منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15 Dec 2013, 08:48 PM
عبد الحميد الهضابي عبد الحميد الهضابي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Dec 2013
المشاركات: 300
افتراضي السيف المسلول على ساب الله والرسول صلى الله عليه وسلم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد:
انتشرت ظاهرة خطيرة جدا في هذه الأزمان المتأخرة وجريمة من أعظم الجرائم عند الله تعالى وناقض من نواقض الإسلام ألا وهي سب الله جلّ وعز لا سيما في هذه الأيام التي تجرّأ فيها كثير من المنافقين والملحدين على ذلك، وذلك بسبب فشو الجهل بصورة واضحة خاصة في باب العقيدة الإسلامية ، ولعدم تطبيق العقوبة الشرعية التي تردعهم -في أغلب ديار الإسلام- من قِبِل حكام المسلمين عن ارتكاب هذا الكفر الصريح المبين ، فأحببت أن أجمع ما تيسر من الأدلة من الكتاب والسنة وقول علماء هذه الأمة على بيان خطورة من صدر منه ذلك وأنه كافر بالله العظيم، مع بيان شبهة المرجئة التي انتشرت وتلقّفها بعض الذين قلّت بضاعتهم من العلم الشرعي وهي: أن السبّ علامة وأمارة على الكفر لا هو الكفر بذاته ،ويشترطون في تكفير -ساب الله أو ساب رسوله r أو من استهزأ بالدين- الاستحلال أو الاعتقاد القلبي ، وبيان أن من قال بذلك فقد خرج من مذهب أهل السنة والجماعة إلى مذهب المرجئة المبتدعة،[1] وقد سميته بــــــ " السيف المسلول على ساب الله والرسول صلى الله عليه وسلم " لعلّ الله أن يكتب لنا المثوبة من عنده إنه جواد كريم.
إن سبّ[2] الله جلّ جلاله -بأي نوع من أنواع السبّ- ، أو سبّ رسوله r أو غيره من الأنبياء والمرسلين -بأي نوع من أنواع السبّ- ،أو الإستهزاء بما هو معلوم بالدين بالضرورة من دين الإسلام فكل ذلك ناقض من نواقض الإسلام يُخرج صاحبه من الإسلام إلى دائرة الكفر بإجماع أهل العلم ويطبّق عليه –إذا لم يتب- أحكام المرتدين، ولا يقبل منه دعوى العذر بالجهل أو لسبب غضب اعتراه[3] أو قاله على وجه المزاح أو نحو ذلك بحال من الأحوال، لأنّ أصل هذا الدين العظيم مبني على تعظيم الله تعالى وإجلاله[4]، وتعظيم دينه وأنبيائه، فإذا كان الإستهزاء بشيء من ذلك يناقض هذا الأصل وينافيه فإنّ السبّ يناقضه أشدّ المناقضة، بل يتضمّن قدرًا زائدًا على الكفر ، وأما إذا صدر منه –أي:السبّ أو الاستهزاء- وهو فاقد الوعي كأن يكون به جنون أو يكون مغمًى عليه لا يعي ما يقول بحيث إذا ذكّر لا يتذكّره ولا يستحضره، أو تلفّظ بهذا الكفر على وجه الخطأ[5] فهذا مانع من إصدار حكم التكفير عليه ، ومن أفضل من تكلّم في هذه المسألة -على حسب علمي القاصر- هو العلامة الإمام أبو العباس ابن تيمية الحراني : في كتابه " الصارم المسلول على شاتم الرسول"، فمن أراد الوقوف على الكثير من الأدلّة في ذلك فليراجع هذا الكتاب النفيس ، -وغيره من كتب أهل السنة- .
فمن تلكم الأدلة على تكفير من سب الله أو رسوله r أو استهزأ بالدين الإسلامي:
الدليل الأول:
قال الله تعالى: {يَحْذَرُ المُنَافِقُونَ أَنْ تَنَزَّل عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بمَا في قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ الله مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُون وَلَئِنْ سَأَلتَهُمْ لَيَقُولُن إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبالله وآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائفةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائفَةً بَأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ }[6]
وسبب نزول هذه الآية العظيمة هي ما ثبت عن ابن عمر ومحمد بن كعب وزيد بن أسلم ، وقتادة دخل حديث بعضهم في بعض : أنه قال رجل في غزوة تبوك : ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء ، أرغب بطونا ، ولا أكذب ألسنا ، ولا أجبن عند اللقاء ، يعني : رسول الله r وأصحابه القراء فقال له عوف بن مالك : كذبت ولكنك منافق ، لأخبرن رسول الله r ، فذهب عوف إلى رسول الله r ليخبره ، فوجد القرآن قد سبقه فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله r وقد ارتحل وركب ناقته فقال : يا رسول الله إنما كنا نخوض ونتحدث حديث الركبان ، نقطع به عناء الطريق ، قال ابن عمر : كأني أنظر إليه متعلقا بنسعة ناقة رسول الله r ، وإن الحجارة لتنكب رجليه وهو يقول : إنما كنا نخوض ونلعب ، فيقول له رسول الله r : { أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } [7]
قال ابن تيمية : :فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفراً، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر، فبين أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفرٌ يكفر به صاحبه بعد إيمانه، فدلَّ على أنه كان عندهم إيمان ضعيف، ففعلوا هذا المحرَّم الذي عرفوا أنه محرَّم، ولكن لم يظنوه كفراً، وكان كفراً كفروا به، فإنهم لم يعتقدوا جوازه.[8]
وقال أيضاً : وهذا نصٌ في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر، فالسبُّ المقصود بطريق الأولى، وقد دلت هذه الآية على أن كل من تنقَّص رسول الله r جاداً أو هازلاً فقد كفر.[9]
وقال :: قد أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم : إنا تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له، بل كنا نخوض ونلعب، وبين أن الاستهزاء بآيات الله كفر، ولا يكون هذا إلا ممن شرح صدره بهذا الكلام، ولو كان الإيمان في قلبه منعه أن يتكلم بهذا الكلام . والقرآن يبين أن إيمان القلب يستلزم العمل الظاهر بحسبه، كقوله تعالى : { ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين } إلى قوله : { إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون } [ النور : 47 : 51 ] فنفى الإيمان عمن تولى عن طاعة الرسول، وأخبر أن المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم سمعوا وأطاعوا، فبين أن هذا
من لوازم الإيمان.[10]
وقال الفخر الرازي : :إن الاستهزاء بالدين كيف كان كفر بالله، وذلك لأن الاستهزاء يدل على الاستخفاف، والعمدة الكبرى في الإيمان تعظيم الله بأقصى الإمكان، والجمع بينهما محال.[11]
وقال أبو بكر الجصاص الحنفي :: قال تعالى: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب...)
فيه الدلالة على أن اللاعب والجاد سواء في إظهار كلمة الكفر على غير وجه الإكراه، لأن هؤلاء المنافقين ذكروا أنهم قالوا ما قالوه لعبا، فأخبر الله عن كفرهم.[12]
وقال الشيخ ابن باز : : الاستهزاء بالإسلام أو بشىء منه كفر أكبر ومن يستهزئ بأهل الدين والمحافظين على الصلوات من أجل دينهم ومحافظتهم عليه يعتبر مستهزئاً بالدين فلا تجوز مجالسته ولا مصاحبته بل يجب الإنكار عليه والتحذير منه ومن صحبته وهكذا من يخوض فى مسائل الدين بالسخرية والاستهزاء يعتبر كافراً.[13]
وقال ::من استهزأ بالدين يكفر بعينه كل من وجد منه ناقض يكفر بعينه.[14]
وقال شيخنا صالح الفوزان ـ حفظه الله ـ:ففي هاتين الآيتين الكريمتين مع بيان سببِ نزولهما دليلٌ واضحٌ على كفر من استهزأ بالله ، أو رسولِه ، أو آيات الله ، أو سنَّة رسوله ، أو بصحابة رسولِ الله ، لأنَّ من فعل ذلك فهو مستخفٌّ بالرُّبوبيَّة والرِّسالة وذلك منافٍ للتَّوحيد والعقيدة ، ولو لم يقصِد حقيقة الاستهزاء، ومن هذا الباب الاستهزاءُ بالعلم وأهله وعدمُ احترامهم أو الوقيعةُ فيهم من أجل العلم الذي يحملونه ، وكون ذلك كفرٌ ولو لم يقصد حقيقة الاستهزاء ؛ لأنَّ هؤلاء الِّذين نزلت فيهم الآيات جاءوا معترفين بما صدَر منهم ومعتذرين بقولهم : { إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } أي لم نقصد الاستهزاء والتَّكذيب وإنَّما قصدنا اللَّعِب ، واللعب ضد الجد فأخبرهم الله على لسان رسوله ? أنَّ عذرَهم هذا لا يغني من الله شيئاً ، وأنَّهم كفروا بعد إيمانِهم بهذه المقالة الَّتي استهزءوا بها ، ولم يقبل اعتذارَهم بأنَّهم لم يكونوا جادِّين في قولهم ، وإنَّما قصدوا اللعب ولم يزد ? في إجابتهم على تلاوة قول الله تعالى : { أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } ؛ لأنَّ هذا لا يدخله المزح واللَّعِبُ ، وإنَّما الواجب أنْ تُحْتَرم هذه الأشياءُ وتُعظَّم ، وليخشع عند آياتِ الله إيماناً بالله ورسوله وتعظيماً لآياته . والخائض الَّلاعب منتقصٌ لها …،قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة : : فقد أخبر أنَّهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم : إنَّما تكلَّمْنا بالكفر من غيرِ اعتقادٍ له ، بل إنَّما كنَّا نخوضُ ونلعب ، وبيَّن أنَّ الاستهزاء بآياتِ الله كفرٌ ولا يكون هذا إلا ممن شرح صدراً بهذا الكلام ، ولو كان الإيمان في قلبه لمنعَه أنْ يتكلَّم بهذا الكلام ، والقرآن يبيِّن أنَّ إيمانَ القلب يستلزم العملَ الظَّاهر بحسبه .[15]
الدليل الثاني:
قال الله تعالى:{إنَّ الذِينَ يُؤْذونَ الله ورَسُولَهُ لَعَنَهُمُ الله في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناًوَالذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكتَسَبُواْ فَقَد احْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْمَاً مُّبِيناً}.[16]
قال القاضي عياض : : فمن القرآن لعنة الله تعالى لمؤذيه في الدنيا والآخرة وقرانه أذاه بأذاه، ولا خلاف في قتل من سب الله، وأن اللعن يستوجبه من هو كافر، وحكم الكافر القتل.[17]
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : -في تفسير هذه الآيات-: ودلالتها من وجوه:
أحدها: أنه قرن أذاه بأذاه كما قرن طاعته بطاعته، فمن آذاه فقد آذى الله تعالى، وقد جاء ذلك منصوصاً عنه، ومن آذى الله فهو كافر حلال الدم، يبين ذلك أن الله تعالى جعل محبة الله ورسوله وإرضاء الله ورسوله وطاعة الله ورسوله شيئاً واحداً… وقد أقامه الله مقام نفسه في أمره ونهيه وإخباره وبيانه، فلا يجوز أن يفرق بين الله ورسوله في شيءٍ من هذه الأمور.
وثانيها: أنه فرّق بين أذى الله ورسوله وبين أذى المؤمنين والمؤمنات، فجعل على هذا أنه قد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً، وجعل على ذلك اللعنة في الدنيا والآخرة وأعدّ له العذاب المهين، ومعلوم أن أذى المؤمنين قد يكون من كبائر الإثم وفيه الجلد، وليس فوق ذلك إلاَّ الكفر والقتل.
الثالث: أنه ذكر أنه لعنهم في الدنيا والآخرة وأعدّ لهم عذاباً مهيناً، واللعن: الإبعاد عن الرحمة، ومن طرده عن رحمته في الدنيا والآخرة لا يكون إلا كافراً، فإن المؤمن يقرب إليها بعض الأوقات، ولا يكون مباح الدم؛ لأن حقن الدم رحمة عظيمة من الله، فلا يثبت في حقه.[18]
الدليل الثالث :
قوله تعالى :{وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ}[19].
قال شيخ الإسلام : :إنه سماهم أئمة الكفر لطعنهم فى الدين فثبت أن كل طاعن فى الدين فهو إمام فى الكفر.[20]
وقال الإمام القرطبي : :من أقدم على نكث العهد والطعن فى الدين يكون أصلاً ورأساً فى الكفر فهو من أئمة الكفر على هذا، واستدل بعض العلماء بهذه الآية على وجوب قتل كل من طعن فى الدين إذ هو كافر.
والطعن أن ينسب إليه ما لا يليق به أو يعترض بالاستخفاف على ما هو من الدين لما ثبت فى الدليل القطعى على صحة أصوله واستقامة فروعه.[21]
الدليل الرابع :
عن عبد الله بن عباس ب: أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي r وتقع فيه فينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تنزجر قال فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي r وتشتمه فأخذ المغول فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها فوقع بين رجليها طفل فلطخت ما هناك بالدم فلما أصبح ذكر ذلك لرسول الله r فجمع الناس فقال أنشد الله رجلا فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل حتى قعد بين يدي النبي r فقال يا رسول الله أنا صاحبها كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي وأزجرها فلا تنزجر ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين وكانت بي رفيقة فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها فقال النبي r ألا اشهدوا أن دمها هدر.[22]
قال ابن تيمية : -في شرحه لهذا الحديث-: وهذا الحديث نَصٌّ في جواز قتلها لأجل شتم النبي r، ودليلٌ على قتل الرَّجل الذِّمِّي وقتل المسلم والمسلمة إذا سبَّا بطريق الأولى .[23]
وقال العلاَّمة شمس الحق العظيم آبادي -في شرحه لهذا الحديث-: فيه دليل على أنه يقتل من شتم النبي r وقد نقل ابن المنذر الاتفاق على أن من سب النبي r صريحاً وجب قتله.[24]
وقال السندي : : وفيه دليل على أنَّ الذِّمي إذا لم يَكُفّ لسانه عن الله ورسوله فلا ذِمَّة له فيحل قتله. والله تعالى أعلم .[25]
وقال الخطابي : : فيه بيان أن سابّ النبي r يقتل، وذلك أنَّ السبّ منها لرسول الله r ارتدادٌ عن الدين.[26]
الدليل الخامس:
عن جابر بن عبد الله ب: قال : قال رسولُ اللهr: مَن لِكَعْبِ بن الأشرف ، فإنه قد آذى الله ورسولَه ؟ قال محمدُ بنُ مسلمةَ: يا رسولَ الله، أتُحِبُّ أن أقتلَهُ ؟ قال : نعم ، قال : ائْذنْ لي فَلأقُلْ ، قال: قُلْ ، قال : فأتاه ، فقال له ، وذكر ما بينَهم ، وقال : إن هذا الرجل قد أراد الصدقةَ، وقد عَنَّانَا ، فلما سمعه قال : وأيضا والله لَتَمَلُّنَّه ، قال : إنا قد اتَّبعناه الآن ، ونكره أن نَدَعَه ، حتى ننظرَ إلى أيِّ شيء يصيرُ أمرُهُ ؟ قال : وقد أردتُ أن تُسلفني سَلَفا قال: فما تَرَهنُني ؟
قال : ما تريد ، قال : ترهنني نساءَكم ؟ قال : أنت أجملُ العرب ، أنرهنُك نساءنا ؟ قال له : ترهنوني أولادَكم ؟ قال : يُسَبُّ ابنُ أحدنا ، فيقال : رُهن في وَسقين من تمر ، ولكن نرهنُك اللأْمَةَ -يعني : السلاح- قال : فنعم ، وواعَدهُ ، أن يأتيَه بالحارثِ ، وأبى عَبسِ بن جَبْر ، وعَبَّادِ بن بِشْر ، قال : فجاؤوا ، فدعَوه ليلا، فنزل إليهم ، قال سفيان : قال غيرُ عمرو : قالت له امرأتُه : إني لأسمع صوتا كأنه صوتُ دم ، قال : إنما هو محمد ورضيعي أبو نائلةَ ، إن الكريم لو دُعِيَ إلى طَعنة ليلا لأجاب ، قال محمد : إني إذا جاء فسوف أمدُّ يدي إلى رأسه ، فإذا استمكنتُ منه فدُونَكم ، قال : فلما نزل ، نزل وهو مَتَوشِّح ، فقالوا : نجدُ منك رِيح الطِّيب ؟ قال: نعم ، تحتي فلانة ، هي أعْطَرُ نساءِ العرب ، قال : فتأذن لي أن أشُمَّ منه ؟ قال : نعم ، فَشُمَّ ، فتناول فشم ، ثم قال : أتأذن لي أن أعود ؟ قال : فاستمكنَ منه ، ثم قال : دونكم ، فقتلوه.[27]
قال النووي : :فقال الإمام المازري: إنما قتله كذلك لأنه نقض عهد النبي r وهجاه وسبّه.[28]
الدليل السادس:
عن أبي برزة الأسلمي ط قال:أغلظ رجلٌ لأبي بكر الصديق، فقلت: أقتله، فانتهرني وقال: ليس هذا لأحَدٍ بعد رسول الله r.[29]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : -في شرحه لحديث أبي برزة الأسلمي ط-: وقد استدل به على جواز قتل ساب النبي r جماعة من العلماء منهم أبو داود، وإسماعيل بن إسحاق القاضي، وأبو بكر عبد العزيز، والقاضي أبو يعلى، وغيرهم من العلماء، وذلك لأنَّ أبا برزة لمَّا رأى الرجل قد شتم أبا بكر وأغلظ له حتى تغيَّظ أبوبكر استأذنه في أن يقتله بذلك، وأخبره أنه لو أمره لقتله، فقال أبو بكر: ليس هذا لأحدٍ بعد النبي r. فعلم أن النبي r كان له أن يقتل من سَبَّه ومن أغلظ له، وأنَّ له أن يأمر بقتل من لا يعلم الناس منه سبباً يبيح دمه، وعلى النَّاس أن يطيعوه في ذلك، لأنَّه لا يأمر إلاَّ بما أمر الله به، ولا يأمر بمعصية الله قط، بل من أطاعه فقد أطاع الله. فقد تضمَّن الحديث خصيصتين لرسول الله r:
إحداهما: أنه يطاع في كل من أمر بقتله.
