منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07 Jun 2014, 01:06 AM
عبد الحميد الهضابي عبد الحميد الهضابي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Dec 2013
المشاركات: 300
افتراضي بيان مافي مقال وائل بن علي الذي عنونه بـ"التنبيه على خطأ الشيخ ربيع في تضعيفه إجماع الإمام الشافعي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
فهذه الحلقة الثانية في بيان مافي رسالة الجهول الحدادي وائل بن عمر المعنونة بــــــ" "تنبيه على خطأ الشيخ ربيع في تضعيفه إجماع الإمام الشافعي في الإيمان" ،فأحببت أن نقف بعض الوقفات مع صاحبها الذي جانب الصواب في غير ما مسألة من ذلك : ادعاؤه أن السلف أجمعوا على تكفير تارك العمل ويرمي بهتانا وزورا علماء السنة والتوحيد الذين خالفوه فيما ذهب إليه بالإرجاء .
ومنها :ادعاؤه كذبا وزورا بأن الإجماع منعقد على كفر تارك الصلاة -إذا تركها تهاونا وكسلا غير جاحد لها- ويرمي من خالفه في ذلك بعظائم الأمور، وسنبين كذبه وفجوره وتعدّيه على أهل السنة السلفيين سلفا وخلفا لعلّ الله أن يكتب لنا المثوبة من عنده إنه جواد كريم.
قال وائل الحدادي في "التنبيه على خطأ الشيخ ربيع"(ص :50) :" المرجئ هو من يرى نجاة تارك العمل بالكلية مع إمكان القدرة عليه.اهـ
وقال الحدادي في ص :71) :"من ترك جميع الأعمال مع إمكان القدرة عليها فهذا لا شك في كفره الكفر الأكبر المخرج من ملة الإسلام ومن لم يقل بذلك فقد وقع في الإرجاء عياذا بالله تعالى.اهـ
ويحكم على مقالات شيخنا ربيع بن هادي حفظه الله في "مسائل الإيمان" بأنها تدعوا للإرجاء كما في "تنبيه على خطأ الشيخ ربيع"(ص :51).
وقال الأفاك اللئيم (ص :58)-معلقا على استدلال الشيخ ربيع بكلام لشيخ الإسلام يبين اختلاف السلف في ذلك-: "فأنت هدمت مذهبه الحق ،مذهب السلف الصالح الذي عاش طيلة حياته يدفع وينافح عنه وألصقت به مذهب المرجئة الضلال ولا شك أن هذه جريمة كبيرة جدا وتضليل لعدد كبير من المسلمين" .اهـ
وقال في (ص : 9) :"إن كنت ياشيخ ربيع ترى ركنية العمل فلماذا تقول بنجاة تارك أعمال الجوارح بالكلية وتضعّف إجماع السلف بعلل عليلة وسقوطها يغني عن إسقاطها أليس هذا من التناقض الواضح".اهـ
وقال في (ص :11) :" إنني أزفّ إليك ولكل من تعصب بجهل وهوى لقولك يا شيخ ربيع جملة من كلام السلف وأهل العلم السائرين على نهجهم ذكروا فيها الإجماع تصريحا أو تلميحا على أنه لا يصح الإيمان بغير اجتماع هذه الأركان الثلاثة.اهـ
وقال في (ص :10) :"لقد أراد السلف من قولهم هذا جنس العمل وهذا مجمع عليه فيما بينهم ولم يخالف في ذلك أحد منهم .اهـ

قلت : أحببت أن نقف بعض الوقفات مع كلام هذا التكفيري الحداداي:
أولا :
أيها الجهول التكفيري ما أشد جهلك وفجورك على أهل السنة ،الخلاف في تارك المباني الأربعة وغيرها من الأعمال-تهاونا وكسلا من غير جحود-دون الشهادتين قائم بين أهل السنة السلفيين قديما وحديثا كما سنبينه.
فيا أيها الجهول بمذهب السلف هل الذي لم يكفر تارك عمل الجوارح بعد إقراره بالتوحيد بقلبه ولسانه من المرجئة أو أن قوله من أقوال المرجئة؟
وهل تستطيع أن تثبت لنا أن أحدا من المرجئة قديما أو حديثا يقول :
1 ـ أن الإيمان قول وعمل[1] كما هو مقرر عن جمع من السلف والخلف ممن لم يكفروا تارك العمل ؟
2 ـ أو أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية [2]كما هو مقرر عن جمع من السلف والخلف ممن لم يكفروا تارك العمل ؟؟
3 ـ أو أن أعمال الجوارح من مسمّى الإيمان لا من ثمراته كما هو مقرر عن جمع من السلف والخلف ممن لم يكفروا تارك العمل ؟؟؟
4 ـ أو أن الناس يتفاضولون فيه حقيقة كما هو مقرر عن جمع من السلف والخلف ممن لم يكفروا تارك العمل ؟؟؟
5 ـ أو أن الإيمان يقبل التبعيض وإذا زال بعضه لم يلزم منه زواله بالكليّة وأنّه على شعب ودرجات أعلاها كلمة لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق[3] كما هو مقرر عن جمع من السلف والخلف ممن لم يكفروا تارك العمل ؟؟ ؟
6 ـ أو أن الشخص الواحد قد يجتمع فيه مع الإيمان شعبة من شعب الكفر الأصغر أو النفاق الأصغر كما هو مقرر عن جمع من السلف والخلف ممن لم يكفروا تارك العمل ؟؟؟
7 ـ أو أنه يصح الإسثناء في الإيمان من غير شك[4] كما هو مقرر عن جمع من السلف والخلف ممن لم يكفروا تارك العمل ؟؟؟
8 ـ أو أن التكفير يقع بالاعتقاد والقول والفعل وليس منحصرا في التكذيب والجحود، كما هو مقرر عن جمع من السلف والخلف ممن لم يكفروا تارك العمل ؟؟؟
9 ـ أو أنه من أتى بالشهادتين واعتقاد القلب وترك أعمال الجوارح مجرم فاسق ناقص الإيمان مستحق للعقوبة الشديدة كما هو مقرر عن جمع من السلف والخلف ممن لم يكفروا تارك العمل ؟؟؟
10 ـ وأن مجرد القول ليس بإيمان دون عمل القلب وكذلك تصديق القلب لا يصح دون الإقرار كما هو مقرر عن جمع من السلف والخلف ممن لم يكفروا تارك العمل ؟؟؟
11 ـ وأن الذنوب تضر الإيمان كما هو مقرر عن جمع من السلف والخلف ممن لم يكفروا تارك العمل ؟؟؟
12 ـ وأن المعرفة المجردة ليست بإيمان كما هو مقرر عن جمع من السلف والخلف ممن لم يكفروا تارك العمل ؟؟؟
فإن لم تجد ؟
ولن تجد ، فأنصحك نصيحة مشفق عليك أن تعرف قدر نفسك وتعطي القوس لباريها وكما قيل :"هذا ليس عشك فادرجي " ،وعليك أن تتعلم قبل أن تتكلم فضلا أن تجابه كبار أهل العلم -الذين شابت رؤوسهم في تعليم العقيدة السلفية- فضلا أن ترميهم بعظائم الأمور مثل الإرجاء والبدعة وتسفههم وتجهلهم ونحو ذلك .
فهذه يا أيها الجهول هي المفارقات بين أهل السنة السلفيين ممن لم يكفروا تارك العمل وبين طائفة المرجئة الضلال ،وهو الفيصل الذي جعله السلف أساسا في البراءة من الإرجاء وأهله .- قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله: " خلاف ما بيننا وبين المرجئة ثلاث:
نقول : الإيمان قول وعمل, وهم يقولون : الإيمان قول ولا عمل !
ونقول : الإيمان يزيد وينقص, وهم يقولون : لا يزيد ولا ينقص !
ونحن نقول : النفاق, وهم يقولون لا نفاق.[5]
وعن إسماعيل بن سعيد قال: سألت أحمد عن من قال: الإيمان يزيد وينقص فقال: هذا بريء من الإرجاء .[6]
وكما قال الإمام البربهاري رحمه الله: ومن قال الإيمان قول وعمل يزيد ينقص فقد خرج من الإرجاء أوّله وآخره.[7]
ثانيا :
يا أيها الجهول كلمة "جنس العمل" لها عدة معان متعددة مختلفة ،ولم يعرف استعمالها في كلام السلف الأوليين ،ولا وجود لها في الوحيين ، وإنما استعملها أهل الفتن كأمثالكم لضرب المنهج السلفي وعلمائه الذين عرفوا به وعرف بهم -وإن رغمت أنوف الخوارج الحدادية-،وأول من استعمل هذا المصطلح الخلفي صاحب كتاب "ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي" وهي رسالة دكتوراه بإشراف محمد قطب التكفيري وصاحب الرسالة ملأها بالنقل عن سيد قطب الخارجي ورمى فيها العلامة الألباني بالإرجاء.
فقد عقد صاحب الرسالة المشار إليها آنفا باباً معنونا بـــــ"الباب الخامس: الإيمان حقيقة مركبة، وترك جنس العمل كفر"، قال فيه: وبهذا يتبين لطالب الحق: أنَّ تركَ الأركان الأربعة وسائر عمل الجوارح كفرٌ ظاهراً وباطناً؛ لأنه تركٌ لجنس العمل الذي هو ركنُ الحقيقة المركبة للإيمان، التي لا وجود لها إلا به، هذا مما لا يجوز الخلاف فيه، ومَنْ خالف فيه فقد دخلت عليه شبهة المرجئة شعر أو لم يشعر.
وقال :والباب الخامس: بيان أنَّ الإيمان حقيقة مركبة من ركني القول والعمل، توصلاً بذلك إلى معرفة بطلان مذهب المرجئة في حكم تارك العمل مطلقاً، وبيان حكم صاحب الكبيرة على ضوء ذلك، وسبب ضلال الفرق فيه، ثم نقض أهم الشبهات النقلية للمرجئة على أنَّ العمل غير داخل في الإيمان. هذا ولا يفوتني أن أتقدَّم بخالص الشكر وعظيم التقدير إلى أستاذي الكريم الأستاذ محمد قطب، الذي بذل من الوقت الثمين والرأي الصائب ما كان له أثره البالغ في إنجاز هذه الرسالة وتقويمها)).
ثالثا :
سأذكر بعض الأدلة على عدم كفر تارك العمل وأنه لا ينفى عنه الإيمان المطلق وهو مستحق للعقوبة الشديدة من الله تعالى وإليك أخي القارئ المسدد بعض الأدلة على هذه المسألة التي طالما والحدادية الفجرة يحاربون بها علماء السنة السلفيين وأخص بالذكر منهم العلامة الألباني وربيع بن هادي المدخلي :
الدليل الأول :
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم -في حديث طويل سبق ذكر المرور على الصراط ثم قال : حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذى نفسى بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله فى استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين فى النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون. فيقال لهم أخرجوا من عرفتم. فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه ثم يقولون ربنا ما بقى فيها أحد ممن أمرتنا به، فيقول ارجعوا فمن وجدتم فى قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا. ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم فى قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا. ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم فى قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا ».
وكان أبو سعيد الخدرى يقول إن لم تصدقونى بهذا الحديث فاقرءوا إن شئتم (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما) « فيقول الله عز وجل شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم فى نهر فى أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة فى حميل السيل ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض ». فقالوا يا رسول الله كأنك كنت ترعى بالبادية قال « فيخرجون كاللؤلؤ فى رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه ثم يقول ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم.
فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين. فيقول لكم عندي أفضل من هذا فيقولون يا ربنا أي شيء أفضل من هذا. فيقول رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا.[8]
وفي لفظ :"
فهذا الحديث العظيم وغيره من أحاديث الشفاعة التي لا يرفعون بها رأسا خوارج العصر ويؤولونه حلى حسب أهوائهم والدلالة منه واضحة لمن لم تنتكس فطرته بالأهواء المضلة وهو على النحو التالي :
القسم الأول :
قوم كانوا في حياتهم الدنيا أهل صلاة وصلاة وزكاة ونحو ذلك من الأعمال الصالحة الظاهرة، لكن أوبقتهم ذنوبهم في النار فشفع فيهم إخوانهم من أهل الإيمان بإذن الله تعالى.
القسم الثاني :
قوم لا يعرفهم إخوانهم بهذه الأعمال العظيمة الظاهرة في الحياة الدنيا ،ولكنه سبحانه جلّ وعز أعلمهم بما في قلوبهم من أصل الإيمان ،فيشفعون فيهم بإذن الله تعالى ويخرجونهم من النار وذلك من كان في قلبه مثقال دينار ، ثم نصف دينار، ثم ذرة، ثم أدنى ذرة، ثم أدنى أدنى أدنى ذرة.
القسم الثالث:
يبقى أقوام في النار -أجارني الله وإياكم منها- لا يعلم بهم إلا خالقهم وليس عندهم إلا أصل الإيمان ولم يكن لهم أيّ قدر زائد على ذلك الأصل ،وهم الذين لم يعملوا خيرا قط وذلك بغير عمل عملوه ولا خير قدّموه ،فيخرجهم الله برحمته وفضله وكرمه وجوده وإحسانه –وإن رغمت أنوف الحدادية الخوارج -.
فوجه الشاهد من هذا الحديث العظيم هو: أنه صلى الله عليه وسلم بين أنهم لم يقيموا شعيرة الصلاة ولا شعيرة الزكاة ولا شعيرة الصيام ولا شعيرة الحج ولا نحو ذلك من الأعمال الصالحة مع ذلك كله يخرجهم الله برحمته وفضله من النار.
ـ وقوله صلى الله عليه وسلم :" فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط"،كما ثبت كذلك في حديث "البطاقة" وحديث "المسرف على نفسه" ،فوجه الشاهد منه أنه ترك الأعمال مع إقراره ونطقه بكلمة التوحيد ونجى برحمة رب العالمين ،ولو كان كافرا لما أخرجه الله من النار فهذه الرواية الصحيحة الصريحة من النبي صلى الله عليه وسلم تمنع من التكفير والتخليد وتوجب الرجاء له ما يرجى لسائر أهل الكبائر وذلك لأن الخروج من النار يكون على ثلاثة أصناف ومن ذلك ما يكون بأصل الإيمان لا بعمل الجوارح.
ولفظة :"بغير عمل عملوه ولا خير قدموه"صريح بأن هؤلاء الخراجين بشفاعة رب العالمين لم يأتوا بشيء من العمل سوى توحيدهم بالله تعالى، فلو كان لهم صلاة وزكاة وصيام وحج ونحو ذلك من الأعمال الصالحة لما صح لأهل الجنة أن ينفوا عنهم ذلك ،بل رسول الله صلى الله عليه وسلم نفى عنهم العمل فقال :"لم يعملوا خيرا قط"، ثم هؤلاء لو كان لهم من الأعمال الصالحة كالصلاة ونحوها فما الذي ميّزهم عن غيرهم ممن دخلوا الجنة؟
فدل هذا الحديث العظيم الذي يدل على سعة رحمة رب العالمين -والذي نسأله جل وعلا أن يحرمه الذي حجّره على أناس معينين كفعل الحدادية المكّفرين للمسلمين- .
قال ابن حزم رحمه الله في "الفصل"(4/90): قد بين عليه السلام ذلك بأنه يخرج من النار من في قلبه مثقال حبة من شعير من خير ثم من في قلبه مثقال برة من خير ثم من في قلبه مثقال حبة من خردل ثم من في قلبه مثقال ذرة إلى أدني أدني أدنى من ذلك ثم من لم يعمل خيرا قط إلا شهادة السلام فوجب الوقوف عند هذه النصوص كلها المفسرة للنص المجمل.اهـ
ولفظة:"خيرا"نكرة في سياق النفي تفيد العموم كما هو مقرر فيكون المعنى : لم يعملوا أي عمل خير سوى إتيانهم بالشهادتين مع الإيمان بها .
ولفظة :"قط" لإثبات أن النفي على حقيقته،والأصل إبقاء الكلام على حقيقته دون تأويل ولا تحريف لمعانيه،وهذا الحديث العظيم من النصوص المحكمات الذي تقلته الأمة بالقبول وآمنوا وصدقوا بما جاء فيه من الأخبار ولم ينقل عن أحد من السلف أنه قال في مثل هذه النصوص أنها من المتشابهات.
الدليل الثاني :
ويدل على ذلك أيضا حديث البطاقة ،فعن عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يستخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا كل سجل مثل مد البصر ثم يقول أتنكر من هذا شيئا أظلمك كتبتي الحافظون فيقول لا يا رب فيقول أفلك عذر فقال لا يا رب فيقول الله تعالى بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيقول احضر وزنك فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فقال فإنك لا تظلم فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة فلا يثقل مع اسم الله شيء.[9]
الدليل الثالث :
ومن الأحاديث الصحيحة الصريحة التي تدل على أن تارك عمل الجوارح لا يكفر وأنه مسلم عاص إذا أتى باعتقاد القلب وقول اللسان ما ثبت من حديث عن أبي هريرة مرفوعا قال :
كان رجل ممن كان قبلكم لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد فلما احتضر قال لأهله أنظروا إذا أنا مت أن يحرقوه حتى يدعوه حمما ثم اطحنوه ثم أذروه في يوم ريح فلما مات فعلوا ذلك به فإذا هو في قبضة الله فقال الله عز وجل يا ابن آدم ما حملك على ما فعلت قال أي رب من مخافتك قال فغفر له بها ولم يعمل خيرا قط إلا التوحيد.[10]
الدليل الرابع :
عن حذيفة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة وليسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها فقال له صلة ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة فأعرض عنه حذيفة ثم ردها عليه ثلاثا كل ذلك يعرض عنه حذيفة ثم أقبل عليه في الثالثة فقال يا صلة تنجيهم من النار ثلاثا.[11]
الدليل الخامس :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله نفعته يوما من دهره أصابه قبل ذلك ما أصابه.[12]
والأحاديث في ذلك كثيرة لا تعد ولا تحصى التي تبين فضل كلمة التوحيد وأن صاحبها تحت مشيئة الله ولو أتى ما أتى من الذنوب والموبقات ماخلا الشرك بالله تعالى .
رابعا :
أقوال أهل العلم في تارك العمل :

