منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14 Apr 2010, 09:33 AM
أبو عبد الرحمن حمزة أبو عبد الرحمن حمزة غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: الجزائر العاصمة
المشاركات: 250
افتراضي التذكرة على إتحاف البررة [مسألة صلاة الجنازة في المقبرة] للشيخ أبي وائل سمير مرابيع

التذكرة على إتحاف البررة
[مسألة صلاة الجنازة في المقبرة]

للشيخ سمير بن ناصر مرابيع حفظه الله

المبحث الأول: في بيان كلام ابن عبد البر من التمهيد مع شيء من التعليق على كلام صاحب الإتحاف:
قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: (عليك بالرفق إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه). (رواه مسلم), وهذا يخالف قول الكاتب: [وأنا أريد أن أحرر المسألة، وأذكر الراجح فيها بالأدلة لأنه كما قلت في المقدمة ظهر في هذه الآونة الأخيرة شباب ضاقت عليهم مسوغات الخلاف المتسعة وذلك لضيق عطنهم، فأصبحوا ينكرون كل قول يخالف ما هم عليه حتى لو كان قولهم شاذا بل لم يكتفوا بذلك حتى رموا من خالفهم فيما اختلف فيه السلف بالبدعة والضلال...وما علم أن فعله هو المُجانب للصواب، وأن سنة المصطفى واضحة في هذا الباب كما سأبينه إن شاء الله], والصواب الذي لا مرية فيه, أن المسألة المطروحة مسألة خلاف تعارضت ظواهر الأدلة فيها, فتحتاج إلى بُعد نظر وبسط وجمع أثر يقول يحيى بن معين: "لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجها ما عقلناه". ويقول الإمام أحمد:"الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه، والحديث يفسر بعضه بعضاً". وقال علي بن المديني: "الباب إذا لم تجمع طرقه، لم يتبين خطؤه".

عليه فقد آثرت ذكر كلام ابن عبد البر كاملا مع الوقوف عند ما يحتاج إلى بيان وتوضيح, مع ما يعتري ويحيط بالعبد من ضعف وزلل ونسيان وسوء بيان. والله الموفق.

قال ابن عبد البر في التمهيد (6/259) عند شرحه لحديث أبي أمامة بن سهل عن أبيه:"... واختلف الفقهاء فيمن فاتته الصلاة على الجنازة فجاء وقد سلم من الصلاة عليها وقد دفنت فقال مالك وأبو حنيفة لا تعاد الصلاة على الجنازة ومن لم يدرك الصلاة مع الناس عليها لم يصل عليها, ولا يصل على القبر وهو قول الثوري والأوزاعي والحسن بن حي والليث بن سعد وقال ابن القاسم قلت لمالك: فالحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على قبر امرأة, قال: قد جاء هذا الحديث وليس عليه العمل".

قلت: إن إبطال عمل أهل المدينة أو إجماع أهل المدينة عند الجمهور خلافا لمالك ليس بإطلاق, بل يجب الوقوف عنده والتريث في رده, ذلك لأن الاختلاف فيما يرجع إلى الأحكام الشرعية لم يقع كثيرًا إلا في المسائل الاجتهادية كاختلاف اجتهاد بعض الخلفاء، واختلاف الخلفاء الراشدين الذي هو من قبيل السنة لقوله عليه الصلاة والسلام: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عيها بالنواجذ", ثم إن مالكًا رحمه الله لا يَعتمد العمل به إذا كان مخالفًا للمروي الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه يقول: كل كلام فيه مقبول ومردود إلا كلام صاحب هذا القبر –يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم-، وهو القائل أيضا: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا ما في رأيي فما وافق الكتاب والسنة فخذوا به وما لم يوافق الكتاب والسنة من ذلك فاتركوه.

إلا أن الإمام -رحمه الله- يرى أن عمل أهل المدينة في مسألة اختلفت أو تضاربت الأدلة في شأنها؛ يُرجّح الخلاف ويوجب اختيار القول بعملهم على غيره من المذاهب، على أن الإمام كان إمامًا في الحديث عارفا بأسباب التجريح والترجيح, وما كان من البدع المستحدثة مما هو من السنة المتبعة، وقد شهد على صلاحه ومعرفته وعلمه بالسنة جمٌّ غفير وأناس كثير, وهو من أشد الناس عملا بالسنة ورفضًا للبدعة، أما ما ورد من الأحاديث المروية في الموطأ وغيره مما لم يأخذ بها الإمام مالك فلم يكن ذلك عن هوى وإنما كان عن معرفة وعلم ولا يكون إلا عن مستند صحيح ظهر له فهو الخبير بالصحيح من الحديث والسقيم، وهو حجة في هذا الباب وعالم أهل الحجاز ولم يبلغ أحد في زمانه مرتبته في العلم بالحديث والسنة والرجال، فكان من أشد الناس انتقادا لهم فلا يُبلّغ من الحديث إلا ما كان صحيحًا ولا ينقل إلا عن ثقة, وقد روى مائة ألف حديث جمع منه في موطئه عشرة آلاف ثم لم يزل يعرضها على الكتاب والسنة ويختبرها بالآثار والأخبار حتى وصلت إلى خمسمائة, وفي المدارك للقاضي عياض من الأدلة على ذلك ما يشفي الغليل, وكان يقول رحمه الله: ما رواه الناس مثل ما روينا فنحن وهم سواء ما خالفناهم فيه فنحن أعلم به منهم.

يقول ابن عبد البر في الجامع: ليس لأحد من علماء الأمة أن يثبت حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرده دون ادعاء نسخ عليه يباشر مثله أو إجماع أو بعمل يجب على أصله الانقياد إليه أو طعن في سنده ولو فعل ذلك لسقطت عدالته فضلا عن أن يتخذ إمامًا ولزمه إثم الفسق ، قال هذا في الرد على الليث بن سعد فيما ادعاه من أن مالكًا خالف السنة في سبعين مسألة قال فيها برأيه، فنحن نرى الحافظ ابن عبد البر يستبعد صدور المخالفة من مالك للحديث الذي يرويه ثم يعمل بخلافه دون أن يكون له سند يعتمد عليه ويعول عليه من نسخ أو ترجيح.

على أن الإمام مالك لم يقل أصلًا بأن عمل أهل المدينة هو الإجماع الذي يعد المصدر الثالث من مصادر التشريع إذ تعابيره في الموطأ لا تخرج عن قوله: (هذا الأمر الذي أدركت عليه الناس وأهل العلم ببلدنا، أو الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا، أو الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا، أو ما أعرف شيئًا مما أدركت عليه الناس أو السنة عندنا، أو ليس على هذا العمل عندنا، أو الأمر الذي سمعت من أهل العلم، أو السنة التي لا اختلاف فيها عندنا أو السنة التي عندنا والتي لا شك فيها، أو قوله وليس العمل على هذا) هذه هي الصيغ التي استعملها مالك في موطئه قاصدًا بها عمل أهل المدينة.

فما ذكره مالك في عمل أهل المدينة هو بمثابة العرف الذي يوجد في أي مكان، ولذلك قال ابن خلدون في مقدمته (ص445): ولو ذكرت المسألة (يعني عمل أهل المدينة) في باب فعل النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره أو مع الأدلة المختلف فيها مثل قول الصحابي وشرع من قبلنا والاستصحاب لكان أليق.