والثانية: أن له أن يقتل من شتمه وأغلظ له.وهذا المعنى الثاني الذي كان له باقٍ في حقه بعد موته، فكل من شتمه أو أغلظ في حقه كان قتله جائزاً، بل ذلك بعد موته أوكد وأوكد، لأن حرمته بعد موته أكمل، والتساهل في عرضه بعد موته غير ممكن. وهذا الحديث يفيد أنَّ سَبَّه في الجملة يبيح القتل، ويستدل بعمومه على قتل الكافر والمسلم.[30]
الدليل السابع :
عن أنس ط قال: كان منا رجل من بني النجار قد قرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب للنبي r فانطلق هاربًا حتى لحق بأهل الكتاب، قال: فعرفوه، قالوا: هذا كان يكتب لمحمد فأعجبوا به، فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم، فحفروا له فواروه، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، ثم عادوا له فحفروا له فواروه؛ فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، وهكذا في الثالثة، فتركوه منبوذًا.[31]
قال ابن تيمية :: فهذا الملعون الذي افترى على النبي r أنه ما كان يدري إلا ما كتب له، قصمه الله وفضحه بأن أخرجه من القبر بعد أن دُفن مراراً، وهذا أمر خارج عن العادة، يدل كل أحد على أن هذا عقوبة لما قاله، وأنه كان كاذباً؛ إذ كان عامة الموتى لا يصيبهم مثل هذا، وأن هذا الجرم أعظم من مجرد الارتداد؛ إذ كان عامة المرتدين يموتون ولا يصيبهم مثل هذا، وأن الله منتقم لرسوله ممن طعن عليه وسبه، ومظهر لدينه ولكذب الكاذب؛ إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد.
و نظير هذا ما حدثناه أعداد من المسلمين العدول أهل الفقه و الخبرة عما جربوه مرات متعددة في حصر الحصون و المدائن التي بالسواحل الشامية لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا قالوا : كنا نحن نحصر الحصن أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر و هو ممتنع علينا حتى نكاد نيأس إذ تعرض أهله لسب رسول الله صلى الله عليه و سلم و الوقيعة في عرضه فعجلنا فتحه و تيسر و لم يكد يتأخر إلا يوما أو يومين أو نحو ذلك ثم يفتح المكان عنوة و يكون فيهم ملحمة عظيمة قالوا : حتى إن كنا لنتباشر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه مع امتلاء القلوب غيظا بما قالوه فيه[32]
أقوال أهل العلم في من سب الله أو رسوله r أو الدين الإسلامي:
1 ـ قال عمر ط: من سب الله أو سب أحدا من الأنبياء فاقتلوه.[33]
2ـ وعن ابن عباس ب قال: أيما مسلم سب الله أو سب أحدا من الأنبياء فقد كذب برسول الله r وهي ردة يستتاب منها فإن رجع وإلا قتل.[34]
3 ـ الإمام مالك / (ت 179هـ) :
قال /: من سب النبي r أو شتمه، أو عابه، أو تنقصه قُتل، مسلماً كان أو كافراً، ولا يُستتاب.[35]
وقال /: من قال إن رداء النبي r وسخ، أراد عيبه، قُتل.[36]
وقال / :من سب النبي rقتل ولم يُستتب .قال ابن القاسم:أو شتمه أو عابه، أو تنقصه، فإنه يقتل كالزنديق.[37]
وسأل الرشيد الإمام مالكاً / في رجل شتم النبي r، وذكر أن فقهاء العراق أفتوه بجلده، فغضب مالك، وقال: يا أمير المؤمنين، ما بقاء الأمة بعد شتم نبيها، من شتم الأنبياء قُتِل، ومن شتم أصحاب النبي r جُلد.[38]
4 ـ الإمام محمّد بن إدريس الشافعيّ . (ت : 204هـ):
سئل / : عمَّن هزل بشيءٍ من آيات الله تعالى ؟
فأجاب بقوله : هو كافرٌ واستدل بقوله تعالى : { قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون { لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم }.[39]
5 ـ الإمام إسحاق بن راهويه المروزيّ . (ت:238هـ )
قال /: وممَّا أجمعوا على تكفيره ، وحكموا عليه كما حكموا على الجاحد ، فالمؤمن الذي آمن بالله تعالى ، ومما جاء من عنده ، ثم قتل نبيَّاً، أو أعان على قتله ، وإن كان مُقِرَّاً ، ويقول : قتل الأنبياء محرَّمٌ ، فهو كافرٌ ، وكذلك من شتَمَ نبيَّاً ، أو ردَّ عليه قولَه من غير تقيَّةٍ ولا خوفٍ.[40]
وقال /: و قد أجمع المسلمون أن من سب نبيا من أنبياء الله أو سب رسول الله عليه الصلاة و السلام أو دفع شيئا مما أنزل الله أو قتل نبيا من أنبياء الله أنه كافرا بذلك وإن كان مقرا بما أنزل الله.[41]
6 ـ إمام أهل السُّنَّة أحمد بن حنبل . (ت :241هـ)
قال الإمام أحمد بن حنبل / عندما سأله ابنه عبد الله عن رجل قال لرجل: يا ابن كذا وكذا أنت ومن خلقك؟
فأجابه بقوله :
هذا مرتد عن الإسلام، وسأله : تضرب عنقه؟ قال: نعم تضرب عنقه.[42]
7 ـ أبو بكر أحمد بن عليٍّ الجصَّاص الحنفيّ. (ت:370هـ)
قال أبو بكر الجصَّاص / : في قوله تعالى : { وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } إلى قوله : { إِنْ نَعْفُ } فيه الدّلالة على أن اللاعبَ والجادَّ سواءٌ في إظهار كلمة الكفر على غير وجه الإكراه لأَنَّ هؤلاء المنافقين ذكروا أَنَّهم قالوا ما قالوه لعِباً فأخبر الله عن كفرِهم باللعِبِ.[43]
8 ـ الإمام ابن أبي زيد النفزي، القيرواني، المالكي (ت :386هـ)
وسئل ابن أبي زيدالقيرواني -الملقب بمالك الصغير- / ـ:عن رجل لعن رجلاً ولَعَنَ الله، فقال: إنما أردت أن ألعن الشيطان فزلَّ لساني.
فأجاب بقوله:
يقتل بظاهر كفره ولا يقبل عذره، وأمَّا فيما بينه وبين ربه فمعذور.[44]
9 ـ الإمام أبو محمد علي بن حزم (الظاهري). (ت:456هـ)
قال الإمام بن حزم /: وأما قولهم إن شتم الله تعالى ليس كفرا وكذلك شتم رسول الله r ، فهو دعوى ، لأن الله تعالى قال : { يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم } فنص تعالى على أن من الكلام ما هو كفر .
وقال تعالى: { إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم } فنص تعالى أن من الكلام في آيات الله تعالى ما هو كفر بعينه مسموع .
وقال { قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة } فنص تعالى على أن الاستهزاء بالله تعالى أو بآياته أو برسول من رسله كفر مخرج عن الإيمان ولم يقل تعالى في ذلك إني علمت أن في قلوبكم كفرا ، بل جعلهم كفارا بنفس الاستهزاء. ومن ادعى غير هذا فقد قول الله تعالى ما لم يقل وكذب على الله تعالى.[45]
وقال : : الجحد لشيء مما صح البرهان أنه لا إيمان إلا بتصديقه كفر ، والنطق بشيء من كل ما قام البرهان أن النطق به كفر كفر ، والعمل بشيء مما قام البرهان بأنه كفر كفر ، فالكفر
يزيد، وكل ما زاد فيه فهو كفر ، والكفر ينقص ، وكله مع ذلك ما بقي منه وما نقص فكله كفر ، وبعض الكفر أعظم وأشد وأشنع من بعض ، وكله كفر.[46]
وقال أيضا : إن الإقرار باللسان دون عقد القلب لا حكم له عند الله عز وجل لأن أحدنا يلفظ بالكفر حاكيا وقارئا له في القرآن فلا يكون بذلك كافرا حتى يقر أنه عقده .
قال أبو محمد : فإن احتج بهذا أهل المقالة الأولى - يعني المرجئة- وقالوا هذا يشهد بأن الإعلان بالكفر ليس كفرا. قلنا له - وبالله التوفيق -: قد قلنا إن التسمية ليست لنا وإنما هي لله تعالى فلما أمرنا تعالى بتلاوة القرآن وقد حكى لنا فيه قول أهل الكفر وأخبرنا تعالى أنه لا يرضى لعباده الكفر خرج القاريء للقرآن بذلك عن الكفر إلى رضا الله عز وجل والإيمان ، بحكايته ما نص الله تعالى بأداء الشهادة بالحق فقال تعالى: { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } خرج الشاهد المخبر عن الكافر بكفره عن أن يكون بذلك كافرا إلى رضا الله عز وجل والإيمان .
ولما قال تعالى : { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا} . خرج من ثبت إكراهه عن أن يكون بإظهار الكفر كافرا إلى رخصة الله تعالى والثبات على الإيمان ، وبقي من أظهر الكفر : لا قارئا ولا شاهدا ، ولا حاكيا ولا مكرها على وجوب الكفر له بإجماع الأمة على الحكم له بحكم الكفر وبحكم رسول الله ? بذلك ، وبنص القرآن على من قال كلمة الكفر إنه كافر ، وليس قول الله عز وجل { ولكن من شرح بالكفر صدرا } على ما ظنوه من اعتقاد الكفر فقط ، بل كل من نطق بالكلام الذي يحكم لقائله عند أهل الإسلام بحكم الكفر لا قارئا ولا شاهدا ولا حاكيا ولا مكرها فقد شرح بالكفر صدرا ؛ بمعنى أنه شرح صدره لقبول الكفر المحرم على أهل الإسلام وعلى أهل الكفر أن يقولوه وسواء اعتقدوه أو لم يعتقدوه ، لأن هذا العمل من إعلان الكفر على غير الوجوه المباحة في إيراده وهو شرح الصدر به ، فبطل تمويههم بهذه الآية وبالله تعالى التوفيق .[47]
10 ـ الحافظ يوسف بن عبد الله بن عبد البر (المالكي). (ت :463هـ).
وقال ابن عبد البر /: ومن شتم الله ، أو شتم رسوله r، أو شتم نبياً من أنبياء الله قُتِل إذا كان مظهراً للإسلام بلا استتابة.[48]
11 ـ فقيه المغرب محمد بن سحنون (المالكي).(ت:265ه)ـ
قال محمد سحنون المالكي /:أجمع العلماء أن شاتم النبي عليه الصلاة والسلام المنتقض له كافر والوعيد جار عليه بعذاب الله و حكمه عند الأمة القتل ومن شك في كفره وعذابه كفر[49].
12 ـ عمادُ الدِّين عليُّ بن محمَّد الكِيا الهرَّاسي (الشافعيّ). (ت:504هـ)
قال عمادُ الدِّين الهرَّاسي/ عند تفسير قوله تعالى : (وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ، قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ): فيه دلالةٌ على أنَّ اللاَّعب والخائض سواءٌ في إظهار كلمة الكفر على غير وجه الإكراه ، لأَنَّ المنافقين ذكروا أَنَّهم قالوا ما قالوه لَعِباً ، فأخبر الله تعالى عن كفرهم باللَّعِب بذلك ، ودلَّ أنَّ الاستهزاءَ بآياتِ الله تعالى كفرٌ.
13 ـ القاضي أبو بكرٍ بن العربيّ (المالكيّ) . (ت:543هـ)
قال أبو بكرٍ بن العربيّ / :-عند تفسير قوله تعالى : وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ..- : لا يخلو أَنْ يكونَ ما قالوه من ذلك جدَّاً أو هَزْلاً ، وهو كيفما كان كفرٌ ، فإِنَّ الهزلَ بالكفرِ كفرٌ ، لا خلاف فيه بين الأمَّة . فإِنَّ التَّحقيق أخو الحقَّ والعلم ، والهزلَ أخو الباطل والجهل . قال علماؤنا : انظر إلى قوله : (أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَال أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ).[50]
14 ـ القاضي عياض بن موسى (المالكيّ). (ت:544هـ)
قال القاضي عياض / : لا خلاف أن ساب الله تعالى من المسلمين كافر حلال الدم.[51]
و قال / : أن يكون القائل لما قال في جهته r غير قاصدٍ للسبِّ، والإزراء ، ولا معتقدٍ له . ولكنَّه تكلَّم في جهته عليه السلام بكلمة الكفر من لعنه ، أو سبِّه ، أو تكذيبه أو إضافة ما لا يجوز عليه، أو نفيِّ ما يجب له ممَّا هو في حقِّه - عليه السلام - نقيصة. مثل أَنْ ينسِب إِليه إتْيان كبيرةٍ . أو مداهنة في تبليغ الرسالة . أو في حكمٍ بين النَّاس . أو يغضَّ من مرتبته أو شرفِ نسبِه أو وفورِ علمه ، أو زهدِه ، أو يكذِّب بما اشتهر به من أمورٍ أخبر بها ـ عليه السلام ـ وتواتر الخبر بها عن قصدٍ لردِّ خبره . أو يأتي بسفَهٍ من القول ، وقبيحٍ من الكلام ، ونوعٍ من السبِّ في حقِّه . وإنْ ظهر بدليل حاله ، أَنَّه لم يتعمّد ذمَّه ولم يقصد سبَّه . إمَّا لجهالة حمَلَتْه على ما قالَه . أو الضَّجر ، أو سُكْر اضطرَّه إليه ، أو قلَّة مراقبةٍ وضبطٍ للسانه ، وعجرفةٍ ، وتهوُّر في كلامِه .
