منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 Mar 2011, 11:24 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي لمن أراد النجاة / كلام للشيخ عبد المالك - حفظه الله -

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.

{يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}

{يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}

{يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاسديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاعظيما}

أمابعد:

فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

أما بعد:
فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بوقوع الفتن كما أخرج ذلك البخاري في "صحيحيه" (7081) فقال عليه الصلاة والسلام: (ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرَّف لها تستشرفه، فمن وجد منها ملجأ أو معاذا فليعذ به).

فالفتن كائنة لا محالة ولكن أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله وأخبر بأن الله لم يضع داءً إلا وضع له شفاء أو دواء إلا داء واحدا قالوا: يا رسول الله ما هو؟ قال الهرم وأنه لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله – وهذه أحاديث صحيحة - وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه أن الجهل داء ودواؤه السؤال وبين النبي عليه الصلاة والسلام أدوية الفتن وسأنقل هنا إن شاء الله تعالى فصلا من كتاب "تمييز ذوي الفطن بين شرف الجهاد وسرف الفتن" للشيخ عبد المالك بن أحمد رمضاني تحدث فيه عن أدوية الفتن وذكر منها سبعة عشر دواء بعد أن ذكر بعض صور قتال الفتنة وسأذكر عناوينها هنا ولمن أراد التفصيل فليراجع الكتاب قال – حفظه الله -:

فإني أبين هنا بعض صور قتال الفتنة:

1.الخروج على ولي الأمر المسلم يعد من قتال الفتنة.

2.ومن صور الفتنة أن يضعف السلطان بسبب تمرد جيشه عليه.

3.وقريب من ذلك – أي ضعف السلطان –البيعة لخليفتين في إقليم واحد.

4.ومن صور الفتنة تمرد رئاسة الحكومة على رئاسة الدولة.

5.ومن الفتنة أن يغيب السلطان بموت أو غيره فتختلف رعيته من بعده في تولية واحد منهم.

6.ومن الفتنة المشاركة في قتال بين المسلمين لا يحسم خلافهم إلا بفساد أكبر.

7.ومن الفتنة قتال المعاهد والمستأمن من غير المسلمين.

8.ومن الفتنة قتال عامة الناس من غير تمييز بين مستحق وغير مستحق.

9.ومن الفتنة القتال بلا راية مسلمة.

10.ومن الفتنة القتال بغير إذن الإمام.

11.ومن الفتنة الخروج في مظاهرات أو اعتصامات في الساحات أو إضرابات عن العمل أو الطعام.

12.ومن الفتنة اليوم القيام بالغتيالات.

ثم بدأ – حفظه الله – بتبيين أدوية الفتن فقال:

هذه الحالات للفتنة التي مثلت ببعضها هي الحالات التي أمرنا فيها باعتزالها، لأن الدخول فيها لا يعالجها، بل يقوي حدتها، ويطيل عمرها، ولما كان أمرها من الخطورة بمكان فقد جاءت الشريعة الإسلامية بطرق للوقاية منها لم يعرفها تشريع بشري قط، وأخص هنا من هذه الطرق ما له علاقة بموضوعنا، فأذكر منها:

1.تقوى الله: وذلك لأن المتقي يحفظه الله ويجنبه أسباب سخطه، لا سيما إذا كان فيه تضرع إلى ربه وإخبات، فإذا حضرته فتنة لم يدعه ربه في حيرة، بل نوَّر بصيرته فيها وجعل له فرقانا يميز به بين الحق والباطل، لقول الله تعالى:{يأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم}(الأنفال:29)، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في معرض ذكر اختلاف الأمة:(أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإنْ عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) رواه أبو داود(4607) والترمذي(2676)وابن ماجه(42) وهو صحيح، وبهذا أوصى طلق بن حبيب التابعي المعروف – رحمه الله – بكر بن عبد الله حين قال له: (صف لنا من التقوى شيئا يسيرا نحفظه، فقال طلق: (اعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، والتقوى ترك المعاصي، على نور من الله، مخافة عقاب الله عزوجل) رواه ابن المبارك في "الزهد"(1054) وابن أبي شيبة في "الإيمان"(99) وأبو نعيم في "الحلية"(3/64) والبيهقي في "الزهد الكبير"(965) وغيرهم بإسناد صحيح، وفي رواية ابن المبارك والبيهقي أن هذا كان جوابا بمناسبة فتنة خروجٍ على السلطان، ولفظها عن بكر بن عبد الله قال:(لما كانت فتنة ابن الأشعث قال طلق: اتقوها بالتقوى، قال بكر: أجمل لنا التقوى...) فأجابه بما سبق، فكان هذا الأثر أنسب شيء للباب، ولذلك أورده ابن تيمية تحت هذا المعنى في "منهاج السنة"(4/529) وكذا تلميذه الذهبي في "المنتقى من منهاج الاعتدال"(ص286)، وروى الفسوي قي "المعرفة والتاريخ"(1/231) والخطيب في "تاريخ بغداد"(10/4) بإسناد صحيح عن هلال الوزَّان قال:(حدثنا شيخنا القديم عبد الله بن عكيم – وكان قد أدرك الجاهلية – أنه أرسل إليه الحجاج بن يوسف، فقام فتوضأ ثم صلى ركعتين، ثم قال: اللهم إنك تعلم أني لم أزن قط،ولم أسرق قط، ولم آكل مال يتيم قط، ولم أقذف محصنة قط، إن كنت صادقا فادرأ عني شره) فتوسل – رحمه الله – إلى الله بتركه لهذه الكبائر طمعا في النجاة من فتنة الحجَّاج، وتلك هي نتيجة تقوى الله عزوجل، قال ابن حجر في " الفتح"(6/483): (صاحب الصدق مع الله لا تضره الفتن)، وقال: (الله يجعل لأوليائه عند ابتلائهم مخارج).

2.العلم: العلم دواء الفتن، لأن الفتنة تجيء من جهة الاشتباه، والشبهة يزيلها العلم، أي أن يعرف المرء الفتنة من غيرها، لأنه إذا اشتبه عليه أمرها لم يأمن التورط فيها، وما وقع شبابنا اليوم في دواهي النوازل إلا عدم تفريقهم بين لجهاد الشرعي والفتن، وكم ترى فيهم من حماسة لكن بغير علم، ومن أجل هذا كتبت هذا الكتاب، لعلهم يوفِّرون على أنفسهم تلك الحماسة ليوم الصادق، ودليل هذا الدواء حديث العرباض السابق، لأن فيه تقوى الله، ومر أن طلق بن حبيب فسر التقوى بأنها (العمل بطاعة الله، على نور من الله...)، وهذا النور هو العلم، وقوله: (من الله) يدل على أن العلم هو ما كان من الوحيين: الكتاب والسنة، فإن لم يعلم المرء وجه الفتنة فكيف يقدر أن يتقيها؟ كما قال أبو الدرداء – رضي الله عنه -: (لا تكون تقيا حتى تكون عالما) رواه أبو نعيم(1/213) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله"(2/7)، وقال هذا الأخير: (من قول أبي الدرداء هذا – والله أعلم – أخذ القائل قوله: كيف هو متق من لا يدري ما يتقي؟ !) وهذا القول نسبه الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"(1065) للإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله -، ولفظه: (ليس يتقي من لا يدري ما يتقي) ونسبه ابن رجب في "جامع العلوم والحكم"(1/160) لبكر بن خنيس – رحمه الله -، ولفظه: ( كيف يكون متقيا من لا يدري ما يتقي)، فهؤلاء جميعا تناقلوه عن سلف لعظم شأنه، فإن لم يتبين المرء وجه الحق في الفتنة فعليه بــــــــــــــ:

3.الدعاء: فإنه الباب الأعظم بينه وبين ربه، والمؤمن يلجأ إلى مولاه في كل حين، لا سيما عند اختلاف الأمة واشتباه الأحوال، فقد أمر الله بذلك فقال:{قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون}(الزمر:46)، وقد امتثل النبي صلى الله عليه وسلم أمر ربه هذا ، ففي "صحيح مسلم"(770) عن أبي أسامة قال:(سألت عائشة أم المؤمنين: بأي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاته: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، فإنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم).

وقد جاءت روايات كثيرة عن السلف تدل على شدة تمسكهم بهذا الأصل عند الفتن، من ذلك ما رواه أبو نعيم في "الحلية"(1/178-179) بسند حسن عن عبد الله بن عامر بن ربيعة يذكر عن أبيه الصحابي (أنه قام يصلي من الليل حين نشب الناس في الفتنة، ثم نام، فأري في المنام فقيل له:قم فسل الله أن يعيذك من الفتنة التي أعاذ منها صالح عباده، فقام يصلي، ثم اشتكى – يعني مرض -، فما خرج إلا جنازة)، والمقصود بالفتنة هنا الخروج على الخليفة الراشد عثمان – رضي الله عنه -، فقد روى بعد هذا وكذا الحاكم (3/158) بسند صحيح عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: ( لما نشب الناس في الطعن على عثمان - رضي الله تعالى عنه – قام أبي يصلي من الليل، وقال: اللهم قني من الفتنة بما وقيت به الصالحين من عبادك، قال: فما خرج إلا جنازة).

