منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 18 May 2008, 08:48 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي التقليد : تعريفه ، أنواعه ، حكمه


الـتَّـقلـيد

(من كتاب " الأصول من علم الأصول " للشيخ العثيمين - قدس الله روحه- )

تعريفه:
التقليد لغة: وضع الشيء في العنق محيطاً به كالقلادة.
واصطلاحاً: اتباع من ليس قوله حجة.

فخرج بقولنا: "من ليس قوله حجة" اتباع النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ، واتباع أهل الإجماع، واتباع الصحابي ؛ إذا قلنا أن قوله حجة ، فلا يسمى اتباع شيء من ذلك تقليداً ، لأنه اتباع للحجة ؛ لكن قد يسمى تقليداً على وجه المجاز والتوسع.

مواضع التقليد:
يكون التقليد في موضعين:

الأول:
أن يكون المقلِّد عاميًّا لا يستطيع معرفة الحكم بنفسه ففرضه التقليد ؛ لقوله -تعالى-:
﴿ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (النحل: الآية43) ؛ ويقلد أفضل من يجده علماً وورعاً ؛ فإن تساوى عنده اثنان خير بينهما.

الثاني: أن يقع للمجتهد حادثة تقتضي الفورية ، ولا يتمكن من النظر فيها فيجوز له التقليد حينئذ ؛ واشترط بعضهم لجواز التقليد أن لا تكون المسألة من أصول الدين التي يجب اعتقادها ، لأن العقائد يجب الجزم فيها، والتقليد إنما يفيد الظن فقط.
والراجح أن ذلك ليس بشرط ؛ لعموم قوله -تعالى-:
﴿ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (النحل: الآية43) والآية في سياق إثبات الرسالة ، وهو من أصول الدين ؛ ولأن العامي لا يتمكن من معرفة الحق بأدلته ؛ فإذا تعذر عليه معرفة الحق بنفسه لم يبق إلا التقليد ، لقوله -تعالى-: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (التغابن: الآية16).

أنواع التقليد:
التقليد نوعان: عام وخاص.

1 - فالعام: أن يلتزم مذهباً معيناً يأخذ برخصه، وعزائمه في جميع أمور دينه.

وقد اختلف العلماء فيه ؛ فمنهم من حكى وجوبه ؛ لتعذر الاجتهاد في المتأخرين ؛ ومنهم من حكى تحريمه ؛ لما فيه من الالتزام المطلق لاتباع غير النبي -صلّى الله عليه وسلّم-.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " إن في القول بوجوب طاعة غير النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في كل أمره ونهيه، وهو خلاف الإجماع وجوازه فيه ما فيه ".

وقال: من التزم مذهباً معيناً، ثم فعل خلافه من غير تقليد لعالم آخر أفتاه، ولا استدلال بدليل يقتضي خلاف ذلك، ولا عذر شرعي يقتضي حل ما فعله ؛ فهو متبع لهواه فاعل للمحرم بغير عذر شرعي ؛ وهذا منكر؛ وأما إذا تبين له ما يوجب رجحان قول على قول ، إما بالأدلة المفصلة إن كان يعرفها ويفهمها، وإما بأن يرى أحد الرجلين أعلم بتلك المسألة من الآخر، وهو أتقى لله فيما يقوله، فيرجع عن قول إلى قول لمثل هذا، فهذا يجوز بل يجب، وقد نص الإمام أحمد على ذلك.

2 - والخاص: أن يأخذ بقول معين في قضية معينة ؛ فهذا جائز إذا عجز عن معرفة الحق بالاجتهاد ،سواء عجز عجزاً حقيقيًّا، أو استطاع ذلك مع المشقة العظيمة.

فتوى المقلِّد:
قال الله -تعالى-:
﴿ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (النحل: الآية43)وأهل الذكر هم أهل العلم ؛ والمقلد ليس من أهل العلم المتبوعين، وإنما هو تابع لغيره.

قال أبو عمر بن عبد البر وغيره:" أجمع الناس على أن المقلِّد ليس معدوداً من أهل العلم ؛ وأن العلم معرفة الحق بدليله".
قال ابن القيم: " وهذا كما قال أبو عمر ؛ فإن الناس لا يختلفون في أن العلم هو المعرفة الحاصلة عن الدليل ؛ وأما بدون الدليل فإنما هو تقليد" ثم حكى ابن القيم بعد ذلك في جواز الفتوى بالتقليد ثلاثة أقوال:

أحدها: لا تجوز الفتوى بالتقليد لأنه ليس بعلم ؛ والفتوى بغير علم حرام ؛ وهذا قول أكثر الأصحاب وجمهور الشافعية.

الثاني: أن ذلك جائز فيما يتعلق بنفسه ؛ ولا يجوز أن يقلد فيما يفتي به غيره.

الثالث: أن ذلك جائز عند الحاجة، وعدم العالم المجتهد، ؛ وهو أصح الأقوال وعليه العمل . انتهى كلامه.

وبه يتم ما أردنا كتابته في هذه المذكرة الوجيزة ؛ نسأل الله أن يلهمنا الرشد في القول والعمل، وأن يكلل أعمالنا بالنجاح ؛ إنه جواد كريم ؛ وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله.


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 May 2008, 09:04 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

التقليد والإفتاء والاستفتاء
(للشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله -تعالى- )

بسم الله الرحمن الرحيم


المقدمة

الحمد لله الذي أمرنا باتباع المنزَّل في كتابه:
﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ؛ والصلاة والسلام على رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي دعا الناس إلى الهداية، وحثّهم على التمسك بالكتاب والسنة، والقائل: (( ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم )) ؛ وعلى آله وأصحابه، الذين بادروا إلى امتثال أوامره، والانتهاء عن نواهيه ؛ وتحرروا من قيود التقليد ؛ وعلى من تبعهم من المجتهدين من أئمة المسلمين الذين بذلوا أقصى جهودهم العقلية في استمداد الأحكام الشرعية من مصادرها، واستخرجوا من نصوص الشريعة كنوزًا تشريعية ثمينة، والذين عُنوا بوضع قواعد للاستمداد وقوانين للاستنباط، صلاة وسلامًا إلى يوم الدين.

أما بعد ؛ فإنه من المعروف لدى كل لبيب أن خير ما أنفق الإنسان فيه نفيس أوقاته، وهجر لأجله الأولاد والأخلاء والأصحاب، هو اكتساب العلم والاشتغال به ؛ إذ هو السبب لإنارة الطريق الموصلة إلى الله -سبحانه- وإلى رضاه، وبالتالي إلى سعادة الدارين، وشرف المنزلتين، وبقاء الذكر الحسن مدى الحياة، كما قال -سبحانه- حكايةً عن إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-: وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ .

من أجل ذلك استمددت العون من الله، وعزمت على المساهمة في الكتابة والإدلاء بدلوي، واخترت أن يكون بحثي في علم أصول الفقه؛ لأنه الأصل والعكازة التي يرتكز عليها الأئمة المجتهدون لاستنباط الأحكام الشرعية، وبعد وقفة تأمل في اختيار موضوع البحث، ترجح لدي أن يكون موضوع بحثي: " التقليد والإفتاء والاستفتاء "؛ وإنما اخترت هذا البحث للأسباب التالية:

1- أن كثيرًا من الناس وقع في التقليد المحرم، كأن يقلد آباءه في بعض فروع الدين فيما فيه مخالفة للشريعة، أو يقلد بعد قيام الحجة وظهور الدليل، أو يقلد من ليس أهلًا للتقليد.