1 ـ الإمام أحمد رحمه الله :
قال الخلال في "السنة" (1/588): "أخبرنا محمد بن علي قال ثنا صالح قال سألت أبي ما زيادته ونقصانه قال زيادته العمل ونقصانه ترك العمل مثل تركه الصلاة والزكاة والحج وأداء الفرائض فهذا ينقص ويزيد بالعمل وقال إن كان قبل زيادته تاما فكيف يزيد التام فكما يزيد كذا ينقص وقد كان وكيع قال ترى إيمان الحجاج مثل إيمان أبي بكر وعمر رحمهما الله".
وقال رحمه الله في رسالته المشهورة لمسدد بن مسرهد : "والإيمان قول وعمل يزيد وينقص زيادته إذا أحسنت ونقصانه إذا أسأت ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام ولا يخرجه من الإسلام شيء إلا الشرك بالله العظيم أو يرد فريضة من فرائض الله عز وجل جاحدا بها فإن تركها كسلا أو تهاونا كان في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه".[13]

2 ـ الإمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله :
قال رحمه الله -عن طائفة ثانية من أهل الحديث تفرق بين الإسلام والإيمان- في كتابه "تعظيم قدر الصلاة" (2/519-520)-وهو يحكي مذهب طائفة من أهل الحديث ممن يفرقون بين الإيمان والإسلام- :
" ولكنا نقول للإيمان أصل وفرع وضد الإيمان الكفر في كل معنى .
فأصل الإيمان الإقرار والتصديق, وفرعه إكمال العمل بالقلب والبدن، فضد الإقرار والتصديق الذي هو أصل الإيمان الكفر بالله وبما قال وترك التصديق به وله .
وضد الإيمان الذي هو عمل وليس هو إقرار كفر ليس بكفر بالله ينقل عن الملة ولكن كفر يضيع العمل كما كان العمل إيمانا, وليس هو الإيمان الذي هو إقرار كان من ترك الإيمان الذي هو إقرار بالله كافرا يستتاب، ومن ترك الإيمان الذي هو عمل مثل الزكاة والحج والصوم أو ترك الورع عن شرب الخمر والزنا فقد زال عنه بعض الإيمان ولا يجب أن يستتاب عندنا ولا عند من خالفنا من أهل السنة وأهل البدع ممن قال إن الإيمان تصديق وعمل إلا الخوارج وحدها .
فكذلك لا يجب بقولنا كافر من جهة تضييع العمل أن يستتاب ولا يزول عنه الحدود وكما لم يكن بزوال الإيمان الذي هو عمل استتابته ولا إزالة الحدود عنه إذ لم يزل أصل الإيمان عنه, فكذلك لا يجب علينا استتابته وإزالة الحدود والأحكام عنه بإثباتنا له اسم الكفر من قبل العمل إذ لم يأت بأصل الكفر الذي هو جحد بالله أو بما قال .
قالوا: ولما كان العلم بالله إيمانا والجهل به كفرا, وكان العمل بالفرائض إيمانا والجهل بها قبل نزولها ليس بكفر وبعد نزولها من لم يعملها ليس بكفر، لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقروا بالله في أول ما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم إليهم ولم يعملوا الفرائض التي افترضت عليهم بعد ذلك فلم يكن جهلهم ذلك كفرا ثم أنزل الله عليهم هذه الفرائض فكان إقرارهم بها والقيام بها, إيمانا وإنما يكفر من جحدها لتكذيبه خبر الله, ولو لم يأت خبر من الله ما كان بجهلها كافرا, وبعد مجيء الخبر من لم يسمع بالخبر من المسلمين لم يكن بجهلها كافرا والجهل بالله في كل حال كفر قبل الخبر وبعد الخبر .
قالوا: فمن ثم قلنا إن ترك التصديق بالله كفر به, وأن ترك الفرائض مع تصديق الله أنه أوجبها كفر ليس بكفر بالله، إنما هو كفر من جهة ترك الحق كما يقول القائل كفرتني حقي ونعمتي يريد ضيعت حقي وضيعت شكر نعمتي .
قالوا: ولنا في هذا قدوة بمن روى عنهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين إذ جعلوا للكفر فروعا دون أصله لا تنقل صاحبه عن ملة الإسلام كما ثبتوا للإيمان من جهة العمل فرعا للأصل لا ينقل تركه عن ملة الإسلام ".
ثم قال رحمه الله كما في (2/513) : " قال : ثم أوجب الله النار على الكبائر، فدل بذلك على أن اسم الإيمان زائل عن من أتى كبيرة، قالوا: ولم نجد الله أوجب الجنة باسم الإسلام فثبت أن اسم الإسلام له ثابت على حاله، واسم الإيمان زائل عنه .
فإن قيل لهم في قولهم هذا: ليس الإيمان ضد الكفر .
قالوا: الكفر ضد لأصل الإيمان لأن للإيمان أصلا وفرعا فلا يثبت الكفر حتى يزول أصل الإيمان الذي هو ضد الكفر " . اهـ
وقال رحمه الله أيضا في "تعظيم قدر الصلاة" (2/712-713) وهو يرد على المرجئة :
" ثم حَدَّ الإيمان في قلوب أهل النار من المؤمنين؛ فأخبر عن الله عز وجل أنه يقول: (أخرجوا من في قلبه مثقال دينار من إيمان، مثقال نصف دينار، مثقال شعيرة، مثقال ذرة، مثقال خردلة ) فمن زعم أن ما كان في قلوبهم من الإيمان مستويا في الوزن فقد عارض قول النبي صلى الله عليه وسلم بالرد، ومن قال: الذي في قلبه مثقال ذرة ليس بمؤمن ولا مسلم فقد رد على الله وعلى رسوله إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة مؤمنة) فقد حرم الله الجنة على الكافرين وقد جزأ النبي صلى الله عليه وسلم ما في قلوبهم من الإيمان بالقلة والكثرة ثم أخبر أن أقلهم إيمانا قد أدخل الجنة فثبت له بذلك اسم الإيمان، فإذا كان أقلهم إيمانا يستحق الاسم والآخرون أكثر منه إيمانا دل ذلك أن له أصلا وفرعا يستحق اسمه من يأتي بأصله، ويتأولون في الزيادة بعد أصله فتركوا أن يضربوا النخلة مثلا للإيمان مثلا كما ضربه الله عز وجل ويجعل الإيمان له شعبا كما جعله الرسول صلى الله عليه وسلم فيشهدوا بالأصل وبالفروع ويشهدوا بالزيادة إذا أتى بالأعمال كما أن النخلة فروعها وشعبها أكمل لها وهي مزدادة بعد ما ثبت الأصل شعبا وفرعا، فقد كان يحق عليهم أن ينزلوا المؤمن بهذه المنزلة؛ فيشهدوا له بالإيمان إذ أتى بالإقرار بالقلب واللسان، ويشهدوا له بالزيادة كلما ازداد عملا من الأعمال التي سماها النبي صلى الله عليه وسلم شعبا للإيمان وكان كلما ضيع منها شعبة علموا أنه من الكمال أنقص من غيره ممن قام بها فلا يزيلوا عنه اسم الإيمان حتى يزول الأصل.اهـ

3 ـ الإمام أبو بكر بن خزيمة رحمه الله :
- قال رحمه الله تعالى في كتابه التوحيد (2/696) في باب من أبواب الإيمان :
" باب ذكر البيان أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع للشاهد لله بالتوحيد الموحد لله بلسانه إذا كان مخلصا ومصدقا بذلك بقلبه لا لمن تكون شهادته بذلك منفردة عن تصديق القلب " وساق دليله .
وقال رحمه الله أيضا في (2/693) :
" باب ذكر خبر روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في إخراج شاهد أن لا إله إلا الله من النار أفرق أن يسمع به بعض الجهال فيتوهم أن قائله بلسانه من غير تصديق قلب يخرج من النار، جهلا وقلة معرفة بدين الله وأحكامه، ولجهلة بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم مختصرها ومتقصّاها، وإِنّا لِتَوَهُّم بعض الجهال أنَّ شاهد لا إله إلا الله، من غير أن يشهد أن لله رسلا وكتبا وجنة ونارا وبعثا وحسابا يدخل الجنة: أشدُّ فرقا؛ إذ أكثر أهل زماننا لا يفهمون هذه الصناعة ولا يميزون بين الخبر المتقصِّي وغيره، وربما خفي عليهم الخبر المتقصي، فيحتجون بالخبر المختصر، يترأسون قبل التعلم، قد حرموا الصبر على طلب العلم، ولا يصبروا حتى يستحقوا الرئاسة فيبلغوا منازل العلماء " .
وقال رحمه الله في (2/699) : " باب ذكر خبر دال على صحة ما تأولت إنما يخرج من النار شاهد أن لا إله إلا الله إذا كان مصدقا بقلبه بما شهد به لسانه إلا أنه كنى عن التصديق بالقلب بالخير فعاند بعض أهل الجهل والعناد، وادعى أن ذكر الخير في هذا الخبر ليس بإيمان قلة علم بدين الله وجرأة على الله في تسمية المنافقين مؤمنين " .
وقال رحمه الله في (2/702-703) : " باب ذكر الأخبار المصرحة عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال: إنما يخرج من النار من كان في قلبه في الدنيا إيمان دون من لم يكن في قلبه في الدنيا إيمان ممن كان يقر بلسانه بالتوحيد خاليا قلبه من الإيمان مع البيان الواضح أن الناس يتفاضلون في إيمان القلب، ضد قول من زعم من غالية المرجئة أن الإيمان لا يكون في القلب، وخلاف قول من زعم من غير المرجئة أن الناس إنما يتفاضلون في إيمان الجوارح الذي هو كسب الأبدان؛ فإنهم زعموا أنهم متساوون في إيمان القلب الذي هو التصديق وإيمان اللسان الذي هو الإقرار، مع البيان أن للنبي صلى الله عليه وسلم شفاعات يوم القيامة على ما قد بينت قبل لا أن له شفاعة واحدة فقط " .
4 ـ الإمام أبو محمد الحسن بن علي البربهاري رحمه الله.:
قال رحمه الله في "شرح السنة" (ص41 ):" ولا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله عز وجل، أو يرد شيئا من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يذبح لغير الله، أو يصلي لغير الله، وإذا فعل شيئا من ذلك فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام، فإذا لم يفعل شيئا من ذلك فهو مؤمن ومسلم بالاسم لا بالحقيقة " .