وعن حسين بن خارجة قال: ( لما جاءت الفتنة الأولى أشكلت عليَّ، فقلت: اللهم أرني من الحق أمرا أتمسَّك به، فأريت فيما يرى النائم الدنيا والآخرة، وكان بينهما حائط غير طويل، وإذا أنا تحته، فقلت: لو تسلقت هذا الحائط حتى أنظر إلى قتلى أشجع فيخبروني، قال: نحن الملائكة، فأُهبطت بأرضٍ ذات شجر، فإذا نفر جلوس، فقلت: أنتم الشهداء، قالوا: نحن الملائكة، قلت: فأين الشهداء؟ قالوا: تقدَّم إلى الدرجات، فارتفعت درجة الله أعلم بها من الحسن والسَّعة، فإذا أنا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وإذا إبراهيم شيخ، وهو يقول لإبراهيم: استغفر لأمتي، وإبراهيم يقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك: أهراقوا الدماء وقتلوا إمامهم، فهلاَّ فعلوا كما فعل سعد خليلي، فقلت: والله ! لقد رأيت رؤيا لعل الله ينفعني بها، أذهب فأنظر مكان سعد فأكون معه، فأتيت سعدا فقصصت عليه القصة، قال: فما أكثر بها فرحا ! وقال: لقد خاب من لم يكن إبراهيم خليله، قلت: مع أي الطائفتين أنت؟ قال: ما أنا مع واحدة منهما، قال: قلت: فما تأمرني؟ قال:ألك غنم؟ قلت: لا ! قال: فاشتر شاء فكن فيها حتى تنجلي)، رواه ابن شبة في "أخبار الدينة"(4/1251) والحاكم(4/452)، وقد ضعِّفت رواية الحاكم بسعيد بن هبيرة عن عبد الوارث بن سعيد في النسخة التي حققها العلامة مقبل الوادعي – رحمه الله –(4/619)، لكن رواه الحاكم في موضع آخر(3/501) من طريق موسى بن عمران القزَّاز عنه بدلا من سعيد هذا، وموسى صدوق كما في "التقريب" لابن حجر، كما رواه أبو نعيم من طريقه وساق الذهبي في "السير"(1/120) إسناده إليه فأغنانا – جزاه الله خيرا – عن تتبع بقية الإسناد عند الحاكم، كما أشار البخاري في "التاريخ الكبير"(2/382) إلى أنه رواه عن عبد الوارث أيضا أبو معمر المنقري وهو ثقة، فهذا إسناد صحيح.

وفي هذه القصة العجيبة فوائد:

منها أن أمر الفتن شديد، لأن حسين بن خارجة – رحمه الله، على فضله – احتاج إلى ما يبصِّره بوجهها.

ومنها أن ما كان عليه سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه – من الاعتزال هو الحق.

ومنها أن سعدا لم يكترث كثيرا بالرؤيا ولا غرَّه منها تأييدها له، كما قال في الرواية: ( فما أكثر بها فرحا)، فهل ترى الشيطان يطمع فيه من جهتها كما يطمع فيمن يفتنون بالرؤى؟ ! وإنما لم يكثر فرحه بها لأنه استغنى بما لديه من علم الكتاب والسنة عن أن يستشهد لهما بالرؤى، لكنَّ غيرَ الجازم قد يجعل الله له في رؤياه الصادقة أُنسا يقوّي به ما ليه من علم، لا كما هو شأن المغرورين بالرؤى الذين يؤسِّسُون استدلالهم عليها، والتاريخ حافل بأوهام من أزاغته أو أزاغه عوامل أخرى لا علاقة لها بطرق الاستدلال الصحيحة، كمن تراءى له في المنام أنه المهدي المنتظر وتواطأت له الشهادات على ذلك من ذوي البصائر الضعيفة، فقام إلى دماء الناس يريقها بسيف (المهدي !) مع أن ما بينه وبين أوصاف المهدي مفاوز !

وكمن قام وسط أحزاب سياسية يدعي أنه حزب الله المختار، وأن تأييده وحده تأييد لدين الواحد القهار !فقال لقومه: سآتيكم بالبرهان، فنظر نظرة في سحاب، وتخيل قطره رقما في كتاب، يؤيده ويذم سائر الأحزاب، فأراه الشيطان وأتباعه كلمة (الله أكبر) في السماء، يقرؤها أنصاره وكل من نسي ذكر الصبح والمساء، فازداد الناس افتنانا به، واستمساكا بحزبه !فقام يوعد غيره بالنار، حتى تلا قوله تعالى:{ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده}(هود:17)، نسأل الله العافية.

أو كمن زعم أن القرأن قد أخبر قبل خمسة عشر قرنا بسقوط برجَي أمريكا في (11 سبتمبر)، وذلك في الآيتين(109-110) من سورة التوبة وهي قوله عزوجل:{أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين (109) لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم (110)}، فربط له الشيطان بين رقم (9) الذي في الآية الأولى وبين كون شهر سبتمبر هو الشهر التاسع من السنة الشمسية، ورقم (11) الذي في الآية الثانية وبين كون الهدم وقع في اليوم الحادي عشر منه، إلى غير ذلك من التُّرَّهات التي لا أذكرها الآن.

هذه سخافات كان علينا أن نترفع عن ذكرها، لكن ولوع الناس بها اليوم مع انحطاط المستوى دفعني إلى تدوينها هنا لتكون تنبيها للقارئ على أن يعرف طرق الاستدلال ويعرف للوحيين قدرهما.

4.السمع والطاعة لولي الأمر ولزوم الجماعة: ودليله حديث العرباض بن سارية السابق، وأكثر الفتن في تاريخ المسلمين سببها من الإخلال بهذا الأصل العظيم، ولذلك كان الرؤوف الرحيم بأمته صلى الله عليه وسلم يبدئ فيه ويعيد، ومن نظر في الأحاديث الكثيرة التي جاءت في الباب عرف هذا، وفي القصة الأخيرة جعل القتل السلطان في الرؤيا إحدى علامات الفتنة، ومن أدلته أيضا حديث حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه –المشهور الذي وصف فيه النبي صلى الله عليه وسلم زمنا يخالطه دخن ويكون في أمرائه ظلم في أخذ الأموال بغير حق وضرب الأبرياء، فقال في المخرج منه:( تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) رواه البخاري(7084) ومسلم(1848)، وقد بوب له النووي في "شرح صحيح مسلم" (12/237) بقوله:( باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند الفتن وفي كل حال، وتحريم الخروج من الطاعة ومفارقة الجماعة)، وقال: (وفي حديث حذيفة هذا لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، ووجوب طاعته وإن فسق وعمل المعاصي من أخذ الأموال وغير ذلك، فتجب طاعته في غير معصية).

5.التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين المهديين: ودليله حديث العرباض أيضا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنذر بوقوع الفتن والاختلاف بين أمته، وذكر الحلَّ الذي نحن بصدده، وصاحب السنة لتجرده للسنة وتجرده عن كل هوى ناج – إن شاء الله –في مواطن الفتن، لأنه عوَّد نفسه ألا يأتمَّ إلا بالمتبوع بحقٍّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم تكلم كثيرا عن الفتن وما قصَّر في التبليغ، ولذلك فما من كتاب من كتب السنة الشاملة إلا وفيه بابٌ للفتن، فصاحب السنة يرجع إليها ويسلم لها تسليما، والمحروم من السنة يرجع عند حلول الفتن إلى عقله وتجاربه وتحكيم عواطفه وتحكيم استنتاجات شيوخه ولو كانوا من أبخس الناس حظا في معرفة السنة، فالأول على السنة ثابت متثبت، والثاني في ظلمات فكره متخبط، ومن أدلته أيضا ما رواه أبو واقد الليثي – رضي الله عنه – قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ونحن جلوس على بساط: إنها ستكون فتنة، قالوا: كيف نفعل يا رسول الله؟ قال: فرد يده إلى البساط فأمسك به، قال: تفعلون هكذا، وذكر لهم رسول الله صلى الله عليه يوما أنها ستكون فتنة فلم يسمعه كثير من الناس، فقال معاذ: تسمعون ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: ما قال؟ قال: يقول: إنها ستكون فتنة، قالوا: فكيف لنا يا رسول الله أو كيف نصنع؟ قال: ترجعون إلى أمركم الأول) رواه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(3/221)والطبراني(3/181)وصححه الألباني في "السلسة الصحيحة"(3165)، وبوب له الهيثمي في "مجمع الزوائد"(7/303) بقوله: (باب ما يفعل في الفتنة).

