا يخلو المقال من فوائد أخر، كما ستقف عليه في آخر المقال إن شاء الله.

المثال الأول
(المقابلة بين الآيات)

قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء (34) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون (35) وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَار(36)﴾[سورة إبراهيم].

قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي –رحمه الله- في تفسيره "تيسير الكريم الرحمن"(ص425):

« يقول تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَة﴾ " وهي شهادة أن لا إله إلا الله، وفروعها ﴿كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ﴾ وهي النخلة ﴿أَصْلُهَا ثَابِتٌ﴾ في الأرض ﴿وَفَرْعُهَا﴾ منتشر ﴿فِي السَّمَاءِ﴾ وهي كثيرة النفع دائما، ﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا﴾ أي: ثمرتها ﴿كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ فكذلك شجرة الإيمان، أصلها ثابت في قلب المؤمن، علما واعتقادا. وفرعها من الكلم الطيب والعمل الصالح والأخلاق المرضية، والآداب الحسنة في السماء دائما يصعد إلى الله منه من الأعمال والأقوال التي تخرجها شجرة الإيمان ما ينتفع به المؤمن وينفع غيره، ﴿وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ ما أمرهم به ونهاهم عنه، فإن في ضرب الأمثال تقريبا للمعاني المعقولة من الأمثال المحسوسة، ويتبين المعنى الذي أراده الله غاية البيان، ويتضح غاية الوضوح، وهذا من رحمته وحسن تعليمه. فلله أتم الحمد وأكمله وأعمه، فهذه صفة كلمة التوحيد وثباتها، في قلب المؤمن.

ثم ذكر ضدها وهي كلمة الكفر وفروعها فقال: ﴿وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ﴾ المأكل والمطعم وهي: شجرة الحنظل ونحوها، ﴿اجْتُثَّتْ﴾ هذه الشجرة ﴿مِنْ فَوْقِ الأرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ﴾ أي: من ثبوت فلا عروق تمسكها، ولا ثمرة صالحة، تنتجها، بل إن وجد فيها ثمرة، فهي ثمرة خبيثة، كذلك كلمة الكفر والمعاصي، ليس لها ثبوت نافع في القلب، ولا تثمر إلا كل قول خبيث وعمل خبيث يستضر به صاحبه، ولا ينتفع، فلا يصعد إلى الله منه عمل صالح ولا ينفع نفسه، ولا ينتفع به غيره» اهـ.

المثال الثاني
(المقابلة بين الكلمات)

قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾[المائدة: 3].

قال العلامة ابن القيم –رحمه الله- في كتابه: "مفتاح دار السعادة"(2/308-309):

«تأمل كيف وصف (الدِّين) الذي اختاره لهم بـ(الكمال)، و(النِّعمة) التي أسبغها عليهم بـ(التمام) إيذانا في (الدِّين) بأنه لا نقص فيه ولا عيب ولا خلل ولا شيء خارجا عن الحكمة بوجه بل هو (الكامل) في حسنه وجلالته، ووصف (النعمة) بـ(التمام) إيذانا بدوامها واتصالها وأنه لا يسلبهم إياها بعد إذ أعطاهموها بل يتمها لهم بالدوام في هذه الدار وفي دار القرار.

وتأمل حسن اقتران (التمام بالنعمة) وحسن اقتران (الكمال بالدين) وإضافة الدِّين (إليهم) إذ هم القائمون به المقيمون له، وأضاف النعمة (إليه) إذ هو وليُّها ومسديها والمنعم بها عليهم، فهي نعمته حقا وهم قابلوها.

وأتى في الكمال بـ(اللام) المؤذنة بالاختصاص وأنه شيء خصوا به دون الأمم وفي إتمام النعمة بـ(على) المؤذنة بالاستعلاء والاشتمال والإحاطة فجاء (أتممت) في مقابلة (أكملت) و(عليكم) في مقابلة (لكم) و(نعمتي) في مقابلة (دينكم) وأكد ذلك وزاده تقريرا وكمالا وإتماما للنعمة بقوله ﴿ورضيت لكم الإسلام دينا﴾.