فحكمُ هذا الوجه حكمُ الوجهِ الأوَّل القتل . وإِنْ تَلَعْثَم . إذْ لا يُعْذَر أحدٌ في الكفر بالجَهالة ، ولا بدعوى زَلَلِ اللسان ولا بشيءٍ ممَّا ذكرناه إذا كان عقلُه في فطرته سليماً ، إلاَّ من أُكْرِه وقلبُه مطمئنٌّ بالإيمان.[52]
وقال : -تحت فصل: "الحكم الشرعي فيمن سب النبي r أوانتقصه"-: اعلم وفقنا الله وإياك أن جميع من سب النبي r، أوعابه، أوألحق به نقصاً في نفسه، أونسبه، أودينه، أوخصلة من خصاله، أوعرَّض به، أوشبهه بشيء على طريق السب له، أوالإزراء عليه، أوالتصغير لشأنه، أوالغض منه والعيب له، فهو ساب له، والحكم فيه حكم الساب، يُقتل كما نبينه، ولا نستثني فصلاً من فصول هذا الباب على هذا المقصد، ولا نمتري فيه تصريحاً كان أوتلويحاً.[53]
وقال ::وكذلك نقطع بتكفير كلِّ قائل قولاً يُتوصل به إلى تضليل الأمَّة وتكفير جميع الصَّحابة … وكذلك نكفِّر بفعلٍ أجمع المسلمون على أَنَّه لا يصدُرُ إلاَّ من كافر وإنْ كان صاحبُه مصرِّحاً بالإسلام مع فعله كالسجود للصَّنم ، أو الشمس ، والقمر ، والصَّليب، والنَّار . والسَّعي إلى الكنائس والبِيَع مع أهلِها. والتَّزيِّي بزيِّهم من شدِّ الزَّنانير وفحص الرؤوس فقد أجمع المسلمون أنَّ هذا الفعل لا يوجد إلاَّ من كافرٍ وأَنَّ هذه الأفعال علامةٌ على الكفر . وإِنْ صرَّح فاعلها بالإسلام.[54]
وقال / :أفتى فقهاء الأندلس بقتل ابن حاتم المتفقه الطليطلي وصلبه بما شُهد عليه من استخفافه بحق النبي rوتسميته إياه أثناء مناظرته باليتيم، وخَتَنِ حيدرة…،وأفتى فقهاء القيروان وأصحاب سحنون بقتل إبراهيم الفزاري…في الاستهزاء بالله، وأنبيائه، ونبينا محمد r فأُحضر له القاضي يحيى بن عمر وغيره من الفقهاء وأمر بقتله وَصَلْبِهِ فُطُعِنَ بالسّكين وصُلِبَ مُنَكَّساً ثم أُنزل وأحرق بالنار.…وحكى بعض المؤرخين أنه لما رفعت خشبته وزالت عنها الأيدي استدارت وحوّلته عن القبلة فكان آية للجميع، وكبّر الناس، وجاء كلب فولغ في دمه.[55]
15 ـ فخر الدِّين محمَّد بن عمر الرَّازيّ. (ت:544هـ)
قال فخر الدِّين الرَّازيّ / : عند تفسير قوله تعالى : (وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ، قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ): "المسألة الثالثة" : قوله "قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ " يدلُّ على أحكام:
الحكم الأول : أنَّ الاستهزاء بالدِّين كيف كان كفراً بالله. وذلك لأَنَّ الاستهزاء يدلُّ على الاستخفاف والعمدة الكبرى في الإيمان تعظيم الله تعالى بأقصى الإمكان والجمع بينهما محال .
الحكم الثاني : أَنَّه يدلُّ على بطلان قول من يقول ، الكفر لا يدخل إلاَّ في أفعال القلوب.
الحكم الثالث : يدلُّ على أَنَّ قولهم الذي صدر منهم كفرٌ في الحقيقة ، وإِنْ كانوا منافقين من قبلُ ، وأَنَّ الكفر يمكن أَنْ يتجدَّد من الكافر حالاً فحالاً .
الحكم الرابع : يدلُّ على أنَّ الكفر إِنَّما حدث بعد أنْ كانوا مؤمنين.[56]
16 ـ عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي (الحنبلي). (ت:620هـ)
قال ابن قدامة المقدسي /: ومن سب الله تعالى كفر ، سواء كان مازحا أو جادا وكذلك من استهزأ بالله تعالى ، أو بآياته أو برسله ، أو كتبه، قال الله تعالى : (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ، قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) . وينبغي أن لا يكتفى من الهازئ بذلك بمجرد الإسلام ، حتى يؤدب أدبا يزجره عن ذلك ، فإنه إذا لم يكتف ممن سب رسول الله r بالتوبة ، فممن سب الله تعالى أولى . [57]
وقال أيضاً : والردة تحصل بجحد الشهادتين، أو أحدهما، أو سب الله تعالى، أو رسوله r.‍[58]
وقال عن المرتدِّ : يفسد صومه ، وعليه قضاء ذلك اليوم ، إذا عاد إلى الإسلام . سواء أسلم في أثناء اليوم ، أو بعد انقضائه ، وسواء كانت رِدَّته باعتقاده ما يكفر به ، أو بشكِّه فيما يكفر بالشكِّ فيه ، أو بالنُّطق بكلمة الكفر ، مستهزئاً أو غير مستهزئٍ ، قال الله تعالى : (وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ، قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ). وذلك لأن الصَّوم عبادة من شرطها النِّيَّة ، فأبطلَتْها الرِّدَّة ، كالصَّلاة والحجِّ ، ولأَنَّه عبادةٌ محضة . فنافاها الكفر ، كالصَّلاة.[59]
17 ـ محيي الدين يحيى بن شرف النووي (الشافعي). (ت:676هـ)
قال النووي /: هي قطع الإسلام -أي : الردة-، ويحصل ذلك تارة بالقول الذي هو كفر ، وتارة بالفعل ، والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمد واستهزاء بالدين صريح ، كالسجود للصنم أو للشمس ، وإلقاء المصحف في القاذورات . والسحر الذي فيه عبادة الشمس ونحوها ، قال الإمام : في بعض التعاليق عن شيخي أن الفعل بمجرده لا يكون كفرا ، قال : وهذا زلل عظيم من المعلق ذكرته للتنبيه على غلطه ، وتحصل الردة بالقول الذي هو كفر، سواء صدر عن اعتقاد أو عناد أو استهزاء.[60]
وقال /: ولو قال وهو يتعاطى قدح الخمر، أو يقدم على الزنا: باسم الله، استخفافاً باسم الله تعالى كفر. [61]
أي: لو أن واحداً أخذ كأس خمر وقال: باسم الله تعالى، ويقصد بذلك الاستهزاء فإنه يكفر بذلك.
18 ـ شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية.(ت: 728هـ)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / : إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهرا وباطنا وسواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم أو كان مستحلا له أو كان ذاهلا عن اعتقاده هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل.[62]
وقال /: فهؤلاء القائلون بقول جهم والصالحي قد صرحوا بأن سب الله ورسوله r والتكلم بالتثليث وكل كلمة من كلام الكفر ليس هو كفرا في الباطن ولكنه دليل في الظاهر على الكفر ويجوز مع هذا أن يكون هذا الساب الشاتم في الباطن عارفا بالله موحدا له مؤمنا به فإذا أقيمت عليهم حجة بنص أو إجماع أن هذا كافر باطنا وظاهرا . قالوا : هذا يقتضي أن ذلك مستلزم للتكذيب الباطن وأن الإيمان يستلزم عدم ذلك : فيقال لهم : معنا أمران معلومان :
(أحدهما) : معلوم بالاضطرار من الدين . و(الثاني): معلوم بالاضطرار من أنفسنا عند التأمل . أما "الأول" : فإنا نعلم أن من سب الله ورسوله طوعا بغير كره ، بل من تكلم بكلمات الكفر طائعا غير مكره ، ومن استهزأ بالله وآياته ورسوله فهو كافر باطنا وظاهرا ، وإن من قال : إن مثل هذا قد يكون في الباطن مؤمنا بالله وإنما هو كافر في الظاهر ، فإنه قال قولا معلوم الفساد بالضرورة من الدين وقد ذكر الله كلمات الكفار في القرآن وحكم بكفرهم واستحقاقهم الوعيد بها ولو كانت أقوالهم الكفرية بمنزلة شهادة الشهود عليهم ، أو بمنزلة الإقرار الذي يغلط فيه المقر لم يجعلهم الله من أهل الوعيد بالشهادة التي قد تكون صدقا وقد تكون كذبا ، بل كان ينبغي أن لا يعذبهم إلا بشرط صدق الشهادة وهذا كقوله تعالى : (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) وأمثال ذلك .
وأما "الثاني" : فالقلب إذا كان معتقدا صدق الرسول ، وأنه رسول الله ، وكان محبا لرسول الله معظما له ، امتنع مع هذا أن يلعنه ويسبه فلا يتصور ذلك منه إلا مع نوع من الاستخفاف به وبحرمته ، فعلم بذلك أن مجرد اعتقاد أنه صادق لا يكون إيمانا إلا مع محبته وتعظيمه بالقلب.[63]
19 ـ علاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري (الحنفي). (ت :730هـ)
قال علاء الدين عبد البخاري / : فإن الهزل بالردة كفر لا بما هزل به لكن بعين الهزل ؛ لأن الهازل جاد في نفس الهزل مختار راض والهزل بكلمة الكفر استخفاف بالدين الحق فصار مرتدا بعينه لا بما هزل به إلا أن أثرهما سواء بخلاف المكره ؛ لأنه غير معتقد لعين ما أكره عليه.
قوله: "لا بما هزل به " :جواب عما يقال إن مبنى الردة على تبدل الاعتقاد ولم يوجد هاهنا لوجود الهزل فإنه ينافي الرضاء بالحكم فينبغي أن لا يكون الهزل بالردة كفرا كما في حال الإكراه والسكر فقال الهزل بالردة كفر لا بما هزل به لكن بعين الهزل يعني أنا لا نحكم بكفره باعتبار أنه اعتقد ما هزل به من الكفر بل نحكم بكفره باعتبار أن نفس الهزل بالكفر كفر; لأن الهازل وإن لم يكن راضيا بحكم ما هزل به لكونه هازلا فيه فهو جاد في نفس التكلم به مختار للسبب راض به فإنه إذا سب النبي عليه السلام هازلا مثلا أو دعا لله تعالى شريكا هازلا فهو راض بالتكلم به مختار لذلك وإن لم يكن معتقدا لما يدل عليه كلامه والتكلم بمثل هذه الكلمة هازلا استخفاف بالدين الحق وهو كفر قال الله تعالى:? قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم )فصار المتكلم بالكفر بطريق الهزل مرتدا بعين الهزل لاستخفافه بالدين الحق لا بما هزل به أي لا باعتقاد ما هزل به إلا أن أثرهما أي أثر الهزل بالكفر وأثر ما هزل به سواء في إزالة الإيمان وإثبات الكفر بخلاف المكره على الكفر;لأنه غير راض بالسبب والحكم جميعا بل يجريه على لسانه اضطرارا ودفعا للشر عن نفسه غير معتقد له أصلا.ولا يقال إن الهازل لا يعتقد الكفر أيضا لأنا نقول هو معتقد للكفر;لأن مما يجب اعتقاده حرمة الاستخفاف بالدين وعدم الرضاء به ولما رضي بالهزل معتقدا له كان كافرا كذا في بعض الشروح.[64]
20 ـ الحافظ عبد الرحمن بن أحمد ابن رجب (الحنبلي). (ت :795هـ)
قال الإمام الحافظ ابن رجب /: فقد يترك دينه، ويفارق الجماعة، وهو مقر بالشهادتين، ويدعي الإسلام؛ كما إذا جحد شيئا من أركان الإسلام، أو سب الله ورسوله، أو كفر ببعض الملائكة، أو النبيين، أو الكتب المذكورة في القرآن مع العلم بذلك.[65]
وقال / :وأما ترك الدين ومفارقة الجماعة فمعناه الارتداد عن دين الإسلام ولو أتى بالشهادتين فلو سب الله ورسوله r وهو مقر بالشهادتين أبيح دمه لأنه قد ترك بذلك دينه وكذلك.[66]
21 ـ علي بن سليمان المرداوي (الحنبلي). (ت:885هـ )
قال المرداوي / :تنبيه: قوله: (فمن أشرك بالله أو جحد ربوبيته أو وحدانيته أو صفة من صفاته أو اتخذ لله صاحبة أو ولدا أو جحد نبيا أو كتابا من كتب الله أو شيئا منه أو سب الله أو رسوله كفر بلا نزاع في الجملة ) مراده إذا أتى بذلك طوعا ولو هازلا وكان ذلك بعد أن أسلم طوعا، وقيل وكرها، قال جماعة من الأصحاب أو سجد لشمس أو قمر، قال في الترغيب أو أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء بالدين.[67]
22 ـ زين الدين بن إبراهيم الشهير بابن نجيم (الحنفي). (ت :970هـ)
قال ابن نجيم / : والحاصل أن من تكلم بكلمة الكفر هازلا أو لاعبا كفر عند الكل ولا اعتبار باعتقاده كما صرح به قاضيخان في فتاواه ومن تكلم بها مخطئا أو مكرها لا يكفر عند الكل ومن تكلم بها عالما عامدا كفر عند الكل.[68]
23 ـ محمَّد بن أحمد الخطيب الشربينيّ (الشافعيّ). (ت:977هـ)
قال الشيخ الشربيني ::"كتاب الرِّدَّة": أعاذنا الله تعالى منها (هي) لغةً: الرُّجوع عن الشيء إلى غيره، وهي أفحشُ الكفر وأغلظُه حكماً، محبطةٌ للعمل.. وشرعاً (قطع) استمرار (الإسلام) ودوامه، ويحصل قطعه بأمور: (بنيَّةِ) كفرٍ… (أو) قطع الإسلام بسبب (قولِ كفرٍ أو فعلٍ ) مُكَفِّرٍ… ثم قسم القول ثلاثة أقسام بقوله: (سواء قاله استهزاء أو عناداً أو اعتقاداً) لقوله تعالى: )قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) وكان الأَوْلى تأخيرُ القول في كلامه عن الفعل، لأَنَّ التَّقسيم فيه وخرج بذلك من سبق لسانُه إلى الكفر، أو أُكْرِه عليه، فإنَّه لا يكون مرتدَّاً… (والفعل المكفِّر ما تعمَّده) صاحبه (استهزاء صريحاً بالدِّين أو جحوداً له كإلقاء مصحف)… (وسجودٌ لصنمٍ…) .[69]
24 ـ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب التميمي. (ت:1206هـ)
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب / :في رسالة "نواقض الإسلام":… السادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول أو ثوابه أو عقابه، كفر، والدليل قوله تعالى: ?قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم).[70]
وقال/ : الذين قال الله فيهم: (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم ) ، أما سمعت الله كفرهم بكلمة مع كونهم في زمن رسول الله? ، وهم يجاهدون معه ويصلون معه ويزكون ويحجون ويوحدون؟ وكذلك الذين قال الله فيهم: ?قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) هؤلاء الذين صرح الله أنهم كفروا بعد إيمانهم، وهم مع رسول الله r في غزوة تبوك، قالوا كلمة ذكروا أنهم قالوها على وجه المزح.
فتأمل هذه الشبهة، وهي قولهم: تكفرون من المسلمين أناسا يشهدون أن لا إله إلا الله ، ويصلون ويصومون ، ثم تأمل جوابها، فإنه من أنفع ما في هذه الأوراق.[71]
وقال أيضا: فإذا تحققت أن بعض الصحابة الذين غزوا الروم مع رسول الله r ، كفروا بسبب كلمة قالوها على وجه المزح واللعب ، تبين لك أن الذي يتكلم بالكفر، أو يعمل به خوفا من نقص مال، أو جاه، أو مداراة لأحد، أعظم ممن تكلم بكلمة يمزح بها.
والآية الثانية قوله تعالى: (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان? فلم يعذر الله من هؤلاء إلا من أكره مع كون قلبه مطمئنا بالإيمان. وأما غير هذا، فقد كفر بعد إيمانه، سواء فعله خوفا، أو مداراة، أو مشحة بوطنه، أو أهله، أو عشيرته، أو ماله، أو فعله على وجه المزح، أو لغير ذلك من الأغراض إلا المكره. والآية تدل على هذا من جهتين:
الأولى قوله: (إلا من أكره) فلم يستثن الله إلا المكره. ومعلوم أن الإنسان لا يكره إلا على العمل أو الكلام. وأما عقيدة القلب فلا يكره أحد عليها.