2- أن فتنة المقلدين عظيمة، تركوا لأجله نصوص الكتاب والسنة؛ اكتفاء بآراء الرجال.

3- أن التقليد ليغير من يجوز له يعمي البصيرة، ويلغي العقل، ويسد باب الاجتهاد والنظر والفكر في فهم النصوص.

طريقة البحث

لذا رأيت أن أبيّن في بحثي أنواع التقليد، وأنه لا يجوز إلا عند الحاجة والضرورة، وأن التقليد ليس بعلم، وأن طريقة الأئمة المجتهدين كانت اتباع الحجة والنهي عن تقليدهم، ثم أبيّن -بعد ذلك- ما يتبعه من أحكام الإفتاء والاستفتاء.

ورتبت هذه المباحث على: تمهيد، وأربعة أبواب، وخاتمة:

فالتمهيد: في معنى التقليد لغة، ومعناه اصطلاحًا، وأمثلة له، ونتائج من تعريف التقليد وأمثلته، ووجه الارتباط بين المعنى اللغوي والاصطلاحي، والفرق بين التقليد والاتباع، ونبذة تاريخية عن أدوار الفقه ومراحله، ومتى كان دور التقليد.

والباب الأول: في التقليد، وفيه فصلان: الفصل الأول في أقسامه، والفصل الثاني في أسباب التقليد ومراحله.

والباب الثاني: في المفتي، وفيه فصلان: الفصل الأول في أقسامه، والفصل الثاني في ما يتعلق بالمفتي.

والباب الثالث: في المستفتي، وفيه فصلان: الفصل الأول في أقسام المستفتي، والفصل الثاني فيما يتعلق بالمستفتي.

والباب الرابع: فيما فيه الاستفتاء، وفيه فصلان: الفصل الأول في الاستفتاء في القضايا العلمية، والفصل الثاني في القضايا الظنية الاجتهادية.

وأما الخاتمة فتتضمن المباحث الآتية:

1- جواز الأخذ بأقوال الصحابة والتابعين وأنه ليس من التقليد.
2- فوائد وإرشادات تتعلق بالإفتاء.
3- أمثلة من فتاوى إمام المفتين رسول رب العالمين.

وقصدت من ذلك الوصول إلى الحق في المسائل التي بحثتها؛ لذلك قرنت الأقوال بالأدلة -حسب الاستطاعة- مع المناقشة؛ ليتبين للناظر من خلال ذلك من هو الأسعد بالدليل.

وأرجو الله أن ينفع بها في الدنيا، وأن يثيبني عليها في العقبى، إنه سميع مجيب.

وهذا أوان الشروع فيما قصدت، ومن الله أستمد المعونة والسداد، وأستلهمه الرشاد فيما أردت، وهو حسبي ونعم الوكيل.
الباحث

التعديل الأخير تم بواسطة أبو نعيم إحسان ; 18 May 2008 الساعة 09:07 PM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 18 May 2008, 09:34 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

التمهيد

ويتناول البحث فيما يلي:

( أ ) معنى التقليد لغة.
( ب ) معنى التقليد اصطلاحًا.
( ج ) أمثلة له.
( د ) نتائج من تعريف التقليد وأمثلته.
( هـ ) وجه الارتباط بين المعنى اللغوي والاصطلاحي.
( و ) الفرق بين التقليد والاتباع.
( ز ) نبذة تاريخية عن أدوار الفقه ومراحله ومتى كان دور التقليد.


( أ ) معنى التقليد لغة:

التقليد في اللغة: وضع الشيء في العنق محيطًا به ؛ ومنه تقليد الهدي ؛ ويسمى الشيء المحيط بالعنق "قلادة"، والجمع: "قلائد". قال الله -تعالى-:
﴿ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلاَئِدَ ومنه قوله -عليه الصلاة والسلام- في الخيل: (( لا تقلدوها الأوتار )).

ومنه قول الشاعر:

قلــدوهــا تمــائما . . . . . . . . . . . . خوف واش وحــاسد

وفي القاموس: وقلدتها قلادة، جعلتها في عنقها ؛ ومنه: تقليد الولاة الأعمال، وتقليد البدنة يعلم بها أنها هدي. ا هـ .

ويستعمل التقليد في تفويض الأمر إلى الغير مجازًا، كأنه ربط الأمر بعنقه ؛ ومنه قول لفيظ الإيادي:

وقلِّـدوا أمـرَكم للـه دركمـو . . . . . . . . . . . . . . . .ارحب الذراع بأمر الحرب مضطلعًا

( ب ) تعريف التقليد اصطلاحًا:
( جـ ) أمثلة له:
( د ) نتائج من تعريف التقليد وأمثلته:


للأصوليين في تعريف التقليد عبارات مختلفة، إلاَّ أن أكثرها متقاربة المعنى؛ وقد اخترت ثلاثةً من هذه التعاريف ؛ وأرجعت إليها بقية التعاريف، مع اختيار أمثلها في نظري.

التعريف الأول:

عرف الآمدي التقليد بأنه: " العمل بقول الغير من غير حجة ملزمة ".

والمراد بـ "العمل بقول الغير": اعتقاد صحة قوله، وتنفيذه ؛ وهو مراد من عرف التقليد " بقبول قول الغير "؛ فإن القبول يستلزم الاعتقاد، ويفضي إلى العمل والتنفيذ؛ والمراد بـ "القول" ما يشمل الفعل والتقرير؛ وإطلاق القول حينئذ من باب التغليب، وهذا ما فسّره به سعد الدين التفتازاني في حاشيته على شرح القاضي عضد الدين وتابعه عليه البنائي في حاشية على جمع الجوامع.

وقد استشكل الشربيني في تقريره هذا التعميم، بأن الفعل والتقرير لا يظهر جواز العمل بمجردهما من المجتهد لجواز سهوه وغفلته، وإنما يعوّل على الفعل والتقرير الواقعين من الرسول -صلى الله عليه وسلم-، لكن ذلك ليس بتقليد بل استدلال، ثم أورد اعتراضًا بأنه قد يقترن التقرير بما يدل على الرضا بالفعل وعدم الغفلة، ودفعه بأنه يجوز أنه قد رضيه لكونه مذهب غيره وقلده فيه، فلا يكون من اجتهاده ورأيه.
والمراد بالحجة: ما يجب العمل به ويلزم، والمراد بها الحجة العامة، وهي الدليل المعتبر شرعًا لإثبات الأحكام: كالكتاب، أو السنة، أو الإجماع.

والتقييد بالإلزام في التعريف تصريح بمفهوم الحجة أو بلازمها، فهو وصف كاشف وليس قيدًا فيها.

والعمل بقول الغير من غير حجة تقوم على وجوب العمل به، يخرج عن حقيقة التقليد ما يأتي:

1- العمل بقول الله -تعالى- ؛ لأنه عمل مبني على الحجة، وهي الأدلة الدالة على وجوب الإيمان به وبملائكته وكتبه ورسله.

2- العمل بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنه مبني على الحجة القاطعة، وهي أمر الله باتباع رسوله والعمل بما جاء به.

3- العمل بقول أهل الإجماع ؛ فإنه عمل قائم على الحجة، وهي دلالة كتاب الله -تعالى-، وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- على وجوب العمل بقولهم.

4- عمل القاضي بشهادة الشهود والحكم بها؛ فإنه مبني على ما ورد في الكتاب والسنة، ودل عليه الإجماع، من وجوب الحكم بها إذا وقعت مستوفية لأركانها وشروطها.

