منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 12 Nov 2015, 09:47 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي خزانة تحف العناية بكتاب "البداية والنهاية" (10) (فوائد متعلقة بكتاب الله تعالى)

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبيَّ بعده.

أمَّا بعد:

فهذه هي الحلقة العاشرة من «خزانة تُحف العناية بكتاب "البداية والنِّهاية"» ولا يزال الكلام متواصلًا عن (الفوائد المتعلِّقة بكتاب الله تعالى) وأوَّلها:

· الأدلَّة على نبوَّة الخضر عليه السَّلام من سياق القصَّة في "سورة الكهف"

«وقد دلَّ سياق القصة على نبوته من وجوه:

أحدها: قوله تعالى: ﴿فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما﴾ [الكهف: 65].

الثاني: قول موسى له: ﴿هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا﴾[الكهف: 66].

فلو كان وليا وليس بنبي، لم يخاطبه موسى بهذه المخاطبة، ولم يرد على موسى هذا الرد، بل موسى إنما سأل صحبته لينال ما عنده من العلم، الذي اختصه الله به دونه، فلو كان غير نبي لم يكن معصوما، ولم تكن لموسى - وهو نبي عظيم، ورسول كريم، واجب العصمة - كبير رغبة، ولا عظيم طلبة في علم ولي غير واجب العصمة، ولما عزم على الذهاب إليه، والتفتيش عليه، ولو أنه يمضي حقبا من الزمان، قيل: ثمانين سنة. ثم لما اجتمع به تواضع له، وعظمه، واتبعه في صورة مستفيد منه، دل على أنه نبي مثله يوحى إليه كما يوحى إليه، وقد خص من العلوم اللدنية، والأسرار النبوية، بما لم يطلع الله عليه موسى، الكليم، نبي بني إسرائيل الكريم، وقد احتج بهذا المسلك بعينه الرماني، على نبوة الخضر، عليه السلام.

الثَّالث: أنَّ الخضر أقدم على قتل ذلك الغلام، وما ذاك إلا للوحي إليه من الملك العلام؛ وهذا دليل مستقل على نبوته، وبرهان ظاهر على عصمته; لأن الولي لا يجوز له الإقدام على قتل النفوس بمجرد ما يلقى في خلده، لأن خاطره ليس بواجب العصمة; إذ يجوز عليه الخطأ بالاتفاق. ولما أقدم الخضر على قتل ذلك الغلام، الذي لم يبلغ الحلم، علما منه بأنه إذا بلغ يكفر، ويحمل أبويه عن الكفر; لشدة محبتهما له، فيتابعانه عليه، ففي قتله مصلحة عظيمة تربو على بقاء مهجته; صيانة لأبويه عن الوقوع في الكفر وعقوبته، دل ذلك على نبوته، وأنه مؤيد من الله بعصمته. وقد رأيت الشيخ أبا الفرج ابن الجوزي طرق هذا المسلك بعينه في الاحتجاج على نبوة الخضر وصححه. وحكى الاحتجاج عليه الرماني أيضا.

الرابع: أنه لما فسر الخضر تأويل تلك الأفاعيل لموسى، ووضح له عن حقيقة أمره، وجلى، قال بعد ذلك كله: ﴿رحمة من ربك وما فعلته عن أمري﴾[الكهف: 82] يعني: ما فعلته من تلقاء نفسي، بل أمرت به، وأوحي إلي فيه، فدلت هذه الوجوه على نبوته».[2/ 248-249].

· الأدلَّة على أنَّ الخضر عليه السَّلام قد مات

«وأمَّا الَّذين ذهبوا إلى أنَّه قد مات ومنهم: البخاري، وإبراهيم الحربي، وأبو الحسين ابن المنادي، والشَّيخ أبو الفرج بن الجوزي، وقد انتصر لذلك وألف فيه كتابا سماه: "عجالة المنتظر في شرح حالة الخضر" فيحتج لهم بأشياء كثيرة; منها:

1. قوله تعالى: ﴿وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد﴾[الأنبياء: 34] فالخضر إن كان بشرا، فقد دخل في هذا العموم لا محالة، ولا يجوز تخصيصه منه إلا بدليل صحيح، والأصل عدمه حتى يثبت، ولم يذكر ما فيه دليل على التخصيص عن معصوم يجب قبوله.

