منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 17 May 2018, 11:56 PM
أبو حامد الإدريسي أبو حامد الإدريسي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 36
افتراضي الباهرة في عقيدة الإمام البخاري وأنَّها عقيدة تلاميذ الإمام مالك السَّائرة

الباهرة
في عقيدة الإمام البخاري وأنَّها عقيدة تلاميذ الإمام مالك السَّائرة


بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله وكفى والصَّلاة والسَّلام على نبيَّه الذي اصطفى؛ وبعد:

إنَّه لمن العار والشَّنار أن يُكذبَ على إمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس ــ رحمه الله ــ كذباً فاضحاً من هؤلاء الذين يدَّعون زوراً أنَّهم من أتباعه أو يدينون بدينه أو مذهبه، أو من هؤلاء الغوغاء من المقلِّدة والمتحجِّرة من (المالكيَّة!!!) الذين يقولون ــ حالاً أو مقالاً ــ أنَّهم على قول قائلهم: "على فقه مالك وعقد الأشعري!!!". وهذا لعمري! كذبٌ عليه وعلى تلامذته الأوائل إذا ما أطلقنا عليهم لقب (المالكيَّة!!!) بمثلهم؛ لكن شتَّان ما بين (مالكيَّة!!!) التَّلاميذ و(مالكيَّة!!!) المتأخِّرين والمعاصرين؛ فبينهما كما بين السَّماء ذات الرَّجع والأرض ذات الصَّدع!!
فمن أجل ذلك ــ وكذا وحتَّى يقف القارئ النَّبيه وربَّما معه أيضاً كلُّ مالكيِّ ــ أردنا أن نبيِّن هذه الحقيقة السَّاطعة برواية الإمام البخاريِّ، وأنَّ عقيدته ــ رحمه الله ــ هي نفسها عقيدة تلاميذ الإمام مالك المتواترة عنه جيلاً بعد جيل؛ وهو ما سوف نراه. وقد أسمينا هذا البحث بـ (الباهرة في عقيدة الإمام البخاري وأنَّها عقيدة تلاميذ الإمام مالك السَّائرة)، أرجو الله تعالى أن يتقبَّله منَّا، وأن ينفع به كلَّ قارئ وكلَّ عابد.
فنقول:
لقد حفظ لنا الإمام أبو القاسم اللاَّلكائيُّ (ت418هـ) في مصنَّفه الماتع الموسوم بـ "شرح أصول اعتقاد أهل السنَّة والجماعة" على روايةٍ جليلةٍ ــ من أنفس ما يكون ــ في بيان عقيدة أو اعتقاد الإمام البخاريِّ؛ فقال (1/193/320) ــ رحمه الله ــ:
([اعتقاد أبي عبد الله محمَّد بن إسماعيل البخاريِّ رحمه الله في جماعةٍ من السَّلف الذين يروي عنهم]: أخبرنا أحمد بن محمَّد بن حفص الهرويُّ؛ قال: حدَّثنا محمَّد بن أحمد بن محمَّد بن سلمة؛ قال: حدَّثنا أبو الحسين محمَّد بن عمران بن موسى الجرجانيُّ؛ قال: سمعت أبا محمَّد عبد الرَّحمن بن محمَّد بن عبد الرَّحمن البخاريَّ بالشَّاش؛ يقول: سمعت أبا عبد الله محمَّد بن إسماعيل البخاريَّ؛ يقول:
"لقيت أكثر من ألف رجلٍ من أهل العلم أهل الحجاز ومكَّة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشَّام ومصر، لقيتهم كرَّاتٍ قرناً بعد قرنٍ(1)، ثمَّ قرناً بعد قرنٍ، أدركتهم وهم متوافرون منذ أكثر من ستٍّ وأربعين سنةً، أهل الشَّام ومصر والجزيرة مرَّتين والبصرة أربع مرَّات في سنين ذوي عددٍ بالحجاز ستَّة أعوامٍ، ولا أحصي كم دخلت الكوفة وبغداد مع محدِّثي أهل خراسان، منهم المكِّيُّ بن إبراهيم، ويحيى بن يحيى، وعليُّ بن الحسن بن شقيقٍ، وقتيبة بن سعيد، وشهاب بن معمر، وبالشَّام محمَّد بن يوسف الفريابيُّ، وأبا مسهرٍ عبد الأعلى بن مسهرٍ، وأبا المغيرة عبد القدُّوس بن الحجَّاج، وأبا اليمان الحكم بن نافعٍ، ومن بعدهم عدَّةٌ كثيرةٌ، وبمصر: يحيى بن كثير، وأبا صالح كاتب اللَّيث بن سعد، وسعيد بن أبي مريم، وأصبغ بن الفرج، ونعيم بن حمَّاد، وبمكَّة عبد الله بن يزيد المقرئ، والحميديَّ، وسليمان بن حربٍ قاضي مكَّة، وأحمد بن محمَّدٍ الأزرقيَّ، وبالمدينة إسماعيل بن أبي أويس، ومطرِّف بن عبد الله، وعبد الله بن نافعٍ الزُّبيريَّ، وأحمد بن أبي بكر أبا مصعبٍ الزُّهريَّ، وإبراهيم بن حمزة الزُّبيريَّ، وإبراهيم بن المنذر الحِزاميَّ، وبالبصرة أبا عاصمٍ الضَّحَّاك بن مَخلدٍ الشَّيبانيَّ، وأبا الوليد هشام بن عبد الملك، والحجَّاج بن المنهال، وعليَّ بن عبد الله بن جعفرٍ المدينيَّ. وبالكوفة أبا نعيم الفضل بن دُكَيْنٍ، وعبيد الله بن موسى، وأحمد بن يونس، وقبيصة بن عقبة، وابن نُمَيرٍ، وعبد الله وعثمان ابنا أبي شيبة. وببغداد أحمد بن حنبلٍ، ويحيى بن معينٍ، وأبا معمرٍ(2)، وأبا خيثمة، وأبا عبيد القاسم بن سلاَّمٍ، ومن أهل الجزيرة: عمرو بن خالدٍ الحرَّانيَّ، وبواسط عمرو بن عونٍ، وعاصم بن عليِّ بن عاصمٍ، وبمرو صدقة بن الفضل، وإسحاق بن إبراهيم الحنظليَّ. واكتفينا بتسمية هؤلاء كي يكون مختصراً وأن لا يطول ذلك، فما رأيت واحداً منهم يختلف في هذه الأشياء:
• أنَّ الدِّين قولٌ وعملٌ؛ وذلك لقول الله: {وما أمروا إلاَّ ليعبدوا الله مخلصين له الدِّين حنفاء ويقيموا الصَّلاة ويؤتوا الزَّكاة وذلك دين القيِّمة}[البيِّنة:5].
• وأنَّ القرآن كلامُ الله غير مخلوقٍ لقوله: {إنَّ ربَّكم الله الذي خلق السَّموات والأرض في ستَّة أيَّامٍ ثمَّ استوى على العرش يغشي اللَّيل النَّهار يطلبه حثيثاً والشَّمس والقمر والنُّجوم مسخَّراتٍ بأمره}. قال أبو عبد الله محمَّد بن إسماعيل: قال ابن عيينة(3): فبيَّن الله الخلق من الأمر لقوله: {ألا له الخلق والأمر تبارك الله ربُّ العالمين}[الأعراف:54].
• وأنَّ الخير والشَّرَّ بقدرٍ لقوله: {قل أعوذ بربِّ الفلق من شرِّ ما خلق}[الفلق:2] ولقوله: {والله خلقكم وما تعملون}[الصَّافات:96] ولقوله: {إنَّا كلَّ شيءٍ خلقناه بقدرٍ}[القمر:49].
• ولم يكونوا يكفِّرون أحداً من أهل القبلة بالذَّنب لقوله: {إنَّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}[النِّساء:48].
