منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26 Sep 2017, 02:05 AM
أسامة لعمارة أسامة لعمارة غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: May 2017
الدولة: عين الكبيرة سطيف
المشاركات: 82
افتراضي الصّحبة والصّداقة...آلام آمال.

[size="5"][size="3"][font="traditional arabic"][size="4"][size="4"][font="traditional arabic"][size="7"]
بسم الله الرّحمن الرّحيم

الصّحبة والصّداقة... آلام وآمال

كثيرة هي الألفاظ الخالية من مدلولاتها في زماننا هذا، وكثيرة هي الكلمات البعيدة عن حقائقها كذلك، إنّي أحبك في الله، أخي في الله، أعزّ أصدقائي، أحبّ المقربين إِليّ... وما إلى ذلك من أمثال هذه الكلمات العظيمة الشأن، الجليلة القدر الرفيعة المنزلة، هي كلماتٌ وألفاظٌ لا تكاد تفارق لسان الكثير من الناس، لكن الحقيقة المُرَّة أنها خالية من معانيها العظام، إنما يقولها من يقولها جهلا بها وبما تحمله، فتجد بعد ذلك زوال هذه المعاني في أول صراع على الدنيا وأول سوء تفاهم بينهما، فيَسقط القناع وتنجلي الحقيقة.
عبد الله؛ إن الصحبة والصداقة من مستلزمات عيش الإنسان في الدنيا، ومن رام العيش بلا صديق ضاقت عليه الدنيا وتكدَّرت عليه أجواؤها، لذا فعلى العبد إن رزقه الله بأحباء وأصدقاء أن يحافظ عليهم ويستديم صحبتهم.
اعلم أخي الكريم أنه ما سُمِّي الصاحب صاحبا إلا لملازمته لمن صحبه ومقاربته، قال ابن فارس: " الصاد والحاء والباء أصل واحد يدل على مقارنة شيء ومقاربته"[معجم مقاييس اللغة لابن فارس 3/335]، ولا يكون الصاحب صاحبا لصاحبه إلا إذا تلاءما وتوافقا؛ يقول ابن فارس أيضا: " وكل شيء لائم شيئا فقد استصحبه" [معجم مقاييس اللغة 3/335]، واعلم كذلك أنَّ الصاحب لا يسمى صاحبا ما لم ينتفع صاحبه بصحبته، قال أبو هلال العسكري: "الفرق بين الصاحب والقرين أن الصحبة تفيد انتفاع أحد الصاحبين بالآخر، ولهذا يستعمل في الآدميين خاصة"[الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري 283-284]، ولْتعلم أنَّ أصل الصاحب والصحبة في اللغة الحفظ، فكيف يكون الصاحب صاحبا ولا يحفظ أسرار أخيه، بل وكيف يكون الصاحب صاحبا ولا يحفظ أخاه عن الوقوع في المحظورات والمحرمات فيكون معينا له على نفسه، كما يحفظه كذلك عن المصائب والمكروهات والبلايا والرَّزايا، يقول أبو هلال: "... وأصله في العربية الحفظ ومنه يقال: صحِبك الله وسِر مصاحبا أي محفوظا، وفي القرآن:"وَلَا هُم مِنَّا يُصْحَبُونَ" [الأنبياء: 43]؛ أي يُحفظون، وقال الشاعر:
[center]وصاحبي من دواعي الشّرّ مصطَحَب"[الفروق اللغوية لأبي هلال 284].
وأما الصداقة فهي مصدر الصّديق، ولا يسمى الصّديق صديقا إلا إذا صدق صاحبه النصيحة والمودة، قال في العين: " والصداقة مصدر الصديق وقد صادقه مصادقة أي يصدقه النصيحة والمودة"[العين للفراهيدي 5/56]، وقال في المصباح المنير: "والصديق المصادق وهو بَيِّن الصداقة، واشتقاقُها من الودِّ والنصح"[المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للفيومي 335]، وقال في التاج: "والصداقة: إمحاض المحبة. وقال الراغب: الصداقة: صدق الاعتقاد في المودة، وذلك مختص بالإنسان دون غيره"[تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي 26/9].