والثانية: قوله تعالى: (ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة )فصرح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد أو الجهل، أو البغض للدين، أو محبة الكفر، وإنما سببه أن له في ذلك حظا من حظوظ الدنيا، فآثره على الدين، والله I أعلم. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين آمين.[72]
25 ـ الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبدالوهاب. (ت:1233ه)
قال الشيخ سليمان بن عبد الله : : ولهذا أجمع العلماء على كفر من فعل شيئاً من ذلك، فمن استهزأ بالله، أو بكتابه، أو برسوله، أو بدينه، كفر ولو هازلاً لم يقصد حقيقة الاستهزاء إجماعاً.[73]
وقال / : من استهزأ بالله ، أو بكتابه أو برسوله ، أو بدينه ، كفر ولو هازلا لم يقصد حقيقة الاستهزاء ؛ إجماعا.
وقال : -عند تفسيره لقوله الله تعالى : (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب)-.
يقول تعالى مخاطبا لرسوله r (ولئن سألتهم) أي سألت المنافقين الذين تكلموا بكلمة الكفر استهزاء ،(ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب) أي : يعتذرون بأنهم لم يقصدوا الاستهزاء والتكذيب ، إنما قصدوا الخوض في الحديث واللعب : (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون? لم يعبأ باعتذارهم إما لأنهم كانوا كاذبين فيه ، وإما لأن الاستهزاء على وجه الخوض واللعب لا يكون صاحبه معذورا ، وعلى التقديرين فهذا عذر باطل ، فإنهم أخطئوا موقع الاستهزاء . وهل يجتمع الإيمان بالله ، وكتابه، ورسوله ، والاستهزاء بذلك في قلب)! بل ذلك عين الكفر فلذلك كان الجواب مع ما قبله (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) قال شيخ الإسلام : فقد أمره أن يقول : كفرتم بعد إيمانكم . وقول من يقول : إنهم قد كفروا بعد إيمانهم بلسانهم مع كفرهم أولا بقلوبهم لا يصح ، لأن الإيمان باللسان مع كفر القلب قد قارنه الكفر . فلا يقال : قد كفرتم بعد إيمانكم فإنهم لم يزالوا كافرين في نفس الأمر ، وإن أريد : إنكم أظهرتم الكفر بعد إظهاركم الإيمان ، فهم لم يظهروا ذلك إلا لخوضهم ، وهم مع خوضهم مازالوا هكذا ، بل لما نافقوا وحذروا أن تنزل عليهم سورة تبين ما في قلوبهم من النفاق وتكلموا بالاستهزاء ، أي : صاروا كافرين بعد إيمانهم . ولا يدل اللفظ على أنهم مازالوا منافقين إلى أن قال تعالى : (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب) فاعترفوا ولهذا قيل: (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة) فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرا ، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر. فتبين أن الاستهزاء بآيات الله ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه ، فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف ، ففعلوا هذا المحرم الذي عرفوا أنه محرم. ولكن لم يظنوه كفرا وكان كفرا كفروا به ، فإنهم لم يعتقدوا جوازه.[74]
26 ـ شهاب الدين محمود بن عبد الله الآلوسي . (ت:1270هـ)
قال الآلوسي / :في تفسير قوله تعالى : (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم)
واستدل بعضهم بالآية على أن الجد واللعب في إظهار كلمة الكفر سواء ولا خلاف بين الأئمة في ذلك.[75]
27 ـ العلامة صديق حسن خان القنوجي. (ت:1307هـ)
قال صديق حسن خان / :وأكثر الناس ابتلاءً بهذا الاستهزاء الشعراء، فهزلهم بالشريعة وبأهلها: من النصحاء والوعاظ والفقهاء والمحتسبين والعلماء الصالحين، فوق ما تحصره الأقلام، أو يحيط به ضبط الأرقام … ومن جاء بهذا، فلا شك في كفره ؛ بل في كفر من شك في ذلك.[76]
28 ـ الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ . (ت:1389هـ)
قال الشيخ محمد بن إبراهيم / : فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة واحدة يخرجها من لسانه دون قلبه.[77]
وحكم /بردّة من تلفظ بكلمة الكفر وقال " أنا مسيحي " رغم أنه قالها عنادا وغضبا ولم يعتقدها . فقد جاء في "فتاويه " (3906) - (ردة من قال : هو مسيحي …)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي أمير الرياض المحترم…
لسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد :
فنرفق لسموكم بهذا ما وردنا من فضيلة الشيخ محمد بن مهيزع المشفوع بشهادات بعض نواب وجماعة مسجد العسيلة وتزكية الشهود المذكورين بشأن قضية عبد الله بن سليمان…
ونشعر سموكم أننا لما رأينا أن المسألة عظيمة لا يستهان بها أمرنا بإحضار عبد الله بن … المذكور مع الذين شهدوا عليه فحضروا إلينا جميعا ، وأدوا الشهادة أمامنا بحضوره . حاصله : أنهم نصحوه عن التخلف عن صلاة الجماعة ، وأنه عاند ولم ينتصح ، وكانت إجابته : أنا حر أصلي في بيتي ، أو في المسجد ، أو لا أصلي ، وبعد ، أنا أهوى النار لنفسي فما تطلبون مني ؟ فقالوا له : نحن ما نهوى لك النار ، وأنت مسلم . فقال : وإذا قلت: إنني مسيحي . فقالوا له : لست بمسيحي إن شاء الله . فقال: أنا مسيحي . وبسؤال عبد الله عن ما شهدوا به عليه أجاب بأنه ساكن في محلة البويبية ومن جماعة مسجد البويبية وليس من جماعة مسجد العسيلة ، وأن هؤلاء الأشخاص متغرضين لي ، وقد جاءني رجل منهم سابقا ، وأخيرا جاءوني تلك الليلة فاعتذرت منهم بأنني رجل موظف ربما أكون في الخفارة أو في تحقيقات جنائية ، وفعلا كنت تلك الليلة في تحقيقات ما رجعت منها إلى بيتي إلا الساعة تسعة تقريبا فرقدت، وبعد صلاة الفجر جاءوا إلى بيتي وأخذوا يدقون الباب وينفضونه بقوة مما أفزع زوجتي وتركت ولدها وجاءتني فزعة ، فانتبهت وخرجت إليهم، فما كان منهم إلا أن تكلموا علي وقالوا لي : يا حمار ما تصلي . فأجبتهم بأني أصلي والصلاة لله ، ولست بمسيحي أترك الصلاة ، بل أنا مسلم أصلي لله ولا أصلي خوفا من أحد ، وأن كل ما نسبوه إلي خلاف هذا فلا صحة له . وبعد سماع كلامهم تقرر توقيف المذكور لبينما يحضر من يزكي الشهود ، فحضر من زكاهم وثبتت عدالتهم فأحضرناه وبينا له أن ما شهد به الشهود قد ثبت عليه ثبوتا شرعيا ، وأنه قد أدين بتلك الكلمات الوخيمة التي صدرت منه ، وأن هذا يعتبر ردة صريحة تخرجه من الإسلام وتهدر دمه إن لم يتب منها ويظهر التوبة والندم والاستغفار والعزم على أن لا يعود إلى ما قاله أبدا ، لأنه والعياذ بالله قد خلع ربقة الإسلام من عنقه بقوله : أنا مسيحي . وارتد بذلك من الإسلام إلى دين النصرانية ، مع مجاهرته برد الحق ، واحتقار من قام به ، واستخفافه بأمر الصلاة التي هي عمود الإسلام ، ومع ما في قوله : إنه يهوى النار من عدم إيمانه بالجزاء أو الاستخفاف به ، وكل هذه جرائم متكررة ، وقد وعظناه واستتبناه فتاب إلى الله واستغفر وأظهر التوبة والندم على ما بدر منه ، فبلغناه بأن عليه أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن يتبرأ من كل دين يخالف دين الإسلام ، ففعل ذلك، وأخبرناه بأن عليه أن يغتسل غسل الإسلام ، وأوصيناه بالمحافظة على شرائع الإسلام ومن ضمنها صلاة الجماعة . فاستعد لذلك كله ، فعليه سقط عنه القتل بالتوبة ، ولكن نظرا لأنه تجرأ على أمر عظيم وهو بين ظهراني المسلمين فإن عليه التعزير البليغ بالضرب والحبس بما يراه ولي الأمر ليكون زجرا له وردعا لأمثاله، ويحضر التعزير مندوب من هيئة الأمر بالمعروف.والله يحفظكم.[78]
وجاء في رسالة أخرى :
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة مساعد قاضي محكمة صامطة سلمه الله :
السلام عليكم و/ وبركاته . وبعد :
فقد جرى اطلاعنا على خطابكم رقم 716 وتاريخ 16/ 5/ 1388 بخصوص
مسألة معوض بن ......وما صدر منه من لعنه دين محمد بن المهدي ، وماقررتموه في حقه من جلده عشرة أسواط تعزيزاً ، وإستتبابته ، ثم تويته واستغفاره ، وطلبكم منا إلاحاطة بذلك .
ونفيدكم أن سبه دين محمد بن المهدي والحال أن محمد المهدي مسلم هو سب للدين الإسلامي ، وسب الدين كما لا يخفي عليكم ارتداد والعياذ بالله . وعليه فيلزمكم علاوه على ما أجرىتم احضار المذكور ، وأمره بإلاغتسال ، ثم النطق بالشهادتين ، وتجديده التوبة بعد أخباره بشروطها الثلاثة : من إلاقلاع عن موجب إلاثم ، والندم على صدوره منه ، والعزم على عدم العودة إليه . ونظراً لما ذكرته عنه من أنه جاهل بمدلول ما صدر منه فيكتفي بما قررتموه عليه تعزيزاً . وفقكم الله .[79]
وجاء في رسالة أخرى:(3907) -(طلب الانضمام إلى الدين المسيحي وقال إنه يتسلى بذلك):
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض سلمه الله…
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد:
فبالإشارة إلى المعاملة المرفوعة إلينا من المحكمة الكبرى بالرياض برقم 4259/1 وتاريخ 20/8/1385 بخصوص قضية السجين علي .. الذي طلب برسالته الموجهة إلى صوت الإنجيل الانضمام إلى الدين المسيحي .
فقد جرى منا الاطلاع عليها وعلى التحقيق المجرى معه من قبل الاستخبارات العامة
ونفيد سموكم أنما صدر منه يعتبر ردة والعياذ بالله ، ولكن قال في جوابه المرفق بالمعاملة بأنه يتسلى بما كتب ويقطع فراغه بهذا وأمثاله وهو باق على دينه الإسلام وعلى اعتقاده فيه ، فلقد سبقه في هذا الجواب منافقون قالوا دون ما قال ، واعتذروا لرسول الله ? بأنهم كانوا يخوضون ويلعبون ، وأنهم لا يعنون ما قالوه ؛ فأنزل الله في حقهم قوله تعالى : (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون . لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم…)
فيتعين إحضار المذكور لدى المحكمة ، وتعاد استتابته لدى فضيلة رئيسها وتلفظه بالشهادتين ، ومن ثم يؤكد عليه وجوب الاغتسال نتيجة الارتداد والعياذ بالله ، ثم التوبة . كما أنه ينبغي تعزيره بالسجن فقط ، نظرا لمرضه وضعف
حاله عن تحمل الجزاء بالضرب ، ويلاحظ في سجنه عدم التضييق عليه . وبالله التوفيق . والسلام عليكم.[80]
29 ـ العلامة عبد الرحمن السعدي (ت :1376ه):
قال العلامة السعدي /: إن الاستهزاء بالله ورسوله كفر يخرج عن الدين؛ لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله، وتعظيم دينه ورسوله، والاستهزاء بشيء من ذلك منافٍ لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة.[81]
30ـ العلامة أحمد شاكر (ت :1377هـ) :
قال الشيخ أحمد شاكر :: إن من يشتم رسول الله r بأي كلمة لا تليق بمقامه الكريم، حكمه عند المسلمين معروف، لا يخالف فيه عالم أو جاهل؛ بل لا يخفى على أجهل العوام، أنه مرتد عن ملة الإسلام، تجري عليه أحكام المرتدين المعروفة .[82]
31 ـ العلامة محمد الأمين الشنقيطي.(ت:1393هـ)
العلامة محمد الأمين الشنقيطي : عند تفسير قوله تعالى : { ياأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله }
اعلم أن عدم احترام النبي r المشعر بالغض منه أو تنقيصه r والاستخفاف به أو الاستهزاء به ردة عن الإسلام وكفر بالله.
وقد قال تعالى في الذين استهزءوا بالنبي r وسخروا منه في غزوة تبوك لما ضلت راحلته: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أبالله وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [ التوبة : 65 - 66 ]" .[83]
وقال : :في تفسير قوله تعالى: (سورة أنزلناها وفرضناها): وذكر غير واحد من أهل العلم أن من قذف أم النبي r أو قذفه هو r أن ذلك ردة، وخروج من دين الإسلام، وهو ظاهر لا يخفى، وأن حكمه القتل.[84]
32 ـ اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية:
وسئلت"اللجنة الدائمة للإفتاء" فتوى رقم ( 3481 )مانصه :أنا سيدة مسلمة أعيش في الدانمارك مع زوجي المسلم ولي منه والحمد لله ثلاثة أطفال، وليكن اسمي م.م.م. رمزاً. في لحظة غضب عارمة سببت ذات الله - العلي القدير - ومنذ ذلك الحين أبى زوجي التحدث معي بحجة أنني مرتدة، وقد فسخ الله عقد نكاحي، وحرام عليه ذبيحتي، ولا أورث، ولا يصلي علي، ولا أغسل، ولا أكفن، ولا أدفن، ويغرى الكلاب على جيفتي، ومالي فيء للمسلمين. وأنا نادمة أشد الندم وهذه هي المرة الأولى في حياتي، ولي قسط طيب من الثقافة والعلم والحمد لله، وأعلم أن هذا شي فظيع الذي حدث مني - وأشار عليَّ أن أكتب لفضيلتكم في أمر توبتي - هل لي توبة ؟ وهل لي مع زوجي رجعة، وكيف ؟ أصلح الله حالكم .
فأجابت بما يلي:
لا شك أن سب ذات الله جل جلاله ردة وخروج عن دائرة الإسلام بإجماع علماء المسلمين يستحق صاحبه القتل إذا لم يتب منه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: لا يَحِلُّ دَمُ امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثَّيِّبُ الزاني، والنَّفْس بالنفس، والتارِكُ لدِينهِ المُفَارِق لِلجماعة .
وما دمت قد تبت من ذلك، وندمت على فعلك له، وعزمت ألا يخرج منك مثل ذلك الكلام السيِّئ فتوبتك صحيحة، ولزوجك الاتصال بك، واعتبار حالك معه بعد التوبة مثلها قبل أن يصدر منك ذلك؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم أقروا المرتدين على نكاحهم بعد أن عادوا للإسلام ولم يفرقوا بينهم وبين زوجاتهم، ولم يجددوا لأحد منهم نكاحاً، ولنا فيهم أسوة حسنة.
