بسم الله الرحمن الرحيم
هذه قصة ماتعة مؤثرة عثرت عليها فأُعجبت بها غاية الإعجاب فأردت أن أضعها بين أيديكم لتنال إعجابكم .
هي قصة فيها محاورة بين عالم وتلميذه تبيّن لنا بجلاء علو همّة هؤلاء الأعلام في سبيل تحصيل العلم، بحيث إنّهم ما كانوا يعرفون الكسل ودناءة الهمة والعجز في التماس العلم عند أهله، فاقتد بهم يا طالب العلم النبوي ـ وبمن قبلهم من السلف ـ في المجاهدة والمثابرة من أجل تحصيل العلم النافع الذي يقودك إلى العمل الصالح ، وليكن الإخلاص هو المحرّك لك حتى تداوم وتثبت على هذا الخير، فما كان لله دام واتصل وما كان لغيره انقطع وانفصل، والله المستعان وعليه التكلان .
وإليكم هذا النقل ومصدره :
قال هارون بن موسى النحوي ( ت 401 هـ ) : كنا نختلف إلى أبي علي البغدادي رحمه الله وقت إملائه " النوادر " بجامع الزهراء، ونحن في فصل الربيع، فبينما أنا ذات يوم في بعض الطريق؛ إذ أخذتني سحابة فما وصلتُ إلى مجلسه رحمه الله إلاّ وابتلّت ثيابي كلُّها، وحوالي أبي علي أعلامُ أهل قرطبة،وأمرني بالدنوِّ منه، وقال لي : مهلاً يا أبا نصر، لا تأسف على ما عرض لك؛ فذا شيء يضمحل عنك بسرعة بثيابٍ غيرها تبدِّلها .
قال : وقد عرض لي ما أبقى بجسمي نُدُوباً يدخل معي القبر؛ ثم قال : أنا كنت أختلف إلى ابن مجاهد رحمه الله، فادّلجتُ إليه لأتقرّب منه، فلمّا انتهيتُ إلى الدرب الذي كنتُ أخرجُ منه إلى مجلسه ألفيتهُ مغلَقاً وعسر عليّ فتحه، فقلتُ : سبحان الله ! أبكِّر هذا البُكور وأُغلَبُ على القرب منه ! فنظرتُ إلى سَرَب بجنب الدار فاقتحمته، فلمّا توسّطته ضاق بي ولم أقدر على الخروج ولا على النهوض، فاقتحمته أشد اقتحام، حتى نفذتُ بعد أن تخرّقتْ ثيابي وأثّر السرب في لحمي حتى انكشف العظم، ومنّ الله عليّ بالخروج، فوافيتُ مجلسَ الشيخ على هذه الحال؛ فأين أنتَ ممّا عرض لي ؟!
إنباه الرواة على أنباه النحاة لأبي الحسن القِفطي ـ 3/ 362- 363
الادّلاج بالتشديد : السير آخر الليل
إنباه الرواة على أنباه النحاة لأبي الحسن جمال الدين القِفطي ( ت 624 ) ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، طبعة دار الفكر العربي بالقاهرة ومؤسسة الكتب الثقافية ببيروت ، ط الأولى 1406- 1986
التعديل الأخير تم بواسطة هشام بن حسن ; 27 Mar 2011 الساعة 10:26 AM
وفيك بارك الله أخي الفاضل مهدي .
وهذه أبيات كنت قد دوّنتها قبل مدّة يحسن إيرادها ههنا :
ما الفخـــر إلا لأهل العلــــم إنهـــــــمُ *** على الهدى بمن استهداه أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه *** والجاهلــــــــون لأهــــل العلـــــــــم أعداء
ففـــز بعلـــــــــــم تعش حيا بـــــــــــه أبـدا *** الناس مـــــــوتى وأهـــــــل العلـــــم أحياء
يموت قوم فيحيي العلم ذكرهمُ *** والموت يلحق أحياء بأموات