وكان بعض السَّلف الصالح يقول: «يا له من دين لو أن له رجالا».

المثال الثالث
(المقابلة بين أجزاء الآيات)

قوله تعالى: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُون (67) وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيم (68) كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَدًا فَاسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ أُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الُّدنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُون (69) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وِأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون (70) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيم (71) وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم (72) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِير(73)﴾[سورة التوبة].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في كتابه: "اقتضاء الصراط المستقيم"(1/104-114):

«بيَّن الله سبحانه وتعالى - في هذه الآيات - أخلاق المنافقين وصفاتهم، وأخلاق المؤمنين وصفاتهم - وكلا الفريقين مُظهِر للإسلام - ووعد المنافقين المظهرين للإسلام مع هذه الأخلاق، والكافرين المظهرين للكفر نار جهنم، وأمر نبيه بجهاد الطائفتين.

فوصف الله سبحانه المنافقين بأنَّ ﴿بعضهم من بعض﴾، وقال في المؤمنين: ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة: 71] وذلك لأن المنافقين تشابهت قلوبهم وأعمالهم وهم مع ذلك ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾ [الحشر: 14] فليست قلوبهم متوادَّة متوالية إلا ما دام الغرض الذي يؤمونه مشتركا بينهم، ثم يتخلى بعضهم عن بعض، بخلاف المؤمن؛ فإنه يحب المؤمن، وينصره بظهر الغيب، وإن تناءت بهم الديار وتباعد الزمان.

ثم وصف سبحانه كل واحدة من الطائفتين بأعمالهم في أنفسهم وفي غيرهم، وكلمات الله جوامع فقال سبحانه في صفة المنافقين: ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ﴾ [التوبة: 67] وبإزائه في صفة المؤمنين: ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [التوبة: 71].

والمعروف: اسم جامع لكل ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح.

والمنكر: اسم جامع لكل ما نهى الله عنه.

ثم قال: ﴿وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ﴾ [التوبة: 67] قال مجاهد: " يقبضونها عن الإنفاق في سبيل الله " وقال قتادة: " يقبضون أيديهم عن كل خير " فمجاهد أشار إلى النفع بالمال، وقتادة أشار إلى النفع بالمال والبدن.

وقبض اليد: عبارة عن الإمساك كما في قوله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ [المائدة: 64] وهي حقيقة عرفية ظاهرة من اللفظ، أو هي مجاز مشهور وبإزاء قبض أيديهم قوله في المؤمنين: ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ [التوبة: 71] فإن الزكاة - وإن كانت قد صارت حقيقة عرفية في الزكاة المفروضة - فإنها اسم لكل نفع للخلق: من نفع بدني، أو مالي. فالوجهان هنا كالوجهين في قبض اليد.

ثم قال: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة: 67] ونسيان الله ترك ذكره، وبإزاء ذلك في صفة المؤمنين: ﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾ [التوبة: 71] فإن الصلاة أيضا تعم الصلاة المفروضة، والتطوع، وقد يدخل فيها كل ذكر الله: إما لفظا وإما معنى، قال ابن مسعود رضي الله عنه: " ما دمت تذكر الله فأنت في صلاة وإن كنت في السوق " وقال معاذ بن جبل: " مدارسة العلم التسبيح".

ثم ذكر ما وعد الله به المنافقين والكفار: من النار ومن اللعنة، ومن العذاب المقيم وبإزائه ما وعد المؤمنين: من الجنة والرضوان، ومن الرحمة.