وسئلت : عن شخص سب الدين ؟
فأجابت :
سب الدين كفر بَوَاحٌ بالنص والإجماع , والدليل علي ذلك قوله تعالي ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم.[85]
33 ـ العلامة محمد أمان علي الجامي (ت : 1416 هـ )
سئل الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله مانصه :ما حكم من سب الله سبحانه وتعالى- يا سبحان الله- وسب الدين أو سب الرسول عليه الصلاة والسلام مع التفصيل حيث إن هنالك فتوى بأن مَن سب الله وإن تكرر منه ذلك باستمرار طالما أنه يصلي فهو فاسق وليس بكافر ؟
الجواب:
نحن في عصر العجائب وهذه الفتوى من العجائب إنْ كان المفتي مِن أهل العلم، فَكُفْرُ مَنْ سَبَّ الله ورسوله والدين الإسلامي محل إجماع ولا نعلم الخلاف في ذلك أبدا - قبل هذا المفتي- كائنا من كان - قبل هذا المفتي - أهل العلم مجمعون على أن مَنْ سب الله يعتبر كافر كفر بواحا ومن سب رسوله عليه الصلاة والسلام أو الدين الإسلامي أو سخر من الرسول أو سخر من الدين أو سخر من الله، فينبغي أن ننظر في المسألة نظرة عقلية، فالذي يسب الله أليس معنى ذلك يكره الله؟؟
شاب سألني البارحة أو قبل قال:"لو سب الله في حالة غضب، ما الحكم؟؟
الجواب:غَضِبَ على مَنْ؟؟!! يعني غضب على الله فسبه؟؟ وأراد الشاب أن يزيد - لعله دارس للفقه- قال:"على طلاق الغضبان"، الجواب: هذا قياس مع الفارق غضب زيد على امرأته لسوء عشرتها غضبا شديدا حتى فقد الشعور فطلقها لا يقع الطلاق؛ لكن تعالوا هل تتصورون عبدا من عبيد الله يغضب على رب العالمين فيسبه؟ يسب الله!!، هل تسب من تحبه؟؟!! "لا"، إنما تسب من تبغضه هنا سر الكفر؛ لأنه يُبْغِضُ الله -كره اللهَ حتى سبه-!!!
إذا كره الله كفر لأن كراهة الله خراب القلب - حقيقة الكفر خراب القلب - ومن خرب قلبه و كره خالقه وسب الله لا يجوز لمسلمٍ أن يشك في كفره ومَنْ يشك في كفره فلم يُكَفِّرْه فَيَكْفُر هو الثاني.
فانظر إلى المسألة بعين البصيرة "محبة الله روح الإيمان" ومحبة رسول الله عليه الصلاة والسلام شعبة عظيمة من شعب الإيمان، فكيف يجرؤ مسلم أن يسب رسول الله عليه الصلاة والسلام؟؟!! ، رسول الله الذي أثنى عليه أبي طالب وهو لم يؤمنْ به وأثنى على دينه - يا سبحان الله- أبو طالب يقول وهو يعترف بصحة دين محمد عليه الصلاة والسلام:
وَلقد علمت بأن دين محمدٍ ‍ لَولا المَلامَةُ أَو حِذارٌ مسُبَّةً ‍
مِن خَيرِ أَديانِ البَرِيَّةِ دينا لَوَجَدتَني سَمحاً بِذاكَ مُبين
مَنَعَ أبا طالب من الإيمان خوفُ المسبة وخوفُ الملامة؛ ولكنه يُقَدِّرُ رسول الله عليه الصلاة والسلام ويستميت في الدفاع عنه فآزره حتى بلغ رسالة ربه
و يأتي في هذا الوقت يفتي مفتٍ:"ولو سب الله ولو سب رسول الله عليه الصلاة والسلام طالما يصلي فهو فاسق ليس بكافر"!!!، وهل صلاته تقبل؟!!! وهل صلاة المرتد تقبل؟؟!! أليس من شرط قبول الأعمال الإيمان؟؟ فهذا ليس بمؤمن، لذلك لا ينبغي أن ننخدع إذا هفا عالم هفوة فلكل جوادٍ كبوة ولكل عالمٍ هفوة ولكنها زلة، "زَلةُ العالِم زلةُ العالَم" وخصوصا في هذا الوقت هذه الأشرطة أصبحت تنقل كل شيء من خير وشر إلى العالم في الداخل والخارج.
فكم يكون عيبا وعارا أن ينقل من عالم سني فتوى يفتي فيها بأن من سب الله ورسوله ليس بكافر، وقد أجمع العلماء قبله على ذلك(كفره) وسر الكفر واضح كما علمتم لأن سر ذلك خراب القلب فنسال الله لنا ولكم الثبات فالمسالة خطيرة ومن يتصدون للفتوى عليهم أن يراقبوا الله رب العالمين وإلا فموقفنا خطير .[86]اهـ
34 ـ الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز (ت: 1420 هــ):
قال الشيخ عبد العزيز بن باز /:سَبّ الدين والرَّبّ جلَّ وعلا، كل ذلك من أعظم أنواع الكفر بإجماع أهل العلم.[87]
وقال / : كل من سب الله سبحانه بأي نوع من أنواع السب , أو سب الرسول محمدا r , أو غيره من الرسل بأي نوع من أنواع السب أو سب الإسلام , أو تنقص أو استهزأ بالله أو برسوله r فهو كافر مرتد عن الإسلام إن كان يدعي الإسلام بإجماع المسلمين لقول الله عز وجل : { قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } الآية .
وقد بسط العلامة الإمام أبو العباس ابن تيمية / الأدلة في هذه المسألة في كتابه : الصارم المسلول على شاتم الرسول , فمن أراد الوقوف على الكثير من الأدلة في ذلك فليراجع هذا الكتاب لعظم فائدته ولجلالة مؤلفه , واتساع علمه بالأدلة الشرعية /....
وقد بسط العلماء رحمهم الله هذه المسائل وغيرها من نواقض الإسلام في باب حكم المرتد , وأوضحوا أدلتها فمن أراد الوقوف على ذلك فليراجع هذا الباب في كتب أهل العلم من الحنابلة والشافعية والمالكية والحنفية وغيرهم , ليجد ما يشفيه ويكفي إن شاء الله .
ولا يجوز أن يعذر أحد بدعوى الجهل في ذلك ; لأن هذه الأمور من المسائل المعلومة بين المسلمين وحكمها ظاهر في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله r.
والله ولي التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم .[88]
وقال / : سب الدين كفر أكبر عن الإسلام والعياذ بالله ، إذا سب المسلم دينه أو سب الإسلام ، أو تنقص الإسلام وعابه أو استهزأ به فهذه ردة عن الإسلام ، قال الله تعالى : ?قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم).
وقد أجمع العلماء قاطبة على أن المسلم متى سب الدين أو تنقصه أو سب الرسول أو انتقصه أو استهزأ به ، فإنه يكون مرتدا كافرا حلال الدم والمال ، يستتاب فإن تاب وإلا قتل.[89]
ومن ذلك استشهاده بكلام القرطبي وابن العربي والقاضي عياض موافقا إياهم بقوله: قال الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" عند تفسير هذه الآية ما نصه : قال القاضي أبو بكر بن العربي : لا يخلو أن يكون ما قالوه في ذلك - جدا أو هزلا - وهو كيف ما كان كفر ، فإن الهزل بالكفر كفر لا خلاف فيه بين الأمة )) انتهى المقصود.
وقال القاضي عياض / في كتابه "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" (ص 325) ما نصه : واعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف ، أو بشيء منه ، أو سبهما أو جحده أو حرفا منه أو آية ، أو كذب به أو بشيء مما صرح به فيه : من حكم ، أو خبر ، أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك ، أو شك في شيء من ذلك فهو كافر عند أهل العلم بإجماع ، قال الله تعالى : (وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد).اهـ[90]
35 ـ العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني (ت : 1420 هــ)
سئل الشيخ الألباني /مانصه : هل يخرج من الملة من سبّ الله تعالى والرسول r ؟
فأجاب بقوله:.. أما هل يخرج من ملة الإسلام من يسب الذات الإلهية ؟!! هذا بلا شك لا يحتاج إلى سؤال (!) فضلًا عن جواب؛ لأنه هو الكفر الذي ذرّ قرنه.[91]
وسئل /مانصه: الذي يسب الله ورسوله، وينصح ويصر على ذلك, فما حكمه؟.
فأجاب بقوله: كافر .[92]
36 ـ الفقيه الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين (ت:1421 هـ):
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين / ما نصه : مسألة العذر بالجهل هل تدخل فيها مسألة سب الدين وسب الرب؟
فأجاب بقوله:
هل أحد يجهل أن الرب يجب تعظيمه؟ قل: نعم، أو: لا؟ السائل: لا. الشيخ: لا أحد يجهل أن الرب له من التعظيم والإجلال ما لا يمكن أن يسبه أحد، وكذلك الشرع فهذه مسألة فرضية في الذهن لا وجود لها في الواقع. وعلى كل حال: كل من سب الله فهو كافر مرتد، حتى وإن كان يمزح، فيجب أن يقتل، ويجب أن يرفع أمره إلى ولي الأمر، ولا تبرأ الذمة إلا بذلك، ثم إن تاب وأناب وصلحت حاله وصار يسبح الله ويعظمه ويقوم بعبادته، فقال بعض أهل العلم: إن توبته لا تقبل، وإنه يقتل كافراً، قالوا: وذلك لعظم ذنبه وردته، فيقتل، وفي الآخرة أمره إلى الله لكن في الدنيا نقتله على أنه كافر، فلا نغسله ولا نكفنه ولا نصلي عليه ولا ندفنه مع المسلمين ولا ندعو له بالرحمة، هذا هو مذهب الحنابلة المشهور عند الحنابلة الآن، والذي يُعمل به. وقال بعض أهل العلم: إذا تاب وصلحت حاله وعرفنا أنه استقام وندم، فإنها تقبل توبته ويرفع عنه القتل، وإذا مات فشأنه شأن المسلمين، لأن هذا حق لله، وقد بين الله بكتابه أنه يغفر الذنوب جميعاً فقال: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر:53] وهذا القول هو الراجح: أننا إذا علمنا صدق توبته وحسن حاله فهو مسلم، لا يحل قتله. أما من سب الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيقتل بكل حال كافراً مرتداً، ولا تقبل توبته أيضاً عند الحنابلة رحمهم الله لعظم ذنبه، ولكن لو تاب وحسنت حاله ورأينا منه تعظيم الرسول r ، وتعظيم شريعته فهل نقبل توبته ونرفع عنه القتل، أم نقبل توبته ولا نرفع عنه القتل؟ هذا القول الثاني هو الصحيح، أننا نقبل توبته ونقول: أنت الآن مسلم، ولكن لابد أن نقتله. فإن قال الإنسان: كيف تقول: لابد أن نقتله، وأنت تذكر أن سب الرب عز وجل: إذا تاب منه الإنسان فإنه لا يقتل؟ هل حق الرسول أعظم من حق الله؟ الجواب: لا، حق الله أعظم بلا شك، ولكن الله أخبر عن نفسه بأنه يتوب على من تاب إليه والحق لله، إذا تاب الله على هذا العبد وعفا عن حقه فالأمر له، لكن رسوله عليه الصلاة والسلام إذا سبه الساب فقد انتقصه شخصياً والحق لمن؟ للرسول r ونحن الآن لا نعلم هل الرسول عفا أم لا، لأنه ميت، فيجب علينا أن نأخذ بالثأر ونقتله، وإذا علمنا أنه تائب حقيقة قلنا: هو مسلم يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين. ويدل لهذا: أن النبي r عفا عن أقوامٍ سبوه بعد أن أسلموا، عفا عنهم وسقط عنهم القتل. السائل: وسب الدين؟ الشيخ: سب الدين كسب الرب عز وجل.[93]
و سئل / ما نصه : أحسن الله إليك هذا ما حكم الشرع في نظركم في رجلٍ سب الدين وهل تطلق الزوجة من زوجها إذا سب الدين؟
فأجاب بقوله :
نعم إذا سب دين الإسلام فهو كافر لأن سب دين الإسلام سبٌ لله ورسوله ولكتابه وقد قال الله تبارك وتعالى (ولئن سألتهم ليقولون إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) واختلف العلماء رحمهم الله فيمن سب الله ورسوله هل تقبل توبته أم يقتل بكل حال والصحيح أن توبته تقبل لكن من سب الله وتاب قبلنا توبته ولم نقتله لقول الله تعالى (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات) وإن كان قد سب الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإننا نقبل توبته إذا تاب ولكن نقتله لحق الرسول r إنما في هذه الحال نقتله على أنه مسلم فنغسله ونكفنه ونصلي عليه وندفنه مع المسلمين فإن قال قائل كيف تقولون لا نقتل من سب الله إذا تاب وتقولون إذا سب الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن المعلوم أن حق الله أعظم من حق الرسول وحرمة الله أعظم من حرمة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالجواب أن الله تعالى أخبرنا عن نفسه أنه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات وهو حقه عز وجل وقد عفا عنه أما الرسول عليه الصلاة والسلام فإننا لا نعلم أيعفو عمن سبه أو لا وقد سبه أناس في حياته وعفا عنهم ولكن بعد موته لا ندري أيعفو أم لا فنقتله أخذاً للثأر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.[94]
و سئل / أيضا ما نصه : ما حكم الشرع في نظركم في رجل سب الدين في حالة غضب: هل عليه كفارة؟ وما شرط التوبة من هذا العمل حيث إني سمعت من أهل العلم يقولون : بأنك خرجت عن الإسلام في قولك هذا ويقولون بأن زوجتك حرمت عليك؟
فأجاب بقوله :الحكم فيمن سب الدين الإسلامي أنه يكفر ؛ فإنَّ سب الدين والاستهزاء به ردة عن الإسلام وكفر بالله عز وجل وبدينه، وقد حكى الله عن قوم استهزؤوا بدين الإسلام، حكى الله عنهم أنهم كانوا يقولون: إنما كنا نخوض ونلعب، فبين الله عزّ وجلّ أن خوضهم هذا ولعبهم استهزاء بالله وآياته ورسوله، وأنهم كفروا به فقال تعالى : {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ }
فالاستهزاء بدين الله، أو سب دين الله، أو سب الله ورسوله، أو الاستهزاء بهما: كفر مخرج عن الملة.
ومع ذلك فإن هنالك مجالاً للتوبة منه؛ لقول الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [الزُّمَر: 53]؛ فإذا تاب الإنسان من أي ردة، وكانت توبة نصوحاً، واستوفت شروط التوبة الخمسة؛ فإن الله يقبل توبته.[95]
وسئل / مانصه : كيف يعامل من كان يعتقد نفسه مسلماً وهو ساب لله؟
فأجاب بقوله :
الجواب: هذا ليس بمسلم ما دام قصد القول، فإن ساب الله تعالى كافر ولو كان ذلك على وجه اللعب والمزاح، بل إن فقهاء الحنابلة رحمهم الله يقولون: من سب الله لا تقبل توبته، يعني: لو جاء وقال: أشهد أني مخطئ وأنا تائب، وأن الرب عز وجل له كمال الصفات يقولون: ما نقبل توبتك وحكمك القتل وتوبتك بينك وبين ربك. لكن الصحيح أنه تقبل إذا علمنا أنه صادق التوبة، وذلك من سيرته واستقامته فيما بعد.
وسئل /: عن حكم من يمزح بكلام فيه استهزاء بالله أو الرسول r ، أو الدين ؟
فأجاب بقوله : هذا العمل وهو الاستهزاء بالله أو رسوله r ، أو كتابه أو دينه ولو كان على سبيل المزح ، ولو كان على سبيل إضحاك القوم كفر ونفاق ، وهو نفس الذي وقع في عهد النبي r ، في الذين قالوا : "ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنا ، ولا أجبن عند اللقاء" . يعني رسول الله r ، وأصحابه القراء فنزلت فيهم : (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب).[96]
37 ـ العلامة صالح بن فوزان الفوزان :
قال شيخنا صالح الفوزان ـ حفظه الله ـ: لا يشك مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن من سب الله أو رسوله أنه كافر مرتد عن دين الإسلام، فإن شك فإنه مثله، الذي يشك في ردة هذا فهو مثله، قال الله جل وعلا : ((قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم)) ، نعم.
