منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 24 Mar 2017, 10:31 PM
عماد معوش عماد معوش غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Dec 2013
المشاركات: 92
افتراضي المؤنس في الفرق بين علم واسم الجنس

بسم الله الرحمن الرحيم




الــمُـــــؤنِــــــــس
في الفرق بين علم واسم الجنس




"الفرق بين علم الجنس واسمه اصطدمت
فيه عقول العقلاء واختلفت فيه آراء العلماء"
[محمد الأمين الشنقيطي]



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. وبعد

مقدمة في بيان أهم مصطلحات البحث

تعريف الجنس: ويقال له الحقيقة والماهية، وهي الصورة الذهنية الخالية من العوارض، الصادقة على كل فرد من أفرادها في الخارج -أي خارج الذهن-.
فالذهن يأخذ صورة عن الأفراد المتشابهة في الخارج المشتركة في الشكل العام -مطلق الحقيقة-، فكل جنس له شكل يميزه عن غيره من الأجناس، ويأخذ الذهن صورة عن كل جنس ويميز بها بين الأجناس المختلفة.
فهذه الصورة متميزة عن غيرها من الصور والمواهي، ولها حضور في الذهن وتَعيُّن وتَعرُّف عما سواها من الماهيات، فجميع الأفراد المشتركة في الشكل العام يجمعها الذهن تحت صنف واحد، ويأخذ صورة عامة لذلك الصنف، وذلك هو الجنس.
ففي الذهن مثلا صورة تصدق على الحد المشترك بين أفراد الأسود، وصورة للحد المشترك بين أفراد الإنسان وهكذا، من غير أن تطابق تلك الصورة فردا معينا من الأفراد.
وهذه الأفراد التي يجمعها الجنس الواحد تختلف فيما بينها في الأوصاف الخاصة، لذلك قيدوها بقولهم (الخالية من العوارض)، أي الماهية خالية من الصفات العرضية والذاتية، وإنما هي صورة للشكل العام. فالعوارض هي التي تميز بين أفراد الجنس الواحد، كاللون والطول والقصر وغير ذلك.
فمثلا: قطع أذن الحمار لا يُؤثِّر على حماريته، وكونه أحمرا أو أبيضا لا يؤثر على حماريته، فلو أزلنا تلك العوارض والأوصاف الذاتية الخاصة بكل فرد، لبقي هناك تشابه في مطلق الحقيقة، وهو القدر المشترك فيه بين جميع أفراد الجنس الواحد، فإذا أُزيلت العوارض تحصلنا على صورة مشتركة بين جميع الأفراد، وهذه الصورة العامة المشتركة الحاصلة في الذهن، هي الماهية والحقيقة والجنس.

تعريف العلم الشخصي: وهو ما وُضع لفرد مُعيَّن من أفراد جنسه في الخارج. وقيل: ما وضع للماهية المتعينة ذهنا بقيد تعيين فرد في الخارج.

وأما تعريف اسم الجنس وعلم الجنس، فهو مبني على اختلافهم في وجه التفريق بينهما كما سيأتي -إن شاء الله جل وعلا-.
أما اسم الجنس:
فقيل: ما وُضع لفرد شائع في جنسه من غير تعيين، وجرى لفظه مجرى النكرات.
وقيل: ما وضع للماهية من حيث هي هي من غير قيد -من غير قصد حضورها في الذهن-.
وقيل: ما وضع للماهية بشرط تصور فرد غير معين من أفرادها في الخارج.

وأما علم الجنس:
فقيل: هو ما وُضع لفرد شائع في جنسه من غير تعيين، وجرى لفظه مجرى المعارف.
وقيل: ما وضع للماهية المتعينة ذهنا من حيث هي هي من غير قيد.
وقيل: ما وضع للماهية المتعينة ذهنا مع قيد حضورها في الذهن.
وقيل: ما وضع للماهية المعهودة في ذهن المخاطَب.

وكذلك تعريف النكرة مبني على اختلافهم في وجه التفريق بينها وبين اسم الجنس كما سيأتي -إن شاء الله-.
فقيل: النكرة ما وُضع لفرد شائع في جنسه من غير تعيين.
وقيل: ما وضع للماهية المتعينة ذهنا بقيد وجودها في فرد معين في الخارج.
وقيل: ما وضع للماهية المتعينة ذهنا بلا قيد.


الفصل الأول في ذكر مذاهب أهل العلم في وجه التفريق بين علم الجنس واسم الجنس


إن العلماء قد ذهبوا في مسألة التفريق بين علم الجنس واسم الجنس مذاهب شتى، ويمكن أن ترجع إلى مذهبين وهما:

المذهب الأول: عدم التسليم بوجود فرق بين علم الجنس واسم الجنس من حيث المعنى.
فهم لا يرون بالوضع للماهية الذهنية، لأن العرب تتعامل مع ما يوجد في الخارج ولا تتعامل مع ما يوجد في الذهن.
فإذا قلت: جاء أسامة، فالصورة الذهنية لم تأتك وإنما أتاك الفرد الذي في الخارج –أي: خارج الذهن-،
فبالتالي لم يفرقوا بين علم الجنس واسم الجنس في المعنى وجعلوهما شيئا واحدا، حيث إن كلا منهما موضوع للفرد المنتشر –أي: فرد غير معين-، إلا أن العرب فرقت بينهما في الأحكام اللفظية فقط.
فأجرت أحكام المعارف على علم الجنس؛ حيث لا يقرن بأل، ولا يضاف إلا إذا قُدِّر شيوعه، ويُبتدأ به وتأتي منه الحال من غير مُسوِّغ، ويُمنع من الصرف للعلمية إذا اجتمعت معها علة أخرى، وأجرت أحكام النكرات على اسم الجنس؛ حيث إنه يُقرن بأل، ويُضاف من غير تقدير، ولا يُبتدأ به ولا تأتي منه الحال إلا بمُسوِّغ، ولا يُمنع من الصرف للعلمية، فعلم الجنس نكرة معنى لشيوعه، ومعرفة لفظا لجريان أحكام المعارف على لفظه، واسم الجنس نكرة معنى ولفظا، لشيوعه وجريان أحكام النكرات على لفظه.
فعلى هذا يكون إطلاق المعرفة على علم الجنس تجوزا.

وممن نصر هذا القول ابن مالك -رحمه الله- حيث يقول في الخلاصة: ووضعوا لبعض الأجناس علم **** كعلم الأشخاص لفظا وهو عم
أي: وضعت العرب أسماءً لبعض الأجناس، وجَعلت هذه الأسماء كأعلام الأشخاص من حيث اللفظ، فهي معارف لفظا، ولكنها أعم من أعلام الأشخاص من حيث المعنى، لأنها نكرات معنى.
ثم قد يكون علم الجنس علما على ما لا يُؤلف من أجناس الحشرات والسباع، نحو أم عريط لجنس العقارب، وأم سلام لأنثى الخنافس، وثعالة لجنس الثعالب وهكذا.
وقد يكون علما لأفراد من أجناس مألوفة، نحو أبو زياد للحمار، وأم هرة للنعجة.
وقد يكون علما لمعنى –أي: المصدر الدال على الحدث-، نحو برة علم على البرور، وفجار علم على الفجور وهكذا.

ورُدَّ هذا القول بدعوى التحكم، الذي هو الحكم بلا مُوجِب وبلا دليل، حيث فرقوا في اللفظ بين المتساويين في المعنى، فجعلوا أحدهما نكرة والآخر معرفة، و تساويهما في المعنى يستلزم تساويهما في اللفظ، ولا موجب للتفريق بينهما، ومعنى النكرة مخالف لمعنى المعرفة ضرورة.
فإذا كانا سيان في المعنى، فلماذا فرقت العرب بينهما في الأحكام اللفظية؟!
والعرب لا تفرق بين شيئين إلا إذا لاحظت في أحدهما معنى لا يوجد في الآخر.

المذهب الثاني: اتفقوا على وجود فرق بين علم الجنس واسم الجنس، ثم اختلفوا في وجه التفريق بينهما، واخترنا لك من ذلك الخلاف أربعة أقوال:

الأول: أن علم الجنس وُضع للماهية المتعينة ذهنا، واسم الجنس وضع للفرد المنتشر.
فالأول معرفة معنى ولفظا، والثاني نكرة معنى ولفظا، فالفرق بينهما حقيقي.
فالعرب كما أنها وضعت أسماءً للأفراد التي في الواقع –أي: خارج الذهن- وهو العلم الشخصي، فكذلك قد وضعت أسماءً لما هو موجود في الذهن، الذي هو الحقيقة والماهية، وذلك هو علم الجنس.

فإذا قلت ثعالة، فإنك تشير إلى الماهية المتوحدة في الذهن، فلذلك كان معرفة معنى، لأنه دال على شيء واحد معين وهو الحقيقة والماهية المُتوحِّدة في الذهن، والمتميزة عن غيرها من الحقائق والمواهي، فبالتالي أُلحق بالمعارف وأُجريت عليه أحكام المعارف في اللفظ، فهو معرفة معنى لدلالته على شيء معين، ومعرفة لفظا لجريان أحكام المعارف على لفظه، فهو معرفة حقيقة.

واسم الجنس دال على فرد من أفراد جنسه، لكن من غير تعيين واحد منها، فثعلب دال على فرد من أفراد هذا الجنس -أي جنس الثعالب-، ومع ذلك فهو لم يعين فردا مخصوصا، فهو صادق على جميع أفراد هذه الحقيقة ولا يختص بفرد دون فرد، فبالتالي أُلحق بالنكرات وأُجريت عليه أحكام النكرات في اللفظ، فهو نكرة معنى لدلالته على شيء متعدد شائع غير معين، ونكرة لفظا لجريان أحكام النكرات على لفظه، فهو نكرة حقيقة.

فإذا تقرر هذا تبين أن الفرق بين علم الجنس واسمه حقيقي وظاهر، فعلم الجنس دال على معين فهو معرفة، واسم الجنس دال على غير معين فهو نكرة.
وهذا قول جمهرة النحاة، وقد رجح الصبان كونَه أقرب إلى كلام سبويه. أنظر: (حاشيته على الأشموني 1/ 215).

الثاني: أن كلا من علم الجنس واسمه وضع للماهية المتعينة ذهنا من غير تعيين فرد من أفرادها في الخارج.
فهما موضوعان للجنس دون الأفراد، إلا أن بينهما فرقا لطيفا في المعنى وهو أن:
علم الجنس وضع للماهية المتعينة ذهنا باعتبار حضورها في الذهن، واسم الجنس وضع للماهية المتعينة ذهنا من غير اعتبار حضورها في الذهن.
فملاحظة حضور الماهية في الذهن عند الوضع –أي: عند التسمية- هو الذي يجعل الماهية متعينة.
ففي علم الجنس حضور الماهية في الذهن ملحوظ ومقصود في أصل الوضع، فدلالة الكلمة على حضورها مقصود.
وأما في اسم الجنس فإن حضور الماهية في الذهن غير ملحوظ ولا هو مقصود في أصل الوضع، فدلالة الكلمة على حضورها في الذهن غير مقصود.
فإذن؛ إن قُصد حضور الحقيقة في الذهن أثناء وضع الاسم، صار ذلك الحضور من دلالة الاسم، وإن لم يُقصد حضورها في الذهن أثناء وضع الاسم، لم يكن ذلك الحضور من دلالة الاسم.
فالماهية حاضرة لا محالة، لكن حضورها في الذهن عند الوضع وجعل الاسم دالا عليها إما أن يكون مُعتبَرا وملحوظا ومقصودا، وإما أن يُقطع النظر عنه فلا يعتبر ولا يلاحظ ولا يقصد، فالماهية حاضرة في كلا النوعين إلا أنه قصد حضورها واعتُبر في وضع علم الجنس، ولم يقصد حضورها في الذهن ولم يعتبر وغُضَّ الطرف عنه في وضع اسم الجنس.
فلمَّا اعتبر الحضور في الأول وقصد، صار دالا على معين -وهو الماهية الملحوظة-، ولمَّا لم يعتبر الحضور في الثاني ولم يقصد، صار كأنه دال على غير معين -وهو الماهية غير الملحوظة-.
فعلى هذا اعتبروا في علم الجنس تعيينه للماهية، وغضوا الطرف عن كونه لا يعين فردا من أفرادها في الخارج، فعاملوه معاملة المعارف في اللفظ.
واعتبروا في اسم الجنس دلالته على متعدد -لأنه يدل على كل الأفراد على سبيل البدل لا على سبيل الشمول والاستغراق-، وغضوا الطرف عن كونه يعين الماهية، فعاملوه معاملة النكرات في اللفظ.
فعلم الجنس معرفة معنى ولفظا، واسم الجنس نكرة لفظا، ومن حيث المعنى فهو معرفة من وجه -لأنه يعين الماهية-، ونكرة من وجه -لأنه دال على متعدد-.

فإذا تقرر هذا ظهر أن الفرق بين علم الجنس واسمه -من حيث المعنى- اعتباري وليس حقيقيا، فكلاهما دال على الماهية وعلى المتعدد، إلا أن الأول اعتُبر فيه دلالته على الماهية؛ لأنه قصد حضورها عند الوضع ولم يعتبر فيه صدقه على متعدد، والثاني اعتُبر فيه صدقه على متعدد ولم يعتبر فيه دلالته على الماهية؛ لعدم قصد حضورها عند الوضع.

بناء على ما تقدم اختلفا في الأحكام اللفظية، فأُجريت أحكام المعارف على علم الجنس، وأجريت أحكام النكرات على اسم الجنس، وأما من حيث المعنى فهما متحدان من وجه لتعيينهما الماهية، ومختلفان من وجه لأن العلم اعتبر فيه التعيين والاسم لم يعتبر فيه التعيين.

قال السيوطي -رحمه الله- في (همع الهوامع 1/ 232): (هذا تحرير الفرق بينهما) اهـ.
وجعله المرادي –رحمه الله- في (التوضيح) هو التحقيق، وقد نظم بعضهم في ترجيح هذا القول، فقال: ومن يرد فرقا فهذا أسهل **** ما قيل في الفرق لدى من يعقل
وقد رجح المرادي -رحمه الله- كونه أقرب إلى مذهب سبويه حيث قال: (وفي كلام سبويه إيماء إلى هذا الفرق) اهـ. أنظر: (توضيح المقاصد والمسالك 1/ 116).

والتحرير أن كلام سبويه مؤذن بالفرق بين علم الجنس واسمه، ويحتمل الفرق الحقيقي كما يحتمل الفرق الاعتباري، ولعل توجيه الصبان لكلام سبويه أولى.

تنبيه:
فعلى هذا القول، إن علم الجنس واسم الجنس قد وضعا معا للحقيقة المتعينة ذهنا، وجاء التعدد ضمنا لا باعتبار أصل الوضع، وإنما لما كانت الحقيقة موجودة في أفراد متعددة، لزم من اطلاقه على الحقيقة التي هي موجودة في ضمن أفراد متعددة، دلالته على متعدد، فالتعدد فيه غير مقصود.

وقد يلتبس هذا القول بمذهب ابن مالك -رحمه الله- الذي ذكرناه أولا، لكن الفرق واضح -إن شاء الله-، وذلك أن ابن مالك ومن معه جعلوا علم الجنس واسمه شيئا واحدا في المعنى، بينما أرباب هذا القول جعلوهما شيئا واحدا في المعنى من وجه -لتعيينهما الماهية-، وفرقوا بينهما من وجه آخر، وذلك من حيث اعتبار الحضور وعدمه.

فائدة:
بعضهم يعبر عن استحضار الماهية وعدم استحضارها بالجزئية والكلية، فإن استحضر الواضع صورة الأسد أثناء وضع الاسم، كانت الصورة جزئية، لأن الصورة واقعة له في زمن خاص، ومثلها يقع في زمن آخر، والجميع يشترك في مطلق صورة الأسد، وإن لم يستحضر الواضع صورة الحقيقة أثناء الوضع، كانت الحقيقة كلية.
فإن وُضع الاسم للحقيقة من حيث خصوصها كان علم جنس، وإن وضع لها من حيث عمومها فهو اسم جنس، فالجميع يشترك في مطلق الحقيقة، إلا أن أحدهما يختص بالحضور دون صاحبه.

قال يحيى المغربي -رحمه الله- في رسالته (رسالة في الفرق بين علم الجنس واسم الجنس): (وهذا -يعني الوضع للماهية من حيث الجزئية والكلية- قد جعله المرادي هو التحقيق -أنظر: (توضيح المقاصد والمسالك 1/ 116)-، وقد نقضه ابن خاعة عروة، وذلك أن تعدد الاستحضار لا يوجب تعدد الشيء المستحضَر لا بالزمان، ولا بالمكان، ولا بالأذهان، كما في استحضار المحسوس مكررا أو رؤيته، ولو صح ما ذَكر من الاختلاف بما ذُكر لم يَصحَّ اتحاد حكم شخص واحد في زمانين بحكم واحد، لتعدده بالزمان، ولا في مكان آخر لتعدده بالمكان، ولا اتفاق شخصين لتعدده بالأذهان، ولا ينعقد إجماع، لأن الصورة في ذهن كُلٍّ غيرها في ذهن الآخر، وهذا لا يُبقي شيئا من المعقولات، ولا شيئا من الإسلام، لأن الإله في ذهن شخص حينئذ غيره في ذهن آخر، وكذا الصلاة والصوم والإيمان والإسلام، وسائر الأحكام، وغيره، لأن المعقود عليها في أول زمان غيره في الزمان الثاني، وكذا العاقد) اهـ.

الثالث: وهو كسابقه في شطره الأول، حيث أن علم الجنس واسمه موضوعان للماهية المتعينة ذهنا، ثم اعتبر في علم الجنس كون الحقيقة فيه معهودة عند المخاطَب، مع قطع النظر عن أفرادها في الخارج، واعتبر في اسم الجنس تصور فرد غير معين من أفراد الحقيقة في الخارج، ولم يشترطوا فيه تصور الحقيقة في ذهن المخاطَب.
فقالوا: إن علم الجنس موضوع للماهية المتعينة ذهنا المعهودة عند المخاطَب. واسم الجنس موضوع للماهية المتعينة ذهنا باعتبار تصور فرد غير معين من أفرادها في الخارج. وهذا مذهب عضد الدين الإيجي.
فمن حيث اللفظ هما مفترقان، إذ أُجريت أحكام المعارف على لفظ العلم، وأجريت أحكام النكرات على لفظ الاسم، وأما من حيث المعنى فهما متحدان من وجه -لدلالتهما على معين-، ومفترقان من وجه آخر باعتبارين:
الأول: أن علم الجنس لا بد فيه من كون الحقيقة معهودة عند المخاطَب، وأما علم الجنس فلا يشترط فيه ذلك.
الثاني: أن اسم الجنس لا بد فيه من تصور فرد غير معين في الخارج، وأما في علم الجنس فلا.
فظهر بهذا أن علم الجنس معرفة معنى ولفظا، واسم الجنس نكرة لفظا، ومن حيث المعنى فهو معرفة من وجه ونكرة من وجه.
ولهذا اعتُبر في العلم الدلالة على معين، واعتُبر في الاسم الدلالة على غير معين –أي: الفرد المنتشر-، فبالتالي اختلفا في الأحكام اللفظية، فكان العلم معرفا والاسم منكرا. وقد نسب ابن حمدون هذا القول إلى الجمهور. أنظر: (حاشيته على المكودي 1/ 91).

تنبيه:
القول الثاني والثالث كلاهما فرق اعتباري، والفرق بينهما أن على الاعتبار الأول يشترط في العلم كون الماهية حاضرة في ذهن المتكلم أو الواضع، وعلى الاعتبار الثاني يشترط كون الماهية حاضرة في ذهن المخاطَب.
وأما الاسم فلم يوضع معه قيد على الاعتبار الأول، وقُيد بتصور فرد غير معين على الاعتبار الثاني.

الرابع: وهو كسابقيه من جهة أن كلا من علم الجنس واسم الجنس وضع للماهية المتعينة ذهنا من غير تعيين فرد مخصوص من أفرادها في الخارج، إلا أن العلم وضع للماهية المتعينة ذهنا بلا قيد، والاسم وضع للماهية المتعينة ذهنا بقيد وجودها في فرد غير معين، وهو قول ابن خاتمة.
فالعنقا -مثلا- طائر يضرب به المثل في سرعة الطيران، وهو اسم وضع لحقيقة لا وجود لها في الخارح، فلم يتحقق فيها القيد المذكور في اسم الجنس فكان علم جنس.
فاعتبر في العلم تعيينه للماهية، لذلك كان معرفة، واعتبر في الاسم دلالته على غير معين، فذلك كان نكرة.
وإلى هذا القول يميل الصبان حيث قال في (حاشيته 1/ 214): (الحقيقة الذهنية لها جهتان: جهة تعينها ذهنا وجهة صدقها على كثيرين، فعلم الجنس هو ما وضع للحقيقة من حيث تعيينها ذهنا، بمعنى أن تعينها ذهنا هو المعتبر الملحوظ في وضعه دون الصدق، فيكون الصدق حاصلا غير مقصود في وضعه، ولهذا كان معرفة.
واسم الجنس ما وضع لها -أي للماهية- من حيث صدقها على كثيرين، بمعنى أن الصدق هو المعتبر الملحوظ في وضعه دون التعين، فيكون التعين حاصلا غير مقصود في وضعه، ولهذا كان نكرة عند تجرده من أل والإضافة، وهو فرق نفيس)
اهـ .
فيرى رحمه الله أن علم الجنس واسم الجنس كلاهما وضع للماهية، غير أن العلم لم يوضع معه قيد، واعتبر فيه دلالته على المعين، فكان معرفة وأجريت على لفظه أحكام المعارف، ولما كانت الماهية غير منفكة عن الأفراد كان دالا عليها لا بأصل الوضع.
واسم الجنس وضع للماهية مع قيد وجودها في فرد غير معين، كما يفهم ذلك من قوله: (واسم الجنس ما وضع لها) أي: للماهية (من حيث صدقها على كثيرين) من غير تعيين واحد منها، واعتبر فيه صدقه على كثيرين ولم يعتبر فيه تعيينه للماهية، فكان نكرة وأجريت أحكام النكرات على لفظه.
فعلم الجنس معرفة معنى ولفظا، واسم الجنس نكرة في اللفظ، وأما من حيث المعنى فهو معرفة من وجه لتعيينه الماهية، ونكرة من وجه لدلالته على كثيرين. وهذا أيضا فرق اعتباري.

وفي القدر كفاية، أسأل الله أن ينفعنا بما ذكر!
وسنتناول فيما سيأتي الفصل الثاني في ذكر منشأ الخلاف في التفريق بين علم الجنس واسمه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09 Apr 2017, 02:13 PM
أبو البراء
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

جزاك الله خيرا أبا قيس على التَّحرير المتين الذي أتحفتنا به.
كأنَّها بواكير من بلاد الحسَّانيِّين! وفي انتظار البقية.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09 Apr 2017, 05:24 PM
عماد معوش عماد معوش غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Dec 2013
المشاركات: 92
افتراضي

جزاكم الله خيرا شيخنا الكريم على هذه الكلمة الطيبة وبارك في علمكم ونفع بكم!

أما البقية فهي جاهزة عندي، لكن لا أدري هل هي صالحة للنشر أو لا.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 10 Apr 2017, 07:15 AM
أبو البراء
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

اعرضها على أبي محمد، فسيشير عليك بالسَّدَاد إن شاء الله.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 Apr 2017, 02:36 PM
عماد معوش عماد معوش غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Dec 2013
المشاركات: 92
افتراضي

سأفعل، حفظكم الله
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10 Apr 2017, 03:16 PM
مهدي بن صالح البجائي مهدي بن صالح البجائي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 591
افتراضي

كتابة تجلو الأفهام، وتحلو في الأذهان، جزاك الله خيرا أخي عماد.
أما عرضها على أبي محمد فما له ولعلوم اللغة! على أنه من الطلبات ما لا يرد، بارك الله فيكم ونفعنا بكم.

التعديل الأخير تم بواسطة مهدي بن صالح البجائي ; 10 Apr 2017 الساعة 03:18 PM
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 10 Apr 2017, 04:44 PM
عبد الله بوزنون عبد الله بوزنون غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2014
المشاركات: 187
افتراضي

بورك فيكم على هذه الدّرر,ونحن في انتظار ماوعدت به على أحرّ من الجمر .
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 10 Apr 2017, 10:11 PM
عماد معوش عماد معوش غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Dec 2013
المشاركات: 92
افتراضي

بارك الله فيك أخي مهدي على هذا الكلام الطيب
وكذاك أخي عبد الله، ولعلنا نفي بالموعود بعد إذن أبي محمد. ابتسامه
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 14 Apr 2017, 02:41 PM
مراد قرازة مراد قرازة غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2014
الدولة: الجزائر ولاية أم البواقي
المشاركات: 438
افتراضي

جزاك الله خيرا وأحسن إليك وبارك سعيك وأجزل مثوبتك ..
وأظن أنك لو قدمت أو ذيلت بمعنى النكرة لكان حسنا ،لأنها مما يجتمع مع اسم الجنس في لفظه ويختلف عنه في معناه فتتم لك بذلك القسمة العقلية على طريقة المؤلفين _والله أعلم _
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
علم الجنس، اسم الجنس،

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013