و كذلك السلف فيمن طعن في العلماء من التابعين فمن بعدهم:
• قال الإمام أحمد – رحمه الله تعالى –:
(إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام؛ فإنه كان شديدا على المبتدعة.) (5)
• و قال يحيى بن معين – رحمه الله تعالى –:
(إذا رأيت الرجل يتكلم في حماد بن سلمة و عكرمة مولى ابن عباس فاتهمه على الإسلام.) (6)
و هذا محمول على الكلام في العالم بظلم و هوى، أما إذا كان المتكلم في العالم عالم مثله منصف فنعم.
• قال الإمام الذهبي – رحمه الله –:
(هذا محمول على الوقوع فيهما – يعني حماد بن سلمة، و عكرمة – بهوى و حيف في وزنهما، أما من نقل ما قيل في جرحهما، و تعديلهما على الإنصاف، فقد أصاب.) (7)
إن السلف – رضوان الله عليهم – لم يقتصروا على النهي عن الطعن في العلماء؛ بل نهوا أيضا عن الاستخفاف بهم:
• قال الإمام ابن المبارك – رحمه الله -:
(حق على العاقل ألا يستخف بثلاثة: العلماء، و السلاطين، والإخوان؛ فإنه من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، و من استخف بالسلطان ذهبت دنياه، و من استخف بالإخوان ذهبت مروءته.) (8)
و القدح في العلماء إيذاء لهم، و الإيذاء للعلماء إيذاء لأولياء لله صالحين، فإن العلماء العاملين يدخلون دخولا أوليا في وصف الأولياء.
و هذا معنى أن إيذاء العلماء أمر خطير، لأن من عادى وليا لله فقد آذنه الله بالحرب، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم – في الحديث القدسي: "من عادى لي وليا فقد آذنته في الحرب". (9)
و الاستهزاء بأهل العلم و الفضل، و تعييرهم و القدح فيهم خطر على دين المرء، إذ قد يفضي بصاحبه إلى ما لم يكن بحسبانه، لقد قال رجل من المنافقين: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا و لا أكذب ألسنا و لا أجبن عند اللقاء (10)، فصارت هذه الكلمة على كفر أولئك المنافقين، فأنزل الله فيهم قرآنا يرد اعتذارهم و يدفعه: {و لئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض و نلعب قل أبالله و آياته و رسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم، إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين} (التوبة 65 – 66).
فلقد جعل الله – عز و جل – استهزاء هؤلاء المنافقين برسول الله – صلى الله عليه و سلم – و صحبه استهزاء به سبحانه، و هذا كله يدل على عظيم خطر الأمر.
|