5 ـ الإمام ابن بطة العكبري رحمه الله :
قال رحمه الله في "الإبانة الكبرى"(1/286): فقد علم العقلاء من المؤمنين ومن شرح الله صدره ، ففهم هذا الخطاب من نص الكتاب وصحيح الرواية بالسنة أن كمال الدين وتمام الإيمان إنما هو بأداء الفرائض ، والعمل بالجوارح مثل : الصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، والجهاد مع القول باللسان ، والتصديق بالقلب.اهـ
وقال رحمه الله في "الإبانة الصغرى" (ص183) : "ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرجه من الإسلام إلا الشرك بالله العظيم، أو برد فريضة من فرائض الله جاحدا بها، فإن تركها تهاونا أو كسلا كان في مشيئة الله " .
ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "شرح العمدة"(4/72) عن الإمام ابن بطة رحمه الله تعالى الأدلة التي استدلَّ بها على عدم كفر تارك الصلاة؛ ثم نقل عنه قوله: ولأنَّ الصلاة عمل من أعمال الجوارح: فلم يكفر بتركه كسائر الأعمال المفروضة، ولأنَّ من أصول أهل السنة: أنَّهم لا يُكفِّرون أحداً من أهل السنة بذنب، ولا يُخرجونه من الإسلام بعمل؛ بخلاف ما عليه الخوارج، وإنما الكفر بالاعتقادات))
6 ـ الحافظ البيهقي رحمه الله :
قال رحمه الله تعالى في كتابه "الاعتقاد"[14] (7)(ص191-192): "ذهب أكثر أصحاب الحديث إلى أن اسم الإيمان يجمع الطاعات فرضها ونفلها وأنها على ثلاثة أقسام:
1- فقسم يكفر بتركه وهو اعتقاد ما يجب اعتقاده والإقرار بما اعتقده .
2 - وقسم يفسق بتركه أو يعصي ولا يكفر به إذا لم يجحده وهو مفروض الطاعات كالصلاة والزكاة والصيام والحج واجتناب المحارم .
3 - وقسم يكون بتركه مخطئا للأفضل غير فاسق ولا كافر وهو ما يكون من العبادات تطوعا ".
أقول : الحافظ البيهقي رحمه الله يحكي مذهب أكثر أهل الحديث في أن اسم الإيمان يجمع الطاعات فرضها ونفلها، وأن المؤمن لا يكفر إلا بترك ما يجب اعتقاده والإقرار به، وأنه يفسق بتركه الطاعات ولا يكفر إلا إذا كان جاحدا لوجوب هذه الطاعات .
وقوله هذا يوافق ما قرره ونقله الإمامان ابن نصر وابن عبد البر رحم الله الجميع. اهـ
- وقال رحمه الله في كتابه شعب الإيمان (1/92) (طبعة دار الرشد. ت: د/عبد العلي): "باب الدليل على أن التصديق بالقلب والإقرار باللسان أصل الإيمان وأن كليهما شرط في النقل عن الكفر عند عدم العجز.
قال الله تعالى : {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق...} الآية، فأمر المؤمنين أن يقولوا آمنا بالله، وقال الله عز وجل: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } فأخبر أن القول العاري عن الاعتقاد ليس بإيمان وأنه لو كان في قلوبهم إيمان لكانوا مؤمنين لجمعهم بين التصديق بالقلب والقول باللسان ودلت السنة على مثل ما دل عليه الكتاب .
- وقال رحمه الله في الكتاب نفسه (1/109) تحت باب : الدليل على أن الطاعات كلّها إيمان، وبعد أن ذكر الأدلة من الكتاب والسنة على أن العمل من الإيمان: " وأما قول الله عز وجل : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ...} فأفرد العمل الصالح بالذكر، وقد قال أيضا : { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } فأفرد التواصي بالحق والتواصي بالصبر بالذكر، ولم يدل ذلك على أنهما ليسا من الأعمال الصالحة .
فكذلك قوله : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات } لا يدل على أن عمل الصالحات ليس بإيمان، وإنما معناه أن الذين آمنوا أقلّ الإيمان -وهو الناقل عن الكفر- ثم لم يقتصروا عليه، ولكنهم ضموا إليه الصالحات، فعملوها حتى ارتقى إيمانهم من درجة الأقل إلى الأكمل " .
7 ـ الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر رحمه الله :
قال رحمه الله في "التمهيد" (4/186) -في شرح حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه (خمس صلوات كتبهن الله..)- : " وفيه دليل على أن من لم يصل من المسلمين في مشيئة الله، إذا كان موحدا مؤمنا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم مصدقا مقرا وإن لم يعمل، وهذا يرد قول المعتزلة والخوارج بأسرها .
ألا ترى أن المقر بالإسلام في حين دخوله فيه يكون مسلما قبل الدخول في عمل الصلاة وصوم رمضان بإقراره واعتقاده وعقدة نيته؛ فمن جهة النظر لا يجب أن يكون كافرا إلا برفع ما كان به مسلما وهو الجحود لما كان قد أقر به واعتقده والله أعلم " .
وقال رحمه الله في (6/344-345) -معلقا على حديث المسرف على نفسه-:" روي من حديث أبي رافع عن أبي هريرة في هذا الحديث أنه قال: (قال رجل لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد) وهذه اللفظة إن صحت رفعت الإشكال في إيمان هذا الرجل وإن لم تصح من جهة النقل فهي صحيحة من جهة المعنى .
والأصول كلها تعضدها والنظر يوجبها؛ لأنه محال غير جائز أن يغفر للذين يموتون وهم كفار؛ لأن الله عز وجل قد أخبر أنه لا يغفر أن يشرك به لمن مات كافرا، وهذا ما لا مدفع له ولا خلاف فيه بين أهل القبلة .
وفي هذا الأصل ما يدلك على أن قوله في هذا الحديث: (لم يعمل حسنة قط) أو (لم يعمل خيرا قط )لم يعنِ به إلا ما عدا التوحيد من الحسنات والخير، وهذا شائع في لسان العرب جائز في لغتها أن يؤتى بلفظ الكل والمراد البعض " .
8 ـ الإمام ابن البناء رحمه الله :
قال رحمه الله في "الرد على المبتدعة" (ص 195):
"فصل وشفاعة نبينا -صلى الله عليه وسلم- في أهل الكبائر من أمته؛ خلافاً للقدرية في قولهم: (ليس له شفاعة).
ومن دخل النار عقوبة خرج منها عندنا؛ بشفاعته، وشفاعة غيره، ورحمة الله عز وجل؛ حتى لا يبقى في النار واحد قال مرة واحدة في دار الدنيا: لا إله إلا الله مخلصاً، وآمن به، وإن لم يفعل الطاعات بعد ذلك".
9 ـ العلامة أبو محمد اليمني رحمه الله[15].
قال رحمه الله في كتابه "عقائد الثلاث وسبعين فرقة" (1/313): "وأما مقالة الفرقة السابعة التي هي أهل السنة والجماعة؛ فإنهم قالوا: الإيمان إقرار باللسان ومعرفة بالقلب وعمل بالجوارح، وكل خصلة من خصال الطاعات المفروضة إيمان، فعلى هذا الإيمان عندهم التصديق، وموضعه القلب والمعبر عنه باللسان، وظاهر الدليل عليه بعد الإقرار شهادة الأركان، وهي ثلاثة أشياء : شهادة، واعتقاد، وعمل .
فالشهادة تحقن الدم وتمنع المال وتوجب أحكام الله .
والعمل يوجب الديانة والعدالة، وهذان ظاهران يوجبان الظاهرة الشريعة.
فأما العقيدة فإنها تظهرها الآخرة؛ لأنها خفية لا يعلمها إلا الله .
فمن ترك العقيدة بالقلب وأظهر الشهادة فهو منافق، ومن اعتقدها بقلبه وعبّر عنها لسانه وترك العمل بالفرائض عصياناً منه فهو فاسق غير خارج بذلك عن إيمانه، لكنه يكون ناقصا، وتجري عليه أحكام المسلمين، اللهم إلا إن تركها وهو جاحد بوجوبها فهو كافر حلال الدم ويجب قتله "
10 ـ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
قال رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (7/610-611) بعد تكفيره لجاحد هذه الفرائض، أو استحلاله المحرمات الظاهرة المتواتر تحريمها- حيث قال :
وأما مع الإقرار بالوجوب إذا ترك شيئا من هذه الأركان الأربعة ففي التكفير أقوال للعلماء هي روايات عن أحمد :
أحدها : أنه يكفر بترك واحد من الأربعة حتى الحج، وإن كان في جواز تأخيره نزاع بين العلماء فمتى عزم على تركه بالكلية كفر، وهذا قول طائفة من السلف، وهي إحدى الروايات عن أحمد إختارها أبو بكر
والثاني : أنه لا يكفر بترك شيء من ذلك مع الاقرار بالوجوب، وهذا هو المشهور عند كثير من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وهو إحدى الروايات عن أحمد اختارها ابن بطة وغيره .
والثالث : لا يكفر إلا بترك الصلاة، وهي الرواية الثالثة عن أحمد وقول كثير من
السلف، وطائفة من أصحاب مالك، والشافعى، وطائفة من أصحاب أحمد .
والرابع : يكفر بتركها وترك الزكاة فقط .
والخامس : بتركها، وترك الزكاة إذا قاتل الإمام عليها دون ترك الصيام والحج.اهـ
وقال رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (7/302)): وقد اتفق المسلمون على أن من لم يأت بالشهادتين؛ فهو كافر، وأما الأعمال الأربعة، فاختلفوا في تكفير تاركها، ونحن إذا قلنا: أهل السنة متفقون على أنه لا يكفر بالذنب؛ فإنما نريد به المعاصي، كالزنا والشرب، وأما هذه المباني، ففي تكفير تاركها نزاع مشهور، وعن أحمد في ذلك نزاع، وإحدى الروايات عنه: أنه يكفر من ترك واحدة منها، وهو اختيار أبي بكر وطائفة من أصحاب مالك، كابن حبيب، وعنه رواية ثانية: لا يكفر إلا بترك الصلاة والزكاة فقط، ورواية ثالثة: لا يكفر إلا بترك الصلاة والزكاة، إذا قاتل الإمام عليها، ورابعة: لا يكفر إلا بترك الصلاة، وخامسة: لا يكفر بترك شيء منهن، وهذه أقوال معروفة للسلف.اهـ
وقال رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (7/637): "ثم هو في الكتاب بمعنيين‏:‏ أصل وفرع واجب، فالأصل الذي في القلب وراء العمل؛ فلهذا يفرق بينهما بقوله‏:‏ ‏{‏آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏}‏ ‏[‏البينة‏:‏7‏]‏ والذي يجمعهما كما في قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏2‏]‏، و ‏{‏لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏44‏]‏‏.‏ وحديث الحياء، ووفد عبد القيس .
وهو مركب من أصل لا يتم بدونه، ومن واجب ينقص بفواته نقصًا يستحق صاحبه العقوبة، ومن مستحب يفوت بفواته علو الدرجة، فالناس فيه ظالم لنفسه ومقتصد وسابق، كالحج وكالبدن والمسجد وغيرهما من الأعيان، والأعمال والصفات .
فمن سواء أجزائه ما إذا ذهب نقص عن الأكمل، ومنه ما نقص عن الكمال، وهو ترك الواجبات أو فعل المحرمات، ومنه ما نقص ركنه وهو ترك الاعتقاد والقول، الذي يزعم المرجئة والجهمية أنه مسمى فقط، وبهذا تزول شبهات الفرق، وأصله القلب وكماله العمل الظاهر، بخلاف الإسلام فإن أصله الظاهر، وكماله القلب‏ـ " . اهــ
فهذه النقولات عن شيخ الإسلام وغيره توضح توضيحا جليا لا يحتمل التأويل أن تارك عمل الجوارح بعد إيمان القلب وإقرار اللسان أن صاحبه مسلم عاص يستحق العذاب وليس بكافر وهو قول من أقوال السلف الصالح وهو رواية عن إمام أهل السنة أحمد رحمه الله، ومن قال به فهو آخذ بقول من أقوال السلف فليس هو من المرجئة وليس من الإرجاء في شيء.
فإن قال وائل الحدادي شيخ الإسلام قد ردّ هذا القول بأدلة من الوحيين ؟
قلنا له : نعم شيخ الإسلام يكفر تارك العمل لأدلة قامت عنده على ذلك لكنه يثبت أن هذا القول من أقوال السلف فهل انتهيتم إلى من انتهى إليه ؟
وهل رمى من قال به بالإرجاء كما هو صنيعكم المشين مع الشيخ الألباني و الشيخ ربيع وغيرهما ؟
وليس البحث معكم في هذه المسألة من حيث الراجح من المرجوح من أقوال السلف المتقدمة التي ذكرها شيخ الإسلام.
وإنما البحث معكم يا أيها الحدادية فيما يلي : هل القول أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ومن ترك عمل الجوارح بعد الإقرار باللسان وإيمان القلب وعدم تكفيره يعد قائل ذلك مرجئا؟؟
وهل قوله موافق لقول المرجئة ؟؟
وهل قوله مخالف لإجماع السلف الصالح؟؟
وهل المرجئة تقول بهذا القول ؟؟
وبهذا يتبن أن هذا القول ليس أصحابه من المرجئة ولا وافقوا المرجئة كيف و الإمام أحمد يوافقهم في رواية من رواياته ؟
11 ـ شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله :
قال –رحمه الله- في كتابه "حادي الأرواح" (ص272-273):
"الوجه العشرون انه قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري في حديث الشفاعة فيقول عز وجل شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما، فيلقيها في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه و لا خير قدموه، فهؤلاء أحرقتهم النار جميعهم فلم يبق في بدن أحدهم موضع لم تمسه النار بحيث صاروا حمما وهو الفحم المحترق بالنار وظاهر السياق أنه لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير، فإن لفظ الحديث هكذا فيقول: "ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا فيقول الله عز و جل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض الله قبضة من نار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط"، فهذا السياق يدل على أن هؤلاء لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير ومع هذا فأخرجتهم الرحمة.
ومن هذا رحمته سبحانه وتعالى للذي أوصى أهله أن يحرقوه بالنار ويذروه في البر والبحر زعما منه بأنه يفوت الله سبحانه وتعالى فهذا قد شك في المعاد والقدرة ولم يعمل خيرا قط ومع هذا فقال له ما حملك على ما صنعت؟ قال خشيتك وأنت تعلم فما تلافاه أن رحمه الله، فلله سبحانه وتعالى في خلقه حكم لا تبلغه عقول البشر وقد ثبت في حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله قال: (يقول الله عز و جل أخرجوا من النار من ذكرني يوما أو خافني في مقام)".
12 ـ- الإمام أبو الفداء إسماعيل بن كثير رحمه الله:
قال رحمه الله -عند تفسير قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ. خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} (هود: 106-107)-: "وقد اختلف المفسرون في المراد من هذا الاستثناء على أقوال كثيرة حكاها الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في كتابه (زاد المسير) وغيره من علماء التفسير، ونقل كثيرا منها الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله في كتابه، واختار هو ما نقله عن خالد بن معدان والضحاك وقتادة وابن سنان، ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن أيضا: أن الاستثناء عائد على العصاة من أهل التوحيد ممن يخرجهم الله من النار بشفاعة الشافعين من الملائكة والنبيين والمؤمنين حتى يشفعون في أصحاب الكبائر ثم تأتي رحمة أرحم الراحمين فتخرج من النار من لم يعمل خيرا قط وقال يوما من الدهر لا إله إلا الله كما وردت بذلك الأخبار الصحيحة المستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمضمون ذلك من حديث أنس وجابر وأبي سعيد وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة ولا يبقى بعد ذلك في النار إلا من وجب عليه الخلود فيها ولا محيد له عنها وهذا الذي عليه كثير من العلماء قديما وحديثا في تفسير هذه الآية الكريمة " .
13 ـ الإمام ابن رجب رحمه الله :
قال رحمه الله كما في "في فتح الباري (1/285) -بعد ذكر حديث أبي سعيد في الشفاعة-: و المراد بقوله : "لم يعملوا خيرا قط " من أعمال الجوارح و إن كان أصل التوحيد معهم و لهذا جاء في حديث الذي أمر أهله أن يحرقوه بعد موته بالنار إنه لم يعمل خيرا قط غير التوحيد خرجه الإمام أحمد من حديث أبي هريرة مرفوعا و من حديث ابن مسعود موقوفا
و يشهد لهذا ما في " حديث أنس عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم في حديث الشفاعة قال : فأقول : يا رب ائذن لي فيمن يقول لا إله إلا الله فيقول : و عزتي و جلالي و كبريائي و عظمتي لأخرجن من النار من قال : لا إله إلا الله " خرجاه في الصحيحين و عند مسلم : "فيقول : ليس ذلك لك أو ليس ذلك إليك " وهذا يدل على أن الذين يخرجهم الله برحمته من غير شفاعة مخلوق هم أهل كلمة التوحيد الذين لم يعملوا معها خيرا قط بجوارحهم .اهـ
وقال أيضا في (1/112) : " ومعلوم أن الجنة إنما يستحق دخولها بالتصديق بالقلب مع شهادة اللسان، وبهما يخرج من يخرج من أهل النار فيدخل الجنة، كما سبق ذكره " .
14 ـ العلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني رحمه الله :
قال رحمه الله في كتابه "رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار" (ص132): "وهذا الحديث فيه الإخبار بأن الملائكة قالت: (لم نذر فيها خيرا) أي: أحدا فيه خير والمراد ما علموه بإعلام الله. ويجوز أن يقال: لم يعلمهم بكل من في قلبه خير وأنه بقي من أخرجهم بقبضته ويدل له أن لفظ الحديث ( أنه أخرج بالقبضة من لم يعملوا خيرا قط ) فنفى العمل ولم ينف الاعتقاد وفي حديث الشفاعة تصريح بإخراج قوم لم يعملوا خيرا قط ويفيد مفهومه أن في قلوبهم خيرا . ثم سياق الحديث يدل على أنه أريد بهم أهل التوحيد لأنه تعالى ذكر الشفاعة للملائكة والأنبياء والمؤمنين ومعلوم أن هؤلاء يشفعون بعصاة أهل التوحيد " .
15 ـ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :
قال رحمه الله كما في "الدرر السنية" (1/102 ـ 104): في جوابه عمّا يقاتل عليه، وعما يكفر الرجل به؟
فأجاب بقوله : أركان الإسلام الخمسة، أولها الشهادتان، ثم الأركان الأربعة ؛ فالأربعة : إذا أقر بها، وتركها تهاوناً، فنحن وإن قاتلناه على فعلها، فلا نكفره بتركها ؛ والعلماء : اختلفوا في كفر التارك لها كسلاً من غير جحود ؛ ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان
وأيضاً : نكفره بعد التعريف إذا عرف وأنكر، فنقول : أعداؤنا معنا على أنواع .
النوع الأول : من عرف أن التوحيد دين الله ورسوله الذي أظهرناه للناس وأقر أيضاً : أن هذه الاعتقادات في الحجر والشجر والبشر الذي هو دين غالب الناس : أنه الشرك بالله الذي بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم ينهي عنه ويقاتل أهله ليكون الدين كله لله ومع ذلك : لم يلتفت إلى التوحيد ولا تعلمه ولا دخل فيه ولا ترك الشرك فهو كافر نقاتله بكفره لأنه عرف دين الرسول، فلم يتبعه وعرف الشرك فلم يتركه مع أنه لا يبغض دين الرسول ولا من دخل فيه ولا يمدح الشرك ولا يزينه للناس .
النوع الثاني : من عرف ذلك ولكنه تبين في سب دين الرسول مع ادعائه أنه عامل به وتبين في مدح، من عبد يوسف والأشقر ومن عبد أبا علي والخضر من أهل الكويت وفضلهم على من وحد الله وترك الشرك فهذا أعظم من الأول وفيه قوله تعالى : ( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) [البقرة:89] وهو ممن قال الله فيه : ( وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ) [التوبة:12] .
