منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05 Jul 2013, 07:49 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي [تفريغ] واجب طالب العلم بعد تخرجه لفضيلة الشيخ الوالد صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله-.

وَاجِبُ طَالِبِ العِلْمِ
بَعْدَ تَخَرُّجِهِ



محاضرة لفضيلة الشَّيخ الوالد
صالح بن فوزان الفوزان
حفظه الله


تفريغ
فتحي بن محمد إدريس
عفا الله عنه







بسم الله الرحمن الرحيم



الحمدُ لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

معالي مدير الجامعة الإسلامية الشَّيخ محمد العقلا، أصحاب الفضيلة هيئة التدريس بهذه الجامعة، إخواني الطلاب، والخريجون: السَّلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته.
إنَّها فرصة طيبة أشكر الله سبحانه وتعالى الذي يسّرها، ثم أشكر القائمين على هذه الجامعة العريقة المباركة، وعلى رأسهم معالي مديرها وفَّق الله الجميع؛ فهي جامعة عريقة ومشهورة، أنتجت ولله الحمد خير إنتاج، ونفع الله بها المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يستمر عطاؤها، وخيرها على المسلمين.

والفضل في هذا يعود لله سبحانه وتعالى أولا وقبل كل شيء، ثم لكل من أسّسوا هذه الجامعة، وهم ولاة أمورنا ابتداء من الملك سُعود -رحمه الله-؛ وتولى تنظيمها، وتقرير المقررات العلمية فيها سماحة الشّيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله-، وأناب عنه في رئاستها سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-، ومن ذاك الوقت إلى وقتنا -وستستمر إن شاء الله- وهي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ثمارا طيبة للإسلام والمسلمين.

أيها الإخوة الخريجون؛ نهنئكم لأنَّ الله مَنَّ عليكم بإتمام دراستكم في هذه الجامعة المباركة، وتحصّلتم على العلم النافع المفيد بإذن الله، ونرجو أن تنالوا الثواب الذي وعد الله به من سلك طريقا يلتمس فيه علما، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ»[رواه مسلم (2699)].

سلوك الطريق يعني أول ما يعني: الرِّحلة في طلب العلم أين ما وجد، فهذا من سلوك الطريق الذي من سلكه سلك الله به طريقا إلى الجنة، ولذلك كان علماؤنا، وسلفنا الصالح، كانوا يرحلون في طلب العلم إلى أقطار بعيدة.

وقد بلغكم أنَّ من الصَّحابة من رحل من المدينة إلى مصر لتلقي حديثا واحدا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن يحمله من الصَّحابة في مصر، ولا غرو في ذلك؛ فإن موسى عليه السَّلام كليم الله رحل في طلب العلم في القصة التي ذكرها الله في محكم كتابه: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا(60)[سورة الكهف] وذلك أنَّ الله أخبره أنَّ هناك عبدًا صالحًا عنده من العلم ما ليس عند موسى عليه الصلاة السَّلام، فرحل إليه يطلب من علمه وقال له: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا(66)﴾[سورة الكهف] صَبَرَ على المشاق، تحمَّلَ عليه الصّلاة والسّلام يطلب العلم الذي أخبره الله عن مكانه، وعن حامله.

والله جل وعلا ذكر ذلك يحث المؤمنين على الرحلة في طلب العلم، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ(122)﴾[سورة التوبة] فما يتيسر للمسلمين كلهم أن يرحلوا في طلب العلم، ولكن يرحل طائفة منهم ونفر منهم يحملون هذا العلم عن أهله، ثم يرجعون إلى من وراءهم فيفقهونهم في دين الله عز وجل ويبلغونهم ما تحملوه من العلم.

وأنتم تقرؤون قصّة الجنّ الّذين استمعوا للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن في صلاة الفجر في طريقه ما بين الطائف إلى مكة، سمعوا القرآن من الرسول صلى الله عليه وسلم وأنصتوا له، وأعجبوا به، ثم ولوا إلى قومهم منذرين ﴿قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ(30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ وَءَامِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ(31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(32)﴾[سورة الأحقاف]، وفي الآية الأخرى قال الله تعالى: ﴿قُلِ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًا(1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ﴾[سورة الجن] إلى آخر السّورة، نأخذ من هذا أن الرحلة في طلب العلم قد قام بها من قبلنا من الرُّسل، ومن الجن والإنس، وليس هذا بغريب، فإنَّ العلم هو حياة القلوب، والعلم هو الدَّال على الله سبحانه وتعالى، والهادي إليه، وإلى جنته، يهدي إلى الحق، وإلى طريق مستقيم، ﴿إِنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾[سورة الإسراء: 9]، فالرحلة في تلقي هذا العلم أشرف الرحلات، وأنفعها في الدنيا والآخرة.
أرأيتم كيف يرحل الناس، ويسافرون لطلب التجارة، وطلب الأموال، ولو كانت بعيدة، ويصبرون على ذلك، فأنتم أولى وأحرى أن يرحل لطلب العلم.