• وما رأيت فيهم أحداً يتناول أصحاب محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، قالت عائشة: "أمروا أن يستغفروا لهم"(4) وذلك قوله: {ربَّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا ربَّنا إنَّك رؤوفٌ رحيمٌ}[الحشر:10].
• وكانوا ينهون عن البدع ما لم يكن عليه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه؛ لقوله: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرَّقوا}[آل عمران:103] ولقوله: {وإن تطيعوه تهتدوا}[النُّور:54].
• ويحثُّون على ما كان عليه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأتباعه لقوله: {وأنَّ هذا صراطي مستقيماً فاتَّبعوه ولا تتَّبعوا السُّبل فتفرَّق بكم عن سبيله ذلكم وصَّاكم به لعلَّكم تتَّقون}[الأنعام:153].
• وأن لا ننازع الأمر أهله لقول النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "ثلاثٌ لا يغلُّ عليهنَّ قلب امرئٍ مسلمٍ: إخلاص العمل لله، وطاعة ولاة الأمر، ولزوم جماعتهم، فإنَّ دعوتهم تحيط من ورائهم"(5)، ثمَّ أكَّد في قوله: {أطيعوا الله وأطيعوا الرَّسول وأولي الأمر منكم}[النِّساء:59].
• وأن لا يرى السَّيف على أمَّة محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم. وقال الفضيل: "لو كانت لي دعوةٌ مستجابةٌ لم أجعلها إلاَّ في إمامٍ؛ لأنَّه إذا صلح الإمام أمن البلاد والعباد"(6). قال ابن المبارك: "يا معلِّم الخير، من يجترئ على هذا غيرك"(7)).
قلت: وهذا الإعتقاد المذكور هنا قد رواه الحافظ محمَّد بن أحمد البخاريِّ ــ الملقَّب غُنجار ــ في "تاريخ بخارى" كما قد حكاه عنه الإمام الذَّهبيُّ في "سير أعلام النُّبلاء"(12/407)، ومن طريقه هذا رواه اللاَّلكائيُّ في "السنَّة" كما رأيناه آنفاً، وكذا ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(52/58).
كما قد ساق صدره الذَّهبيُّ في "السِّير"(12/408)، وبعضه ــ كذا ــ ابن الجوزيُّ في "صفوة الصَّفوة"(2/345)؛ وكلُّهم عن أبي الحسين محمَّد بن عمران بن موسى الجرجانيُّ به.
ثمَّ هذا إسناده صحيحٌ؛ فقد قال الحافظ في "الفتح"(1/47) ــ تعليقاً عليه ــ بعد أن ساق مطلع هذا الأثر مختصراً: "أنَّ سند اللاَّلكائيُّ صحيحٌ إلى البخاريِّ".
فإذا عرفنا هذا تمام المعرفة، وجب بالمقابل أيضاً ــ وهو أصل البحث وتأسيسه ــ أن نعرف ما جاء فيه من الفوائد العلميَّة الدَّقيقة، ومن النُّكث العقائديَّة الصَّريحة، وكذا من الأئمَّة الذين ورد ذكرهم هنا؛ فجملتها ــ أي هذه الفوائد التي يجب أن ينظر إليها النَّاظر وينتبه لها المنتبه ــ أن نذكر منها ما يأتي:
(أوَّلاً): وهو أن نعلم بأنَّ هذا الجزء قد يكون من أواخر الآثار المنقولة عن الإمام البخاريِّ، إن لم يكن آخرها فعلاً، فقد أملاه ــ رحمه الله ــ قبل وفاته، أي في حدود سنة (256هـ)، والشَّاهد على ذلك ما قاله هو بنفسه في هذا الجزء من أنَّه قد لقي العلماء من أكثر من (46) سنة. ومن المعلوم أنَّ بدء رحلته كانت سنة (210هـ) كما هو ثابت عنه في "تاريخ بغداد"(2/7)، وكذا "جزء ترجمة البخاري"(ص/35) للذَّهبيِّ و"هداية السَّاري"(ص/51) لابن حجر. فتعيَّن حينها التَّحديد سنة (256هـ)؛ وفيها توفِّي ــ رحمه الله ــ.