النوع الثالث : من عرف التوحيد، وأحبه، واتبعه، وعرف الشرك، وتركه، ولكن : يكره من دخل في التوحيد، ويحب من بقي على الشرك، فهذا أيضاً : كافر، فيه قوله تعالى : ( ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم ) [محمد:9].
النوع الرابع : من سلم من هذا كله ولكن أهل بلده : يصرحون بعداوة أهل التوحيد واتباع أهل الشرك وساعين في قتالهم، ويتعذر : أن ترك وطنه يشق عليه، فيقاتل أهل التوحيد مع أهل بلده، ويجاهد بماله ونفسه فهذا أيضاً : كافر فإنهم لو يأمرونه بترك صوم رمضان ولا يمكنه الصيام إلا بفراقهم، فعل ولو يأمرونه بتزوج امرأة أبيه ولا يمكنه ذلك إلا بفراقهم فعل وموافقتهم على الجهاد معهم.
بنفسه وماله مع أنهم يريدون بذلك قطع دين الله ورسوله : أكبر من ذلك بكثير كثير ؛ فهذا أيضاً : كافر وهو ممن قال الله فيهم : ( ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم - إلى قوله - سلطاناً مبيناً ) [النساء:91] فهذا الذي نقول .
وأما الكذب والبهتان فمثل قولهم : إنا نكفر بالعموم ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه وإنا نكفر من لم يكفر ومن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله .
وإذا كنا : لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم، فكيف نكفّر من لم يشرك بالله ؟! إذا لم يهاجر إلينا، أو لم يكفر ويقاتل ( سبحانك هذا بهتان عظيم ) [النور:16]
بل نكفر تلك الأنواع الأربعة لأجل محادتهم لله ورسوله فرحم الله امرءاً نظر نفسه وعرف أنه ملاق الله الذي عنده الجنة والنار وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .اهـ
16 ـ الإمام عبد الرحمن بن حسن رحمه الله :
قال كما في "الدرر السنية" (1/317): "سألني الشريف عما نقاتل عليه، وما نكفّر به؟ فقال في الجواب: إنا لا نقاتل إلا على ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان بعد التعريف، إذا عرف ثم أنكر فنقول: أعداؤنا معنا على أنواع ثم ذكر هذه الأنواع... "
17 ـ الإمام عبداللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله :
قال رحمه الله كما في "الدرر السنية" ": ( 1 / 479 ) أن الإيمان مركب، من قول وعمل، والقول قسمان: قول القلب، وهو: اعتقاده; وقول اللسان، وهو: التكلم بكلمة الإسلام; والعمل قسمان: عمل القلب، وهو: قصده، واختياره، ومحبته، ورضاه، وتصديقه; وعمل الجوارح، كالصلاة، والزكاة، والحج، والجهاد، ونحو ذلك من الأعمال الظاهرة; فإذا زال تصديق القلب، ورضاه، ومحبته لله، وصدقه، زال الإيمان بالكلية; وإذا زال شيء من الأعمال، كالصلاة، والحج، والجهاد، مع بقاء تصديق القلب، وقبوله، فهذا محل خلاف، هل يزول الإيمان بالكلية، إذا ترك أحد الأركان الإسلامية، كالصلاة، والحج، والزكاة، والصيام، أو لا يزول؟ وهل يكفر تاركه أو لا يكفر؟ وهل يفرق بين الصلاة، وغيرها، أو لا يفرق؟
فأهل السنة مجمعون على أنه لا بد من عمل القلب، الذي هو: محبته، ورضاه، وانقياده; والمرجئة، تقول: يكفي التصديق فقط، ويكون به مؤمنا; والخلاف، في أعمال الجوارح، هل يكفر، أو لا يكفر؟ واقع بين أهل السنة; والمعروف عند السلف: تكفير من ترك أحد المباني الإسلامية، كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج; والقول الثاني: أنه لا يكفر إلا من جحدها.اهـ
18 ـ العلامة سليمان بن سحمان رحمه الله :
وقال رحمه الله في كتابه (الضياء الشارق) (ص35) مطابع الرياض و(ص82) دار العاصمة : " فمن أنكر التكفير جملة فهو محجوج بالكتاب والسنة ومن فرق بين ما فرق الله ورسوله من الذنوب ودان بحكم الكتاب والسنة وإجماع الأمة في الفرق بين الذنوب والكفر فقد أنصف ووافق أهل السنة والجماعة .
ونحن لم نكفر أحداً بذنب دون الشرك الأكبر الذي أجمعت الأمة على كفر فاعله إذا قامت عليه الحجة وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد كما حكاه في الإعلام لابن حجر الشافعي..."
19 ـ العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
قال رحمه الله في "بهجة قلوب الأبرار" ( ص 55 :( واعلم أن من أصول أهل السنة والجماعة: أنه قد يجتمع في العبد خصال خير وخصال شر، وخصال إيمان وخصال كفر أو نفاق. ويستحق من الثواب والعقاب بحسب ما قام به من موجبات ذلك وقد دلّ على هذا الأصل نصوص كثيرة من الكتاب والسنة. فيجب العمل بكل النصوص، وتصديقها كلها. وعلينا أن نتبرأ من مذهب الخوارج الذين يدفعون ما جاءت به النصوص: من بقاء الإيمان وبقاء الدين، ولو فعل الإنسان من المعاصي ما فعل، إذا لم يفعل شيئاً من المنكرات التي تخرج صاحبها من الإيمان. فالخوارج يدفعون ذلك كله، ويرون من فعل شيئاً من الكبائر ومن خصال الكفر أو خصال النفاق خارجاً من الدين، مخلداً في النار. وهذا مذهب باطل بالكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة.اهـ
20 ـ اللجنة الدائمة للإفتاء :
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء كما في "مجموع فتاوى اللجنة الدائمة ( 2 / 39 – 40)" مانصه: :
يقول رجل: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولا يقوم بالأركان الأربعة: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، ولا يقوم بالأعمال الأخرى المطلوبة في الشريعة الإسلامية، هل يستحق هذا الرجل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، بحيث لا يدخل النار ولو لوقت محدود؟
الجواب:
من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله وترك الصلاة والزكاة والحج جاحداً لوجوب هذه الأركان الأربعة أو لواحد منها بعد البلاغ فهو مرتد عن الإسلام يستتاب، فإن تاب قبلت توبته، وكان أهلاً للشفاعة يوم القيامة إن مات على الإيمان.
وإن أصر على إنكاره قتله ولي الأمر لكفره وردته، ولا حظ له في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره يوم القيامة.
وإن ترك الصلاة وحدها كسلاً وفتوراً فهو كافر كفراً يخرج به من ملة الإسلام في أصح قولي العلماء، فكيف إذا جمع إلى تركها ترك الزكاة والصيام وحج بيت الله الحرام؟!
وعلى هذا لا يكون أهلاً لشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره إن مات على ذلك.
ومن قال من العلماء: إنه كافر كفراً عملياً لا يخرجه عن حظيرة الإسلام بتركه لهذه الأركان يرى أنه أهل للشفاعة فيه، وإن كان مرتكباً لما هو من الكبائر إن مات مؤمناً.اهـ
قلت : انظر إلى اللجنة الدائمة كيف حكيت قولين للعلماء ورجّحت أحد القولين ولم تطعن في أهل القول الثاني ،ولا شك أن أهل القول الثاني يرجّحون ما ذهبوا إليه وكل طرف يحترم الآخر وهذا يخالف منهج الحدادية الذي فارقوا به أهل السنة.
21 ـ الإمام ابن باز رحمه الله :
هذه بعض الأسئلة وجهت للشيخ العلامة عبدا لعزيز بن باز – رحمه الله – نشرتها مجلة الفرقان في العدد(94 السنة العاشرة شوال 1418هـ ص/ 11))
وهذا نص السؤال وجواب الشيخ رحمه الله :
س1 : هل العلماء الذين قالوا بعدم كفر من ترك أعمال الجوارح مع تلفظه بالشهادتين ووجود أصل الإيمان القلبي. هل هم من المرجئة؟
سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: لا؛ هذا من أهل السنة والجماعة[16] ؛ من قال بعدم كفر تارك الصيام ، أو الزكاة ، أو الحج هذا ليس بكافر، لكن أتى بكبيرة عظيمة، وهو كافر عند بعض العلماء، لكن الصواب لا يكفر كفراً أكبر .
أما تارك الصلاة فالأرجح أنه كفر أكبر إذا تعمد تركها، وأما إذا ترك الزكاة والصيام والحج، فهذا كفر دون كفر،معصية كبيرة من الكبائر، والدليل على هذا أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم - قال عمَّن منع الزكاة: يؤتى به يوم القيامة ويعذب بماله؛ كما دل عليه القرآن: (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَار جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة:35)
أخبر النبي – صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - أنه يعذب بماله، بإبله وبقره وغنمه وذهبه وفضته، ثم يرى سبيله بعد هذا إلى الجنة أو إلى النار. دل على أنه لم يكفر، وأنه يرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار ، دل على توعده ، قد يدخل النار وقد يكتفي بعذاب البرزخ ولا يدخل النار ، وقد يكون إلى الجنة بعد العذاب الذي في البرزخ.اهـ .
س2 : شيخنا بالنسبة للإجابة على السؤال الأول فهم البعض من كلامك أن الإنسان إذا نطق بالشهادتين ولم يعمل فإنه ناقص الإيمـان ، هل هذا الفهم صحيح ؟
سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: نعم؛ فمن وحد الله وأخلص له العبادة ، وصدق رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، لكنه ما أدى الزكاة ، أو ما صام رمضان ، أو ما حج مم الاستطاعة يكون عاصياً ، أتـى كبيرة عظيمة ، و يتوعد بالنار ، لكن لا يكفر على الصحيح ، أما من ترك الصلاة عمداً فإنه يكفر على الصحيح .
س13: أعمال الجوارح تعتبر شرط كمال في الإيمـان ، أم شرط صحة للإيمـان ؟
سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: أعمال الجوارح منها ما هو كمال ، ومنها ما ينافي الإيمان ، فالصوم يكمل الإيمان ، والصدقة والزكاة من كمال الإيمـان ، وتركها نقص فـي الإيمـان ، وضعف فـي الإيمـان ، ومعصية ، أما الصلاة فالصواب أن تركها كفر – نسأل الله العافية – كفر أكبر ، وهكذا فالإنسان يأتـي بالأعمال الصالحات ، فهذا من كمال الإيمـان أن يكثر من الصلاة ، ومن صوم التطوع ، ومن الصدقات ، فهذا من كمال الإيمـان الذي يقوي به إيمانه." اهـ..
وجاء في "فتاوى نور على الدرب" للإمام ابن باز ( 1 / 27 - 30) : (س : تسأل الأخت وتقول: هل الإيمان بالقلب يكفي لأن يكون الإنسان مسلما بعيدا عن الصلاة والصوم والزكاة؟
فأجاب بقوله :
الإيمان بالقلب لا يكفي عن الصلاة وغيرها، بل يجب أن يؤمن بقلبه وأن الله واحد لا شريك له، وأنه ربه وخالقه، ويجب أن يخصه بالعبادة سبحانه وتعالى، ويؤمن بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنه رسول الله حقا إلى جميع الثقلين، كل هذا لا بد منه، فهذا أصل الدين وأساسه كما يجب على المكلف أن يؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله من أمر الجنة والنار والصراط والميزان وغير ذلك مما دل عليه القرآن الكريم والسنة الصحيحة المطهرة، ولابد مع ذلك من النطق بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله كما أنه لابد من الصلاة وبقية أمور الدين، فإذا صلى فقد أدى ما عليه، وإن لم يصل كفر، لأن ترك الصلاة كفر.
أما الزكاة والصيام والحج وبقية الأمور الواجبة إذا اعتقدها وأنها واجبة، ولكن تساهل فلا يكفر بذلك، بل يكون عاصياً، ويكون إيمانه ضعيفاً ناقصاً؛ لأن الإيمان يزيد وينقص، يزيد الإيمان بالطاعات والأعمال الصالحات، وينقص بالمعاصي عند أهل السنة والجماعة.
أما الصلاة وحدها خاصة فإن تركها كفر عند كثير من أهل العلم وإن لم يجحد وجوبها، وهو أصح قولي العلماء، بخلاف بقية أمور العبادات، من الزكاة والصوم والحج ونحو ذلك، فإن تركها ليس بكفر أكبر على الصحيح، ولكن نقص في الإيمان، وضعف في الإيمان، وكبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، فترك الزكاة كبيرة عظيمة، وترك الصيام كبيرة عظيمة، وترك الحج مع الاستطاعة كبيرة عظيمة، ولكن لا يكون كفرا أكبر إذا كان مؤمنا بأن الزكاة حق، وأن الصيام حق، وأن الحج لمن استطاع إليه سبيلا حق، ما كذب بذلك ولا أنكر وجوب ذلك، ولكنه تساهل في الفعل، فلا يكون كافرا بذلك على الصحيح.
أما الصلاة فإنه إذا تركها يكفر في أصح قولي العلماء كفرا أكبر والعياذ بالله وإن لم يجحد وجوبها كما تقدم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة » أخرجه مسلم في صحيحه،
وقوله صلى الله عليه وسلم : « العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر » (3) أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربعة بإسناد صحيح ، والمرأة مثل الرجل في ذلك. نسأل الله العافية والسلامة.
وسئل رحمه الله مانصه :
وتقول السائلة: إن هناك شيئا يتردد بين أوساط الناس حيث يقولون: إن الصلاة يشترط لها الإسلام، والحج يشترط له الإسلام، فالإنسان قد يكون مسلما ولو لم يأت ببقية أركان الإسلام. فنريد تجلية هذا الموضوع. بارك الله فيكم؟
الجواب: نعم. هو مسلم بالشهادتين، فمتى أقر بالشهادتين ووحد الله عز وجل وصدق رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم دخل في الإسلام، ثم ينظر فإن صلى تم إسلامه، وإن لم يصل صار مرتدا، وهكذا لو أنكر الصلاة بعد ذلك صار مرتدا، أو أنكر صيام شهر رمضان صار مرتدا، أو قال الزكاة غير واجبة صار مرتدا، أو قال الحج مع الاستطاعة غير واجب، صار مرتدا، أو استهزأ بالدين أو سب الله أو سب الرسول صار مرتدا.
فهذا الأمر ينبغي أن يكون واضحا، فإذا دخل في الإسلام بالشهادتين حكم له بالإسلام، ثم ينظر بعد ذلك في بقية الأمور فإن استقام على الحق تم إسلامه، وإذا وجد منه ما ينقض الإسلام؛ من سب الدين، أو من تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو من جحد لما أوجبه الله سبحانه وتعالى من صلاة وصوم، أو جحد لما حرم الله كما لو قال: الزنا حلال، فإنه يرتد عن الإسلام بهذا، ولو صلى وصام، ولو قال أشهد أن لا إله إلا الله،
وأن محمدا رسول الله.
فلو قال: إن الزنا حلال، وهو يعلم الأدلة وقد أقيمت عليه الحجة، يكون كافرا بالله كفرا أكبر والعياذ بالله، أو قال: الخمر حلال، وقد بينت له الأدلة ووضحت له الأدلة ثم أصر يقول: إن الخمر حلال، يكون ذلك كفرا أكبر، عن الإسلام والعياذ بالله، أو قال مثلا: إن العقوق حلال، يكون ردة عن الإسلام والعياذ بالله، أو قال إن شهادة الزور حلال، يكون هذا ردة عن الإسلام بعد أن تبين له الأدلة الشرعية.
كذلك إذا قال: الصلاة غير واجبة، أو الزكاة غير واجبة، أو صيام رمضان غير واجب، أو الحج مع الاستطاعة غير واجب، كل هذه نواقض من نواقض الإسلام يكون بها كافرا والعياذ بالله.
إنما الخلاف إذا قال: إن الصلاة واجبة، ولكن أنا أتساهل ولا أصلي، فجمهور الفقهاء يقولون: لا يكفر ويكون عاصيا يستتاب فإن تاب وإلا قتل حدا.
وذهب آخرون من أهل العلم وهو المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم أنه يكفر بذلك كفرا أكبر، فيستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا؛ لقول الله جل وعلا: { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } [التوبة: 5] ، فدل ذلك على أن الذي لا يقيم الصلاة لا يخلى سبيله ، بل يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وقال سبحانه: { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين } (2) [التوبة: 11] ، فدل ذلك على أن الذي لا يقيم الصلاة ولا يصلي ليس بأخ في الدين.اهـ
22 ـ العلامة المحدث عبيد الله الرحماني المباركفوري رحمه الله :
قال رحمه الله في (مرعاة المفاتيح) (1/36-37) : " وقال السلف من الأئمة الثلاثة؛ مالك والشافعي وأحمد وغيرهم من أصحاب الحديث : هو اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالأركان؛ فالإيمان عندهم مركب ذو أجزاء، والأعمال داخلة في حقيقة الإيمان، ومن هاهنا نشأ لهم القول بالزيادة والنقصان –بحسب الكمية- ... قيل : وهو مذهب المعتزلة والخوارج؛ إلا أن السلف لم يجعلوا أجزاء الإيمان متساوية الأقدام، فالأعمال عندهم كواجبات الصلاة، لا كأركانها، فلا ينعدم الإيمان بانتفاء الأعمال، بل يبقى مع انتفائها، ويكون تارك الأعمال –وكذا صاحب الكبيرة- مؤمنا فاسقا لا كافرا، بخلاف جزءيه : التصديق والإقرار؛ فإن فاقد التصديق وحده منافق، والمخل بالإقرار وحده كافر، وأما المخل بالعمل وحده ففاسق؛ ينجو من الخلود في النار ويدخل الجنة.اهـ
23 ـ العلامة محمد أمان الجامي رحمه الله :
قال رحمه الله في "شرح الأصول الثلاثة" -عند قول الإمام المجدد رحمه الله: "وأدناها إما طة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان"- : "وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، إماطة الأذى عن الطريق عملٌ من أعمال الجوارح ، جعل النبي عليه الصلاة والسلام ذلك من الإيمان ومن تمام إيمانك أن تحب لأخيك المسلم ما تحبه لنفسك وأن تكره لأخيك المسلم ما تكره لنفسك.
(أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)، وبين أعلاها وأدناها شعب تتفاوت، الصلاة شعبة من الإيمان ، الجهاد شعبة من الإيمان ، الزكاة شعبة من الإيمان ، وطلب العلم شعبة من الإيمان ، إذاً الإيمان يتألف من شعب كثيرة ، وليس مجرد التصديق وليس مجرد الإقرار لذلك فلنسمع هذا التعريف الشارح الذي شرح الإيمان من كلام ابن القيم قال رحمه الله:"الإيمان هو حقيقةٌ مركبةٌ من معرفة ما جاء به الرسول علماً وتصديقاً عقداً والإقرار به نطقاً والانقياد له محبة وخضوعاً ، والعمل به ظاهراً وباطناً وتمثيله والدعوة إليه بحسب الإمكان وكماله في الحب في الله وفي البغض في الله ، والعطاء لله والمنع لله وأن يكون الله وحده إلهه ومعبودة والطريق إليه تجريد المتابعة للرسول ظاهراً وباطناً وتغميض عين القلب عن الالتفات [عمَّا ] سوى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم".
وهذا هو الإيمان ، الإيمان مركب ومما ينتقد على علماء الكلام ،
أهل السنة يقولون كيف يكون الإيمان مركباً ؟ لأن المركب إذا أزيل بعض أجزائه زال كله ، وهذا غير صحيح ما الذي يُرد على هذا ؟ يرد عليه الحديث السابق الذكر"الإيمان بضع وستون شعبة " لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الشُعب متفاوتة الشعبة الأولى هي التي يزول الإيمان بزوالها إذا زالت الشعبة الأولى شعبة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله زال الإيمان كله لا يبقى شيء ، وهل إذا ترك الشعبة الأخيرة مر الإنسان في الطريق على الأذى فلم يزله ، هل يزول إيمانه ؟ لا ، ينقص الشُعب الأخرى غير الشعبة الأولى بزوالها ينقص الإيمان بقدر ما يترك الإنسان شعبة من الشُعب وبقدر ما يرتكب من المحرمات والمعاصي ينقص إيمانه ولا يزول ، وإنما يزول بزوال كلمة التوحيد والكفر بها والإتيان بما يناقضها" .اهـ

