دليل على أن الصحابة كانوا يطبقون أصول الفقه سليقة الشيخ محمد بن عمر بازمول
دليل على أن الصحابة كانوا يطبقون أصول الفقه سليقة:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: 82] شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِذَاكَ، أَلاَ تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13] " أخرجه البخاري في كتاب التفسير،بَابُ ﴿لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13]، حديث رقم (4776)، ومسلم في كتاب الإيمان باب صدق الإيمان وإخلاصه حديث رقم (124).
هذا الحديث حديث عظيم؛ فيه مسائل كبيرة، وأصول علمية جمة، أذكر بعضها في المسائل التالية:
المسألة الأولى : فيه أن الصحابة أعملوا دلالة العام بحسب مقتضى الدلالة اللغوية، فإن لفظة (ظلم) نكرة، في سياق النفي، ﴿ولم يلبسوا﴾، والنكرة في سياق النفي تفيد العموم.
المسألة الثانية : فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقرهم على طريقتهم في الاستنباط، لأنه لم يبطل طريقتهم في الاستنباط، وأقرهم عليها، وبين لهم أن المراد الشرعي ليس هو ما فهموه بحسب مجرد دلالة اللغة.
المسألة الثالثة : في قوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهُ لَيْسَ بِذَاكَ، أَلاَ تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]"، أن المراد الشرعي لا يعرف بمجرد الرجوع إلى اللغة، دون الرجوع إلى البيان النبوي.
المسألة الرابعة : فيه رجوع الصحابة فيما أشكل عليهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يتصور أن يفرطوا في ذلك في جميع القرآن العظيم، فهذا كان ديدنهم؛ فيكون كلامهم في تفسير القرآن مبني على هذا المعنى الذي أخذوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المسألة الخامسة : بيان الرسول صلى الله عليه وسلم للمراد من الظلم، يبين أن لفظة (الظلم) في الآية من باب العام الذي يراد به الخاص.
المسألة السادسة : فيه أن مما يبين به المراد في القرآن العظيم تفسير القرآن بالقرآن.
المسألة السابعة : فيه بيان أن المعاصي تجتمع مع الإيمان، خلافاً لمذهب الخوارج.
المسألة الثامنة : فيه أن الصحابة في فهمهم للقرآن والسنة يعملون قواعد أصول الفقه سليقة!
المسألة التاسعة : فيه أنه لا يصح الاقتصار في فهم القرآن على مجرد دلالة اللغة والعقل، كما هو منهج العقلانيين!
المسألة العاشرة : فيه أن الظلم مراتب، فظلم دون ظلم!
المسألة الحادية عشر: أن المسلم الفاضل العالم قد يشكل عليه فهم بعض آيات القرآن العظيم، وأن حل ذلك بالرجوع إلى السنة فهي بيان القرآن العظيم.