منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 29 Dec 2011, 08:45 PM
عبد العزيز بوفلجة عبد العزيز بوفلجة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
المشاركات: 227
افتراضي تنبيه مهم حول مقال (عالم قسنطينة..الشيخ عبد القادر الراشدي)

بسم الله الرحمن الرحيم




بعض التنبيهات المهمة حول مقال :
«عالم قسنطينة..الشيخ عبد القادر الراشدي»
للأخ الفاضل سمير سمراد – حفظه الله -




الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين, ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين.
أمَّا بعد:
فقد اطلعت على مقال للأخ الفاضل سمير سمراد -حفظه الله- بعنوان: "
عالم قسنطينة..الشيخ عبد القادر الراشدي" نُشر في مجلة الإصلاح السلفية -وفق القائمين عليه لكل خير- في العدد (25) ، و قد ورد فيه ما يستوجب التنبيه و التحذير

فأقول مستعينا بالله ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله:
قال المُترجِم تحت سادس العناوين: «الراشدي متكلماً»([1]) :

هذه النسبة هي نسبة ذم لا مدح عند أئمة السلف – رحمهم الله تعالى -, وعلم الكلام كما أشار إليه المُترجِم هو من العلوم التي نهى عنها أئمة الإسلام, فليس هو من جملة العلوم الشرعية, بل ولا حتى من جملة العلوم المباحة, بل هو من العلوم المحرمة, وأهل الكلام ليسوا من أهل العلم ولا يدخلون في طبقة العلماء, وهم كل من تكلم في الله بما يخالف الكتاب والسنة.
وما ذكره الأخ من أن المتكلم: «هو الذي يسلك مسلك الحجاج بالأمور العقلية على وفق القواعد الموضوعة فيه» هذا في اصطلاحهم الخاص بهم.
وعلم الكلام – في اصطلاحهم الخاص بهم – هو: علم التوحيد, وعلم أصول الدين, وعلم العقائد, وهو: علم يقتدر به على إثبات العقائد الدينية المكتسبة من أدلتها اليقينية([2]).
وأما في اصطلاح السلف فالمتكلم هو كل من تكلم في ذات الله – عزوجل – بما يخالف الكتاب والسنة, فالكلام في الدين بالباطل هو الذي نهى عنه أئمة السلف – رحمهم الله -
يقول ابن تيمية – رحمه الله -: «ومرادهم – يعني مراد أئمة السلف – بأهل الكلام: من تكلم في الله بما يخالف الكتاب والسنة»([3]).
وبهذا يتضح مفهوم علم الكلام لدى السلف, ومفهومه لدى هؤلاء.
ثمَّ إن قوله: « أنه ظهر – أي الراشدي - في عصر يسمى علم الكلام فيه توحيدا
» هذه التسمية ظهرت مبكراً, وليس في عصره, فأئمة الكلام ورؤوسه من المعتزلة الأوائل كانوا يسمون علم الكلام توحيدا, وأصولهم الخمسة تضم هذا العلم, وهو أولها, والتوحيد من الألفاظ المشتركة، ويقصد به هؤلاء نفي الصفات, ولهذا فإن ابن تومرت لما وضع لأتباعه «المرشدة» وضمنها النفي سمى أصحابه بالموحدين, وقد وافقهم هؤلاء الأشاعرة في بعض ذلك دون بعض, ولم يوافقوهم على نفي الصفات كلها, وسموا ذلك توحيداً.
وأما عن قوله إنهم: «لا يكادون يخرجون عن الطرائق المعهودة في تقريريه, والموحد عندهم هو المتكلم!»
فأقول:
ما ذكرته بعد ذلك من طريقة الراشدي ومنهجه, وما نقلته عن بعض من ترجم له وذكر عنه اعتناؤه بكتب أهل الكلام والفلسفة, مما يدل دلالة واضحة أن الراشدي سلك مسلك أهل الكلام في تقرير علم الكلام المسمى عندهم بعلم التوحيد.
ثمَّ ما نقله الأخ من أنه – أي الراشدي -: «عضد زمانه» لا يشك عاقل أن هذا فيه إشادة به, وهل الإشادة تكون بمشابهة هذا الرجل المتكلم المتفلسف, وهل كان هذا الرجل من أئمة السلف – رحمهم الله -, أم هو من أئمة الكلام والفلسفة الذين سلكوا مسلك النفاة المعطلة؟!.
فأي فخر إذاً واعتزاز في التشبه بالإيجي إمام الفلاسفة والمتكلمين!!, وأي فائدة يستفيدها القارئ في أن يدرك حذق الراشدي في الكلاميات, وبراعته في الجدليات!!.
ثمَّ هل كان الرجل بارعاً في علم الكتاب والسنة، ناصراً لعقيدة السلف - رحمهم الله -, شارحاً لكتب أئمة السنة في العقائد, أم كان متكلماً بارعاً في الجدليات والعقليات ؟!, شارحاً لكتب أهل الكلام, فالحق أن الرجل كان من أهل الكلام كما أقرَّ بذلك الأخ المُترجِم, بل هو عَلَم من أعلام الأشاعرة المفوضة – كما سيأتي إيضاح ذلك -, شارحاً لكتب أهل الكلام, كالكتاب الذي ألفه في شرح عقائد السنوسي الأشعري المتغالي, وكحاشيته على شرح المواقف العضدية ذلك الكتاب الذي هو عمدة متأخري الأشاعرة في العقيدة([4]) , ثم أخيرا رسالته في التعليق على سعد الدين التفتازاني في شرح مقاصده في أفعال العباد, ومما هو مشهور لدى طلاب العلم المتخصصين ضلال هؤلاء وانحرافهم في أفعال العباد, فهم جبرية جهمية, ودعوى الكسب([5]) عندهم من الدعاوى التي لا حقيقة لها ولا وجود لها.
لكن قد يقال: إن الرجل قد انتقل إلى مرحلة أخرى
, أو دخل في طور آخر زعم الأخ الكريم أنها مرحلة تجديدية قد تلغي مرحلته السابقة, وكان لزاماً بيان المرحلة المنتقل منها حتى يتضح منهج هذا العالم وطريقته التي استقر عليها.
فالجواب عن هذا من وجهين:
أولاً: تحديد مفهوم التجديد الذي انتقل إليه.
ثانيا: هل ترك الاشتغال بعلم الكلام لما انتقل إلى هذه المرحلة التجديدية, أم لا ؟.
وهذا ما سأبينه تحت الكلام على العنوان التالي سابع العناوين:
قوله: «الراشدي مجددا»:

ذكر الأخ المُترِجم – عفا الله عنه – أن الراشدي «دخل في مرحلة أخرى أراد بها تجديد التوحيد والعقيدة وتخليصهما من أوهام العقول, وأضرار التأويل».
ثمَّ حاول المُترِجم تحديد مفهوم هذا التجديد من خلال بعض النقول التي نقلها تحت الكلام في هذه المسألة, وخرج بخلاصة وهو «أن الراشدي قد دعا هذه الأمة إلى ترك التأويل, والأخذ باعتقاد السلف الذي يسميه معارضوه اعتقاد الظاهرية والحشوية....».
فالتجديد إذاً الذي دعا إليه الراشدي هو: ترك التأويل, والدعوة إلى مذهب السلف في العقيدة.
فهذه الدعوى تتضمن جانبين:
الجانب الأول: هو أن الراشدي حارب التأويل وأهله.
الجانب الثاني: أن الراشدي مع تحريمه للتأويل فقد دعا إلى مذهب السلف في العقيدة.
فالجانب الأول:
دلل عليه الأخ الفاضل بقصيدته التي ألفها في ترك التأويل, وببعض النقول عن بعض من نقل عنهم, وهذا جزء من عقيدة السلف, وليس هو عقيدة السلف بأكملها, فعقيدة السلف تتضمن الكلام على التوحيد بأنواعه, وتتضمن أمورا أخرى مما هي داخلة تحت مفهوم العقيدة والتوحيد, وتتضمن مع تحريم التأويل الباطل - الذي ليس عليه دليل شرعي ولا عقلي – إثبات الصفات والإقرار بها على حقيقتها, ولا يلزم من تحريم التأويل القول بإبطال تلك التأويلات الفاسدة التي تأولها الجهمية والمعتزلة, ولهذا كان مذهب أكثر المفوضة المحرمين للتأويل هو الإمساك عن الكلام على فساد وصحة تلك التأويلات, كما هو مذهب الجويني, والغزالي, ومن سلك طريقتهم.
يقول ابن تيمية: «وصنف يحرم التأويل, ولا يتكلم في صحته, ولا فساده, وهذا الذي ذكره أبو المعالي في رسالته «النظامية» وهو قول أكثر المفوضة من المتكلمين»([6]).
وأمَّا الجانب الثاني:
فلم يدلل عليه الأخ سوى أنه جعل من لازم ترك التأويل هو الدعوة إلى مذهب السلف في العقيدة – كما يدل عليه سياق الكلام -, وهذا ليس بلازم, فإن أئمة الأشاعرة المتقدمين, كأبي المعالي الجويني, وتلميذه الغزالي, والفخر الرازي, وغيرهم قد حرموا التأويل([7]), ومع ذلك لم يقل أحد من الأئمة أنهم دعوا إلى عقيدة السلف, وإن كانوا في آخر أمرهم حرموا الاشتغال بعلم الكلام, واعترفوا وأقروا على أنفسهم بالحيرة والشك, وأكثرهم أحال أمرهم في آخر حياته على دين العجائز دين الفطرة.
وعلى فرض التسليم من أن الراشدي دعا إلى عقيدة السلف – وأنا لا أنازع في أن الراشدي حارب التأويل وأهله -, فما هي عقيدة السلف التي دعا إليها الراشدي ؟.
إن الحقيقة التي غفل عنها الكاتب, ولم يتنبه لها من زعم أن الراشدي سلفي هو أن العقيدة التي دعا إليها الراشدي هي عقيدة التفويض, والتي اعتقد أنها عقيدة السلف, كما اعتقدها وظنها كذلك من سبقه من أئمته الكبار, كأبي المعالي الجويني, والرازي, والغزالي, وجمهور الأشاعرة على هذا الاعتقاد من لدن أبي المعالي الجويني إلى عصرنا الحاضر.
والغريب أن بعض إخواننا الذين غفلوا عن مثل هذا الأمر, ولم يميزوا بين طريقة السلف وطريقة أهل التفويض التي ينسبها جمهور الأشاعرة إلى السلف
حكموا على الراشدي بأنه سلفي الاعتقاد, ومجدد التوحيد, وأنه من أهل الإثبات, وقد استندوا في دعواهم إلى كلام بعض أهل العلم, وعلى رأسهم الشيخ المبارك الميلي – رحمه الله -, والذي ذكر أنه بعد احتجاب «السلفية بسقوط دولة صنهاجة, فلم ينصرها بعدهم إلاَّ أفراد قليلون من أهل العلم في أزمنة مختلفة, ولشيخ قسنطينة في القرن «الثاني عشر» عبد القادر الراشدي أبيات في الانتصار للسلفيين طالعها:...»([8]).
فقال الأخ محمد حاج عيسى– سدّده الله –
في مقاله: «فهذه أضواء أردت تسليطها على الجوانب التي أمكنني الوقوف عليها من ترجمة الشيخ عبد القادر بن محمد الراشدي السلفي, دفعني إلى تسطيرها كلمة الشيخ مبارك الميلي...»([9]).
فكلمة الميلي السابقة المجملة المختصرة المعتصرة هي التي دفعت الأخ محمد – عفا الله عنه – للكتابة في ترجمة الراشدي, فكانت العمدة عنده في حكمه على سلفية الراشدي.
وقال الأخ ابن أدينة أشرف جلال – وفقه الله -
: «كان رحمه الله سلفي العقيدة مثبتا للصفات حقيقة من غير تأويل بل كان مناهضاً للتأويل وصنف كتابا في ذلك كان سببا لمحنته سمَّاه: «متسعة الميدان»..»([10]).
ويقول الأخ سمير سمراد – وفقه الله -: «وعلى حدِّ تعبير الشيخ مبارك الميلي فإن الراشدي انتصر للسلفيين ونصر عقيدة السلف في الإيمان بآيات وأحاديث الصفات كما جاءت من غير أن تؤول كما فعلت الأشاعرة»