فهذه هي حدود الصحبة والصداقة لغة، ومنها يُعلم مدى صعوبة تحققها وأنه يعز وجود صورتها في زماننا هذا، فهي معانٍ ثقيلة قليلٌ من يدريها كثيرٌ من يدَّعيها، وما درى المسكين أنه دونها خرط القتاد، يقول ابن حزم رحمه الله: "حد الصداقة الذي يدور على طرفَيْ محدودِه هو أن يكون المرء يسوءه ما يسوء الآخر ويسرُّه ما يَسرُّه، فما سفل عن هذا فليس صديقا، ومن حمل هذه الصفة فهو صديق"[الأخلاق والسير في مداواة النفوس لابن حزم 42]، وقال أبو هلال عند تفريقة بين الصداقة والخلة: " أن الصداقة اتفاق الضمائر على المودّة، فإذا أضمر كل واحد من الرجلين مودّة صاحبه فصار باطنه فيها كظاهرِه سُمِّيا صديقين"[ الفروق لأبي هلال 285] "وجمهور الناس اليوم معارف ويندر منهم صديق في الظاهر، وأما الأخوة والمصافاة فذلك شيء نسخ فلا تطمع فيه"[ الآداب الشرعية والمنح المرعية لابن مفلح 3/581]
وليعلم الأخ الكريم أنه يجب على من كان له أصدقاء وأصحاب أن يحافظ عليهم ويسعى لجلب أسباب مودتهم ومحبتهم، ومنها:
1- القيام بالحقوق العامة: من إفشاء السلام ورَدِّه وعيادة المريض واتِّباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس ونصرة المظلوم وغيرها.
2- لين الجانب: فعلى قدر سهولة الرجل ولينه مع إخوانه تدوم الصداقة وتزداد قوة، فينبغي على من أراد دوام أحبابه وعدم نفورهم عنه أن لا يكون غليظا شديدا، كثير اللّوم صعب التلاؤم، وبالمقابل عليه أن يكون سمحا طيِّبا لَيِّن الجانب سلس الانقياد، يقول الله تعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ"[آل عمران: 159 ]، وقد ورد في الحديث: "حرُم على النار كل هيِّن ليِّن سهلٍ قريبٍ من الناس"[ أخرجه أحمد من حديث ابن مسعود رضي الله عنه برقم 3938، وصححه الألباني كما في صحيح الجامع الصغير وزيادته 1/600].
3- الصفح عن العثرات والتجاوز عن الزلات: يقول تبارك وتعالى: "وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ" [آل عمران: 134 ]، قال السعدي: "وهذا إنما يكون ممن تحلّى بالأخلاق الجميلة، وتخلّى عن الأخلاق الرذيلة، وممن تاجر مع الله، وعفا عن عباد الله رحمة بهم، وإحسانا إليهم، وكراهة لحصول الشر عليهم""[ تيسير الكريم الرحمن للسعدي 148]، ومن أراد دوام الوُدِّ فعليه بالصفح فكما قيل: "تناس مساوئ الإخوان، يدم لك ودّهم"[ بهجة المجالس وأنس المجالس ابن عبد البر 1/154]، وقال الماوردي في أدب الدنيا والدين: " إن من حق الإخوان أن تُغفر هفوتهم، وتُستر زلتهم؛ لأن من رام بريئا من الهفوات، سليما من الزلات، رام أمرا معوزا، واقترح وصفا معجزا. وقد قالت الحكماء: أيُّ عالم لا يهفو، وأيُّ صارم لا ينبو، وأيُّ جواد لا يكبو. وقالوا: من حاول صديقا يأمن زلَّتَه ويدوم اغتباطه به، كان كضالِّ الطريق الذي لا يزداد لنفسه إتعابا إلا ازداد من غايته بعدا. وقيل لخالد بن صفوان: أي إخوانك أحب إليك؟ قال: من غفر زللي، وقطع عللي، وبلَّغني أملي"[ أدب الدنيا والدين 1/179]
4- محاولة إصلاح العيب بالتي هي أحسن: فلا يعني قولنا بضرورة الصفح والتجاوز أن لا يبالي المرء بأخيه ويتركه في غَيِّه، بل يسعى في إصلاحه وإقامة اعوجاجه، قال الماوردي: "...فإنَّ كثرة العتاب سببٌ للقطيعة، واطِّراحُ جميعِه دليلٌ على قلة الاكتراث بأمر الصديق. وقد قيل: علة المعاداة قلة المبالاة. بل تتوسط حالتا تركه وعتابه فيسامح بالمتاركة ويستصلح بالمعاتبة، فإن المسامحة والاستصلاح إذا اجتمعا لم يلبث معهما نفور، ولم يبق معهما وُجد"[أدب الدنيا والدين 1/178].