5- عمل العامي بقول المفتي؛ فإنه مبني على حجة، وهي دلالة الإجماع على وجوب رجوع العامي إلى المفتي فيما يحتاج إليه والعمل بما يفتيه به.

6- العمل برواية الراوي؛ لأن العمل بها مبني على حجة , وهي الأدلة الدالة على وجوب العمل بالرواية الصحيحة، كحديث: (( بلغوا عني ولو آية ))، وحديث: (( ليبلغ الشاهدُ الغائبَ )) .

7 - العمل بقول الصحابي، إذا لم يخالفه غيره؛ لأن قوله حجة على الراجح كما سيأتي.

وعرف التقليد كل من ابن عبد الشكور في "مسلّم الثبوت"، والقاضي عضد الدين في "شرح مختصر ابن الحاجب" بأنه: " العمل بقول الغير من غير حجة " وهو مثل تعريف الآمدي إلا أنه ينقص عنه التصريح بوصف الإلزام، ولا قيمة لهذا النقص؛ لما سبق آنفًا من أن التصريح بالإلزام تصريح بمفهوم الحجة أو لازمها، فلا يضر حذفه من التعريف، ولا ينقص بعدم وجوده شيئًا.

وعرف ابن الحاجب في المختصر التقليد بأنه: " العمل بقول غيرك من غير حجة " وهو مثل تعريف الآمدي إلا أن ابن الحاجب عدل عن التعبير بالغير إلى التعبير بغيرك، وهما بمعنى واحد؛ لأن "ال" عوض عن المضاف إليه، ولعل سرّ عدوله هو ما يراه البعض من أهل اللغة من عدم دخول "ال" على "غير"؛ بسبب تمكّنها وتوغلها في الإبهام.

وعرف الغزالي في المستصفى التقليد بأنه: " قبول قول بلا حجة " .

وعرفه ابن قدامة في روضة الناظر بأنه: " قبول قول الغير من غير حجة " .

وعرفه عبد المؤمن بن كمال الدين الحنبلي في قواعد الأصول بأنه: " قبول قول الغير بلا حجة " .

وعرفه إمام الحرمين في الورقات بأنه: " قبول قول القائل بلا حجة" .

وهذه التعاريف الأربعة الأخيرة تماثل تعريف الآمدي بعد إرجاع معنى قبول قول الغير إلى العمل به كما تقدم.

ويتضح من هذه التعاريف أن التقليد يشمل الصور الآتية:

1- عمل العامي بقول عامي مثله.
2- عمل المجتهد بقول مجتهد مثله، سواء اجتهد أو لم يجتهد.
3- عمل المجتهد بقول العامي.

إذ لا تقوم حجة على وجوب العمل بقول هؤلاء.

لكن يلاحظ على تعريف الآمدي والتعريفات التي تدور في فلكه ما يأتي:

1- عدم شمول التقليد لعمل العامي بقول المفتي؛ لوجود الحجة على رجوع العامي إلى المفتي، وهو الإجماع المستند إلى الكتاب والسنة على رجوعه إليه، مع أن دخول هذه الصورة أصبح معروفًا مشهورًا لدى العلماء، واعتذر الآمدي بأنه لا مانع من تسميته تقليدًا في العرف؛ لأن هذا اصطلاح ولا مشاحة فيه - غير مقبول؛ لأن المسألة ليست من باب الاصطلاح في التسمية، وإنما هي بيان حقائق يترتب عليها أحكام تختلف باختلاف هذه التسمية.

2- قصر التقليد على الصورة المذكورة آنفًا لا يجعل له صورة مشروعة، مع أن هذا خلاف الواقع؛ إذ قال جمهور العلماء بجواز تقليد العامي للمجتهد.

3- أن الظاهر - بالحجة - هي الحجة الخاصة، وهي الدليل الخاص على حكم القول الخاص، وهو الذي يخرج به الإنسان عن دائرة التقليد، وليس المراد الحجة العامة المثبتة لوجوب العمل.

التعريف الثاني:

عرّف ابن السبكي في جمع الجوامع التقليد بأنه: "أخذ القول من غير معرفة دليله" والمراد بأخذ القول: قبوله واعتقاد صحته والعمل به. ويفسر الجلال المحلي معرفة الدليل:

بالمعرفة التي توصل إلى استفادة الحكم من هذا الدليل، وهذه لا تتوفر إلا للمجتهد؛ لأنها تتوقف على سلامة الدليل من المعارض، وهذه السلامة تتوقف على البحث واستقراء الأدلة كلها، وهذا شأن المجتهد؛ إذ لا يستطيع العامي الوصول إلى هذه المعرفة.

وبناء على هذا أخرج: أخذ قول المجتهد مع معرفة دليله، من التقليد؛ لأنه اجتهاد وافق اجتهاد القائل.

والمراد بالدليل هنا: دليل القول الذي يأخذ به المقلِّد، وهو الحجة الخاصة، كما هو ظاهر من مرجع الضمير.

ويماثل هذا التعريف التعريفات الآتية:

1- تعريف الشيخ زكريا الأنصاري في غاية الوصول بأنه: " أخذ قول الغير من غير معرفة دليله " .
ولا فرق بينهما؛ لأن "ال" في القول، في تعريف ابن السبكي عوض عن المضاف إليه، وهو "الغير" في تعريف الشيخ زكريا

2- تعريف الفتوحي في الكوكب المنير بأنه: "أخذ مذهب الغير من غير معرفة دليله" ولا فرق بين بينه وبين سابقيْه، فإن المذهب يراد به رأي المجتهد في المسألة، وهو قول من الأقوال.

3- تعريف ابن تيمية في المسودة بأنه: "القول بغير دليل" .

فإن المراد بأخذ القول في التعريفات المتقدمة الأخذ المعنوي، وهو القبول والمراد بنفي الدليل في تعريف ابن تيمية نفي المعرفة؛ فاتفق تعريفه مع التعريفات السابقة.

4- تعريف القفال الشاشي بأنه: "قبول القائل، وأنت لا تدري من أين قاله" أي: لا تعلم مأخذ قوله، وهو مثل التعريفات السابقة.

5- تعريف الشيخ أبو حامد والأستاذ أبو منصور بأنه:

"قبول القول من غير حجة تظهر على قوله ".

أي: على قول القائل، وهو أيضًا مثل التعريفات السابقة.

6- تعريف ذكره الشوكاني من غير أن يعزوَه إلى أحد بأنه: قبول قول الغير دون حجته .

أي: دون معرفة حجة هذا القول، وهو كذلك راجع إلى التعريفات السابقة.

وبالنظر في التعريفات المذكورة يتبين لنا أنها تشمل الصور الآتية:

1- أخذ العامي بقول العامي.
2- أخذ المجتهد الذي لم يجتهد في المسألة بقول مجتهد آخر، من غير بحث في دليله.
3- أخذ العامي بقول المجتهد.
4- أخذ المجتهد بقول العامي، ويتصور ذلك في حكم قاله العامي وأخذ به المجتهد، من غير أن يعرف دليله.

ويخرج عنه الصورة الآتية، وهي:

أخذ المجتهد بقول مجتهد آخر إذا عرف دليله؛ لأن هذه من صور الاجتهاد كما تقدم.

لكن يلاحظ على هذه التعريفات أنها ليست صريحة في إخراج الرجوع إلى السنة وإلى الإجماع من دائرة التقليد وحقيقته، مع أن الرجوع إليهما ليس من باب التقليد بالإجماع، ذلك أن الأخذ بقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-، أو قول أهل الإجماع من غير معرفة هذا الدليل، يعتبر تقليدا بناء على هذه التعريفات، مع أن الرجوع إلى كل منها ليس من التقليد في شيء؛ لذلك يحتاج التعريف -في نظري- إلى قيد صريح يخرج هاتين الصورتين عن دائرة التقليد.

