غدًا يومُ عرفةَ فاغتنمْ فضلَه وَ لَا تكن المحرومَ
الحمد لله علام الغيوب، شرع لعباده التوبة من المعاصي الذنوب، يغفر لعباده و يستر عنهم العيوب، و صلى الله و سلم على نبينا الأمين، الرحيم بالمؤمين، مرشد الناس إلى الصراط المستقيم، لدخول جنات النعيم.
أما بعد، فإن ابن آدم كثير الخطأ و الزلات، يرتكب الذنوب و السيئات، قال النبي صلى الله عليه و سلم فيما رواه ابن ماجه و الترمذي عن أنس: "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" حسنه الألباني في صحيح الجامع (4515)، لكن لهذا العبد رب رحمن رحيم، و خالق كريم، يغفر لعبده ذنوبه إذا تاب منها مهما بلغت كثرتها، روى الترمذي عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "قال الله تبارك وتعالى : يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي" صححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي (3540).
و إن لله تعالى نفحات يرحم فيها عباده، خاصة المذنبين، يشرع لهم أعمالا يسيرة تكفر بها ذنوبهم الكثيرة، يفرح بها الحريص من المسلمين، و يغفل عنها الغافل من المحرومين، و لا يحرم خيرها إلا محروم.
و من تلكم الأعمال التي يكفر الله بها سيئات عباده "صوم يوم عرفة"، الذي جعله الله تعالى سببا لمغفرة الذنوب و الآثام، و أي تكفير هو؟! تكفير سنتين، سنة ماضية و سنة مستقبلة.
روى مسلم عن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم : سئل عن صوم يوم عرفة؟ فقال : "يكفر السنة الماضية والباقية".
و روى أحمد في المسند عن أبي قتادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة" صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (3806).
و روى الطبراني في المعجم عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "صوم يوم عرفة كفارة السنة الماضية والسنة المستقبلة" صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (3805).
و لابن ماجه عن قتادة بن النعمان، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "من صام يوم عرفة غفر له سنة أمامه، وسنة بعده" صححه الألباني رحمه الله في صحيح ابن ماجه (1757).
و روى ابن أبي شيبة في المسند عن سهل بن سعد، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من صام يوم عرفة، غفر له سنتين متتابعتين" صححه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب و الترهيب (1012).
قال المناوي رحمه الله في فيض القدير شرح الجامع الصغير (4/230) : "(صيام عرفة إني أحتسب على الله) أي : أرجو من الله، قال ابن الأثير : الاحتساب على الله البدار إلى الأجر و تحصيله باستعمال أنواع البر".
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم (8/55) : "معناه : يكفر ذنوب صائمه في السنتين".
قال المناوي رحمه الله في فيض القدير شرح الجامع الصغير (4/230) : "(و السنة التي بعده) بمعنى أن الله تعالى يحفظه أن يذنب فيها، أو يعطى من الثواب ما يكون كفارة لذنوبها، أو يكفرها حقيقة و لو وقع فيها يكون المكفر مقدما على المكفر".
فهذه دعون للناس إلى الصيام، للفوز و الربح و الاغتنام، و التطهير من الذنوب و الآثام، فلا تضيعها بالانشغال باللهو و الأوهام و الأحلام.
أسأل الله تعالى أن يوفقنا لاغتنام أفضل الأوقات، بالاستغفار و العبادة و الطاعات.
و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا.