منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 07 Sep 2018, 05:15 PM
أبو البراء خالد أبو البراء خالد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2018
المشاركات: 59
افتراضي فائدة في الأصول يُقالُ معها: فَاتَكَ العِلْمُ وَأَخْطَأَكَ العَدْلُ يَا هذا!



فائدة في الأصول يُقالُ معها:
فَاتَكَ العِلْمُ وَأَخْطَأَكَ العَدْلُ يَا هذا!


الحمد لله، وبعد:
فإنَّ لفظةَ «كلّ» من أقوى صِيَغ العموم، وقوَّتها من وجهين:
الوجه الأوَّل: أنَّها تدلُّ على العموم بأصل وضعها، فهي أقوى ممَّا يدلُّ على العموم بقرينة خارجيَّة.
الوجه الثَّاني: أنَّها تشمل العاقل وغير العاقل، والذَّكر والأنثى، المفرد من ذلك والمثنى والمجموع.
ومع هذا العموم القويِّ إلَّا أنَّ عمومها إنَّما هو بحسب سياق الكلام، فلو قال رجلٌ مثلًا وهو خارج من باب الجامع يوم الجمعة: «أعطيتُ لكلِّ فقير دينارًا»، كان المعنى أنَّه أعطى لكلِّ فقيرٍ بباب المسجد، ولا يفهم منه أحدٌ أنَّه يريد كلَّ فقيرٍ في العالم شرقِه وغربِه.
ومن الدَّليل على هذا عدَّة مواطن من كتاب الله تعالى، منها:
1ـ قوله تعالى في ريح عادٍ: «تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا»، ثمَّ قال: «فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ»، فمساكنهم لم تُدَمَّر، مع أنَّها شيءٌ، وكذا السَّموات والأرض لم تُدَمَّر، فمعنى «كل شيء» هنا أي: ممَّا مِن شأنه أن تُدَمِّرَهُ الرِّيحُ.
2ـ قوله تعالى عن بلقيس: «وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ»، أي: يصلح أن يؤتاه مثلها، إِذْ هي لم تُؤتَ ملك سليمان، ولا ما تحت يَدِه.
3ـ قوله: «وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ»، أي: في الدُّنيا، فلا تشمل الكافر في الآخرة، وبهذا فسَّرها الحسنُ وقتادة رحمهما الله، وقيل فيها غير ذلك [راجع «تفسير الطَّبري»].
5ـ قولُه تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ»، أي: ممَّا خُلِق للفناء، فلا يشمل هذا نفس الباري سبحانه، وسيأتي كلام العلماء في ذلك.
6ـ قوله تعالى عن النَّحل: «ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ» أي: ممَّا يصلُح أن يأكله النَّحل، وليس المراد من كلِّ ثمرات الدُّنيا.
7ـ قوله تعالى: «اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ» أي: من المخلوقات، وبهذا ردَّ علماءُ السنَّة على احتجاج الجهمية بهذه الآية على أنَّ القرآن مخلوق، فالمراد من الآية: الله خالق كلِّ شيءٍ ممَّا من شأنه أن يُخْلَق، فلم يدخل في ذلك ذات الله تعالى، مع أنَّه وصف نفسه بأنه شيءٌ كما قال عزَّ شأنُه: «قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللهُ»، فلم تدخل نفسه وكلامُه وسائرُ صفاته سبحانه.
وهذه النُّصوص وما أشبهها تُخَرَّج عند العلماء على طريقتَيْن مشهورتين ذكرهما ابن السِّيد البطليوسي في كتاب «التَّنبيه على الأسباب الموجبة للاختلاف» (154) في الكلام على الخلاف العارضِ من جهة العموم والخصوص، وذكرُهما غيره أيضًا.
إحداهما: حملُها على أنَّها من العام المخصوص، وهؤلاء يذكرون مُخَصِّصَ الحِسِّ، والعقل، ونحو ذلك من المُخَصِّصَات المنفصلة.
الثَّانية: حملُها على أنَّها من العامِّ الَّذي يُرادُ به الخصوص، وعلى هذا يَخْرُجُ كلامُ كثيرٍ من المفسِّرين في هذه الآيات ونظائرها.
وثَمَّتَ طريقة ثالثة أصحُّ وأوفق مع ما تقدم من ردِّ أهل السنَّة على الجهميَّة والمعتزلة، قرَّرها الشَّاطبيُّ رحمه الله في كتابه العظيم «الموافقات» (4/18-22) ـ واحتجَّ لها ـ أحسنَ تقريرٍ وأتمَّه، وإليك نصَّ كلامه مع شيء من الاختصار:
قال رحمه الله: «لا كلام في أنَّ للعموم صيغًا وضعيَّة، والنظر في هذا مخصوصٌ بأهل العربية، وإنما يُنظر هنا في أمر آخر ـ وإن كان من مطالب أهل العربية أيضًا ـ ولكنَّه أكيد التَّقرير ههنا، وذلك أن للعموم الذي تدلُّ عليه الصِّيَغُ بحسب الوضع نظرين:
أحدهما: باعتبار ما تدلُّ عليه الصِّيغة في أصل وضعها على الإطلاق، وإلى هذا النَّظَرِ قَصْدُ الأصوليين، فلذلك يقع التَّخصيص عندهم بالعقل، والحسِّ، وسائر المخصِّصات المنفصلة.
والثَّاني: بحسب المقاصد الاستعمالية الَّتي تقضي العوائد بالقصد إليها، وإن كان أصل الوضع على خلاف ذلك.
وهذا الاعتبار استعماليٌّ، والأوَّل قياسيٌّ.
والقاعدة في الأصول العربيَّة أنَّ الأصل الاستعماليَّ إذا عارض الأصل القياسيَّ كان الحكم للاستعماليِّ.
وبيان ذلك هنا أنَّ العرب قد تطلق ألفاظ العموم بحسب ما قصدت تعميمَه، ممَّا يدلُّ عليه معنى الكلام خاصَّة، دون ما تدلُّ عليه تلك الألفاظ بحسب الوضع الإفرادي، كما أنَّها أيضا تطلقها وتقصد بها تعميم ما تدلُّ عليه في أصل الوضع، وكلُّ ذلك ممَّا يدلُّ عليه مقتضى الحال، فإنَّ المتكلِّم قد يأتي بلفظ عمومٍ ممَّا يشمل بحسب الوضعِ نفسَهُ وغيرَه، وهو لا يريد نفسَه، ولا يريد أنَّه داخل في مقتضى العموم، وكذلك قد يقصد بالعموم صنفًا ممَّا يصلحُ اللَّفظ له في أصل الوضع، دونَ غيره من الأصْناف...
فكذلك إذا قال: «مَن دخل داري أكرمته»، فليس المتكلِّم بمرادٍ، وإذا قال: أكرمت النَّاس، أو: قاتلت الكفار، فإنَّما المقصود من لَقِي منهم، فاللَّفظ عامٌّ فيهم خاصَّة، وهم المقصودون باللَّفظ العام دون من لم يخطر بالبال».
ثمَّ نقل كلامًا لابن خروف، منه قوله: «فكلُّ ما وقع الإخبار به من نحو هذا، فلا تَعَرُّضَ فيه لدخوله تحت المخبر عنه، فلا تدخل صفاته تعالى تحت الخطاب، وهذا معلومٌ من وضع اللِّسان».
قال الشَّاطبي: «فالحاصل أنَّ العموم إنَّما يُعتَبر بالاستعمال، ووجوهُ الاستعمال كثيرة، ولكن ضابطها مقتضيات الأحوال الَّتي هي ملاك البيان».
قال: «ومن الدَّليل على هذ أيضًا أنَّه لا يصحُّ استثناء هذه الأشياء بحسب اللِّسان، فلا يُقال: مَن دخل داري أكرمته إلَّا نفسي، أو: أكرمت النَّاس إلَّا نفسي، ولا: قاتلت الكفار إلَّا مَن لم ألق منهم، ولا ما كان نحو ذلك، وإنَّما يصحُّ الاستثناء من غيرِ المتكلِّم ممَّن دخل الدَّار، أو ممَّن لقيتَ من الكفار، وهو الَّذي يُتَوَهَّمُ دخولُه لو لم يُسْتَثْنَ، هذا كلام العرب في التَّعميم، فهو إذًا الجاري في عمومات الشَّرع».
اهـ المقصود من تقرير هذه الفائدة، والغرضُ منه: الردُّ على مقالٍ كتبه بعضهم في انتقاد الشَّيخ الفاضل عزِّ الدِّين رمضاني، سمَّاه: «فتح الصَّمد في التَّعليق على كلمة عزِّ الدِّين: اقرأ لكلِّ أحد»، وهو كلامُ رجلٍ متعسِّف، متشوِّف لِأَنْ يُشارَك غيره من رؤوس المفرِّقين الطَّاعنين في إخوانهم من أهل السنَّة الأخيار، فلم يجد إلَّا هذه الكلمة ليستطيل بها، متَّهِمًا الشَّيخَ الفاضلَ بخلاف ما هو معروف عنه مِن كلامه ومنهجه وطريقته.
فقد نقل بعضًا من كلام الشَّيخ عزِّ الدِّين، وهو قولُه: «أنا أقول لإخوتي الَّذين هم معي: اقرأوا، أنا لا أقول: لا تقرؤوا، لأنَّ هذا نوع من الإرهاب، نوع من التخويف، أقول: اقرأوا لكلِّ أحد، إذا كان فيه باطل سيعرف أنه باطل، وهذا يكون، عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه، وإذا كان فيه خير وفيه حق انتفع به» إلى آخر كلامه.
ثمَّ قال: «أقول وبالله التوفيق: قال علماء أصول الفقه: لفظ «كل» من أقوى صيغ العموم، لأنها تشمل العاقل وغيره، المذكر والمؤنَّث، والمفرد والمثنى والجمع، قال تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ»، وقال : «كلُّ النَّاس يغدو، فبائعٌ نفسَه فمعتقها، أو موبقها»، فبناء على قولك هذا فإننا نقرأ لكلِّ أحد، بما فيهم أهل البدع والأهواء، نقرأ للرافضة، نقرأ «الكافي» للكليني، ونقرأ «الاستبصار» للطوسي، ونقرأ للمتصوِّفة، ونقرأ «الفصوص»، و«الفتوحات المكية» لابن عربي، ودواوين ابن الفارض، ونقرأ للفلاسفة، ونقرأ «كتاب الحكمة» لابن سينا، ورسائل الفارابي، نقرأ لأهل الباطل، وهذا والله كلام خطير، لم يقله أحدٌ من علماء أهل السنة قديمًا ولا حديثًا، فقد أجمع علماء السنَّة على التَّحذير من كتب أهل البدع والأهواء، وحذَّروا من النَّظر والقراءة فيها، والحكمِ بوجوب إتلافها، إلَّا لعالِمٍ متبصِّر متمكِّن قادرٍ على التمييز بين الصَّحيح والسَّقيم، والغثِّ والسَّمين، والسنَّة والبدعة، للردِّ عليها، وإلَّا فَلَا».
ثمَّ أطال في نقل كلام السَّلف والعلماء في النَّهي عن القراءة والنَّظر في كتب أهل البدع والأهواء.
ولقد تعسَّف هذا القائل تعسُّفًا شَديدًا، واجترأ جُرْأَةً عظيمة، وبيان ذلك من وجوه ثلاثة:
الأوَّل: أنَّ كلام الشَّيخ عزِّ الدِّين كان في موضع خاصٍّ مقيَّد، وهو كلامُ المختلفِين من السلفيِّين في الفتنة الحاصلة في الجزائر، وهذا ظاهرٌ جدًّا، لأنَّ السُّؤال وقع عنه، فالسَّائل سأل عن إخوانٍ له في منطقته حَديثي عهدٍ باستقامةٍ، اختلف عليهم القولُ بين في المشايخ، فما موقفهم؟ فأجابه الشَّيخ بالجواب الَّذي اقتطع منه المتعسِّف ما يُناسِبُ غرَضَه.
وأيضًا فالشَّيخ قد صرَّح بهذا في أثناء كلامه، وأوَّل كلمة قالها بعد المقطع الذي اقتطعه المتعسِّف: «ولهذا أقول: حتَّى إذا جاء الردُّ من الطَّرف الآخر اقرؤوا، تنتفع به إمَّا أن يكون فيه بعض الحقِّ أنت مطالبٌ بأن تتَّبع الحقَّ، وإن كان فيه باطلٌ اقتنعت بأنَّ القومَ على باطل...»، وهذا توجيهٌ سلفيٌّ عزيز، وقد أكثرَ العلَّامة ربيع المدخلي ـ حفظه الله ـ من النَّصيحة بهذا المعنى، فإنَّه سُئل مرَّاتٍ ومرَّاتٍ عمَّا يجري، فينصح السَّائل بأن لا يتعصَّب لطرفٍ على طرفٍ، وأن يقف مع الحقِّ الَّذي تُؤيِّده دلائل الكتاب والسنَّة، ويتلو عليهم قول الله تعالى: «وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ»، ولا شكَّ أنَّ هذه المطالب كلَّها لا تتحقَّق إلَّا إذا قرأ للطَّرفَيْنِ وعرف ما عند كلِّ واحدٍ منهما، وإلَّا فكيف يحكم بالحقِّ والعدل، ولا يتعصَّب ولا ينحاز؟!
