منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 Jul 2015, 04:30 AM
أبو جميل الرحمن طارق الجزائري أبو جميل الرحمن طارق الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: الجزائر
المشاركات: 414
افتراضي لأن تخطئ فتسلم كافرا أهون من تخطئ فتكفر مسلما



ترجيح أوجه الاحتياط في التكفير من كلام العلامة اليماني ابن الوزير




بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد :
فهذه مسألة من مهمات الأمور في قضايا التكفير ذكرها أهل العلم حين تناولهم المتأولين من أهل القبلة والمقترفين لأعمال كفرية تحتمل التأويل ويشتبه فيها الأمر من حيث إسقاط حكم الكفر على مقترفيها , فلا ينبغي التغافل عنها خاصة في هذه الأزمان التي انتشرت فيها الأهواء واختلاف المشارب وخاض الشباب والأحداث في مسائل مصيرية , يتزاحمون عليها بكل برودة , ويخوضون فيما هو من اختصاص محققي أهل العلم والقضاة , فتراهم مولوعين بتكفير الأعيان من غير استيفاء شروطه وانتفاء موانعه , في وقت الذي نرى فيه العلماء الأمناء الذين يخافون الله ويخشونه يتريثون ولا يتسرعون ويحتاطون في مثل هذه المسائل إلى حين قيام الحجة الرسالية في ذلك وتستبين الطريق
وقد ذكر أهل العلم مرجحات الوقف في التكفير عند الإشتباه على الإقدام عليه من أوجه عدة ,ولأن تخطئ فتُسْلِمَ كافرا أهون من أن تخطئ فتكفر مسلما

والخطأ في ترك ألف كافر أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم واحد
فقد نقل القاضي عياض - رحمه الله- في فصل: تحقيق القول في إكفار المتأولين؛ عن العلماء المحققين قولهم: «إنه يجب الاحتراز من التكفير في أهل التأويل فإن استباحة دماء المصلين الموحدين خطر، والخطأ في ترك ألف كافر أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم واحد». اهـ [الشفا في حقوق المصطفى للقاضي عياض (2/ 277].

والخطأ في اسم الإيمان ليس كالخطأ في غيره
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فإن الخطأ في اسم الإيمان ليس كالخطأ في اسم مُحدَث، ولا كالخطأ في غيره من الأسماء، إذ كانت أحكام الدنيا والآخرة متعلقة باسم الإيمان والإسلام والكفر والنفاق» اهـ [مجموع الفتاوى (7/ 395)، وراجع (13/ 58)].

والسلامة لا يعدلها شيء
ونقل الحافظ ابن حجر - رحمه الله - عن القرطبي أنه قال في المفهم: «وباب التكفير باب خطر ولا نعدل بالسلامة شيئا». اهـ [ فتح الباري (12/301) ]

وقد بين العلامة ابن الوزير اليماني أوجه الاحتياط في التكفير وأن الخطأ في تكفير من ليس بكافر ـ أي المسلم ـ أعظم في الشريعة وأشنع من إثبات الإسلام لمن هو كافر وعد أوجها كثيرة في ذلك وهاك أسوق لك بعضها مقتبسا إياها من كتابه الفذ " إيثار الحق على الخلق في الخلافيات " وقد تصرفت في تقديم بعض الأوجه على غيرها وفي جعل عنوان لكل وجه على العموم وكذا بعض الإضافات من كلام غيره من أهل العلم إن اقتضى الأمر ذلك , وقد أضفت بعض الأوجه من كلامه ـ أي ابن الوزير ـ من مصادر غير كتابه " إيثار الحق على الخلق " فحينها أذكر المرجع ومصدر كلامه
والله ولي التوفيق
الوجه الأول:
أن خطأ من أسلمَ كافرا قد تعدى على حق الله والذي الأصل فيه العفو والمغفرة وأما الخطأ في تكفير المسلم تعد على حق الخلق الذي الأصل فيه القصاص


قال ابن الوزير رحمه الله : " أَن الْوَقْف عَن التَّكْفِير عِنْد التَّعَارُض والاشتباه أولى وأحوط من طَرِيق أُخْرَى وَذَلِكَ أَن الْخَطَأ فِي الْوَقْف على تَقْدِيره تَقْصِير فِي حق من حُقُوق الْغَنِيّ الحميد الْعَفو الْوَاسِع أسمح الْغُرَمَاء وأرحم الرُّحَمَاء وَأحكم الْحُكَمَاء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, وَالْخَطَأ فِي التَّكْفِير على تَقْدِيره أعظم الْجِنَايَات على عباده الْمُسلمين الْمُؤمنِينَ وَذَلِكَ مضاد لما أوجب الله من حبهم ونصرهم والذب عَنْهُم " أهـ

الْوَجْه الثاني : أن نصوص الوعيد جاءت باستفاضة فيمن كفر مسلما ولم يأت مثلها فيمن توقف في كافر