وكلمة الأخ سمير هذه فيها نوع من التحفظ والتحرز, ولهذا نبه في خاتمة البحث على أن الراشدي وإن كان دعا إلى عقيدة السلف, إلا أنه لم يهتد إلى معرفة حقيقة مذهب السلف.
لكن كيف يَحكم عليه أولا أنه دعا إلى عقيدة السلف وأنه من المجددين للتوحيد والعقيدة, ثم يذكر عنه أنه لم يهتد إلى طريقة السلف!! فلو أن الأخ سميرا – وفقه الله – اهتدى إلى عقيدة الراشدي لعلم أنه سلك مذهب التفويض, فالراشدي لم يهتد إلى حقيقة مذهب السلف, والأخ سمير – وفقه الله – لم يهتد إلى حقيقة عقيدة الراشدي, فإذا كان ذلك كذلك فكان الأولى به الإعراض عن ترجمته, فأقل أحوال الرجل أنه مجهول الحال, ثمَّ إن الأخ سميرا قد اطلع على الخلاف الموجود في الرجل؛ حيث قد أنكر بعض من ينتسب إلى الأشعرية على الأخ محمد حاج عيسى –حفظه الله - دعواه أن الراشدي سلفي الاعتقاد, وقرر أنه أشعري مفوض, وهو من بني جنسه – كما سيأتي إيراد كلامه في موضعه -, وهذا وحده كاف في الإحجام عن ترجمة هذا الرجل المختلف فيه.
وكلام الشيخ مبارك الميلي
– رحمه الله - إنما استند إلى ما ذكره من انتصار الراشدي للسلفيين إلى القصيدة التي ألفها في إنكار التأويل, وليس في القصيدة شيء يدل على أنه سلك مسلك السلف في الإثبات, بل غاية ما فيها أنه أنكر تأويل الصفات الخبرية, ولا يلزم إنكاره لذلك أنه يقول بالإثبات، وأنه سلفي العقيدة, ولا يلزم عليه القول بأنه أبطل تأويلات المعتزلة والجهمية, كيف وقد صرح الراشدي في شرحه على قصيدته بمذهب التفويض كما سيأتي إيضاح ذلك.
ثمَّ إن الشيخ الميلي – رحمه الله – إنما ذكر أنه انتصر للسلفيين في تحريم التأويل, ولم يذكر أنه سلفي الاعتقاد, ولا أنه من المجددين, ولا أنه من أهل الإثبات
, فعبارته فيها نوع من الدقة والتحرز, ولا يلزم من انتصاره لمذهب السلف – وذلك بحسب ظنه – في مسألة معينة أنه يقول بكل ما يقوله السلف, فقد انتصر لمذهب السلف - الذي اعتقده هؤلاء أنه مذهب التفويض - رجال من أئمة الأشاعرة, كالجويني, والغزالي, وغيرهم ممن جاء بعدهم ممن سلك مسلك التفويض, وذكروا أنه المذهب الحق الواجب اتباعه, ومع ذلك فلم يعدهم العلماء من أهل الإثبات ولا أدخلوهم في دائرة أهل السنة المحضة.
كيف والراشدي لم يهتد إلى حقيقة مذهب السلف, واعتقد أن مذهبهم التفويض كما هو اعتقاد جمهور الأشاعرة من لدن أبي المعالي الجويني إلى وقتنا العاصر.
وقد استند هؤلاء الإخوة
– حفظهم الله - كذلك إلى كلام للورتيلاني ينافح فيه عن الراشدي ويدفع عنه ما أشيع عنه من بعض الأمور, وما ألصق به من بعض التهم على لسان حاسديه ومبغضيه, لكن ليس في كلامه ما يدل على أنه سلفي الاعتقاد, بل في كلامه ما يدل على أن الراشدي قد سلك مسلك التفويض والذي ظنه أنه مذهب السلف, كما ظنه أنه مذهب أصحابه المتقدمين الذين أشرت إليهم سابقا, وسيأتي إيضاح ذلك إن شاء الله في موضعه.
وكذلك استند بعضهم إلى الترجمة
التي عقدها المرتضي الزبيدي الأشعري – تلميذ الراشدي بالمراسلة - للراشدي في كتابه «المعجم المختص» وقد ذكر فيها أن الراشدي أرسل له رسالة نظمها في تحقيق مذهب – الذي ظنه هؤلاء أنه مذهب المفوضة – وأقره على ما فيها, وكان مما قاله: «ما قاله الشريف ذو القدر المنيف, عمَّره الله بالعلوم باعه, ووسع في المنطوق, والمفهوم باعه: هو الحق الصريح الذي لا يحيد عنه ذوو العقول السليمة, و الفهوم المستقيمة, فإن حقيقة مذهب السلف وهو الحق: رد الأمر إلى الكتاب والسنة, وهما لمن اتبعهما الوافية والجنة, ثمَّ التسليم لأهل المعرفة مع الإمساك, وعدم اعتبار كل قوَّال أفَّاك »([11]).
فليس في كلام المرتضى ما يدل على أن الراشدي سلفي العقيدة, بل كلامه مجمل لا يدل على المطلوب, ودعوى الانتساب للسلف هي دعوى يدعيها كل أحد, والعبرة بالحقائق لا بالدعاوى, ولا مراء أن مذهب السلف هو المذهب الحق, ومذهبهم قائم على الرد إلى الله والرسول, لكن ليس هو التفويض الذي يظنه هؤلاء.
ومما يدل على أن ما ذكره الزبيدي هنا أنه مجرد دعوى كاذبة: هو تصريحه بمخالفة السلف وتأويله لبعض الصفات الخبرية الذاتية والفعلية, كاليدين, والوجه, الاستواء, ونحو ذلك كما في كتابه «تاج العروس»([12]) .
والحق في هذا الباب هو أن الراشدي سلك مسلك التفويض, المسلك الثاني المعتمد عند طوائف من متأخري الأشاعرة, ويدل على ذلك أمور:

أولا: ما جاء مصرحا به في كلام الراشدي نفسه وذلك في موضعين:

أحدهما: ما نقله الأخ الفاضل سمير سمراد – حفظه الله - عن الراشدي قوله في المؤولة: «بالَغوا في إنكار التفويض المبني على الوقوف مع الظاهر الجائز, حتى أكفروا به زعما أنه المحال واللازم الكفر فيه».
فالنص ظاهر في أن الراشدي ينكر على أهل التأويل الذين بالغوا في إنكار التفويض, فهو إذا ينصر مسلك التفويض وينكر على أهل التأويل إنكارهم لهذا المسلك, وأكثر المفوضة ينكرون التأويل كما هي حال الراشدي هذا.
ثم يقال له: هل هناك ظاهر في القرآن جائز, وآخر مستحيل, حتى يقال إن أهل التأويل أنكروا على المفوضة الوقوف على الظواهر الجائزة ؟!.
وهذا يفهم منه أنهم متفقون عل عدم الوقوف على الظواهر التي يزعم هؤلاء أنها مستحيلة, وهذه الظواهر هي ظواهر الصفات الاختيارية والتي يكاد الإجماع ينعقد عندهم على تأويلها, ولا تكاد تجد أشعريا لا يتأول مثل هذه الصفات.
الثاني:
قوله بعد ذلك في شرحه الذي نقله الكاتب – عفا الله عنه -: «فالحق البقاء مع الظاهر وتفويض علم الحقيقة إلى الله تعالى».
وهذا بعينه مذهب التفويض الذي اعتقده هؤلاء أنه مذهب السلف وهم بريئون منه, يصرح به كلام الراشدي لا غموض فيه.
لكن قد يقول قائل: مراده بالتفويض هنا هو تفويض علم الكيفية والحقيقة, لا تفويض علم المعنى؟.
أقول: تفويض علم الكيفية لم يختلف فيه أحد, فكلٌّ من أئمة السلف, وهؤلاء الأشاعرة وغيرهم من أهل البدع يفوضون علم الكيفية, ولم يدعِ أحد أنه يمكنه معرفة حقيقة صفات الرب – عزوجل – وكيفياتها, فلا وجه لترجيح التفويض ونصرته إن كان المراد به ما ذكر في السؤال.
وهناك موضع آخر يمكن أن يدرج تحت هذا الوجه فقد نقله الراشدي مقررا له، وهو:
الثالث:
ينقل أحد الإخوة في «ملتقى أهل الحديث» تتمة لما ذكره محمد حاج عيسى نقلا من مخطوط «متسعة الميدان» شعراً لأحد مشايخهم يتمدح فيه الراشدي الأشعري المفوض, والذي نقل الراشدي نفسه كلامه هذا في كتابه «متسعة الميدان» وعلق على بعض الأبيات – كما أورد بعض تعليقه الأخ الناقل -, ومما ما جاء في تلك الأبيات قول هذا الشيخ – وهو عبد الله بن عمر الورغيالي منشأً, الفارسي دارا -
ما أحسن الأخذ بالتفويض
أخذ فتى يقبح الرأي في الكتاب والسنن([13]).
وهذا استحسان من الشيخ المتمدح لمذهب التفويض, وإقرار من الشيخ الممدوح الراشدي الأشعري له, ومذهب التفويض إذا أطلق فإنما ينصرف إلى هذا المذهب المشهور- أعني تفويض المعنى -؛ إذ لا يوجد خلاف في تفويض علم الحقيقة والكيفية, فلا حاجة إذاً لاستحسانه وترغيب الناس بالأخذ به.
ثانيا: ما ورد في كلام من نقل مذهبه:
1-
ما جاء في كلام الورثيلاني:
يقول الورتيلاني – بعد كلام له -: «وهذه المسألة قوله تعالى: (( لما خلقت بيدي )) ([14]), قال – يعني الراشدي -: في «اليد»: أنها حقيقة ومع ذلك إنها ليست جارحة ولا جسما, بل يستحيل ذلك لأنه يؤدي إلى الحدوث والإمكان, وقدح في التأويل لها بالقدرة, أو صفة زائدة يخلق بها الأشراف من الخلق؛ لأن التأويل محوج إلى الدليل, والخروج من الحقيقة إلى نوع من المجاز, فلم يكترث به بالتأويل؛ إذ البقاء مع الحقيقة هو الأصل؛ لأن التأويل وإن كان صحيحا ففيه ابتغاء الفتنة...- إلى أن قال -: فقد اتفق أهل السنة قاطبة على نفي الجارحة وما يؤدي إلى الإمكان والحدوث والتجسيم, فمن قال أن له يدا حقيقة والعلم بها موكل إلى الله تعالى فلا يستلزم هذا التجسيم الذي يستلزم ما لا يليق به جل جلاله...- إلى أن قال أيضا -: فقلت حين اجتماعي بهم مجرد هذا الإطلاق – يعني إطلاق صفة «اليد» ونحوه من الصفات الخبرية الذاتية – لا يلزم عليه شيء إذ عليه أكثر الأمة, ومنهم من أولها بالقدرة, ومنهم من توقف.
فلما رآني الرسالة الموضوعة لهذا الكلام رأيتها منقحة سالمة من غير سوء الاعتقاد خصوصا التجسيم, وغايتها أنه يبطل أدلة المؤولة, ويصحح القول باليد حقيقة غير أنها لا يعلمها إلاَّ الله, لكن هذا كله بعد نفي التجسيم وما يشعر بالإمكان والحدوث»([15]).