وقد نكاد نجزم بهذا ــ كما جزم به شيخنا التَّكلة من قبل ــ أنَّ هذا الإعتقاد الذي أملاه البخاريِّ هو عين ما عناه ورَّاقه أبو جعفر في "شمائل البخاريِّ" عندما قال: سمعته قبل موته بشهرٍ؛ يقول: "كتبت عن ألفٍ وثمانين رجلاً، ليس فيهم إلاَّ صاحب حديث، كانوا يقولون: الإيمان قولٌ وعمل، يزيد وينقص"(8).
فيكون نقل الورَّاق مختصراً مجملاً، ونقل تلميذه الرَّاوي ــ عبد الرَّحمن بن محمَّد بن عبد الرَّحمن البخاريَّ(9) ــ كاملاً مفصَّلاً، وهو من أواخر تلامذته وفاة؛ فقد توفِّي سنة (323هـ).
(ثانياً): ومثل هذه الرِّواية النَّفيسة في بيان اعتقاد الإمام البخاريِّ، وما ذهبنا إليه آنفاً من أنَّ هذا آخر ما أملاه، ما أخرجه أيضا الحاكم في "تاريخ نيسابور"؛ قال: سمعت أبا الوليد حسَّان بن محمَّد الفقيه؛ يقول: سمعت محمَّد بن نعيم؛ يقول: سألت محمَّد بن إسماعيل ــ لمَّا وقع في شأنه ما وقع(10) ــ عن الإيمان؛ فقال: "قولٌ وعمل، ويزيد وينقص، والقرآن كلام الله غير مخلوق، وأفضل أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أبو بكرٍ، ثمَّ عمر، ثمَّ عثمان، ثمَّ عليَّ؛ على هذا حَييت، وعليه أموت، وعليه أبعث إن شاء الله".
قلت: وقد نقله شيخ الإسلام ابن القيِّم الجوزيَّة في "الصَّواعق المرسلة" (ص/511 المختصر)، وكذا الحافظ ابن حجر في عددٍ من كتبه منها "التَّغليق" (5/434) و"هداية السَّاري"(ص/171). كما أنَّ سنده صحيح؛ ومحمَّد بن نعيم هذا قد ترجمه الحاكم وقال فيه: "من أعيان المحدِّثين الثِّقات الأثبات"(11).
(ثالثاً): وهو ما بغيناه ــ قصداً وشرطاً ــ من بحثنا هذا، وهو في الإقتصار فقط على ذكر بعض من هؤلاء الأئمَّة الذين جاء ذكرهم في الإعتقاد؛ ومنهم:
1ـ يحيى بن يحيى؛ وهو بن بكير بن عبد الرَّحمن بن يحيى بن حمَّاد التَّميميِّ الحنظليِّ أبو زكريَّاء النَّيسابوريِّ (ت226هـ).
2ـ قتيبة بن سعيد؛ وهو بن جميل بن طريف بن عبد الله الثَّقفيِّ مولاهم أبو رجاء البغلانيِّ (ت240هـ).
3ـ أصبغ بن الفرج؛ وهو بن سعيد بن نافع الأمويُّ مولاهم الفقيه المصريُّ أبو عبد الله (ت:225هـ). قال ابن معين: "كان من أعلم خلق الله كلِّهم برأي مالك، يعرفها مسألة بمسألةٍ، متى قالها مالك ومن خالفه فيها".
4ـ إسماعيل بن أبي أويس؛ وهو الأصبحيِّ المدنيِّ أبو عبد الله بن أخت مالك (ت226هـ).
5ـ مطرِّف بن عبد الله؛ وهو اليساريِّ أبو مصعب المدنيِّ بن أخت مالك (ت220هـ).