ثمَّ تكلَّم الشَّيخ عزُّ الدِّين بكلامٍ، وذكر «نسف التَّصريح» وغيرَه من الرُّدود الَّتي تعتصر علمًا، ومع ذلك يأتي من يجعلها عبارةً عن كذبٍ وباطلٍ وأنَّها لا خيرَ فيها، وقال: «هذا الَّذي قد يَرُدُّ على «نسف التَّصريح» إذا كتب ردًّا عليه اقرؤوه»، فهذا كلُّه يُبيِّن أنَّ كلامَه هو في الفتنة الحاصلة، لا على العموم في كتب الطوائف، وقد أراد بكلامه الرَّدَّ على القاعدة البدعيَّة الَّتي تُسمَّى «قاعِدَة التَّهميش»، الَّتي أغلقت على كثيرٍ من إخواننا طُرُقَ الهُدى، فلا يسمعون ولا يقرؤون إلَّا لِمَا عند شيوخهم ومن يتعصَّبون لهم!
فما فعله المتعسِّف من أخذ بعضِ كَلَامِ الشَّيخ، ثمَّ تفسيره على حسب ما يُريدُ، وتركه مِن كلامه ما لو نقله لتبيَّن مراد المتكلِّم به، كلُّه غشٌّ عظيمٌ، وخيانةٌ لأمانة العلم والقلَم، فالله حَسيبُه.
الثَّاني: أنَّنا لو فرضنا أنَّ الشَّيخَ لم يُصَرِّح بأنَّ كلامَه في هذه المسألة الواقعة لكان ما صَدَّرْتُ به هذه المقالة من حَمْلِ الكلام على العموم الاستعمالي كافيًا في بيان مراد الشَّيخ لو سَلِمَ القَصْدُ، وخَلَا من الهَوَى، إِذْ لا يمكن أن يكون مراده «الكافي» و«الاستبصار» وكتب الحكمة والفلسفة ودواوين الزَّندقة والتصوف، بل المعنى المتبادِرُ من كلامه: اقرؤوا لكلِّ أحدٍ من هذين الطَّرفين اللَّذَيْن وقع السُّؤال عنهما، وإلَّا للزم هذا المتعسِّفَ ـ نفسَه ـ أمرٌ عظيمٌ ـ نسأل الله العافية ـ، لأنَّه استدلَّ في سياق إثبات العموم المطلق لـ«كلّ» بقوله تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ»، مع أنَّ الله تعالى أثبت له نفسًا، كما قال عزَّوجل: «واصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي»، وقال تعالى: «تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ»، ومع ذلك فلم تدخل نفسه سبحانه في عموم «كلّ»، وبهذا احتج عبد العزيز الكناني على بشرٍ المرِّيسي كما في كتاب «الْحَيْدَة» (45-46)، وقال الإمام أحمد في «الردّ على الجهميَّة والزَّنادقة» (234) بعد أن ذكر الآيات في إثبات النَّفس لله تعالى، ثمَّ قال: «وقال تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ»، فقد عَرَف من عَقَل عن الله أنَّه لا يعني نفسه مع الأنفس الَّتي تذوق الموت، وقد ذكر الله عزَّ وجل كلَّ نفسٍ، فكذلك إذا قال: «خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ»، لا يعني نفسَه، ولا علمَه ولا كلامَه مع الأشياء المخلوقة».
فإذا كان هذا هكذا فكيف يدخل في كلام الشَّيخ عزِّ الدِّين «فصوص الحكم» و«رسائل الفارابي» الَّتي لا تطرأ على ذهن المتكلِّم أو السَّامع إلَّا بتنبيهٍ وإخطار؟!