فهذا العمل الذي عليه أهل المدينة يرفع الخلاف ويرجح ما هم عليه على غيرهم من المذاهب على أن مالكًا هو أكثر الناس تحرجا من البدع والشبهات وتمسكًا بما عليه الصحابة والتابعون، وإنما يرجح عمل أهل المدينة على غيرهم لأن أهلها أقرب إلى صفاء التشريع ونقاوته، وهم أبعد الناس عن أن يكونوا على ضلالة من أمرهم وهم أقرب الناس عهدا بالرسول وأصحابه وأتباعهم ، وهذا شبيه بما كان عليه أبو يوسف صاحب أبي حنيفة حين كان يقدم العرف على الحديث ويقول: "إن الحديث ليس إلا تأكيدًا أو إقرارًا للعرف الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لو وجد عليه الصلاة والسلام هذا العرف قد تغير تغيرًا موافقًا لأصل الدين لأقره، ومثل هذا فعل الشافعي، فقد أخذ بكثير من عمل أهل مكة وكذلك ينقل عن أبي حنيفة في حكمه بعمل أهل العراق، نقل ذلك الشيخ الحجوي (كتاب الفكر السامي ص 2/167), وإذا كان هؤلاء الأئمة اعتبروا عرف هذه البلدان فعمل أهل المدينة أولى بالاعتبار، ثم إن العمل الذي كان بالمدينة شائعا على عهد مالك رحمه الله, منه ما كان معمولا به على الدوام وهو الذي قال فيه ابن رشد في مقدماته (ص 2/565): وما استمر عليه العمل بالمدينة واتصل به فهو عنده -أي مالك- مقدم على أخبار الآحاد العدول، لأن المدينة دار النبي صلى الله عليه وسلم وبها توفي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المتوافرون فيستحيل أن يتصل العمل منهم في شيء على خلاف ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد علموا النسخ فيه.

ثم قال ابن عبد البر"وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع أن ابن عمر قدم بعدما توفي عاصم أخوه, فسأل عنه فقال أين قبر أخي؟ فدلوه عليه فأتاه فدعا له. قال عبد الرزاق: وبه نأخذ.
قال (أي عبد الرزاق): وأخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع قال: كان ابن عمر إذا انتهى إلى جنازة قد صُلي عليها, دعا وانصرف ولم يعد الصلاة.
وذكر (أي عبد الرزاق) عن الثوري عن مغيرة عن إبراهيم قال: لا تعاد على ميت صلاة.
قال (أي عبد الرزاق) قال معمر: كان الحسن إذا فاتته صلاة على جنازة لم يصل عليها, وكان قتادة يصلي عليها بعد إذا فاتته".

قلت: وسند الأثرين صحيح عن ابن عمر (انظر المصنف رقم 6546 و6545 والأوسط 3038), وأما أثر إبراهيم النخعي فسنده ضعيف لتدليس المغيرة بن مقسم (انظر المصنف رقم 6544) وهو عند ابن أبي شيبة (رقم 37537) من طريق شعبة عن المغيرة به بلفظ: كانوا يكرهون أن يصلوا بين القبور, وكذا أثر الحسن البصري للانقطاع بينه وبين معمر (انظر المصنف رقم 6547), وقد جاء مرسلا صحيحا عنه بلفظ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّلاَةِ بَيْنَ الْقُبُورِ. من طريق حفص بن غياث عن أشعث الحدّاني عن الحسن به, (انظر ابن أبي شيبة رقم 37531), ثم رأيت يحي بن سعيد القطان ينكر على من ادعى أن الحسن كان يصلي بين القبور (انظر تهذيب الكمال عند ترجمة: سهل بن أبي الصلت), قال عمرو بن علي عن يحي بن سعيد القطان: روى (أي سهل بن أبي الصلت) شيئا منكرا أنه رأى الحسن يصلي بين سطور القبور. وحدثنا الأشعث عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بين القبور –كأنه يثبته-.

وأما أثر معمر عن قتادة فصحيح الإسناد عنه (انظر المصنف رقم 6547).
وأختم هذه الفقرة بأصح وأصرح ما ورد عن أنس رضي الله عنه: أنه كره أن يصلي على الجنازة في المقبرة. (انظر ابن أبي شيبة رقم 37536 و7669 وابن المنذر 3053) من طريق عاصم الأحول عن ابن سيرين عن أنس به, ولا يخفى القارئ أن إطلاق الكراهة عند السلف هي بمعنى التحريم. والله أعلم.

ثم باشر الإمام ابن عبد البر ذكر مذهب المجيزين مع ذكر أدلتهم فقال: "وقال الشافعي وأصحابه من فاتته الصلاة على الجنازة صلى على القبر إن شاء الله وهو رأى عبد الله بن وهب ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وهو قول أحمد ابن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود بن علي وسائر أصحاب الحديث قال أحمد ابن حنبل رويت الصلاة على القبر عن النبي صلى الله عليه وسلم من ستة وجوه حسان كلها".

قلت: تنبيه:
· الملاحظ أن الخلاف المذكور والمنقول خاص بمن فاتته صلاة الجنازة فرُخّص له حينئذ أن يصلي عند القبر أو عند سرير الميت استثناء من الأصل الناهي عن اجتماع مسجد ومقبرة في محل واحد, لا بمن يقصد المقبرة لصلاة الجنازة, فهل كانت تحمل الجنائز إلى المقابر للصلاة عليها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو التابعين أو أتباعهم؟ فما بين المسألتين إذن كما بين المشرق والمغرب, فالمسألة الأولى قد دلت النصوص على مشروعيتها, ثم هي شبيهة بمسألة قضاء ما لم يدرك من الصلوات مع الجماعة, فقد كان بعض السلف –مثلا- إذا فاتتهم الصلاة جماعة في المسجد صلوا فرادى, مع أن النصوص الكثيرة جاءت للدلالة على وجوب الاجتماع للصلاة, فكان هذا عذرهم في عدم تكرار الجماعة في المسجد أو غيره –مع الخلاف-, أما المسألة الثانية فلا دليل عليها لا من الكتاب ولا من السنة ولا من عمل السلف, فكان يلزمنا ابتداء مناقشة المسألة من هذا المنطلق. والله أعلم.

نلاحظ أن صاحب الإتحاف لم يظهر له معنى (الوجه) في قول أئمة الحديث: (من ستة وجوه حسان) التي تعني عندهم عدّ مخارج المتن الواحد, فحديث: من كذب علي متعمدا...يروى من وجوه قد تفوق العشرة بالنظر إلى رواته من الصحابة والمتن واحد, وأما كاتب الإتحاف فظنها مرات عديدة حتى قال: [وليعلم أنه تكرر فعل هذا منالنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من سبع مرات، وليس كما يقوله البعض أنه صلىالله عليه وسلم فعلها مرة واحدة، وهذه عبادة ،وتعتبر تشريعا], لهذا السبب وغيره اختلف اجتهاد العلماء في عدّ أحاديث الصحيحين وغيرهما, راجع غير مأمور كتب المصطلح للوقوف على اصطلاحات أهله.

قال ابن عبد البر: "وفي كتاب عبد الرزاق عن ابن مسعود ومحمد بن قرظة أن أحدهما صلى على جنازة بعدما دفنت, وصلى الآخر عليها بعدما صلى الآخر عليها.

