قد مضى رمضان فهنيئا للمقبولين، لكن هل انقطع العمل؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فقد انقضى رمضان ورحل عنّا، والموفَّق مَن وفَّقَه الله فيه مِنّا، والمحروم من حُرِم خيره وثوابه. والله المستعان...
وما للعبد أن لا يحزن وقد ارتحل عنه زَمنٌ تُضَاعفُ فيه الحسنات، وقد قصّر أو فرّط في طاعة رب الأرض والسماوات.
ماله أن لا يحزن وهو أفقر ما يكون إلى حسنةٍ تُبِلِّغُه رضوانَ الله ومحوَ السّيئات.
لمن هذا حاله، وقد قطّعَ الحزن أوصاله، أنقل هذا النقل أرجو به عفو ربّي - كان الله لي وله -:
جاء في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة للمحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تحت رقم5060:
(من صلى العشاء في جماعة، وصلى أربع ركعات قبل أن يخرج من المسجد؛ كان كعدل ليلة القدر). ضعيف
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/ 22/ 1): حدثنا محمد ابن الفضل السقطي: حدثنا مهدي بن حفص: حدثنا إسحاق الأزرق عن أبي حنيفة عن محارب بن دثار عن ابن عمر مرفوعاً. وقال: "لم يروه عن ابن عمر إلا محارب، ولا عنه إلا أبو حنيفة؛ تفرد به إسحاق".
قلت: وهو ابن يوسف الواسطي؛ وهو ثقة، وكذلك سائر رجال الإسناد؛ غير أبي حنيفة رحمه الله؛ فإن الأئمة قد ضعفوه، كما تقدم بيان ذلك مبسوطاً بما لا تراه في كتاب تحت الحديث (458) . ولذلك؛ قال الحافظ العراقي: "لم يصح"؛ كما نقله الشوكاني (3/ 16) .
وقد أشار إلى تضعيف أبي حنيفة الحافظ الهيثمي بقوله عقب الحديث: "رواه الطبراني في "الكبير"؛ وفيه من ضعف [في] الحديث".
وكأنه لم يتجرأ على الإفصاح باسمه؛ اتقاء منه لشر متعصبة الحنيفة في زمانه، كفانا الله شر التعصب وأهله!!
وسائر رجال الحديث مترجمون في "التهذيب"؛ غير السقطي، فترجمته في "تاريخ بغداد" (3/ 153) ؛ قال الخطيب: "وكان ثقة، وذكره الدارقطني فقال: "صدوق". مات سنة ثمان وثمانين ومئتين".
وروي الحديث بلفظ: "من صلى أربع ركعات خلف العشاء الآخرة، قرأ في الركعتين الأوليين: (قل يا أيها الكافرون) ، و (قل هو الله أحد) ، وفي الأخريين: (تبارك الذي بيده الملك) و (آلم تنزيل) ؛ كتبن له كأربع ركعات من ليلة القدر".
أخرجه ابن نصر في "قيام الليل" (ص 60 - المكتبة الأثرية) من طريق أبي فروة عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعاً.
قلت: أبو فروة؛ اسمه يزيد بن سنان بن يزيد الجزري الرهاوي. وهو ضعيف، وتركه النسائي.
ومن طريقه أخرجه الطبراني في "الكبير".
لكن الحديث قد صح موقوفاً عن جمع من الصحابة؛ دون قوله: "قبل أن يخرج من المسجد"؛ فأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 72/ 1) ، وابن نصر أيضاً عن عبد الله بن عمرو قال:
من صلى بعد العشاء الآخرة أربع ركعات؛ كن كعدلهن من ليلة القدر.
قلت: وإسناده صحيح.
ثم أخرج ابن أبي شيبة مثله عن:
عائشة،
وابن مسعود،
وكعب بن ماتع،
ومجاهد،
وعبد الرحمن بن الأسود موقوفاً عليهم.
والأسانيد إليهم كلهم صحيحة - باستثناء كعب -، وهي وإن كانت موقوفة؛ فلها حكم الرفع؛ لأنها لا تقال بالرأي؛ كما هو ظاهر.