منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 02 Apr 2013, 02:10 PM
أبو يونس دراوي لعرج أبو يونس دراوي لعرج غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
الدولة: الجزائر
المشاركات: 153
افتراضي تفريغ محاضرة بعنوان عجز الثقات لفضيلة الشيخ الهمام محمد سعيد الرسلان

عَجْزُ الثِّقَاتِ .....
الاثنين 25 من رمضان 1433
الموافق ل 13-08-2012
لفضيلة الشيخ الهمام
أبو عبد الله مـحـمـد بن سعـيـد الرسـلان
حـفـظـه الله تعـالـى





قام بتفرغها
أبو يونس لعرج بن محمد دراوي الفرندي الجزائري
غفر الله له و لوالديه




بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الْحَمْدَ لله، نَحمَدُهُ، وَنَستَعِينُهُ، وَنَستَغفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِالله مِن شُرُورِ أَنفُسِنَا ومِن َسَيِّئَاتِ أَعمَالِنا، مَن يَهدِهِ الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَن يُضلِل فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشهَدُ أَن لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَم
أمَّا بَعد
فَإِنَّ أَصدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيرَ الهَدي هَديُ مُحَمَّدٍ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَم ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحدَثَةٍ بِدعَةٌ وَكُلَّ بِدعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلالةٍ فِي النَّارِ
أمَّا بَعْدُ
فَيَقُولُ الشَاعِرُ القَدِيْم
وَلَمْ أَرَى فِي عُيُوبِي النَّاسِ عَيْبا ً كَنَقْصِ القَادِرِيْنَ عَلَى التَمَامِ
هَذَا الشَاعِرُ يُقرِرُ حَقِيْقَة مِنَ الحَقائـِق الَّتِي لا يُمَارِي فِيهَا عَاقِل ، وهَذِهِ الحَقِيقَة هِي أَنَّ أَكْبَرَ عُيُوبِ المَرْءِ ، أَنْ يُأْتِيَهُ الله تَبِارَكَ وَتَعَالَى مِنَ الأَدَوَاتِ و الوسَائِلِ ، وأَنَّ يَمُنَ عَلَيْهِ مِنَ المَقْدِرَةِ و القُدْرَةِ بِمَا يَسْتَطِيْعُ بِهِ أَنْ يَتِمَ تَمَامُهُ ، و مَعَ ذَلِكَ فَلَا يَتِمُ
وَلَمْ أَرَى فِي عُيُوبِي النَّاسِ عَيْبا ً كَنَقْصِ القَادِرِيْنَ عَلَى التَمَامِ
لأَنَ هَذَا إِنَّمَا يَرْجِعْ فِي النِهَايَةِ إِلى العَجْز ، و الله تَبَارَكَ وتَعَالَى يُبْغِضُ العَجْزَ و يَكُرَهُهُ ، لأَنَ الِإنْسَانَ إِذَا آتَاهُ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى قُدْرَةً عَلَى أَنْ يَكُونَ خَيْراً و نَافِعاً و صَالِحاً و مُجْتَهِداً و مُتَعَلِماً و عَالِماً فَفَرَطَ فِي هَذَا كُلِهِ و رَضِيَ بِالدُون ، فَهَذِهِ دَلاَلَةٌ خَطِيرَةٌ و قَاطِعَةٌ عَلَى أَنَّ هُنَالِكَ خَلَلاً مَا فِي فِطْرَتِهِ ، أَصَابَ هَذِهِ الفِطْرَةَ هَذَا الخَلَل فَحَرَفَهَا عَن مَا يَنْبَغِي أَن تَكُون عَلَيْهِ .
تَعْلَمُونَ بَارَكَ الله فِيْكُمْ ، قِصَةَ المَلِك الذي اتخَذَ حَوضاً ، ثم أَرْسَلَ مُنَادِيَهُ لِيُنَادِي فِي المَدِينَةِ ، أَن اللَبَانِيْنَ إذا اسْتَطَاعُوا أن يَمْلَؤُ الحَوضَ لَبَناً مَعَ شُرُوقِ الشَمْسِ ، فَلِكُلٍ جَائِزَةٌ سَنِيَة لا تَدُورُ لَهُ عَلَى بَال .
اجْتَمَعَ اللَبَانُونَ و اتَفَقُوا بَيْنَهُم ، و كانوا كَثِيرين على أن يَأْتِيَ كل منهم بِدَلْوٍ من لَبَن لِيَسْكُبَهُ في الحوض ، و قَدَرُ لِكَثْرَتِهِم أن كُلاً لو فَعَلَ ذلك ، و أن كُلَ واحدٍ لَو أَتَى بِدَلْوٍ واحدٍ فَجَعَلَهُ في الحَوض ، فََاِنَهُ مَعَ شُرَوقِ الشَمْسِ سَيَكُونُ الحَوضِ قَدْ أُتْرِعَ و قَدْ امْتَلأَ ، غَيْرَ أَنَّ النَاسَ تَأْتِيهِمْ أُمُورٌ كَمَا مَرَ فِي بَيْتِ الشَاعِر القَدِيْم.
وَلَمْ أَرَى فِي عُيُوبِي النَّاسِ عَيْبا ً كَنَقْصِ القَادِرِيْنَ عَلَى التَمَامِ
تَأْتِي للنَاسِ أُمُورٌ ، فَتَقْعُدُ بِهِمْ عن مُحَاوَلَةِ أَنْ يَصِلُوا إِلى خَيْرٍ مِمَا هُم عَلَيْه ، فَمَا تَزَالُ هَذِهِ الأُمُور تَشُدُهُم إِلى أَسْفَل ، و النَاسُ يَرْتَقُونَ مِنْ حَولِهِم ، و هُم إِلى الأَسْفَل مُنْصَبُون مُنْحَدِرُون .