6ـ عبد الله بن نافع الزُّبيريِّ؛ وهو بن ثابت بن عبد الله ابن الزُّبير بن العوام الأسديِّ القرشيِّ، ويعرف بالأصغر وهو الفقيه صاحب مالك (ت:216هـ). روى القاضي عياض في "ترتيب المدارك" عن الضرَّاب؛ قال: "صحب الزَّبيريُّ مالكاً أربعين سنة". وهذه المدَّة التي ذكرها الضرَّاب هذا هي محلُّ النَّظر عند النقَّاد؛ فتنبَّه.
7ـ أحمد بن أبي بكر؛ وهو القاسم بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرَّحمن بن عوف أبو مصعب الزُّهريِّ المدنيِّ (ت:242هـ).
8ـ إبراهيم بن المنذر؛ وهو بن عبد الله بن المنذر بن المغيرة بن عبد الله بن خالد ابن حزام بن خويلد بن أسد الأسديِّ الحزاميِّ أبو إسحاق المدنيِّ (ت:235هـ).
9ـ الضحَّاك بن مخلد بن الضحَّاك بن مسلم الشَّيبانيِّ؛ أبو عاصم النَّبيل البصريِّ (ت:212هـ).
فهؤلاء الذين قد سمَّينا وأحصيناهم عدداً هم من شيوخ الإمام البخاريِّ، وكذا ــ وهو الأهمُّ ــ من تلامذة الإمام مالك بن أنس ــ رحمه الله ــ؛ الذين صحبوه مدَّة ورووا عنه "موطَّئه" وفقهه، كما هو الحال بالنِّسبة لـ (أصبغ) ذاك؛ الذي لم يصحبه أو يرو "موطَّئه" عنه، بل هو من أعلم النَّاس فقط برأيه وفقهه.
ثمَّ هؤلاء فقط بعضٌ من كلٍّ، من جملة تلك الألف ــ مع الزِّيادة عليها ــ التي سمع منها البخاريُّ وأخذ عنها هذه العقيدة أو هذا الإعتقاد الذي يدين به، وما تبقَّى منهم ــ أقصد فقط تلاميذ الإمام مالك الذين أخذ عنهم البخاريُّ ــ أن نذكر: عبد الله بن مسلمة القعنبيُّ (ت:221هـ)، وعبد الله بن يوسف التنِّيسيُّ (ت:218هـ)، وروْحٌ بن عبادة القيسيُّ أبو محمَّد البصريُّ (ت:205هـ)، وإسحاق بن محمَّد الفرويُّ المدنيُّ (ت:226هـ)، وغيرهم.
إذن؛ فهؤلاء من ذكرنا ــ كما ترى أيُّها القارئ ــ هم من شيوخ الإمام البخاريِّ، ومن تلاميذ الإمام مالك، فما رواه في هذا الإعتقاد ــ جملة وتفصيلاً ــ حقيقته مذكور تمام الذِّكر مع تمام النَّشر في "صحيحه" في كلٍّ من: كتاب الإيمان، وكتاب الإعتصام بالكتاب والسنَّة، وكتاب التَّوحيد، وكذا في كتابه الآخر "خلق أفعال العباد" بما يتعلَّق بمسائل القدر.
فعقيدتهم هذه التي أخذها عنهم البخاريُّ، هي بالضَّرورة نفس العقيدة التي كان يدين بها الإمام مالك، وعلَّمها لتلاميذته ممَّن ذكرنا وغيرهم، وهؤلاء بدورهم علَّموها لتلاميذتهم ومنهم البخاريُّ كما رأينا.