ومن أروع الآثار السلفية في هذا الباب ما رواه معمر في "جامعه" المطبوع في آخر "مصنف عبد الرزاق"(11/453) وأبو نعيم(1/329) وابن بطة في "الإبانة/الإيمان"(237) واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد"(133) بإسناد صحيح عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: (قال معاوية: أنت على ملة علي؟ قلت: ولا على ملة عثمان، أنا على ملة محمد صلى الله عليه وسلم)، قال طاووس: (يعني: ملة محمد صلى الله عليه وسلم ليست لأحد).

هذا حصل بعد الخلاف الذي كان بين علي ومعاوية – رضي الله عنهما -، فلم يجد ابن عباس – رضي الله عنهما – غضاضة من أن يقصر مرجعه فيه على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف لو كان الأمر فيمن بعدهم؟ !

وفي ذكر سنة الخلفاء الراشدين مقرونةً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم تنبيه على ردِّ كلِّ مختلف فيه إلى ما كان عليه السلف الأول، وهذا الضابط يعدُّ من أهم الضوابط، لأنه يعصم من كثير من الخطأ في الاستدلال، كما يعصم من متابعة فرق الضلال، لأنه كلما استدل مستدل على مسألة مطروقة قيل له: من سلفك في هذا؟ فيقلُّ الخلاف، ويفتضح المتسلق المستخف بالأسلاف.

ملاحظة: ذكرت هاهنا دواءين للنجاة من الفتن متتابعين، وهما (السمع والطاعة لولي الأمر) و (التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء)، لأن اجتماع الناس يحصل من جهتين هما: اجتماع أديان واجتماع أبدان، فاجتماع الأديان أن يكونوا على طريقة واحدة في أصول دينهم، كما قال الله تعالى:{واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}(آل عمران:103)، واجتماع الأبدان هو أن يجتمعوا على أمير واحد ولا يتفرقوا عليه بأجسامهم بالسعي في الخروج عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) وقد مر، فالأول أخص بإصلاح دينهم، والثاني أخص بإصلاح معاشهم، ولذلك روى أبو عبد الرحمن السلمي في "آداب الصحبة"(41) وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(32/444) عن عبد الله بن المبارك قال: (من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته)، وقد جاءت الشريعة بأكمل نظام في هذين، ولذلك نهى الله عن التفرق في الأديان في غير ما آية، منها قوله تعالى:{إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء}(الأنعام:159)، كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التفرق بالأبدان فقال: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة ثم مات مات ميتة جاهلية) رواه مسلم(1848)، وكثيرا ما يجتمعان في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض بن سارية الذي مر: (أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين)، فجمع بين الوصية بأداء حق ولي الأمر والوصية بلزوم السنة، وقله صى الله عليه وسلم: (إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا: يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم) الحديث، رواه مسلم(1715) ومالك(1572) – واللفظ له – عن أبي هريرة، فذكر الاعتصام بحبل الله وهو الكتاب والسنة، وذكر مناصحة ولي الأمر، وجِماعها ترك الخروج عليه كما نص عليه غير واحد من أهل العلم، قال ابن نصر المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(2/693): (وأما النصيحة لأئمة المسلمين: فحب طاعتهم ورشدهم وعدلهم وحب اجتماع الأمة كلهم، وكراهية افتراق الأمة عليهم، والتدين بطاعتهم في طاعة الله، والبغض لمن رأى الخروج عليهم، وحب إعزازهم في طاعة الله)، ووافقه عليه ابن رجب في "جامع العلوم والحكم"(1/80) والنووي في "شرحه على مسلم"(2/78).

وقد جعل أهل العلم قول النبي صلى الله عليه وسلم السابق: (ترجعون إلى أمركم الأول) ضابطا في هذين البابين: تفرق الأديان، وتفرق الأبدان، فقالوا:إذا اشتبه على المرء أمر فتنة نظر فيما كان عليه أمر الجماعة قبل حدوث الفتنة، لأن الفتنة تنوع الآراء ويدخل فيها المتكلفون فيشبهون الأمر على غيرهم، فينظر الموفق في الهدي الأول ويلغي ما عداه، وفي تطبيقه ما يأتي:

-عند ظهور فتنة التفرق إلى طوائف، فلو أنه كلما ظهرت فرقة نظر المرء في سيرة السابقين ووزن علمها وعملها بها ليتبين له وجهها، ولذلك كان الموفقون من المتقدمين من هذه الأمة يرجعون إلى الصحابة كلما ظهرت فتنة جماعة أحدثت في دين الله، فإما أن تموت البدعة في مهدها، وإما أن ينحسر نطاقها ويشار إليها ببنان الاتهام، كما حصل عند ظهور فرقةالقدرية في عهد بعض الصحابة، فقد روى مسلم(8) عن يحي بن يعمر قال: (كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحِميَري حاجَّين أو معتمرين، فقلنا: لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر، فوفِّق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد...)الحديث، وفيه أنهما سألاه عن تلك الفرقة وأجابهم – رضي الله عنه -، فشفوا وذهبت عنه الريب والحيرة، لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاهم الله جملة وتفصيلا، ولذلك قال حذيفة – رضي الله عنه -: (كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تعبَّدوها، فإن الأول لم يدع للآخِرِ مقالا، فاتقوا الله – يا معشر القراء !- وخذوا طريق من كان قبلكم) كما في"أصول الإيمان" للشيخ محمد ابن عبد الوهاب(ص138) و"حجة النبي صلى الله عليه وسلم" للشيخ الألباني(ص100) – رحمهما الله- .

-وأما فتنة الدماء، فإنه لما ظهرت أول فتنة وهي فتنة مقتل عثمان – رضي الله عنه – نظر الموفقون إلى ما كان عليه الناس قبل الفتنة فلَزِموه، ولما كانت فتنةالخروج على علي – رضي الله عنه – فكذلك، ولما كانت فتنة خروج ابن الأشعث فكذلك وهكذا...

وأما المخذولون: فحسنت ظنونهم بأنفسهم ولم يعبأوا بمن سبقهم من الأولين من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان، فانطلقوا يجرُّون أذيال الفتنة، حتى إذا انغمسوا فيها علموا أنهم كانوا يلهثون وراء سراب، ولنفاسة هذا الضابط عقدت فصلا في أواخر الكتاب في هدي الصحابة عند الفتن .
وهل يُظنُّ في الخوارج الأولين وقوعهم في فتنة تفريق الجماعة الأولى لو أنهم أخذوا بهذا التأصيل الذي أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهل يظن في الحاقدين على أصحال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوعهم في مفارقة الجماعة لو أخذوا بهذا؟ ومن الغرائب أن هؤلاء وجميع الفرق التي فارقت الجماعة من أول يوم يدَّعون أنهم يجتهدون لجمع الأمة على كلمة سواء !! ولذلك يقال لهم: ارجعوا إلى الجماعة الأولى ولا تتفرقوا عنها ثم بعدها يُنظر في ادعائكم وحدة الأمة، فإن لم يستجيبوا ويرجعوا إلى هدي الصحابة فاعلموا أنما يتبعون أهوائهم،فهؤلاء وأشكالهم هم الذين فرقوا المسلمين وفارقوا أهل الحق منذ التاريخ الأول، فكل دعوة منهم للاجتماع فهي دعوة كاذبة يراد منها تمييع دعوة الحق.

وبهذا يعلم القارئ أن أهل السنة والجماعة أولى الناس بالاجتماع الصادق، وأحق الفرق باسم السنة، لأنهم منذ تفرق الناس وهم يناشدونهم: أن ارجعوا إلى الأمر الأول، وأحق الفرق باسم الجماعة، لأنهم منذ أن اخترع الشيطان للحريصين على الرئاسة الخروج على أولياء أمورهم وهم ينصحون لهم بالإعراض عن ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الجماعة رحمة والفرقة عذاب) رواه أحمد(4/278) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة"(667)، ولكن قليل هم الذين يتجردون للدليل ويصبرون بصدق على التقيد بأوامر الكتاب والسنة، لغلبة سلطان الحظوظ النفسية، فنعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.