وقال :-معلقا على قوله تعالى- (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ..)-: ففي هاتين الآيتين الكريمتين مع بيان سبب نزولهما دليل واضح على كفر من استهزأ بالله ، أو رسوله ، أو آيات الله ، أو سنة رسوله ، أو بصحابة رسول الله ، لأن من فعل ذلك فهو مستخف بالربوبية والرسالة وذلك مناف للتوحيد والعقيدة ، ولو لم يقصد حقيقة الاستهزاء، ومن هذا الباب الاستهزاء بالعلم وأهله وعدم احترامهم أو الوقيعة فيهم من أجل العلم الذي يحملونه ، وكون ذلك كفر ولو لم يقصد حقيقة الاستهزاء ؛ لأن هؤلاء الذين نزلت فيهم الآيات جاءوا معترفين بما صدر منهم ومعتذرين بقولهم : إنما كنا نخوض ونلعب ? أي لم نقصد الاستهزاء والتكذيب وإنما قصدنا اللعب ، واللعب ضد الجد فأخبرهم الله على لسان رسوله r أن عذرهم هذا لا يغني من الله شيئا ، وأنهم كفروا بعد إيمانهم بهذه المقالة التي استهزءوا بها ، ولم يقبل اعتذارهم بأنهم لم يكونوا جادين في قولهم ، وإنما قصدوا اللعب ولم يزد ? في إجابتهم على تلاوة قول الله تعالى : (أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) ؛ لأن هذا لا يدخله المزح واللعب ، وإنما الواجب أن تحترم هذه الأشياء وتعظم ، وليخشع عند آيات الله إيمانا بالله ورسوله وتعظيما لآياته . والخائض اللاعب منتقص لها … قال شيخ الإسلام ابن تيمية / : فقد أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم : إنما تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له ، بل إنما كنا نخوض ونلعب ، وبين أن الاستهزاء بآيات الله كفر ولا يكون هذا إلا ممن شرح صدرا بهذا الكلام ، ولو كان الإيمان في قلبه لمنعه أن يتكلم بهذا الكلام ، والقرآن يبين أن إيمان القلب يستلزم العمل الظاهر بحسبه.[97]
38 ـ العلامة ربيع بن هادي المدخلي :
قال الشيخ ربيع -في معرض رده على أبي الحسن المأربي -في مقال عنونه بــــ " انتقاد عقدي ومنهجي لكتاب السراج الوهاج "-ص 22 س 9 :قرر أبو الحسن حكم من سب الله أو رسوله - صلى الله عليه وسلم - تقريراً جيداً غير أنه قال بعد ذلك خلال استثناء بعض الأسباب : (( أو سبق ذلك على لسانه لسبب من الأسباب دون قصد كغضب شديدٍ فإذا ذكِّر تاب وأناب فمثل هذا لا شيء عليه ))- .
قلت : في الغاضب نظر؛ إذ كيف لا يجد من يسبه في حال غضبه إلا الله أو رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكيف نقول : فمثل هذا لا شيء عليه، فإذا كان فعله وقوله غير ذنب فلماذا نقول إنه تاب وأناب .
يرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن مجرد السب في حد ذاته كفر وهو سبب قائم بذاته وينكر على من يشترط الاستحلال وناقشه في ذلك بوجوه ومنها قوله :
(( الوجه الرابع : أنه إذا كان المكفر هو اعتقاد الحل فليس في السب ما يدل على أن الساب مستحل، فيجب ألا يكفر، لا سيما إذا قال : (( أنا أعتقد أن هذا حرام وإنما أقول غيظاً وسفهاً أو عبثاً أو لعباً )) كما قال المنافقون { إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } ، وكما إذا قال : إنما قذفت هذا أو كذبت عليه عبثاً ولعباً، فإن قيل لا يكونون كفاراً فهو خلاف نص القرآن، وإن قيل : يكونون كفاراً فهو تكفير بغير موجب إذا لم يجعل نفس السب مكفراً ..)) الخ .[ الصارم المسلول ص 516 تحقيق/ محمد محيي الدين ] .
والشاهد أنه اعتبر من ادعى أن سبه كان غيظاً : كافراً ولو كان يعتقد تحريم ذلك، والغيظ هو الغضب بل أشده .
فلو رأيتم حذف قولكم ( كغضب شديد ... ) إلخ فهو أمر مناسب وأبعد عن إثارة أناس يستغلون الفرص على أمثالكم وإخوانكم من أهل السنة فيقيمون الدنيا ويقعدونَها.اهـ
39 ـ الشيخ عبد المحسن العباد :
سئل شيخنا الفاضل عبد المحسن العباد ـ حفظه الله ـ ما نصه : هل الرجل الجاهل الذي يسب الله عز وجل نكفره ابتداءً كالعالم بحكم السب، أم أننا لا نكفره حتى نقيم عليه الحجة وبيان المحجة؟
فأجاب بقوله:
كيف تقام الحجة على سب الله؟! وكيف يقال: إن هذا يجوز أو لا يجوز؟! فسبّ الله ليس فيه جهل، فمن سب الله عز وجل فهو كافر، إلا إذا كان سَبْقَ لسان دون قصد فهو معذور، وأما أن يتلفظ الإنسان ويتفوّه بسب الله عز وجل فليس له حجة، فهذا أمر لا يجوز وليس هناك أحد عنده شك أن سبّ الله لا يجوز.
و سئل أيضا -حفظه الله- ما نصه : يوجد في بلادنا كثير من الناس إذا غضب يسب الله، ويلعن الدين، فما حكم من يسب الدين في حالة الغضب؟
فأجاب بقوله :
نسأل الله العافية، فسب الدين كفر عن الإسلام والعياذ بالله! وهذا الإنسان لا يجد شيئاً يسبه عندما يغضب إلا الله عز وجل فهذا هو الخذلان.[98]
40 ـ الشيخ صالح آل الشيخ :
سئل فضيلة الشيخ صالح آل الشيخ ـ حفظه الله ـ ما نصه : هل يكفر قوم بأن عندهم عادة سب الدين والرسول ومنهم جاهل بأن ذلك كفر وأنه منكر هل يكفر بالجهل؟
فأجاب بقوله :
من سب الإسلام الذي أنزله الله جل وعلا على محمد r فهو كافر ولا يعذر بالجهل ولا بأن يقول ما قلته على وجه المزاح واللعب أو غلطت ما علمت إلى آخر ذلك، كذلك سب الله جل وعلا كذلك سب الرسول r فإن تعظيم الله جل وعلا تعظيم رسوله r وتعظيم القرآن وتعظيم دين الإسلام هذا واجب من الواجبات ويعلم بالضرورة من دين الإسلام فإذا سب معناه أنه نافى ذلك التعظيم وهذا كفر بمجرده.
أما سب دين فلان فهذا لا يكفر به، فإذا سب معين من الناس، مثلا تخاصما اثنان فقال أحدهما للآخر: كذا دينك. فسب دينه فهذا لا يكفر، لأن هذا يحتمل أن يريد تدينه، والديانة التي هو عليها، فلا يكفر إلا إذا سب الإسلام مطلقا، أما إذا سب الدين المضاف إلى بعض الناس فإنه لا يكفر به، لأن هذا فيه شبهة لكن يعزر ويؤدب.[99]
وإليك أخي القارئ واقعة تاريخية توضِّح المراد كما سجَّلها القاضي عياض: في كتابه "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" الشفا (2/299) حيث يقول: وقد أفتى ابن حبيب وأصبغ بن خليل من فقهاء قرطبة بقتل المعروف بـ"ابن أخي عجب" ، وكان خرج يوماً، فأخذه المطر، فقال: بدأ الخرّاز يرش جلوده.[100] وكان بعض الفقهاء به - أي بقرطبة - أبو زيد، وعبد الأعلى بن وهب، وابن عيسى قد توقفوا عن سفك دمه، وأشاروا إلى أنه عبث من القول يكفي فيه التأديب ، وأفتى بمثله القاضي حينئذٍ موسى بن زياد، فقال ابن حبيب: "دمه في عنقي، أيشْتُم ربّاً عبدناه ولا ننتصر له ؟ إنَّا إذاً لعبيد سوء، وما نحن له بعابدين"، وبكى، ورفع المجلس إلى الأمير بها " عبد الرحمن ابن الحكم الأموي" وكانت "عجب" عمة هذا المطلوب من حظاياه، أي من أحب الزوجات لعبد الرحمن ابن الحكم، وأُعْلِمَ باختلاف الفقهاء، فخرج الإذن من عنده بالأخذ بقول ابن حبيب وصاحبه، وأمر بقتله، فقُتِلَ وصُلِبَ بحضرة الفقيهين: ابن حبيب، وأصبغ، وعزل القاضي لتهمته بالمداهنة في هذه القصة، ووبّخ بقية الفقهاء وسبّهم .
السبّ علامة و أمارة على الكفر هو قول المرجئة:
من عقيدة أهل السنة و الجماعة أنه من سبّ الله أو سبّ رسوله r ، فقد كفر ظاهرا و باطنا ، و السب كفر في ذاته ، وهو مستلزم لكفر الباطن ،ـ كما سبق نقله عن شيخ الإسلام و غيره من الأئمة .
وأما القول بأن سبّ الله جلّ جلاله وسب رسوله r أو الاستهزاء بالدين الإسلامي أنه ليس كفر ولكنه دال على الكفر ، أو علامة وأمارة على الكفر، فإنهذاهو قول المرجئة الضّلال فليتنبّه لهذا المنزلق الخطير فإنها مزلّة قدم .
وقد شهد الله تعالى بأن أهل الكتاب يعرفون الحق ويكتمونه، ويعرفون أن الله تعالى حق وأن محمداً رسول الله r بأنه حق، ويظهرون بألسنتهم خلاف ما استيقنت بها أنفسهم، وما سماهم الله عز وجل إلا كفاراً وذلك بما ظهر منهم بألسنتهم وأفعالهم . والحق أن كثيرا من الكفار يعتقدون أنهم على حق فيما يقولونه ويفعلونه، وأنهم لايقصدون الوقوع في الكفر أو الشرك، قال تعالى {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا }[101] .
قال ابن جرير الطبري : : وهذا من أدل الدلائل على خطإ قول من زعم أنه لايكفر بالله أحد إلا من حيث يقصد إلى الكفر بعد العلم بوحدانيته، وذلك أن الله تعالى ذكرُه أخبر عن هؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآية أن سعيهم الذي سعوا في الدنيا ذهب ضلالا، وقد كانوا يحسبون أنهم محسنون في صنعهم ذلك، وأخبر عنهم أنهم هم الذين كفروا بآيات ربهم، ولو كان القول كما قال الذين زعموا أنه لايكفر بالله أحد إلا من حيث يعلم، لوجب أن يكون هؤلاء القوم في عملهم الذي أخبر الله عنهم أنهم كانوا يحسبون فيه أنهم يحسنون صنعه مثابين مأجورين عليه، ولكن القول بخلاف ما قالوا، فأخبر جل ثناؤه عنهم أنهم بالله كفرة وأن أعمالهم حابطة.[102]
ومن أدلة هذا التفريق قوله تعالى: { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ }.
قال شيخ الإسلام : : فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرا، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر، فبين أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه، فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف، ففعلوا هذا المحرَّم الذي عرفوا أنه محرم، ولكن لم يظنوه كفرا، وكان كفرا كفروا به، فإنهم لم يعتقدوا جوازه[103].
و قال : :إنِّ سبَّ الله أو سب رسوله كفر ظاهراً وباطناً، سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم أو كان مستحلاً له أو كان ذاهلاً عن اعتقاده. هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل...., كذلك قال أصحابنا وغيرهم: من سب الله كفر سواء كان مازحاً أو جاداً.. وهذا هو الصواب المقطوع به[104]
و قال أيضا :فهؤلاء القائلون بقول جهم والصالحى، قد صرحوا بأن سب الله ورسوله والتكلم بالتثليث وكل كلمة من كلام الكفر ليس هو كفر في الباطن،ولكنه دليل فى الظاهر على الكفر.[105]
ويقول : -فى تفسير قوله تعالى: { من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً }الآيات-: لو كان التكلم بالكفر لا يكون كفراً إلا إذا شرح به الصدر لم يستثن المكره، فلما استثنى المكره علم أن كل من تكلم بالكفر غير المكره فقد شرح به صدراً. فهو حكم وليس قيداً للحكم.[106]
وقال أيضا: ويجب أن يعلم أن القول بأن كفر الساب في نفس الأمر إنما هو لاستحلاله السبّ زلة منكرة وهفوة عظيمة ويرحم الله القاضي أبي يعلي لقد ذكر في غير موضع ما يناقض ما قاله هنا، وإنما وقع من وقع في هذه المهواة بما تلقوه من كلام طائفة من متأخرى المتكلمين ـ وهم الجهمية الإناث الذين ذهبوا مذهب الجهمية الأولى .[107]
وقال أيضا: وقالوا -أي الجهم ومن وافقه-: لو فعل ما فعل من الأفعال الظاهرة لم يكن بذلك كافرا في الباطن، لكن يكون دليلا على الكفر في أحكام الدنيا، فإذا احتج عليهم بنصوص تقتضي أنه يكون كافرا في الآخرة، قالوا: فهذه النصوص تدل على أنه في الباطن ليس معه من معرفة الله شيء، فإنها عندهم شيء واحد، فخالفوا صريح المعقول وصريح الشرع.[108]
وقال : : ويجب أن يعلم أن القول بأن كفر الساب في نفس الأمر إنما هو لاستحلاله السب زلة منكرة وهفوة عظيمة … وذلك من وجوه :
أحدها : أن الحكاية المذكورة عن الفقهاء أنه إن كان مستحلا كفر، وإلا فلا ، ليس لها أصل ، وإنما نقلها القاضي من كتاب بعض المتكلمين الذين نقلوها عن الفقهاء ، وهؤلاء نقلوا قول الفقهاء بما ظنوه جاريا على أصولهم ، أو بما قد سمعوه من بعض المنتسبين إلى الفقه ممن لا يعد قوله قولا ، وقد حكينا نصوص أئمة الفقهاء وحكاية إجماعهم عمن هو من أعلم الناس بمذاهبهم ، فلا يظن ظان أن في المسألة خلافا يجعل المسألة من مسائل الخلاف والاجتهاد ، وإنما ذلك غلط ، لا يستطيع أحد أن يحكي عن واحد من الفقهاء أئمة الفتوى هذا التفصيل البتة .
الوجه الثاني : أن الكفر إذا كان هو الاستحلال فإنما معناه اعتقاد أن السب حلال ، فإنه لما اعتقد أن ما حرمه الله تعالى حلال كفر ، ولا ريب أن من اعتقد في المحرمات المعلوم تحريمها أنها حلال كفر ، لكن لا فرق في ذلك بين سب النبي وبين قذف المؤمنين والكذب عليه والغيبة لهم إلى غير ذلك من الأقوال التي علم أن الله حرمها ، فإنه من فعل شيئا من ذلك مستحلا كفر ، مع أنه لا يجوز أن يقال : من قذف مسلما أو اغتابه كفر ، ويعني بذلك إذا استحله .
الوجه الثالث : أن اعتقاد حل السب كفر ، سواء اقترن به وجود السب أو لم يقترن ، فإذا لا أثر للسب في التكفير وجودا وعدما ، وإنما المؤثر هو الاعتقاد ، وهو خلاف ما أجمع عليه العلماء .
الوجه الرابع : أنه إذا كان المكفر هو اعتقاد الحل فليس في السب ما يدل على أن الساب مستحل ، فيجب أن لا يكفر ، لاسيما إذا قال " أنا أعتقد أن هذا حرام ، وإنما أقول غيظا وسفها ، أو عبثا أو لعبا " كما قال المنافقون : (إنما كنا نخوض ونلعب).