التعريف الثالث:

للشيخ المحقق الكمال بن الهمام في كتابه التحرير، عرفه بأنه:

" العمل بقول من ليس قوله إحدى الحجج بلا حجة منها " .

وهذا التعريف قد تلافى المؤخذات التي أوردتها على التعريفات السابقة، فإن تقييد الغير - بمن ليس قوله إحدى الحجج - يخرج من دائرة التقليد: العمل بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والعمل بقول أهل الإجماع؛ لأن قول الرسول عليه السلام حجة، وكذلك قول أهل الإجماع.

ويخرج أيضًا عمل القاضي بشهادة الشهود العدول؛ فإنه عمل بقول أهل الإجماع المستند إلى الكتاب والسنة بوجوب حكم القاضي عند شهادة العدول.

ومثل ذلك أيضًا بالنسبة للعمل بالرواية؛ لأنه عمل بالإجماع على قبول الرواية الصحيحة، وكذلك بالنسبة لقول الصحابي عند من يرى حجيته.

وكذلك شمل هذا التعريف رجوع العامي إلى المفتي، كما هو المشهور والمتعارف لدى العلماء، فإن قول المفتي ليس إحدى الحجج، ويستند العامي إلى قوله لا إلى حجة تفصيلية أو إجمالية فدخل عمل العامي بقول المفتي في حقيقة التقليد.

والمراد بالحجة في هذا التعريف: الحجة الخاصة، وهي الدليل الخاص على الحكم الخاص، ولا يأبى التعريف إرادة الحجة بالمعنى العام.

ورغم أن هذا التعريف أمثل التعريفات في نظري، إلا أنني لم أرَ من تابعه عليه سوى ما نقله الشوكاني في ثنايا التعريفات التي ساقها للتقليد بأنه:

" رأي من لا تقوم به الحجة بلا حجة " ولم يعزه لأحد، وهو نفس تعريف الكمال بن الهمام

( هـ ) وجه الارتباط بين المعنى اللغوي والاصطلاحي:

إذا نظرنا إلى التقليد في معناه اللغوي وفي معناه الاصطلاحي وجدنا أن كلا المعنيين فيه تحمّل، فالتقليد في معناه اللغوي فيه تحمّل الأشياء الحسيّة، والتقليد في معناه الاصطلاحي فيه تحمّل الأمور المعنوية.

ووجه جعل التقليد من العامي كالقلادة في عنق المجتهد أنه: بتقليده له كأنه طوّقه ما في ذلك الحكم من تبعه -إن كانت- وجعلها في عنقه.

أو بعبارة أوضح: كأن المقلِّد يطوِّق المجتهد إثم ما غشه به في دينه وكتمه عنه من علمه، أخذًا من قوله -تعالى-:
﴿ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ على جهة الاستعارة .

( و ) الفرق بين التقليد والاتباع:

قد يظن الناظر بادئ ذي بدء أن التقليد والاتباع شيء واحد، ولكن المتأمل يجد بينهما فرقًا واضحًا.

فالتقليد: هو أن تأخذ أو تعمل بقول أو عمل لغيرك لم يوجبه الدليل عليك، ولم يجزه لك، كأخذ العامي أو المجتهد عن العامي مثلاً؛ فإن الدليل لا يوجب ذلك ولا يجيزه، ما عدا أخذ العامي عن المجتهد، وأخذ المجتهد بقول غيره في حالات خاصة -كما سيأتي بيان ذلك في التقليد الواجب والتقليد الجائز.

والاتباع: هو أن تأخذ أو تعمل بقول أو عمل أوجبه الدليل عليك، وذلك كأن تأخذ بما جاء في القرآن الكريم، أو عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكأن يأخذ القاضي بقول الشهود العدول؛ فإن الدليل أوجب العمل والأخذ بذلك.

فالتقليد والاتباع يتفقان في أن كل منهما أخذ وعمل بقول الغير، ويفترقان في أن التقليد أخذ وعمل بغير حجة ودليل، والاتباع أخذ وعمل بالحجة والدليل .

( ز ) نبذة تاريخية عن أدوار الفقه، ومراحله، ومتى كان دور التقليد:

يذهب بعض المؤرخون لتاريخ الفقه الإسلامي إلى تقسيمه إلى أربعة عهود:

1-
عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
2- عهد الصحابة حتى أواخر القرن الأول الهجري.
3-
عهد التدوين والاجتهاد حتى منتصف القرن الرابع الهجري.
4-
عهد التقليد، بعد منتصف القرن الرابع الهجري .

ويذهب الشيخ محمد الخضري في كتابه تاريخ التشريع الإسلامي إلى تقسيمه إلى ستة أدوار مبنيًا على العصور المتمايزة:

1- التشريع في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهو الأصل الذي يصرح كل فقيه أنه مستند إليه.
2- التشريع في عهد كبار الصحابة وينتهي هذا العهد بانتهاء الخلفاء الراشدين.
3- التشريع في عهد صغار الصحابة ومن ضاهاهم من التابعين وينتهي بانتهاء القرن الأول الهجري، أو بعده بقليل.
4- التشريع في العهد الذي صار فيه الفقه علمًا من العلوم، وظهر فيه نوابغ الفقهاء الذين صارت بيدهم مقاليد الزعامة الدينية، وينتهي هذا الدور بانتهاء القرن الثالث الهجري.
5-
التشريع في العهد الذي دخلت فيه المسائل الفقهية في دور الجدل، لتحقيق المسائل المتلقاة عن الأئمة، وظهور المؤلفات الكبيرة، وينتهي هذا العهد بسقوط بغداد ونهاية الدولة العباسية وظهور التتار على ممالك الإسلام.
6- التشريع في عهد التقليد المحض، وهو ما بعد سقوط بغداد إلى العصر الحاضر.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 18 May 2008, 10:33 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي


روح التقليد وحقيقته


يراد بالتقليد: تلقي الأحكام من إمام معين، واعتبار أقواله كأنها نصوص من الشارع يلزم المقلِّد اتباعها.

ولا شك أنه في كل دور من الأدوار السابقة مجتهدون ومقلدون.

ويراد بالمجتهدين: الفقهاء الذين يدرسون الكتاب والسنة، ويكون عندهم من المقدرة ما يستنبطون به الأحكام من ظواهر النصوص أو من معقولها.

ويراد بالمقلدين : العامة، الذين لم يشتغلوا بدراسة الكتاب والسنة دراسة تؤهلهم إلى الاستنباط.

فهؤلاء المقلدون إذا نزل بأحدهم نازلة، فزع إلى فقيه من فقهاء بلده؛ يستفتيه فيما نزل به فيفتيه، وهؤلاء كانوا موجودين في كل عصر، ولكن في دور التقليد -الذي سبقت الإشارة إليه- سرت روح التقليد فيه سريانًا عامًا، اشترك فيه العلماء وغيرهم، فبعد أن كان الفقيه يشتغل بدراسة الكتاب وبرواية السنة، اللذين هما أساس الاستنباط، أصبح الفقيه في هذا الدور يتلقى كتب إمام معين، ثم يدرس طريقته التي استنبط بها ما دوّنه من الأحكام، فإذا فعل ذلك سُمي عالمًا فقيهًا.