فَكَر وَاحِدً مِنَ اللَبَانِينَ بِطَرِيقَةٍ مُخْتَلِفَة ، قَالَ لِنَفْسِهِ إِنَنَا قَدْ اتَعَدْناَ فِيماَ بَينَناَ و تَوَاعَدْناَ ، عَلَى أَنْ نَجْعَلَ اللَيلَ و هو سَاتِرٌ و لِبَاس ، مَحلاً لِحَرَكَتِنا بِأَخذِ دِلاءِ اللَبَنِ إِلى حَوضِ المَلِك ، إِذاً هَذَا الظَلام يَسْتُرُنا ، فَلَو أَني أَخَذْتُ دَلْواً من مَاءٍ لا دَلْواً من لَبَن ، فَجَعَلْتُهُ في الحَوضِ فَمَا يَبْلُغُ دَلْوِي في دِلاءِ إِخْواني من اللَبَانِين وهم كَثِيرُونَ ، ما يَبْلُغُ دَلْوِي إذا كان من ماء في وَسَطِ هذه الدِلاء التي لا تُحْصَى كَثْرَةً ، فإذا ما جُعِلَ هَذَا كُلَهُ في الحوض فَلَنْ يَظْهَرَ لِمَا صَنَعْتَ أَثَر ، فَكَرَ هَذا اللَبَان بِهَذِهِ الطَرِيقَة فَأَخَذَ دَلْواً من ماءٍ يَسْتُرُهُ اللَيلُ بِلِبَاسِهِ الأَسْود ، وذَهَبَ اللَبَانُونَ كُلٌ يَأْتِي من كُلِ صَوبٍ يَجْعَلُ دَلْوَهُ مُفْرَغاً في حوض الملك ، لَمَّا أَشْرَقَتْ الشَمْس جَاءَ المَلِك و انْتَحَى اللَبَانُونَ نَاحِيَةً من أَجْلِ أَنْ يُعَايِنَ حَوضَهُ ، فإذا ما وَجَدَ الأَمْرُ كَمَا طَلَبَ فَإنَهُ يُنْفِذُ حِينَئِذٍ وَعْدَهُ الذي وَعَدَ جَاءَ الملك ومَعَهُ وَزِيرُهُ و الحَاشِيَةُ فَنَظَرَ مُطَلِعًا في الحَوضِ ، فَإِذا هو قد امْتَلأَ بِالمَاءِ و لا أَثَرَ للَبَنِ فِيْهِ ، مِنْ أَيْنَ أَتَى هَذَا المَاء أَتَََََََى من أَنَ كُلَ وَاحدٍ من اللَبَانِيْنَ فَكَرَ بِنَفْسِ الطَرِيقَة أو بالطَرِيقَةِ نَفْسِهَا التي فَكَرَ بها الرَجُل الذي أَتَى بِدَلْوِ المَاءِ ، كُلٌ يَقُولُ لِنَفْسِه ما يَبْلُغُ دَلْوِي في الدِلاَء.
النََبِيُ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم أَتَى لنَا بِمَثَلٍ هو أَكْرَمُ مِنْ هَذَا وأَفْضَل ، و بَيَّنَ لَنَا فِيهِ نَبِيُنَا صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم مَا هو أَحْلَى و أَجْمَلُ و أَكْمَلُ ، قَالَ النَبِيُ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم: إِيَاكُمْ و مُحَقَرَاتِ الذُنُوب قَالُوا: و ما مُحَقَرَاتُ الذَنُوب يَا رَسُولَ الله ، فَضَرَبَ لَهَا مَثَلاً صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم قَالَ: إِنَمَا مَثَلُ مُحَقَرَاتِ الذُنُوب كَمَثَلِ قَومٍ نَزَلُوا أَرْضاً فَأَرَادُوا أَن يُشْعِلُوا نَاراً لِيُنْضِجُوا طَعَامَهُم و خُبْزَهُم قَالَ رَسُولُ الله صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم فَذَهَبَ هَذَا فَأَتَى بِعُودٍ وذَهَبَ هَذَا فَأَتَى بِعُودٍ وذَهَبَ هَذَا فَأَتَى بِعُودٍ ، حَتَى جَمَعُوا حَطَباً فَأَوقَدُوا فِيه نَاراً فَأَنْضَجًوا خُبْزَتَهُم ، وإِنَمَا مَثَلُ مُحَقَرَاتِ الذُنُوب كَمَثَلِ هَذَا الحَطِب إِذَا اجْتَمَعَتْ عَلَى المَرْءِ أَهْلَكَتْهُ ، فَالإِنْسَانُ قَدْ يَحْتَقِرُ ذَنْبَهُ وَلاَ يَعُدُهُ شَيْئا ،ً فَمَا يَزَالُ ذَنْبٌ مُحْتَقَرٌ يُجْمَعُ إِلَى ذَنْبٍ مُحْتَقَرٍ ، تَمَاماً كَصَاحِبِ الحَطَب يَأْتِي بِالعُود و يَأْتِي الآخَرُ بِالعُود حَتَى يَجْتَمِعَ كَوْمٌ مِنَ حَطَبٍ ، فَإِذَا أُوقِدَ فِِي هَذَا الحَطَبِ النَار فَإِنَهَا لا شَكَ تَحْرِقُ مَا يُوضَعُ فِيْهَا أو تُنْضِجُهُ ، كَذَلِكَ قَالَ رَسُولُ الله صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم ، إِيَّاكُمْ و مُحَقَرَاتِ الذُنُوب يَعْنِي حَذَار أَن تَنْظُرَ لِذَنْبٍ بِعَيْنِ الاحْتِقَار ، فَإِن النَّبِي صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَم رَهَبَ مِنْ هَذَا مَعَ أَنَّ المَثَلَ المَضْرُوب فِي هَذَا الحَدِيث ، و هو حَدِيثٌ ثَابِتٌ صَحِيح ، المَثَلُ المَضْرُوب هَا هُنَا لاِجْتِمَاعِ مَا يَحْتَقِرُهُ المَرْءُ مِن ذُنُوبِهِ فَإِنَهَا لاِجْتِمَاعِهَا تَمَاماً كَصَاحِبِ الحَطَب ، يَأْتِي بِالعُود و صَاحِبُهُ يَأْتِي بِالعُود حَتَى يُشْعِلُوا نَاراً ، فَهَذَا مَثَلٌ لاِجْتِمَاعِ مُحَقَرَاتِ الذُنُوب ، إِلا أَنَّ النَّبِيَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم ، أَخْبَرَنَا أَنَّ ذَنْباً مُحْتَقَراً وَاحِداً وهَذَا الذَنْبُ المُحْتَقَرُ الوَاحِدُ لاَ يُجْمَعُ إِلَيْهِ ذَنْبٌ آخَرُ سوَاءٌ كَانَ مُحْتَقَراً أَمْ لَمْ يَكًنْ ، و هَذَا الذَنْبُ الوَاحِدُ الذِي قَدْ يَحْتَقِرُهُ الإنْسَانُ وَلاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ لاَ يَحْتَاجُ إِلَى جمَْعِ مُحَتَقَرٍ مَعَهُ حتََى يَكُونَ كَصَاحِبِ الحَطَبِ ، و إِنَمَا يَكْفِي هو وَحْدَهُ مِن أَجْلِ يَصْلَى الإنْسَانُ النَارَ نَسْأَلُ اللهَ السَلاَمَةَ و العَافِيَة.