قال العلامة ابن الوزير" خوْفُ الْخَطَأ الْعَظِيم فِي ذَلِك (أي تكفير المسلم) فقد صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله تَعْظِيم ذَلِك بل تَوَاتر ذَلِك لأهل الْبَحْث عَن طرق الحَدِيث حَتَّى تَوَاتر أَنه كفر, روى ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله أَبُو ذَر وَأَبُو هُرَيْرَة وَعبد الله بن مَسْعُود وَعبد الله بن عمر بن الْخطاب وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ خمستهم عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله مَعَ كَثْرَة الطّرق عَنْهُم من غير مَا لحديثهم من الشواهد الجمة بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة مثل مَا ورد فِي الْخَوَارِج وَالرَّوَافِض وَهَذَا بَيَان طرف يسير على جِهَة الِاخْتِصَار الْكثير فَنَقُول
أما حَدِيث أبي ذَر فَرَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَلَفظه وَمن دَعَا رجلا بالْكفْر أَو قَالَ عَدو الله وَلَيْسَ كَذَلِك إِلَّا حَار عَلَيْهِ أَي رَجَعَ
وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَرَوَاهُ البُخَارِيّ وَلَفظه إِذا قَالَ الْمُسلم لِأَخِيهِ كَافِر فقد بَاء بهَا أَحدهمَا ......" أهـ

ثم استرسل العلامة ابن الوزير في ذكر بقية الأحاديث وكذلك أحاديث الخوارج وبين سبب مروقهم من الإسلام أن دينهم الذي اختصوا به تكفير المسلمين بما يظنونه كفرا
وساق أحاديث أخرى بين فيها وجه الحيطة في تكفير المسلم وخطورة الإقدام عليه وذكر تحت هذا الوجه مسألة الكفر دون الكفر وتكفير المتأول وغيرها مما أدلى به من فقهه الكبير

الْوَجْه الثَّالِث : أَن الْخَطَأ فِي الْعَفو خير من الْخَطَأ فِي الْعقُوبَة

قال ابن الوزير : " أَن الْخَطَأ فِي الْعَفو خير الْخَطَأ فِي الْعقُوبَة نَعُوذ بِاللَّه من الْخَطَأ فِي الْجَمِيع ونسأله الاصابة والسلامة والتوفيق وَالْهِدَايَة لَكنا وجدنَا الله تَعَالَى لم يذم من أَخطَأ فِي نَحْو ذَلِك أَلا ترَاهُ أثنى على خليه عَلَيْهِ السَّلَام حِين جادله فِي قوم لوط فَقَالَ {إِن إِبْرَاهِيم لحليم أَواه منيب} وَقَالَ عز وَجل فِيهِ بعد حكايته استغفاره لِأَبِيهِ {إِن إِبْرَاهِيم لأواه حَلِيم} وَإِنَّمَا كَانَ جداله واستغفاره فِيمَا يحْتَمل الْجَوَاز فِي شَرِيعَته لَا فِيمَا لَا يجوز بِالنَّصِّ فانه منزه عَن ذَلِك وَلَا فِيمَا يجوز بِالنَّصِّ فانه لَا يُعَاقب فِي ذَلِك وَلَا يحْتَاج إِلَى الِاعْتِذَار لَهُ فِيهِ وَنَحْو هَذَا من وَجه آخر قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام {وَمن عَصَانِي فَإنَّك غَفُور رَحِيم} وَقَول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام {وَإِن تغْفر لَهُم فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم} وَصَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله على عبد الله بن أبي بعد نزُول قَوْله تَعَالَى {اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم إِن تستغفر لَهُم سبعين مرّة فَلَنْ يغْفر الله لَهُم} وَقَوله فِي تَفْسِيرهَا ان الله خيرني وَلم ينهني وَلَو أعلم انه يغْفر لَهُم اذا زِدْت على السّبْعين لزدت عَلَيْهَا , وَثَبت انه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا خير بَين أَمريْن الا اخْتَار أيسرهما مَا لم يكن إثما, وتواتر ذَلِك من اخلاقه الْكَرِيمَة كَمَا جمع فِي مُصَنف مُفْرد وَيشْهد لَهُ بذلك الْقُرْآن الْكَرِيم حَيْثُ قَالَ تَعَالَى {وَإنَّك لعلى خلق عَظِيم} هَذَا مَعَ أنا نقف فِيمَن تفاحشت بدعته وقاربت الْكفْر وَلَا نواليه وَلَا ندعوا لَهُ بِالرَّحْمَةِ والمغفر الا بِشَرْط ان يكون من الْمُسلمين محاذرة من ان نوالي من هُوَ عَدو لله فِي الْبَاطِن وَقد أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله بِنَحْوِ هَذَا فِي حَدِيث أهل الْكتاب لَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تكذبوهم حذرا من تَكْذِيب الْحق وتصديق الْبَاطِل فنعوذ بِاللَّه من مُوالَاة أَعدَاء الله بل ننكر بدعهم وننهي عَنْهَا مَا استطعنا ونكرهها ونتبرأ مِنْهَا ونشهد الله تَعَالَى انا نعادي من عَادَاهُ علمناه أَو جهلناه فقد دلّ فِي الحَدِيث على نفع هَذَا الِاعْتِقَاد الْجملِي وَهُوَ حَدِيث زيد بن ثَابت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله وَفِيه (اللَّهُمَّ مَا صليتُ من صَلَاة فعلى من صليتَ, وَمَا لعنتُ من لعنةْ فعلى من لعنتَ) رَوَاهُ أَحْمد وَالْحَاكِم وقال حَدِيث صَحِيح, وَيشْهد لصِحَّته مَا تقدم عَن إبراهيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام من الْجِدَال عَن قوم لوط وَالِاسْتِغْفَار مِنْهُ لأبيه وَلم يكن مُوالَاة مِنْهُ لَهُم وَلَا رضى بِذُنُوبِهِمْ وَلَا ذمّ بِهِ بل بَين الله تَعَالَى عذره فِي بعض ذَلِك وعده من سَعَة حلمه فِي بعضه وَهَذَا كُله فِي حق الْكَافرين وَأما أهل الإسلام الْمُؤمنِينَ الخاطئين فَلَا نَص على تَحْرِيم ذَلِك فيهم فِيمَا علمت وَيَنْبَغِي الِاشْتِرَاط فِيمَا شكّ فِيهِ من الدُّعَاء لبَعْضهِم أن يكون مُوَافقا لمراد الله تَعَالَى فِي الشَّرِيعَة النَّبَوِيَّة " أهــ

وأضيف هنا كلاما رائعا قاله ملا علي القاري -رحمه الله-: «وقد قال علماؤنا: إذا وُجد تسعة وتسعون وجهًا تشير إلى تكفير مسلم، ووجه واحد إلى إبقائه على إسلامه فينبغي للمفتي والقاضي أن يعمل بذلك الوجه، وهو مستفاد من قوله -صلى الله عليه وسلم-: (ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن وجدتم للمسلم مخرجًا فخلوا سبيله، فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة) رواه الترمذي وغيره والحاكم وصححه» اهـ [شرح الشفا لملا علي القاري (2/ 502)].

وحديث " ادرءوا الحدود ..." ضعيف ففيه يزيد بن زياد , فقد ذكر العلامة الألباني بعد نقله الإتفاق على تضعيفه , قال :
وقال المناوي في " الفيض " : " قال الذهبي رحمه الله : و أجود ما في الباب خبر البيهقي :" ادرءوا الحد و القتل عن المسلمين ما استطعتم " . قال ـ أي المناوي ـ : " هذا موصول جيد " .
قلت ـ أي الألباني ـ : هو عند البيهقي في " السنن " ( 8/238 ) بسند حسن عن ابن مسعود موقوفا عليه .
الضعيفة للألباني 2197

وأخرج ابن أبى شيبة (11/70/2) عن إبراهيم قال: قال عمر بن الخطاب: " لأن أعطل الحدود بالشبهات أحب إلي [من] أن أقيمها في
الشبهات ".
قال العلامة الألباني: ورجاله ثقات لكنه منقطع بين إبراهيم وعمر.
لكن قال السخاوى: " وكذا أخرجه ابن حزم فى " الإيصال " له بسند صحيح ".

الْوَجْه الرابع : أن مؤاخذة المخطئ هي من تكليف ما لا يطاق أو من أعظم المشاق

قال ابن الوزير رحمه الله : " أَن مُؤَاخذَة المخطئ لَا تَخْلُو إِمَّا أَن تكون من تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق أَو من أعظم المشاق فان كَانَت من الأول فَهُوَ لَا يجوز على الله تَعَالَى كَمَا تقدم القَوْل فِيهِ مَبْسُوطا بسطا شافيا وَإِن لم تكن مِنْهُ كَانَت من أعظم المشاق وَقد نفي الله تَعَالَى وجود ذَلِك فِي دينه ..."