2. ومنها أن الله تعالى قال: ﴿وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين﴾[آل عمران: 81] قال ابن عباس: "ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق: لئن بعث محمد، وهو حي، ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ على أمته الميثاق: لئن بعث محمد وهم أحياء; ليؤمنن به ولينصرنه" ذكره البخاري عنه؛ فالخضر إن كان نبيا أو وليا فقد دخل في هذا الميثاق، فلو كان حيا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم; لكان أشرف أحواله أن يكون بين يديه، يؤمن بما أنزل الله عليه وينصره أن يصل أحد من الأعداء إليه; لأنه إن كان وليا; فالصِّديق أفضل منه، وإن كان نبيًّا; فموسى أفضل منه.

وقد روى الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا سريج بن النعمان، حدثنا هشيم، أنبأنا مجالد، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «والذي نفسي بيده، لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني» وهذا الذي يقطع به ويعلم من الدين علم الضرورة، وقد دلت عليه هذه الآية الكريمة; أن الأنبياء كلهم لو فرض أنهم أحياء مكلفون في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكانوا كلهم أتباعا له، وتحت أوامره، وفي عموم شرعه، كما أنه صلوات الله وسلامه عليه لما اجتمع معهم ليلة الإسراء، رفع فوقهم كلهم، ولما هبطوا معه إلى بيت المقدس، وحانت الصلاة; أمره جبريل عن أمر الله أن يؤمهم، فصلى بهم في محل ولايتهم، ودار إقامتهم، فدل على أنه الإمام الأعظم، والرسول الخاتم المبجل المقدم، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.

فإذا علم هذا - وهو معلوم عند كل مؤمن - علم أنه لو كان الخضر حيا، لكان من جملة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وممن يقتدي بشرعه، لا يسعه إلا ذلك. هذا عيسى بن مريم، عليه السلام، إذا نزل في آخر الزمان، يحكم بهذه الشريعة المطهرة، لا يخرج منها، ولا يحيد عنها، وهو أحد أولي العزم الخمسة المرسلين، وخاتم أنبياء بني إسرائيل. والمعلوم أن الخضر، لم ينقل بسند صحيح ولا حسن تسكن النفس إليه، أنه اجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم واحد، ولم يشهد معه قتالا في مشهد من المشاهد، وهذا يوم بدر، يقول الصادق المصدوق، فيما دعا به لربه، عز وجل، واستنصره، واستفتحه، على من كفره: «اللهم إن تهلك هذه العصابة، لا تعبد بعدها في الأرض،» وتلك العصابة كان تحتها سادة المسلمين يومئذ، وسادة الملائكة، حتى جبريل، عليه السلام، كما قال حسان بن ثابت في قصيدة له، في بيت يقال: إنه أفخر بيت قالته العرب:

وببئر بدر إذ يرد وجوههم ... جبريل تحت لوائنا ومحمد
فلو كان الخضر حيا لكان وقوفه تحت هذه الراية أشرف مقاماته، وأعظم غزواته...

فإن قيل: فهلا يقال: إنه كان حاضرا في هذه المواطن كلها، ولكن لم يكن أحد يراه؟!

فالجواب: أن الأصل عدم هذا الاحتمال البعيد الذي يلزم منه تخصيص العمومات بمجرد التوهمات، ثم ما الحامل له على هذا الاختفاء؟!وظهوره أعظم لأجره، وأعلى في مرتبته، وأظهر لمعجزته. ثم لو كان باقيا بعده، لكان تبليغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحاديث النبوية، والآيات القرآنية، وإنكاره لما وقع من الأحاديث المكذوبة، والروايات المقلوبة، والآراء البدعية، والأهواء العصبية، وقتاله مع المسلمين في غزواتهم، وشهوده جمعهم وجماعاتهم، ونفعه إياهم، ودفعه الضرر عنهم ممن سواهم، وتسديده العلماء والحكام، وتقريره الأدلة والأحكام، أفضل مما يقال عنه من كنونه في الأمصار، وجوبه الفيافي والأقطار، واجتماعه بعباد لا يعرف أحوال كثير منهم، وجعله لهم كالنقيب المترجم عنهم. وهذا الذي ذكرناه لا يتوقف أحد فيه بعد التفهم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

3. ومن ذلك ما ثبت في " الصحيحين " وغيرهم عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ليلة العشاء، ثم قال: «أرأيتم ليلتكم هذه، فإنه إلى مائة سنة، لا يبقى ممن هو على وجه الأرض اليوم أحد - وفي رواية: - عين تطرف» قال ابن عمر: فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه، وإنما أراد انخرام قرنه.... قال ابن الجوزي: فهذه الأحاديث الصحاح تقطع دابر دعوى حياة الخضر.