قال رسول الله صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم :و إِنِ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَمُ بِالكَلِمَةِ لا يُلْقِي لها بَالاً يَبْلُغُ بها في النار أَبْعَدَ مما بين السماء و الأرض ، و إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يَتَبَيَنُ فيها ، و في رِوَايَةٍ يُضْحِكُ بها جُلَسَاءَهُ ، يكتب الله تبارك و تعالى عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه ، إذاً هي كلمة تخرج لا يَتَبَيَنُ فيها أو يُرِيدُ أَنْ يُضْحِكَ بها جُلَسَاءَهُ ، كما يقول الناس في أمثالهم إن القَافِيَةَََ قد حَبَكَتْ فَأَخْرَجَ الكلمة هكذا لِيُضْحِكَ جُلَسَاءَهُ ، يَكْتُبُ الله تبارك و تعالى عليه بهذه الكلمة سخطه إلى يوم يَلْقَاه ، و في رواية يَهْوِي بها في النَّار أَبْعَدَ مما بين السماء و الأرض ، أو قال أربعين خريفاً ، وإن الرَّجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يُلقي لها بالاً ، ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له، في الكلمة الأولى التي هي من سخط الله يكتب عليه بها، وأما من رضوان الله يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه ، وتأمل في قول رسول الله صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَم لا يلقي لها باَلاً يتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يُلقي لها بَالاً ، إِذاً على المسلم إذا كان كيساً و كان عاقلاً و يُرِيدُ آخِرَتَهُ و يريد أن لا يُضَيْعَ حَيَاتَهُ البَاقِيَة ، إِذَا كان الإنسان حَرِيصاً على آخرتِهِ شَحِيحاً بِدِينِهِ ضَنِيناً بِيَقِينِهِ فَيَجِبُ عليه أن يجتهد في أن لا يحتقر ذنباً ، و إذا ما هم بذنبٍ فعليه أن لا يَنْظُرَ إلى صِغَرِ الذَنْبِ الذي يَهُمُ بِارْتِكَابِهِ و عليه أن يَنْظُرَ إلى عَظَمَةِ من يَعْصِي ، فلا تَنْظُرنْ إلى صِغَرِ المعصية و لكن تَأَمَل في جَلِيلِي قَدْرِ و عظيم جَلالِ رَبِكَ الذي تَعْصِيه ، بِتِلكَ المعصية فإن الإنسان إذا تأمل في ذلك أحدث له ذكراً وفكراً ، وتَوقَفَ عند حُدُودِ ما أنزل الله على رسوله صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم.
النبي صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم كَانَ إِذَا مَا أَخْطَأَ وَاحِدٌ من أَصْحَابِهِ، فِإِنَهُ كان يَعَاقِبُهُ على قَدْرِ ما آتَاهُ الله تَبَارَكَ و تَعَالَى من اليَقِين و الإيمان ، وكان النبي صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم ربما طَيَبَ خاطر المنافقين و لم يحمل عليهم ، كما هو معلوم في قصة الثلاثة الذين خلفوا ، فهؤلاء كانوا من أهل الصِدق ومن أهل اليقين ، فلما جاؤا معترفين وَكَلَهُمْ الرسول صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم إلى صِدْقهم و أَحَالَهُم إلى غُفران ربهم ،فلم يقضي فيهم بشيء أَمَّ الذين جاؤا فاعتذروا و كانوا كاذبين فقد قَبِلَ منهم مَعْذِرَتَهم صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم و لا يخفى عليه حالهم، مازال الأمر يشتد على الثلاثة الذين خُلِفُوا حتى ضاقت عليهم أنفسهم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، كما ذكر الله رب العالمين في وصف حالهم، حتى قال كعب بن مالك من شدة ما وجد ، لأن التربية النبوية بل التربية الإلهية تصنع الرجال ،و ما أحوج هذا العصر الذي نحيا فيه ما أحوجه إلى أولئك الرجال ،لأن الله تبارك و تعالى قضى و قدر أن نحيا في عصر يموج العالم فيه بالبدع بل بالشرك و الإلحاد والكفر موج البحر و المسلم فيه غريب ، غريب يتلدد على مثل الجمر، الرسول صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَم مع الصادقين، كما وصفهم الله رب العالمين ، فإن الله تبارك و تعالى أمرنا بأن نكون مع الصادقين ، وهؤلاء كانوا من الصادقين رضي الله تبارك و تعالى عنهم ، وَكَلهم الرسول صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم إلى صدقهم ، حتى تَنْزِلَ توبتهم من الله ، قد يَعْجَبُ المرء و يقول الذي يصدق ويعود تائبا منيباً يُصنع به هذا و الذي يكذب يُصنع به هذا و شتان ما بين