يتبع إن شاء الله تعالى


التعديل الأخير تم بواسطة فتحي إدريس ; 26 May 2011 الساعة 02:40 PM سبب آخر: زيادة
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 30 Mar 2011, 12:10 AM
زكريا عبد الحق زكريا عبد الحق غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2011
المشاركات: 7
افتراضي تشجيع

وفقك الله أخانا الكريم
بارك الله فيك
-----------------
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 30 Mar 2011, 08:18 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

وفيك يبارك الله أخي أبا يحي
وجزاك الله خيرا

قال الشيخ عبد المالك بن أحمد رمضاني- حفظه الله-:

6.الرجوع فيها إلى أهل الاستنباط من أولي الأمر: حفاظا على المجتمع من أن تخاض فيه الفتن بالفتاوى الجريئة من غير أهلها، فقد أمر الله بردها إلى أهل الاجتهاد، فقال:{وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا}(النساء:83)، ولا ريب أن حالات الفتنة تدخل في معنى الأمن والخوف دخولا أوليا، ولو عمل شباب المواقع العنكبوتية المشبوهة بهذا الأمر القرآني لاستراحوا من الفتن أولها وآخرها، لكنهم كلما ذرت فتنة قَرَنهَا جعلوا أجسامهم هدفا لها، ودخلوها من غير أناة ولا ورع، وأفتوا فيها معرضين عن العمل بالآية السابقة، واعتذروا – بلا حجة – بأن العلماء قد غيرتهم الدول الحاكمة، وكل ما هنالك أن فتاوى أهل الاستنباط لم تُخرَّج على نفَسهم المتهور، فتراهم يتلمَّسون في ظلمات الجهالة من يشبع نهمهم الثوري، وفي كل مرة يأتمُّون بإمام وإن لم يعرف بعلم، فضلا عن أن يعرف ببلوغ درجة المجتهد المستنبط الذي يحق له أن يفتي في نوازل الفتن، بل كثير منهم لا يعرفون لمتبوعهم أصوله العلمية: رتبته وشيوخه وإجازته، بل قد لا يعرفون هويته: أهو مسلم خالص أم هو دسيسة في وسط المسلمين؟ ! كل ما يعرفون عنه أن جنسيته ثورية وهويته دموية، وقد قيل: (من استشار الجاهل ضل، ومن جهل موضع قدمه زل)، ومن عجائب ما يفعله الهوى بصاحبه أن مدح العالم عندهم موقوف على موافقة فتاواه لما تحبه أنفسهم وتهواه ! فإن فعل تحمسوا له، وإن لم خالفهم استنقصوه ولم يبحثوا له عن أدنى مخرج لاختياره، بل ربما بهتوه بالتهم، ثم تخيروا من فتاوى أندادهم ما لو عرض على عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لجمع له أهل بدر، فما أشبههم بمن قال فيه الآجري – رحمه الله – في "أخلاق العلماء"(ص80): (يُرخِّص في الفتوى لمن أحب، ويشدد على من لا هوى له فيه)! وإن هذا ليذكرنا ببهت اليهود حبرهم عبد الله بن سلام – رضي الله عنه – لما أسلم، رواه البخاري(3911) من حديث أنس الطويل، وفيه أنه قال – رضي الله عنه - : (فلما جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم، جاء عبد الله بن سلام فقال: أشهد أنك رسول الله، وأنك جئت بحق، وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم، وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا فيَّ ما ليس فيّ، فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم، فأقبلوا فدخلوا عليه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر اليهود ! ويلكم اتقوا الله، فوالله الذي لا إله إلا هو ! إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا، وأني جئتكم بالحق، فأسلموا ! قالوا: ما نعلمه، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم، قالها ثلاث مرار، قال: فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟ قالوا: ذاك سيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا، قال: أفرأيتم إن أسلم؟ قالوا: حاشى لله ! ما كان ليسلم، قال: أفرأيتم إن أسلم؟ قالوا: حاشى لله! ما كان ليسلم، قال: أفرأيتم إن أسلم؟ قالوا: حاشى لله! ما كان ليسلم، قال: يا ابن سلام! اخرج عليهم! فخرج فقال: يا معشر اليهود! اتقوا الله، فوالله الذي لا إله إلا هو! إنكم لتعلمون أنه رسول الله وأنه جاء بحق، فقالوا: كذبت! فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وفي رواية صحيحة عند ابن حبان(7423) قال: (فخرج إليهم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، فقالوا: بل هو شَرُّنا وابن شَرِّنا،، وجاهلنا وابن جاهلنا! ! قال: ألم أخبرك –يا رسول الله!- أنهم قوم بهت؟!).

ومن العجائب أيضا أن متبوعيهم من أصناف المتعلمين كثيرا ما يخطئون في فتاوى تؤدي بأرواح العشرات من المسلمين، وتخلخل أمن شعوب وادعة، فإذا بالأعذار تلتمس لهم وهم دون العلماء، والظنون الحسنة تُستكثَر لهم وتُستولد من عقم القضايا التي لا تحمل إلا وجها واحدا، بينما لا تجد لتلك المحامل أثرا يذكر عندما يكون مخالفهم من أكابر العلماء، وهذا من عجائب التناقضات! !

لكن إذا عُلِمَ السبب بَطَلَ العجب، فإن البلاء موكول بأصناف المتعلمين، كما قال ابن تيمية في "تلخيص كتاب الاستغاثة"(2/730): ( وقد قيل: إنما يُفسدُ الناس نصف متكلم، ونصف فقيه، ونصف نحوين ونصف طبيب، هذا يفسد الأديان، وهذا يفسد البلدان، وهذا يفسد اللسان، وهذا يفسد الأبدان، لا سيما إذا خاض هذا في مسألة لم يسبقه إليها عالم معه فيها نقل عن أحد، ولا هي من مسائل النزاع بين العلماء فيختار أحد القولين، بل هجم على ما يخالف دين الإسلام المعلوم بالضرورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم).

فارجعوا إلى أهل العلم ولا يثبطنكم الشيطان عنهم، فهم الذين يعرفون وجه الفتنة أول ما تظهر، وأما غيرهم فإنهم لا يعرفونها حتى تنخلهم نخل الدَّقل وتمخضهم مخض اللبن، قال الحسن البصري – رحمه الله -: ( الفتنة إذا أقبل عرفها كل عالم، وإذا أدبرت عرفها كل جاهل) رواه البخاري في "التاريخ الكبير"(4/321) وابن سعد (7/166) بإسناد صحيح، وقد أوردت في "مدارك النظر في السياسة"(ص187- ط.السابعة) بعض أقوال من سلف في معنى هذا الباب.

7.تجنب الفتنة وترك التحرك فيها: أيام الفتنة سريعة الحركة، قليلة البركة، أولها يسر، ووسطها يغر، وآخرها حنظل مر، فإذا نزلت فلا يقولنَّ المسلم: أدخلها لأصلح، أو لأنصر المظلوم، أو لأخفف من شرها، لأن من تعرض للفتنة بمثل هذا لم يخرج منها سالما وإن أقنعه الوسواس الخناس أن نيته صالحة أو أن الناس ينتظرون تحركه،،فعن المقداد بن الأسود قال:أيم الله ! لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن السعيد لمن جنب الفتن! إن السعيد لمن جنب الفتن! إن السعيد لمن جنب الفتن! ولمن ابتلي فصبر، فواها!) رواه أبو داود(4263) وصححه الألباني في تعليقه عليه، قال الفيروزآبادي في "القاموس المحيط" في معنى (فواها): (واها له، وبترك تنويه: كلمة تعجب من طيب كل شيء، وكلمة تلهُّف).

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم الناصحُ لأمته السيرة العملية في ذلك حتى تُضمن لصاحبها السلامة من شر الفتن، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرَّف لها تستشرفه، فمن وجد منها ملجأ أو معاذا فليعذ به) رواه البخاري(3601) ومسلم(2776)، قال ابن حجر في "الفتح"(13/31) شارحا قوله صلى الله عليه وسلم: (من تشرَّف لها): (أي تطلع لها بأن يتصدى ويتعرض لها ولا يعرض عنها ...) ثم قال: (قوله: (تستشرفه) أي تهلكه بأ يشرف منها على الهلاك، يقال: استشرفت الشيء علوته وأشرفت عليه، يريد من انتصب لها انتصبت له، ومن أعرض عنها أعرضت عنه، وحاصله أن من طلع فيها بشخصه قابلته بشرهان ويحتمل أن يكون المراد: من خاطر فيها بنفسه أهلكته، ونحوه قول القائل: من غالبها غلبته).

وروى معمر في "جامعه/مصنف عبد الرزاق"(11/450) ومن طريقه أبو نعيم في الموضع السابق وابن البناء "الرسالة المغنية في السكوت ولزوم البيوت"(29) بإسناد صحيح عن طاووس قال: (لما وقعت فتنة عثمان، قال رجل لأهله: أوثقوني بالحديد، فإني مجنون، فلما قتل عثمان، قال: خلوا عني، الحمد لله الذي شفاني من الجنون وعافاني من قتل عثمان)، وقال أبو نعيم بعده: (رواه غيره عن ابن طاووس وسمى الرجل عامر بن ربيعة)، وطاووس قد أدرك زمان عثمان كما نقل ابن أبي حاتم في "المراسيل"(ص99).

وروى نعيم ابن حماد في "الفتن"(509) عن عبد الله بن هبيرة قال: (من أدرك الفتنة فليكسر رجله، فإن جبرت فليكسر الأخرى !).

وقد كان من حزم السلف في هذا ما جاء في "سؤالات الآجري أبا داود"(ص274) (أن الأسود بن سُريع لما وقعت الفتنة بالبصرة ركب البحر فلا يدرى ما خبره !).

