منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 16 Jan 2010, 11:30 PM
أبو تميم يوسف الخميسي أبو تميم يوسف الخميسي غير متواجد حالياً
مـشـرف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
الدولة: دولــة قـطـر
المشاركات: 1,623
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو تميم يوسف الخميسي إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو تميم يوسف الخميسي
افتراضي ...::: أبو عثمان ابن الحداد الغسّاني المالكي القيرواني ومناظرته مع الشيعي :::...


أبو عثمان ابن الحداد الغسّاني المالكي القيرواني

ومناظرته مع الشيعي


كتبه : أبو عبد الرحمن فريد
نشرت هذه المقالة في مجلة -الإصلاح- الجزائرية
منقول من منبر وهران

الحمد لله الذي أعز السنّة وأمات البدعة، وجعل أعلاماًًً ينصرون دينه، ويذبون عن سنّته، ويناظرون من أجل إعلاء راية الإسلام، كما ارتضاه لنا سبحانه وتعالى، قال عزّ وجلّ: }الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا{ [المائدة/3]؛ وكما تركنا عليها-صلى الله عليه وسلم-: " قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك و من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بما عرفتم من سنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليه بالنواجذ و عليكم بالطاعة و إن عبدا حبشيا ، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد"([1]) .
ومن المؤسف الشديد أن نجهل أعلاماًًً من أعلام بيئتنا "المغرب العربي"([2]) المجاهدين على حفظ الدين، ونصرته، ليصل إلينا نقياً صافياً من شوائب البدع والمحدثات ومن هؤلاء الثبت أبو عثمان ابن الحداد الغسّاني المالكي القيرواني الذي عرف بمنظراته القوية والهادفة في صد البدع والمحدثات الداخلة على الشرع ولهذا السبب أردنا أن نبرز هذه الشخصية المنسية في الكتب، بسبب أننا لم نزيل الغبار على تلك الكتب لنخرج منها الدرر من أمثال ابن الحداد الغسّاني المالكي القيرواني.
ترجمته([3]): أبو عثمان ابن الحداد الغسّاني المالكي القيرواني هو: سعيد([4]) بن محمّد بن صبيح الأستاذ أبو عثمان الغسّاني القيرواني النحوي الفقيه أحد الأعلام وَكَانَ إماماً متفنّناً. توفيّ فِي حدود الثلاث مائة.وقد ذكر أنه مات سنة 302هـ.
وكان يذم التقليد ويقول: هو من نقص العقول، أو دناءة الهمم.
ويقول: ما للعالم وملاءمة المضاجع.وكان يقول: دليل الضبط الإقلال، ودليل التقصير الإكثار.
ووصفه الذهبي بقوله:" ابن الحداد: الإمام، شيخ المالكية، أبو عثمان، سعيد بن محمد بن صبيح بن الحداد المغربي، صاحب سحنون، وهو أحد المجتهدين، وكان بحرا في الفروع، ورأسا في لسان العرب، بصيرا بالسنن... وكان من رؤوس السنة"([5])
له من التصانيف([6]):
" توضيح المشكل فِي القرآن " ، و " المقالات فِي الأصول " ، و " الاستيعاب " ، و " العبادة الكبرى " ، و"العبادة الصغرى" ، و " الاستواء " ، و " الأمالي " ، و " الرد عَلَى الملحدين " وغير ذَلِكَ.
قوة حجته في المناظرة:
كان أبو عثمان ابن الحداد الغسّاني-رحمه الله- له قوة المناظرة، بالغ الحجة، دقيق الفهم، بصير المذهب، عجيب الرد، له ثقة في ما يناظر عليه لا يخاف لومة لائم. ومع ذلك من سمع من الخصوم إلاّ ورجعوا إلى الحق أو تَكتَمُوا جواباً ورداً على حجته.
قال ابن الحارث: "وله مع شيخ المعتزلة الفراء مناظرات بالقيروان، رجع بها عدد من المبتدعة"([7]).
ووصفه الزُّبيدي بقوله: " وكان الجدَلُ أغلبَ الفنون عليه، وكان دقيق النظر جداً، ثابت الحجّة، شديد العارضة، حاضر الجواب صحيح الخاطر"([8]).
أعظم مناظراته:
كانت أعظم مناظراته-رحمه الله- مع الشيعة حيث وصف لنا الزُّبيدي ذلك فقال: " وكانت لسعيد بن محمد بالقيروان في أول دخول الشيعة، مقامات محمودة ناضل فيها عن الدين، ذّبَّ عن السنن؛ حتّى مثَّله أهلُ القيروان في حالة تلك بأحمد بن حنبل أيام المحنة، وذلك أنهم لمّا ملكوا البلد أظهروا تبديل الشرائع، وإحالة السنن ؛ وبَدَروا إلى رجلين كبيرين من أصحاب سُحنون فقتلوهما، وعرَّوْا أجسادهما، ثم نودي عليهما: هذا جزاء مَن ذهب مذهب مالك ؛ فارتاع جُملة أهل السنة، وتجمّعوا إلى سعيد، فسألوه التقيّة-وكان أبو عبد الله المعلم يبعث إليهم للمناظرة، وكان سعيد المعتمد عليه فيها-فأبَى سعيد من التقيّة، وقال: إني قد أربيتُ على التسعين، وما بي إلى العيش حاجة، وقتيل الخوارج خيرُ القتلى، ولا بدّ لي من المناضلة عن الدين، وأن أبلِغ ذلك عذراً؛ ففعل ذلك وصدق ونصح.رحمه الله."([9]).
قال محمد:" وكانت لأبي عثمان مقامات كريمة ومواقف محمودة في الدفع عن الإسلام والذب عن السنة ناظر فيها أبا العباس المخدوم أخا أبي عبد الله الشيعي الصنعاني بملء فمه، ومُنى نفسه، مناظرة القرن المساوي، بل مناظرة المتعزز المتعالي، لم يتلعثم لفظاعة المقام، ولا أحجم لهيبة السلطان، ولا خاف ما خيف عليه من سطوة الحدثان، ولقد قال له ابنه محمد يوماً اتق الله في نفسك ولا تبالغ في مناظرة الرجل فقال له: حسبي من له غضبتُ وعن دينه ذببتُ"([10]).
نص المناظرة:
قال أبو بكر بن اللباد الفقيه: بينما سعيد بن الحداد يوماً جالس إذ أتاه رسول من قبل البغدادي فقال له: أحبَّ أبو جعفر أن يراك، قال فلبست ثيابي ومضيت حتى أتيت بابه، فإذا برجل أجلس لي ينتظرني فقال: ادخل، فدخلت عليه فقال لي: أحبَّ عبيد الله(أن يجتمع بك) فقلت: هاأنذا، فركب وجعل معي من يصحبني ومضى هو أمامي (قال) فمضيت مع الرجل حتى أتى بي إلى مكان فأجلسني فيه، فأنا جالس حتى أتاني رسول ثان غير الرجل الذي كنت معه، فقال لي: قم يا شيخ، فقمت فدخلت معه حتى أتيت إلى باب المجلس الذي هو فيه فإذا بعبيد الله(لعنه الله) جالس والبغدادي واقف على رأسه، فدخلت وأقبل أبو جعفر فقال لي: اجلس، فجلست، فإذا بكتاب لطيف إلى جانبه على مخدة، فرأيته وقد أومى إلى أبي جعفر فقال له: اعرض الكتاب على الشيخ. فقال: ورمقته ببصري فعرفت الكتاب، قال: تصفح، فجعل يده على بعض الصفحة وأنا أنظر إلى الإسناد، فقال لي أبو جعفر: اقرأ قال: فقلت له: عرفت الحديث وهو حديث "غديرخُمّ": " من كنت مولاه فعليٌّ مولاه"([11]) وهو حديث صحيح، وقد رويناه. فعطف عليَّ عبيد الله (لعنة الله عليه) فقال لي: فما للناس لا يكونون عبيدنا؟ فقلت له:-أعز الله السيد-لم يرد ولاية الرّق، إنما ولاية في الدين، قال: فقال لي: فهل شاهد من كتاب الله عزّ وجلّ؟ فقلت: نعم.قال الله عزّ وجلّ: } مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80){ [آل عمران/79، 80].فما لم يجعله الله عزّ وجلّ لنبي لم يجعله لغير نبي وعليّ لم يكن نبيًّا، إنماَ كان وزير نبيّ -صلى الله عليه وسلم- ، فقال لي: انصرف لا ينالك أحد([12]).
خرج جماعة من القيروان للقاء الشيعي-لعنة الله عليه- منهم: أبو عثمان وحماس وابن عبدون، وكان أبو عثمان مهاجراً لابن عبدون، وذلك أنه حبسه، فقال ابن عبدون لأبي عثمان: تقدم يا أبا عثمان، فلم يجبه، فقال له: تقدم فليس هذا وقت مهاجرة، فلسانك سيف الله، وصدرك خزانة الله، وإنما أراد بن عبدون بذلك أن يحرضه على مناظرة الشيعي.
ولمّا خرج لمناظرته خرج معه أهله وولده وهم يبكون فقال لهم لا تفعلوا لا يكون إلاَّ خيرًا، حسبي من له خرجت وعن دينه ذببتُ.
فأول مجلس جرى له معه أنه قال: أرسل ورائي الشيعي-لعنة الله عليه- وما كنت آتي إليه إلاَّ برسول، فدخلت إليه في قصر إبراهيم بن أحمد وحوله جماعة من أصحابه وجماعة ممن ينسب إليهم العلم من أهل بلدنا، فسلمت ثم جلست، فقال: أبو عبد الله لإبراهيم بن يونس- وقد قيل له إن هذا الشيخ كان قاضيًا على هذه المدينة- بأي شيء كنت تقضي؟.