قلت: أثر قرظة بن كعب ضعيف لضعف أشعث بن سوار, وهو عن ابن أبي شيبة (رقم 12059) قال حدَّثَنَا هُشَيْمٌ بن بشير، أَخبَرَنَا أَشْعَثُ بن سوار عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : جَاءَ قَرَظَةُ بْنُ كَعْبٍ فِي رَهْطِ مَعَهُ ، وَقَدْ صلَّى عَلِيٌ على ابْنِ حُنَيْفٍ وَدُفِنَ , فَأَمَرَهُ عَلِيٌّ أَنْ يُصَلِّيَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ عَلَى الْقَبْرِ, فَفَعَلَ.

ولا يفرح بما عند عبد الرزاق (رقم 6543) عن الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن حنش بن المعتمر الكناني قال جاء ناس بعد ما صُلّي على سهل بن حنيف فأمر عليٌّ قرظة الأنصاري أن يؤمهم ويصلي عليه بعد ما دفن. ففي سنده الحسن بن عمارة وهو متروك.

وهو أيضا عند البيهقي في الكبرى (رقم 7244) قال: أَخْبَرَنَا محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل بن يعقوب أبو الحسين القطان بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بن درستويه النحوي حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا الْعَلاَءُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ حَنَشٍ قَالَ : مَاتَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ فَأُتِىَ بِهِ الرَّحَبَةُ فَصَلَّى عَلَيْهِ عَلِىٌّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ ، فَلَمَّا أَتَيْنَا الْجَبَّانَةَ لَحِقَنَا قَرَظَةُ بْنُ كَعْبٍ فِى نَاسٍ مِنْ قَوْمَهِ أَوْ فِى نَاسٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالُوا : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ نَشْهَدِ الصَّلاَةَ عَلَيْهِ فَقَالَ : صَلُّوا عَلَيْهِ فَصَلَّى بِهِمْ فَكَانَ إِمَامَهُمْ قَرَظَةُ بْنُ كَعْبٍ. وفيه الحكم بن عتيبة وقد وصف بالتدليس ولم يصرح بالسماع فالأثر ضعيف.

وأما أثر ابن مسعود رضي الله عنه فلم أجده عند عبد الرزاق وإنما هو عند ابن أبي شيبة (رقم 12060) قال: حدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إدْرِيسَ بن يزيد الأودي، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْحَكَمِ بن عتيبة قَالَ : جَاءَ سَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ وَقَدْ صَلَّى عَبْدُ اللهِ عَلَى جِنَازَةٍ ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ: تَقَدَّمْ فَصَلِّ عَلَى أَخِيك بِأَصْحَابِك. ولا يصح أيضا للانقطاع بين الحكم وسلمان, وقد رمي الحكم بالتدليس.

قال ابن عبد البر: قال (أي عبد الرزاق) وأخبرنا معمر عن أيوب عن ابن أبي مليكة قال توفي عبد الرحمن بن أبي بكر على ستة أميال من مكة فحملناه حتى جئنا به إلى مكة فدفناه فقدمت عائشة علينا بعد ذلك فعابت علينا ذلك, ثم قالت: أين قبر أخي؟ فدللناها عليه, فوضعت في هودجها عند قبره وصلت عليه.

وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا عبد الحميد بن أحمد الوراق قال حدثنا الخضر بن داود قال حدثنا أحمد بن محمد بن هانىء الطائي الأثرم الوراق قال حدثنا أبو عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال حدثنا أيوب عن ابن أبي مليكة أن عبد الرحمن بن أبي بكر توفي في منزل له كان فيه, فحملناه على رقابنا ستة أميال إلى مكة وعائشة غائبة, فقدمت بعد ذلك فقالت أروني قبر أخي فأروها فصلت عليه.

وقال حماد بن زيد عن أيوب عن ابن أبي مليكة قال قدمت عائشة بعد موت أخيها بشهر فصلت على قبره.
وقال عبد الرزاق حدثنا الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن حنش بن المعتمر قال جاء ناس من بعد أن صلى علي على سهل بن حنيف فأمر علي قرظة الأنصاري أن يؤمهم ويصلي عليه بعد ما دفن.

وعن أبي موسى أنه فعل ذلك.
قلت: أثر ابن أبي مليكة أخرجه البيهقي في الكبرى (رقم 7274) وابن المنذر (رقم 3045) من طريق حماد بن زيد عن أيوب به وفيه زيادة: [قدمت عائشة بعد موت أخيها بشهر], وعبد الرزاق (رقم 6539) وابن المنذر (رقم 3040) من طريق معمر عن أيوب به وهو صحيح.

قال ابن التركماني في الجوهر النقي بعد ذكره لأثر ابن عمر حين صلى على قبر أخيه عاصم (4/48): (قد جاء عنه خلاف هذا فذكر عبد الرزق عن معمر عن أيوب عن نافع أن ابن عمر قدم بعد ما توفي عاصم أخوه فسأل عنه فقال أين قبر أخي؟ فدلوه عليه فأتاه فدعا له. قال عبد الرزاق: وبه نأخذ. قال وأنا عبيد الله بن عمر عن نافع قال كان ابن عمر إذا انتهى إلى جنازة قد صلي عليه دعا وانصرف ولم يعد الصلاة. قال ابن عبد البر في التمهيد (6/277): "هذا هو الصحيح المعروف من مذهب ابن عمر من غير ما وجه عن نافع وقد يحتمل أن تكون أن تكون رواية ابن علية عن أيوب "فصلى عليه" بمعنى فدعا له, لأن الصلاة دعاء وهو أصلها في اللغة, فإذا كان هذا فليس بمخالف لما روى معمر".
وكذلك يحتمل أن عائشة دعت على قبر أخيها, وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما لا تعاد الصلاة على الجنازة ولا يصلى على القبر وهو قول الثوري والأوزاعي والحسن بن حي والليث, قال ابن القاسم: قلت لمالك فالحديث الذي جاء أنه عليه السلام صلى على قبر, قال: قد جاء وليس عليه العمل. وقال ابن معين: قلت ليحيى بن سعيد القطان ترى الصلاة على القبر قال لا, ولا أرى على من صلى شيئا, وليس الناس على هذا اليوم. وقال القدوري: لم يكرروا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء من بعده وإنما صلى عليه السلام على القبر لأنه كان الولي).
وقد ترجم ابن الجوزي في التحقيق في أحاديث الخلاف (2/15) لبعض هذا الأحاديث بقوله: مَسْأَلَة يجوز أَن يصلى عَلَى الْجِنَازَة من لم يصل مَعَ الإِمَام وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَا تُعَاد الصَّلَاة إِلَّا أَن يكون الْوَلِيّ حَاضرا فَيصَلي غَيره, -ثم قال- لنا أَرْبَعَة أَحَادِيث –ثم سردها-.

وأما باقي الآثار المذكورة فقد سبقت, إلا أثر أبي موسى الذي أخرجه ابن المنذر (رقم 3041) والبيهقي في الكبرى (رقم 7247) وابن أبي شيبة (رقم 12066) والبخاري في التاريخ (رقم 2461) كلهم من طريق شريك بن عبد الله القاضي عن محمد بن عبد الله المرادي، عن عمرو بن مرة المرادي، عن خيثمة بن عبد الرحمن، قال : توفي الحارث بن قيس ، فجاء أبو موسى ومن معه بعدما دفن، فصلوا عليه.

وهذا الأثر ضعيف لتدليس شريك وتغيره. (جامع التحصيل للعلائي ص 238).