8.ترك القتال:عند نشوب الفتن بين المسلمين وجب على الناصح لنفسه وللمسلمين ترك المشاركة فيها بقتال أو نحوه، يقول الله عزوجل: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة }(الأنفال:25)، والفتن التي تقع بين المسلمين داخلة في هذا النص، يدل عليه عمومه كما رجحه ابن كثير في تفسيره، وله في ذلك سلف، فقد روى أحمد (1/165) بسند حسن عن مطرِّف أنه قال بعد مقتل عثمان – رضي الله عنه -: قلنا للزبير – رضي الله عنه -: ( يا أبا عبد الله! ما جاء بكم؟! ضيعتم الخليفة حتى قتل، ثم جئتم تطلبون بدمه؟! قال الزبير – رضي الله عنه -: إنا قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان – رضي الله عنهم -: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة }(الأنفال:25)، لم نكن نحسب أنا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت).

ويدخ في الفتنة هنا اختلاف أهل الإسلام حتى ربما قتل بعضهم بعضا، ويزيده وضوحا قوله تعالى: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض اُنظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون}(الأنعام:65)،فقد أخبر أن هذه الأمة تختلف حتى يلبسها الله شيعا أي فرقا مختلفة، وهذه الفتنة، لإمكانية الوقوع لم يقصِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم في التحذير منها وبيان طرق الوقاية من شرِّها، وينجِّي الله منها أهل الاتباع بحقٍّ، جعلنا الله منهم.

بل لأن يُقتلَ المرء فيها خير له من أن يَقتلَ، روى أحمد (5/292) والحاكم(3/281) عن خالد بن عرفطة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا خالد ! إنها ستكون بعدي أحداث وفتن واختلاف، فإن استطعت أن تكون عبد الله المقتول لا القاتل فافعل ) وصححه الألباني في "الإرواء"(2451).

وعند أبي داود (4257) بسند صححه الألباني أيضا في تعليقه عليه عن سعد بن أبي وقاص قال: قلت: ( يا رسول الله! أرأيت إن دخل علي بيتي وبسط إليَّ يده ليقتلني؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن كابني آدم، وتلا يزيد (شيخ أبي داود) : { لئن بسطت إلي يدك }(المائدة:28)، الآية ).

ولذلك روى خليفة بن خياط في "تاريخه"(ص239) بسند صحيح عن الحسن قال: ( أصيب ابنا زينب يوم الحرَّة، فحملا إليها، فقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ما أعظم المصيبة عليَّ فيهما! ولهي في هذا أعظم علي منهما في هذا، أما هذا فبسط يده فقاتل حتى قتل فأخاف عليه، وأما هذا فكف يده حتى قتل فأنا أرجو له )، وزينب هذه هي بنت أم سلمة ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء منصوصا عليه في "دلائل النبوة" للبهقي(6/475) و"تاريخ دمشق" لابن عساكر(57/107)، ومعنى هذه القصة العجيبة أن زينب – رضي الله عنها – لم تخف من عذاب الله على ولدها الذ كف يده عن المواجهة لما هاجت الفتنة بقدر ما خافت على ولدها الآخر الذي واجه الفتنة بسيفه مع أنه قُتل! فقدمت مصيبتها في دين ولدها على مصيبتها في دنياه على الرغم من أن مصيبة الدنيا تلك كانت أعظم مصائب الدنيا، ألا وهي فقدها إياه بل فقدها ولديها جميعا، فتأمل هذا الاتباع، وتأمل هذا الصبر على الحق!

وللسلامة من التحرك في الفتنة ومن المشاركة فيها بقتال ينبغي:

9.لزوم البيوت وتكسير السلاح: تُلزم البيوت ويكسر السلاح أيام الفتنة لئلا يستدرج المرء إليها من حيث لا يشعر، فقد روى أحمد(4/408) بإسناد حسن عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كسروا قِسِيَّكم، وقطعوا أوتاركم يعني في الفتنة، والزموا أجواف البيوت، وكونوا فيها كالخيِّر من بني آدم )فقد قال هنا صلى الله عليه وسلم: (كسِّروا)، ولم يقل: اكسروا، وقال: (قطِّعوا) ولم يقل: اقطعوا، مبالغة في القضاء على وسائل القتال قطعا لدابر الفتن، قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي"(6/371): ( (كسِّروا فيها قِسِيَّكم): بكسرتين وتشديد التحتية جمع القوس، وفي العدول عن الكسر إلى التكسير مبالغة، لأن باب التفعيل للتكثير، وكذا قوله:(وقطِّعوا): أمر من التقطيع، (فيها أَوْتَاركم): جمع الوَتَر بفتحتين، وفيه زيادة من المبالغة، إذ لا منفعة لوجود الأوتار مع كسر القسي، أو المراد به أنه لا ينتفع بها الغير، ولا يستعملها في دون الخير ).

وبهذا جرى نصح السلف لبعضهم البعض، فقد روى ابن أبي شيبة (8/593) بإسناد صحيح عن حذيفة – رضي الله عنه- قال: ( إن للفتنة وقفات وبعثات، فإن استطعت أن تموت في وقفاتها فافعل )، وفي رواية له حسنة(8/597) : ( قيل لحذيفة: ما وقفات الفتنة وبعثاتها؟ قال: بعثاتها سلُّ السيف، ووقفاتها إغماده )، وروى نعيم بن حماد في "الفتن" (350) وابن أبي شيبة (7/450) والحاكم (4/444) بإسناد صحيح عن ربعي بن حراش عن حذيفة – رضي الله عنه – قال: ( قيل: يا أبا عبد الله! ما تأمرنا إذا اقتتل المصلون؟ قال: آمرك أن تنظر أقصى بيت من دارك فتلج فيه، فإن دخل عليك فتقول: ها! بؤ بإثمي وإثمك! فتكون كابن آدم )، زاد في رواية: ( قال: قل: إني لن أقتلك إني أخاف الله رب العالمين ).

وبه جرت سيرتهم العملية، فإنه لما اختلف عبد الله بن الزبير – رضي الله عنه – وعبد الملك بن مروان على الملك لزم جمهور الصحابة بيوتهم ولم يقاتلوا مع أحد منهما، على الرغم من أن ابن الزبير صحابي، ولا يقوم لصحبة شيء بعد النبوة، لكن لما كان تأييده يوغل الناس في الدماء والاختلاف أحجم جمهور الصحابة عنه كما مر، وسيأتي زيادة بيان في ذلك.

وروى المعافى في "الزهد" (48) وابن شبة في "تاريخ المدينة" (4/1242) وابن بطة في "الإبانة" وابن عبد البر في "التمهيد" (17/442) عن سيَّار بن عبد الرحمن قال: قال لي بكير بن الأشج: ( ما فعل خالك! قال: قلت: لزم البيت منذ كذا وكذا، فقال: ألا إن رجالا من أهل بدر لزموا بيوتهم بعد قتل عثمان فلم يخرجوا إلا إلى قبورهم ).

ومن تطبيقات السلف لهذه النصوص النبوية ما جرى لإبراهيم النخعي – رحمه الله – حيث خرج يوم الزاوية ويوم الجماجم، فقيل له: (أين كنت يوم الزاوية؟ قال: في البيت، قالوا: فأين كنت يوم الجماجم؟ قال: في بيتي )ذكره الذهبي في "السير"(4/526)، وفي ترجمة عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب من "الطبقات الكبرى" لابن سعد (ص365- القسم المتمِّم) قال ابن سعد: ( لما خرج محمد ابن عبد الله بن حسن بالمدينة على أبي جعفر المنصور لزم عبيد الله بن عمر ضيعته واعتزل فيها ولم يخرج مع محمد، وخرج معه أخواه عبد الله بن عمر العمري وأبو بكر بن عمر أخوه، فقال محمد بن عبد الله لعبد الله بن عمر:فأين أبو عثمان؟ قال: في ضيعته، فإذا كنت أنا معك وأبو بكر بن عمر فكأن أبا عثمان معنا، فقال محمد: أجل ! وكف عنه وعن كل من اعتزله فلم يخرج معه ولم يكره أحدا على الخروج، فلما انقضى أمر محمد بن عبد الله وقتل وأمن الناس والبلاد دخل عبيد الله بن عمر المدينة فلم يزل بها إلى أن توفي بها سنة سبع وأربعين ومائة في خلافة أبي جعفر المنصور، وكان ثقة كثير الحديث حجة ).