ومنهم من تسمو همته، فيؤلف كتابًا في أحكام إمامه: إما اختصارًا لمؤلف سبقه، أو شرحًا له، أو جمعًا لما تفرق في الكتب، أو ترتيبًا، لكنه لا يستجيز أن يخالف إمامه في مسألة، حتى قال بعض متعصبي المذهب: " كل آية تخالف ما عليه أصحابنا فهي مؤولة أو منسوخة، وكل حديث كذلك".

ولم يكن لهم من الحرية الكاملة والصراحة، التي تمتع بها الأئمة، التي بها يقول الشافعي اليوم بالرأي يظهر له، ثم لا يمنعه مانع أن يغيره في الغد، إذا ظهر له الدليل، وما للصحابة من ذلك، وعلى رأسهم عمر بن الخطاب الذي يقضي العام بحرمان الأخوة الأشقاء مع إخوة الأم في مسألة المشركة، وفي العام المقبل يشرك بين الأخوة جميعًا، ويقول: " ذاك على ما قضينا وهذا على ما نقضي ".

ولا يخطر ببال هؤلاء الأئمة الفحول العصمة لأي إمام في اجتهاده، وأثر عن كل واحد منهم هذه العبارة المشهورة: " إذا صح الحديث فهو مذهبي، واضربوا بقولي عرض الحائط ".

أما علماء هذا الدور فقد التزم كل منهم مذهبًا معينًا لا يتعداه، ويبذل كل ما أوتى مقدرة وقوة في نصرة ذلك المذهب جملة وتفصيلا.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18 May 2008, 10:37 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

الباب الأول في التقليد

وفيه فصلان:

الفصل الأول: في أقسام التقليد ومناقشة المقلدين.

الفصل الثاني: في أسباب التقليد ومراحله.


الفصل الأول: في أقسام التقليد ومناقشة المقلدين

وفيه مبحثان:
المبحث الأول: في أقسام التقليد

ينقسم التقليد إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: تقليد محرم.

القسم الثاني: تقليد واجب.

القسم الثالث: تقليد جائز.

القسم الأول: التقليد المحرم
وهو ثلاثة أنواع:

النوع الأول: تقليد الآباء إعراضًا عما أنزل الله، كحال المشركين في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام-.

النوع الثاني: تقليد من تجهل أهليته للأخذ بقوله.

النوع الثالث: التقليد بعد ظهور الدليل على خلاف قول المقلَّد.

الفرق بين النوع الأول والنوع الثالث: هو أن المقلِّد في النوع الأول قلّد قبل تمكنه من العلم والحجة، والمقلِّد في النوع الثالث قلد بعد ظهور الحجة له، فهو أشد معصية لله من المقلد في النوع الأول، وهو أولى بالذم منه.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 18 May 2008, 10:44 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

أمثلة للتقليد المحرم

المثال الأول:
مذهب الإمامية في وجوب اتباع الإمام المعصوم -في زعمهم- وإن خالف ما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-، فحكّموا الرجال على الشريعة.

المثال الثاني:
تقليد بعض متعصبي المذاهب لمذهب إمام بعينه، ويزعمون أن آراء إمامهم هي الشريعة، بحيث يأنفون أن تنسب إلى أحد من العلماء فضيلة دون إمامهم.

المثال الثالث:
مذهب جماعة من المتأخرين ممن يزعم التخلق بخلق أهل التصوف المتقدمين، يعمدون إلى ما نقل عنهم في الكتب من الأحوال أو الأقوال الصادرة عنهم، فيتخذونها دينًا وشريعة لأهل الطريقة، مع كونها مخالفة للنصوص الشرعية.

المثال الرابع:
تحكيم المقلِّدين لبعض الشيوخ الذين جعلوهم في أعلى درجات الكمال، ونسبوا إليهم ما ارتكبوه من الخطأ، وردّوا جميع ما نُقل عمن سبقهم مما هو الحق والصواب.

المثال الخامس:
مذهب أهل التحسين والتقبيح العقليين من المعتزلة وحاصله تحكيم عقول الرجال دون الشرع، وهو أصل من الأصول عندهم، بحيث إذا وافق الشرع عقولهم وأهواءهم قبلوه، وإلا ردّوه.


يُتبع عن قريب إن شاء الله
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 19 May 2008, 01:59 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

الأدلة من القرآن
على ذم الأنواع الثلاثة وتحريمها


أما النوع الأول: فقد وردت آيات كثيرة في ذمه، منها:

1- قوله -تعالى-: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ .
2- قول الله -تعالى-:
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ .
3- قول الله -تعالى-:
﴿ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا ََّّّقَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ .

4- قول الله -تعالى-:
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ .
5- قول الله -تعالى- معاتبًا لأهل الكفر وذامًّا لهم على لسان إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-:
﴿مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ .
6- قول الله -تعالى-:
﴿ وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ .
7- قول الله -تعالى-:
﴿ إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ .
8- وقال -تعالى- حكاية عن قوم نوح وعاد وثمود ومن بعدهم، أنهم قالوا لرسلهم:
﴿ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا .

ووجه الدلالة من هذه الآيات إجمالاً على إبطال تقليد الآباء وتحريمه إعراضًا عما أنزل الله.

دلت هذه الآيات على أن الله أنكر على المشركين اتباعهم للآباء، وعدولهم عن اتباع المنزَّل من عند الله إذا أمروا به، وأن تقليدهم للآباء، إعراضًا عن المنزل، دعوة من الشيطان لهم إلى عذاب النار، وأنكر على المترفين في كل أمة اتباعها لملل آبائهم، مع إعراضهم عن الهدى الذي جاءوا به، ووبخهم على لسان إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- على عكوفهم على التماثيل وعبادتهم للأصنام؛ جريًا وراء آبائهم، وسيرًا خلفهم فيما وجدوهم عليه.

وأخبر أنهم يندمون يوم القيامة أشد الندم على اتباعهم لسادتهم وكبرائهم كآبائهم وغيرهم، وأخبر على وجه الذم عن هذه الأمم قوم نوح وعاد وثمود ومن بعدهم، أنهم كفروا بما جاءتهم به رسلهم من البينات؛ لمخالفتها لما وجدوا عليه الآباء، فدلت كلها على تحريم تقليد الآباء وإبطاله، إعراضًا عما جاءت به الرسل من عند الله.

وقد يرد على وجه الاستدلال من هذه الآيات على تحريم تقليد الآباء اعتراضٌ، وهو أن هذه الآيات واردة في حق المشركين الذين قلدوا آباءهم في الكفر بالله -تعالى- وعبادة الأصنام، فهي تدل على المنع من تقليد الآباء في أصول الدين؛ فلا تكون دليلاً على تحريم تقليد الآباء غير المشركين في فروع الدين.

والجواب على هذا الاعتراض: أن هذه الآيات -وإن كانت واردة في المشركين - فلا يمتنع الاحتجاج بها والاستدلال بها على المنع من تقليد غير الآباء الكفار ؛ لأن التشبيه لم يكن من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر، وإنما التشبيه بين المقلدين في الفروع - ممن لا يجوز لهم التقليد - وبين المقلدين لآبائهم في عبادة الأصنام، من جهة كون التقليد وقع بغير حجة للمقلِّد، كما لو قلد رجل فكفر، وقلد آخر فأذنب، وقلد آخر في مسألة فأخطأ وجه الحق فيها، فإن كل واحد من هؤلاء المقلِّدين مذموم على التقليد بغير حجة ودليل؛ لتشابهم في التقليد، وإن اختلف آثامهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: " قد ذم الله -تعالى- في القرآن من عَدَل عن اتباع الرسول إلى ما نشأ عليه من دين آبائه، وهذا هو التقليد الذي حرمه الله ورسوله وهو أن يتبع غير الرسول فيما خالف فيه الرسول، وهذا حرام باتفاق المسلمين على كل أحد، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" ا. هـ .

