بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وتابعيه بإحسان إلى
يوم الدين
أما بعد؛
من الأمور التي تخرج الإنسان عن جادة الصواب هو عدم الثقة بالعلماء الأجلاء المعتبرين والمشهود لهم بالعلم والورع والصلاح والتقوى فهم ورثة الأنبياء عليهم السلام فهل يا ترى إذا لم يكن الإنسان له مرجع يرجع إليه في معرفة أمور دينه ولا يتبع أهل العلم ولا يأخذ منهم لا من بعيد ولا من قريب بدعوى (( أنا غير ملزم بتقليد هذا الشيخ أو ذاك )) وإن كان الحق الذي مع الشيخ يخالف هواه ؟
وهذه العبارة يطلقها قائلها على أنها من منهج السلف تعالوا معنا لننظر إلى الحقيقة ومع عبارة : قول بعضهم ( أنا غير ملزم بتقليد هذا الشيخ أو ذاك )
هذه العبارة يطلقها بعض الناس زاعما أن هذا منهج السلف.
والحقيقة أن إطلاق هذه العبارة فيه نظر من جهات :
أولا : محل هذه العبارة حينما يظهر في مسألة دليل يلزم المصير إليه فهنا لا عبرة بأحد كائنا من كان إذا خالف كلامه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الثابت عنه إذ كل أحد يأخذ من قوله ويترك إلا الرسول صلى الله عليه وسلم .
ثانيا : استعمال هذه العبارة في المسائل الإجتهادية من طالب العلم ليرد بها كلام العلماء الذين هم أكبر منه وأسن منه وأعلم وأتقى منه خلاف سنة السلف الصالح – رضوان الله عليهم ـ حيث كان الواحد منهم في مثل هذه المسائل يترك قوله لقول من هو أعلم منه وما كان يقول : أنا لست ملزما بقول الشيخ .
ثالثا : المسلم الأصل فيه أن يتهم نفسه خاصة إذا كان في محل يخالف فيه ما قرره من هو أعلم منه فإن عليه ألا يستبد بالرأي فكيف إذا كان المقام أصلا مقام خبر يلزمه اتباعه ولا يسوغ له مخالفته ؟ بل حتى في مسائل الاجتهاد فإن من سنة الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ أن أحدهم كان يترك قوله لقول من هو أعلم منه .
رابعا : إجلال العلماء سنة وهذه العبارة تخالف إجلال العلماء نعم إذا ظهر في المسألة دليل يلزم المصير إليه والآخذ به فإنه لا عبرة بقول أحد مع الدليل كائنا من كان إذ كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا الرسول صلى الله عليه وسلم .
والحال هنا أن بعض الناس يقول هذه العبارة في مقام لم يظهر فيه دليل على خلاف العالم.
أليس الحق هنا أن يرى للعلماء فضلهم وأنهم أهدى وأعلم وأورع وأتقى ويتهم نفسه أمام قولهم ويحذر من خلافهم ؟! اللهم غفرا.
خامسا : التقليد ليس بمحرم على الإطلاق فإن العامي ـ ومن في حكمه من المتبع ـ إذا لم يتيسر له معرفة الدليل والمجتهد إذا لم يتيسر له الإجتهاد والنظر في الدليل عليه يقلد وهذا هو الواجب في حقه وقد جاء عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في المسألة التي لا يعرف دليلها أنه كان يأخذ فيها بقول الشافعي رحمه الله .
والعبارة بإطلاقها قد توهم أن المسلم ليس له أن يقلد وهذا خلاف ما قرره أهل العلم في ذلك.
سادسا: هناك فرق بين الإتباع والتقليد فالإتباع أخذ بقول من ظهر لك دليله والتقليد أخذ بقول وتقلده كالقلادة في العنق تنقاد له بدون دليل.
والذي يمنع لمن تأهل وقدر على الأخذ بالدليل هو التقليد أما الإتباع وهو أخذ قول العالم بدليله الذي ظهر لك يمنع منه بل اللازم لمن قدر عليه ولم يقدر على ما هو أكثر منه .
سابعا : ينبغي التفريق بين مقام الآخذ باجتهاد المجتهد في مسألة اجتهادية وبين إتباع العالم فيما أخبر به فإن إتباعه والحال هذه من باب قبول خبر الثقة وهو واجب إلا أن يظهر خطؤه فلا يقال في هذا المقام : لست ملزما بقول هذا العالم . أو لا أقبل كلامه في فلان حتى أقف عليه بنفسي.
هذا كله استعمال لهذه العبارة في غير محلها .
فالرجل المعروف لديك إذا جاء جرحه المفسر من عالم ثقة الأصل أن يتبع كلام هذا العالم ولا تقول : أنا أعرفه فلا آخذ بهذا الجرح المفسر حتى أقف عليه بنفسي هذا لا يقال وهو خروج عن طريق السلف في ذلك نعم الجرح المجمل في حق من ثبتت عدالته لا يقبل والجرح مقدم على التعديل إلا أن يذكر المعدل سبب الجرح ويرده .