الصنيعين ،فإن الرسول صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم مازال يحصرهم حتى حصرهم في جلودهم، فإن النبي صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم مَنَعَ المسلمين أولاً من مُخَالَطَتِهِم ،ثم بعد ذلك ضُيْقَتْ الدائرة بعض التضييق فَمُنِعُوا من أهليهم ، لا يَخْلُصُ واحدٌ منهم إلى امرأته، ثم مازال التضيق يزداد على أولئك الصادقين الذين صَدَقُوا مع الله رب العالمين و مع رسوله الأمين صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم، حتى كان هو لا يدري الواحدُ منهم هل يرد عليه السلام أو لا، كما قال كعب رضي الله عنه فأُسلم عليه فلا أدري رد علي السلام أو لا، قال و أقوم أصلي بمقربة منه فإذا ما نظرت إلى الأرض مثلاً و هو يصلي متشاغلا عن النبي ظاهرا رفع النبي صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم بصره و رمقه، قال فإذا ما نظرة إليه خفض بصره صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم، ثم ما زال البلاء يشتد في صنع الرجال حتى جاء إلى كعب رضي الله عنه كتاب ملك غسان، قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك و لست بأرض مضيعة فلحق بنا نواسك، بلاءٌ من بعد بلاء المسألة ليست راجعة إلى الكرامة ليست راجعة إلى العزة، المسألة ليست راجعة إلى تلك الاعتبارات النفسية وإنما هي أمور شرعية، فكعب بن مالك رضي الله عنه لما اعترف و أقر ثم جاءه هذا البلاء و كان أشب القوم فكان يحتاج امرأته ، و أذن النبي صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم لهلال بن أمية وكان قد بلغ من الكبر ما بلغ، أن تكون امرأته عنده حتى لا يضيع، و أم كعب فإنه أُمر باعتزال امرأته وكان أشب القوم رضي الله تبارك و تعالى عنه، فما يزال البلاء يضيق به حتى صهره هذا البلاء ،أتاه هذا الخطاب و الخطاب يثير فيه نخوة تكون عند العربي جامحة كأن كرامته لا جُرِحَتْ بل سحقت، فيأتيه هذا الكتاب أي الخطاب من ملك غسان بلغنا أن صاحبك قد جفاك و لست بأرض مضيعة فلحق بنا نواسك ،يعني فأتي إلينا نحن نعرف قدرك و سنجعلك في منزلتك وأم صاحبك فقد جفاك، هذا الملك لا يعرف شيءً، لأنه لم يدخل الإيمان قلبه، و أم كعب رضي الله عنه فإنه أخذ الكتاب لم جاءه من ملك غسان و قال هذا والله من البلاء، ثم يمم به أي قصد التنور فجعله في النار إلى أن أنزل الله تبارك و تعالى توبته على كعب و صاحبيه رضي الله عنهم، كان كعب في ظل ظليل وفي ماء نمير و عند زوجة بل أكثر ناعمة يحب قربها ،و الغزوة هي غزوة العسرة و كان النبي صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم و صحبه رضي الله عنهم قد لَقُوا من تلك ما لَقَوا، حتى إن الصحابة رضي الله عنهم إِنْتُقِبَتْ أقدامهم ،و كانوا يَلُفُونَ على أقدامهم خِرَقاً، و لك أن تتصور هذا، بل كانوا يتناوبون النوة، فقال قائل ما تصنعون بالنوة قال يمصها يستحلب بها ريقه، فإذا ما وقع ذلك أعطاه صاحبه و هذا من المثير الميكانيكي كما يقولون، هذا مثير ظاهركما لو وضع الإنسان أي شيء و لو كان صُلبا في فمه فهذا يثير الغدد اللعابية من أجل الإفراز، وأم هو فإنه يجد مشقة عظيمة مما وصل إليه جفاف ريقه، فكان الواحد منهم يأخذ النواة مرحلة ثم يعطيها لصاحبه، وكعب و صاحباه و من تخلف كانوا في المدينة في الظل الظليل و الماء العذب النمير و الزوجة الحسنة و الطلعة البهية إلى غير ذلك و قد طابت الثمار، فلما أن تاب الله على كعب رضي الله عنه و على صاحبيه و نزل في ذلك قرآن يتلى إلى يوم القيامة قال كعب رضي الله عنه للنبي صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم، إن من تمام توبتي أن أتصدق بهذا البستان الذي كان سبباً في شُغْلِي عنك، فتصدق به لله تبارك و تعالى، فهذا أَمْرٌ الأمر الثاني أنه عاهد الله تبارك و تعالى على الصدق، قال و إنما نَجَانِي الله تبارك و تعالى بالصدق، و عاهد الله تبارك و تعالى على أن لا يكذب أبدا، فصدق حتى بلغ مرحلة من العمر و كان قد أصابه العمى رضي الله تبارك و تعالى عنه، فكان يقول و أنا قد وفيت بعهدي إلى الآن و أسأل الله أن يمن علي بالوفاء به فيما بقي رضي الله تبارك و تعالى عنه.
الحاصل أن الله تبارك و تعالى يربي أولياءه الله عز و جل يربي أولياءه ،الناس قد يعكسون المسألة يظنون أن الإنسان إذا كان في صحة و عافية ،وإذا كان في مال وفير و رزق كثير و هدوء بال و نعمة ظاهرة إلى غير ذلك مما يُأْتِيْهِ الله تبارك و تعالى الناس في الحياة، يظن أنه ما دام قد أُكْثِرَ له من ذلك أنه من الله بمكان، و هذا خطأ بين فإن النبي صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَم لما جاءه الرجل و سأله، لأنه وجده متماسك البنيان قوي في عافية و صحة و قوة، فقال له الرسول صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم، أصدعت قط، هل أصابك الصداع، فقال يا رسول الله و ما الصداع، لا يعرف الصداع، فعرفه الرسول صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم ما هو الصداع، فقال لا ما صدعت في حياتي قط، قال أما حُمِمْتَ قط ، فقال و ما الحمى يا رسول الله، فأخبره النبي بالحمى، فقال لا ماحُمِمْتُ قط، فسكت الرسول صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم، ثم قام الرجل بعد حين فانصرف ،فقال النبي صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم لمن كان حاضرا من أصحابه رضي الله عنهم، من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا، لما جاءت المرأة بابنتها إلى النبي صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم تعرضها عليه فأخذت تعدد مناقبها، فتقول يا رسول الله إن فيها كذا و كذا و كذا وكذا، حتى قالت وإنها لم تصب بشيء قط يعني ما مرضت أبدا، قال خذيها لا حاجت لنا فيها خذيها لا حاجت لنا فيها، الناس يعكسون المسائل، إن الله تبارك و تعالى يربي أولياءه من لم تحترق له بداية فلن تشرق له نهاية، ما منا من أحد إلا و فيه عيب بل فيه عيوب وكفى بالمرء نبلا أن تعد مَعَايِبُهُ ،يعني إذا استطعت أن تعد مَعَايِبَ إنسان فهذا رجل نبيل و خلقه خلق كريم وقد أحسن الله و أجزل له العطاء، أم إذا كانت معايبه لا تُعد و هذا هو الغالب فينا إذا كانت المعايب لا تعد، فهذا ليس بشيء و لكن كفى بالمرء نبلا أن تُعد معايبه ،يعني أن نستطيع حصرها أم إذا كانت بلا حصر فهذا شيء آخر، فما منا من أحد إلا و هو مُنْطَوٍ على عيوب هو يعلمها، المشكل أنه أحيانا لا يعلمها، و الأطباء يقررون أنه لا يمكن الوصول إلى العلاج الصحيح إلا بالتشخيص الصحيح، و أخطر ما في المسألة هو ما يتعلق بالتشخيص إصابة و خطأ، لأن الطبيب إذا كان غير مصيب في تشخيص مرض مريضه فإنه سيصف له دواء لا يزيده إلا بلاء ،فيكلفه مالا و يمكن للمرض من بدنه و يؤخر عليه فرصة الشفاء إلى غير ذلك من البلاء، و كل ذلك لأنه أعطى علاجا لم يصب هذا العلاج التشخيص لأنه جهل تشخيص مريضه، فالتشخيص من أهم ما يكون، الإنسان يمكن أن يعرف علاجات كثيرة لأمراض كثيرة و لكن هل هذه الأمراض فِيَّا أو ليست فِيْ، حتى يكون الدواء مطابقا للداء، كما قال رسول الله صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم فإذا أصيب دواء الداء برء بأذن الله ،المهم أن يصيب الدواء الداء حتى يأتي البُرء و الشفاء، و أم إذا لم يصب الدواء الداء فلبد من أن تقع كثير من المآسي عند علاج هذا المريض، الآن كل منا مريض عنده أمراض ظاهرو لا يخلو إنسان من مرض عضويٍ بدنِيْ، و لا يخلو إنسان من أمراض تتعلق يقلبه و روحه، و هذه أخطر لأن ما تعلق بالروح و ما تعلق بالقلب فهو متعلق بالآخرة ،و ما تعلق بالبدن فهو متعلق بالدنيا و الفرق بينهما كالفرق بين الدنيا و الآخرة، إذاً أمراض القلب من أخطر ما يكون بل هي أخطر الأمراض التي تصيب الإنسان، الإنسان ينبغي عليه أن يُشخص أمراضه و هذا لا يمكن أن يتأتى إلا بأن يخلو الإنسان بنفسه، و أن يكون صريحا و واضحا و إذا ما وضع يده على مكمن الداء فيه فالعلاج يسير بفضل الله العلي الكبير، لأنه مبذول في الكتاب و السنة و لكن الإنسان يتعامى أحيانا و يتغافل عن أنه مريض بهذا الداء ،و هو يعلم دواء هذا الداء و لكن هو ينكر أن يكون مصابا به و هذه هي المحنة الكبرى و المأساة العظمى، أن الإنسان يكون جاهلا بمرضه فيرتع هذا المرض في قلبه و يفسد عليه روحه و العلاج منه دان و الدواء منه على طرف البنان، و لكنه هو لا يعلم أنه مريض و هذا من أخطر ما يكون ،على الإنسان أن يجتهد في معرفة عيب نفسه فإذا ما وضع يده على مكمن الداء فيه فليستعمل أدوية الكتاب والسنة و ليصبر، لأن الأمور قد تتحول إلى طبع ،و الطباع لا يمكن تحويلها بيسر، فالإنسان أحيانا ينشأ على طباع معينة قد يكون الإنسان قد نشأ في بيئة جدلية بين أبوين لا يحسنان إلا الجدل، لا يستطيعان أن يتفاهما و لا أن يتحاورا و لا أن يعرضا مشكلة من المشكلات على بساط البحث، بما يمكن أن يؤدي إلى الوصول إلى حل و إنما هو جدال أو نقار كنقار الديوك و صَخَبٌ و أمور لا تحمد ،ينشأ ناشئ الفتيان على أمثال هذه العادات فتتركز فيه تلك الآفات، فيصير ذا عقلية جدلية بعد حين فإذا كان في طبعه أصلا ميلٌ إلى الجدل و قَوَّتْ تلك الطبيعة فيه هذه الممارسة العملية للجِدال، بين أبوين لا يحسنان إلا الجدال و لا يتفقان بحال ،مع أن هنالك من البيوت ما يتم فيه التفاهم بنظرة العين، بنظرة العين يكون التفاهم، تكون بيوتا هادئة تتنزل عليها الرحمات، و تبعد عنها الآفات، و تستقر فيها تلك اللحظات الساكنة الرخية الهنية، التي ليست من الدنيا و إنما هي من أمور الآخرة، ينشأ الإنسان أحيانا في مثل هذه البيئة الجدلية فيعتاد الجدل، المهم في هذا كله أن يعلم أنه مجادل أو أنه مجادل عنيد، إذا عرفتُ ذلك في نفسي فأنا أجتهد في علاجه هل بعد ما قد اشتد العود على تلك الآفة يمكن أن يعتدل الحال، نعم يعتدل الحال بفضل الله ،كان الصحابة رضوان الله عليهم قبل إسلامهم كافرين مشركين يعبدون الأصنام يَئِدُونَ البنات، ليسو جميعا كانوا كذلك ولكن منهم كذلك من يشرب الخمر و ربما يقع في الفاحشة و ليس بعد الكفر ذنب، فلم أن مَنَّ الله تعالى عليهم بالإسلام خرجوا من هذا كله ،و هم خير جيل من أجيال البشرية و صحب النبي صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم، هم الجيل المثالي خير من الحوارين و خير من النُقَبَاء مع موسى، و خير ممن نجا مع نوح، خير الخلق و الخليقة بعد الأنبياء و المرسلين، كانوا من قبل على أي صورة كانوا كافرين في جاهلية جهلاء و في ظلمة عمياء، حتى من الله تبارك و تعالى عليهم بالحياة و النور فتغيروا، المشكلة كلها أن الإنسان لا يريد أن يتغير، ليس هناك شيء عصي على التغير، ليس هناك شيء يستعص على التغير بفضل الله العلي الكبير، المهم أن الإنسان ينبغي عليه أن يبحث عن عيوبه و أن يفتش عن آفات قلبه، فإذا وضع يده على مكمن الداء فيه فليستعمل أدوية الكتاب و السنة و ليصبر، كالمرض العضوي بل هذا أشد، المرض العضوي إذا أصيب دواء دائه لا يبرأ في لحظة قد يحتاج وقتا حتى يعمل هذا الدواء في ذلك الداء و حتى يُذْهِبَهُ، قد يحتاج هذا أياما أو أسابيع أو شهور و ربما أعواما ،و لكن في النهاية يصل إلى البُرءِ و الشِفَاء يأخذ خطوة إلى الأمام، المرض الذي يتعلق بالقلب و بالطباع يكون مُتَرَكِزاً مُتَجَذِراً في القلب و في الطباع، فكأنما يَخْرُجُ بِخُرُوجِ الرُوحِ و لكن الإنسان ينبغي عليه أن ينظر إلى حديث الرسول صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم ،يعني إذا تكلف الإنسان الحلم و كان غضوبا و كان عجولا و كان مستفزاً و هو يعلم ذلك من نفسه فهو يراقب ذاته و يجتهد فيفشل مرة و مرة و مرة و مرات و عشرات المرات و لكنه يحاول ،إذاً هو على خير و من يتحرى الخير يعطه كما قال الرسول صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَم ،الآن أهل السنة غرباء و هم قليلون بل هم نادرون و الدنيا تموج من حولهم بأعدائهم و هؤلاء الأعداء لا يرقبون فيهم إلاً و لا ذمة يحاربونهم بكل وسيلة شيطانية لا يُراعون فيهم شرف الخصومة، أهل البدع و الحزبيون و المنحرفون أولئك أجمعون لا يرقبون في أهل السنة إلاً و لا ذمة يطاردنهم بالشائعات و بالبهتان و بافتراءات و يضيقون عليهم في كل سبيل، و إذا تمكنوا منهم قتلوهم إلى هذه الدرجة لو تمكنوا منهم قتلوهم يعذبونهم و يستحلون تعذيبهم و يرمونهم بالنفاق تارة و ربما بالكفر تارات ،و أهل السنة لا يلتفتون إلى خطورة ما هم فيه ماذا يصنعون هل يجيشون الجيوش هل يُعِدُونَ العدة و السلاح أبداً ،لأن السلاح الذي آتهم الله تبارك و تعالى إيه أمضى بكثير من تلك الأسلحة التي يمتلكون التوكل على الله و اللُّجْؤُ إلى الله و الدعاء و البكاء أن يجمع الله رب العالمين شمل أهل السنة و أن يألف بين قلوبهم و أن يوحد كلمتهم، يبكي الإنسان بين يدي ربه سائلا و طالبا أن يحفظه و إخوانه من أهل السنة على منهاج النبوة من حقد الحاقدين و حسد الحاسدين و مكر الماكرين و تجاوزات المتجاوزين و بدع المبتدعين ،لأن الأمر جد خطير لماذا أهل البدعة ينقمون من أهل السنة أنهم على السنة ،كثير جداً من المبتدعة من غلاتهم و من كبرائهم و من دعاتهم تأتي عليهم لحظات يتيقنون فيها أنهم على الباطل و أنهم أخطئوا خطأ لا يمكن بحال من الأحوال أن يُستدرك ،و يعلمون الجريرة التي اقترفتها أيديهم و يعلمون الجريمة التي تورطوا فيها و ورطوا فيها الأمة من خلفهم ،تأتي عليهم سويعات أو ساعات أو لحظات يدركون فيها تلك الحقيقة و يرونها عارية مكشوفة ماذا يصنعون، تماماً كالبغايا لا يحببنا شريفة في وسطهن تماماً كاللصوص لا يقبلون رجلاً شريفا بينهم، فما يزال أولئك و هؤلاء في تلوثي أولئك الشرفاء حتى يصيروا مثلهم و حين إذن تقر أعينهم ،لأن وجود الشريف بين اللصوص يفضحهم و لأن وجود العفيفة بين البغايا يفضحهن، فلا يَقِرُ لهؤلاء و لا لهؤلاء قرار حتى يصير هذا كهؤلاء اللصوص و تصير هذه كهؤلاء البغايا، أهل البدع كذلك مع أهل السنة لأن للسنة نوراً ولها سلطان و بيان و لأن للسنة حجة و سلطان فينبغي علينا أن نعرف الوضع الذي أقامنا الله فيه، فنعرف المنة وننظر إلى التقصير و نسير إلى الله رب العالمين بجناحين نطالع المنة و نعترف بتقصيرنا، أبوءُ لك بنعمتك علي و أبوءُ بذنبي، فنشاهد مطالعينا المنة علينا، أبوءُ لك بنعمتك علي أقر و أعترف لك بنعمتك علي، أبوءُ لك بنعمتك علي و يشاهد عيب النفس و تقصيرها و أبوءُ بذنبي و أقر و أعترف بذنبي، يسير إلى الله تبارك و تعالى هكذا فلا تُبْطِرُهُ النعمة إذا نظر إليها مفردةً من غير نظرٍ إلى تقصير نفسه و عيبها، ولا تقعد به تلك النظرة إلى عيب النفس و تقصيرها باليأس إذا لم يشاهد و يطالع المنة ،و لكن يسير متوازناً أهل السنة متوازنون لأنهم أسوياء أهل البدع مرضى مساكين يحتاجون إلى من يأخذ بأيديهم أضلهم الله تبارك و تعالى على علم ، و حفظ الله رب العالمين على أهل السنة دينهم و إيمانهم و يقينهم و ثَبَّتَهُمْ على سنة نبيهم ،فأين الشكر أين الشكر و الشكر لا يكون شكراً إلا بثلاثة أركان اعتراف بالنعمة بالقلب باطنا و لهج بالثناء على المنعم على الإنسان و المُسْدِيْهَا إليه باللسان ظاهراً و تصريف النعمة في مرضات من أنعم على العبد بها، أين هذا الركن الأخير أن نصرف النعمة في مرضات من أنعم علينا بها ،لابد من التوازن بين القوتين القوة العلمية و القوة العملية و إلا فإن الإنسان يكون كطائر مهيض الجناح، له جناح عظيم قوي يَدِفُ به و لا يستطيع أن يرفعه جناحه و غاية ما هنالك أنه يتحرك به شيء و لكنها حركة غير منتظمة ،لأن الجناح الأخر مهيض مكسور فإذا قويت الناحية العلمية و أهملت الناحية العملية كنت كذلك الطائر، و كذلك إذا قويت الناحية العملية و تركت الناحية العلمية تكون كذلك الطائر ،الذي يقوي الناحية العلمية و يُهْمِلُ الناحية العملية يتورط في النفاق و أولئك الذين يعلمون و لا يعملون، و هذا من أكبر الذنوب عند الله لأن الله تبارك و تعالى جعل هذا الذنب محاسباً عليه بطريقة خاصة الذي يقوي الناحبة العملية و يَدَعُ الناحية العلمية يكون مبتدعاً ،كالمجتهدين من العباد يعبدون الله تبارك و تعالى بغير علم، فقووا الناحية العملية على حساب الناحية العلمية فتورطوا في البدعة تورطا، الذين يقون الناحية العلمية على حساب الناحية العملية هؤلاء يتورطون في النفاق لأن أحوالهم و أعمالهم تخالف أقوالهم ،الله رب العالمين إذا من عليك بنعمة تتعلق بالعلم و المقام الأسنى فيه فإن حسابك على الخطأ يكون مضاعفا، يعني إذا وقعت متورطا في شيء ضاعف عليك العقاب و ضاعف عليك الحساب و ذكر لنا رينا تبارك و تعالى ذلك في القرآن المجيد {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} [الإسراء 74- 75 ] لماذا لعظيم قدره ولجليل ما أنعم عليه به ،مع أن الكيدودة المنفية مقللة وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ، هو لم يركن لأن التثبيت منع الركون فلولا كما هو معلوم امتناع لوجود، فلم وجد التثبيت امتنع الركون أصلاً و مع ذلك فهذا الركون المنفي الذي لم يقع هو مقلل أصلاً، لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً و مع ذلك لو وقع لأذقناك ضعف الحياة و ضعف الممات، هل تحسب أن الله عز و جل و قد أنعم عليك بأن أقامك على السنة و على منهاج النبوة أن حسابك يكون كأولئك العوام ،فأين هذه النعمة إذاً التي أنعم الله عليك بها كما هذا النص يدل على ذلك، بل إن الله رب العالمين ذكر أمهات المؤمنين و هن خير النساء رضوان الله عليهن و بين الله رب العالمين أن من أتى منهن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين، مع أن الله قد حَمَاهُنَ و حَرَصَهُنَ من مثل هذه الأمور ،و لكن لأنها لها قدر عظيم هي زوجة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم، فليس العالم حين يتورط في المعاصي كالجاهل حين يتورط في المعاصي، ليس السُنِي السلفي المستقيم على الجادة عندما يتورط في المخالفات و المعاصي كآحاد الناس حينما يتورطون في المخالفات وفي المعاصي، وإلا سوينا بين العلم و الجهل و سوينا بين المحنة و المنحة و سوينا بين النقمة و النعمة، و هذا لا يكون هذا ممتنع و عليه ينبغي أن تعرف ما آتاك الله و ما أقامك فيه ،لقد أقامك في أجل و أسمى ما يمكن أن يقام فيه مسلم في هذا العصر، حماك من البدع و أنقذك منها و أقامك على السنة أتظن أن هذه النعمة لا تحتاج شكراً، تحتاج إلى شكرٍ عظيم فإذا ما تورطت في المعاصي و المخالفات و صار عندك قول يقال و فعل يفعل فالعذاب مضاعف، كما قال الرسول صلى الله عليه و آله و سلم في شأن الذي يعلم الناس و لا يعمل يقول كمثل الشمعة تضيء للناس و تحرق نفسها، الذي يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر و لا يأتمر ولا ينتهي، كما في الحِبِ بن الحِبِ أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما في الرجل الذي يُجَاءُ به يوم القيامة في النار تَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ ،يعني تخرج مصارينه و أمعاؤه من دبره يدور بها كما يدور الحمار برحاه، فَيُطِفُ به أهل النار يجتمعون حوله مع ما هم فيه من العذاب ينظرون هذا الأمر الكائن العجيب فيجتمعوا حوله أهل النار يقولون، يا فلان مالك ألست كنت تأمرنا بالمعروف و تنهانا عن المنكر، بلا كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه و أنهاكم عن المنكر و آتيه فالأمر جد لا هزل فيه ينبغي على الإنسان أن يعرف قدر النعمة التي أنعم الله تعالى بها عليه، و أن يقدر تلك النعمة قدرها و أن يجتهد في شكرها و في الدعوة إليها