5- البشر وطلاقة الوجه: يقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا تحقرنَّ من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق"[ أخرجه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه برقم 2626]، "فالبشاشة إدام العلماء وسجِيَّة الحكماء، لأن البِشر يطفيء نار المعاندة ويحرق هيجان المباغضة، وفيه تحصينٌ من الباغي ومنجاةٌ من الساعي، ومن بَشَّ للناس وجها لم يكن عندهم بدون الباذل لهم مَا يملك"[ روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان 75]، و"السلام وحسن البِشر ربما زرعا المودة في القلوب"[ بهجة المجالس وأنس المجالس ابن عبد البر 1/216]..قال ابن مفلح: "وإذا جلست مجلس علم أو غيره فاجلس بسكينة ووقار وتلق الناس بالبشرى والاستبشار، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: من الدهاء حسن اللقاء"[ الآداب الشرعية لابن مفلح 3/556].
6- المشاورة: يقول الله تبارك وتعالى: "وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُم"[الشورى: 38]، يقول الشيخ السعدي رحمه الله:" "وأمرهم" الديني والدنيوي "شورى بينهم" لا يستبد أحد منهم برأيه في أمر من الأمور المشتركة بينهم، وهذا لا يكون إلا فرعا عن اجتماعهم وتوالفهم وتواددهم وتحاببهم وكمال عقولهم، أنهم إذا أرادوا أمرا من الأمور التي تحتاج إلى إعمال الفكر والرأي فيها، اجتمعوا لها وتشاوروا وبحثوا فيها، حتى إذا تبيَّنت لهم المصلحة، انتهزوها وبادروها"[تيسير الكريم الرحمن للسعدي 759]، يقول ابن العربي: "الشورى ألفةٌ للجماعة ومِسبارٌ للعقول وسبب إلى الصواب، وما تشاور قوم إلا هدوا"[تفسير القرطبي 16/37]،والمشاورة رسالة من الصديق إلى صديقه بأنه يثق فيه ويلتمس فيه الخير، فهي من دواعي تقوية المحبة وجلب التآلف، ومانعة من حدوث الخلاف والشقاق، كما هي دليل على صدق المودة والمحبة كما أشار إلى ذلك السعدي رحمه الله عند تفسيره للآية السابقة.
7- قضاء حوائجهم وخدمتهم: يقول ابن حبان: "والإخوان يعرفون عند الحوائج كما أن الأهل تُختبَر عند الفقر، لأن كل الناس في الرخاء أصدقاء، وشر الإخوان الخاذل لإخوانه عند الشدة والحاجة، كما أن شر البلاد بلدة ليس فيها خصب ولا أمن"[روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان 247]. قال مجاهد رحمه الله "صحبت ابن عمر، وإني أريد أن أخدمه، فكان هو يخدمني"[حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم 3/285].
8- التزاور: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "زر غِبّا تزدد حبا"[رواه الطبراني في المعجم الكبير من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه برقم 14756، 14/133، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2/350: صحيح لغيره]، فمن أعظم الأسباب الجالبة للمودة هذه الزيارة التي تكون أحيانا، فهي دليل على الاهتمام وانشغال البال بذلك الصديق، فتُوطِّد العلاقات وتساهم في ترابطها وتماسكها.