أنتم أيها الإخوة؛ يا من تخرجتم في هذه الجامعة، سترجعون إلى بلادكم بحفظ الله، عليكم حمل ثقيل، وأمانة عظيمة تحملتموها، وهي أن تنشروا هذا العلم في بلادكم، وفي قومكم، ومن حولكم، فإنَّ هذا العلم لا يخزن، وإنما يبلغ للناس، لأنّ الله أنزله للنّاس، فلا بدّ من أن يصل إلى الناس عن طريق أهل العلم الذين حملوه، أن يبلغوه للناس ليأدوا أمانتهم، ويقوموا بما كلفهم الله به، ولينالوا من الله الأجر والثواب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدَى، كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقَصُ ذَلَكِ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا»[رواه مسلم (2674)].

وتوعد الله الذين يكتمون العلم بأشد الوعيد قال الله سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ(159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(160)﴾[سورة البقرة]، ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ(187)﴾[سورة آل عمران] إنَّ هذا العلم مشاع بين العباد، لا يجوز لمسلم أن يختزنه، وأن يحتفظ به، وقد جاء في الحديث:«مَنْ كَتَمَ عِلْمًا أَلْجَمَهُ اللهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ»["صحيح الترغيب والترهيب" للألباني (121)] أو ما هذا معناه.

فنحن والحمد لله منَّ الله علينا وعليكم بهذا التعلم المبارك الميسور، الذي لم نتكلف فيه عناء كثيرا كما كان يتكلف من كان قبلنا حين لم تكن هناك مواصلات، ولا اتصالات، ولا مراكب بربية أو بحرية أو جوية إلا ظهور الإبل، والمشي على الأقدام، ومع هذا تحملوا هذا العناء، وهذا التعب في سبيل الله، أيضا لم يكن هناك سعة في الأرزاق، وبسطة في الرزق كما عندنا اليوم؛ فنحن أعطانا الله، ومن علينا بإمكانيات عظيمة، فلنكشر الله سبحانه تعالى، ولنؤد ما حملنا الله إياه، فإنه أمانة في ذممنا حتى نقوم به، ونبلغه للناس كما تحملناه بأمانة وعناية ﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ(122)﴾[سورة التوبة].

أنتم راجعون إلى بلادكم، ومن حولكم، وتعلمون أحوالهم، تعلمون حاجتهم إلى العلم، إلى الدعوة، إلى التبصير، فانتهزوا هذه الفرصة، وانتهزوا هذا الأجر، وقوموا بما أوجب عليكم تجاه إخوانكم، وابدؤوا بنفوسكم، اعملوا بما تعلمتم، اعملوا بعلمكم، ثم بلغوه للناس لأجل أن تقوموا بالعلم والتعليم والعمل جميعا.

والله جل وعلا ذم الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، فيبدأ المسلم أولا بنفسه، ثم بأهل بيته، وذريته، وأهل بيته، ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ(214)﴾[سورة الشعراء]، ثم يتمدد خيره على أهل بلده، وعلى المجاورين له من البلدان الأخرى، وبذلك يحصل الخير الكثير، وقد يسر الله لكم من إمكانيات إيصال العلم إلى الأقطار البعيدة والبلاد الشاسعة بواسطة هذه الوسائل الحديثة التي توصل الصوت، والكتب، وتوصل الإمكانيات بسرعة وبسهولة فاغتنموها، واستعينوا بها على تبليغ هذا العلم، قال صلى الله عليه وسلم: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً»[رواه البخاري (3461)].

والتبليغ عن الرسول صلى الله عليه وسلم له معنيان:

المعنى الأول: أن يبلغ النص للناس، أن يبلغ النص بأمانة، القرآن والسنة تبلغ للناس بلفظها ونصها المحفوظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تغيير، أو تبديل.

والنوع الثاني: تبليغ المعنى، وهذا لا يقوم به إلا أهل العلم، وأنتم من أهل العلم، تبلغون النص وتبلغون معناه للناس، وتوضحونه للناس.

أما تبليغ النص فمعناه: أن تحفظ الناس القرآن، تحفظهم الأحاديث، أن تقرأ عليهم من الكتب النافعة، وأن تبلغهم النصوص ولا تقوم بشرحها إذا لم يكن عندك إمكانية، وأهلية لذلك، لكن يجب عليك أن تبلغ النصوص التي تحفظها للناس، وتحفظهم إياها، وتقرأهم إياها، فإن كان عندك أهلية لشرحها وتوضيحها فهذا أيضا مطلوب، وهو الغاية.

فأنتم ولله الحمد من النوع الثاني الذين يحفظون النصوص، ويحفظون معانيها، ويستطيعون إيضاحها للناس.

وابدؤوا بإصلاح العقائد، فإنها الأساس، علموا الناس العقيدة الصحيحة، وبينوها لهم، كما جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن الأنبياء جميعا، لأنها أساس الدين، وهي الركن الأول من أركان الإسلام، فاعتنوا بها، ولأن الخلل فيها كثير عند بعض الناس، الخلل فها كثير، ودعاة الضلالة أيضا يحرفون، ويغيرون، ويريدون صدَّ النَّاس عن الحق إلى الباطل، فكونوا أنتم حرَّاسًا أمينين على هذه الشريعة بنصوصها، والعمل بها، بلغوها للناس، وانشروها بين الناس، فإن البشرية عموما، والمسلمون خصوصا، بحاجة ماسة إلى من يبلغهم هذ الدِّين عل الوجه الصحيح، والناس لو عرفوا هذا الدين على الوجه الصَّحيح لقل من يتخلف عنه أو لا يقبله ممن يريد الخير، وإلا على الأقل تقوم الحجة على المعاندين.

فأنتم أمانتكم ثقيلة، وأجركم عند الله عظيم، فكونوا أول من يبادر بهذا الواجب العظيم الذي تحملتموه، ومهمتكم لا تقف عند نيل الشَّهادة، بل طلب العلم ليس له نهاية، فواصلوا طلب العلم، وتزودوا من طلب العلم، ومع ذلك تقومون بالدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن.

أنتم تعلمون أن هناك دعاة ضلالة كثيرون، يريدون أن يصرفوا الناس عن الإسلام إن استطاعوا، فإن لم يستطيعوا صرفوهم عن الإسلام الصحيح إلى الإسلام المزيف، وهم جادون في هذا، وحريصون على أن يشوهوا الإسلام، وأن يبلغوه بصورة مشوهة إلى الناس، عن الإسلام، وأنتم المسئولون أمام الله سبحانه وتعالى أمام هذا الضلال أن تكافحوه، وأن تقوموا في وجهه بما أعطاكم الله من العلم، والبصيرة، ولكن يكون هذا كما أمر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾[سورة النحل: 125].

عليكم بالصبر والتحمل، فإن الذي يدعو إلى الله، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويرد على أهل الضلال، يحتاج إلى صبر حتى يؤدي ما عليه، وحتى يستمر في عمله، والله جل وعلا قال: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالعَصْرِ(1) إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2) إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعِمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)﴾[سورة العصر]، انظروا هذه السورة العظيمة، هذه السورة الوجيزة، التي كلٌّ يحفظها، الكبار والصغار، كلٌّ يحفظها عن ظهر قلب، وهي تتحمل، وتحمل معاني عظيمة، تتضمن أربع مسائل عظيمة مهمة.

المسألة الأولى: العلم؛ لأن ﴿الَّذِينَ ءَامَنُوا﴾[سورة العصر: 3] ولا يصح الإيمان إلا بعلم، لا يكون الإيمان إلا بعد العلم النافع.

الثانية: العمل به؛ ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾[سورة العصر: 3]بعدما يتعلم، يعمل لنفسه، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ﴾[سورة محمد: 19] فبدأ بالعلم قبل القول والعمل.

الثالثة: الدعوة إليه؛ ﴿وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ﴾[سورة العصر: 3] هذا هو الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.

الرابعة: الصبر على الأذى فيه؛ ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾[سورة العصر: 3]، لقمان يقول لابنه: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ(17)﴾[سورة لقمان] فلا بد من الصبر، والله جل وعلا قال عن بني إسرائيل: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَا صَبَرُوا وَكَانُوا بِئَايَاتِنَا يُوقِنُونَ(24)﴾[سورة السجدة] فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدِّين كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية.

مهمتكم أيها الإخوة الخريجون، مهمتكم عظيمة، ومن ورائكم من أهلكم، وجيرانكم، ومَنْ حولكم، بأمس الحاجة إلى رجوعكم إليهم، وإلى قيامكم بما أوجب الله عليكم، نوروا بلادكم، وما حولها بالعلم، والدعوة، بالعلم، والعمل، والدعوة، وتحملوا الصبر على مواصلة العمل، والله جل وعلا مع الصابرين، فعلينا جميعا، على كل من أعطاه الله شيئا من العلم أن يبلغه، وأن يعمل به أولا، وأن يدعو إليه.
أمانة عظيمة من الله سبحانه وتعالى سنسأل عنها يوم القيامة، ليس المراد من الدراسات نيل الشهادة، ونيل الوظائف، هذه أمور ثانوية؛ إنما المقصود هو العمل، والإخلاص لله عز وجل، ونشر هذا العلم في الناس المحتاجين إليه، وما أكثرهم.
كيف نسكت والناس أكثرهم في جهالة؟! أكثرهم في ضلالة! أكثرهم تتخطفهم دعاة الضلالة! نسكت ونتركهم ونحن عندنا العلاج! وعندنا الدواء! والشفاء! بإذن الله، كيف نسكت عنهم؟!