فهذا كلام الورتيلاني الذي اعتمده بعض الإخوة الأفاضل – وفقهم الله للصواب – للدلالة على أن الراشدي سلفي الاعتقاد, وقد صرح الورتيلاني في موضعين بأن من أثبت حقيقة اليد مع تفويض علمها إلى الله فليس بقائل بالتجسيم, وذلك حتى يبرأ ساحة الراشدي مما رمي به من القول بالتجسيم, وقد بين أن الراشدي إنما صحح القول بثبوت اليد إلاَّ أنه أوكل معناها إلا الله – عزوجل - وهذا هو بعينه مذهب المفوضة, ولا يشكل عليه قوله «حقيقة» فجمهور الطوائف من المسلمين, وغيرهم يقولون: بأن أسماء الله وصفاته هي حقيقة في الخالق – عزوجل -, إلاَّ من شذ منهم وجعلها مجازا, كطوائف الباطنية والجهمية وغيرهم([16]).
ثم قول الورتيلاني – عن الراشدي - : في «اليد»: «أنها حقيقة ومع ذلك إنها ليست جارحة ولا جسما, بل يستحيل ذلك لأنه يؤدي إلى الحدوث والإمكان, وقدح في التأويل لها بالقدرة, أو صفة زائدة يخلق بها الأشراف من الخلق» فيه بعض الألفاظ المبتدعة المجملة التي لم تكن تجري على لسان السلف, ولم يأت في القرآن نفيها ولا إثباتها, كقوله «ليس جارحة ولا جسما» فمثل هذه الألفاظ المجملة إنما تجري في لسان هؤلاء, والقول الحق في هذا الباب هو الاستفصال عن معناه, فإن أريد بها حق قبلت, وعبر عن هذا المعنى الحق بالألفاظ الشرعية, وإن أريد بها باطل ردت.
وأما قوله: «...أو صفة زائدة يخلق بها الأشراف من الخلق..» فقوله «صفة زائدة» من الألفاظ المجملة كذلك, فإن أراد به نفي أن يكون هناك صفة زائدة على الصفات الأخرى التي يثبتونها, كالصفات السبعة التي يسمونها بصفات المعاني, فهذا باطل قطعا وهذا نفي لهذه الصفة, وقد ذهب إلى هذا المذهب متأخري الأشاعرة ونفوا الصفات الخبرية الذاتية, ولم يثبتوها زائدة على الصفات السبعة عندهم, والورثيلاني ينسب إلى الراشدي أنه قدح في كون صفة اليد هي صفة زائدة على الذات, فإن كان مقصود كما ذكر فهو ممن ينفي هذه الصفة, وهو حقيقة مذهب المفوضة كما أشار إلى ذلك ابن تيمية في مواضع من كتبه.
وإن أريد به أنها صفة زائدة عن الذات أي خارجة عن الذات فهذا باطل قطعا, فلا يتصور صفات خارجة عن الذات, بل الصفات هي قائمة بالموصوف لا تنفك عنه, ولا يوجد في الخارج ذات مجرة عن الصفات.
وأما عن قول الورتيلاني
: «...فقلت حين اجتماعي بهم مجرد هذا الإطلاق – يعني إطلاق صفة «اليد» ونحوه من الصفات الخبرية الذاتية – لا يلزم عليه شيء إذ عليه أكثر الأمة, ومنهم من أولها بالقدرة, ومنهم من توقف»
قوله: «ومنهم من توقف» هو إشارة إلى مذهب بعض الأشاعرة الذين توقفوا في إثبات الصفات الخبرية الذاتية, لأن القاعدة عند هؤلاء الواقفين أنه لا يجوز النفي إلا بدليل, كما لا يجوز الإثبات إلا بدليل, وقد ذهب إلى هذا المذهب إمامان من أئمة الأشاعرة الكبار: الرازي, والآمدي.
والأخ محمد حاج عيسى – وفقه الله للصواب – جعل معنى التوقف الوارد في كلام الورتيلاني هو بمعنى التفويض, فقال: «والتوقف: هو مذهب التفويض الذي اختاره كثير من الأشعرية أيضا»([17]), وهذا غير صحيح, فالتفويض شيء والتوقف شيء آخر.
ما جاء في كلام نزار التونسي الأشعري الحاقد:
2- وممن صرح بكون الراشدي من مفوضة الأشاعرة: ذلك الرجل الأشعري الحاقد نزار التونسي([18]) وقد ذكر عن نفسه أنه قد اطلع على كلام الراشدي وقد وجده أشعريا مفوضا, وذكر أن له مخطوطا للراشدي المسمى «بعقيدة السلف» سل الراشدي فيه مسلك الأشاعرة المفوضة اتجاه نصوص الصفات الخبرية.