و من الأمور التي تحزن أن تتصور هذا المثل الذي أضربه لك، أنت و إخوانك في سفينة و هذه السفينة في بحر لُجِي، تعدو عليها العواصف و تُمْطِرُها السحب بمائها كأفواه القِرَب و البحر عميق ولا يستقر على قرار و القراصنة ينتشرون فيه انتشاراً عظيماً، لا تكاد سفينة من السفن تنجو من أولئك القراصنة و لهم حيلهم و مكرهم، و مع ذلك فالشعب المرجانية التي يمكن أن تأثر في سير السفينة و أن تخرقها من غير علم بربانها متكاثرة أيضاً، و الصخور الناتئة في المياه التي أقرب ما تكون إلى الضُحُولَةِ كأسنان التنانين إذا ما أصابت جسد السفينة الغائص فلابد أن تخرقه، إلى غير ذلك من تلك الأمور و الزاد قليل و الماء نزرٌ يسير ،كل هذه الأمور تحتاج من ركاب السفينة أن يتضافروا و أن يكونوا متيقظين منتبهين واعين للمخاطر التي تحيط بهم، إذا أهملوا هذه المخاطر و أخذوا يعبثون و يلعبون و لا يبالون لو قام فيهم واحدٌ منهم يحذرهم و يقول اتقوا الله تبارك و تعالى فنحن في خطرٍ عظيم علينا أن نلجأ إلى الله و نفزع إليه لينجينا من تلك المخاطر، و يكفي أن القراصنة يحيطون بنا من كل صَوب و إذا ما وقعوا على السفينة أَهْلَكُهَا بمن فيها، فاتقوا الله، في سمرهم يمرحون و في لعبهم يعبثون و في عدم مبالاتهم بالخطر المحيط بهم هم كائنون ،هذا أمرٌ خطير لأن الإنسان إذا ما التفت إلى الخطر المحيط ولم يحدث له ذلك تيقظاً و انتباها فهذا ميت و ليته قد مات جسده فستراح و لكن مات قلبه لا إدراك عنده، على الإنسان أن يجتهد في معرفة ما يحيط به و ليعلم أهل السنة أنهم في خطرٍ عظيم، إذا لم يحرصوا على دينهم و على السنة التي آتاهم الله تبارك و تعالى إيها و أنعم عليهم بها فيفزعوا إلى الله تبارك و تعالى داعين متضرعين أن يحفظ عليهم النعمة و أن يزيدهم منها، إن لم يخافوا على هذا فليخافوا على أنفسهم فليخافوا على أبنائهم و أهليهم فليخافوا على وضعهم في مجتمعهم، إن لم يخافوا على دينهم و يقينهم و آخرتهم إذا لم يلتفت الإنسان و لم يعرف ما يحيط به من المخاطر و الهموم و الأحزان فهذا ميت القلب نُكَبِرُ عليه أربعة، علينا أن ننتبه و أن نتيقظ و أن تكون همتنا عاليه حاول مرة و مرة و مرة لا تطاوع النوم لا تطاوع الغرائز التي تهفو إلى الراحة و تُخلد إليها أتعب نفسك فإنك لا تدري لعل الصحيح أن يمرض ،لعل القوي أن يسقم، لعل الغني أن يفتقر ،لعل الواجد أن يعدم، على الإنسان أن يعلم أن دوام الحال من المحال و أنه مادام في نعمة و عافية فعليه أن ينتهز هذه الفرصة فإنه لا يدري ما يأتي به الغد.
إذا كنت ذا نعمة فرعها فإن المعاصي تزيل النعم
يحذر الإنسان أن تزول النِّعم لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يذرع إلى ربه بأن لا يزيل النعمة عليه {اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك و فجاءت نقمتك و تحول عافيتك و جميع سخطك} ما أكثر ما يفرط أهل السنة في الدعوة إلى الحق والخير، يمكنه الله تبارك و تعالى من الدعوة في مكان فيصيبه داء بني إسرائيل، يُأْتِيهِمْ الله تبارك و تعالى المنة و السلوى فيَمَلون من المن و السلوى و يطلبون البصل و الكُرَاث و العدس و ما أشبه، و يدعون أمثال هذا الطعام الطيب الذي أنعم الله تبارك و تعالى عليهم به ،الإنسان يمل النعمة كما قال العوام و ما زالوا يقولون النعمة على ابن آدم جبل، ما يزال الصحيح يستهين بنعمة الله عليه بالصحة حتى تذهب، ما يزال الغني في حال غناه يستهين بنعمة الله عليه حتى يفتقر، ما يزال الداعي إلى الله يأتيه الله التمكين في المكان فما يزال في ملل و ضجر حتى يزيل الله تبارك و تعالى عنه النعمة و يَنْظُر إليها بعد ذلك في يد كل منحرف و قد مُكِنَ منها و هو منها و عنها مبعد و كل ذلك بما قدمت يداه.
نسأل الله تبارك و تعالى أن يُبَصِرَنَا بحقيقة دِينِنَا و أن يرزقنا حلاوة اليقين و أن يفهمنا حقيقة الدين و أن يرزقنا الهمة المُتَوَثِبَةَ الوضاءة المتألقة التي بها نَصْبُوا إلى معالي الأمور، و نخرج من إلف العادة إلى ما هو مطلوب من تحصيل أسباب السعادة ،والله عز و جلا أسأل أن يوفقكم وأن يرعاكم وأن يبارك فيكم و في عبادتكم و في طاعتكم ،واعلموا بارك الله فيكم و الله يعلم أني أحبكم في الله، و أني أحبكم في الله أكثر مما أُحب أرحامي الذين ليسوا على منهاج النبوة، فأنتم أقرب إليَّ منهم و أعزُّ علي منهم و أحبُّ إليَّ منهم ،لأنكم على منهاج النبوة وهذه الوُصْلَة لها ما لها من القدر و التقدير، أسأل الله أن يجمعنا جميعا في الفردوس الأعلى من الجنة مع نبينا محمد صلى الله عليه و آله و سلم، أتقرب إلى الله بحبكم و الدعاء لي و لكم و أسأل الله تبارك و تعالى أن يوفقني و إياكم لكل خير و أن يجنبني و إياكم كل شر و أن يحسن لي و لكم الختام أجمعين و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله و أصحبه أجمعين
عَجْزُ الثِّقَاتِ .....انتهى و جزاكم الله خيرا
الرابط

http://www.rslan.com/vad/items_details.php?id=3855

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, دعوة, سعيدرسلان, عجزالثقات

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013