ثم بدأ ابن عبد البر بذكر أوجه حديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على تلك المرأة, وسنذكرها كاملة مع شيء من التعليق عليها. قال ابن عبد البر (التمهيد 6/262): (وأما الستة وجوه التي ذكر أحمد بن حنبل أنه روى منها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "صلى" على قبر فهي والله أعلم حديث سهل بن حنيف وحديث سعد بن عبادة وحديث أبي هريرة روى من طرق وحديث عامر بن ربيعة وحديث أنس وحديث ابن عباس.

قلت: وقد أحصاها على وجه الاختصار ابن حجر في التلخيص (2/292) فقال: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرٍ دُفِنَ لَيْلًا فَقَالَ "مَتَى دُفِنَ هَذَا" ؟ قَالُوا: الْبَارِحَةَ قَالَ "أَفَلَا آذَنْتُمُونِي" قَالُوا دَفَنَّاهُ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ فَكَرِهْنَا أَنْ نُوقِظَك فَقَامَ فَصَفَّنَا خَلْفَهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَا فِيهِمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ الْبَارِحَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ بَعْدَ مَا دُفِنَ بِثَلَاثٍ وَفِي آخَرَ لِلطَّبَرَانِيِّ بِلَيْلَتَيْنِ.

وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْه, وَعَنْ أنس نحوه في البزار, وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ نَحْوُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ, وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ نَحْوُهُ, وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَفِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ وَعِنْدَهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عِنْدَ النَّسَائِيّ, وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَعُبَادَةَ وَأَبِي قَتَادَةَ, وَبُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ, ذَكَرَهَا حَرْبٌ الْكَرْمَانِيُّ.

حَدِيثُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَبْرِ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ بَعْدَ شَهْرٍ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَعْبَدِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَوْصُولًا دُونَ التَّأْقِيتِ, ثُمَّ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى قَبْرٍ بَعْدَ شَهْرٍ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَائِبٌ فَلَمَّا قَدِمَ صَلَّى عَلَيْهَا وَقَدْ مَضَى لِذَلِكَ شَهْرٌ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ مُرْسَلٌ صَحِيحٌ, ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثٍ وَفِي إسْنَادِهِ سُوَيْد بْنُ سَعِيدٍ.

ثم قال ابن عبد البر:
1- فأما حديث سهل بن حنيف فحدثناه أبو عثمان سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا سعيد ابن يحيى أبو سفيان الحميري عن سفيان بن حسين عن الزهري عن أبي أمامة ابن سهل بن حنيف عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود فقراء أهل المدينة ويشهد جنائزهم إذا ماتوا قال فتوفيت [امرأة] من أهل العوالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قضت فآذنوني بها قال فأتوه ليؤذنوه فوجدوه نائما وقد ذهب الليل فكرهوا أن يوقظوه وتخوفوا عليه ظلمة الليل وهوام الأرض قال فدفناها فلما أصبح سأل عنها فقالوا يا رسول الله أتيناك لنؤذنك فوجدناك نائما فكرهنا أن نوقظك وتخوفنا عليك ظلمة الليل وهوام الأرض قال فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبرها فصلى عليها وكبر أربعا).

قلت:هذا الحديث صحيح قد أخرجه النسائي (رقم 1955) من طريق قتيبة عن سفيان بن حسين عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل مرسلا, وكذا أخرجه عبد الرزاق مرسلا ( رقم 6542) من طريق ابن جريج عن أبي أمامة بن سهل به, ومالك (1 / 227 / 15) عن الزهري به مرسلا أيضا, وأخرجه ابن أبي شيبة (رقم 11335 و 12068 و 37225) والطبراني في الكبير (رقم 5586) وابن المقرئ في معجمه (رقم 416) من طريق أبي سفيان سعيد بن يحي الحميري عن سفيان بن حسين عن الزهري عن أبي أمامة عن أبيه مرفوعا, وأخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة (رقم 6554) من طريق محمد بن كثير عن الأوزاعي عن الزهري عن أبي أمامة عن رجال من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, وكذا البيهقي في الكبرى من طريق الحاكم (رقم 6810) من طريق بشر بن بكر عن الأوزاعي به, والحارث في مسنده (رقم 274) من طريق محمد بن مصعب القرقساني عن الأوزاعي به.

وقد سئل الدارقطني في العلل (12 / 276) (رقم 2714) عَن حَديث سهل بن حُنيف ، عنِ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلم : أنه كان يعود فقراء أهل المدينة إذا مرضوا ، ويتبع جنائزهم إذا ماتوا . فتوفيت امرأة من أهل العوالي ، فمشى إلى قبرها ، فصلى عليها ، وكبّر أربعاً.

فقال : يرويه الزُّهْرِي ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، واختُلِفَ عنه؛ فرواه سفيان بن حسين ، عن الزُّهْرِي ، عن أبي أمامة بن سهل ، عن أبيه.
قاله أبو سفيان الحميري - وهو سعيد بن يحيى الواسطي ، ومحمد بن يزيد الواسطي عنه.
وخالفهما يزيد بن هارون ، فرواه عن سفيان بن حسين ، عن الزُّهْرِي ، عن أبي أمامة ابن سهل مرسلاًً.
واختُلِفَ عن ابن أبي ذئب :
فرواه شبابة ، عن ابن أبي ذئب ، عن الزُّهْرِي ، عن أبي أمامة ، عن أبيه.
وأرسله غيره عن ابن أبي ذئب.
واختُلِفَ عن يونس بن يزيد ، عن الزُّهْرِي : فرواه أبو صفوان : عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان ، عن يونس ، عن الزُّهْرِي ، عن أبي أمامة ، عن أبيه.
وخالفه ابن وهب ، والقاسم بن مبرور ، وشبيب بن سعيد ، والليث بن سعد ، فرووه عن يونس ، عن الزُّهْرِي ، عن أبي أمامة : أن بعض أصحاب النبي صَلَّى الله عَلَيه وسَلم أخبره ...
وكذلك رواه عقيل بن خالد ، عن الزُّهْرِي.

واختُلِفَ عن الأوزاعي :
فرواه الوليد بن مسلم ، وعمر بن عبد الواحد ، ومحمد بن مصعب القرقساني ، عن الأوزاعي ، عن الزُّهْرِي ، عن أبي أمامة، عن بعض أصحاب النبي صَلَّى الله عَلَيه وسَلم.
وخالفهم عيسى بن يونس ، - وقيل : عن محمد بن مصعب ، فرواه عن الأوزاعيّ ، عن الزُّهْرِي ، عن أبي أمامة بن سهل مرسلاًً.
ورواه مالك بن أنس ، وسفيان بن عُيَينة ، وابن جريج ، وعَبد الرحمن بن إسحاق ، عن الزُّهْرِي ، عن أبي أمامة بن سهل مرسلاًً.
ورواه معمر ، عن الزُّهْرِي مرسلاًً . لم يجاوز به.
ورواه سعيد بن أبي هلال عن أبي أمامة بن سهل ، عن بعض أصحاب النبي صَلَّى الله عَلَيه وسَلم.
والقول قول من قال : عن الزُّهْرِي ، عن أبي أمامة : حدثني بعض أصحاب النبي صَلَّى الله عَلَيه وسَلم - غير مسمّى -.
قلت: وجهالة أسماء الصحابة لا تضر كما هو مقرر, فالحديث صحيح, وأبو أمامة أسعد بن سهل بن حنيف معدود في الصحابة ممن لهم رؤية ولم يسمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم. قاله ابن حجر في التقريب.
2- وأما حديث سعد بن عبادة فحدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا نعيم بن حماد قال حدثنا ابن المبارك قال أخبرنا المثنى بن سعيد عن قتادة عن ابن المسيب أن سعد بن عبادة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أم سعد توفيت وأنا غائب فصل عليها يا رسول الله فقام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى عليها وقد دفنت قبل ذلك بشهر.