يقول هذا الرجل – وذلك في معرض رده على محمد حاج عيسى -: «وقد ساءني أن رأيت المسمى محمد حاج عيسى يستغل شخصية الشيخ العالم الأشعري المفوض عبد القادر الراشدي لضرب الأشعرية, بل والتلميح بتكفيرهم, والسبب في ذلك أني بحمد الله تعالى اطلعت على كتابات الراشدي وتأملت فيها فوجدتها خالية من تضليل الأشاعرة([19]), بل ما وجدته فيها إلا منتصرا لمذهب التفويض, وهو مذهب جمهرة كبيرة من الأشاعرة, وليس التفويض في الكيفية كما يدعي الوهابية, بل الشيخ الراشدي له نصوص صريحة واضحة قطعية في نفي التحيز والجهة والمكان ولوازم ذلك من الحركة والسكون عن الله الواحد القهار, ومعلوم أن الوهابية يستنكفون عن تنزيه الله تعالى ذلك»([20]).
ثم نقل بعد ذلك كلاما له من مخطوطه المذكور سابقا يصرح الراشدي فيه بالتفويض, ويسلك فيه مسلك الأشاعرة في إثبات الصفات, قال فيه – يعني الراشدي -: «ومن تفاصيله أيضا: وجوب اعتقاد أنه يمتنع عليه مقابلات العشرين السابقة([21]) وهي:
العدم, والحدوث, وطرو العدم, وأن لا يكون قائما بنفسه, ومماثلته للحوادث: بأن يكون جرما يأخذ قدراً من فراغ, أو عرضا يقوم به, أو محاذيا ولو في الخيال, وفوقيته الواردة, ومظروفيته, ومعيته لا على سبيل استقرار أو تقدير مسافة حتى ترد علينا, ولكن عبر بما يشعر بها لضيق العبارة المفهمة فيفوض علمها إليه تعالى كيمينه وشماله, أو بتقيد بمكان أو زمان, أو يتصف بالحوادث, أو بالصغر دون الكبر, فإنه الكبير المتعالي عن مماثلة كبر الأجسام.
أو يتصف بالغرض في الأفعال والأحكام, أو يكون مركبا في ذاته: له مثل في ذاته, أو صفاته, أو أفعاله.... »([22]).
فانظر – رحمك الله – كيف صرح بالتفويض في قوله: «فيفوض علمها إليه تعالى, كيمينه وشماله» يقصد أنه يفوض علم الفوقية وهي العلو, والمظروفية – بزعمه -, يقصد بذلك الاستواء على العرش, وكذلك معيته تفوض عنده, كما تفوض يمينه وشماله.
وهذا الرجل الذي نقل لنا عقيدة الراشدي من كتابه المخطوط «عقيدة السلف» مما يدلنا دلالة واضحة أن الرجل على عقيدة الأشاعرة المفوضة في باب الصفات الخبرية الذاتية, وعلى مذهبهم في نفي الحكم والأسباب, وعلى مذهبهم في التوحيد.
فهو على مذهبهم في نفي الحكم والأسباب كما في قوله: «أو يتصف بالغرض في الأفعال والأحكام»؛ أي أن الله – عزوجل – بزعمهم منزه عن الاتصاف بالحكمة والمصلحة في أفعاله, فهو يفعل لا لحكمة ولا غاية تعالى الله عن قولهم.
وهو على مذهبهم في التوحيد كما في قوله: « أو يكون مركبا في ذاته له مثل في ذاته, أو صفاته, أو أفعاله», وهذه أقسام التوحيد الثلاثة عندهم, وليس فيها ذكر للتوحيد الذي خلق من أجله الإنس والجن, وهو توحيد العبادة, بل هذا التوحيد الذي ذكره فيه من الألفاظ المجملة والمشتركة, والتي يهدف هؤلاء من ورائها نفي الصفات الخبرية والفعلية, كما هو المشهور من مذهبهم.
فأين تجديده للتوحيد؟! وأين هي عقيدة السلف التي دعا إليها الراشدي الأمة؟! وأين هي دعوى سلفية الراشدي؟!, وأين هي دعوى أنه من أهل الإثبات؟!....
فالخلاصة
أن عبد القادر الراشدي رجل أشعري مفوض, وهذا الرجل – أعني نزار - هو رجل أشعري يعرف مذهبه ومذهب أصحابه, وهذا بخلاف إخواننا طلاب العلم المتحمسين الذين لم ينتبهوا لهذا الأمر وحكموا على الراشدي بأنه مجدد سلفي دون تدقيق وتمحيص, ولهذا فتحوا على أنفسهم وعلى إخوانهم السلفيين أبوابا من الطعونات, والاحتقار والازدراء, وأمثال ذلك من القدح والتسفيه, ولا أدل على ذلك تسلط هذا الرجل على الأخ محمد حاج عيسى – وفقه الله – وتسلطه كذلك على من سماهم بالوهابية ويريد بذلك الطعن في السلفية ورجالاتها.
ثم لا ينقضي العجب وأنت ترى الأخ الفاضل سمير سمراد – عفا الله عنه - يعقد عنوانا آخر سماه: «تفنيد شبهة» يعترض فيه على ما ذكره نزَّار بن علي الحمَّادي التُّونسي الأشعري الحاقد المتعصب لمذهبه في تشكيكه في عقيدة الراشدي, الذي وسمه بأنه: متكلم أشعري.
فالكاتب – عفا الله عنه – جعل ما ذكره نزار هذا شبهة أوجبت تشكيكا مما اقتضى منه تفنيدها وإبطالها, وكأن الراشدي عند الكاتب المُترجِم هو على عقيدة سلفية صافية نقية واضحة بينة, وجاء نزَّار بتشكيكه هذا, فتصدى المترجم للجواب عن هذه الشبهة, فأجابه بجواب مضطرب, فقال: «أمَّا أنه متكلم فنعم!!, وأمَّا أنه أشعري فلا!!, وسيأتي البيان قريبا»