لكن لمَّا تَعَسَّفَ الرَّجل وقع في جنسِ ما وقع فيه الجهميَّة من تحميل الكلام مَا لا يحتمل لَيًّا لأعناق الكلام، وصَرْفًا له إلى ما تشتهيه نفسُه.
الثَّالث: وهو عجيبٌ، أنَّه نقل في آخر مقاله عن الشَّيخ عزِّ الدِّين كلمةً يُقرِّر فيه مذهب السَّلف في هذا الباب، وهو التَّحذير من خطر القراءة في كتب أهل الأهواء، وزعم أنَّه يذكر بها المردود عليه، فلو لَمْ يكن وقف على هذا الكلام لكان مقتضى ما تقدَّم أن يحمل كلام الشَّيخ على ما يدلُّ عليه سياقُ كلامه، ولا يُحَمِّلَه مَا لا يَحْتَمِل من المعاني الَّتي لا تخطر بالبال، فكيف وقد وقف من كلامِه على ما يُبيِّن غَرَضَه، ويُوضِّح مَقصِدَه، ويُعَرِّفُ طَرِيقَتَهُ، ويُزِيلَ اللَّبْسَ مِن كَلَامِهِ.
ولا يقولَنَّ مُتَعَسِّفٌ: أنتَ تطالبه بحمل مجمل كلام عزِّ الدِّين على مُفَصَّلِه، لأنِّي إنَّما أُطَالبه بحمل مُفَصَّلِه على مُفَصَّلِه، وفهمِه على مقتضى الكلام العربي، من غير تحريفٍ لكلامِه، ولا تعسُّفٍ في صرفِه إلى غير مرادِه.
نعم، قد يُشْكِلُ كلامُه من وجه آخر، وهو أنَّ الطَّرف الآخر فيهم مجروحون حَذَّر منهم العلماء، فكيف يُوجِّه بالقراءة لهم؟ والجواب أنَّ هذا هو مقتضى المقام، لأنَّه خاطب به من يريد الوصول إلى الحقِّ، فلا بدَّ له من أن يقرأ للطَّرفين، وإلَّا فكيف يصلُ إلى الحقِّ إذا كان لا يقرأ إلَّا لطرفٍ واحدٍ؟! ولو كان مرادُه التَّوجيهَ لقراءة ما تُتَلَقَّى منه العقيدة الصَّحيحة والمنهج السَّويُّ لَمَا نصح إلَّا بالأثبات من أهل السنَّة النَّصَحَة، المتجرِّدين من الأهواء، ولَمَا نصح بقراءة ما يكتبه الطَّرف الآخر، إِذْ كتاباتهم ظهر فيها من الجهل والبغي والظُّلم وسوء الفهم واتِّباع الهوى ما يقتضي التَّحذير منها ومن أصحابها، ومن مثال ذلك كتابةُ هذا الرَّجل الَّذي قرَّر المسألة بخلاف وضعها عند العلماء.
والحاصلُ أنَّ هذا المتعسِّف جَمَع في نقده بين جَهْلٍ وهَوًى، جهلٍ بمدلول الخطاب العربي، وهَوًى في تحميل الكلام ما لا يحتمل، وما هذه الفتنة الَّتي نحن فيها إلَّا بسبب هذين الأمرين، اللَّذَيْن لا ينجو ولا يُفلحُ إلَّا مَن تجرَّد منهما، وزكَّى نَفْسَه بالتَّخلِّي عنهما.
وإنِّي بهذه المقالة أدعو هذا الأخ إلى أن يتَّقيَ الله في نفسِه، وفي دعوته، ودعوة إخوانه السَّلفيِّين،، ويلزم سبيل العلمِ والعدلِ، ويتجنَّب الظُّلم والحَيْفَ في الحكم، فإنَّه وخيمُ العاقبة، وأُذَكِّرُه بما أوجبه الله علينا جميعًا من الحكم بالحقِّ والعدل، وعدم التعصُّب بالباطل لطرفٍ على آخر، لا سيَّما وهو يعرفُ موقف العلماء من هذه القضيَّة.
أسأل الله الكريم المنَّان أن يجعلنا جميعًا من الهداة المهتدين، القائلين بالحقِّ القائمين به، وأن يهب لنا من لدنه رحمة، إنَّه هو الوهَّاب، والحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنَا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه: خالد حمُّودة، ليلة الخميس 26 ذو الحجة 1439.
رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013