وروى القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن أم سعد بن عبادة ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم غائب فأتى قبرها وصلى عليها وقد مضى لذلك شهر.
حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا الخشني محمد بن عبد السلام قال حدثنا بندار محمد بن بشار قال حدثنا يحيى بن سعيد القطان فذكره بإسناده وذكره أبو بكر الأثرم قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا يحيى بن سعيد فذكره بإسناده سواء.

قلت: أخرجه ابن المنذر (رقم 3044) عن شجاع عن زيد عن همام عن قتادة عن ابن المسيب به, وأخرجه الترمذي (رقم 1038) وابن المنذر (رقم 3043) من طريق يحي بن سعيد عن ابن أبي عروبة عن قتادة به, وأحرجه ابن أبي شيبة (رقم 12057) والطبراني (رقم 5378) من طريق أبي كريب عن عبدة بن سليمان عن ابن أبي عروبة به.

فطرق هذا الحديث كلها مرسلة ضعيفة إلا ما جاء عند البيهقي في الكبرى (4/48) قال: ورواه سويد بن سعيد عن يزيد بن زريع عن شعبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس موصولا. وفيه سويد بن سعيد الحدثاني وهو ضعيف لا يحتج به إذا تفرد ولا سيما إذا خالف (انظر الإرواء (3/186)), وفي سنده أيضا قتادة وهو كثير التدليس والإرسال ولم يصرح, قال أحمد بن حنبل: أحاديث قتادة عن سعيد بن المسيب ما أدري كيف هي قد أدخل بينه وبين سعيد نحوا من عشرة رجال لا يعرفون (انظر جامع التحصيل للعلائي).
إلا أن بعض الأئمة قد صححوا الاحتجاج به منهم ابن الملقن (البدر 5/283) والزيلعي (نصب الراية 1/232) والنووي (الخلاصة 2/986) وابن كثير (البداية 4/106), وكان الشافعي يصحح مراسيل سعيد بن المسيب لقوتها عنده.
3- وأما حديث أبي هريرة فرويناه من وجوه أحسنها ما حدثناه عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا عبد الحميد بن أحمد الوراق قال حدثنا الخضر بن داود قال حدثنا أبو بكر الأثرم قال حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قبر.

وأخبرنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان قال حدثنا سعيد بن عثمان الأعناقي وحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثني أبي قال حدثنا عثمان بن جرير قالا حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة قال: كانت امرأة تقم المسجد فماتت فدفنت ليلا ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فهلا أعلمتموني؟ فقالوا: ماتت ليلا, فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى المقبرة فصلى على قبرها ثم قال إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن صلاتي عليها نور. قال حماد لا أدري الكلام الآخر عن أبي هريرة هو أم لا؟.

وأخبرنا أحمد بن سعيد بن بشر وأحمد بن عبد الله بن محمد قالا أخبرنا مسلمة بن قاسم بن إبراهيم قال حدثنا جعفر بن محمد بن محمد الأصبهاني قال حدثنا يونس بن حبيب بن عبد القاهر قال حدثنا أبو داود الطيالسي قال حدثنا حماد بن زيد وأبو عامر الجزار عن ثابت البناني عن أبي رافع عن أبي هريرة أن رجلا أسود أو امرأة سوداء كانت تنقي المسجد من الأذى ثم ماتت فدفنت ولم يؤذن النبي عليه السلام فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال دلوني على قبرها فانطلق إلى القبر فأتى على القبور فقال إن هذه القبور ممتلئة على أهلها ظلمة وإن الله ينورها بصلاتي عليها ثم أتى القبر فصلى عليها, فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله إن أبي أو أخي مات وقد دفن فصل عليه يا رسول الله, فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأنصاري.

قلت: هذا الحديث متفق عليه, لكن قد اختلفت الروايات في تمييز الميت أهو رجل أم امرأة؟
أولا: من ذكر الرواية على وجه الشك: أحمد في مسنده (رقم 8280) ومسلم في صحيحه (رقم 1588) وأبو داود (رقم 2788) وإسحاق في مسنده (رقم 35) وأبو نعيم في مستخرجه (رقم 2142) كلهم من طرق عن حماد بن زيد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة به.

ثانيا: من ذكر الرواية على وجه الشك لكن مع ترجيح أحد الجنسين على الآخر: البخاري في صحيحه (رقم 440) من طريق أحمد بن واقد عن حماد به. قال أبو رافع أو ثابت –أحد رواته-: "ولا أراه إلا امرأة" كما قال ابن حجر في الفتح.
ثالثا: من ذكر الرواية بالجزم من غير شك بلفظ (المرأة): ابن خزيمة في صحيحه (رقم 1299) وابن ماجه في سننه (رقم 1516) والبيهقي في الكبرى (رقم 7264) من طرق عن حماد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة "أن امرأة سوداء ماتت". وهذه الرواية ترجحها رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة به, التي أحرجها ابن الحطاب السلفي في مشيخته (رقم 23) وغيره.

رابعا: من ذكر الرواية بالجزم من غير شك بلفظ (الرجل): ابن حبان (رقم 3086) من طريق حماد بن سلمة عن ثابت به.
الخلاصة: فبعد سرد الروايات في تمييز جنس المتوفى, نخلص إلا أن الميت امرأة لأسباب يذكرها الشيخ الألباني في أحكام الجنائز (ص 88) فيقول: وترجح عندنا أنه امرأة من وجوه: الأول: أن اليقين مقدم على الشك. الثاني: أن في رواية للبخاري بلفظ: " أن امرأة أو رجلا كانت تقم المسجد، ولا أراه إلا امرأة ". فقد ترجح عند الراوي أنه امرأة. الثالث: أن الحديث ورد من طريق آخر عن أبي هريرة لم يشك الراوي فيها: ولفظها: " فقد النبي امرأة سوداء كانت تلتقط الخرق والعيدان من المسجد، فقال: أين فلانة؟ قالوا: ماتت ". وذكر الحديث. هكذا ساقه البيهقي (2 / 440 - 4 / 32) من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عنه. وهكذا أخرجه ابن خزيمة في صحيحه كما في الفتح.
4- وأما حديث عامر بن ربيعة فحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا ابن أبي شيبة قال حدثنا داود بن عبد الله الجعفري قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن زيد بن قنفذ عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبر حديث فقال ما هذا القبر قالوا قبر فلانة قال فهلا آذنتموني قالوا كنت نائما فكرهنا أن نوقظك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تفعلوا ادعوني لجنائزكم ثم صف عليها فصلى.

وحدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن زيد بن المهاجر عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبر حديث فسأل عنه فقيل قبر فلانة المسكينة قال فهلا آذنتموني أصلي عليها فقالوا يا رسول الله كنت نائما فكرهنا أن نوقظك قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادعوني لجنائزكم أو قال اعلموني بجنائزكم فصف وصف الناس خلفه وصلى عليها.

وحدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا عبد الحميد بن أحمد قال حدثنا الخضر ابن داود قال حدثنا أبو بكر الأثرم قال حدثنا أبو ثابت محمد بن عبد الله والقعنبي جميعا قالا حدثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن زيد عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبر حديث فذكر مثله سواء.
قلت: أخرجه أحمد في مسنده (رقم 15119 و15673) وابن أبي شيبة (رقم 12069) والضياء في المختارة (رقم 219 و220) وابن ماجه مختصرا (رقم 1518) بلفظ: "أن امرأة سوداء ماتت", كلهم من طرق عن الداروردي عن محمد بن زيد التيمي عن عبد الله بن عامر عن أبيه مرفوعا, وقد صحح الأئمة هذا الحديث منهم: الضياء في المختارة والبوصيري في الإتحاف والحافظ في المطالب وقال الألباني في الإرواء (3/185): صحيح على شرط مسلم.
5- وأما حديث ابن عباس فحدثناه خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا شعبة. وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبد الله بن روح المدائني قال حدثنا عثمان بن عمر قال حدثنا شعبة عن سليمان الشيباني قال سمعت الشعبي يقول أخبرني من مر مع النبي صلى الله عليه وسلم على قبر منبوذ فكبر عليه قال فقلت للشعبي يا أبا عمرو من أخبرك بهذا قال أخبرني بذلك ابن عباس.

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا خالد بن عبد الله قال حدثنا الشيباني عن عامر عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبر حديث عهد بدفن فسأل عنه فقالوا مات ليلا فكرهنا أن نوفظك فنشق عليك فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفنا خلفه فصلينا عليه.
وأخبرنا عبد الرحمن بن أبان قال حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا الثوري عن سليمان الشيباني عن الشعبي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة بعدما دفنت.

قلت: هذا الحديث أخرجه البخاري (رقم 819, 1259, 1271) وأحمد (رقم 3134) والنسائي (رقم 2023) وفي الكبرى له (رقم 2150) وابن حبان (رقم 3088) والطيالسي (رقم 2647) والبيهقي في الكبرى (6790, 7249) كلهم من طرق عن شعبة عن سليمان الشيباني عن الشعبي به, ومسلم في صحيحه (رقم 954) والطبراني في الأوسط (رقم 3838, 8255) والبيهقي في الكبرى (رقم 7257, 7258) من طريق إبراهيم بن طهمان عن أبي حصين عن الشعبي به, ومسلم في صحيحه (رقم 954) وابن حبان (رقم 3079) والبيهقي في الكبرى (رقم 3089, 7256) من طريق شعبة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي به, والترمذي (رقم 1037) والنسائي (رقم 2024) وابن أبي شيبة (رقم 12053) من طريق هشيم عن الشيباني به, وابن أبي شيبة (رقم 12056) من طريق أبي سنان عن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس به, والبيهقي (رقم 7255, 7254) عن سفيان عن الشيباني به وفيها زيادة: [بعد شهر] وهي مما تفرد به بشر بن آدم, وأحرجه أيضا من طريق ابن طهمان عن الشيباني به (رقم 7259), ومن طريق جرير عن الشيباني به (رقم 7250, 7251) والبخاري (رقم 1275), ومن طريق ابن إدريس عن الشيباني به عند البيهقي (رقم 7252) ومسلم (رقم 954) وأبي داود (رقم 3196), وعند البيهقي أيضا من طريق أبي الحسن العلوي عن الشعبي به (رقم 6800), ومن طريق هريم بن سفيان عن الشيباني به وفيها زيادة : [بعد موته بثلاث] مخالفا بها غيره, وأخرجه الطبراني في الأوسط (رقم 802) من طريق محمد بن الصباح عن إسماعيل بن زكريا عن الشيباني به بزيادة [بعدما دفن بليلتين] تفرد بها محمد بن الصباح, ومن طريق شعبة عن الأعمش عن الشعبي به (رقم 1205), وأحمد في مسنده (رقم 1962) من طريق أبي معاوية عن الشيباني به.
وهذا الحديث وإن لم يكن فيه التصريح بالمرأة فيه, إلا أنه يشبه حديث عامر بن ربيعة المتقدم, لهذا عدّ من وجوه حديث الباب.

فائدة: يقول ابن حبان بعد أن ترجم لحديث ابن عباس رصي الله عنه بقوله (ذكر العلة التي من أجلها يجوز الصلاة على القبر): "في هذا الخبر بيان واضح أن صلاة المصطفى صلى الله عليه وسلم على القبر إنما كانت على قبر منبوذ والمنبوذ ناحية, فدلتك هذه اللفظة على أن الصلاة على القبر جائزة إذا كان جديدا في ناحية لم تنبش أو في وسط قبور لم تنبش فأما القبور التي نبشت وقلب ترابها صار ترابها نجسا لا تجوز الصلاة على النجاسة إلا أن يقوم الإنسان على شيء نظيف ثم يصلي على القبر المنبوش دون المنبوذ الذي لم ينبش".[انظر الإحسان 5/36].
6- وأما حديث أنس فحدثناه خلف بن قاسم قال حدثنا محمد بن زكرياء المقدسي قال حدثنا مضر بن محمد الأسدي قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا غندر عن شعبة عن حبيب بن الشهيد وعن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر امرأة بعدما دفنت.

وحدثناه أبو العباس أحمد بن قاسم بن عيسى المقرىء قال حدثنا عبيد الله ابن محمد بن حبابة البغدادي قال حدثنا البغوي قال حدثنا إبراهيم بن هانىء قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن حبيب بن الشهيد وعن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر بعد ما دفن.

قلت:
أخرجه مسلم في صحيحه (رقم 955, 2173) وأحمد (رقم 11869, 12318) وابن ماجه (رقم 1531) وابن حبان (رقم 3084) والدارقطني (رقم 1866) والبيهقي في الكبرى (رقم 7260, 6801) وابن المنذر (رقم 3037) وأبي نعيم في المستخرج (رقم 2141) كلهم عن غندر عن شعبة عن حبيب بن الشهيد عن ثابت عن أنس به, وأخرجه البيهقي (رقم 6802) من طريق خالد بن خداش عن حماد بن زيد عن ثابت به, وهو في الغيلانيات (رقم 392) من طريق المؤمل بن خارجة عن شعبة به, قال أبو نعيم في الحلية (7/193): رواه المؤمل وعمرو بن حكام مثله عن شعبة وحديث غندر أشهر. قال الألباني في الإرواء (3/184): وتابع حبيب بن الشهيد؛ صالح بن رستم أبو عامر الخراز عن ثابت به, مثل رواية حماد. أخرجه الدارقطني وأحمد ( 3 / 150 ) وهو على شرط مسلم أيضا إلا أن صالحا هذا كثير الخطأ كما في التقريب.

ثم قال ابن عبد البر: وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على قبر من ثلاثة أوجه سوى هذه الستة الأوجه المذكورة وكلها حسان منها حديث لزيد بن ثابت الأنصاري والحصين بن وحوح وأبي أمامة بن ثعلبة الأنصاري فالله أعلم أيها أراد أحمد بن حنبل.
1- أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قال حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك البغدادي قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا هشيم قال أخبرني عثمان بن حكيم عن خارجة بن زيد بن ثابت عن عمه يزيد بن ثابت قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وردنا البقيع إذا هو بقبر جديد فسأل عنه فقيل فلانة فعرفها فقال أفلا آذنتموني قالوا يا رسول الله كنت قائلا نائما فكرهنا أن نؤذنك فقال لا تفعلوا لا يموتنّ فيكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا آذنتموني به فإن صلاتي عليه له رحمة قال ثم أتى القبر فصفنا خلفه فكبر أربعا.
قلت: الحديث أخرجه أحمد (رقم 18633, 19452) والنسائي (رقم 2160) وابن ماجه (رقم 1528) وابن أبي شيبة (رقم 11329, 12054) وعبد الرزاق (11217, 11932) والطبراني في الكبير (رقم 628) والبيهقي (رقم 6809) من طرق عن عثمان بن حكيم عن خارجة بن زيد بن ثابت عن عمه يزيد بن ثابت به.
قال البخاري: إن صح قول موسى بن عقبة أن يزيد بن ثابت قتل يوم اليمامة فإن خارجة بن زيد لم يدرك عمه. [التهذيب للحافظ 2/48].

