فتوى الشيخ يحيى الحجوري فيما يعانيه السلفيون في ليبيا هذه الأيام من اعتقالات وغيره
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
أما بعد
فهذه فتوى شيخنا الناصح الأمين يحيى بن علي الحجوري فيما يلاقيه السلفيون في ليبيا هذه الأيام من اعتقالات وأخذ جوازات سفرهم وتحليق لحاهم وغيره من المضايقات عليهم
نسأل الله أن يثبت إخواننا السلفيين في ليبيا علىالحق الذي هم عليه
إن ربي لسميع الدعاء
هذه الورقة يقول أصحابها: "يلاقي السلفيون في بلادنا في هذه الأيام اعتقالات من كافة الأجهزة الأمنية حتى جهاز المرور والبلدية، بل وصل الأمر إلى المواطن العادي العامي، فله آلية أن يمسك سلفيا ويذهب به إلى أقرب نقطة أمنية فيحلقون له لحيته –لا حول ولا قوة إلا بالله-، ويأخذون منه جواز سفره، ويكتبون عليه تعاهدا ألا يعود إلى مظهره السلفي، مما أدّى إلى خلوّ المساجد من السلفيين واضطرارهم للصلاة في البيوت؛
السؤال: هل يجوز لهم أن يحلقوا لحاهم قبل أن يعتقلوهم حتى لا يؤخذوا منهم جوازات سفرهم ولا -أيضا- يسجنوهم؛
أيضا هل لهم رخصة -والحالة هذه- للصلاة في البيوت؟"
الجواب: هذا يا إخوان لتعلموا أن الاشتراكية غير مأمونة على الدين أبدا، ولا هي راضية عن انتشاره؛ وليبيا الاشتراكية سائدة في أوساط حكومتهم، ولهذا هم يعاملون المسلمين معاملة سيئة، من حين إلى آخر، وإن هدؤوا عنهم وسكتوا عنهم في بعض الأحيان فذلك تربص وانتظار الفرصة المناسبة لسلب المسلمين من دينهم إما شيئا فشيئا وإما على وجه الإجبار، والشيوعية حمقى، وهم فيهم عرامة على الدين شديدة، وما هذه الإلزامات في التحلل عن المظاهر الإسلامية إلى المظاهر الغربية الإفرنجية إلا من تمثيلات رغبات الكافرين، ومن بغضهم لمظاهر الدين، بعض الاشتراكية الإسلامَ والمسلمين، وإن تظاهرت الاشتراكية بالصلاة وبعض الأعمال؛ فالاشتراكية كافرة، قد أخبر عن بعض الكافرين للمؤمنين.
لذا ننصح إخواننا المسلمين هناك السلفيين أو من كان محبا لدين الله ومظاهر الإسلام، شعائر الله شعائر دين الله، أن يحاولوا الهجرة إلى أي بلد يستطيعون إقامة الدين فيه "وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً"، هذا وعد الله -عز وجل- أنهم سيجد سعة، "وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ"، وقال –تعالى-: "إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً"، هذه الآية بينت وجوب الهجرة لمن لم يقم دينه وبقي مستضعفاً وبقي راضيا ببقائه في ذلك المكان الذي دينه ينتهك، حركاته تنتهك، شعائر الدين غير قائمة، إلا من كان مستضعفاً و {كلمة لم أسمعها} قدرته، فهذا لا يكلفه الله بما لا يطيق، "لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا".
وبلاد المسلمين -ولله الحمد- غير بلاد الاشتراكية، وغير البلاد التي تلزم بمثل هذه الإلزامات كثيرة، فأينما تحول الإنسان يستطيع -ولله الحمد- أن يعيش عيشاً طيّباً، وما تيسر له اكتفى به، فهي حياة قصيرة زائلة يعيش فيها الفقير والغني والصحيح والسقيم والبر والفاجر.. كل على ما يسره الله، ورزق الله عز وجل لعباده مقسوم، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لقد سألتِ الله في آجال مضروبة وأرزاق مقسومة"، "وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ"، فلا ينبغي للإنسان أن يبقى أسير الراتب، أو أسير الكفالة، أو أسير البيت أو البستان، ودينه ينتهك، ولا يستطيع لا صلاة في الجماعة، ولا إقامة مظهره، ويبقى مضطهدا من أجل ذلك، وربما أدخل في السجن بين أوساط الفجرة والخمارين والعرابدة والمفسدين، وربما أكرموا أحسن من حاله، وأهين وعذب أكثر منهم.
هذا الذي نوصيهم به؛ بقي ما يتعلق بمن لم يستطع الخروج كما ذكر الله -عز وجل- من حال المستضعفين، ويرى أنه سيحل به ما لا يتحمله، فإذا اضطر إلى ما لا يتحمله جاز له أن يرتكب المحضور، قال الله -عز وجل-: "مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ"، فمن حصل له ما يضطره إلى منكر من المنكرات ليس في حقوق الآدميين وإنما هو فيما بينه وبين رب العالمين -عز وجل- في مثل حلق لحية، أو في مثل لباس كذا وكذا، وهو موقن بشرع الله ودين الله، ولا قدرة له على التحول من ذلك البلد، فإنه يجوز له أن يعمل ذلك المنكر حتى يتمكن من الخروج ويكون عازما على الخروج بقدر مستطاعه، ولا يكون راضيا بذلك على ما دلّ عليه القرآن.
ومن كان يمكن أن يحصل له مجرد أذى ولا يصل به ذلك الأذى إلى الإكراه وما لا يتحمله في دينه أو ماله أو غيره فإنه ننصحه بالصبر على ذلك الأذى ويبقى مقيما لدينه، فإنه لا شك النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "القابض على دينه كالقابض على الجمر"، وأن هذا يكون عليه في زمن غربة، "بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء"، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- حين شَكَوا له ما يحصل لهم من المشركين، قال: "والله ليُتِمَّنَّ الله هذا الأمر، لقد كان الرجل يؤتى به فيشق ما دون لحمه وعظمه بالحديد ما يصده ذلك عن دينه"، "والله ليُتِمَّنَّ الله هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله.. -الحديث- ولكنكم قوم تستعجلون".