منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 15 Feb 2010, 08:11 PM
سفيان الجزائري سفيان الجزائري غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 436
إرسال رسالة عبر MSN إلى سفيان الجزائري إرسال رسالة عبر Yahoo إلى سفيان الجزائري إرسال رسالة عبر Skype إلى سفيان الجزائري
افتراضي زَمَنُ الفِتْنة ( نَشأتهُا ، اشْتِدادُها ، آخِرُها )

زَمَنُ الفِتْنة (نَشأتهُا، اشْتِدادُها، آخِرُها)
( مَباحِث مسْتلة مِن كِتاب الفذّ: التَهذِيبُ الحَسَن لكِتابِ العِراق في أحاديث وآثار الفتن )

الفتنُ تَموج موْجَ البحر

وإنما هَمُّ النبي صلى الله عليه وسلم من هذا البيان: الحرص والحذر، وليس ذم الزمان أو المكان؛ إذ الفتنة في آخر الزمان تشتد، وتعصف وتموج موج البحر، ويبدأ ذلك من مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
أخرج البخاري ( رقم 525، 1435، 1895، 3586، 7096) ومسلم ( رقم 144) بعد (26) في صحيحهما بسنديهما إلى أبي وائل شقيق بن سلمة، قال: سمعتُ حذيفة يقول: بينا نحن جلوس عند عمر، إذ قال: أيكم يحفظ قول النبي صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ قال: «فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره، يكفرها الصلاة والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». قال: ليس عن هذا أسألك، ولكنِ التي تموج كموج البحر، قال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، إنّ بينك وبينها باباً مغلقاً، قال عمر: أيكسر الباب أم يفتح؟ قال: بل يكسر. قال عمر: إذاً لا يُغلق أبداً. قلت: أجل. قلنا لحذيفة: أكان عمر يعلم الباب؟ قال: نعم، كما أعلم أن دون غَدٍ ليلةً، وذلك أني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط، فهِبْنا أن نسأله: من الباب؟ فأمرنا مسروقاً فسأله، فقال: من الباب؟ قال: عمر.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد عديدة ، من أهمها :
ضروبُ الفِتْنة
أولاً: إنّ الفتنة ضربان:
الضرب الأول: لا ينفك عن الإنسان في أي مكان أو زمان كان؛ وهو: فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره، فهذا النوع يعتريه فرط المحبة، ويسبب الشح والبخل والجبن، ويشغل عن كثير من الخير، قال بن المنيّر: «الفتنة بالأهل تقع بالميل إليهن، أو عليهن في القسمة والإيثار، حتى في أولادهن، ومن جهة التفريط في الحقوق الواجبة لهن، وبالمال يقع بالاشتغال به عن العبادة أو بحبسه عن إخراج حق الله، والفتنة بالأولاد تقع بالميل الطبيعي إلى الولد، وإيثاره على كل أحد، والفتنة بالجار تقع بالحسد والمفاخرة والمزاحمة في الحقوق وإهمال التعاهد».
ثم قال ابن حجر : «وأسباب الفتنة بمن ذكر غير منحصرة فيما ذكرت من الأمثلة، وأما تخصيص الصلاة وما ذكر معها بالتكفير دون سائر العبادات، ففيه إشارة إلى تعظيم قدرها، لا نفي أن غيرها من الحسنات ليس فيه صلاحية التكفير، ثم إنّ التكفير المذكور يحتمل أنْ يقع بنفس فعل الحسنات المذكورة، ويحتمل أنْ يقع بالموازنة، والأول أظهر، والله أعلم» (1) .
وقال ابن أبي جمرة: « خص الرجل بالذكر لأنه في الغالب صاحب الحكم في داره وأهله، وإلا فالنساء شقائق الرجال في الحكم. ثم أشار إلى أنّ التكفير لا يختص بالأربع المذكورات، بل نبه بها على ما عداها، والضابط: أنّ كل ما يشغل صاحبه عن الله فهو فتنة له، وكذلك المكفرات لا تختص بما ذكر، بل نبّه به على ما عداها، فذكر عبادة الأفعال: الصلاة والصيام، وذكر من عبادة المال: الصدقة، ومن عبادة الأقوال: الأمر بالمعروف» .