فقال له إبراهيم: بالكتاب والسنَّة.
فقال له أبو عبد الله: فما السنَّة؟
فقال له إبراهيم: "السنَّة.. السنَّة..." قلت لأبي عبد الله: المجلس مشترك أو خاص؟
فقال: مشترك.
فقال أبو عثمان: أصل السنَّة في كلام العرب: المثال الذي يتمثل عليه، قال الشاعر:
تُرِيكَ سُنَّةَ وَجْهٍِ غَيرَ مُقْرِفَةٍِِ مَلْسَاءَ ليْس بِهَا خَالٌُ وَلاَ نَدَبُ([13]).
أي صورة وجه ومثاله.
والسنَّة محصورة في ثلاث:الائتمار بما أمر به رسول الله-صلى الله عليه وسلم- والانتهاء عما نهى عنه والايتساء به فيما فعل.
قال الشيعي: فإن اختلف عليك فيما نقل إليك عن النبي-صلى الله عليه وسلم- وجاءت السنّة من طرق؟.
-قلت له: أنظر إلى أصح الخبرين نقلاًَ فآخذ بأصحهما وأطلب الدليل على موضع الحق في أحد الحديثين ويكون الأمر في ذلك كشهود عدول اختلفوا في شهادة فلا بد من طلب الدليل على موضع الحق من الشهادتين.
فقال الشيعي: فلوا استووا في الثبات؟.
فقلت له: يكون أحدهما ناسخًا ولآخر منسوخًا.
قال: فمن أين قلتم بالقياس؟
فقلت: قال الله عزّ وجلّ(في كتابه العزيز): } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ { [المائدة/95]فالصيد معلومة عينة، والجزاء الذي أمرنا أن نمثله بالصيد (المعلومة) عينة ليس بمنصوص فعلمنا بذلك أن الله تعالى إنما أمرنا أن نمثل ما لم ينص ذكر عينه: بالقياس والاجتهاد. ومنه قول الله عزّ وجلّ: } يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ { فلم يكله إلى واحد حتى جعلهما اثنين: ليقيسا ويجتهدا.
(فقال أبو عبد الله الشيعي): ومن ذوا عدل؟. وأومأ أن "ذوا عدل" إنما هم قوم مخصوصون بنصِّ الآية.
قال:فقلت: هم الذين قال الله عزّ وجلّ فيهم في آية المراجعة: }وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ { [الطلاق/2] ومثل ذلك في تثبيت القياس قوله عزّ وجلّ: } وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ {[النساء/83].والاستنباط غير منصوص.
ثم عطف على موسى القطان فقال له: أين وجدتم حدّ الخمر في كتاب الله تعالى؟.
فقال له موسى: قال النبيّ-صلى الله عليه وسلم- : "من شربها فاضربوه بالأدرية، ثم إن عاد فاضربوه بالأيدي، ثم إن عاد فاضربوه بالجريد"([14]).
(فقال له: أبو عبد الله على النكير منه، ايش هذا؟ أقول لك: أين وجدتم حد الخمر في كتاب الله تعالى، وتقول: اضربوه بالأدرية ثم بالأيدي ثم بالجريد)؟.
قال أبو عثمان: فقلت له: إنما حدّ قياسًا على حدّ القاذف(لأنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى([15])، فوجب عليه ما يؤول أمره إليه وهو حدّ القاذف).
فقال لموسى القطان: أو لم يقل النبي-صلى الله عليه وسلم- : " أقضاكم عليّ"، فجعل موسى وهو ينص عليه الحديث "...وأعلمكم بحلال الله وحرامه معاذ، وأرأفكم أبو بكر، وأشدكم في دين الله عمر([16])،-رضي الله عنهم أجمعين-.
فقال له الشيعي: وكيف يكون أشدهم في دين الله وقد هرب بالراية يوم حنين؟.
فقال له موسى: ما سمعنا بهذا ولا نعرفه.
قال أبو عثمان: فقلت له: تحيّز إلى فئة كما أنزل الله تعالى. قال عزّ وجلّ:}إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ{ [الأنفال/16. [فمن تحيّز إلى فئة] كما أمر الله عزّ وجلّ فليس بفار.
فمال[الشيعي] بوجهه إلى بعض أصحابه فقال: أتسمع ما قال الشيخ، قال: انحاز إلى فئة كما أمر الله-سبحانه-.
فقال مجيباً-وهو يشير بيده- أي فئة أكثر من رسول الله-صلى الله عليه وسلم-[وقد كان حاضراً ولم يتحيّز إليه] وكأنه تخافت في كلامه ويسمع من يليه.
[فقلت: جاء عنه-صلى الله عليه وسلم-، أنه قال:" عمر فئة" فمن تحيّز إلى عمر فقد تحيّز إلى فئة.