وأما النوع الثاني: فقد وردت فيه آيات منها:
1-
قوله -تعالى-:
﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ .

ووجه الدلالة: أن الله -تعالى- نهى المسلمَ عن أن يقفو ما ليس له به علم، والنهي للتحريم، ومن قلد من يجهل أهليته للأخذ بقوله فقد قفا ما ليس له به علم، فيكون محرمًا.

2- قوله -تعالى-:
﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ .

ووجه الاستدلال: أن الآية دلت على تحريم القول على الله بلا علم، ومن قلد من يجهل أهليته للأخذ بقوله فقد قال على الله بلا علم، فيكون محرمًا.


وأما النوع الثالث: فمن الآيات الواردة في ذمه:
1-
قول الله -تعالى-:
﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ .

ووجه الاستدلال: أن الله ذم أهل الكتاب في طاعتهم للعلماء وتقليدهم لهم، في تحريم الحلال وتحليل الحرام بعد معرفتهم لذلك، فدل ذلك على تحريم التقليد بعد ظهور الدليل على خلاف قول المقلَّد.

2- قول الله -تعالى-:
﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ .

ووجه الدلالة: أمر الله باتباع المنزَّل من عنده، ونهى عن اتباع غيره مما يخالفه، وهذا يدل على تحريم التقليد بعد ظهور الحجة على خلاف قول المقلَّد.

3- قول الله -تعالى-:
﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ .

ووجه الاستدلال: أمر الله بردّ المتنازع فيه إلى الكتاب والسنة، فيكون الرد إلى غيرهما محرمًا، ومن قلد أحدًا بعد ظهور الدليل على خلاف قوله، فقد رد المتنازع فيه إلى غير الكتاب والسنة، فيكون محرمًا.

4-
قول الله -تعالى-:
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا .

ووجه الدلالة: أن الله ذم من أعرض عن التحاكم إلى الله وإلى رسوله إذا دُعي إلى ذلك، وهذا يدل على أن التقليد بعد ظهور الدليل على خلاف قول المقلَّد مذموم محرم
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 21 May 2008, 12:16 AM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

القسم الثاني من أقسام التقليد

التقليد الواجب

التقليد يكون في فروع الدين ومسائل الاجتهاد، وهي الأمور النظرية التي يشتبه أمرها للعامي العاجز عن النظر والاستدلال، ولمن كان محصلا لبعض العلوم المعتبرة في الاجتهاد، ولكنه قاصر عن بلوغ درجة الاجتهاد.



و في حكم التقليد للعامي ومن في حكمه مذاهب


المذهب الأول لجمهور العلماء: بل هو شبه إجماع أن التقليد واجب على العامة ومن في حكمهم.

قال ابن عبد البر في كتابه " جامع بيان العلم وفضله ": " العامة لا بد لها من تقليد علمائها عند النازلة تنزل بها؛ لأنها لا تتبين موقع الحجة، ولا تصل بعدم الفهم إلى علم ذلك؛ لأن العلم درجات لا سبيل منها إلى أعلاها إلا بنيل أسفلها، وهذا هو الحائل بين العامة وبين طلب الحجة"، ثم قال: "ولم تختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها، وأنهم المرادون بقوله -عز وجل-:
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ .
وأجمعوا على أن الأعمى لا بد له من تقليد غيره، ممن يثق بميزه بالقبلة إذا أشكلت عليه، فكذلك مَن لا علم له ولا بصر، بمعنى ما يدين به، لا بد من تقليد عالمه " اهـ .

وقال الغزالي في المستصفى: " العامي يجب عليه الاستفتاء واتباع العلماء " اهـ .

وقال ابن قدامة في روضة الناظر: " وأما التقليد في الفروع فهو جائز إجماعًا"، ثم قال: "فلهذا جاز التقليد فيها، بل وجب على العامي ذلك " اهـ .

وقال الشاطبي في الاعتصام: " الثاني: أن يكون مقلِّدًا صرفًا خليًا من العلم الحاكم جملة، فلا بد له من قائد يقوده، وحاكم يحكم عليه، وعالم يقتدي به اهـ .

وقال الآمدي في الإحكام: " العامي ومن ليس له أهلية الاجتهاد -وإن كان محصلا لبعض العلوم المعتبرة في الاجتهاد- يلزمه اتباع قول المجتهدين والأخذ بفتواه عند المحققين من الأصوليين" اهـ .

وقال ابن الجوزي في تلبيس إبليس: " وأما الفروع فإنها لما كثرت حوادثها، واعتاص على العامي عرفانها، وقرب لها أمر الخطأ فيها؛ كان أصلح ما يفعله العامي التقليد فيها لمن قد سير ونظر " اهـ .

وقال الشيخ حمد بن ناصر بن معمر في رسالة الاجتهاد والتقليد: " وبالجملة فالعامي الذي ليس له من العلم حظّ ولا نصيب فرضه التقليد " اهـ.

وقال أيضًا: " من كان من العوام الذين لا معرفة لهم بالفقه والحديث، ولا ينظرون في كلام العلماء، فهؤلاء لهم التقليد بغير خلاف، بل حكى غير واحد إجماع العلماء على ذلك " اهـ .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وتقليد العاجز عن الاستدلال للعالم يجوز عند الجمهور ".

المذهب الثاني: أن التقليد يحرم على العامة، ويلزمهم النظر في الدليل، ويجب الاجتهاد على كل عاقل مطلقًا، في الأصول وفي الفروع، وإلى هذا ذهب بعض القدرية وابن حزم.

المذهب الثالث:أن التقليد واجب على العامة ولكنه خاص بالإمام المعصوم، وهذا مذهب الإمامية .
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 29 May 2008, 06:34 AM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

أدلة المجيزين للتقليد

والمراد بجواز التقليد : الإذن فيه الشامل للوجوب والإباحة

استدل القائلون بجواز التقليد للعامي ومن في حكمه- وهم الجمهور- بأدلة بعضها شرعي، وبعضها عقلي، نذكر أهمها فيما يلي:


الدليل الأول:
قول الله -تعالى-:
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ .

ووجه الاستدلال: أن الله -تعالى- أمر من لا علم له أن يسأل من هو أعلم منه، ولا معنى للسؤال إلا العمل بقول المسئول، فدل ذلك على جواز التقليد؛ إذ لا معنى للتقليد إلا العمل بقول الغير من غير حجة.

وقد نوقش هذا الدليل بما يأتي:

1- أن هذه الآية الشريفة وردت في سؤال خاص خارج عن محل النزاع، كما يفيده السياق المذكور قبل ذلك:
﴿ مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ .
وكما يفيده السياق بعده:
﴿ وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لاَ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ .
قال ابن كثير والبغوي وأكثر المفسرين إنها نزلت ردًّا على المشركين لمّا أنكروا كون الرسول بشرًا، وهذا هو المعنى الذي يفيده السياق .

2- أن الله -سبحانه- أمر العامي بسؤال أهل الذكر، وهم أهل العلم، عما حكم الله به في هذه المسألة، وما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها؛ ليخبروه به، لا عن رأي رجل بعينه ومذهبه؛ ليأخذه به وحده، ويخالف ما سواه، مع وجود النص.