ولزوم البيوت حكم زائد على ما ذكرته في تجنب الفتنة وترك التحرك فيها، لأن المرء قد يتحرك في الفتن من غير لزومه بيته، فيكون لزوم البيت أبلغ في النجاة، وهذا الذي نوَّه به الحديث الذي رواه مسلم (2887) عن عثمان الشَّحَّام قال: انطلقت أنا وفرقد السَّبَخي إلى مسلم ابن أبي بكرة وهو في أرضه، فدخلنا عليه فقلنا: هل سمعت أباك يحدث في الفتن حديثا؟ قال: نعم، سمعت أبا بكرة يحدث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنها ستكون فتن، ألا ثم تكون فتن، القاعد فيها خير من الماشي فيها، والماشي فيها خير من الساعي إليها، ألا فإذا نزلت أو وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه، قال: فقال رجل: يا رسول الله ! أرأيت من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟ قال: يعمد إلى سيفه فيدُقُّ على حدِّه بحجر ثم لينج إن استطاع النجاء، اللهم هل بلغت؟! اللهم هل بلغت؟! اللهم هل بلغت؟ٍ! قال: فقال رجل: يا رسول الله! أرأيت إن أكرهت حتى يُنطلق بي إلى أحد الصفين أو إحدى الفئتين فضربني رجل بسيفه أو يجيء سهم فيقتلني؟ قال: يبوء بإصثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار )، وتأمل هذا الحديث التفصيل والتأكيد من النبي صلى الله عليه وسلم الدَّلَّين على تمام نصحه لأمته وتبليغه البلاغ المبين ومع ذلك فقد كان أكثر الناس عنه ناكبين، وإلى الفتن متسارعين، والأمر لله!

10.ترك بيع السلاح: من محاسن شريعتنا أنَّ الله إذا حرم شيئا سدَّ الذرائع المؤدية إليه، ومن ذلك النهي عن بيع السلاح في الفتنة لما في إباحته من تقوية أهل الفتن على إراقة الدماء، انظر "إعلام الموقعين" لابن القيم (3/158)، وقد نهى الله عن التعاون عن الإثم والعدوان، فقال تعالى: { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب }(المائذة:2)، والاستدلال بهذه الآية في هذا الموضع سلكه جمع من أهل العلم، كما في "منار السبيل" لابن ضويان (1/291) و"الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (3/144)، وقد مر قريبا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتكسير السلاح أيام الفتنة، فإذا كان هذا أمره صلى الله عليه وسلم لمن كان معه سلاحه، فكيف بمن يروِّج السلاح لبيعه؟ ! ولذلك أدرج كثير من أهل العلم هذه المسألة تحت أبواب الفتن، قال البخاري – رحمه الله – في "صحيحه" (4/323- الفتح): ( باببيع السلاح في الفتنة وغيرها، وكره عمران بن حصين بيعه في الفتنة )، وقال البيهقي (5/327): ( باب كراهية بيع العصير ممن يعصر الخمر والسيفِ ممن يعصيا لهن عزوجل به ) ووصل أثر عمران – رضي الله عنه -، وذكر ابن تيمية في "منهاج السنة" (4/448) أن عمران – رضي الله عنه – قاله في القتال الذي كان بين علي ومعاوية – رضي الله عنهما -.

وروى ابن أبي شيبة (6/508) بإسناد صحيح عن الحسن البصري وابن سيرين (أنهما كرها بيع السلاح في الفتنة).

ولذلك فإنني أنصح كل مسلم يخاف الله أن يتقي ربه في هذه الأمة أيام الفتن خاصة، فلا يروج فيها السلاح الذي لا يزيدها إلا فتنة واضطرابا، ولا يتستَّر على أهله ولا على من توهم أن اتخاذ الأمة غرضا لتفجيراته العمياء جهاد في سبيل الله.

كما أنصح ذوي اليسار بقبض أيديهم إلا حيث يتيقَّنون أن أموالهم تذهب إلى بابها المستحق، وإلا فإن رصاصة واحدة تشترى بأموالكم كفيلة بأن توبق عليكم دنياكم وأخراكم إن وضعت في غير محلها، قال تعالى: { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما }(النساء:93).

واحذروا فليس كل جمعية خيرية صادقة في ادعائها الخير! فكم من مدرية جُمعت لها أموال ثم حوِّلت إلى أوكار مشبوهة! وكم من تبرعات استهدفت فِلسطين فحوَّلتها أيد غير أمينة على غير هدف مشين! وكم من دينار أُوقف في سبيل الله فأنفقه ذوو الخيانة في نشر الأفكار المنحرفة، فاحذروا أن تكونوا كمن قال الله فيهم: { إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل اله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون }(الأنفال:36)؟!


فبأموالكم – يا أهل الخير!- أُزهقت أرواحٌ بريئة من المسلمين في قتال فتنة سمي زورا جهاداً!
وبأموالكم تفرق المسلمون إلى أحزاب سياسية متناحرة.

وبأموالكم صُدَّ خلق كثير عن سبيل الله، أزهقوا بها أرواحا معصومة ممن أوتوا الكتاب وغيرهم من المعاهدين والمستأمنين.

وبأموالكم عزِّز صرح النفاق والتَّقيَّة، من قوم في تلونهم كالباطنية، يكفرون أمراءهم، وعند الحاجة يتكففون أموالهم، فإذا قضيت حاجاتهم بعد طول التباكي والتخشع، وكثرة الإقسام والتصنع، جاءوا إلى الضلالات يركضون، وعن السنة يصدون، وشيدوا بها أفكارا سامة، ونشروا بها كتبا هدامة، قال تعالى: { يأيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله }(التوبة:34).


فقبل أن تتبرعوا بخيراتكم اسألوا ذوي الأمانة واليقظة من أهل العلم عن موضع أموالكم، واسألوهم عن كل ما يدَّعى أنه جهاد: هل هو جهاد أم إفساد؟ ولا تغتروا بكل مدَّع الغيرة على الإسلام، فإن الغيرة وحدها لا تكفي ما لم يشفع لها اتباع سيد الأنام، وفي التأني السلامة، وفي العجلة الندامة، مع العلم بأن غالب الجهاد الشرعي اليوم بل أحسنه هو الجهاد العلمي المتمثل في فتح المعاهد ودور القرآن ونشر الكتب والمسموعات النافعة والترجمات الموثوقة حتى يدخل الإسلام كل بيت، وأما جهاد السيف اليوم فإن ضعف المسلمين الدِّينيَّ والعسكريَّ لا يرشِّحهم له حتى يأتي أمر الله، نسأل الله أن يردهم إلى دينهم ردا جميلا وأن ينصر بهم دينه نصرا مؤزرا.

يتبع إن شاء الله

التعديل الأخير تم بواسطة فتحي إدريس ; 09 Apr 2011 الساعة 03:49 PM
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09 Apr 2011, 03:55 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

يُرفع للفائدة
يُتبع بإذن الله
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 09 Apr 2011, 06:17 PM
ابو عثمان هشام بن رابح الاثري ابو عثمان هشام بن رابح الاثري غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2010
المشاركات: 57
افتراضي السلام عليكم .

بارك الله فيك أخي الفاضل فتحي بن ادريس .موضوع طيب .فتح الله عليك بالخير ورفعك مكانا عليا .ما أحوجنا الى مثل هذه المواضيع في هذه الأيام والتي أطلت فيها الفتن على أهل الاسلام .جزاك الله خيرا أخي واصل أمدك الله بعونه .وجنبك وسائر اخواننا الفتن ما ظهر منها وما بطن .
اخوك هشام بن رابح بن سعيد.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10 Apr 2011, 07:02 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو عثمان هشام بن رابح الاثري مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك
اخوك هشام بن رابح بن سعيد.
وفيك يبارك الله أخي هشام
وشكرا لك، مرورك طيب
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 26 May 2011, 02:46 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

قال الشيخ عبد المالك بن أحمد رمضاني:

11.حفظ اللسان في الفتنة: للسان عند الفتن أثر خطير في إذكاء نارها، وتمزيق شمل أهلها، فإنه يفري في الناس أشد من فري السيف هامات الرجال، حتى قال ابن عباس - رضي الله عنها -: ( إنما الفتنة باللسان وليست الفتنة باليد ) رواه الداني في "السنن الواردة في الفتن" (171)، لذلك قيل: كم إنسان، أهلكه لسان! ورب حرف، أدى إلى حتف!

وقد كان الصحابة عند الفتنة لا يحذرون شيئا أشدَّ من حذرهم من لسان الخطيب المؤثِّر وسعي النشيط المتحرك فيها؛ روى نعيم ابن حماد في "الفتن" (505) عن ابن مسعود قال: ( خير الناس في الفتنة أهل شاء سود يرعين في شعف الجبال ومواقع القطر، وشر الناس فيها كل راكب مُوضِعٍ، وكل خطيب مصقع )، وهذا من رسوخه؛ فأي خطيب في هذا الزمان أمسك لسانه عند الفتن وتجنبها؟! إنهم لا يكادون يوجدون إلا كعنقاء مغرب! بل قضت العادة أنهم أوَّل من يحيي الفتن؛ لأنهم لا يفرقون بين الجهاد والفتنة، كما لا يفرقون بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والفتنة، لا سيما إذا غرَّهم العامة بوصفهم بالخطباء المجاهدين الشجعان، ولذلك كان الموفقون المخلصون يلزمون الخمول عند حلول الفتن أو قربها، فقد روى نعيم بن حماد في "الفتن" (729) عن مسلم بن حامد الخولاني قال: ( كان يقال: من أدركته الفتنة فعليه فيها بذكرٍ خامل )، وعلى هذا يفسر قول حذيفة بن أَسيد – رضي الله عنه – وقد ذكر الدجال: ( أنا لغير الدجال أخوف عليَّ وعليكم، قال: فقلنا: ما هو يا أبا سريحة؟ قال: فتن كأنها قطع الليل المظلم، قال: فقلنا: أي الناس فيها شر؟ قال: كل خطيب مصقع، وكل راكب موضع، قال: فقلنا: أي الناس فيها خير؟ قال: كل غني خفي، قال: فقلت: ما أنا بالغني ولا بالخفي، قال: فكن كابن اللبون لا ظهر فيركب ولا ضرع فيحلب ) أخرجه الحاكم (4/530) وقال: ( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) ووافقه الذهبي، ومعناه: كن عند الفتن بعيدا فلا يستفيد منك أحد يريدها، مثلُك كمثل ابن اللبون من الإبل، فلا ظهره للراكب ينفع، ولا الجائع بضرعه يشبع.