فسكت: فحرّكه بعض أصحابه، وقال ألا تسمع ما يقول الشيخ؟ فقال: صدق، أو نحو هذا من القول سمعتها أنا منه ومن كان يليه].
ثم قال لأبي عثمان: هلا كان عندك من قول الله عزّ وجلّ حكاية عن نبيّه-صلى الله عليه وسلم- في قوله لأبي بكر } لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا{[التوبة/40]. دلالة أن حزنه كان مسخوطًا لأن النبي-صلى الله عليه وسلم-نهاه عنه.
فقال أبو عثمان: لم يكن قوله له إلاّ تبشيراً بأنه آمن على رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وعلى نفسه معه ممّا كان يحذره من غلبة المشركين، وكان خوفه لما خاف من ذلك من أجل أنه لا يظهر على غيب ما تجري به مقادير الله عزّ وجلّ ورسول الله-صلى الله عليه وسلم- ينزّل عليه الوحي بغيب ما يكون قبل أن يكون فكان في قوله: } لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا{ ما يبين أن الله معهما، بنصرته إياهما وذلك لا يكون إلا بوحي من الله عزّ جلّ وقد بيّن الله تعالى إطلاعه أنبياءه المرسلين على غيبه بقوله: } فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ { [الجن/26، 27].
فقال(له) أبو عبد الله: وهل تجد لهذا نظيراً من التنزيل: "لا تفعل" يراد به التبشير ولا يراد به النهي عن أمر مسخوط؟
فقال(له) أبو عثمان: نعم.قال: الله عزّ جلّ لموسى وهارون[عليهما السلام] } قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى { [طه/46]لمّا خافا من فرعون أن يفرط عليهما أو أن يطغى ولم يكن خوفهما خوفاً يسخط الله عزّ جلّ عليهما من أجله. لأنهما لو أديل لفرعون عليهما لكان في ذلك طغياناً لفرعون وتضعضعاً للدين وهما رسولان داخلان في (معنى) قوله تعالى: }إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ {، فأطلعهما الله عزّ وجلّ على غيب ما خافا كما أطلع محمداً(نبيّه) -صلى الله عليه وسلم- على غيب ما يؤول إليه الأمر الذي خافه أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، فصار قول الله عزّ وجلّ في أبي بكر شرفاً لم يبلغه أحد بعده: فإن الله تعالى أنزل فيه و في الأمر الذي خافه من التبشير بالأمن منه ما أنزل على موسى وهارون صلّى الله عليهما.
فقال له أبو عبد الله: أَفلاَ أوجب قول الله تعالى عند من سمعه: } وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ { [آل عمران/144]انقلاب أصحاب محمد-صلى الله عليه وسلم-؟.
فقال له أبو عثمان: لا، لأن معناه أفإن مات أو قتل أفتقبلون على أعقابكم لأن معنى}أَفَإِنْ مَاتَ{ : استفهام ومعنى }انْقَلَبْتُمْ{: أفتنقلبون؛ والاستفهامان إذا جاءا في قصة واحدة اجتزئ بأحدهما عن الآخر؛ وهذا الاستفهام إنما هو معنى التقدير بأن لا تنقلبوا على أعقابكم.
فقال له: فهل تجد في كتاب الله عزّ وجلّ نظيراً يكون من هذا دليلاً؟.
فقال له: نعم. قول الله عزّ وجلّ: } أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ { [الأنبياء/34] أي إنك إن مت فهم لا يخلدون، فلما التقى استفهامان أجزأ ذكر أحدهما عن الآخر، فكأن لفظ الاستفهام من ذلك مراد به التقدبر:(بأنهم لا يخلدون).
فقال أبو عبد الله: يا أهل المدينة إنكم تبغضون عليًّا.
فقال أبو عثمان: على مبغض علىّ لعنه الله والملائكة والناس أجمعين وكيف أبغض عليًّا وقد سمعت سحنون بن سعيد -وهو إمام أهل المدينة بالمغرب-يقول:"علي بن أبي طالب إمامي في الدين اهتدى بهديه واستنّ بسنّته وأقتفي أثره"-رحمه الله عليه-.
فقال أبو عبد الله: أراد أن يقول: صلّى الله عليه، فرجع فقال: رحمة الله عليه.
فقال أبو عثمان: -ورفع بها صوته-نعم-صلى الله عليه وسلم-، لأن الصلاة في كلام العرب: الرحمة والدعاء، قال الأعشى([17]):
تقول بِنْتي وقد قَرَّبْتُ مرتحلاً يا ربِّ جَنِّبْ أبي الأَوْصابَ والوَجَعَا