وكما إذا قال : إنما قذفت هذا وكذبت عليه لعبا وعبثا ، فإن قيل لا يكونون كفارا فهو خلاف نص القرآن ، وإن قيل يكونون كفارا فهو تكفير بغير موجب إذا لم يجعل نفس السب مكفرا ، وقول القائل : أنا لا أصدقه في هذا لا يستقيم ، فإن التكفير لا يكون بأمر محتمل ، فإذا كان قد قال : أنا أعتقد أن ذلك ذنب ومعصية وأنا أفعله ، فكيف يكفر إن لم يكن ذلك كفرا ؟
ولهذا قال I : (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) ولم يقل قد كذبتم في قولكم إنما كنا نخوض ونلعب ، فلم يكذبهم في هذا العذر كما كذبهم في سائر ما أظهروه من العذر الذي يوجب براءتهم من الكفر لو كانوا صادقين ، بل بين أنهم كفروا بعد إيمانهم ، بهذا الخوض واللعب.[109]
وينقل الشهرستاني: : عن المرجئة أنهم يقولون: من قتل نبيا أو لطمه كفر لا من أجل القتل واللطم ولكن من أجل الاستخفاف والعداوة والبغض، وإلى هذا المذهب ميل ابن الراوندي وبشر المريسي، قالا: الإيمان هو التصديق بالقلب واللسان جميعا، والكفر هو الجحود والإنكار، والسجود للشمس والقمر والصنم ليس بكفر في نفسه ولكنه علامة على الكفر.[110]
ولذا قال الإمام ابن حزم : : فى معرض كلامه عن سب الله تعالى: وأما سب الله تعالى فما على ظهر الأرض مسلم يخالف أنه كفر مجرد، إلا أن الجهمية والأشعرية وهما طائفتان لا يعتد بهما يصرحون بأن سب الله تعالى وإعلان الكفر ليس كفراً، قال بعضهم: ولكنه دليل على أنه يعتقد الكفر، لا أنه كافر بيقين بسبه الله تعالى.
وأصلهم فى هذا أصل سوء خارج عن إجماع أهل الإسلام، وهو أنهم يقولون: الإيمان هو التصديق بالقلب فقط وإن أعلن الكفر. [111]
وقال أيضا: ثم يقال لهم إذ ليس شتم الله تعالى عندكم كفراً، فمن أين لكم أنه دليل على الكفر؟.
فإن قالوا: لأنه محكوم على قائله بحكم الكفر.
قيل لهم: محكوم عليه بنفس قوله لا بمغيب ضميره الذى لا يعلمه إلا الله تعالى، فإنما حكم له بالكفر بقوله فقط، فقوله هو الكفر ، وقد أخبر تعالى عن قوم يقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم فكانوا بذلك كفاراً كاليهود الذين عرفوا صحة نبوة محمد r كما يعرفون أبناءهم وهم مع هذا كفار بالله تعالى قطعاً بيقين إذ أعلنوا كلمة الكفر.[112]
وقال : : وأما الأشعرية فقالوا: إن شتم من أظهر الإسلام لله تعالى ولرسوله بأفحش ما يكون من الشتم، وإعلان التكذيب بهما باللسان بلا تقية ولا حكاية، والإقرار بأنه يدين بذلك، ليس شىء من ذلك كفراً، ثم خشوا مبادرة جميع أهل الإسلام لهم، فقالوا:لكنه دليل على أن فى قلبه كفراً.
بل نقل فى الموضع نفسه عن الأشعرية أنهم يقولون: "إن إبليس لم يكفر بمعصية الله تعالى فى ترك السجود لآدم ولا بقوله أنا خير منه، وإنما كفر بجحد لله تعالى كان فى قلبه".[113]
ثم قال: -وأما قولهم إن شتم الله تعالى ليس كفراً وكذلك شتم رسول الله r ولكنه دليل على أن فى قلبه كفراً-
قال: فهو دعوى، لأن الله تعالى قال: { يحلفون بالله ما قالوا، ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم } فنص -تعالى- على أن من الكلام ما هو كفر.
وقال تعالى: { إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا فىحديث غيره إنكم إذاً مثلهم } .
فنص تعالى: أن من الكلام فى آيات الله تعالى ما هو كفر بعينه مسموع.
وقال تعالى: { قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة }.
فنص تعالى على أن الاستهزاء بالله تعالى أو بآياته أو برسول من رسله كفر مُخرج عن الإيمان ولم يقل تعالى فى ذلك أنى علمت أن فى قلوبهم كفراً، بل جعلهم كفاراً بنفس الاستهزاء.
ومن ادعى غير هذا فقد قَوَّل الله تعالى ما لم يقل وكذب على الله تعالى.[114]
وقال القاضى أبو يعلى : : من سب الله أو سب رسوله فإنه يكفر سواء استحل سبه أو لم يستحله، فإن قال لم أستحل ذلك لم يقبل منه.[115]
ويقول الحافظ ابن حجر : -في شرح حديث المارقة ( يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)-: وفيه أن من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروج منه، ومن غير أن يختار دينا على دين الإسلام.[116]
و قد سئلت "اللجنة الدائمة للإفتاء" عن شخص سب الدين ؟
فأجابت بما يلي : سب الدين كفر بَوَاحٌ بالنص والإجماع , والدليل علي ذلك قوله تعالي ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) .
فمن خالف في هذا الأصل واشترط الاستحلال أو الاعتقاد القلبي للتكفير بسب الله أو سب رسوله أو الاستهزاء بالدين، فقد خرج من مذهب أهل السنة إلى مذهب المرجئة، وليس ينفعه انتسابه إلى السلف الصالح رضوان الله عليهم، إذ لا يعدو هذا الانتساب أن يكون دعوى ليس له عليها بينة:
والدعاوى ما لم تقيموا عليها بينات أبناؤها أدعياء.[117]
وسئل الشيخ ابن عثيمين : ما نصه: ما حكم من يسب الدين أي يشتم الإنسان بلعن دينه وماذا عليه إن كان متزوجاً وإذا سألته عن ذلك يقول هذا لغو ولم أقصد سب الدين؟
فأجاب بقوله : نعم سب الدين كفر ولعن الدين كفرٌ أيضاً لأن سب الشيء ولعنه يدل على بغضه وكراهته وقد قال الله تعالى (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم) وإحباط الأعمال لا يكون إلا بالردة لقوله تعالى (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) فالمهم أن هذا الذي يسب الدين لا شك في كفره وكونه يدعي أنه مستهزئ وأنه لاعبوأنه ما قصد هذا لا ينفي كفره كما قال الله تعالى عن المنافقين (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) ثم نقول له إذا كنت صادقاً في أنك تمزح أو أنت هازل لست بجاد فارجع الآن وتب إلى الله فإذا تبت قبلنا توبتك تب إلى الله وقل استغفر الله مما جرى وارجع إلى ربك وإذا تبت ولو من الردة فإنك مقبول التوبة.[118]
وسئل شيخنا صالح الفوزان ـ حفظه الله ـ ما نصه: هل هذا القول صحيح أم لا : أن من سبّ الله وسبّ الرسول r ليس بكفر في نفسه ،ولكنه أمارة وعلامة على ما في القلب من الاستخفاف والاستهانة ؟
فأجاب بقوله : هذا قول باطل، لأن الله حكم على المنافقين بالكفر بعد الإيمان بموجب قولهم : ( ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أجبن عند اللقاء ) يعنون رسول الله r وأصحابه ، فأنزل الله فيهم قوله I : ( قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) ، فكفّرهم بهذه المقالة ولم يشترط في كفرهم أنهم كانوا يعتقدون ذلك بقلوبهم، بل إنه حكم عليهم بالكفر بموجب هذا المقالة . وكذلك قوله تعالى : ( وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ ) فرتب الكفر على قول كلمة الكفر.[119]
قال شيخنا عبد العزيز الراجحي ـ حفظه الله ـ : ترى فيه وفي أناس كثير الآن يقررون مذهب المرجئة، بعض العلماء الآن يقررون مذهب المرجئة، يقولون: لا يكون الكفر إلا بالقلب، ولا يكون الإيمان إلا بالقلب ويرجعون الجهل، ويرجعون النطق، يقولون: إذا سجد للصنم ما يكون كافرا، لكن هذا دليل على الكفر، دليل على ما في القلب إذا كان قلبه مكذبا صار كافرا، وإلا السجود ما هو كفر، السجود دليل على الكفر، إذا سب الله وسب الرسول، يقول هذا ليس بكفر، لكن دليل الكفر دليل على ما في قلبه، هذا قول المرجئة، يقول السجود نفس السجود كفر، ليس دليل على الكفر، نفس القول والسبب هو الكفر، نفس الشك كفر، انتبهوا لهذا .[120]
و سئل ـ حفظه الله ـ ما نصه : هل هذا القول صحيح أم لا : أن سب الله وسب الرسول r ليس بكفر في نفسه، ولكنه أمارة وعلامة على ما في القلب من الاستخفاف والاستهانة ؟
فأجاب بقوله :
هذا القول ليس بصحيح ، بل هو قول المرجئة وهو قول باطل ، بل إن نفس السب كفر ونفس الاستهزاء كفر كما قال تعالى : { قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } فأثبت لهم الكفر بعد الإيمان بهذه المقالة ولم يقل إن كنتم تعتقدون في قلوبكم شيئا ، فالله تعالى أطلق الكفر عليهم بهذه المقالة ، فدل على أن القول بأن كلام الكفر أو قول الكفر ليس بكفر بل هو علامة على ما في القلب هذا باطل ، فالقلب لا يعلم ما فيه إلا الله تعالى والكفر يكون بالقلب ويكون بالقول ويكون بالعمل ، والمقصود أن هذه المقالة تتمشى مع مذهب المرجئة .[121]
وفي الختام نسأل الله I بمنه وكرمه أن يجعل ما سطّرته من العلم النافع لكاتبه وقارئه ، وأن يكون خالصا لوجهه الكريم ،مبتغ مرضاته وأن يرزقنا الاقتفاء بأثر نبيه الكريم ، و يدخلنا جناته جنات النعيم ، و لا يخزنا يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ،وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلّم .
وكتبه :
عبد الحميد الهضابي









[1] ـ انظر :" فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء "(رقم الفتوى 3419)
[2] ـ قال ابن تيمية: السَّبُّ ... هو الكلام الذي يقصد به الانتقاص والاستخفاف، وهو ما يُفهم منه السب في عقول الناس على اختلاف اعتقاداتهم، كاللعن، والتقبيح، ونحوه. "الصارم المسلول"( ص: 563)
[3] ـ "والغضب عند أهل العلم له ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: أن يشتد غضبه حتى يفقد عقله، وحتى لا يبقى معه تمييز من شدة الغضب. فهذا حكمه حكم المجانين والمعاتية؛ لا يترتب على كلامه حكم؛ لا طلاقه، ولا سبّه، ولا غير ذلك، ويكون كالمجنون لا يترتب عليه حكم.
المرتبة الثانية: دون ذلك، أن يشتد معه الغضب ويغلب عليه الغضب جدًّا حتى يغير فكره، وحتى لا يضبط نفسه ويستولي عليه استيلاءً كاملاً، حتى يصير كالمكره والمدفوع الذي لا يستطيع التخلص مما في نفسه، لكنه دون الأول، فلم يَزُلْ شعوره بالكيلة، ولم يفقد عقله بالكلية، لكن معه شدة غضب بأسباب المسابة والمخاصمة والنزاع بينه وبين بعض الناس كأهله أو زوجته أو ابنه أو أميره أو غير ذلك.
فهذا اختلف فيه العلماء؛ فمنهم من قال: حكمه حكم الصاحي وحكم العاقل؛فتنفّذ فيه الأحكام، فيقع طلاقه، ويرتد بسبّه الدين، ويحكم بقتله ورِدَّته، ويُفرَّق بينه وبين زوجته.
ومنهم من قال: يُلحق بالأول الذي فقد عقله؛ لأنه أقرب إليه، ولأن مثله مدفوع مكره إلى النطق، لا يستطيع التخلص من ذلك لشدة الغضب.
وهذا قول أظهر وأقرب، وأن حكمه حكم من فقد عقله في هذا المعنى، أي في عدم وقوع طلاقه، وفي عدم ردْته؛ لأنه يشبه فاقد الشعور بسبب شدة غضبه واستيلاء سلطان الغضب عليه حتى لم يتمكن من التخلص من ذلك.
واحتجوا على هذا بقصة موسى عليه الصلاة والسلام، فإنه لما وجد قومه على عبادة العجل اشتد غضبه عليهم، وجاء وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه من شدة الغضب، فلم يؤاخذه الله لا بإلقاء الألواح، ولا بجر أخيه هارون وهو نبي مثله، ولو ألقاها تهاوناً بها وهو يعقل لكان هذا عظيماً، ولو جرَّ إنسان النبي بلحيته أو رأسه وآذاه لصار هذا كفراً.
لكن لما كان موسى في شدة الغضب العظيم لله عزَّ وجلَّ على ما جرى من قومه سامحه الله، ولم يؤاخذه بإلقاء الألواح ولا بجر أخيه.
هذه من حجج الذين قالوا: إن طلاق هذا الذي اشتد به الغضب لا يقع، وهكذا سبّه لا تقع به ردّة، وهو قول قوي وظاهر، وله حجج أخرى كثيرة بسطها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله والعلامة ابن القيم، واختار هذا القول.
وهذا القول أرجح عندي وهو الذي أُفتي به؛ لأن من اشتد غضبه ينغلق عليه قصده، ويشبه المجنون بتصرفاته وكلامه القبيح، فهو أقرب إلى المجنون والمعتوه منه إلى العاقل السليم، وهذا قول أظهر وأقوى.
ولكن لا مانع من كونه يُؤدَّب بعض الأدب إذا فعل شيئاً من أسباب الردّة أو من وجوه الردّة، وذلك من باب الحيطة، ومن باب الحذر من التساهل بهذا الأمر، أو وقوعه منه مرة أخرى إذا أدَّب بالضرب أو بالسجن أو نحو ذلك، وهذا قد يكون فيه مصلحة كبيرة، لكن لا يحكم عليه بحكم المرتدين من أجل ما أصابه من شدة الغضب التي تشبه حال الجنون، والله المستعان.ُ
المرتبة الثالثة: فهو الغضب العادي، الذي لا يزول معه العقل، ولا يكون معه شدة تضيِّق عليه الخناق، وتفقده ضبط نفسه، بل هو دون ذلك، غضب عادي يتكدّر ويغضب، ولكنه سليم العقل سليم والتصرف.
فهذا عند أهل العلم تقع تصرفاته، ويقع بيعه وشراؤه وطلاقه وغير ذلك؛لأن غضبه خفيف لا يغير عليه قصده ولا قلبه. والله أعلم". قاله الشيخ ابن باز كما في "فتاوى نور على الدرب" المجلد الأول
[4] ـ إن الإيمان بالله تعالى مبني على التعظيم والإجلال للرب عز وجل، ولا شك أن سب الله تعالى والاستهزاء به يناقض هذا التعظيم ولا يجامعه.يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : مبيناً أن سب الله تعالى أو سب رسوله r أوالإستهزاءبالشريعة يناقض التوحيد:" فمن اعتقد الوحدانية في الألوهية لله I، والرسالة لعبده ورسوله، ثم لم يتبع هذا الاعتقاد موجبه من الإجلال والإكرام، الذي هو حال في القلب يظهر أثره على الجوارح، بل قارنه الاستخفاف والتسفيه والازدراء بالقول، أو الفعل، كان وجود ذلك الاعتقاد كعدمه، وكان ذلك موجباً لفساد ذلك الاعتقاد ومزيلاً لما فيه من المنفعة والصلاح، إذ الاعتقادات الإيمانية تزكي النفوس وتصلحها فمتى لم توجب زكاة النفس ولا صلاحها، فما ذاك إلا لأنها لم ترسخ " الصارم المسلول " ( ص : 375 ) ،
ويقول العلامة السعدي :: إن الاستهزاء بالله ورسوله كفر يخرج عن الدين؛ لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيم دينه ورسله، والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة." تيسير الكريم الرحمن "(ص : 343 )
[5] ـ لحديث أبي هريرة ط قال : قال رسول الله r : لَلّهُ أشدُّ فْرَحا بتوبةِ عبده -حين يَتُوبُ إليه- من أحدِكم كان على راحلته بأرضٍ فلاةٍ فَانْفَلَتتْ منه ، وعليها طعامُه وشرابهُ فَأَيسَ منها»، فأتَى شَجرة فاضطَجَع في ظِلِّها قد أيسَ من راحلته فبينا هو كذلك، إذا هو بها قائمةٌ عنده ، فأخذ بخِطامِها ، ثم قال من شِدَّة الفرح : اللهم أنت عَبْدي وأنا ربكَ ،أخطأ من شدة الفرح. أخرجه مسلم (2675).
[6]ـ سورة التوبة آية : 64 ـ65 ـ 66
[7] ـ "تفسير الطبري" (14/333 )، وصححه العلامة مقبل الوادعي في "الصحيح المسند من أسباب النزول" (ص77).