9- التهادي: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "تهادوا تحابوا"[أخرجه البخاري في الأدب المفرد وغيره، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وحسنه الألباني كما في صحيح الأدب المفرد 221، وإرواء الغليل 6/44]، فهذا إرشاد من النبي عليه الصلاة والسلام لسبب من الأسباب الجالبة للمحبة، ووعد كذلك وعهد وصدق، أن من أهدى صديقه نال المحبة، وترسَّخت معانيها بينهما.
10- تجنب الحسد وإظهارِه: فمن وجد من نفسه حسدا لإخوانه فليكتمه وليجاهد نفسه على التخلص منه، وإياه أن يظهره لإخوانه فإنه سبب القطيعة والتباغض، مناف للأخوة والمحبة.
11- الاعتراف بالفضل والشكر عليه: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يشكر الناس لم يشكر الله"[أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة برقم 7501، ومن حديث أبي سعيد الخدري برقم 11280، وأخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري برقم 1955، وصححه الألباني كما في مشكاة المصابيح 2/911، وصحيح الجامع 2/1114]وكم اعترف النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار بالفضل على رؤوس الأشهاد في أحاديث كثيرة، فينبغي للمرء أن يعترف لأخيه بتفضله عليه وأن يشكره عليه فهي من أسباب الود وجلب المحبة، قال ابن حبان: " الواجب على المرء أن يشكر النعمة ويحمد المعروف على حسب وسعه وطاقته إن قدر فبالضِّعف وإلا فبالمثل وإلا فبالمعرفة بوقوع النعمة عنده مع بذل الجزاء له بالشكر وقوله جزاك الله خيرا، فمن قال له ذلك عند العدم فكأنه أبلغ في الثناء. وقال: أنشدني علي بن محمد:
علامة شكر المرء إعلان حمده ... فمن كتم المعروف منهم فما شكر
إذا ما صديقي نال خيرا فخانني ... فما الذنب عندي للذي خان أو فجر
ولكن إذا أكرمته بعد كفره ... فإني ملوم حيث أكرم من كفر"[روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان 1/266-267].
12- كتمان السر: فكتمان السر دليل الأمانة والوقار، وباعث على الثقة وإحسان الظن، فيثمر توثيق عرى المحبة بين الناس، والعكس بالعكس، فإفشاء الأسرار دليل الخيانة، باعث على التناحر والتباغض وسقوط الثقة وسوء الظن. أخبر المبارك بن فضالة عن الحسن رحمه الله قال: " سمعته يقول: إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك "[ الصمت لابن أبي الدنيا 214].
13- إحسان الظن: وذلك بحمل ما يصدر منهم على أحسن المحامل، وتكلف المخارج لهم إلى أبعد الحدود، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه -: "وضع أمر أخيك على أحسنِه حتى يأتيك منه ما يغلبك، ولا تظُنَّنَّ بكلمة خرجت من أخيك المسلم شرا، وأنت تجد لها في الخير محملا"[روضة العقلاء ونزهة الفضلاء 90]، وكثير من النزاعات بين الأحباب ما هي إلا محض تخرُّصاتٍ وظنونٍ فاسدة يقذفها الشيطان في القلوب، فتحل محل الود منها، فتصيبه في مقتل.
14- التودد بالكلام الطَّيِّب: ومن طِيب الكلام ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه"[أخرجه أبو داود برقم 5124، والترمذي بلفظ: "إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه إياه" برقم 2392، وصححه الألباني كما في صحيح سنن الترمذي 5/392]، وجاء أيضا "إذا أحب أحدكم أخاه في الله فليُبيِّن له، فإنه خير في الألفة وأبقى في المودة"[رواه وكيع في الزهد عن علي بن الحسين مرفوعا 612، وحسنه الألباني بمجموع طرقه، انظر الصحيحة 3/196]، وغيره من الكلام الطيب الذي من شأنه جلب المودة وإبقاءها، وبالمقابل يجب الحذر من سيِّء الكلام وقبيحِه ومنه المراء والجدال، الذي يعود بالقطيعة والتباغض بين الأحباب، يقول الله تبارك وتعالى: "وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ التِّي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَكُم" [الإسراء: 53] .

