إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:
بما أنَّ الشيخ لزهر سنيقرة - حفظه الله – سيشرع في شرح رسالة القواعد الأربع لشيخ الإسلام محمد ابن عبد الوهاب - رحمه الله - أحببت نقل المتن حتى تسهل متابعة الشيخ – حفظه الله -.
قال الشيخ المجدد الإمام محمد ابن عبد الوهاب - رحمه الله - :
بسم الله الرحمن الرحيم
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك في الدنيا والآخرة، وأن يجعلك ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة.
اعلم أرشدك الله لطاعته: أنَّ الحنيفية ملة إبراهيم: أن تعبد الله وحده مخلصا له الدين، وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها، كما قال تعالى: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }[الذاريات:56].
فإذا عرفت أن الله خلقك لعبادته فاعلم: أنَّ العبادةَ لا تسمى عبادةً إلا مع التوحيد، كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة.
فإذا دخل الشرك في العبادة أفسدها وأحبط العمل وصار صاحبه من الخالدين في النار، عرفت أن أهمَّ ما عليك: هو معرفة ذلك، لعلَّ الله أن يخلِّصك من هذه الشبكة وهي الشرك بالله الذي قال الله فيه: { إنَّ الله لا يغفر أنْ يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }[النساء:116].
وذلك بمعرفة أربع قواعد ذكرها الله تعالى في كتابه:
القاعدة الأولى
أنْ تعلم أنَّ الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرُّون بأنَّ الله تعالى هو الخالق المدبر، وأن ذلك لم يدخلهم في الإسلام.
والدليل قوله تعالى: { قل من يرزقكم من السماء والأرض أمَّنْ يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومنْ يدبِّر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون }[يونس:31].
القاعدة الثانية
أنهم يقولون: ما دعوناهم وتوجهنا إليهم إلا لطلب القربة والشفاعة.
فدليل القربة: قوله تعالى: { والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار }[الزمر:3].
ودليل الشفاعة: قوله تعالى:{ ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله }[يونس:18].
والشفاعة شفاعتان: شفاعة منفية، وشفاعة مثبتة:
فالشفاعة المنفية: ما كانت تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.
والدليل: قوله تعالى: { يأيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم ظالمون }[البقرة:254].
والشفاعة المثبتة: هي التي تطلب من الله، والشافع مكرم بالشفاعة، والمشفوع له: من رضي الله قوله وعمله بعد الإذن، كما قال تعالى: { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه }[البقرة:255].
القاعدة الثالثة
أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ظهر على أناس متفرقين في عباداتهم: منهم من يعبد الملائكة، ومنهم من يعبد الأنبياء والصالحين، ومنهم من يعبد الأحجار والأشجار، ومنهم من يعبد الشمس والقمر، وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفرق بينهم.
والدليل قوله تعالى: { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله }[الأنفال:39].
ودليل الشمس والقمر: قوله تعالى: { ومن آياته الَّيْلُ والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون }[فصلت:37].
ودليل الملائكة: قوله تعالى: { ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة ولا النبيين أربابا }[آل عمران:80].
ودليل الأنبياء: قوله تعالى: { وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب }[المائدة:116].
ودليل الصالحين: قوله تعالى: { أولئك الذين يَدْعُونَ يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا }[الإسراء:57].
ودليل الأحجار والأشجار: قوله تعالى: { أفرأيتم اللات والعزى(19) ومناة الثالثة الأخرى }[النجم:19-20].
وحديث أبي واقد الليثي - رضي الله عنه - قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها: ذات أنواط، فمررنا بسدرة فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط...الحديث.
القاعدة الرابعة
أنَّ مشركي زماننا أغلظ شركا من الأولين؛ لأنَّ الأولين يشركون في الرَّخاء ويخلصون في الشدة، ومشركوا زماننا شركهم دائما في الرخاء والشدة.
والدليل قوله تعالى: { فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البَرِّ إذا هم يشركون }[العنكبوت:65]
تمت، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.