الشيخ أبو أنور سالم بامحرز : لايُقال أن ترك الأعمال الصالحة مطلقا علامة علىٰ عدم القبول للعمل وأنه مردود ، وإنما الحق أن ينظر في هذا الأمر بالتفصيل .

[أبو إكرام وليد فتحون]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علىٰ أشرف المرسلين
وبعد

فقد نُشر لنا قبل أيام كلاماً حول التذكير بأهمية الاستمرار في العمل الصالح بعد الجد والاجتهاد في تلك الأيام والليالي من رمضان المبارك وأن الاستمرار والمداومة علىٰ العمل الصالح من علامات قبول الله لطاعات عبده وامداده بالعون في الاستمرار علىٰ هذا الخير العظيم وجريان العمل الصالح ،

وذكرت في كلامي أن ترك العمل الصالح والاستمرار فيه انتكاسة للعبد ودليل علىٰ عدم قبول عمله الصالح السابق والحق أن هذا القول جرى عليه كثير من الخطباء والوعّاظ ولاسيما بعد رمضان حثًّا علىٰ الاستمرار علىٰ الطاعات ومن أبرز من تكلم بهذا الكلام وأمثاله الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في كتابه "لطائف المعارف" وأطال الكلام في هذا.

والحق والانصاف في القول أنه لايُقال أن ترك الأعمال الصالحة مطلقا علامة علىٰ عدم القبول للعمل وأنه مردود ، وإنما الحق أن ينظر في هذا الأمر بالتفصيل
فان كان العبد ترك المستحبات من قيام الليل والإكثار من قراءة القرآن وأمثال ذلك ، فهذا لايُقال أنه قد رُدَّ عمله إِذْ لا دليل علىٰ هذا القول وإن كان إدامة العمل الصالح خيرا كثيرا لأن خير العمل أدومه وإن قلّ، أما من ترك العمل الصالح والصلوات والجمع والجماعة والواجبات فإن هذا يخشى عليه أن يكون عمله مردود وهذا ما قصدته في كلامي السابق وإن كان هذا القول لا يجزم به أيضا وإن كان قال به بعض المتقدمين كقول يحي بن معاذ (متوفى في ٢٥٨) وقد ذكر هذا عنه الحافظ ابن رجب :" من صام رمضان وقلبه علىٰ المعاصي معقود ، وعزمه أن يرجع إلىٰ الذنب ويعود ، فصومه عليه مردود ، وباب القبول في وجهه مسدود " هذا كلامه عفا الله عنا وعنه ، ولكن الحق أن هذا لايجزم به البته ، ذلك أن الله شكور يشكر عبده إذا أتى بحسنة وفقه إلىٰ أخرى ولايرد عمل عبده إذا أتى به علىٰ وجهٍ صحيحٍ

ولاشك أن التفصيل في مثل هذا القول هو الأولى من التعميم وإن كان يميل الخطباء والوعّاظ عند الكلام في التخويف والزجر إلىٰ ما ذهبت إليه من التعميم ، ولكن الحق الذي ندين الله به في هذا الأمر هو التفصيل ونتراجع عن القول بالجزم في عدم قبول العمل فإن القبول وعدمه من علم الله والكلام فيه يحتاج إلىٰ دليلٍ ثابتٍ عن الله -عَزّ وَجَل- وعن رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ- ، ولا نعلم دليلاً في ذلك بل إن هذا الكلام يحتمل رجما بالغيب، وأنا أبرأ إلىٰ الله -عَزّ وَجَل- أن أقول بهذا القول وأرجع عن قولي إذا فُهم منه ذلك، والحق أحبُّ إلينا من المُضيّ في الباطل
والأمر دين ، ودين الله -عَزّ وَجَل- محفوظٌ بالكتاب والسنّة وبفهم سلف الامة .

وفي الختام هذا ما أحببنا إيضاحه وبيانه إذ بلغني من بعض الإخوة الذين يبادلوننا الحديث عبر الفيسبوك تنبيههم لنا علىٰ هذا الأمر، ونحن نشكر لإخواننا مثل هذا التنبيه ، فأحسن الله إليهم وجزاهم الله خيرا وكتب الله لنا ولهم وجميع المسلمين الثبات علىٰ الحق والرسوخ عليه حتى نلقى الله وهو راضٍ عنّا
والله علىٰ ما نقول شهيد ، وحسبنا الله ونعم الوكيل والحمد لله رب العالمين .

كتبه / أبوأنور سالم بامحرز
اليوم الخميس الموافق ١٢ من شوال عام ١٤٣٨ للهجرة
المصدر : الصفحة الرسمية للشيخ بالفيسبوك .