عَلَيْكِ مِثْلُ الَّذِي صَلَّيْتِ فَاغْتَمِضِي نَوْمًا فَإِنَّ لِجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجَعًا
فالصلاة من الله رحمة ومن الآدميين دعاء، نعم فصلّى الله على عليّ وفاطمة والحسن والحسين وعلى أهل طاعته أجمعين من أهل السموات والأرضين.
فقال له أبو عبد الله: أليس قد قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: "من كنت مولاه فعليّ مولاه" أفليس عليّ مولاك؟
فقال أبو عثمان: هو مولاي بالمعنى الذي أنابه مولاه، ومعنى مولاي: على الولاية في الدين لا مولى عتاقة، وذلك أن المولى في كلام العرب: الولّي وابن العمّ والمعتق والمنعم عليه. قال الله عزّ وجلّ في ابن العمّ-حكاية عن زكرياء عليه السلام-: }وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي{ [مريم/5] يريد به العصبة. وقال في ولاية الدّين: } ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ { [محمد/11] أي لا وليّ لهم. وقال في المؤمنين: }وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ { [التوبة/71]، فعليّ مولى المؤمنين بأنه وليّهم، وهم مواليه بأنهم أولياؤه، فهو مولاي بالمعنى الذي أنا به مولاه.
فقال أبو عبد الله: ألم يقل النبيّ-صلى الله عليه وسلم-: "عليّ مني بمنزلة هارون من موسى"؟.
فقال له أبو عثمان: نعم إلاّ أنّه قال: "إلاّ أنه لا نبيّ بعدي"([18]) وهارون كان حجة في حياة موسى، وعليّ لم يكن حجة في حياة النبيّ-صلى الله عليه وسلم-، وهارون كان شريكاً لموسى، أفكان لعلى شرك مع النبيّ-صلى الله عليه وسلم- في النبوّة؟ إنما قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "عليّ منّي كهارون من موسى" على التقريب والوزارة والولاية.
قال: أليس هو أفضل؟
فقال له أبو عثمان: أليس الحق متفقاً عليه مختلف فيه؟
قال: نعم:
قال: فقلت له: قد ملكت مدائن كثيرة قبل مدينتنا هذه –وهي أعظم مدينة-واستفاض الخبر عنك أنك لم تكره أحدًا خالفك في مذهبك على الدخول فيه فسلك بنا مسلك غيرنا.
فألح عليه بعض أصحابه في قصدنا.
فقال لهم: نقول كما قال شعيب: }وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آَمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ { [الأعراف/87]
ثم نهضنا.([19] )
تمت المناظرة
[1] أخرجه أحمد ( 4 / 126 ) و ابن ماجه ( 43 ) و الحاكم ( 1 / 96 ) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة؛ برقم: 937.