وقد قيل: إن قوله: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ [التوبة: 68] إشارة إلى ما هو لازم لهم في الدنيا والآخرة من الآلام النفسية: غمّا وحزنا، وقسوة وظلمة قلب وجهلا، فإن للكفر والمعاصي من الآلام العاجلة الدائمة ما الله به عليم، ولهذا تجد غالب هؤلاء لا يطيّبون عيشهم إلا بما يزيل العقل، ويلهي القلب ومن تناول مسكر، أو رؤية مُلْهٍ، أو سماع مطرب، ونحو ذلك وبإزاء ذلك قوله في المؤمنين: ﴿أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ﴾ [التوبة: 71] فإن الله يعجل للمؤمنين من الرحمة في قلوبهم، وغيرها بما يجدونه من حلاوة الإيمان ويذوقونه من طعمه، وانشراح صدورهم للإسلام، إلى غير ذلك من السرور بالإيمان، والعلم والعمل الصالح، بما لا يمكن وصفه.

وقال سبحانه في تمام خبر المنافقين: ﴿كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا[فَاسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ]﴾ [التوبة: 69] وهذه المشابهة في هؤلاء بإزاء ما وصف الله به المؤمنين من قوله: ﴿وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [التوبة: 71] فإن طاعة الله ورسوله تنافي مشابهة الذين من قبل». اهـ بتصرُّفٍ غير مخلٍّ بالمقصود من النَّقل إن شاء الله.

فهذه بعض النقولات عن الأئمة –رحمهم الله- تظهر هذا النَّوع الدقيق من الوقوف على معاني الآيات وأسرارها، مما هو استخراج لنفائسها ممَّن غاص فيه تدبُّرا وتفهُّما، وكنت قد وعدت ببيان سبب هذا الترتيب -الذي قد أناقَش فيه- فدونك ما ظهر لي وعنَّ:

ثم إنَّ الناظر في هذه المواضع الثلاث ليجد بينهما ترابطا كونها كلها تدور حول الإيمان تصريحا أو إشارة:

فالآية الأولى مما يستدل به على أنَّ للإيمان أصلا وفروعا يقول ابن نصر المروزي –رحمه الله- في كتابه "تعظيم قدر الصَّلاة"(ص 468-469):

«إن الإيمان أصل، من نقص منه مثقال ذرة زال عنه اسم الإيمان، ومن لم ينقص منه لم يزل عنه اسم الإيمان، ولكنه يزداد بعده إيمانا إلى إيمانه، فإن نقصت الزيادة التي بعد الأصل لم ينقص الأصل الذي هو إقرار بأن الله حق وما قاله صدق، لأن النقص من ذلك شك في الله أحق هو أم لا، وفي قوله أصدق هو أم كذب، ونقص من فروعه، وذلك كنخلة قائمة ذات أغصان وورق، فكلما قطع منها غصن لم يزل عنها اسم الشجرة، وكانت دون ما كانت عليه من الكمال من غير أن ينقلب اسمها، إلا أنها شجرة ناقصة من أغصانها، وغيرها من النخل من أشكالها أكمل منها، لتمامها بسعفها، وقد قال الله تعالى: ﴿مثلا كلمة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء﴾[إبراهيم: 34] الآية، فجعلها مثلا لكلمة الإيمان، وجعل لها أصلا وفرعا وثمرا تؤتيه...»اهـ.

فقدمتها على غيرها لتعلقها بالأصل والفرع.

ثم الآية التي بعدها مما يستدل به على كون الإيمان يزيد وينقص كما بين وجه الاستدلال البخاري –رحمه الله- في "صحيحه" تحت (باب زيادة الإيمان ونقصانه) قال: «وقال: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم﴾ فإذا ترك شيئا من الكمال فهو ناقص»، فبعد إثبات أصل الإيمان وفروعه تحصل الزِّيادة والنُّقصان فيه.

وختمتُ بالآيات من سورة التوبة التي هي في بيان أوصاف المؤمنين وما لهم وبيان مآلهم إذ هم القائمون بهذا الإيمان العاملون به، جعلني والله وإياكم منهم، وبلغنا فيه أعلى المراتب وأكملها.