«فالحياة الدنيا كلها فتنة واختبار، شرها فتنة، وخيرها فتنة، والشهوات فتنة، تلك فتنة قائمة في جميع العصور، وتعمّ ذرية آدم في جميع الأماكن» (2)، وهذا الضرب ليس موضوع حديثنا.
الضرب الثاني: الفتن التي تموج موج البحر؛ أي: تضطرب وتدفع بعضها بعضاً، وشُبِّهت بـ (موج البحر) (3) ؛ لشدّة عظمها، وكثرة شيوعها، وهذا النوع يشتدّ بمضيّ الزمان، ويظهر للعيان، ويهيّج من بعض البلدان، وفق سنن للرحمن، وتكون تارةً على هيئة عواصف وكوارث وزلازل وبراكين، تصيب الطالحين وتمتد عند الكثرة إلى الصالحين، وتكون عذاباً وعقوبة لجماعة، ورحمة وخيراً ورفعةً لآخرين.
« وفي تشبيهه صلى الله عليه وسلم الفتن بأنها تموج كموج البحر إشارة واضحة إلى قوتها وشدتها، ثم إلى تتابعها، وإلى أنه لا يمكن لأحد الوقوف أمامها؛ لأنه لا يمكن لأحد أنْ يقف أمام موج البحر، وأنّ الناس أمام هذه الفتن ستضطرب حركتهم، ويختل توازنهم، وتضيق صدورهم، وينقطع نفسهم، وهذه حال من يصارع الموج.
وإذا علمنا أنّ أمواج البحر تتكاثر وتتعاظم، مع شدة الريح وانتشار السحاب؛ فإنّ لنا أنْ نتصور جو الفتن بأنه جو مظلم، فالذي يشاهد موج البحر العاتي فتبدو أمامه زرقة البحر مع ظلمة السحاب وكثرته، مع شدة هبوب الرياح وقوتها؛ فكذلك الذي يواجه هذه الفتن، تحيط به الظلمات والأعاصير، فهو مهموم مغموم ظاهراً وباطناً، وللموج صوت وأي صوت؟ ولهذه الفتن صوت، لا يسمع الواقف فيها صوت ما عداها، وإنما تطبق عليه، فهي كالصاخة، فيظل الواقف فيها حيراناً خائفاً قلقاً، يتطلع إلى الأمان ولا يجده، وهل ينجو من البحر وشدة موجه إلا من بعد عنه، وهذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: «فخير الناس يومئذ: مؤمن معتزل في شعب من الشعاب، يتقي الله، ويذر الناس من شره»
والناس حين يواجهون أمواج البحر مجتمعين، في أية حالة من حالاته، فإنه يسمع لهم صراخ وعويل وتهارش وتخاصم، لا يسمع الواحد منهم الآخر، وكل يريد أنْ ينجو بنفسه، وقد يُغرِق الواحدُ منهم غيرَه لينجو هو» (4)
«ولعل هذا ما كنى به الحديث من شدة المخاصمة وكثرة المنازعة، وما ينشأ عن ذلك من المشاتمة والمقاتلة».
والجامع لجميع مجريات الفتنة وأحداثها: البلاءُ والنُّكران (5) في حقِّ مَنْ تابع السلف الصالحين في العلم والتصور والعمل، ومن حقَّق فهمهم، وأشغل قلبه، ووحَّد همَّه على نهجهم.
وكان هذان النوعان قائميْن في فهم الصحابة رضوان الله عليهم يفرّقون بينهما، ولذا لما ذكر حذيفة النوع الأول، بيّن عمر أنه لا يسأل عن هذا النوع، وإنما يريد النوع الثاني، والله الهادي.
ثانياً: إنَّ للفتنة زماناً ومكاناً ومحلاًّ ، وجمع هذا الحديث الأمور الثلاثة:

زَمَنُ الفِتْنة (نَشأتهُا، اشْتِدادُها، آخِرُها)

فزمانها؛ يشتدُّ بمقتل عمر رضي الله عنه، فشبهت الفتن في المحاورة السابقة ببيتٍ له باب، والفتن محصورة فيه، فإذا قتل عمر فالباب يبقى مفتوحاً، ولا ينغلق أبداً، والفتن تعصف منه على هيئة أمواج عاتية تموج موج البحر، بينما لو مات دون قتل، فلعل باب الفتن ينغلق، والموج يزول، والعواصف تهدأ، والفتن تتلاشى أو تضعف.