ومما ينبه عليه أيضا في هذا المقام أن بعضهم ينقل الإجماع على كفر تارك العمل أو على كفر تارك الصلاة تهاونا وكسلا من غير جحود وهذا ليس بصحيح البتة وهو مجرد دعوى لا برهان عليه وقد بينا عن غير واحد من السلف يحكي الخلاف في ذلك منهم الإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهما.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل كما في "مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله" ( ص: 438-439 : (
سمعت أبي يقول : ما يدعي الرجل فيه الإجماع هذا الكذب من ادعى الإجماع فهو كذب لعل الناس قد اختلفوا ..اهـ
فبعد هذه الأدلة والنقولات السلفية قد بان لكل منصف أنه من يقول بعدم تكفير تارك عمل الجوارح لا يجوز أن يقال فيه أنه مرجئ بل هو من أهل السنة والذي يقول أنه مرجئ فإنما يطعن في أئمة كبار من أئمة الإسلام والسنة والتوحيد ،وهذا الرامي بالإرجاء إنما يدور في فلك الخوارج شر الخلق والخليقة.
أيها الحدادي الجهول لقد قال بهذا القول طائفة كثيرة من أهل السنة والجماعة قديما وحديثا وهو الذي ندين الله به ،والرزية كل الرزية أن يأتي غرّ لئيم مثل وائل الحدادي ويرمي علماء السنة ممن لم يكفروا تارك العمل بالإرجاء أو وافقوا المرجئة! كيف ذلك وهم يفارقونهم في أصولهم الضالة الباطلة وقد سبق ذكرها فتنبه!