إن من يسكت في هذا الوقت خصوصا، وهو يرى ما حوله من العالم، حتى في بلده، ومن جيرانه، يرى العجب العجاب!! فكيف يسكت على هذا؟! لا نقول احملوا الناس حملا على قبول الحق، الهداية بيد الله ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾[سورة القصص: 56] ولكن نقول: ابذل ما تستطيع، ابذل السبب وعند الله سبحانه وتعالى تكون النتائج، يكون المطلوب، إذا أخلصت النية لله عز وجل.

انظروا في سير العلماء الدعاة إلى الله، انظروا في سيرهم، واقرأوها، وترسموا خطاهم، وانظروا كيف أثمرت دعواتهم، وهم أفراد، وقليلون، وهم فقراء، وهم مضطهدون؛ ولكن مع هذا قاموا لله عز وجل، قاموا لله، ونشروا علمهم، ودعوا إلى الله، وصبروا حتى نصرهم الله، وحتى أثمرت دعواتهم ثمرات طيبة، تجري عليهم أجورها إلى يوم القيامة «مَنْ دَعَا إِلَى هُدَى، كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ».

فمهمتنا مهمتكم عظيمة، لا سيما في هذا الوقت الذي عظمت فيه الفتن، والشبهات، عظمت فيه الفتن: فتن الشبهات، وفتن الشهوات، فتن الدعاة إلى الضلالة، ويستخدمون أسرع الوسائل، وأدق الوسائل، لنشر شرهم، في الفضائيات، وفي غيرها، فلا بد من مقاومة هذا الزحف الهائل، لا بد من مقاومته بالحق، والحق لا يقوم أمامه الباطل مهما تعاظم الباطل، فإنه يزهق أمام الحق، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا(81)﴾[سورة الإسراء] قال سبحانه: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾[سورة الأنبياء: 18] فالله جل وعلا أخبر أن الحق إذا قام به من تحمله، ودعا إليه فإن الباطل يضمحل أمامه، ويزول، وإن تأخرت النتيجة لكن العاقبة للمتقين، والنتائج عند الله سبحانه، والله لا يضيع أجر المحسنين.

والله ناصر دينه، والله جل وعلا ناصر دينه، ولكن هذا الدين لا ينتصر بنفسه، لا بد له من حملة يحملونه حقا، ويجاهدون في سبيله، وإذا لم يقم به بعض الناس استبدلهم الله بآخرين ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ(38)﴾[سورة محمد]، فالله جل وعلا لن يضيع دينه، ولكن نحب أن تكون نصرة هذا الدين على أيدينا لننال هذا الأجر، والثواب من الله سبحانه وتعالى، فكيف لا نغار على قومنا؟! كيف لا نغار على بلادنا؟! كيف لا نغار على إخواننا؟! كيف لا نغار على ديننا؟! كيف نستسلم؟! هذا أمر لا يجوز للمسلمين، وما حل بالمسلمين الآن مما ترون إلا بتخاذلهم، وإلا باستسلامهم، ويأسهم، وعدم صبرهم.

فأنتم أيها الخريجون؛ عليكم واجب عظيم، والأمة تتشوف إليكم، وتتطلع إليكم، ولا سيما بلادكم، وأقاربكم، وجيرانكم، ومن حولكم كلهم بحاجة إليكم، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا، وإياكم على تحمل ما حملنا، وأن يعيننا على تبليغه بأمانة، ونشره بصدق، فإن الله سبحانه وتعالى ينصر من نصره، ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ(7)﴾[سورة محمد].

فهذا ما أحببت أن أقوله في هذه العجالة، وأسأل الله سبحانه وتعالى لنا ولكم ولجميع المسلمين الهداية، والتوفيق، ومعرفة الحق، والعمل به، ومعرفة الباطل، واجتنابه، وأن يثبتنا وإياكم على الحق، وأن يكفينا وإياكم شر الفتن المضلة.



وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.


التعديل الأخير تم بواسطة فتحي إدريس ; 05 Jul 2013 الساعة 08:01 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05 Jul 2013, 08:00 PM
معبدندير معبدندير غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: الجزائر العاصمة الولاية
المشاركات: 2,034
إرسال رسالة عبر MSN إلى معبدندير إرسال رسالة عبر Skype إلى معبدندير
افتراضي

جزاكم الله خيرا
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 16 Jun 2014, 03:12 PM
مهدي بن صالح البجائي مهدي بن صالح البجائي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 591
افتراضي

للتذكير، جزاك الله خيرا أخي فتحي.
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, الفوزان, دعوة, علم


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013