ويجاب عن هاتين المناقشتين بما يأتي:

أما المناقشة الأولى: فالجواب عنها أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

وأما المناقشة الثانية: فالجواب عنها أن المسئول عنه عام، يشمل ما نص عليه في الكتاب والسنة، وما لم ينص عليه، مما اجتهد فيه المجتهدون ، ووصلوا بالاجتهاد إلى حكم فيه، وقد أُمروا باتباعهم فيما يقولون ؛ فكان ذلك دالا على جواز تقليدهم في آرائهم الاجتهادية.
أما الأخذ بالرأي مع وجود النص ومخالفته، فهو من تعصب بعض الفقهاء وهو خارج عن محل النزاع.


الدليل الثاني:
قول الله -تعالى-:
﴿ فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ .

ووجه الاستدلال: أن الله أوجب على الناس قبول نذارة المنذر لهم، وهذا أمر بتقليد العوام للعلماء.

وقد نوقش هذا الدليل بما يأتي:

1- أن الله -سبحانه- أوجب على الناس قبول ما أنذرهم به من الوحي الذي ينزل في غيبتهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجهاد، وليس في هذا ما يدل على تقديم آراء الرجال على الوحي.

2- أن الإنذار إنما يقوم بالحجة، والنذير من أقام الحجة، ومن لم يأت بالحجة فليس بنذير، والمنكر والمذموم من أفعال المقلِّدين هو نصْب رجل بعينه يجعل قوله عيارًا على القرآن والسنة، فما وافق قوله منها قُبل، وما خالفه رُدّ، ويقبل قوله بغير حجة، ويرد قول نظيره أو أعلم منه، ولو كانت الحجة معه .

ويجاب عن هاتين المناقشتين: بأننا -وإن سلمنا أن الدليل في غير محل النزاع- لكن لا نسلم تفسير التقليد بالأخذ بقول رجل بعينه دون النبي -صلى الله عليه وسلم- بل فسرناه سابقًا.


الدليل الثالث:

وهو دليل عقلي، لو كان التقليد غير جائز للعامة ومن في حكمهم، وكلفوا الاجتهاد لأدى ذلك إلى ضياع مصالح العباد، وانقطاع الحرث والنسل، وتعطيل الحرف والصنائع، فيؤدي إلى خراب الدنيا، وفي هذا من الحرج ما لا تأتي به الشريعة ؛ قال الله -تعالى- :
﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ .

ونوقش هذا الدليل بما يأتي:
1- أن قولكم: لو كلف الناس الاجتهاد لضاعت مصالح العباد، معارض بالمثل، وذلك بأن يقال: لو كلفنا التقليد لضاعت أمورنا وفسدت مصالحنا؛ إذ لا ندري من نقلد من الفقهاء والمفتين فإن عددهم لا يحصيه إلا الله، وهم قد ملأوا الأرض شرقًا وغربًا وجنوبًا وشمالا، فلو كلفنا بالتقليد لوقعنا في أعظم العنت والفساد.

ويجاب عن هذه المناقشة: بأنه لا حرج ولا عنت في التقليد، فليقلِّدْ كل واحد فقهاء بلده والمفتين فيها، ما داموا قد ملأوا الأرض، خصوصًا وأن أصحاب هذه المناقشة يقولون: إن التقليد جائز لمن تقوم بهم الحياة من أرباب الصنائع المختلفة، من زراعة وصناعة وتجارة لا لكل الناس.

2- ونوقش أيضًا: بأننا لو كلفنا بالتقليد لكل عالم لاجتمع في حقنا النقيضان، وذلك بتحليل هذا الشيء تقليدًا لهذا العالم، وتحريمه تقليدًا لعالم آخر، وإيجاب هذا الشيء تقليدًا لهذا العالم، وإسقاطه تقليدًا لعالم آخر، ولو كلفنا بتقليد الأعلم فالأعلم، لكان في ذلك مشقة، ومعرفة الأحكام من القرآن والسنة أسهل بكثير من معرفة الأعلم وشروطه المطلوبة فيه، ولو كلفنا بتقليد البعض منهم على حسب اختيارنا وتشهِّينا، لصار دين الله تبعًا للهوى والارادة، وهذا محال لا تأتي به الشريعة.

ويجاب عن هذه المناقشة:

بأن القائلين بجواز التقليد لا يقولون بتقليد كل عالم، ويقولون بجواز تقليد المفضول مع وجود الفاضل، وتقليد البعض لا يلزم منه خضوع الدين للهوى والارادة، ويقولون: إن معرفة العامي للأحكام من الكتاب والسنة فيها كل المشقة عليه؛ إذ لا يصل إلى ذلك إلا إذا انقطع لذلك، وترك تحصيل وسائل المعيشة له ولأولاده.

3- ونوقش أيضًا بأن النظر والاستدلال يكون به صلاح الأمور لا ضياعها، وبتركه وتقليد من يخطيء ويصيب يكون فيه إضاعتها وفسادها، والواقع شاهد بذلك.

ويجاب عن هذه المناقشة:
بالمنع؛ فلا ضياع ولا فساد في تقليد العامي للعالم.

4- ونوقش أيضًا بأن الواجب من النظر والاستدلال على كل مكلف هو معرفة ما يخصه وتدعو إليه حاجته من الأحكام، ولا يجب عليه ما لا تدعوا الحاجة إلى معرفته.

ويجاب عن هذه المناقشة:
بأن النظر والاستدلال يحتاج إلى وسائل ينقضي أكثر العمر حتى يتقنها المرء ويستطيع معرفة الأحكام بواسطتها، وفي هذا مشقة على من يريد تحصيل معاشه.

5-
ونوقش أيضًا: بأن ما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- من العلم النافع أيسر على النفوس تحصيلا وفهما وحفظًا من كلام الناس، مما هو زبالة الأذهان ونحاتة الأفكار ومسائل الخرص والألغاز، فإن الله -تعالى- قد يسّر فهم شريعته وكتابه، قال الله -تعالى-:
﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ .

وقال البخاري في صحيحه: قال مطر الورّاق:" هل من طالب علم فيعان عليه؟" ؛ ولم يقل : فتضيع عليه مصالحه، وتتعطل عليه معايشه ؛ بل الذي في غاية الصعوبة والمشقة مقدرات الأذهان، وأغلوطات المسائل، والتأصيل والتفريغ، الذي ما أنزل الله به من سلطان .

ويجاب عن هذه المناقشة: بأن فهم الشريعة ميسور، ولكن الوصول إلى درجة استنباط الأحكام يحتاج إلى جهد وانقطاع تتعطل معه مصالح المقلين، الذين يحتاجون إلى كسب معاشهم يومًا فيومًا، وأما إعانة طالب العلم فهي إعانته على التحصيل والفهم لا على توفير المال والإمكانيات لمعاشه ومعاش أهله.
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 29 May 2008, 06:43 AM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي


الدليل الرابع:

الإجماع من الصحابة بوجود سائل ومسئول، فلم تزل العامة يستفتون العلماء والعلماء يفتونهم من غير ذكر دليل، ولا يأمرونهم بنيل درجة الاجتهاد، من غير نكير، وذلك معلوم على الضرورة، والتواتر من علمائهم بالإفتاء وعوامهم بالرجوع إلى العلماء

الدليل الخامس:

دليل عقلي: وهو أن المجتهد في الفروع إما مصيب فله أجران وإما مخطأ فله أجر، فهو مثاب على كلا الحالين، فجاز التقليد فيها، بل وجب على العامي، بخلاف الأصول فإنه إذا أخطأ فهو آثم .