قال وائل الحدادي في (ص : 11 ) :
"لا شك أن فعلك هذا تدليس كبير على القارئ لأن هناك جملة من أهل العلم قد نقلوا الإجماع أيضا على أن الإيمان قول وعمل.اهـ
قلت : ارحم نفسك ولا تهلكها ياأيها الجهول الحدادي هل الشيخ ربيع حفظه الله لا يرى أن الإيمان قول وعمل ؟
في كتاب أو مقال ذكر الشيخ ربيع حفظه الله إن الإيمان قول فقط دون العمل أو العكس لأن مفاد كلامك لا يفهم منه إلا هذا ؟
فلماذا هذا التلبيس والتدليس فالشيخ حفظه الله يحارب الإرجاء والمرجئة وكتبه ودروسه أكبر شاهد على ذلك ويقرر أن الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وأن الأعمال لا تخرج عن مسمّى الإيمان في غير ما موضع.
فلماذا هذه الحرب الشرسة على أهل السنة السلفيين وعلمائها ؟
وحال الحدادية وغيرهم من أهل البدع كحال من قيل فيه:
يا ناطح على الجبل العالي ليكلمه ... أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل

قال وائل الحدادي في (ص :11) :"لقد ذكر المردود عليه -أي:عادل الحدادي- في تعليقه جماعة من أهل العلم نقلوا هذا الإجماع ومنهم وهو أصرحهم في تعليقه الإمام الآجري حيث قال في كتابه الشريعة (2/684): "من قال :الإيمان قول دون العمل يقال له :رددت القرآن والسنة وما عليه جميع العلماء وخرجت من قول المسلمين وكفرت بالله العظيم". اهـ
1 ـ لماذا هذا التشغيب والإرجاف على أهل السنة السلفيين؟
وهل الشيخ ربيع حفظه الله يعتقد هذه العقيدة الباطلة –أي:أن الإيمان قول دون العمل ؟
ولماذا بترت تكملة كلام الإمام الآجري رحمه الله ؟؟
وما ذلك إلا أنه يفضحك ويبين سوء طويتك ، ويبين إرجافك على أهل السنة السلفيين لأن الإمام الآجري رحمه الله يقصد أنه من اعتقد أن الله تعالى يريد من عباده القول فقط ولم يرد منهم العمل فهذا هو الكافر بالله العظيم وهو الذي ردّ ما دلّ عليه القرآن والسنة وخرج من قول المسلمين.
وها أنا أنقل كلام الإمام الآجري بتمامه حيث قال رحمه الله :
"من قال : الإيمان قول دون العمل ، يقال له : رددت القرآن والسنة ، وما عليه جميع العلماء ، وخرجت من قول المسلمين ، وكفرت بالله العظيم فإن قال : بم ذا ؟ قيل له : إن الله عز وجل ، أمر المؤمنين بعد أن صدقوا في إيمانهم : أمرهم بالصلاة والزكاة ، والصيام والحج والجهاد ، وفرائض كثيرة ، يطول ذكرها ، مع شدة خوفهم على التفريط فيها ، النار والعقوبة الشديدة ، فمن زعم أن الله تعالى فرض على المؤمنين ما ذكرنا ، ولم يرد منهم العمل ، ورضي منهم بالقول ، فقد خالف الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم".اهـ
2 ـ انظر أيها القارئ اللبيب إلى مكر وخبث هؤلاء وتلبيسهم وتدليسهم وكيف يصوِّرون للمخدوعين بهم أن أهل السنة السلفيين يقولون بأنَّ الإيمان قول بلا عمل ، وعلى رأس هؤلاء ربيع بن هادي حفظه الله كما فعل هذا الغرّ اللئيم هنا بهتانا وزورا، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على إفلاسهم من الحجج والبراهين ، فيحاولون بهذه الأساليب المخزية تهويل قول مخالفهم وأنه كقول المرجئة بل تعدّى فجورهم أن رموهم بأنهم دعاة المرجئة في هذا العصر والعياذ بالله.
3 ـ اذكر لنا أيها المفتري أين قال الشيخ ربيع حفظه الله : إن الله تعالى أمر عباده بالصلاة والزكاة ، والصيام والحج والجهاد ، وفرض عليهم فرائض كثيرة يطول ذكرها ، ولم يرد منهم العمل ، ورضي منهم بالقول فقط ؟؟
فإن لم تجد من ذلك شيئاً،-ولن تجد- فاتق الله ولا تحرِّف كلام أهل العلم لهوى في نفسك وتضرب العلماء بعضهم ببعض كما عرفت بهذه الخصلة الذميمة القبيحة المستهجنة.
4 ـ هل خلاف الشيخ ربيع حفظه الله معكم هو في أن الإيمان قول دون عمل ؟
أم أنكم لم يسعكم ماوسع السلف في اختلافهم في تارك العمل وكفر تارك الصلاة تهاونا وتكاسلا من غير جحود؟
وبالمقابل ترمون أئمة السلف قديما وحديثا _أي: الذين لم يكفروا تارك الصلاة تهاونا وتكاسلا - بالإرجاء؟
أو الخلاف معكم كذلك في إثبات أصل الإيمان من عدمه لمن ترك الأعمال أو مباني أركان الإسلام دون الشهادتين كماسبق بيان ذلك.
قال وائل الحدادي في (ص10) :-مدافعا على قول عادل الحدادي :"لا يقبل إيمان أحد إلا إذا استكمل أركان الإيمان الثلاثة"- فعلق بقوله:إن هذا الذي تنتقده على المردود عليه هو كلام للسلف وليس من كيس فلان أو علان ،فانتقادك إياه انتقاد للسلف الكرام ،وإلا فما رأيك فيما صح عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال: إن للإيمان فرائض وشرائع وحدوداً وسنناً فمن استكملها استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان فإن أعش فسأبينها لكم حتى تعلموا بها وإن متّ فأنا على صحبتكم بحريص.اهـ
1 ـ قد بينا أن الذي يترك العمل لا يكفر عند جمهور أهل العلم وذكرنا الأدلة على ذلك مع عدة نقولات للسلف في ذلك فلتراجع.
2 ـ كلام عمر بن عبد العزيز رحمه الله في واد وأنت في واد وما بينكما واد بل وديان ، وهذا إن دل على شيء فإما يدل على جهلك الفاضح بمعتقد السلف الصالح ولم تأخذ بفهم السلف الصالح فالخوارج الأوليين استقلوا بأفهامهم دون فهم الصحابة رضي الله عنهم كذلك الخوارج المتأخرين استقلوا بأفهامهم دون فهم علمائهم وأكابرهم.
ووجه الشاهد أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله مفاد كلامه أنه ينفي كمال الإيمان تأمل في قوله :" من استكملها استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان "
ومن المقرر شرعا أنَّ زوال كمال الإيمان لا يلزم منه زوال أصله إلا عند الخوارج وما تفرّع منهم من الحدادية .
3 ـ كلام عمر بن عبد العزيز رحمه الله حجة عليك لا لك وهو يفسد عليك ما أردته من تقريرك لمذهب الخوارج الذي أنت تسير فيه .
فقد بين رحمه الله أن الذي لم يأت بالفرائض والشرائع والحدود والسنن لم يستكمل الإيمان أي: عنده أصل الإيمان لكن فيه نقص وهذا الكلام يعرفه من شم رائحة العلم السلفي ويعرفه من لم تتنجّس فطرته بآراء فاسدة وشبهات باطلة ،ويعرفه أطفال أهل الحديث فضلا عن علمائهم .
فأهل العلم يقرّرون أن المقصود أن عدم كمال الإيمان لا يراد به زوال أصل الإيمان لأن الإيمان على شعب كما جاء في الحديث ، وقد دلت أدلة لا تعد ولا تحصى على هذا المعنى منها :
عن أبي شريح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل ومن يا رسول الله قال الذي لا يأمن جاره بوائقه.[17]
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن.[18]
ففي هذا الحديثين نفي لكمال الإيمان لمن اتصف بهذه الصفات الشنيعة لكنه مسلم عاص يستحق العقوبة ولم يزل منه أصل الإيمان وإن رغمت أنف وائل الحدادي.
4 ـ لو سألك سائل ماقولك في الذي يترك السنن هل استكمل الإيمان أو لم يستكمله ؟
جوابك بلا شك هو لا وألف لا ؟
وهل الذي لم يستكمل الإيمان ينفى عنه أصل الإيمان ؟؟

قال وائل الحدادي في (ص :10) :"فالنزاع ليس في ترك جنس العمل وإنما في ترك بعض أفراده كالزكاة والصيام والحج ،فأما الصلاة مجمعون على كفر تاركها ولا يعلم خلاف بينهم في ذلك.اهـ
وقال في (ص :70) :"لقد بنيت عدم ثبوت إجماع الصحابة لتكفير تارك الصلاة على تضعيفك لأثر عبد الله بن شقيق وهو تضعيف عليل ومجازفة عجيبة وجرأة على أهل العلم السابقين من المتقدمين والمتأخرين.اهـ

فما أجهلك أيها الجهول وما أظنك إلا أنك لم تعرف لغة العلم والمصطلحات الشرعية ،ولا تدري أنك لا تدري فتارك الصلاة تهاونا وكسلا الغير الجاحد لها فحكمه محلّ خلاف بين أهل العلم قديما وحديثا والجمهور على عدم تكفيره -وإن رغمت أنف وائل التكفيري الحدادي- وهو مذهب الأئمة الأربعة وفي رواية لأحمد يرى تكفيره .
ووجه الشاهد أن المسألة محلّ خلاف بين أهل السنة فمن الجهل والسفة أن يرمى جمهور أهل السنة الذين لم يكفروا تارك الصلاة بالإرجاء أو وافقوا المرجئة الضلال ،ومما ينبه عليه أن الحدادية الفجرة جعلوا هذه المسألة محل ولاء وبراء ومحاربة علماء السنة الذين لا يرون بكفره ورميهم بالإرجاء.
بيان أن تارك الصلاة تهاونا وكسلا من غير جحود محل خلاف بين أهل العلم وأقوال العلماء في ذلك:
1 ـ قال الإمام أحمد كما في "طبقات الحنابلة"(1/343): والإيمان قول وعمل يزيد وينقص: زيادته إذا أحسنت، ونقصانه: إذا أسأت. ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرجه من الإسلام شيء إلا الشرك بالله العظيم، أو يرد فريضة من فرائض الله عز وجل جاحدا بها، فإن تركها كسلا أو تهاونا كان في مشيئة الله، إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه.اهـ
ويؤكد هذا ما رواه الخلال في "السنة" (1/588) قال: أخبرنا محمد بن علي قال: ثنا صالح قال: سألت أبي-أي:الإمام أحمد-: ما زيادته ونقصانه؟ قال زيادته العمل، ونقصانه ترك العمل، مثل تركه الصلاة والزكاة والحج، وأداء الفرائض فهذا ينقص ويزيد بالعمل وقال: إن كان قبل زيادته تاما فكيف يزيد التام فكما يزيد كذا ينقص، وقد كان وكيع قال: ترى إيمان الحجاج مثل إيمان أبي بكر وعمر رحمهما الله ؟.اهـ

2 ـ قال الإمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله قد حكينا مقالة هؤلاء الذين أكفروا تارك الصلاة متعمدا وحكينا جملة ما احتجوا به وهذا مذهب جمهور أصحاب الحديث وقد خالفتهم جماعة أخرى عن أصحاب الحديث فأبوا أن يكفروا تارك الصلاة إلا إن يتركها جحودا أو إباء واستكبارا واستنكافا ومعاندة فحينئذ يكفر وقال بعضهم تارك الصلاة كتارك سائر الفرائض عن الزكاة وصيام رمضان والحج وقالوا الأخبار التى جاءت في الإكفار بترك الصلاة نظير الأخبار التي جاءت في الإكفار بسائر الذنوب نحو قوله صلى الله عليه و سلم سباب المسلم فسوق وقتاله كفر
1003 - ولا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض
1004 - وقوله صلى الله عليه و سلم لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه فقد كفر
1005 - أ وقوله صلى الله عليه و سلم من حلف بغير الله فقد أشرك
1005 - ب والطيرة شرك
1006 - وما قال مسلم لمسلم كافر إلا باء به
أحدهما ومما أشبه هذه الأخبار قالوا وقد وافقنا جماعة أصحاب الحديث على من ارتكب بعض هذه الذنوب لا يكون كافرا مرتدا يجب استتابته وقتله على الكفر إن لم يتب وتأولوا لهذه الأخبار تأويلات اختلفوا في تأويلاتها قالوا وكذلك الأخبار التي جاءت في إكفار تارك الصلاة يحتمل من التأويل ما احتمله سائر الأخبار التي ذكرناها واحتجوا مع هذا لتركهم الإكفار بترك الصلاة بأخبار استدلوا بها على أن تارك الصلاة حتى يذهب وقتها لا يكفر إذا لم يتركها إباء ولا جحودا ولا استكبارا.
باب ذكر الأخبار التي احتجت به هذه الطائفة التي لم تكفر بترك الصلاة
-ثم أورد أدلة القائلين بعدم تكفيره-.[19]
وقال رحمه الله : وكان من ذهب هذا المذهب يعني عدم التكفير من علماء أصحاب الحديث: الشافعي رضي الله عنه وأصحابه، وأبوثور وغيره، وأبوعبيد في موافقيهم.اهـ[20]
فأنت ترى المروزي رحمه الله، وهو ممن يكفر تارك الصلاة يصف المخالفين الذين لم يكفروا تارك الصلاة كسلا وتهاونا غير الجاحد لها بأنهم من أهل العلم وأصحاب الحديث لا على طريقة الحدادية التكفيرية الذين اتخذوا هذه المسألة ذريعة لرمي علماء السنة والتوحيد بالإرجاء.
3 ـ وقال أبو عثمان الصابوني في"عقيدة السلف وأصحاب الحديث" ص (278 279): واختلف أهل الحديث في ترك المسلم الصلاة متعمدًا: فكفَّره أحمد بن حنبل، وجماعة من علماء السلف رحمهم الله وأخرجوه به من الإسلام.... وذهب الشافعي وأصحابه وجماعة من علماء السلف رحمة الله عليهم أجمعين إلى أنه لا يكفر، ما دام معتقدًا لوجوبِها. اهـ
4 ـ وذكر الإسماعيلي في كتاب "اعتقاد أهل السنة" ص(40-41) الاختلاف بين أهل السنة في ذلك، فقال: واختلفوا أي أهل السنة الذين يتكلم الإسماعيلي عن عقيدتهم في متعمدي ترك الصلاة المفروضة.... فكفَّره جماعة ....وتأول جماعة منهم أنه يريد بذلك من تركها جاحدًا لها...اهـ
5 ـ وقال البغوي في "شرح السنة" (2/179): اختلف أهل العلم في تكفير تارك الصلاة المفروضة عمدًا..اهـ
6 ـ وقال ابن عبدالبر في "التمهيد" (4/242) -في سياق كلامه على بعض أدلة من لم يكفِّر تارك الصلاة-: هذا قول قال به جماعة من الأئمة، ممن يقول: الإيمان قول وعمل، وقالت به المرجئة أيضًا، إلا أن المرجئة تقول: المؤمن المقر؛ مستكمل الإيمان، وقد ذكرنا اختلاف أئمة أهل السنة والجماعة في تارك الصلاة..اهـ
وقال غفر الله له كما في "التمهيد" (4/240-241:) ذكر ما يدل على أن ابن شهاب لا يرى كفر تارك الصلاة، ثم قال: وابن شهاب القائل ما ذكرنا، هو القائل أيضًا في قول النبي صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس، حتى يقولوا: لا إله إلا الله": كان ذلك في أول الإسلام، ثم نزلت الفرائض بعد، وقوله هذا يدل على أن الإيمان عنده؛ قول وعمل، والله أعلم.
قال: وهو قول الطائفتين اللتين ذكرنا قولهم قبل قول ابن شهاب، كلهم يقولون: الإيمان قول وعمل، وقد اختلفوا في تارك الصلاة، كما علمت..اهـ
7 ـ قال أبو محمد عبدالحق الإشبيلي، المعروف بابن الخراط في "الصلاة والتهجد" ص(96) بعد أن ذكر من قال بتكفير تارك الصلاة: وذهب سائر المسلمين من أهل السنة، المحدِّثين وغيرهم، إلى أن تارك الصلاة، متعمدًا؛ لا يكفر بتركها، وأنه إنما أتى كبيرة من الكبائر، إذا كان مؤمنًا بها، مقرًا بفرضها..اهـ
8 ـ قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2 / 156 – 170)–بعد ذكر القول الأول في تكفير الصلاة-والرواية الثانية يقتل حدا مع الحكم بإسلامه كالزاني المحصن وهذا اختيار أبي عبد الله بن بطة وأنكر قول من قال إنه يكفر وذكر أن المذهب على هذا لم يجد في المذهب خلافا فيه وهذا قول أكثر الفقهاء وقول أبي حنيفة ومالك والشافعي وروي عن حذيفة أنه قال يأتي على الناس زمان لا يبقى معهم من الإسلام إلا قول لا إله إلا الله فقيل له وما ينفعهم قال تنجيهم من النار لا أبا لك وعن والان قال انتهيت إلى داري فوجدت شاة مذبوحة فقلت من ذبحها قالوا غلامك قلت والله إن غلامي لا يصلي فقال النسوة نحن علمناه فسمى فرجعت إلى ابن مسعود فسألته عن ذلك فأمرني بأكلها الدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله وعن أبي ذر قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة وعن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من عمل وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة متفق على هذه الأحاديث كلها ومثلها كثير وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة ولو كان كافرا لم يدخله في المشيئة وقال الخلال في جامعه ثنا يحيى ثنا عبد الوهاب نا هشام بن حسان عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبي شميلة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى قباء فاستقبله رهط من الأنصار يحملون جنازة على باب فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذا قالوا مملوك لآل فلان كان من أمره قال أكان يشهد أن لا إله إلا الله قالوا نعم ولكنه كان وكان فقال أما كان يصلي فقالوا قد كان يصلي ويدع فقال لهم ارجعوا به فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه وادفنوه والذي نفسي بيده لقد كادت الملائكة تحول بيني وبينه وروى بإسناده عن عطاء عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوا على من قال لا إله إلا الله ولأن ذلك إجماع المسلمين فإننا لا نعلم في عصر من الأعصار أحداً من تاركي الصلاة ترك تغسيله والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين ولا منع ورثته ميراثه ولا منع هو ميراث مورثه ولا فرق بين زوجين لترك الصلاة مع أحدهما لكثرة تاركي الصلاة ولو كان كافرا لثبتت هذه الأحكام كلها ولا نعلم بين المسلمين خلافا في أن تارك الصلاة يجب عليه قضاؤها ولو كان مرتدا لم يجب عليه قضاء صلاة ولا صيام وأما الأحاديث المتقدمة فهي على سبيل التغليظ والتشبيه له بالكفار لا على الحقيقة كقوله عليه السلام سباب المسلم فسوق وقتاله كفر وقوله كفر بالله تبرؤ من نسب وإن دق وقوله من قال لأخيه يا كافر فقد باء لها أحدهما وقوله من أتى حائضا أو امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد قال ومن قال مطرنا بنوء الكواكب فهو كافر بالله مؤمن بالكواكب وقوله من حلف بغير الله فقد أشرك وقوله شارب الخمر كعابد وثن وأشباه هذا مما أريد به التشديد في الوعيد وهو أصوب القولين والله أعلم .
9 ـ وقال النووي رحمه الله في "المجموع"(3/17ـ19) : فرع في مذاهب العلماء فيمن ترك الصلاة تكاسلا مع اعتقاده وجوبها فمذهبنا المشهور ما سبق أنه يقتل حدا ولا يكفر وبه قال مالك والأكثرون من السلف والخلف وقالت طائفة يكفر ويجري عليه أحكام المرتدين في كل شيء وهو مروي عن علي بن أبي طالب وبه قال ابن المبارك وإسحاق بن راهويه وهو أصح الروايتين عن أحمد وبه قال منصور الفقيه من أصحابنا كما سبق وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وجماعة من أهل الكوفة والمزني لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي واحتج لمن قال بكفره بحديث جابر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة رواه مسلم بهذا اللفظ وهكذا الرواية الشرك والكفر بالواو وفي غير مسلم الشرك أو الكفر وأما الزيادة التي ذكرها المصنف وهي قوله فمن تركها فقد كفر فليست في صحيح مسلم وغيره من الأصول وعن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر رواه الترمذي والنسائي قال الترمذي حديث حسن صحيح وعن شقيق بن عبد الله العقيلي التابعي المتفق على جلالته قال كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة رواه الترمذي في كتاب الإيمان بإسناد صحيح واحتجوا بالقياس على كلمة التوحيد واحتج لأبي حنيفة وموافقيه بحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزان والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة رواه البخاري ومسلم وهكذا الرواية الزان وهي لغة واللغة الفاشية الزاني بالياء وبالقياس عى ترك الصوم والزكاة والحج وسائر المعاصي واحتج أصحابنا على قتله بقول الله تعالى فاقتلوا المشركين إلى قوله تعالى فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم رواه البخاري ومسلم وبحديث نهيت عن قتل المصلين وبالقياس على كلمة التوحيد واحتجوا على أنه لا يكفر لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خمس صلوات افترضهن الله من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له ومن لم يفعل فليس له على الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه حديث صحيح رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة وبالأحاديث الصحيحة العامة كقول صلى الله عليه وسلم من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة رواه مسلم وأشباهه كثيرة ولم يزل المسلمون يورثون تارك الصلاة ويورثون عنه ولو كان كافرا لم يغفر له ولم يرث ولم يورث وأما الجواب عما احتج به من كفره من حديث جابر وبريدة ورواية شقيق فهو أن كل ذلك محمول على أنه شارك الكافر في بعض أحكامه وهو وجوب القتل وهذا التأويل متعين للجمع بين نصوص الشرع وقواعده التي ذكرناها وأما قياسهم فمتروك بالنصوص التي ذكرناها والجواب عما احتج به أبو حنيفة أنه عام مخصوص بما ذكرناه وقياسهم لا يقبل مع النصوص فهذا مختصر ما يتعلق بالمسألة والله أعلم بالصواب فرع في الإشارة إلى بعض ما جاء في فضل الصلوات الخمس فمن ذلك ما ذكرناه في الفرع قبله وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء قالوا لا يبقى من درنه شيء قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا رواه البخاري ومسلم وعن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الصلوات الخمس كمثل نهر غمر على باب أحدكم يغسل منه كل يوم خمس مرات رواه مسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم يغش الكبائر رواه مسلم.اهـ
10 ـ قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في "شرح العمدة" (4/ 92): فأما إذا لم يُدع ولم يَمتنع: فهذا لا يجري عليه شيء من أحكام المرتدين في شيء من الأشياء، ولهذا لم يعلم أنَّ أحداً من تاركي الصلاة تُرك غسله والصلاة عليه ودفنه مع المسلمين ولا منع ورثته ميراثه ولا إهدار دمه بسبب ذلك، مع كثرة تاركي الصلاة في كل عصر، والأمة لا تجتمع على ضلالة؛ وقد حمل بعض أصحابنا أحاديث الرجاء على هذا الضرب.اهـ
وقال رحمه الله كمافي "الاختيارات الفقهية"(ص:32): مَنْ كفر بترك الصلاة؛ الأصوب: أن يصير مسلماً بفعلها، مِن غير إعادة الشهادتين؛ لأنَّه: كفره بالامتناع، كإبليس.اهـ
11 ـ وقال شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله في "الصلاة وحكم تاركها "(ص:38): المسألة الثانية: أنه لا يُقتل حتى يُدعى إلى فعلها فيمتنع؛ فالدعاء إليها لا يستمر، ولذلك أذن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في الصلاة نافلة خلف الأمراء الذين يؤخرون الصلاة حتى يخرج الوقت، ولم يأمر بقتالهم، ولم يأذن في قتلهم؛ لأنهم لم يصروا على الترك، فإذا دُعيَ فامتنع لا من عذر حتى يخرج الوقت: تحقق تركه وإصراره.اهـ