وجماع هذا كلِّه وغيرِه: حسن الخلق في معاملة الخَلق، فحسن الخلق جمع أنواع البر الكثيرة، بل "البر حسن الخلق" كما قال النبي صلى الله عليه وسلم[رواه مسلم من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه برقم 2553]، "وجماع الخُلق الحسن مع الناس: أن تصل من قطعك بالسلام والإكرام، والدعاء له والاستغفار، والثناء عليه والزيارة له، وتعطي من حرمك من التعليم والمنفعة والمال، وتعفو عمَّن ظلمك في دم أو مال أو عرض، وبعض هذا واجب وبعضه مستحب" كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [الوصية الصغرى 41]، وقريب من هذا؛ قول بعضهم وهو يعدِّد علامات حسن الخلق: "أن يكون [الإنسان] كثير الحياء، قليل الأذى، كثير الصلاح، صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العمل، قليل الزَّلل، قليل الفضول، بَرًّا وَصولا، وَقورا صبورا، شكورا رضيّا، حليما رفيقا، عفيفا شفيقا، لا لعّانا ولا سبَّابا، ولا نمّاما ولا مغتابا، ولا عجولا ولا حقودا، ولا بخيلا ولا حسودا، باشًّا هاشًّا، يحب في الله ويبغض في الله، ويرضى في الله ويغضب في الله، فهذا هو حسن الخلق"[ ذكره الغزّالي في إحياء علوم الدين 3/70].
فهذا بعض ما يلزم الصاحبَ التحلي به تجاه صاحبه، لتدوم صحبتهما وصداقتهما، ومن رام صديقا دون أن يتحلى بهذه الأخلاق ويعامل بها غيره؛ فقد رام المحال ودعا على نفسه بالعزلة ونفور الناس عنه وهجرهم له.
وليعلم الأخ الفاضل أن أكثر السلف على استحباب المخالطة مع الصبر على أذى الخلق والإصلاح قدر الإمكان والتحلي بالأخلاق الفاضلة التي تقدَّم ذكرها، والتخلي عن ضدها مما يعظم جُرمُها، وذلك لفوائد المخالطة الكثيرة والعظيمة التي تفوت بالعزلة والانكفاف عن الناس، يقول القاسمي: "اعلم أن من السّلف من آثر العزلة لفوائدها كالمواظبة على العبادة والفكر وتربية العلم، والتخلص من ارتكاب المناهي التي يتعرض الإنسان لها بالمخالطة كالرياء والغيبة والسكوت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومسارقة الطبع الأخلاقَ الرديئة والأعمال الخبيثة من جلساء السوء إلى غير ذلك.
وأمّا أكثر السلف فذهبوا إلى استحباب المخالطة واستكثار المعارف والإخوان والتآلف والتحبب إلى المؤمنين والاستعانة بهم في الدين تعاونا على البر والتقوى، وإنَّ فوائد العزلة المتقدمة يمكن نيلها من المخالطة بالمجاهدة ومغالبة النفس. وبالجملة فللمخالطة فوائد عظيمة تفوت بالعزلة.
فإن قلت: ما هي فوائد المخالطة والدواعي إليها؟ فاعلم: أنها هي التعليم والتعلُّم، والنفع والانتفاع، والتأديب والتأدُّب، والاستئناس والإيناس، ونيل الثواب وإنالته في القيام بالحقوق، أو اعتياد التواضع، أو استفادة التجارب من مشاهدة الأحوال والاعتبار بها"[موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين للقاسمي 151].