الدليل السادس:

قول الله -تعالى-:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ .

ووجه الاستدلال: أن الله أمر بطاعة أولي الأمر وهم العلماء وطاعتهم تقليدهم فيما يفتون به، والأمر للوجوب، فهو أمر بتقليد العوام للعلماء

ونوقش هذا الدليل بما يأتي:
1- أن للمفسرين في تفسير أولي الأمر قولين:
أحدهما: أنهم الأمراء
والثاني أنهم العلماء
والتحقيق أن الآية تتناول الطائفتين، وعلى كلا التفسيرين فليس في الآية دليل على جواز التقليد، لأن العلماء والأمراء إنما يطاعون في طاعة الله وفق شريعته، لأن العلماء مبلغون لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والأمراء منفذون له، وليس في الآية ما يدل على تقديم آراء الرجال على سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإيثار التقليد عليها.

ويجاب عن هذه المناقشة: بأننا لا نقول بتقديم آراء الرجال على سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن هذا ليس من مفهوم التقليد الذي هو محل النزاع، بل هو من تعصب بعض الفقهاء

2- ونوقش أيضًا: بأن العلماء إنما أرشدوا غيرهم إلى ترك تقليدهم، ونهوهم عن ذلك فطاعتهم ترك تقليدهم.
ويجاب عن هذه المناقشة: بأن العلماء أمروا غيرهم بترك تقليدهم ممن يقدر على الاجتهاد، ويستطيع الاستنباط، ولم يكن لديه مانع من ذلك.

3- ونوقش أيضًا: بأن الله أمر بطاعته وطاعة رسوله، ولا يكون العبد مطيعًا لله ورسوله حتى يكون عالمًا بأمر الله ورسوله، والمقلد ليس من أهل العلم بأوامر الله ورسوله، فلا يمكنه تحقيق طاعة الله ورسوله؛ لأنه مقلد فيها لأهل العلم .
ويجاب عن هذه المناقشة: بأن هذا دليل على جواز التقليد، لأنه مأمور بالطاعة، وهي لا تتحقق إلا بالعلم، وعلم غير القادر على الاجتهاد لا يتحقق إلا بالتقليد، فهو إذن مأمور بالتقليد.
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 29 May 2008, 07:02 AM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي


الدليل السابع:

قوله -عليه الصلاة والسلام- في شأن الصلاة: (( إن معاذًا قد سنّ لكم سُنّة فكذلك فافعلوا )).
قاله -عليه الصلاة والسلام- حينما أخّر ما فاته من الصلاة، فصلاه بعد فراغ الإمام، والتزم متابعة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال: "لا أراه على حال إلا كنت معه". وكانوا قبل ذلك يصلون ما فاتهم أولا، ثم يدخلون مع الإمام.

ووجه الدلالة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بتقليد معاذ والأمر للوجوب، فدل على وجوبه.

ونوقش هذا الدليل: بأن فعل معاذ لم يَصِر سنة إلا حينما أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- لا لأن معاذا فعله فقط، ومعنى الحديث: أن معاذًا فعل فعلا جعله الله لكم سنة، لا بمجرد فعله؛ بل لأنه كان السبب بثبوت السنة، وإلا فقد فعل معاذ في الصلاة أمرًا يغضب النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما طولها ونهاه عن العودة، فلو كان ما فعل معاذ يقلَّد فيه لقلد في تطويله الصلاة حينما أمّ الناس.
ونوقش أيضًا: بأن معاذًا قد ورد عنه النهي عن التقليد، فقد صح عنه أنه قال: "كيف تصنعون بثلاثٍ: دنيا تقطع أعناقكم، وزلة عالم، وجدال منافقٍ بالقرآن، فأما العالم فإن اهتدى فلا تقلدوه دينكم، وإن افتتن فلا تقطعوا منه إياسكم، فإن المؤمن يفتتن ثم يتوب، وأما القرآن فإن له منارًا كمنار الطريق لا يخفى على أحد، فما علمتم منه فلا تسألوا عنه أحدًا، وما لم تعلموه فكلموه إلى عالمه، وأما الدنيا فمن جعل الله غناه في قلبه فقد أفلح، ومن لا فليست بنافعته دنياه.

فنهى عن التقليد وأمر باتباع ظاهر القرآن وألا يبالي بمن خالف فيه، وأمر بالتوقف فيما أشكل على خلاف ما عليه المقلدون .

ويجاب عن هذه المناقشة: بأن معاذًا ينهى عن التقليد القادر على الفهم والاستنباط من الكتاب والسنة، أما العاجز العامي ومن في حكمه فلا يتناوله النهي؛ إذ لا يقدر إلا على التقليد وهو مأمور بذلك.

الدليل الثامن:
قوله -عليه الصلاة والسلام-: (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ))
وقوله -عليه الصلاة و السلام-: (( اقتدوا باللذين من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر واهتدوا بهدي عمّار وتمسكوا بعهد ابن مسعود )) أخرجه الترمذي .
ووجه الاستدلال: أن النبي -عليه السلام- أمر بالأخذ بسنة الخلفاء الراشدين والاقتداء بأبي بكر وعمر والأخذ بهدي عمار وعهد ابن مسعود وذلك تقليد لهم، فالتقليد مما أمر به النبي -عليه السلام- وحثٌ على لزومه.

ونوقش هذا الدليل بما يأتي:

1- أن الأخذ بما سنَّه الخلفاء الراشدون والاقتداء بما فعلوه ليس تقليدًا لهم، بل هو امتثال لقول النبي -عليه السلام- واتباع له، حيث أمر به، وليس من التقليد في شيء.
ويجاب عن هذة المناقشة: بأن الامتثال يكون بالأخذ بسنتهم، والأخذ بسنتهم هو التقليد.

2- ونوقش أيضًا: بأن سنتهم خلاف ما عليه المقلدون فانهم لا يدَعُون السنة -إذا ظهرت- لقول أحد من الناس كائنًا من كان، والمقلدون يأخذون برأي فلان وفلان وإن خالف السنة.
و يجاب عن هذه المناقشة: بأن المقلِّدين يأخذون بالكتاب والسنة عند سؤالهم أهل العلم من المجتهدين ومن يخالف السنة فغير قادح فيها فليس من المجتهدين

3- ونوقش أيضًا: بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- خصهم بالاقتداء بهم؛ لمزيتهم وفضلهم على غيرهم، فلا يجوز أن يلحق بهم غيرهم، والمقلدون بهم، بل صرح بعض غلاتهم بتحريم الاقتداء بهم، ووجوب الاقتداء بأصحاب المذاهب بعدهم .
ويجاب عن هذه المناقشة: بأن التحقيق أنه لا يجوز تقليد الصحابة إذا لم يثبت النقل عنهم، لكن إذا ثبت النقل عن الصحابة بطريق صحيح موثوق به، فالإجماع على جواز تقليدهم.

أما أدلة المذهب الثاني والثالث فسيأتي في الباب الرابع في الفصل الثاني.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 18 Dec 2009, 04:09 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

للفائدة
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 19 Dec 2009, 03:03 PM
أبو إبراهيم خليل الجزائري أبو إبراهيم خليل الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 379
افتراضي


أحسنت أخي الفاضل موضوع مفيد جدا
بارك الله فيك و نفعنا بما تكتب
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 23 Jan 2010, 02:37 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

آمين ، و فيك بارك الله أخي
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أصول, التقليد, العثيمين, فقه

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013