كما أنَّ البخاريَّ ــ وباعتباره صاحب أثر وسنَّة ــ فهو يعلم بالضَّرورة عقيدة الإمام الثَّوريِّ الذي رواها عنه شعيب بن حرب كما في "شرح أصول اعتقاد أهل السنَّة"(2/10)، ويعلم أيضاً بعقيدة الإمام الأوزاعيِّ الذي رواها عنه أبي إسحاق، وأيضا بعقيدة ابن عيينة التي رواها عنه بكر بن الفرج أبا العلاء، وبعقيدة أبي ثور، وأيضا وهو الأهمُّ هنا؛ أنَّه أعرف بعقيدة شيوخه الثَّلاثة: الإمام أحمد في "أصول السنَّة" كما رواها عنه تلميذه المقرَّب عبدوس بن مالك العطَّار، ومثلها أيضاً عند شيخه الحميديُّ، وكذا الإمام ابن المدينيُّ في عقيدته التي يرويها عنه سهل بن محمَّد؛ وغيرهم.
حينذاك؛ فهذه العقيدة التي ذكرها آنفاً الإمام البخاريُّ هي نفسها عقيدة هؤلاء الأئمَّة جميعاً، وبالخصوص منهم هؤلاء تلاميذ وأتباع الإمام مالك إذا ما أطلقنا عليهم تنزُّلاً بـ (المالكيَّة!!!). فعقيدتهم هي نفس ما جاء في "أصول السنَّة" للإمام أحمد والحميديُّ وما جاء أيضا في "عقيدة" الإمام الثَّوريُّ وابن عيينة والأوزاعيُّ؛ وغيرهم. فهي من مشكاةٍ واحدٍ عرفت ــ تداولاً ــ بعقيدة (أهل الحديث).
وبما أنَّ ذلك كذلك؛ فهي إذاً نفسها عقيدة الإمام مالك ــ رحمه الله ــ وهو القصد.
(رابعاً): وبما أنَّ هذه العقيدة ــ باعتبار قانون اللُّزوم والتضمُّن ــ هي نفسها عقيدة تلاميذ الإمام مالك، وبدورها هي عقيدته ــ رحمه الله ــ، فيمكن أن نقول بأنَّ عقيدة أو أصول السنَّة عنده؛ هي:
• أنَّ الدِّين ــ أو الإيمان ــ قولٌ وعملٌ.
• وأنَّ القرآن كلامُ الله غير مخلوقٍ.
• وأنَّ الخير والشَّرَّ بقدرٍ.
• ولم يكونوا يكفِّرون أحداً من أهل القبلة بالذَّنب.
• وما رأيت فيهم أحداً يتناول أصحاب محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم.
• وكانوا ينهون عن البدع ما لم يكن عليه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه.
• ويحثُّون على ما كان عليه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأتباعه.
• وأن لا ننازع الأمر أهله.
• وأن لا يرى السَّيف على أمَّة محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم.
وهذه الأصول إذا تتبَّعتها جيِّداً ــ رواية ودرايةً، وواحدةً بواحدة ــ لرأيتها منتشرة في أقواله وفتاويه، حتَّى في كتابه "الموطَّأ" لم يخلوا منها ذكراً، وكذا هو الحال في "المدوَّنة" وغيرها من كتب (المالكيَّة!!!) الأولى؛ التي هي أصل المذهب وأصل العقيدة والفقه. وأمَّا غيرها التي أحدثت وأقحمت بعده ــ أو بعد تلاميذته ــ من المحدثات والبدع في المذهب؛ فلا عبرة لها ولا بهذا المذهب الذي تبنَّاهاً فقهاً وعقيدة. فكلُّ ما كان عليه الإمام مالك في الفقه والعقيدة في حياته وبعد مماته عند تلاميذته أو تلاميذ تلامذته، فهو الحقُّ وهي السنَّة، وما خالف ذلك كلِّه باعتناق العقيدة اللَّقيطة ــ الأشعريَّة ــ فهو الباطل؛ وهي البدعة والضَّلال! ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله.
وصلِّي اللَّهمَّ على محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً.

كتبه ببنانه راجي عفو ربِّه: أبو حامد الإدريسي
يوم الخميس 01 رمضان 1439هـ الموافق لـ 17 ماي 2018م


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) القرن هنا بمعنى الطَّبقة من أهل العلم كما ذكره شيخنا التَّكلة في "جزئه"(ص/7)؛ وهو الصَّواب.