ثم بعد بسط القول في هذا المقام قال رحمه الله : " فَثَبت أَن المشاق الْعَظِيمَة قد تحقق وُرُودهَا فِي الشَّرَائِع نَادرا حَيْثُ يَقْتَضِي ذَلِك الْمصلحَة وَإِن عِقَاب المخطيء بِعَذَاب النَّار لم يتَحَقَّق وُرُوده فِي شَرِيعَة من الشَّرَائِع فَثَبت أَنه أَحَق المشاق بِأَن يسمحه اكرام الاكرمين وَخير الغافرين سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَا برهَان قَاطع على أَن المكفرين من أهل التَّأْوِيل لَا يسمون مخطئين وَلَا على خُرُوجهمْ من الْأَدِلَّة الدَّالَّة على الْعَفو عَن المخطئين" أهــ

ومن علامات أهل البدعة التشديد والغلظة والغلو وطلب ما يعنت الأمة ويشق عليهم ويحرجهم ويضيق عليهم ويكفرهم بالمعاصي
قال العلامة الشيخ سليمان بن سحمان: «ومن علامات صاحب البدعة: التشديد، والغلظة، والغلو في الدين، ومجاوزة الحد في الأوامر والنواهي، وطلب ما يعنت الأمة ويشق عليهم ويحرجهم ويضيق عليهم في أمر دينهم، وتكفيرهم بالذنوب والمعاصي إلى غير ذلك مما هو مشهود مذكور من أحوال أهل البدع» اهـ منهاج أهل الحق والاتباع في مخالفة أهل الجهل والابتداع - ص26

وقال عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ -رحمه الله-: «والتجاسر على تكفير من ظاهره الإسلام من غير مستند شرعي ولا برهان مرضي يخالف ما عليه أئمة العلم من أهل السنة والجماعة، وهذه الطريقة هي طريقة أهل البدع والضلال» ا.هـ [الرسائل المفيدة (ص33)، راجع كلام الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في الدرر السنية ج8/ 217].

الْوَجْه الخامس : أن النهي عن تكفير المسلم جاءت به السنة بالنصوصية والخصوصية بخلاف الخطأ في إثبات الإسلام لكافر لم تأت فيه نصوص خاصة

قال ابن الوزير" من مرجحات ترك التَّكْفِير أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله بذلك فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بالنصوصية والخصوصية وَهَذَا من أوضح المرجحات وَفِي ذَلِك أَحَادِيث مِنْهَا .... "
ثم شرع في بيان الأحاديث والنصوص التي جاءت خاصة في عدم إكفار المسلم وتهديد فاعلهوقد سبق ذكرها في الوجه الثاني


الْوَجْه السادس : أن المتأول له حظ من عفو الله إن لم يكن معاندا للحق

قال ابن الوزير رحمه الله: " أَنَّهَا قد تكاثرت الْآيَات وَالْأَحَادِيث فِي الْعَفو عَن الْخَطَأ وَالظَّاهِر أَن أهل التَّأْوِيل أخطأوا وَلَا سَبِيل إِلَى الْعلم بتعمدهم لِأَنَّهُ من علم الْبَاطِن الَّذِي لَا يُعلمهُ إِلَّا الله تَعَالَى قَالَ الله تَعَالَى فِي خطاب أهل الاسلام خَاصَّة {وَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح فِيمَا أخطأتم بِهِ وَلَكِن مَا تَعَمّدت قُلُوبكُمْ} وَقَالَ تَعَالَى {رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا} وَصَحَّ فِي تَفْسِيرهَا أَن الله تَعَالَى قَالَ قد فعلت فِي حديثين صَحِيحَيْنِ أَحدهمَا عَن ابْن عَبَّاس وَالْآخر عَن أبي هُرَيْرَة ...." أهـ
ثم شرع رحمه الله في بيان هذا الوجه باستقصاء
وقال ابن حزم -رحمه الله -: «ومن تأول من أهل الإسلام فأخطأ، فإن كان لم تقم عليه الحجة، ولا تبين له الحق، فهو معذور مأجور أجرًا واحدًا لطلبه الحق وقصده إليه مغفور له خطؤه، إذ لم يتعمده لقول الله تعالى: ﴿ وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم ﴾ ... "
إلى أن قال رحمه الله:
" فإن عاند الحق معارضًا لله تعالى ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- فهو كافر مرتد حلال الدم والمال، لا فرق في هذا بين الخطأ في الاعتقاد أو في أي شيء كان من الشريعة، وبين الخطأ في الفتيا في أي شيء كان على ما بيَّنا قبل" اهـ
[الفصل في الملل والنحل (4/ 24)، وراجع الفصل (4/ 25، 105)، الإحكام (5/ 117 - 118). [
وقد أثنى شيخ الإسلام على عقيدة ابن حزم في الإيمان والقدر دون غيرها مما زل فيه رحمه الله فقال " الْأَشْعَرِيَّ وَنَحْوَهُ أَعْظَمُ مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِي الْقُرْآنِ وَالصِّفَاتِ وَإِنْ كَانَ " أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ حَزْمٍ " فِي مَسَائِلِ الْإِيمَانِ وَالْقَدَرِ أَقْوَمَ مِنْ غَيْرِهِ وَأَعْلَمَ بِالْحَدِيثِ وَأَكْثَرَ تَعْظِيمًا لَهُ وَلِأَهْلِهِ مَنْ غَيْرِهِ ... " مجموع الفتاوى 4/19


الوجه السابع : إن إبقاءهم على الإسلام والشهادتين وتكثير سواد المسلمين بهم افضل من إخراجهم وتكثير سواد ملل الكافرين

قال رحمه الله " فَثَبت أَن للبقاء على ذَلِك ــ أي بقائهم على الشَّهَادَتَيْنِ وَإِيمَانهمْ بِاللَّه تَعَالَى وَرُسُله ــ أثرا عَظِيما فان الامارات لَا تقاومه وَإِن الشَّرْع ورد بتعظيم ذَلِك وَطرح الْمعَارض لَهُ وَلذَلِك عظم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله على أُسَامَة بن زيد قتل الْكَافِر الَّذِي ضربه فَلَمَّا قدر عَلَيْهِ أسلم وَعظم على أَصْحَابه الْكَلَام فِي بعض من كَانُوا يعدونه من الْمُنَافِقين وَقَالَ أَلَيْسَ يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَإِنِّي رَسُول الله وَيُصلي قَالُوا بلَى وَلَا شَهَادَة لَهُ وَلَا صَلَاة قَالَ إِنِّي لم أؤمر أَن أفتش على قُلُوب النَّاس وأمثال ذَلِك كَثِيرَة صَحِيحَة "


الْوَجْه الثامن : أن التكفير بأمور محتملة يمكن معارضتها , يعد تفريق للمسلمين وإضعاف لقوتهم


قال ابن الوزير : " أَن الله تَعَالَى نَص على تَحْرِيم التَّفَرُّق فِي كِتَابه الْكَرِيم وَجَاء ذَلِك بعبارات كَثِيرَة فِي الْكتاب وَالسّنة وَلَا أفحش فِي التَّفَرُّق من التَّوَصُّل إلى التَّكْفِير بأدلة مُحْتَملَة تمكن معارضتها بِمِثْلِهَا وَيُمكن التَّوَصُّل بهَا إِلَى عدم التَّكْفِير وَإِلَى جمع الْكَلِمَة ...... "
إلى أن قال رحمه الله
" ... وَكم بَين إِخْرَاج عوام فرق الاسلام أَجْمَعِينَ وجماهير الْعلمَاء المنتسبين إِلَى الاسلام من الْملَّة الاسلامية وتكثير الْعدَد بهم وَبَين ادخالهم فِي الاسلام ونصرته بهم وتكثير أَهله وتقوية أمره فَلَا يحل الْجهد فِي التَّفَرُّق بتكلف التَّكْفِير لَهُم بالأدلة الْمُعَارضَة بِمَا هُوَ أقوى مِنْهَا أَو مثلهَا مِمَّا يجمع الْكَلِمَة وَيُقَوِّي الاسلام ويحقن الدِّمَاء ويسكن الدهماء حَتَّى ينضح كفر المبتدع اتضاح الصُّبْح الصَّادِق وتجتمع عَلَيْهِ الْكَلِمَة وَتحقّق إِلَيْهِ الضَّرُورَة ... "

فمن ثبت إسلامه بيقين لم يزل عنه ذلك بالشك والاحتمال، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة

قال ابن تيمية -رحمه الله-: «ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل عنه ذلك بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة، فإذا تبين ذلك فاعلم أن مسائل التكفير والتفسيق هي مسائل الأسماء والأحكام التي يتعلق بها الوعد والوعيد في الدار الآخرة، وتتعلق بها الموالاة والمعاداة والقتل والعصمة وغير ذلك في الدار الدنيا، فإن الله سبحانه أوجب الجنة للمؤمنين وحرم الجنة على الكافرين، وهذا من الأحكام الكلية في كل وقت ومكان» اهـ [مجموع الفتاوى (12/ 468)]

فلا يقدم على التكفير إلا ببينة أوضح من شمس النهار

قال صديق حسن خان -رحمه الله-: «قال الإمام الشوكاني في السيل الجرار: اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببينة أوضح من شمس النهار» ا.هـ [الروضة الندية شرح الدرر البهية لصديق حسن خان (ص 291)، والنص بكامله موجود في السيل الجرار للشوكاني (4/ 578)].




الْوَجْه التاسع : أن الْوَقْف عِنْد الِاشْتِبَاه مَعَ تقبيح بدع المبتدعة لَا يحْتَمل أَن يكون كفرا وَلَا خطأ غير مَعْفُو عَنهُ