وهذا الأمر كان معروفاً أيضاً عند الصحابة، فهذا خالد بن الوليد يسمع رجلاً يقول له في خلافة عمر: «يا أبا سليمان! اتّق الله، فإنّ الفتن قد ظهرت». فرد عليه مستنكراً بقوله: «وابن الخطاب حي؟! إنما تكون بعده، ...» أخرجه أحمد (4/90) وغيره بسندٍ حسن .
ويتمِّم هذا المعنى أحاديثُ أُخر، فيها بيان (أول فتنة) تكون في (الأُمة)، ولو قضي عليها في حينها لما وجدت (فتنة) بعدها، ولكنها سنة الله الكونية التي يتبين من خلالها كثير من الأمور الشرعية، ولا سيما تلك التي لها تعلُّق بالنفس البشرية، والقوانين الاجتماعية.
أخرج الإمام أحمد (5/42): حدثنا روح، ثنا عثمان الشحام، ثنا مسلم ابن أبي بكْرة، عن أبيه أنّ نبي الله صلى الله عليه وسلم مرّ برجُلٍ ساجد -وهو ينطلق إلى الصلاة-، فقضى الصَّلاةَ، ورجع عليه وهو ساجد، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «من يقتل هذا؟» فقام رجل فَحَسرَ عن يديه فاخترط سيفه وهزَّه، ثم قال: يا نبي الله! بأبي أنت وأمي، كيف أقتل رجلاً ساجداً يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله؟ ثم قال: «من يقتل هذا؟» فقام رجل فقال: أنا. فحسر عن ذراعيه واخترط سيفه وهزَّه حتى أُرْعدت (6) يده، فقال: يا نبي الله! كيف أقتل رجلاً ساجداً يشهد أنْ لا إله إلا الله، وأنّ محمداً عبده ورسوله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لو قتلتموه؛ لكان أول فتنة وآخرها».
وللحديث شاهد من حديث أنس نحوه، وفيه: أنّ الرجل الأول الذي قام لقتله هو أبو بكر، والثاني عمر، وزاد: «فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيكم يقوم إلى هذا فيقتله؟» قال علي: أنا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنت له إن أدركته». فذهب علي فلم يجده، فرجع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقتلت الرجل؟» قال: لم أدْرِ أين سلك من الأرض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ هذا أوَّلُ قِرْنٍ (7) خرج من أمتي، لو قتلته -أو قتله- ما اختلف من أمتي اثنان».
أخرجه أبو يعلى (7/154-155 رقم 4127) وغيره ، ورجاله رجال مسلم ، غير الرقاشي ، وهو ضعيف
وأخرجه أبو يعلى (2215) وغيره من حديث أنس أيضًا ، وفي آخره ، عن علي : « فانطلق ، فوجده قد ذهب » وإسناده حسن .
وله شاهد آخر أخرجه أحمد (3/15) بسند حسن عن أبي سعيد الخُدري أنَّ أبا بكر جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إني مررتُ بوادي كذا وكذا، فإذا رجل متخشٍّعٌ حسنُ الهيئة يصلِّي. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «اذهب إليه فاقْتله». قال: فذهب إليه أبو بكر، فلما رآه على تلك الحال كره أن يقتله، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر:«اذْهَب فاقْتله». فذهب عمر فرآه على تلك الحال التي رآه أبو بكر، قال: فكره أن يقتله، قال: فرجع، فقال: يا رسول الله! إني رأيته يصلِّي مُتَخشِّعاً فكرهت أنْ أقتله، قال: يا عليّ! «اذهب فاقتله» قال: فذهب عليٌّ فلم يره، فرجع علي، فقال: يا رسول الله! إنه لم يره! قال: فقال صلى الله عليه وسلم: «إنّ هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيَهم، يَمْرقُون من الدِّين كما يمْرُقُ السَّهمُ من الرَّمية، ثم لا يعودون فيه، حتى يَعودَ السَّهم في فُوقِه(8)، فاقْتُلوهم، هم شَرُّ البريَّة».