(2) أبو معمر هذا هو إسماعيل بن إبراهيم الهذلي القطيعيِّ، وليس أبا معمر المنقري شيخ البخاريِّ أيضا.
(3) أثر ابن عيينة هذا قد علَّقه البخاريُ في "صحيحه" أيضا بصيغة الجزم، وذكر ابن حجر في "التغليق"(5/381)، وفي "الفتح"(13/532و533) أنَّ ابن أبي حاتم وصله في "كتاب الرَّدُّ على الجهميَّة" من طريق بشَّار بن موسى عن ابن عيينة. ومن طريق نعيم بن حمَّاد عن ابن عيينة بمعناه.
(4) تكملة الأثر: "...فسبُّوهم". وصله مسلم (3022) وابن راهويه في "مسنده"(847) وأحمد في "فضائل الصَّحابة"(14و1738) وجماعة.
(5) حديثٌ صحيحٌ مرويٌّ عن عددٍ من الصَّحابة.
(6) أثر الفضيل هذا قد وصله أحمد بن كامل في "زياداته على السنَّة للبربهاري"(ص/113) والجريريُّ النَّهراونيِّ في "الجليس الكافي"(ص/507) وأبو نعيم في "الحلية"(8/91) وفي "فضيلة العادلين من الولاة"(48) مطوَّلاً ومختصراً؛ وهو صحيحٌ عنه.
(7) أثر ابن مبارك هذا قد ذكره أبو نعيم في "الحلية" والجريريِّ في "الجليس الكافي".
(8) أنظر "سير أعلام النُّبلاء"(12/395) للذَّهبيِّ.
(9) ترجمه غُنجار في "تاريخه" وعنه صاحب "الأنساب"(8/69 مادة الشَّخاخي) و"معجم البلدان" (3/323) و"اللُّباب"(2/188) توفِّي بالشَّاش سنة (323هـ).
(10) طبعاً هذا في أواخر حياة الإمام البخاريِّ رحمه الله. وهذا دليل قويٌّ إلى ما ذهبنا إليه؛ فتنبَّه.
(11) أنظر "تلخيص تاريخ نيسابور"(ص/58).


التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر ; 19 May 2018 الساعة 12:10 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 May 2018, 05:33 AM
عبد الله سنيقرة عبد الله سنيقرة غير متواجد حالياً
عفا الله عنه
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 268
افتراضي

جزاك الله خيرا وبارك فيك أخي الكريم، على هذا المقال النافع والانتقاء الموفق، نسألأ الله أن يهدي به من ضل عن الهدى ويبصر به أهل العمى.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 May 2018, 12:40 PM
أبو حامد الإدريسي أبو حامد الإدريسي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 36
افتراضي

وفيك بارك الله ونفع بك وعلى حسن المتابعة منك..!!!
هدى الله الجميع ــ وبالخصوص (المالكيَّة!!!) ــ إلى العقيدة الصَّحيحة التي كان عليها إمامهم وإمامنا ــ إمام دار الهجرة مالك بن أنسٍ رحمه الله ــ وهي عقيدة أهل الحديث (وعقيدة أهل السنَّة والجماعة)، وعافاهم من تلك العقيدة الضَّالَّة الباطلة (الأشعريَّة).. اللَّهمَّ آميــــــــن!!!
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 19 May 2018, 03:55 PM
أبو عبد الله يوسف بن الصدّيق أبو عبد الله يوسف بن الصدّيق غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2011
الدولة: مدينة تقرت، الجزائر
المشاركات: 320
إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبد الله يوسف بن الصدّيق
افتراضي

جزاك الله خيرا وبارك فيك يا ابا حامد
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 19 May 2018, 06:15 PM
أبو حامد الإدريسي أبو حامد الإدريسي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 36
افتراضي

وفيك بارك الله وعلى مرورك الطيِّب المشكور
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مميز, الباهرةعقيدةالبخاري, توحيد, عقيدة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013