وقد صرح عبد الله بن عُكَيم – وهو رحمه الله مخضرم – بأنَّ ذكر مساوئ ولي الأمر مفتاح لإراقة دمه، فقال: ( لا أعين على دم خليفة أبدا بعد عثمان، فقيل له: يا أبا معبد! أَوَ أَعنت عليه؟ قال: كنت أعد ذكر مساويه عونا على دمه ) رواه ابن سعد (6/115) والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (1/213) بسند صحيح.

فليتنبه لهذا الخطباء الذين ليس لهم من هم عند الفتنة سوى استعراض عضلاتهم أمام الجماهير التي تصفق لشجاعتهم المصطنعة، فإنه ها هنا يظهر الإخلاص لله عزوجل والغيرة الحقيقية على حرماته والاتباع الصادق للسلف، ومن الصدق في الاتباع الاستجابة لتلك النصوص السابقة وعدم التعرض لها بتفلسف يضعف العمل بها، وكل فلسفة لا قيمة لها إذا أشرقت شمس النبوة.

12.ترك الاستخبار أيام الفتنة: إن تتبع أخبار الفتن هو أول طريق للتورط فيها، لأن الإعلام عموما أخطر سحر للتأثير في عقلية المصغي إليه، فكيف إذا كان الإعلام خاصا بالفتن التي تهز كيان الإنسان؟! فكيف إذا كان الإعلام مأخوذا من مخبرين لا يعرفون بعدالة؟! فكيف إذا كانوا كفارا أصلا؟! إن من الخظورة بمكان أن يستسلم المبتلون بتتبع الأخبار السياسية للإعلام الكافر ليطعن بعضهم على بعض ويتنكر بعضهم لبعض، وما هيج بعضهم على بعض إلا تلك الأخبار التي ما جعلهم يصدقونها إلا الانبهار بالغرب الكافر! وإذا كان الله قال في فاسق المسلمين: { يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } (الحجرات:6)، فكيف بخبر الكافر أو المنافق وقد قال فيهم: { يبغونكم الفتنة وفيكم سـَمَّاعون لهم }(التوبة:47)؟!

إن في أخبار الفتن جاذبية لا تجهل، لما فيها من غرائب، والإنسان نسيب كل غريب، ولذلك كان السلف يجتهدون في صم آذانهم عنها، فيحفظن سمعهم من التطلع إليها كما يحفظون ألسنتهم من التكلم فيها، مع أنهم كانوا ذوي قلوب قوية، وعلى خبرة واسعة بالفتن الغويَّة، لا سيما بعد مقتل عثمان – رضي الله عنه – ثم فتنة الجمل وصفين، روى ابن سعد (7/143) بسند جيد أنَّ مطرف بن عبد الله قال: ( لبثت في فتنة ابن الزبير تسعا أو سبعا ما أخبرت فيها بخبر ولا استخبرت فيها عن خبر ).

والسِّرُّ في ذلك أنه ما استخبر مستخبر إلا كان له رأي في الخبر، فإذا كان له رأي استفزه ذلك إلى التحرك معه، ومن تحرك مع الفتن أصابه من شررها إن لم ينغمس في نارها، روى حرب الكرماني في "مسائل الإمام أحمد ابن حنبل وإسحاق ابن راهويه" (ص395) عن شريح قال: ( كانت الفتنة سبع سنين: ما خبرت فيها ولا استخبرت، وما سلمت! قيل: كيف ذاك يا أبا أمية؟ قال: ما التقت فئتان إلا وهواي مع إحداهما! ).

ولذلك قيل: إذا كنت من أهل الفِطن، فلا تدر حول الفتن، وقد كان من السلف من عمي بصره قبل أن يرى الفتنة ويعلم من أخبارها، فجعل يحمد الله على ذلك، روى البخاري في "التاريخ الصغير" (1/107) والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (1/442) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (39/472) بإسناد صحيح عن سليمان بن يسار ( أن أبا أسيد كانت له صحبة فذهب بصره قبل قتل عثمان، فلما قتل عثمان قال: الحمد لله الذي منَّ عليَّ ببصري في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنظر بهما إليه، فلما قبض الله نبيه وأراد الفتنة بعباده كـفَّ بصــري ).

واعلم أن الناس يخالفون هذا الباب بقولهم: من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، وبعضهم يجعله حديثا نبويا، ومن هنا يدخل عليهم الشيطان والجواب: أن الحديث غير صحيح أولا، انظر "السلسة الضعيفة" للشيخ الألباني - رحمه الله -(310)، ولو صح معناه ثانيا فإن حالة الفتنة مخصوصة من عموم معناه، فيكون القول الصحيح أن المسلم يهتم بأمر المسلمين عموما، فإذا وقعت الفتنة لزم خاصة نفسه، لأن الذي أمر بالسعي في حاجة الإخوان، هو الذي أمر بلزوم خاصة النفس وصم الآذان، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه في حالتها، وهذه في حالتها، بل يكون عند الفتنة ترك تتبع الإعلام هو عين الاهتمام بأمر المسلمين؛ لأنني لو سكت عنها أنا وسكتَّ أنت لم يجد الشيطان آذانا صاغية يسوق من خلالها تحريضاته.

واعلم أن الذي يعينك على الوقوف عند الحدود السابقة هو العمل بما يأتي:

13.الرفق: فإن سائق الشدة عادة هو الغضب، والغضب يحرم صاحبه سلامة التفكير وكمال التعقل وصواب الفعل، أي إنه إذا استحكم فيه منعه العلم والعدل كما في "إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان" لابن القيم (ص56)، وقد قيل: الغضب غول العقل كما في المصدر السابق (ص20)، وقد روى مسلم (2165) أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( يا عائشة! إن الله يحب الرفق في الأمر كله ).

وروى الخلال (91) بسند صحيح عن سفيان بن عيينة قال: ( لما قتل الوليد بن يزيد كان بالكوفة رجل كان يكون بالشام أصله كوفي سديد عقله، قال لخلف بن حوشب لما وقعت الفتنة: اجمع بقية من بقي واصنع طعاما، فجمعهم، فقال سليمان (أي الأعمش): أنا لكم النذير! كف رجل يده، وملك لسانه، وعالج قلبه )، وروى بعده (92) عن أحمد أنه علق على هذا فقال: ( انظروا إلى الأعمش ما أحسن ما قال مع سرعته وشدة غضبه! ).

14.الحلم: فإن الخفة والرعونة والطيش صفات الحمقى، وتورد أصحابها مهالك سرعان ما يندمون على أول خطوة خطتها أرجلهم نحو ميدان الفتن، وفي صحيح مسلم (2898) أن المستورد القرشي قال عند عمرو بن العاص: سنعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( تقوم الساعة والروم أكثر الناس، فقال له عمرو: أبصر ما تقول! قال: أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لئن قلت ذلك، إن فيهم لخصالا أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك )، والشاهد منه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الروم يكونون أكثر الناس، وإنما سببه بقاؤهم على بعض ميراث النبوة في الأخلاق،فذكر حلمهم عند الفتنة هو الذي وفَّر عليهم أعدادهم ولم يعرضها للفناء، هذا هو الذي دعا عمرا إلى بيان حالهم، ودل على وافر عقله ودقيق فهمه.