قال أبو عبيدة : الحديث بمجموع طرقه صحيح إن شاء الله تعالى ، ولا مغمز فيه ، ويحتاج إلى تأمّل وتدبر ، فإنَّ فيه بياناً : لو قُتِلَ هذا الرجل وجاء في مرسل الشعبي (9) أنه اعترض عليه في قسمة الغنائم ، وقال : « إنك لتقسم وما ترى عدلاً » لما وقعت فتنة بعده أبداً .
فهذا يفيد البداية والمنشأ، والحديث السابق الذي فيه محاورة عمر مع حذيفة يفيد: لو مات عمر من غير قتل، لهبَّت فتن، ثم أقلعت، وبابها ينغلق، أما إنْ قُتِل، فإنَّ باب الفتن سيبقى مفتوحاً على مصراعيه! فهو يفيد الاشتداد والموج، أما النهاية، فقد أُشير إليها في الطريق الأخيرة من حديث أنس، وفيه:
«لو قتل اليوم ما اختلف رجلان من أُمتي حتى يخرج الدَّجَّال».
وجاء التصريح في حديث آخر صحيح، أنّ الفتن جميعها ما صُنِعت ووجدت إلا لفتنة الدجال، وهذا البيان:
أخرج أحمد (5/389)، والبزار في «مسنده» (2807 و 2808)، وابن حبان (6807)، والطبراني مختصراً في «الكبير» (3018) من طرق عن الأعمش، قال أحمد: عن أبي وائل عن حذيفة. وقال الباقون: عن سليمان بن ميسرة، عن طارق بن شهاب، عن حذيفة، قال: ذكر الدجال عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «لأنا لفتنةِ بعضكم أخوفُ عندي من فتنة الدَّجال، ولن ينجو أحد مما قبلها إلا نجا منها، وما صُنِعت فتنةٌ -منذ كانت الدنيا- صغيرةً ولا كبيرة إلا لفتنة الدَّجال».
فالفتن سلسلة، آخذة كلُّ حلْقةٍ بأختها، حتى تصل إلى الدجال، والذي خشيه عليها نبيُّنا صلى الله عليه وسلم (فتنة بعضنا) من البغي، والظلم، والقتل، وهذا الذي بدأ زمن (الخوارج)، الذين خرجوا من ضئضئ ذاك الرجل، الذي لو قُتِل، لكان أول فتنة وآخرها؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

الحواشي:
(1) : فتح الباري (6/700)
(2) : فتح المنعم بشرح صحيح مسلم (10/507)
(3) : الفتن تظهر على هيئة أمواج، وهذه الأمواج منها القصير ومنها الطويل، وكله يعصف، ومصداقه ما أخرجه مسلم (2891) بسنده إلى حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعدُّ الفتن: «منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئاً، ومنهن فتن كرياح الصيف، منها صغار ومنها كبار» ولعل الثلاثة المذكورات موزعات في أوقات مختلفات، و(رياح الصيف) ويريد فيها بعض الشدة، وإنما خص رياح الصيف، لأنّ رياح الشتاء أقوى» قاله ابن الأثير في «جامع الأصول» (10/29).
وشبهها برياح الصيف «لتفاوت زمنها، وسرعة مجيئها وذهابها، وكذلك التفاوت في الشدة، والآثار التي تحدثها، والله أعلم»، كذا في «الفتن والآثار والسنن» (ص54-55) و(الفتن التي تموج موج البحر) هن اللاتي «لايكدن لا يذرن شيئا»، وهن (الفتن العامة) الواردة في جملة من الآثار وستأتي ، ويمتاز هذا النوع بأن شرها يصل إلى جميع الناس، وتصيدهم كالأنعام، وورد ذلك في أحاديث سيأتي بعضها -أيضاً-.
ومن هذا النوع: الفتن التي تدخل بيت كل مسلم، قيل فيها: هي واقعة التتار، الآتي وصفها (ص 369 وما بعد)، إذ لم يقع في الإسلام، ولا في غيره مثلها! كذا في «فيض القدير» (4/95).