إلا أن للحديث شواهد تقويه مع ثقة وجلالة وإمامة خارجة فهو أحد الفقهاء السبعة, لهذا صحح بعض الأئمة إسناده مع مظنة الانقطاع والله أعلم.

فائدة: قد رد ابن حبان دعوى الخصوصية في صحيحه عند ذكره هذا الحديث (5/35) فقال: "قد يتوهم غير المتبحر في صناعة العلم أن الصلاة على القبر غير جائزة للّفظة التي في خبر أبي هريرة؛ فإن الله ينورها عليهم رحمة بصلاتي, واللفظة التي في خبر يزيد بن ثابت فإن صلاتي عليهم رحمة, وليست العلة ما يتوهم المتوهمون فيه أن إباحة هذه السنة للمصطفى صلى الله عليه وسلم خاص دون أمته, إذ لو كان ذلك لزجرهم صلى الله عليه وسلم عن أن يصطفوا خلفه ويصلوا معه على القبر ففي ترك إنكاره صلى الله عليه وسلم على من صلى على القبر أبين البيان لمن وفقه الله للرشاد والسداد أنه فعل مباح له ولأمته معا, دون أن يكون ذلك الفعل له دون أمته".

2- وأخبرنا عبيد بن محمد قال حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا أحمد بن حباب قال حدثنا عيسى بن يونس قال حدثنا سعيد بن عثمان البلوي عن عروة بن سعيد الأنصاري عن أبيه عن الحصين بن وحوح أن طلحة بن البراء مرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده في الشتاء في برد وغيم فلما انصرف قال لأهله إني ما أرى طلحة إلا وقد حدث به الموت فآذنوني به حتى أشهده وأصلي عليه وعجلوا به فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله فلم يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم بني سالم حتى توفي وجن عليه الليل فكان مما قال طلحة ادفنوني وألحقوني بربي ولا تدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإني أخاف عليه اليهود أن يصاب بشيء, فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم حين أصبح فجاء حتى وقف على قبره في قطار بالعصبة فصف وصف الناس معه ثم رفع يديه وقال اللهم ألق طلحة تَضحك إليه ويَضحك إليك ثم انصرف.
قلت: الحديث ضعيف أخرجه أبو داود (رقم 3159) والبيهقي (رقم 6412, 6859) وابن عمرو الشيباني في الآحاد والمثاني (رقم 2139) والطبراني في الأوسط (رقم 8168) والكبير (رقم 3554) وابن أبي عاصم في السنة (رقم 453) وأبو نعيم في معرفة الصحابة (رقم 2018) من طرق عن عيسى بن يونس عن سعيد بن عثمان البلوي عن عروة بن سعيد الأنصاري عن أبيه عن حصين بن وحوح به, وفيه عروة بن سعيد عن أبيه وهما مجهولان, ثم ليس في الحديث إلا مجرد الدعاء للمقبور.

قال الطبراني عند هذا الحديث: لا يروى هذا الحديث عن حصين بن وحوح إلا بهذا الإسناد تفرد به عيسى بن يونس.
قلت: لم يتفرد به عيسى فقد أخرجه ابن السكن كما في الإصابة (عند ترجمة طلحة بن البراء) من طريق عبد ربه بن صالح عن عروة بن رويم عن أبي مسكين عن طلحة به.

3- وذكر أبو جعفر العقيلي قال: أخبرنا هارون بن العباس الهاشمي قال حدثنا موسى بن محمد بن حيان قال حدثنا ابن مهدي عن عبد الله بن المنيب عن جده عبد الله بن أبي أمامة الحارثي عن أبي أمامة الحارثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قبر بعدما دفن.
قال وأخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال أخبرنا يحيى بن معين قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا عبد الله بن المنيب المدني عن جده عبد الله بن أبي أمامة عن أبيه أبي أمامة بن ثعلبة قال رجع النبي صلى الله عليه وسلم من بدر وقد توفيت يعني أم أبي أمامة فصلى عليها.

قلت: أخرجه ابن عمرو بن الضحاك في الآحاد والمثاني (رقم 2001) والطبراني في الكبير (رقم 792) وأبو نعيم في معرفة الصحابة (رقم 894) من طرق عن عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن منيب عن عبد الله بن أبي أمامة عن أبي أمامة الحارثي به, وسنده حسن وله شواهد, إلا أن يُدخل بين عبد الله بن أبي أمامة وأبيه: عبد الله بن كعب أو غيره فيكون الحديث منقطعا. [انظر خلاصة التهذيب ص 191].

ثم قال ابن عبد البر (6/274):وأما العمل من الصحابة بهذا فقد تقدم عن عائشة وعلي وابن مسعود وقرظة بن كعب وأبي موسى وغيرهم.
1- وذكر أبو بكر أحمد بن محمد بن هانىء الأثرم الطائي الوراق قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير أن أنس بن سيرين حدثه أن أنس بن ملك أتى جنازة وقد صلي عليها فصلى عليها.

قلت: أخرجه البيهقي في الكبرى (رقم 7248) ورجاله ثقات, إلا أن يحي بن أبي كثير كان كثير التدليس والإرسال ولم يصرح بالسماع, فالأثر ضعيف لأجله, وعلى فرض التسليم بالصحة فإن رواية البيهقي لا تصلح للاستدلال بها على الدعوى, فقد جاءت بلفظ: " أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَتَى جَنَازَةً وَقَدْ صُلِّىَ عَلَيْهَا وَالسَّرِيرُ مَوْضُوعٌ فَصَلَّى قِبَلَ السَّرِيرِ".
فكل الآثار المذكورة تحت هذه الفقرة تدل على مشروعية قضاء صلاة الجنازة والميت على سريره لم يقبر بعد, فتنبه.
2- قال وحدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا عبد الله بن إدريس قال سمعت أبي عن الحكم قال: جاء سلمان بن ربيعة وقد صُلي على جنازة فصلى عليها.
قلت: قد سبق الكلام عن هذا الأثر عند خبر ابن مسعود رضي الله عنه.
3- قال وحدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا الضحاك بن مخلد قال حدثنا سفيان بن سعيد عن شبيب بن غرقدة عن المستظل بن حصين أن عليا صلى على جنازة بعدما صُلي عليها.
قلت: الأثر إسناده حسن, أخرجه ابن المنذر (رقم 3042) والبيهقي (رقم 7246) من طرق عن أبي عاصم عن سفيان الثوري عن شبيب بن غرقدة عن المستظل به, وقد تابع سفيان: شريك بن عبد الله القاضي عند ابن الجعد (رقم 2370) وابن سعد في الطبقات (عند ترجمته للمستظل) بلفظ يبيّن معنى الصلاة على الجنازة في الأثر, قال المستظل بن الحصين: "توفي رجل منا فأرسلنا إلى علي فأبطأ علينا فصلينا عليه ودفناه فجاء بعدما فرغنا حتى قام على القبر وجعله أمامه ثم دعا له".
4- وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف (ابن الفرضي) قال حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل البنا قال أخبرنا محمد بن الحسن الأنصاري قال أخبرنا الزبير بن أبي بكر القاضي قال حدثني يحيى بن محمد (بن عبد الله بن ثوبان) قال: توفي الزبير بن هشام بن عروة بالعقيق في حياة أبيه فصلى عليه بالعقيق ودعا له, وأرسل إلى المدينة يصلي عليه في موضع الجنائز ويدفن بالبقيع.
قلت: هذا الأثر أورده الزبير بن بكار في كتابه جمهرة نسب قريش وأخبارها تحت فصل: ولد عروة بن هشام, وفي سنده يحي بن محمد بن عبد الله بن ثوبان لم أقف على ترجمته, وقد روى في كتب التاريخ والأخبار عن جمع من الرواة منهم: سليم بن مسلم المكي ورباح بن محمد السهمي وهشام بن سليمان المخزومي ومحمد بن إسماعيل بن أبي ربيعة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ومحرز بن جعفر.