[8] ـ "مجموع الفتاوى" (7/273)
[9] ـ المصدر نفسه (7/272)
[10] ـ "الإيمان"لابن تيمية (2/284)
[11] ـ "التفسير الكبير "(16/124) .
[12] ـ "أحكام القرآن" (3/ 142) .
[13] ـ "مجموع فتاوى ابن باز" (10 / 261 ) .
[14] ـ "الدمعة البازية"
[15] ـ "الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد" (ص 80-81)
[16] ـ سورة الأحزاب آية : 57 ـ 58
[17] ـ "الشفا"(2/219).
[18] ـ "الصارم المسلول"(1/45 ـ 46)
[19] ـ سورة التوبة آية : 12
[20] ـ "الصارم المسلول" (1/21)
[21] ـ "تفسير القرطبي"(8/82)
[22] ـ أخرجه أبو داود (4361) ، والنسائي (4070)،والبيهقى (13757) ، والضياء (2/169) ، و صححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود (4361)،وفي " الإرواء " ( 1 / 92 ) و قال : إسناده على شرط مسلم .
[23] ـ "الصارم المسلول"(1/66)
[24] ـ "عون المعبود شرح سنن أبي داود" (12/11-12).
[25] ـ "سنن النسائي" (7/124)
[26] ـ "الصارم المسلول"(1/73)
[27] ـ أخرجه البخاري (2510) ومسلم (1801)
[28] ـ "شرح مسلم" للنووي (12/403)
[29] ـ أخرجه الطيالسى (4) ، وأحمد (54) ، والحميدى (6) ، وأبو داود (4363) ، والنسائى (4071) ، وأبو يعلى (81 ) ، والحاكم (8046 ) ، والبيهقى (13155) ، والضياء (25) وقال : إسناده صحيح . وصححه الألباني في "صحيح سنن النسائي (4071) ،وصححه شيخنا محمد علي آدم الأثيوبي في " ذخيرة العقبى " ( 32 / 31 )
[30] ـ "الصارم المسلول" (1/99)
[31] ـ أخرجه مسلم ( 2781 )
[32] ـ "الصارم المسلول"(1/122 ـ 123)
[33] ـ "زاد المعاد"( 5/60)
[34] ـ المصدر نفسه ( 5/60)
[35] ـ الشفا( 2/216)
[36] ـ المصدر السابق (2/217)
[37] ـ "الشفا" (2/216)
[38] ـ "الشفا"( 2/216)
[39] ـ "الصارم المسلول" (1/513)
[40] ـ "تعظيم قدر الصلاة" لمحمد بن نصر (ص930)
[41] ـ " الصارم المسلول" (1/513)
[42] ـ " الصارم المسلول" (1/547)
[43] ـ "أحكام القرآن" للجصاص (3/ 142) .
[44] ـ "المعيار المعرب" للونشريسي (2/345)
[45] ـ "الفصل في الملل "(3/114)
[46] ـ "الفصل في الملل"(3/119)
[47] ـ "الفصل في الملل"(3 / 116 ـ 117)
[48] ـ "الكافي في فقه أهل المدينة"
[49] ـ "الصارم المسلول"(1/513)
[50] ـ انظر :"أحكام القرآن" لابن العربي (2/976).
[51] ـ" الشفا "(2 / 270)
[52] ـ "الشفا"(2/231 ـ 232)
[53] ـ "الشفا" (2/932)
[54] ـ "الشفا"(2/287)
[55]ـ "الشفا" (2/218)
[56] ـ "المغني" (10 /103)
[57] ـ "المغني" (10/103)
[58] ـ "الكافي"( 4/74)
[59] ـ "المغني" (4/370)
[60] ـ " روضة الطالبين"(10/64)
[61] ـ "روضة الطالبين"(10/67)
[62] ـ "الصارم المسلول" (1/513) .
[63] ـ انظر "مجموع الفتاوى" (7/557-558).
[64] ـ "كشف الأسرار شرح أصول البزدوي". (4/600 )
[65] ـ جامع العلوم والحكم) لابن رجب: (شرح الحديث الرابع عشر من الأربعين النووية).
[66] ـ المصدرنفسه.
[67] ـ "الإنصاف لمعرفة الراجح من الخلاف" (10/326)
[68] ـ "البحر الرائق" (5/134) .
[69] ـ "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" (6/427) .
[70] ـ انظر رسالة "نواقض الإسلام" : من مجموعة التوحيد (ص 39)
[71] ـ انظر رسالة "كشف الشبهات" . ضمن مجموعة التوحيد (ص107)
[72] ـ المصدر نفسه .
[73] ـ "تيسير العزيز الحميد"( ص 617)
[74] ـ "تيسير العزيز الحميد" (ص 617-619)
[75] ـ "روح المعاني" (10/131) .
[76] ـ "الدين الخالص" (4/382-383)
[77] ـ "شرح كشف الشبهات" (ص41)
[78] ـ "فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم" (12/191-193)
[79] ـ "فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم" (12 / 195 )
[80] ـ (12/193-194).
[81] ـ "تفسير السعدي"(1/442)
[82] ـ "كلمة حق" (ص 145-146)
[83] ـ "أضواء البيان" (7/430).
[84] "أضواء البيان" (5 /459)
[85] ـ ( رقم الفتوى 3419 )
[86] ـ من شريط معنون بــ " 28سؤالاً في العقيدة ".
[87] ـ "مجموع فتاوى بن باز "(1/442)
[88] ـ "مجموع فتاوى ابن باز"(7/ 75 / 77)
[89] ـ انظر "فتاوى نور على الدرب" (1/157-158)
[90] ـ انظر "الرد على بورقيبة" (ص13) .
[91] ـ "الوجه الأول" من الشريط الثاني رقم (743) من "سلسلة الهدى والنور"
[92] ـ في "الوجه الثاني" من الشريط رقم (634)من "سلسلة الهدى والنور"
[93] ـ لقاءات الباب المفتوح
[94] ـ " نور على الدرب " .شريط رقم 365
[95] ـ "مجموع رسائل وفتاوى ابن عثيمين"( 2/152)
[96] ـ "مجموع رسائل وفتاوى ابن عثيمين" (2/156).
[97] ـ "الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد" (ص 80-81) .
[98] ـ في شرحه لسنن أبي داود
[99] ـ في شرحه لكتاب " كشف الشبهات " لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب :.
[100] ـ ولنا وقفة يسيرة مع هذه القصة فإن ابن أخي ((عجب)) تلفَّظ بعبارة تقتضي استخفافاً بالرَّبِّ جلَّ جلاله ، وقد لا تكون صريحة في ذلك، والرَّجُل لم يجاهر بتلك العبارة عبر وسائل الإعلام المقروءة أو المسموعة أو المرئية ،ومع ذلك فهذه العبارة في غاية النشاز والاشمئزاز في المجتمع الإسلامي آنذاك لم يقبلها بالكلية، ونفر أهل العلم منها تماماً، حتى اجتمعوا بقرطبة وحكموا على صاحبها بالرِدَّة وإهدار دمه بالقتل، وأن يُصْلَب حتى يكون عبرةً لكل زِنْدِيقٍ يحاول التجرّؤ على أمرٍ مُقَدَّسٍ في قلوب المؤمنين الموحدين.فكيف لو رأوا واقعنا المرّ الذي نعيشه اليوم ، من كثرة الزنادقة الفجرة يصبّحون و يمسّون على أصرح العبارات بالطعن في ذات الباري جلّ جلاله و عظم سلطانه ، وربما ألفه بعضهم من كثرة السبّ عياذا بالله من ذلك ، بل تعدى ذلك الإجرام حتى إلى بعض علماء الضلال الذي انخدع بهم كثير من الخلق منهم القرضاوي عامله الله بعدله فقد وصل به ضلاله إلى أن طعن في ذات الباري جلّ جلاله ، قال كما هو في شريط مسجل بصوت بعنوان " مجموعة علماء الدليل على ما للقرضاوي من أباطيل " في تسجيلات الأصالة بجدة في حي الثغر: قال في خطبة الجمعة ( الخطبة الثانية ) ،: " قبل أن أدع مقامي هذا ، أحب أن أقول كلمة عن نتائج الانتخابات الإسرائيلية. العرب كانوا معلقين كل آمالهم على نجاح برلين؛ وقد سقط برلين ، وهذا مما نحمده في إسرائيل. نتمنى أن تكون بلادنا مثل هذه البلاد من أجل مجموعة قليلة سقط واحد من الشعب ، و الشعب هو الذي يحكم ، ليس هناك التسعات الأربع ، أو التسعات الخمس ، التي نعرفها في بلادنا . تسعة ، وتسعين ، وتسعة ، وتسعين من مائة ، ما هذا ؟ لو أن الله عرض نفسه على الناس ما أخذ هذه النسبة و لكنها الكب و الغش و الغش و الخداع نحيي إسرائيل على ما فعلت (!!) "
وقد ردّ عليه الشيخ ابن عثيمين : بقوله: نعوذ بالله هذا يجب عليه أن يتوب ...يتوب من هذا و إلا فهو مرتد لأنه جعل المخلوق أعلى من الخالق فعليه أن يتوب إلى الله فإن تاب فالله يقبل التوبة من عبادة و إلا وجب على ولاة الأمور أن يضربوا عنقه .و قال عنه الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله : كفرت يا قرضاوي أو قاربت . و له من البلايا والرزايا ما الله به عليم ، التي بعضها من نواقض الإسلام مثل قوله بتوحيد الأديان ، و أن عداوتنا مع اليهود ليست دينية و إنما من أجل الأرض، و إماتته لعقيدة الولاء و البراء بأن النصارى إخواننا حتى ما يرى الدعاء عليهم، و قوله بجواز توليتهم المناصب و الوزارات ،و بجواز بناء معابد الكفر في ديار الإسلام بل حتى في جزيرة العرب ، و أن الجهاد شرع من أجل الدفاع فقط، و أن لوليّ الأمر إلغاء الرجم إن رأى المصلحة في ذلك و غيرها من الانحرافات،وأما فتاواه الزائغة المستهجنة وأقواله المستقبحة ومواقفه المشينة فكثيرة جدا منها إباحته للغناء الماجن و الإختلاط بين الجنسين ،و إباحته النظر للنساء اللاتي يظهرن في الشاشة ومشاركة المرأة في التمثيل والمسرح وأن شهادتها كشهادة الرجل إذا كانت في مجال البيع و الشراء و المعاملات ، و أن لها أن تتولى المناصب العامة و جواز مصافحتها للأجانب ، و أن لها أن تسافر و أن تبتعث للدراسة بدون محرم، بالإضافة إلى إباحته لمشاهدة الأفلام و المسلسلات وإسبال الثياب و حلق اللحى والسفور والتصوير والتمثيل وبيع الخمر والخنزير للكفار ونقل أعضاء الخنزير للمسلم والتزيّي بزي الكفار وأكل المصعوقة من اللحوم و إباحته الربا اليسير 1% أو 2% ، ،ولا ننسى دفاعه عن أصنام بوذا وفتواه للمسلمين الأمريكان بالعمل مع الجيش الأمريكي المحارب في العراق ،وكلامه في الطاغية الهالك بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني بقوله: "نقدم عزاءنا في هذا البابا الذي كان له مواقف تُذكر وتُشكر له ... مواقف الرجل العامة وإخلاصه في نشر دينه ونشاطه حتى رغم شيخوخته وكبر سنه ، فقد طاف العالم كله وزار بلاداً ومنها بلاد المسلمين نفسها ، فكان مخلصاً لدينه وناشطاً من أعظم النشطاء في دعوته والإيمان برسالته ... لا نستطيع إلا أن ندعو الله تعالى أن يرحمه ويثيبه بقدر ما قدم من خير للإنسانية ، وما خلف من عمل صالح أو أثر طيب ... ونسأل الله أن يعوض الأمة المسيحية فيه خيراً"."إرشيف قناة الجزيرة القطرية،برنامج(الشريعة والحياة)،24/ 2/1426هــ ، و قوله :"الحرية عندي مقدمة على تطبيق الشريعة ،يجب إطلاق الحريات "،وقوله:"لانريد دولة دينية"،وغيرها من الضلالات و لانحرافات ولا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ويصدق فيه قول النبي r :" دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ". أخرجه البخارى (3411)، ومسلم (1847) ، و عن ا الإمام مالك : أنه قال : بكى ربيعة : يوما بكاء شديدا ، فقيل له : أمصيبة نزلت بك ؟ فقال : لا ، و لكن استفتي من لا علم عنده و ظهر في الإسلام أمر عظيم . "الفقه و المتفقهة "(1039) و "الباعث على إنكار البدع و الحوادث"(175)
تنبيه : ورد في كلامه الذي نقلته سابقا تسميته للنصارى بالمسيحيين واليهود بالإسرائيليين وهذا مما لا يجوز شرعا بل نسميهم بما سماهم الله تعالى به ،أما إسرائيل فهو يعقوب و هو بريء منهم براءة الذئب من دم ابنه عليهما السلام ،كذلك تسميته للنصارى بالمسيحيين والمسيح هو عيسى عليه الصلاة والسلام وهو بريء منهم وهم براء منه فتنبه.
و لمزيد الاطلاع على ما عند القرضاوي من الانحراف ،انظر :" إسكات الكلب العاوي يوسف بن عبدالله القرضاوي "لمقبل بن هادي الوادعي و "الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام " لشيخنا صالح الفوزان ، وكتاب " القرضاوي في الميزان" لسليمان الخراشي، و كتاب "رفع اللثام عن مخالفة القرضاوي لشريعة الإسلام " ، لأحمد بن محمد بن منصور ، و غيرها من الردود .
[101] ـ سورة الكهف آية :103 ـ 107
[102] ـ "تفسير الطبري" (8/295).
[103] ـ "مجموع الفتاوى" (7/273)
[104] ـ "الصارم المسلول"( ص: 513)
[105] ـ "مجموع الفتاوى" (7/557).
[106] ـ "كتاب الإيمان"( ص :167)
[107] ـ "الصارم المسلول"( ص: 513)
[108] ـ "مجموع الفتاوى" (7/401-402)
[109] ـ "الصارم المسلول"( 1 / 515 ـ 516)
[110] ـ "الملل والنحل" (1/141)
[111] ـ " المحلى "(13/498)
[112] ـ " المحلى "(13/499)
[113] ـ " الفصل " (5 /75).
[114] ـ" الفصل "(3/244).
[115] ـ "الصارم المسلول"( ص: 513)
[116] ـ " الفتح " ( 12 / 201 ـ 202 )
[117] ـ " فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء "(رقم الفتوى 3419)
[118]ـ "نور على الدرب" (شريط رقم 94)
[119] ـ"مسائل في الإيمان" (ص : 24 ـ 25 )
[120] ـ "أثناء شرحه للعقيدة الطحاوية "
[121] ـ"أسئلة وأجوبة في الإيمان والكفر" لعبد العزيز الراجحي ( ص : 14 )


التعديل الأخير تم بواسطة عبد الحميد الهضابي ; 16 Jan 2015 الساعة 10:17 AM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25 Dec 2014, 08:14 PM
أبو عبد الرحمن عبد الحفيظ عز الدين أبو عبد الرحمن عبد الحفيظ عز الدين غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2014
المشاركات: 33
افتراضي

جزاك الله خيرا
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 25 Dec 2014, 09:32 PM
خالد أبو أنس خالد أبو أنس غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2014
الدولة: الجزائر/بومرداس/أولادموسى
المشاركات: 468
افتراضي

بارك الله فيك أخي عبد الحميد وأحسن الله إليك .
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 15 Jan 2015, 08:39 PM
عبد الحميد الهضابي عبد الحميد الهضابي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Dec 2013
المشاركات: 300
افتراضي

يرفع للفائدة
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16 Jan 2015, 09:30 AM
أبو محمد سامي لخذاري السلفي أبو محمد سامي لخذاري السلفي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 267
افتراضي

جزاك الله خيرا عبد الحميد
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مميز, نصرةالنبي, عقيدة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013