[2] وهذا ليس من باب القومية والجهوية، ولكن من باب الإنصاف والحكمة والأدب مع علمائنا.

[3] ينظر في ترجمته: طبقات النحويين واللغويين لأبي بكر محمد بن الحسن الزُّبيدي الأندلسي ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم-ط 2: دار المعارف ص239برقم: 179 / سير أعلام النبلاء لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق: أكرم البوشيى وخرج أحاديثه شعيب الارنؤوط ط: مؤسسة الرسالة، ط9: 1413 هـ /1993 م، (ج 14 / ص205/ 206)/ معجم الأدباء إرشاد الأريب إلى معرفةِ الأديب، تأليف: ياقوت الحموي الرّومي- تحقيق: د.إحسان عباس-ط 1: 1993م، دار الغرب الإسلامي،ص1373رقم:545 / الوافي بالوفيات تأليف:صلاح الدّين خليل بن ايبك الصّفَدي(ت:764هـ)-تحقيق: أحمد الأرناؤوط و تركي مصطفى-ط1/2000م: دار إحياء التراث العربي-ج 15 ص 112برقم:4818/ بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة/ جلال الدين السيوطي؛تحقيق:محمد أبو الفضل إبراهيم-ط3: 1979م؛دار الفكر- ج1ص589برقم:1241/ كتاب طبقات علماء إفريقية تأليف أبي العَرَب محمَّد بن احمد بن تميم ومعه كتاب طبقات علماء إفريقية تأليف محمد بن الحارث بن أسد الخشني ومعه كتاب طبقات علماء تونس تأليف أبي العَرَب محمَّد بن احمد بن تميم./دار الكتب البناني-بيروت-الجزء 6 ص198؛/ كتاب رياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية، تأليف: أبي بكر عبد الله بن محمد المالكي؛ -تحقيق: بشير البكوش؛ ط: دار الغرب الإسلامي-ط 2:1414هـ/1994م؛ ج2ص57/ البيان المغرب في أخبار الأندلس و المغرب - (ج 1 / ص 73).