فبعد هذه الأدلة والنقولات السلفية قد بان لكل منصف أن القول بأن أهل العلم أجمعوا على تكفير تارك الصلاة تهاونا وكسلا من غير جحود ليس بصحيح البتة بل الجماهير من أهل العلم قديما وحديثا على عدم تكفير من كان هذا حاله -وإن رغمت أنوف الحدادية الخوارج-،وهو الذي ندين الله به ،والرزية كل الرزية أن يأتي مثل هؤلاء الحدادية الفجرة ويرمون علماء السنة ممن لم يكفروا تارك الصلاة تهاونا وكسلا من غير جحود بأنهم طرأت عليهم شبهة المرجئة ، أو قولهم قول المرجئة فقاتلهم الله أنى يؤفكون.
قال وائل الحدادي في (ص :11) :" إنني أزفّ إليك ولكل من تعصب بجهل وهوى لقولك يا شيخ ربيع جملة من كلام السلف وأهل العلم السائرين على نهجهم ذكروا فيها الإجماع تصريحا أو تلميحا على أنه لا يصح الإيمان بغير اجتماع هذه الأركان الثلاثة.
-ثم ذكر أكثر من عشرين نقلا عن السلف مفاده تقرير أن الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وأن الذي يقرر أن الإيمان قول فقط أو لا يزيد ولا ينقص وأن الإيمان لا يتبعض ولا يتجزّأ ونحو ذلك فهو مرجئ-.
قلت : الشيخ ربيع حفظه الله لم يخالف أهل السنة السلفيين قديما وحديثا في مسائل الإيمان وكتبه ومقالاته أكبر شاهد على ذلك ،وهو يرى حفظه الله ويقرر أن الإيمان قول وعمل واعتقاد والخلاف معكم يا أيها الحدادية في من أتى بأصل الإيمان وهو الشهادتان وترك باقي الأركان الأربعة تهاونا وتكاسلا لا جاحدا لها بمعنى أنكم ترمون أهل السنة السلفيين من ترجح عنده بالأدلة الشرعية عدم كفر تارك المباني الأربعة دون الشهادتين ترمونه بالإرجاء فقاتلكم الله ما أقبح صنيعكم وفجوركم ،وقد ذكرنا أنه قول من أقوال أهل السنة وهو الذي تدل عليه الأدلة مثل أحاديث الشفاعة وحديث البطاقة وغيرهما وقد سبق بيان ذلك فليراجع.
قال شيخنا الشيخ ربيع حفظه الله : صحيح أن للإيمان ثلاثة أركان: الاعتقاد بالقلب والقول باللسان والعمل بالجوارح، وأركان العمل بالجوارح أربعة: الصلاة والزكاة والصيام والحج، وكثير من أهل السنة لا يكفرون إلا بترك الصلاة فقط، ولا يكفرون بباقي الأركان، فعلى ما نقله عادل من الإجماع من أنه لا يقبل إيمان أحد إلا إذا استكمل هذه الأركان الثلاثة يكون من لا يكفر بترك الزكاة والصيام والحج، -وهي أركان عظيمة للإيمان- من المرجئة.
2 ـ وهل الشيخ ربيع حفظه الله يقول: إن الإيمان قول دون عمل أو لا يزيد ولا ينقص حتى تحشد هذه النقولات كلها لتشغب وتوهم الناس أنه حفظه الله يخالفهم في تعريفهم للإيمان ؟!

قال وائل الحدادي في (ص :35) :"إن ردك لكلام الإمام الشافعي وعدم قبوله بحجة عدم وجوده في كتاب الأم فيه عدم الثقة بأهل العلم وإلصاق الكذب والريبة بهم لأنهم إذا لم يكن هذا الكلام كان موجودا في النسخة التي في زمانهم فمعناه أنهم كذبوا على الإمام الشافعي وحاشاهم من فعل سفاسف الأمور التي تشين صاحبها وترد علمه ، ولا شك أن أن مغبّة ذلك تعود إلى الطعن في شخص هذين الإمامين ومن ثم رد كثير من أقوالهما بنفس العلة أو بعلل سقيمة متقاربة.اهـ
قلت : الذي ينقل كلاما أو فتوى لأهل العلم وجدها في مصدر من كتب أهل السنة وتكون خطأ هل ينقص من قدر الناقل لها ؟
وهل تشين بصاحبه ويعتبر ذلك من سفاسف الأمور وتكون سببا في ردّ علمه كما تقرّر ذلك ؟
وهل يكون سببا في الطعن في الناقل الذي ظنه صحيح السند لقائله؟
هذا كله من الجهل والتخرّص ومن التخمين الباطل.

قال وائل الحدادي في (ص :39) :"قولك –أي:الشيخ ربيع-:ولا يوجد في كتبه لا "الأم" ولا غيرها" ، قول غير دقيق وكان جديرا بك أيها الشيخ أن تكون دقيق العبارة فتقيد كلامك بأنه لا يوجد في نسخ الكتاب "الأم" الموجود بيننا الآن.اهـ
قلت : إذا لم يكن موجودا كلام الإمام الشافعي رحمه الله في نسخ كتاب "الأم" الموجودة بيننا الآن ، فشمّر عن ساعدك وائت لنا ولو بنسخة واحدة من النسخ القديمة ودلّل وبرهن على ذلك وإلا يعتبر كلامك مجرّد دعوى ، والدعاوي ما لم يقيموا عليها بينات فأهلها أدعياء.
ولو ثبت عنه رحمه الله وخالف ماجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كأحاديث الشفاعة ونحوها لأتعظّم قول الإمام الشافعي أم قول الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم ؟

قال وائل الحدادي في (ص :39) :"قد علم اللالكائي وابن تيمية وجوده في كتاب الأم ونقلاه في كتابيهما فالواجب علينا كما قلت آنفا أن نستدرك هذا السقط على كل النسخ المطبوعة فلو قدر أن يطبع كتاب الأم من جديد لكان جديرا بمن يقوم على ذلك أن يدرج هذا النص في الموضع المشار إليه من الكتاب".اهـ
قلت : هل قرّر أهل العلم قديما وحديثا أو أوجبوا أنه إذا كان النقل من كتاب معين ولم يوجد فيه ذلك النقل أن يستدرك ويدرج في الموضع المشار إليه من الكتاب.
فأنت توجب على هذه الأمة المحمدية مالم يوجب عليها فاتق الله وتعلّم قبل أن تتكلّم وتشّرع للناس مالم يشرعه الله تعالى لعباده .

قال وائل الحدادي في (ص :42) :"إن هذا الكلام بهذه الطريقة فيه تهويل شديد –كالعادة- على القارئ لأن معناه أن أكثر الناس قربا من الشافعي لم ينقل عنه ذلك.اهـ
إذا كان أقرب الناس للإمام الشافعي لم ينقل عنه ذلك ، ونقله غيرهم ممن جاؤوا بعدهم بمئات السنين فهذا يحتاج إلى بينة خاصة إذا خالف هذا النقل ما عليه السلف الصالح .

قال وائل الحدادي في (ص :43) :"إن الربيع بن سليمان قد روى ذلك عن الإمام الشافعي لأنه هو راوي كتابه الأم .اهـ
أما تستحي أيها الجهول وتنسب لأهل العلم مالم يقولوه متى وأين وكيف روى الربيع بن سليمان عن الإمام الشافعي هذا الأثر؟
بل الذي ورد عن الربيع بن سليمان عن الإمام الشافعي أنه قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية دليل ذلك مايلي :
قال أبو نعيم في "الحلية" (9/114-115):
" حدثنا محمد بن عبد الرحمن حدثني أبو أحمد حاتم بن عبدالله الجهازي قال سمعت الربيع بن سليمان يقول سمعت الشافعي يقول: الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ثم تلا هذه الآية : (ويزداد الذين آمنوا إيمانا ...الآية
حدثنا عبدالله بن محمد بن يعقوب ثنا أبو حاتم قال: سمعت الربيع يحكي عن الشافعي قال ما أعلم في الرد على المرجئة شيئا أقوى من قول الله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة)".
وقال ابن عبد البر –رحمه الله- في "الانتقاء" (ص81):
"وذكر أبو القاسم عبيدالله بن عمر البغدادي الشافعي الذي استجلبه الحكم المستنصر بالله أمير المؤمنين وأسكنه الزهراء حدثنا محمد بن علي قال: نا الربيع قال سمعت الشافعي يقول: الإيمان قول وعمل واعتقاد بالقلب ألا ترى قول الله عز وجل: (وما كان الله ليضيع إيمانكم)، يعني صلاتكم إلى بيت المقدس، فسمى الصلاة إيمانا وهي قول وعمل وعقد، قال الربيع: وسمعت الشافعي يقول الإيمان يزيد وينقص".
وقال البيهقي –رحمه الله- في "مناقب الشافعي" (1/385):
" أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثني الزبير بن عبد الواحد الحافظ، بأسداباذ، قال: حدثني يوسف بن عبد الأحد، قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: سمعت الشافعي -رضي الله عنه- يقول: الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص".
وقال الحافظ ابن حجر –رحمه الله- في "فتح الباري" (1/46-47):
"وقال الحاكم في مناقب الشافعي :حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع قال : سمعت الشافعي يقول : الإيمان قول وعمل ، ويزيد وينقص . وأخرجه أبو نعيم في ترجمة الشافعي من الحلية من وجه آخر عن الربيع وزاد : يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية . ثم تلا (ويزداد الذين آمنوا إيمانا) الآية" .