" أَن الْخَطَأ لما كَانَ منقسما إِلَيّ مغْفُور قطعا كالخطأ فِي الاجتهاديات على الصَّحِيح وَغير مغْفُور قطعا كالخطأ فِي نفي الْبَعْث وَالْجنَّة وَالنَّار وَتَسْمِيَة الامام بأسماء الله تَعَالَى إِلَيّ غير ذَلِك ومختلف فِيهِ مُحْتَمل للالحاق بِأحد الْقسمَيْنِ نَظرنَا لأنفسنا فِي الاقدام على تَكْفِير أهل التَّأْوِيل من أهل الْقبْلَة وَفِي الْوَقْف عَنهُ عِنْد الِاشْتِبَاه فَوَجَدنَا الْوَقْف عَنهُ حِينَئِذٍ مَعَ تقبيح بدع المبتدعة لَا يحْتَمل أَن يكون كفرا وَلَا خطأ غير مَعْفُو عَنهُ لِأَنَّهُ لَا يدل على ذَلِك برهَان قَاطع وَلَا دَلِيل ظَاهر بل الْأَدِلَّة وَاضِحَة فِي الْعَفو حِينَئِذٍ على تَقْدِير الْخَطَأ كَمَا تقدم بَيَانه فِي الْوَجْه الرَّابِع وَأما الاقدام على التَّكْفِير فعلى تَقْدِير الْخَطَأ فِيهِ لَا نَأْمَن أَن يكون كفرا أَو خطأ غير مَعْفُو عَنهُ كخطأ الْخَوَارِج لوُرُود النُّصُوص الصَّحِيحَة الْكَثِيرَة بذلك وَعدم الْإِجْمَاع على تَأْوِيلهَا كَمَا تقدم فِي الْوَجْه الأول فَوَجَدنَا الْوَقْف حِينَئِذٍ أحوط للدّين وَالدَّار الْآخِرَة حَتَّى لَو قَدرنَا وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى أَن الْخَطَأ فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا ذَنْب غير مغْفُور لَكَانَ الْخَطَأ فِي الْوَقْف أَهْون من الْخَطَأ فِي التَّكْفِير وَفِي الحَدِيث والعقول دَلَائِل على ذَلِك كَثِيرَة ..."

إيثار الحق على الخلق للعلامة المحقق ابن الوزير اليماني ص 180 ــ 1


الوجه العاشر : أن التكفير سمعيّ محض لا مدخل للعقل فيه ودليله فطعي , وليس كل ما كان خطأ في العقل يكون كفرًا في الشرع

قال العلامة ابن الوزير " أن التكفير سمعي محضٌ لا مدخل للعقل فيه، وذلك من وجهين:
الوجه الأول: أنه لا يكفر بمخالفة الأدلة العقلية وإن كانت ضروريةٌ، فلو قال بعضُ المُجَّان وأهل الخلاعة: إن الكلَّ أقلُّ من البعض لكانت هذه كذبةٌ، ولم يحكم أحدٌ من المسلمين بردته مع أنه خالف ما هو معلومٌ بالضرورة من العقل، وما لا يُوجَدُ في العلوم العقلية أوضح منه.
ولو قال: إنَّ صلاة الظهر أقلُّ من صلاة الفجر، لكفر بإجماع المسلمين، فإن خالف العقل والسمع معاً، مثل قول القرامطة: إنَّ المؤثر في وجود الموجودات يجب أن لا يكون موجوداً ولا معدوماً، كفر لأجل مخالفة السمع فقط، إذ لو قال بمثل هذه الضلالة فيما لم يَرِدْ به السمع لما كفر، مثل الكلام في الماهيات الكليات الذهنيات كماهية الإنسان التي في الذهن، فإنَّ من قال: إن لها وجوداً في الخارج، أو لا وجود لها فيه، بل هي معدومةٌ، أو قال: لا يُوصَفُ بواحدٍ منهما، لم يستحق الكفر سواء كان خطأ معلوماً بالضرورة أم لا، ما ذلك إلاَّ لأن السمع لم يرد في ذلك بأمر يكون رادُّه مكذباً له، فتأمل ذلك.
فإذا تقرَّر ذلك، فاعلم أن أبعَدَ الناس من الكفر من عظَّم السمع وعظَّم الإيمان بما فيه مع البُعد من التمثيل والتشبيه، وإن اطلع أهل الأنظار العقلية على غَلَطِه أو رِكَّةِ بعض أدلته، فقد يكون إيمان بعض المؤمنين صحيحاً مؤمناً له من عذاب الله، مُقَرِّباً له من الله، ويكون عليه في تَصَرُّفِه في النظر والاستدلال مؤاخذاتٌ لا سيما في العبارة، وذلك لعدم ارتياضه على تهذيب العبارات، وقلَّة دريته بتحرير المقدِّمات، لا لضعف إيمانه، ولا لضعف دليله، وقد يوردُ المتحذلِقُ في علم الجدل الشُّبَهَ، فيكسوها من حسن الترصيف، وجودة الترتيب ما يُموِّهُ به على كثير من المتعاطين لعلم النظر، والمنقطعين في فنِّ الكلام، فإيَّاك والاغترار بذلك، فإن أكثر المعاني المشوَّهة تُسْتَرُ بالعبارات المموّهة.
الوجه الثاني: أنَّ الدليل على الكفر والفِسْقِ لا يكون إلاَّ سمعياً قطعياً ولا نزاع في ذلك، وإنَّما النزاع في بعض الأدِلَّةِ على التكفير، هل هو قاطعٌ أم لا؟، وأنت إذا عَرَفْتَ معنى القاطع، عرفتَ الحقَّ في تلك الأدلة المعينة.
واعلم أن القطعَ لا بُدَّ أن يكون من جهة ثبوت النصِّ الشرعي في نفسه، ومن جهة وضوح معناه. " أهــ
العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم 4/178