قالوا: فالخضر إن لم يكن قد أدرك زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما هو المظنون الذي يترقى في القوة إلى القطع فلا إشكال.

وإن كان قد أدرك زمانه، فهذا الحديث يقتضي أنه لم يعش بعده مائة سنة، فيكون الآن مفقودا لا موجودا; لأنه داخل في هذا العموم، والأصل عدم المخصص له، حتى يثبت بدليل صحيح يجب قبوله؛ والله أعلم».[2/ 260-271].

· نقدٌ من ناحية المتنِ من جنس انتقادات ابن خلدون رحمه الله في "تاريخه"

«قال الله تعالى: ﴿فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده﴾[البقرة: 249] قال ابن عباس وكثير من المفسرين: هذا النهر هو نهر الأردن. وهو المسمى بالشريعة، فكان من أمر طالوت بجنوده عند هذا النهر، عن أمر نبي الله له، عن أمر الله له، اختبارا وامتحانا; أن من شرب من هذا النهر اليوم فلا يصحبني في هذه الغزوة، ولا يصحبني إلا من لم يطعمه، إلا غرفة في يده.

قال الله تعالى: ﴿فشربوا منه إلا قليلا منهم﴾[البقرة: 249] قال السدي: كان الجيش ثمانين ألفا، فشرب منه ستة وسبعون ألفا، وتبقى معه أربعة آلاف. كذا قال.

وقد روى البخاري في "صحيحه" من حديث إسرائيل وزهير والثوري، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، قال: كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت - الذين جاوزوا معه النهر، ولم يجاوز معه إلا مؤمن - بضعة عشر وثلاثمائة مؤمن.

وقول السدي أن عدة الجيش كانوا ثمانين ألفا، فيه نظر; لأن أرض بيت المقدس لا تحتمل أن يجتمع فيها جيش مقاتلة يبلغون ثمانين ألفا. والله أعلم».[2/ 294-295]

قلت: ويستفاد من هذا أنَّ الحافظ ابن كثير –رحمه الله- له انتقادات من ناحيَّة المتن، وإن كان غالب ما ينتقده من ناحية الإسناد، فليس ما يذكر من كون الحافظ ابن كثير –رحمه الله- اختص في كتابه "البداية والنهاية" بنقد الإسناد، واختصَّ ابن خلدون –رحمه الله- بنقد المتن على إطلاقه، بل هذا باعتبار الغالب؛ والله أعلم.

· ردُّ ما يقوله بعض الجهلة بشأن نطق الدَّوابِّ قبل سليمان ومخاطبتها للنَّاس وكونه أخذ منها العهد

«قال الله تعالى: ﴿حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون﴾[النمل: 18] فأمرت، وحذرت، واعتذرت عن سليمان وجنوده بعدم الشعور...

المقصود أن سليمان، عليه السلام، فهم ما خاطبت به تلك النملة لأمتها من الرأي السديد والأمر الحميد، وتبسم من ذلك على وجه الاستبشار والفرح والسرور بما أطلعه الله عليه دون غيره، وليس كما يقوله بعض الجهلة، من أن الدواب كانت تنطق قبل سليمان، وتخاطب الناس حتى أخذ عليهم سليمان بن داود العهد وألجمها، فلم تتكلم مع الناس بعد ذلك، فإن هذا لا يقوله إلا الذين لا يعلمون، ولو كان هذا هكذا لم يكن لسليمان في فهم لغاتها مزية على غيره ; إذ قد كان الناس كلهم يفهمون ذلك، ولو كان قد أخذ عليها العهد أن لا تتكلم مع غيره، وكان هو يفهمها، لم يكن في هذا أيضا فائدة يعول عليها، ولهذا قال: ﴿رب أوزعني﴾[النمل: 19] أي: ألهمني وأرشدني ﴿أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين﴾[النمل: 19] فطلب من الله أن يقيضه للشكر على ما أنعم به عليه، وعلى ما خصه به من المزية على غيره، وأن ييسر عليه العمل الصالح، وأن يحشره إذا توفاه مع عباده الصالحين، وقد استجاب الله تعالى له. والمراد بوالديه داود، عليه السلام، وأمه، وكانت من العابدات الصالحات».[2/ 327-328].

فتحي إدريس
29/المحرَّم/1437
يتبع إن شاء الله.
رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, قرآن

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013