فأقر المُترجِم بأنه متكلم, وهذا كاف في بيان حال هذا العالم, وأنه من أئمة الكلام, وهذا فيه إجابة على السؤال الوارد في أول الكلام, وهو: هل ترك الراشدي الاشتغال بعلم الكلام بعدما انتقل إلى هذه المرحلة التجديدية, أم لا ؟ فالجواب هو بالنفي, فلم يترك الراشدي علم الكلام, بل بقي عليه, وهذا مما لا شك أنه يعتبر ذم للراشدي, ولا يوجد متكلم سلفي أو سني, فالمتكلم عند أئمة السلف – كما تقرر سابقا – هو كل من تكلم في الله بما يخالف الكتاب والسنة, كيف وهذا الراشدي قد عكف على كتب أهل الكلام يشرحها ويفسرها حتى قيل فيه أنه «عضد زمانه».
ثم إن الأخ الكريم – حفظه الله - رجح أنه ليس بأشعري, وذكر أنه سيدلل على ذلك قريبا, ثمَّ جاء هذا القريب وليس فيه شيء يدل على أنه ليس بأشعري, إلا أنه جعل تحريمه للتأويل, وشنِّه للغارة على أهل التأويل من الأدلة على أنه ليس بأشعري, وهذا غير كاف وليس بلازم, فكثير من أئمة الأشاعرة المتقدمين حرموا التأويل, ومع ذلك فهم باقون على أشعريتهم, ولم يقل أحد من أهل العلم – في حدود اطلاعي – أنهم دعوا إلى عقيدة السلف بمجرد تحريمهم للتأويل والتمنُّع منه.
فغاية ما في الأمر أن الراشدي شنّ حربا لا هوادة فيها على أهل التأويل من أهل زمانه وألزمهم باعتناق مذهب التفويض وهذا الذي جعل أهل زمانه يشنعون عليه، ولو أنه قال بالتفويض - وهو أسلم وأصوب كما يزعمون - دون إنكار للتأويل - وهو أحكم وأحزم كما زعموا - وإن كان فيه مخاطرة لقولهم بالظن، لما شنعوا عليه، لأن هذا شأن داخلي - على حدّ تعبير نزار الحاقد -، فكثير من أئمة الأشاعرة المتقدمين حرموا التأويل, وجعلوا القطع بالتأويل في الصفات الخبرية من باب الظنون والتخمينات, والظن عندهم فيه مخاطرة بالإخبار عن مراد الله, والأصل عندهم تحريم القول على الله بالظن.
يقول ابن تيمية: «وهذا معنى قول بعض الناس: طريقة السلف أسلم, وطريقة الخلف أحزم وأحكم؛ لأن طريقة أهل التأويل فيها مخاطرة بالإخبار عن مراد الله بالظن, الذي يجوز أن يكون صواباً, ويجوز أن يكون خطأً, وذلك قوله عليه بما لا يعلم, والأصل تحريم القول عليه بالظن, وكان تركها أسلم»([23]).
والحق أن يقال أن الراشدي وإن كان قد أبطل مذهب أهل التأويل, وهو حجة دامغة في وجوه الأشاعرة, فإنه سلك مسلك التفويض, وهو من شر أقوال أهل البدع, ولكن يستدل على هؤلاء ببطلان كلا المسلكين بوجود الاختلاف فيما بينهم والتنازع والتناحر والتناطح, وكثرة التناقض والاضطراب, ومما هو متقرر أن التناقض والاضطراب أول مقامات الفساد والبطلان.
ثمَّ على فرض التسليم جدلا أنه ليس بأشعري مفوض, فالكاتب أقر واعترف بأنه متكلم, والمتكلم اسم جنس يدخل تحته أنواع, كالجهمي, والمعتزلي, والكرَّامي, والسَّالمي, والماتريدي, وغيرهم, فأين يضع الأخ الكريم – حفظه الله – الراشدي المتكلم ؟!.
قد يعترض علي الأخ ويقول: مقصودي بالمتكلم هو الموحد !! فينتفي ما اعترضت به علي, وعند ذلك يصح حكمي على الراشدي بأنه متكلم بمعنى موحد.
فأجيبه قائلا: قد سبق وأن بيَّنتُ أن التوحيد من الألفاظ المشتركة, ومقصود هؤلاء بالتوحيد عندهم هو علم الكلام, وقد أدخل فيه هؤلاء الأشاعرة نفي الصفات كلها أو بعضها, ووافقوا الجهمية النفاة في ذلك, والراشدي هو أشعري العقيدة, وقد قررت أخي الفاضل سابقا أنه شرح بعض كتب أهل الكلام حتى قيل عنه «عضد زمانه» فهو إذا متكلم موحد على طريقة هؤلاء, ولا يوجد متكلم سلفي أو سني, أو متكلم موحد بمعنى التوحيد الخالص.
فهذا ما أردت التنبيه عليه حول المقال المذكور, فإن كان من صواب فهو من الله وحده, وإن كان من خطأ فمن نفسي والشيطان, والله يغفر لي وللأخ سمير سمراد, والأخ محمد حاج, ولأخواني القائمين على المجلة, وللمسلمين أجمعين – اللهم آمين -.