قلت: واقعة التتر مفردة من مفرداتها، وإلا فهي كثيرة، وقد تدخل الفتن الخاصة ببلدة معينة صغيرة، تخص فئة، أو عامة تشمل الناس جميعاً.
والفتن العامة، عاصفة، تموج وتضطرب، كما يموج البحر ويضطرب عند هيجانه، ويدفع بعضه بعضاً، ولا يمكن لأحد الوقوف أمامها، وقد لا ينجو منها إلا من اعتزلها، ولذا وصفت في بعض الآثار الآتية بأنها (صماء عمياء مطبقة)، ذلك أن هذا النوع من (الفتن) إن وقع تكون له (ظلل)، و لذا جاء في الحديث الذي أخرجه أحمد (3/477) وغيره عن كرز ابن علقمة رضي الله عنه قال: قال رجل يا رسول الله هل للإسلام من منتهى؟ قال: «أيّما أهل بيت وقال في موضع آخر: قال: نعم، أيُّما أهل بيت -من العرب أو العجم، أراد الله بهم خيراً، أدخل عليهم الإسلام». قال: ثم مه؟ قال: «ثم تقع الفتن كأنها الظُّلل»، قال: كلا، والله إن شاء الله. قال: «بلى، والذي نفسي بيده ثم تعودون فيها أسَاود صُباً يضرب بعضكم رقاب بعض، فخير الناس يومئذٍ: مؤمن معتزل في شعب من الشعاب، يتقي الله، ويذر الناس من شره»، وهو صحيح، كما في «السلسلة الصحيحة» (رقم3091)
ففي هذا الحديث فائدة مهمة: وهي أن الفتن تقع وكأنها (الظلل) وهي السحاب ، تحيط بالناس من كل جهة، وأن الناس سيضرب بعضهم رقاب بعض، كما تنصب وترتفع الحية السوداء على الملدوغ فتلدغه، وهذا تفسير سفيان عند أحمد، وكذا شيخه الزهري، عند الحميدي والبيهقي وابن عبد البر.
فالفتن لها ظلل تنال من دين الخائض فيها، ولا سيما وهي (سوداء) و (عمياء) و (مطبقة) لا يظهر لها قبل من دبر، ولا ظهر من وجه، وكأنها حيات مصبوبة على الناس من السماء (وأساود: حيات، جمع أسود، إذا أرادت أن تنهش ارتفعت هكذا، ثم انصبت، وقال القرطبي في «التذكرة» (625) نقلاً عن ابن دحية: «وهو الذي يميل ويلتوي وقت النهش، ليكون أنكى في اللدغ وأشد صبّاً للسُّم»، وشبهت بها الفتن لشدة سوادها وكثرتها، وعظم شأنها، وأنها يتبع بعضها بعضاً، فهي متراكمة كالظلل، وأكثر ما يظهر ذلك عند تقاتل المسلمين، وسفك بعضهم دماء بعض، كما حصل في سلسلة الحروب التي ظهرت في (العراق)، وانقسم المسلمون على إثرها إلى مؤيد ومعارض، وخيمت الفتنة فترة من الزمن، وظهرت شجاعة المسلمين على بعضهم البعض،وهم أذلاء جبناء مع عدوهم، فإلى الله المشتكى، ولا قوة إلا بالله العظيم!
(4) : موقف المسلم من الفتن (ص 107،108)
(5): أشار النووي في شرحه على صحيح مسلم (2/171) إلى قول حذيفة فأسكت القوم بسبب أنهم لم يكونوا يحفظون هذا النوع من الفتنة ، وإنما حفظوا النوع الأول ، وورد في حديث عبد الله بن عمرو الطويل : وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها
(6) : أُرْعِدَت على البناء للمجهول ، أي : أخذها الاضطراب
(7): القِرن بكسر القاف، وسكون الراء: المقاوم لك في أيٍّ شيء كان.
(8) : فُوق السهم : موضع الوتر منه ، كذا في «النهاية»
(9) : أخرجه الأموي في مغازيه كما في «فتح الباري»


التعديل الأخير تم بواسطة سفيان الجزائري ; 15 Feb 2010 الساعة 10:52 PM
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013