والله أسأل أن يرزقنا العلم النافع، وأن يوفقنا للعمل الصالح؛ وأن يجزي من أعان بقراءة المقال وتصويب ما فيه من خلل، وسد ما فيه من نقص، وأن يبارك له في علمه وعمره.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 Jun 2014, 07:29 PM
يوسف صفصاف يوسف صفصاف غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2012
الدولة: اسطاوالي الجزائر العاصمة
المشاركات: 1,199
إرسال رسالة عبر MSN إلى يوسف صفصاف إرسال رسالة عبر Skype إلى يوسف صفصاف
افتراضي

بارك الله فيك، و جزاك ربي خيرا، مقال ماتع نافع.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22 Jun 2014, 05:36 AM
أبو البراء
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

رعى الله مُهجة جادت بهذه المعاني الأنيقة.
أسأل الله تعالى أن يزيدك من فضله أبا حذيفة، وأن يوفِّقنا وإياك للفهم في كتلبه الكريــم.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 22 Jun 2014, 03:04 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

حفظك الله أخي الفاضل يوسف وبارك الله فيك على المرور والتعليق.

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خالد حمودة مشاهدة المشاركة
أسأل الله تعالى أن يزيدك من فضله أبا حذيفة، وأن يوفِّقنا وإياك للفهم في كتابه الكريــم.
آمين، تسلم شيخ خالد.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 02 Dec 2016, 10:12 PM
أبو عمر محمد أبو عمر محمد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2015
المشاركات: 176
افتراضي

ما شاء الله
اللهم بارك
جزاك الله خيرا أخي فتحي
و ما أحسن ترتيبك لتلك الأمثلة (( اختيار بديع ))
حفظك الله و وفقك لكل خير
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 03 Dec 2016, 07:43 AM
أبو سهيل محمد القبي أبو سهيل محمد القبي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2014
المشاركات: 207
افتراضي

بارك الله فيك وجزاك الله خيرا.
وتعاهدنا بين الفينة والأخرى بمثل هذه الكلمات الطيبة التي تبعث الهمم لمعرفة أسرار كتاب ربنا عز وجل، ولا تُطِل -الغياب!-
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 03 Dec 2016, 01:59 PM
اسماعيل بلخيري اسماعيل بلخيري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
الدولة: الجزائر
المشاركات: 30
افتراضي

بارك الله فيك وجزاك الله خيرا, هو بحق مقال ماتع, سواء في انتقاء الموضوع أو انتقاء النقولات, و زاد ذلك حسنا ترتيبك للموضوع وفق ما ذكرته في آخره, فأسأل الله أن يبارك في علمك و فهمك.
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 04 Dec 2016, 11:37 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

جزاكم الله خيرًا إخواني الأحبَّة (المحمَّدين وإسماعيل) على كلماتكم المحفِّزة، ودعواتكم الطيِّبة.

التعديل الأخير تم بواسطة فتحي إدريس ; 05 Dec 2016 الساعة 07:54 AM
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 08 Dec 2016, 12:10 PM
أبو عبد الرحمن أسامة أبو عبد الرحمن أسامة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 509
افتراضي

أخي فتحي؛ جزاك اللهُ خيرًا.

تغيبُ عنّا مُدّة، ثُمَّ تعودُ مُحمّلا إلينا بالفوائد والدّرر التي تنتقيها وتتخيّرها من بطون الكتب؛ وما أجمل انتقاءك!

دُمْتَ وفيّا لهذا المنتدى المبارك، ووفَّقك اللهُ لما يُحبُّه ويرضاه.
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 12 Dec 2016, 12:35 AM
أبو أمامة حمليلي الجزائري أبو أمامة حمليلي الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jun 2011
الدولة: مدينة أبي العباس غرب الجزائر
المشاركات: 409
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو أمامة حمليلي الجزائري إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو أمامة حمليلي الجزائري
افتراضي

بارك الله فيكم أخي فتحي .
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013