انتهى من فراغه ظهر الأربعاء 13 رجب 1432ﻫ
أبو عبد الله بوفلجة بن عباس
طالب في مرحلة الماجستير في قسم العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية





------------------
([1]) تنبيه: أرجوا كل من وقف على هذا المقال أن يسعى في الحصول على مجلة الإصلاح في عددها «الخامس والعشرين» ليقف على ترجمة الراشدي التي سطرها الأخ سمير سمراد, حتى يعرف مضمون هذه التنبيهات المسطرة هنا.
([2]) انظر: شرح المواقف (1/34) – الطبعة القديمة -, وشرح المقاصد للتفتازاني (1/163), وشرح العقيدة الوسطى (ص 58), وشرح الصاوي على جوهرة التوحيد (ص 84), وتحفة المريد (ص 18), ورائحة الجنة للنابلسي (ص 23), وحاشية بخيت على شرح الخريدة للدردير (ص 11).وغيرها.
([3]) درء التعارض لابن تيمية (1/178).
([4]) المواقف للإيجي, والشرح للجرجاني, وكلاهما من أئمة الأشاعرة المتكلمين.
([5]) الكسب عندهم هو: أن للعبد قدرة لا تأثير لها, وتأثير الأسباب في المسببات هو تأثير عادي, يرجع إلى مجرد العادة التي يخلقها الله – عزوجل – عند وجود السبب, ولا تأثير لقدرة العباد في الفعل.
([6]) جامع المسائل (5/79).
([7]) أقوالهم ومقالاتهم مثبتة عندي في هذه المسألة, وقد أعرضت عن إيرادها خشية الإطالة والملل.
([8]) تاريخ الجزائر للميلي (2/338) – المؤسسة الوطنية للكتاب -.
([9]) نقلا من موقعه «في طريق الإصلاح» ومنتدى «ملتقى أهل الحديث», وللأخ محمد حاج عيسى رسالة عنوانها «عقيدة الإمام عبد الحميد بن باديس السلفية», وقد ذكر في آخر هذه الرسالة ترجمة للراشدي أثبت فيها سلفية الراشدي.
([10]) نقلا من منتديات البيضاء والشعر السلفية بإشراف الشاعر أبي رواحة.
([11]) المعجم المختص (ص 431) نقلا من المجلة (ص 51).
([12]) انظر على سبيل المثال المواضع التالية من تاج العروس (37/332) (40/343).
([13]) نقلا من ملتقى أهل الحديث بواسطة أبو مريم الجزائري – حفظه الله -.
([14]) سورة ص الآية (75).
([15]) تعريف الخلف (ص 219- 220) – اعتمدت على طبعة قديمة متوفرة عندي -
([16]) انظر: منهاج السنة (2/586), وانظر: الجواب الصحيح (4/425), ومجموع الفتاوى (5/196) (20/442) (9/146).
([17]) نقلا من منتدى طريق الإصلاح, وموقع ملتقى أهل الحديث.
([18]) تنبيه: يعلم الله أني لم أقف على كلام هذا الرجل الحاقد إلا بعدما كتبت هذه الورقات, فجعلته فصلا معترضا هنا, فاطلعت على كلامه, ووجدته صادقاً في دعواه أن الراشدي مفوض أشعري, فهو رجل يعرف مذهبه ومذهب أصحابه الأشاعرة, لكن وقع فيه كلاما تحاملا على الدعوة السلفية, وعلى طلبة العلم السلفيين مما ليس هذا موضع ذكره وانتقاده.
([19]) مما ينبه عليه أن موضوع البحث ليس هو معرفة حقيقة الأمر في هل ضلل الراشدي أصحابه الأشاعرة أم لا؟.
([20]) نقلا من منتدى الأصلين للأشاعرة.
([21]) الصفات العشرون التي يذكرها هؤلاء هي: الوجود – ويسمونها بالنفسية وهي صفة واحدة -, والصفات السلبية الخمسة هي: والقدم, والبقاء, ومخالفته تعالى للحوادث, والقيام بالنفس, والوحدانية. وصفات المعاني السبعة هي: والقدرة, والإرادة, والعلم, والحياة, والسمع, والبصر, والكلام. وأما الصفات المعنوية فهي: كونه تعالى قادراً, ومريدا, وحيا, وسميعا, وبصيرا, ومتكلما, وعليما.
([22]) نقلا من منتدى الأصلين.
([23]) جامع المسائل (5/89), وانظر: درء التعارض له (5/378).


التعديل الأخير تم بواسطة أبو معاذ محمد مرابط ; 01 Jan 2012 الساعة 10:34 AM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01 Jan 2012, 10:32 AM
أبو معاذ محمد مرابط
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

جزاك الله خيرا على حرصك على أخيك و محبة الخير له

وفق الله الجميع للنصح و قبوله
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 02 Jan 2012, 11:08 AM
خلفة أسامة الميلي خلفة أسامة الميلي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
الدولة: فرجيوة_حرسها الله_ شرق الجزائر
المشاركات: 167
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى خلفة أسامة الميلي إرسال رسالة عبر Skype إلى خلفة أسامة الميلي
افتراضي

وفق الله الجميع

التعديل الأخير تم بواسطة أبو معاذ محمد مرابط ; 02 Jan 2012 الساعة 12:20 PM
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 03 Jan 2012, 08:39 PM
أبو معاوية كمال الجزائري أبو معاوية كمال الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
الدولة: الجزائر(قادرية- ولاية البويرة)
المشاركات: 513
افتراضي

جزاكم الله خيراً على جميل بيانكم ورفع الله قدركم لصادق نصحكم وتوجيهكم .
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, مميز, مسائل, سمراد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013