ويقول ابن تيمية -رحمه الله : " الكفر حكم شرعي متلقى عن صاحب الشريعة، والعقل قد يُعلم به صواب القول وخطؤه، وليس كل ما كان خطأ في العقل يكون كفرًا في الشرع، كما أنه ليس كل ما كان صوابًا في العقل تجب في الشرع معرفته " اهـ [درء تعارض العقل والنقل (1/ 242)].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «والخوارج تكفر أهل الجماعة وكذلك أكثر المعتزلة يكفرون من خالفهم وكذلك أكثر الرافضة، ومن لم يُكفّر فَسّق، وكذلك أكثر أهل الأهواء يبتدعون رأيا ويُكفرون من خالفهم فيه، وأهل السنة يتبعون الحق من ربهم الذي جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولا يُكفرون من خالفهم فيه بل هم أعلم بالحق وأرحم بالخلق كما وصف الله به المسلمين بقوله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس}، قال أبو هريرة: كنتم خير الناس للناس» ا.هـ [منهاج السنة (5/ 158)].

وقال ابن القيم - رحمه الله- في نونيته :
الكفر حق الله ثم رسوله .........بالنص يثبت لا بقول فلان
من كان رب العالمين وعبده......قد كفراه فذاك ذو الكفران
الشافية الكافية في الانتصار للفرقة الناجية - ص243

قال عبد الله أبا بطين -رحمه الله-: «وبالجملة فيجب على من نصح نفسه ألا يتكلم في هذه المسألة إلا بعلم وبرهان من الله، وليحذر من إخراج رجل من الإسلام بمجرد فهمه واستحسان عقله، فإن إخراج رجل من الإسلام أو إدخاله فيه أعظم أمور الدين، وقد كفينا بيان هذه المسألة كغيرها، بل حكمها في الجملة من أظهر أحكام الدين؛ فالواجب علينا الاتباع وترك الابتداع كما قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، وأيضًا فما تنازع العلماء في كونه كفرًا فالاحتياط للدين التوقف وعدم الإقدام ما لم يكن في المسألة نص صريح عن المعصوم، وقد استزل الشيطان أكثر الناس في هذه المسألة فقصّر بطائفة فحكموا بإسلام من دلت نصوص الكتاب والسنة والإجماع على كفره، وتعدى بآخرين فكفّروا من حكم الكتاب والسنة مع الإجماع بأنه مسلم، ومن العجب أن أحد هؤلاء لو سئل عن مسألة في الطهارة أو البيع ونحوهما لم يفت بمجرد فهمه أو استحسان عقله؛ بل يبحث عن كلام العلماء ويفتي بما قالوه، فكيف يعتمد في هذا الأمر العظيم الذي هو أعظم أمور الدين وأشد خطرًا على مجرد فهمه واستحسانه، فيا مصيبة الإسلام من هاتين الطائفتين ومحنته من تينك البليتين، ونسألك اللهم أن تهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين وصلى الله على محمد» ا.هـ [الدرر السنية (8/ 217)].


وفي الختام
أعرج على مسألة مهمة نبه عليها العلامة صالح آل الشيخ حفظه الله أنه ينبغي على الشباب في مسائل التكفير أن يخوضوا في باب الأسماء دون باب الأحكام
فإن مسائل التكفير من جهة الأحكام ـ أي الكلام في الأعيان وانطباق الوصف عليهم ـ هذا باب عظيم وهو محض حق الله تعالى وهو خصيصة العلماء والقضاة وهو مما لا ينبغي أن يروقه الشباب وعامة الناس
لكن الذي ينبغي لهم تعلمه والخوض فيه هو باب الأسماء يعني ما كان من جهة العقائد وما ينبغي لهم اعتقاده من مسائل ... هذا كفر أكبر... هذه شرك أصغر ... هذا ردة وهذا ناقض من نواقض الإيمان ...

قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله :
"... التكفير مع صعوبته وكونه من أواخر أبواب الفقه خاض فيه من لا يعرف أحكام الصلاة التفصيلية ولا أحكام الزكاة التفصيلية، وهو أصعب الأبواب من جهة الفهم وجهة التطبيق.
باب التكفير على العموم لا يليه أفراد الناس، إذا كان الحكم في مسائل البيوع الموجودة في كتب الفقه يليه أو يتولاه من هو متخصص في البيوع، أحكام الشركات من هو متخصص في الشركات، أحكام الأوقاف والوصايا والمواريث من هو متخصص في الفرائض والوصايا والمواريث، الجنايات من يحكم بأن هذا يقتل وهذا يقتص منه وهذا يعطى الدية وهذا إلى آخره من الأحكام الشرعية؟ من هو مختص في أحكام القضاء أو من أهل الفتوى، فكيف بالحكم على مسلم بالردة، لاشك أن هذا الأمر من أصعب ما يكون من جهة الفتوى ومن جهة الحكم، ولذلك الحكم فيه ليس للأفراد، وليس هو مما يطالب كل مسلم أنه يطبقه، أو أنه يقول أنا أحكم على فلان وفلان بحسب ما أرى، هذا مرتبط بوجود شروط ووجود موانع ووجود أحكام تفصيلية له، فلهذا أهل العلم يجعلون أبواب التكفير مُوكَلَة إلى القضاة فقط وليست إلى عامة الناس، ولا حتى أفراد طلبة العلم أنه يقول فلان ارتد وفلان خرج من دينه هذا كافر ونحو ذلك، هذا حكم مختص بالقاضي، القاضي هو الذي يحكم، أو المفتي الذي اجتمعت فيه شروط القضاء، المفتي الذي يحسن القضاء يعني إثبات الشروط وإثبات انتفاء الموانع..."
ثم قال : " ... الحكم موجود في الكتاب والسنة؛ لكن من يلي هذا الحكم؟ أهل العلم ذكروه، لكن من يلي هذا الأمر؟ هنا يأتي ضبط المسألة، فإذن المسألة من جهة فقهية ومن جهة عقدية موجودة.
المسألة تعرض لها في كتب العقائد -مسائل التكفير- وعرضها في كتب العقائد من جهة الاعتقاد لا من جهة الحكم؛ لأن الأحكام في الواقع هذه مرتبطة بالفقه، العقيدة فيها بعض أنواع التكفير لتعتقدها؛ يعني من هو الذي يكفر؟ ما هي الأعمال المكفرة ما الصفة؟ حتى يحذر منها المسلم ويعتقد ما قاله الله جل وعلا وقاله رسوله صَلَّى الله عليه وسلم."
إلى أن قال : " ... وأنا بحكم قربي من طائفة كبيرة من الشباب وطلبة العلم من قديم أجد أنّ كثيرا من الشباب يرومون الخوض في هذه المسائل ويأنسون لها، وهذا خلاف ما يجب عليهم الواجب عليهم أن يدخلوا ويبحثوا على المسائل التي تنفعهم في دينهم أما المسائل التي هي من اختصاص القضاء أو من اختصاص المفتي أو نحو ذلك ما فيه أحكام كبيرة، هذا ليس من الحسن أن يدخل فيه أفراد الناس؛ بل يسبب ضلالا وانحرافا في الطريق " إهــ
فتنة التَّكفير لقاء مع قناة المجد [على إثر تفجيرات الرياض]

ويقول حفظه الله : " وهذه المسائل مع الأسف شاعت عند الشباب في هذا العصر، وصاروا يتداولونها حتى في المجالس وهو يعلم من نفسه أنَّ مسائل الطهارة ما يعرفها، وكثير من مسائل الصلاة ما يعرفها، ومسائل يمكن معاشرة الزوجية يجيء فيها بحكم الطبيعة أو بحكم حياته ما آلفه وإلى آخره، ما يعرف حدود ما أنزل الله على رسوله في هذه المسائل، ومع ذلك تجد أنه يقتحم هذه المسألة العظيمة وهي مسألة التكفير، وإنما هي لأهل العلم.
ذكرتُ لك أنَّ لها قسمين:
القسم الأول اعتقاد المسائل، اعتقاد مسائل التكفير مثل ما ذكرتُ لك.
والثاني التطبيق: التطبيق ليس إليك إنما هو لأهل العلم والقضاء والفتيا ونحو ذلك , أمَّا الاعتقاد فهذا واجب أن تعتقد ما أمر الله - عز وجل - به، أو ما أخبر به - عز وجل - من إيمان المؤمن وكفر الكافر وكذا ما أخبر به صلى الله عليه وسلم." إهــ
من تفريغات مؤلفات الشيخ صالح آل الشيخ على المكتبة الشاملة

هذا والله أعلى وأعلم
وصلى الله على نبينا وسلم
كتبه أخوكم الفقير إلى عفو ربه
أبو جميل الرحمن طارق بن أبي سعد الجزائري
يوم 29 ليلة خلت من رمضان 1436 هــ


التعديل الأخير تم بواسطة أبو جميل الرحمن طارق الجزائري ; 19 Jul 2015 الساعة 10:29 PM
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, مميز, مسائل, إقامة الحجة, التكفير والحدادية, الخطأ في العفو والعقوبة, العذر بالجهل


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013