[4] أورده الصّفدي ضمن من اسمه "سعد" وتبعه من تبعه والأصل سعيد كما ذكرته المصادر الأخرى.

[5] سير أعلام النبلاء - (ج 14 ص 206).

[6] وممن ذكر مؤلفاته: الوافي بالوفيات - (15 ص 112)؛ هدية العارفين - (ج 1ص 201)؛ إيضاح المكنون - (ج 1 ص 73؛ج1 ص 124) ؛ معجم المؤلفين - (ج 4 ص 213).

[7] نفس المصدر: - (ج 14 ص 206).

[8] طبقات النحويين واللغويين، للزُّبيدي ص239.

[9] نفس المصدر:ص239/240.

[10] كتاب طبقات علماء إفريقية تأليف محمد بن الحارث بن أسد الخشني، لأحمد بن محمد الطلمنكي ج6 ص199.

[11] أخرج الامام أحمد في " مسنده " 2 / 372 عن سفيان، ثنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن أبي عبيد، عن ميمون قال: قال زيد بن أرقم وأنا أسمع: نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بواد يقال له: وادي خم، فأمر بالصلاة، فصلاها بهجير، قال: فخطبنا وظلل لرسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فقال: ألستم تعلمون، أو لستم تشهدون أني أولى بكل مؤمن من نفسه ؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فإن عليا مولاه للهم عاد من عاداه، ووال من والاه ". وإسناده صحيح. وقد أخرجه الألباني في الصحيحة برقم: 1750.

[12] ذكر هذه القصة الذهبي في سير أعلام النبلاء - (ج 14 ص 206)، و أبو بكر عبد الله بن محمد المالكي في كتاب رياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية،- (ج2ص58).


[13] البيت لذي الرمة، وهو في ديوانه ص 8 من قصيدته التي مطلعها:
ما بال عينك منها الماء ينسكب كأنه من كلى مفرية سرب.

[14] إنما ثبت بلفظ عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر رضي الله عنه أربعين. متفق عليه.

[15] أخرجه مالك: 2 / 55 في الأشربة: باب الحد في الخمر من طريق ثور بن زيد الديلي " أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل، فقال له علي: نرى أن نجلده ثمانين، فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هدى افترى أو كما قال فجلد عمر في الخمر ثمانين ". قال الحافظ في " تلخيص الحبير " 4 / 75: وهو منقطع، لان ثورا لم يلحق عمر بلا خلاف، لكن وصله النسائي في " الكبرى "، والحاكم: 4 / 375 من وجه آخر عن ثور، عن عكرمة، عن ابن عباس.

[16] هو قطعة من حديث أخرجه الترمذي (3791) وابن ماجه (154) من طريق عبد الوهاب الثقفي، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقضاهم علي، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإن لكل أمة أمينا، وإن أمين هذه الامة أبو عبيدة بن الجراح ". وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن حبان (2218) والحاكم: 3 / 422 ووافقه الذهبي، قد أخرجه الألباني في السلسلة برقم: 1224. قال الشيخ مشهور آل سلمان في التعليق على الحديث في الطبعة التي اعتنى بها من طبع دار المعارف: ((الصواب أنه مرسل، عدا ذكر أبي عبيدة، قاله الحاكم في "المعرفة"، والخطيب في " الفصل للوصل " وجمعٌ، وذكرت كلامهم، وقرأته على شيخنا الألباني - رحمه الله - في مكتبه و أقرَّني على ما توصلت إليه ـ وكان ذلك بعد هذا التصحيح ـ وعلق تضعيفه بخطه على هامش الثالث من الصحيحة)) اهـ

[17] ديوان الأعشى 73.

[18] أخرجه البخاري: 8 / 86 في المغازي: باب غزوة تبوك، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب مناقب علي بن أبي طالب، ومسلم (2404) في فضائل الصحابة: باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه من طريق شعبة، عن الحكم، عن مصعب بن سعد، عن أبيه سعد بن أبي وقاص قال: خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك.فقال: يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان ؟ فقال: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ ! غير أنه لا نبي بعدي ".

[19] القصة ذكرها صاحب كتاب رياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية،ج2ص 57 بتمامها؛ وذكرها صاحب كتاب طبقات علماء إفريقية، ج6ص202 المجلس الثاني؛ وذكرها الذهبي في سير أعلام النبلاء ج 14 ص 206. أغفل بعض الزيادات.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17 Feb 2013, 08:32 AM
عبد الصمد بن أحمد السلمي عبد الصمد بن أحمد السلمي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Feb 2012
الدولة: في بلد ممتدة أرجاؤه...وطيب هواءه وماؤه
المشاركات: 351
افتراضي

رأيت في كتاب التهامي عن (جهود علماء الماكية في العقيدة) إشارة إلى أن كتابه (الاستواء) موجود في تونس مخطوطا ، وقد نقل منه بعض الباحثين التونسيين ..
وذكر كتبا عقدية أخرى في القدر وغيره لعلماء المالكية قبل الأشعري


فمن لديه مزيد علم عن الموضوع؟
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, مناظرةأبوعثمان للرافضي, ردود

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013