فائدة: في الأثر دلالة على استحباب وسنية اتخاذ موضع لصلاة الجنازة, يُقصد وتُحمل إليه لا إلى المقبرة, كما في حديث المرأة السوداء (حديث الباب) وغيره, وكان هذا المحل مشهورا معروفا على عهده صلى الله عليه وسلم وعهد صحابته بل إلى زمن الإمام مالك, قال ابن بطال نقلا عن ابن حبيب: كان مصلى الجنائز بالمدينة لاصقا بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم من جهة المشرق –أي من جهة حجرته صلى الله عليه وسلم-.
وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال أخبرنا عبد الحميد بن أحمد الوراق قال أخبرنا الخضر بن داود قال حدثنا أبو بكر [الأثرم] قال أخبرنا [أبو] الوليد [الطيالسي] قال حدثنا المثنى بن سعيد الضبعي عن أبي حمرة الضبعي قال: انطلقت أنا ومعمر بن سمير اليشكري وكان من أصحاب الدرهمين في خلافة عمر فانطلقنا نطلب جنازة نصلي عليها فاستقبلنا أصحابنا وقد فرغوا ورجعوا قال أبو جمرة فذهبت أرجع فقال امض بنا فمضينا إلى القبر فصلينا عليه.
قلت: هذا الأثر إسناده حسن, وفيه دليل على مشروعية قضاء صلاة الجنازة لمن لم يدركها أولا.
قال وأخبرنا أحمد بن إسحاق [الحضرمي] قال حدثنا وهيب [بن خالد] قال حدثنا أيوب عن محمد [بن سيرين] قال إذا فاتته الصلاة على الجنازة انطلق إلى القبر فصلى عليه. قال وهيب ورأيت أيوبا يفعله ومسلم أيضا.
قلت: الأثر صحيح الإسناد, وقد أخرج نحوه ابن أبي شيبة (رقم12064) قال: حدَّثَنَا هُشَيْمٌ [بن بشير]، أَخْبَرَنَا أَبُو حُرَّةَ [واصل بن عبد الرحمن] ، عَنِ ابْنُ سِيرِينَ ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إذَا سُبِقَ الرّجلِ بِالْجِنَازَةِ فليُصَلّ عَلَى الْقَبْرِ. وإسناده حسن.
وبمثله عن ابن أبي شيبة أيضا (رقم 12065) قال: حدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ ، قَالَ : كُنْتُ مَعَ ابْنِ سِيرِينَ وَنَحْنُ نُرِيدُ جِنَازَةً فَسُبِقْنَا بِهَا حَتَّى دُفِنَتْ ، قَالَ : فَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ : تَعَالَ حَتَّى نَصْنَعَ كَمَا صَنَعُوا ، قَالَ : فَكَبَّرَ عَلَى الْقَبْرِ أَرْبَعًا. إسناده صحيح.

قال وحدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال أخبرنا أيوب عن نافع قال توفي عاصم بن عمر وابن عمر غائب فقدم بعد ذلك قال أيوب أحسبه قال بثلاث فقال أروني قبر أخي فأروه فصلى عليه هكذا قال عن أحمد عن ابن علية عن أيوب وهو عندي وهم لا شك فيه لأن معمرا ذكر عن أيوب عن نافع أن ابن عمر أتى قبر أخيه ودعا له وهذا هو الصحيح المعروف من مذهب ابن عمر من غير ما وجه عن نافع وقد يحتمل أن تكون رواية ابن علية عن أيوب فصلى عليه بمعنى فدعا له لأن الصلاة دعاء وهو أصلها في اللغة فإذا كان هذا فليس بمخالف لما روى معمر.
وكذلك روى عبيد الله بن عمر عن نافع قال كان ابن عمر إذا انتهى إلى جنازة قد صلى عليها دعا وانصرف ولم يعد الصلاة. وقد يحتمل ما ذكرنا عن عائشة من صلاتها على قبر أخيها عبد الرحمن أنها دعت له فكنى القوم عن الدعاء بالصلاة لأنهم كانوا عربا وهذا سائغ في اللغة والشواهد عليه محفوظة مشهورة فأغنى ذلك عن ذكرها هاهنا.
وإذا احتمل هذا فغير نكير أن يقال فيما ذكرنا من الآثار المرفوعة وغيرها أنه أريد بذكر الصلاة على القبر فيها الدعاء إلا أن يكون حديثا مفسرا يذكر فيه أنه صف بهم وكبر ورفع يديه ونحو هذا من وجه المعارضة ولكن الصحيح في النظر أن ذكر الصلاة على الجنائز إذا أتى مطلقا فالمراد به الصلاة المعهودة على الجنائز ومن ادعى غير ذلك كانت البينة عليه وليس ما ذكرنا من الآثار عن الصحابة والتابعين ما يرد قول مالك أن الصلاة على القبر جاءت وليس عليه العمل لأنها كلها آثار بصرية وكوفية وليس منها شيء مدني أعني عن الصحابة ومن بعدهم رضي الله عنهم.
ومالك رحمه الله إنما حكى أنه ليس عليه العمل عندهم بالمدينة في عصره وعصر شيوخه وهو كما قال ما وجدنا عن مدني ما يرد حكايته هذه والله تعالى قد نزهه عن التهمة والكذب وحباه بالأمانة والصدق.

قلت: انظر كيف وجه كلام الإمام مالك رحمه الله, وكيف أجاب عن الآثار المروية التي سبق الإشارة إليها, فكان بسط المسألة بهذه الكيفية هي ذروة آداب السلف في معالجة مسائل الخلاف, فهلا أخذنا من هذا الينبوع الصافي والمنهل الكافي.

ثم ختم ابن عبد البر المسألة بترجيح جواز الصلاة على القبر والجنازة لمن فاتته الصلاة أولا, على ألا يكون الميت قد قُبر قديما, مع إقراره –رحمه الله- بوجود المانعين والمخالفين من علماء سلفيين.

كتبها شيخنا الفاضل ابو وائل سمير ميرابيع واذن لي بنشرها ووعدني بالمبحث الثاني في الايام القادمة ان شاء الله
اخوكم ومحبكم في الله ابو عبد الهادي عثمان بن بوعلام الجزائري


منقول من منتديات منابر الصفا الاسلامية

رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013