فعلى المرء أن يتحلى بالأخلاق الفاضلة ويعاشر الناس بقدر الحاجة، ويتخير منهم من كان متحلِّيا بما ذكرنا من أسبابٍ جالبةٍ للمحبة، ويبتعد عن فضول المخالطة السالكة بالعبد إلى المنكرات والمنهِيَّات، فمن السلف من آثر العزلة لأجل ما تصير إليه الخلطة من هذه الآفات، وهذا حق إن لم يجد المرء الصحبة الصالحة التي تعينه على الخير وتنهاه عن الشر، وعلى هذا ربما تتنزل آثار السلف في ذمِّهم للخلطة والله أعلم، أما إن كان للعبد أصدقاء يحملون اسم الصداقة ومُسمَّاها، ورسم الأخوة ومعناها، يبذلون له ومن أجله الغالي والنفيس - وإن كان هذا قليل الوجود إلا أن السعي إلى تحقيقه من كل الأطراف بالتَّحلِّي بما سبق ذكره وغيره مما ذُكِر في مدوَّنات العلماء؛ يجعله ممكن الوجود -، فليعضض عليهم بالنواجذ فإنهم –كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه- زينة في الرّخاء عُدَّة في البلاء[روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان 90]، ولا يخفى على العبد أنَّ البشر غير معصومين؛ فمن رام صديقا بلا عيوب فلا إخاله إلا وقد خرج من الدنيا وحده بلا صديق، بل ولا يسلم له حتّى أقرب الناس إليه: زوجته وأولاده، فعلى المرء الصَّفح والصَّبر والنُّصح، والصدق كذلك فلا يدَّعي ما ليس يعطي، وليحرص وهو يذكر تلك الألفاظ التي ذكرناها في بداية المقال كـ : أعز أصدقائي وغيرها، أن يكون قد عقل معناها وأوفاها حقها من التطبيق والعملِ بمقتضاها، فلا يجمع بين التقصير والكذب أو بالأحرى التشبع بما لم يعط، فلا يَغُرُّ الغير بما ليس فيه، فيُعظِم له الصدمة إذا خالف ما خرج من فيه. هذا والله أعلم وما قصدت إلا الاصلاح ما استطعت، فهي نفثة مصدور وشهقة مغموم، وفي النفس حرقة وألم من الوضع الذي صرنا إليه من فقدان صور المحبة والصداقة الحقيقية، وانتشار أضدادها بين أصحاب المنهج الواحد السّويّ، ممن هم أعظم الناس تمسُّكا بسنة نبيهم صلوات الله وسلامه عليه، وما عسانا إلا أن ندعو الله جل في علاه أن يصلح أحوالنا وأن يجمع كلمتنا إنه وليُّ ذلك والقادر عليه، وعلى الإنسان التفاؤل والعمل على الإصلاح بدءا بالنفس بمحاسبتها وتقويم اعوجاجها، وبصلاح الفرد صلاح الجمع. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على نبيِّنا محمد وآله وصحبه أجمعين.


أبو أمامة أسامة بن الساسي لعمارة.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26 Sep 2017, 12:37 PM
أبو عبد السلام جابر البسكري أبو عبد السلام جابر البسكري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2014
المشاركات: 1,229
إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبد السلام جابر البسكري
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي أسامة لعمارة على هذا المقال النافع الذي يعالج أمرا يحتاجه كل صاحب في وقت ضاعت فيه حقوق الصحبة الصادقة إلا من رحم الله .
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 Sep 2017, 02:40 PM
أسامة لعمارة أسامة لعمارة غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: May 2017
الدولة: عين الكبيرة سطيف
المشاركات: 82
افتراضي

آمين وإياك أخي جابر.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27 Sep 2017, 05:45 PM
عز الدين بن سالم أبو زخار عز الدين بن سالم أبو زخار غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
الدولة: ليبيا
المشاركات: 548
افتراضي

فوائد جليلة لجلب أسباب المودة والمحبة ما أحوجنا للعمل بها وتطبيقها.
جزاك الله خيرا أخي أسامة وسدد قلمك.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 27 Sep 2017, 06:14 PM
أسامة لعمارة أسامة لعمارة غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: May 2017
الدولة: عين الكبيرة سطيف
المشاركات: 82
افتراضي

آمين وإياك أخي عز الدين، شكرا على مرورك وتشجيعك أنت وأخي جابر كذلك.
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مميز, الصحبةوالصداقة, تزكية


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013