15.الأناة:ودليله قول النبي صلى الله عليه وسلم لأشج بن عبد القيس: ( إن فيك خلتين يحبهما الله: الحلم والأناة ) رواه أبو داود (5225) وصححه الألباني، قال النووي في"شرح مسلم" (1/189): ( أما الحلم فهو العقل، وأما الأناة فهي التثبت وترك العجلة )، ولا ريب أن جُلَّ الفتن كان مبتدؤه عدم التثبت في الأخبار فإذا تثبت المرء وتحلم تصرف بكامل قواه العقلية والعلمية ولم تجد سرعة الأحداث مجالا لاستخفافه؛ لأن حلمه يجنبه الطيش، وتثبته يحول بينه وبين الحكم الجائر على غيره، ولذلك قال الله تعالى: { فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون } (الروم:60)، فتأمل العلاقة التي بين الصبر - الذي هو نتيجة الأناة – والاستخفاف الذي هو نتيجة ترك الأناة، وقد اهتديت إلى الاستدلال بهذه الآية لما تذكرت استدلال علي – رضي الله عنه – بها عند فتنة الخوارج الذين أرادوا استخفافه، فعن أبي زرير قال: (لما وقع التحكيم ورجع علي من صفين رجعوا مباينين له، فلما انتهوا إلى النهر أقاموا به، فدخل علي في الناس الكوفةونزلوا بحروراء، فبعث إليهم عبد الله بن عباس، فرجع ولم يصنع شيئان فخرج إليهم علي فكلمهم حتى وقع الرضا بينه وبينهم، فدخلوا الكوفة، فأتاه رجل فقال: إن الناس قد حدثوا أنك رجعت لهم عن كفرك، فخطب الناس في صلاة الظهر، فذكر أمرهم فعابه، فوثبوا من نواحي المسجد يقولون: لا حكم إلا لله، واستقبله رجل منهم واضع إصبعيه في أذنيه، فقال: { ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطنت عملك ولتكونن من الخاسرين }(الزمر:65) فقال علي:{ فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون} (الروم:60)) رواه ابن أبي شيبة (7/562) وابن جرير في "تاريخه" (3/ 114-115) – والسياق له – والحاكم (3/146)، وصححه الألباني في "الإرواء" (2468).

ولذلك لما توفي والي الكوفة المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه – قام جرير بن عبد الله - رضي الله عنه – بتسكين الناس، فقال: ( عليكم باتقاء الله وحده لا شريك له، والوقار والسكينة حتى يأتيكم أمير... ) رواه البخاري (58)، قال ابن حجر في شرحه: ( الوقار بالفتح: الرَّزانة، والسكينة: السكون، وإنما أمرهم بذلك مقدِّما لتقوى الله؛ لأن الغالب أن وفاة الأمراء تؤدي إلى الاضراب والفتنة، ولا سيما ما كان عليه أهل الكوفة إذ ذاك من مخالفة ولاة الأمور ).

وكل من حرم الأناة تورط في إذاعة الأخبار دون تثبت ورويَّة، وبذرها في المجتمع بذر الفلاح في أرضه، شأنه في ذلك شأن البذور الذي لا يستطيع أن يكتم سره، وقد قال علي – رضي الله عنه – في هذه المعاني كلمة حكيمة رواها البخاري في "الأدب المفرد" (327) وروى نحوها وكيع في "الزهد" (270) وابن وضَّاح في "البدع" (62) وغيرهم بسند صححه الشيخ الألباني – رحمه الله – في تحقيقه لـ"الأدب"، عنه أنه – رضي الله عنه – قال: ( لا تكونوا عُجُلا مذاييع بذرا،؛ فإن من ورائكم بلاء مبرِّحا مكلحا، وأمورا متماحلة رُدُحا )، قال الشيخ الألباني في شرحه: ( البـَرح: بفتح وسكونٍ الشِّدَّةُ والشر والعذاب والمشقة )، وقال في (مكلحا): ( أي يكلح الناس لشدته، والكُلوحُ العُبوسُ ) وقال في (متماحلة): ( المتماحل من الرجال: الطويل )، وقال في (رُدُحا): ( جمع رداح، وهو الجمل المثقل حملا، والمعنى الفتن الثقيلة العظيمة )، وفي غير رواية البخاري زيادة فيها أنه – رضي الله عنه – قال: ( لا ينجو فيه إلا كل نومة )، وزاد ابن وضاح (63) وغيره: ( قيل لعلي بن أبي طالب : ما النوَّمة؟ قال: ( الرجل يسكت بالفتنة فلا يبدو منه شيء ).

وجاء قريبا من هذه الكلمة عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: ( قولوا خيرا تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، ولا تكونوا عجلا مذاييع بذرا ) رواه ابن أبي شيبة (8/161) وأبو الفضل المقرئ في "أحاديث في ذم الكلام" (113)، وله متابع عند أحمد في "الزهد" (161)، فيصح بذلك كله الأثر.


يتبع بإذن الله تعالى

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 26 May 2011, 02:47 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

قال الشيخ عبد المالك رمضاني -حفظه الله-:

16.لزوم المرء خاصة نفسه: سبق أن ذكرت أنه لا ينبغي للمرء أن يدخل الفتن ولو بنية الإصلاح؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أرشد إليه عند غلبة الفساد وظهور الفتنة حسب التعريف الذي ذكرته أولا، فقد روى ابن حبان (5950) بسند صحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أنت –يا عبد الله -!إذا بقيت في حثالة من الناس؟ قال: وذاك ما هم يا رسول الله؟ قال: ذاك إذا مرجت أماناتهم وعهودهم، وصاروا تعرف، ودع ما تنكر، وتعمل بخاصة نفسك وتدع عوام الناس).


فأمر النبي صلى الله عليه وسلم هنا بهذا الأمر تبعا لثلاثة أوصاف في المجتمع، هي: قلة أهل الحق، وفساد ديانة الأكثرين مع اختلافهم.

وأكثر الناس تورطا في الفتن هم المتكلفون السعي في حاجات غيرهم دون أن يميزوا بين زمن الفتنة وغيره، فيدخل عليهم الداخل من هذه الجهة؛ لأن لديهم حبا للخير وفرط غيرة، فيكثر عملهم لكن مع قلة علم وضعف تمييز، ومثلهم الذين يتسلمون مسؤليات تحت مؤسسات غلب عليها أهل الفساد، فيدخلونها بنية الإصلاح أو عدم تمكين غيرهم منها على الأقل، فلا يلبثون مليا حتى يصيروا مثلهم؛ لأنهم خالفوا صريح ما دل عليه الخبر.

17.التفرغ للعبادة: روى مسلم (2948) عن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العبادة في الهرج كهجرة إلي).

والمراد بالهرج القتل، وإذا كثر كان زمنه زمن فتنة؛ يوضحه رواية أحمد (5/27) بسند حسن بلفظ: (العبادة في الفتنة كالهجرة إلي)، قال النووي في "شرح صحيح مسلم" (18/88): (المراد بالهرج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها ويشتغلون عنها، ولا يتفرغ لها إلا أفراد).

ولعل الحكمة في ذلك أنه لما كانت الفتنة تحرك إليها النفوس وتهيجها، أمر الناس فيها بالعبادة لأنها تسكنها، لا سيما وقد قضت عادة الناس أنهم عندها يتقللون من العبادة تعليلا لأنفسهم بأن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، أو بأنهم مشغولون بما يسمونه (القضايا المصيرية)، وهذه تعليلات صحيحة لكنها وضعت في غير محلها، بل هي اجتهاد في محل النص فلا يقبل، ووقت الفتن وقت تهيج النفوس مع نقص العقول، وسيأتي ذكر دليله في الفصل الآتي من حديث أبي موسى رضي الله عنه إن شاء الله.

ولعل ثم حكمة أخرى، وهي أن الفتن متسببة عن ذنوب العباد، فأكد ذنوبهم، فإذا غفرت ذنوبهم كان ذلك أدعى لرفع الفتنة عنهم وإنجائهم من شرها، ولذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى في المنام ما فتح على هذه الأمة من فتن أمر بإيقاظ أهله للعبادة، روى البخاري (7069) عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فزعا يقول: سبحان الله! ماذا أنزل الله من الخزائن!؟ وماذا أنزل من الفتن!؟ من يوقظ صواحب الحجرات – يريد أزواجه – لكي يصلين؟ رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة!)، قال االباجي في "المنتقى" عند شرح الحديث برقم (1627): ( وقال سحنون في العتبية معناه: أيقظوا نسائي يسمعن، يريد ما ظهر إليه من وقوع الفتن ويحذرهن من ذلك؛ فيفزعن إلى الصلاة والدعاء وغير ذلك من أعمال البر، مما يرجى أنه يدفع الله به عنهن الفتن، وهذه سنة في أن قال الله عزوجل: { وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إلا تَخْوِيفًا}(الإسراء: 59)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف:(فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة))، وبمثل هذا التوجيه قال ابن حجر في "الفتح" (13/23) وملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (3/269)، والله أعلم.


هذا آخر الفصل؛ والحمد لله أولا وآخرا؛ أسأل الله عزوجل أن ينفعنا بما علمنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يزيدنا علما وعملا، وأن يعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه ولي ذلك والقادر عليه.


وسبحانك اللهم وبحمدك،


أشهد أن لا إله إلا أنت،


أستغفرك وأتوب إليك.


التعديل الأخير تم بواسطة فتحي إدريس ; 31 Aug 2011 الساعة 07:00 PM
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 31 Aug 2011, 07:04 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

يُرفع للفائدة...
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013