قال وائل الحدادي في (ص :36 ـ 47) :"إني أتعجب جدا من تناقضك وغفلتك في كلامك هذا فإنك تقررما تهدم من حيث لادري فإنك تقول: فهؤلاء الأئمة:البخاري وأبو حاتم وأبو زرعة ينقلون تعريف الإيمان عن أئمة الإسلام في جميع أمصار المسلمين أنهم يقولون:الإيمان قول وعمل:أليس هذا تقريرا للإجماع؟وإذا كان هذا قول أئمة الإسلام في جميع أمصارالمسلمين فلماذا تنكره ولاتتقلده أليس وسعك ماوسعهم فلا وسع الله على من يسعه ماوسعهم.اهـ
قلت : والله إني لأتعجّب منك أشد التعجّب لجهلك المركب فالهوى يعمي ويصم ، فماأشد فجورك على أهل السنة لأنك تدرك تمام الإدراك أن الشيخ ربيع حفظه الله يقرر أن الإيمان قول وعمل ويحارب من يقول بخلاف هذا من الطوائف الضالة المنحرفة ،وينقل إجماع لأهل العلم في ذلك ، ثم ترميه بهتانا وزورا أنه لا يرى بأن الإيمان قول وعمل ولا يتقلده؟؟
والقارئ اللبيب إذا قرأ لك يا أيها الجهول تيقّن أنك دسيسة بين أوساط السلفيين وذلك لتمزيق صفهم وإحداث الفتن بينهم بمثل هذه الأساليب -التي يستحي منها حتى بعض الزنادقة-، لكن بحمد الله تبين للشرفاء خبثكم وسوء طويتكم.
هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آلله وسلم.
وكتبه :
عبد الحميد الهضابي
10/07 /1435


الحواشي :
[1] ـ قال الفضيل بن عياض رحمه الله : " أهل الإرجاء يقولون : الإيمان قول بلا عمل, وتقول الجهمية : الإيمان المعرفة بلا قول ولا عمل, ويقول أهل السنة : الإيمان المعرفة والقول والعمل " . انظر (السنة) للإمام عبد الله بن الإمام أحمد (ص347) .
[2] ـ قال شيخ الإسلام رحمه الله كمافي "مجموع الفتاوى" (12/471) : " وقابلتهم المرجئة والجهمية ومن اتبعهم من الأشعرية والكرامية, فقالوا: ليس من الإيمان فعل الأعمال الواجبة ولا ترك المحظورات البدنية, والإيمان لا يقبل الزيادة والنقصان بل هو شيء واحد يستوي فيه جميع المؤمنين من الملائكة والنبيين والمقربين والمقتصدين والظالمين " .
[3] ـ قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (7/393-394) : " أحمد وأبو ثور وغيرهما من الأئمة كانوا قد عرفوا أصل قول المرجئة وهو: أن الإيمان لا يذهب بعضه ويبقى بعضه فلا يكون إلا شيئا واحدا؛ فلا يكون ذا عدد اثنين أو ثلاثة؛ فإنه إذا كان له عدد أمكن ذهاب بعضه وبقاء بعضه, بل لا يكون إلا شيئا واحدا, ولهذا قالت الجهمية: أنه شيء واحد في القلب, وقالت الكرامية: أنه شيء واحد على اللسان؛ كل ذلك فرارا من تبعض الإيمان وتعدده فلهذا صاروا يناظرونهم بما يدل على أنه ليس شيئا واحدا " .
وقال رحمه الله كمافي "مجموع الفتاوى" (18/270) : " وأصلهم -أي أهل السنة- : أن الإيمان يتبعض فيذهب بعضه ويبقى بعضه, كما في قوله عليه الصلاة والسلام (يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان) ولهذا مذهبهم أن الإيمان يتفاضل ويتبعض؛ هذا مذهب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم " .
[4] ـ قال شيخ الإسلام رحمه الله كمافي "مجموع الفتاوى" (7/429): "وأما الاستثناء في الإيمان؛ بقول الرجل: أنا مؤمن إن شاء الله, فالناس فيه على ثلاثة أقوال: منهم من يوجبه, ومنهم من يحرمه, ومنهم من يجوز الأمرين باعتبارين, وهذا أصح الأقوال؛ فالذين يحرمونه هم المرجئة والجهمية ونحوهم ممن يجعل الإيمان شيئا واحدا يعلمه الإنسان من نفسه كالتصديق بالرب ونحو ذلك مما في قلبه؛ فيقول أحدهم: أنا أعلم أني مؤمن كما أعلم أني تكلمت بالشهادتين, وكما اعلم أني قرأت الفاتحة, وكما أعلم أني أحب رسول الله وأني أبغض اليهود والنصارى...وكما أنه لا يجوز أن يقال: أنا قرأت الفاتحة إن شاء الله كذلك لا يقول: أنا مؤمن إن شاء الله, لكن إذا كان يشك في ذلك فيقول: فعلته إن شاء الله, قالوا: فمن استثنى في إيمانه فهو شاك فيه وسموهم الشكاكة" .
[5] ـ "صفة المنافق" (ص74)
[6] ـ انظر: "السنة" للخلال (3/581)
[7] ـ انظر "شرح السنة" (ص57)
[8] ـ أخرجه البخاري (7439)، ومسلم (183) واللفظ له.
[9] ـ أخرجه الترمذي (2639)،وابن ماجه (4300) ، والحاكم (1937) وقال : صحيح الإسناد . وأخرجه أيضًا : الترمذى (2639) وصححه الألباني في "الصحيحة"(135).
[10] ـ أخرجه البخاري (7506)،ومسلم ( 2766 )،وأحمد (5/297) واللفظ له.
[11] ـ أخرجه ابن ماجه (4049) قال البوصيرى (4/94) : هذا إسناد صحيح رجاله ثقات . والحاكم (8460) وقال : صحيح على شرط مسلم . والبيهقى فى شعب الإيمان (2028) .، وصححه الألباني في "الصحيحة"(87).
[12] ـ أخرجه البزار كما فى "مجمع الزوائد" (1/17) ، والطبرانى فى "الأوسط" (4/12 ، رقم 3486) ، قال الهيثمى (1/17) : رجاله رجال الصحيح . وأبو نعيم فى "الحلية" (7/126) ، والبيهقى فى "شعب الإيمان" (1/109 ، رقم 97) . وأخرجه أيضًا : الديلمى (3/474 ، رقم 5467) ،وصححه الألأباني في "الصحيحة"(1932)،وفي "صحيح الجامع"(6434).
[13] ـ انظر:"طبقات الحنابلة" (1/343)،
قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في "المجموع" (5/396): " وأما رسالة أحمد بن حنبل إلى مسدد بن مسرهد فهي مشهورة عند أهل الحديث والسنة من أصحاب أحمد وغيرهم تلقوها بالقبول وقد ذكرها أبو عبد الله بن بطة في كتاب الإبانة واعتمد عليها غير واحد كالقاضي أبى يعلى وكتبها بخطه".
[14] ـ وكتاب الاعتقاد هذا من مطبوعات رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، وقد طبع بطلب من سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى .
قال محقق الكتاب (ص5) : " فقد أحال إليّ سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام ...كتاب الاعتقاد للإمام الحافظ البيهقي برقم (1277/خ وتاريخ 14/11/1406هـ) يطلب مني القيام بتخريج أحاديثه، والتنبيه على المسائل المخالفة لمذهب السلف الصالح مما أورد المؤلف فيه".
ثم قال المحقق في هامش (ص7) : " تنبيه : بعد تخريج أحاديث الكتاب والتعليق عليه طلب سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله من فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي مراجعته والإفادة عماّ يلاحظه عليه . فأجابه بأنه قرأ الكتاب من أوله إلى آخره .. وأنه لاحظ أنه فيه مواضع تحتاج إلى تعليق .. ثم علق عليها . وعددها ثمان تعليقات .. وعند ذلك أمر سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله بطبع الكتاب " .
[15] ـ قال محقق الكتاب الدكتور محمد بن عبد الله الغامدي في (1/4) وهو يتحدث عن عقيدة المؤلف : " ينفرد أبو محمد اليمني رحمه الله تعالى عمّن سبقه ممن كتب في الفرق بأنه سلفي العقيدة، وهذا ظاهر في كتابه؛ في ردوده على الفرق المخالفة لأهل السنة والجماعة، وعرضه لعقيدتهم، ثم ختم كتابه ببيان عقيدة أهل السنة والجماعة ...وتتضح عقيدته السلفية في تفاصيل كتابه؛ مبيناً لعقيدة السلف وناصراً لها ومدافعاً عنها، وراداً على خصومها " .
[16] ـ الشاهد من قوله في الإجابة على هذا السؤال هو:"لا هذا من أهل السنة"،مع أنه رحمه الله يكفّر تارك الصلاة ،فكم الفرق بين منهج هذا الإمام وبين منهج الحدادية الخوارج الجهلة.
[17] ـ أخرجه البخاري (6016)
[18] ـ أخرجه البخاري (2475).
[19] ـ "تعظيم قدر الصلاة"(2/925)
[20] ـ "تعظيم قدر الصلاة"(2/956)


التعديل الأخير تم بواسطة عبد الحميد الهضابي ; 08 Jun 2014 الساعة 10:36 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 07 Jun 2014, 11:50 PM
أبو عبد الرحمن الحراشي
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي عبد الحميد على ما أتحفتنا به من نقولات سلفية وفوائد أثرية
لقد أجدت وأفدت
إلا أنّ بحثك هذا أخي الكريم أرفع بكثير من أن تجعله مجرد رد على حدادي جهول وجد صفحات بيضاء فملأها بالكذب والفجور على أهل السنة
نسأله تعالى أن يكتب لك الأجر وأن يبارك فيك
أخوك ومحبك مصطفى خلفاوي
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27 Jun 2014, 11:03 PM
أبو إبراهيم هارون رشيد الجزائري أبو إبراهيم هارون رشيد الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
المشاركات: 7
افتراضي

جاء في فتوى للشيخ فركوس بعنوان جوابٌ عن إشكالٍ في فتوى: «في حكم تارك العمل بالكلِّيَّة مع القدرة» أن الذي يقول بعدم كفر تارك العمل بالكلية مع القدرة فإنه يوافق المرجئة نرجو الإفادة بارك الله فيكم.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28 Jun 2014, 12:40 AM
عبد الحميد الهضابي عبد الحميد الهضابي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Dec 2013
المشاركات: 300
افتراضي

الشيخ محمد علي فركوس حفظه الله يقرر ضمنا أن هذه المسألة اختلف فيها السلف فقد سئل حفظه الله مانصه :
لقد تطاول بعض المشتغلين بالعلم على أهل العلم ، وتجاسروا بالذات على الشيخ العلامة ـ محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله تعالى ، ووصفوه هو و تلامذته بالإرجاء لمخالفة لهم في حكم تارك الصلاة ، و لتصريحه بأنّ الأعمال الصالحة كلّها شرط كمالٍ عند أهل السنة .
فهل يجوز شرعا أن يوصف المخالف في هاتين المسألتين من كلا الجانبين بالإرجاء ؟
أفيدونا زادكم الله من فضله و سدّد خُطاكم .
فأجاب بقوله :
إنّ الشيخ العلامة محمد ناصر الدّين الألباني أحد أئمّة الدعوة السلفية في عصرنا الحاضر و هو محدّث العصر و حافظ العصر و من أشدِّ الذابين عن السنة النبوية المطهّرة و عن أهلها ، وقد كان له الفضل في بيان أصول المنهج السلفي السوّي و دعا إلى الانتساب إليه إيمانا و اعتقادا ، فِقه و فهما و عبادةً و سلوكا وتربيةً وتزكية ، فكان فعلا محيي السنّة و قامِع للبدعة و مجدّد هذا العصر و هو من الأوائل الداعّين إلى نبذ التقليد و التزام الدليل ، و لا شك أنه لا يسعنا هذا أن نجلس في تِعداد فضائله الكثيرة التي لا نستوفي حقّها .

أمّا وصفه بالإرجاء ، فلا ينبغي أن يوصفَ في مثل هذه المسائل كمسألة حكم تارك الصلاة التي أختلف فيها السلف من أهل السنة و الجماعة و لا علاقة لها بمسائل الإرجاء لا من بعيد و لا من قريب ، ذلك بأنّ السلف و علماء السلف الذين ذهبوا إلى القول بأنّ تارك الصلاة تكاسلا و عمدا أنّه مؤمن عاصي فكفرهُ كفرُ عمل لا ينقله عن الملّة ، هؤلاء أمثال الإمام مالك و الشافعي و . . . و الزهري و . . بن زيد وأبي حنيفة و أصحاب الرأي بل هو المشهور عن جمهور المتأخرّين ، بل أنّ الحنابلة أو جمهور الحنابلة يذهبون إلى هذا القول و هو اختيار أبي محمد المقدسي رحمه الله في المغني ، حيث أنّ الحنابلة خرّجوا عن الإمام أحمد فيه قولا بقتل الإمام له حدا ، يقتل الإمام التاركة الصلاة كسلا و عمدا أنّه يقتله عمدا و هذا لا يتم بناءه إلا على القول بعدم التكفير .

فإذا كان هؤلاء يصفون الشيخ محمد ناصر الدّين الألباني ـ رحمه الله ـ بالإرجاء من أجل هذه المسألة فإنه يلزم من يدّعي أنّه قول المرجئة أن يُطلق هذا الوصف على هؤلاء جميعا .

و أكيد أن الخلاف في هذه المسألة معروف بين كثير من أهل العلم ولم يرِد منهم تبديع أحدٌ به و لا إطلاق وصفة إرجاء عليهم ، بل لا يجوز أصلا وصف أحد من أهل السنة و خاصةً إذا كانوا من أهل العلم الربّانيين بأنّهم مرجئة بسبب عدم تكفيرهم لتارك الصلاة ، ذلك لأنّ أهل السنة يُدخلون الأعمال ضمن الإيمان بخلاف المرجئة ، و الخلاف بين أهل السنة في هذه المسألة لا يترتّب عليه فساد اعتقاد لأنّ أهل السنّة يتّفِقون على أنّ مُرتكب الكبيرة لا يخرجُ من الإيمان بل هو في مشيئة الله إن شاء عذّبه و إن شاء غفر له و القائلون بتكفير تارك الصلاة ضمّوا إلى هذا الأصل أدلّة أخرى ، فترجيح العلم لأحد الرأيين المتنازعين في هذه المسألة ينبغي أن يُرَاعى فيه منهجية البحث و أدب الخلاف و أن يبقى في حدود إتباع منهج السلف الغير المؤثر على الأخوّة الإيمانيّة كما كان عليه الأمرُ السنّي سابقا و لا يكدّر صفاء مسيرة الدعوة السلفية و يُفسد مراميها و غاياتِها المَرجُوّة .

أمّا المسألة الثانية التي تفضّلتم بها و هي المتعلقة بشرطيّة الأعمال ، من المسائل التي وصِف فيها ظلماً و عدوانا الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ بالإرجاء في شرطيّة الأعمال هل هي شرط صحّة أو شرط كمال ، فإنه لا يُساورُنا شك أنّ الإيمان عند أهل السنّة و الجماعة يتمثّل في تصديق بالقلب و الإقرار أو النطق باللسان و عمل بالجوارح و الأركان .

و أهل السنة يختلفون مع المرجئة سواء جهمية مرجئة و هم الذين يعتقدون أنّ الإيمان هو المعرفة أو الكرّامية و هو القائلون أن الإيمان قول باللسان دون القلب أو مرجئة الفقهاء وهو الذين يقصدون الإيمان على اعتقاد القلب و قول اللسان ، وهذه الأصناف الثلاثة من المرجئة أخرجوا العمل عن مُسمّى الإيمان ، و أكيد أنّ هذا المذهب أو هذه الفرقة الضالّة ليست على نهج السنّة و أهلها في إدخال الأعمال في دائرة الإيمان .

و من هنا يظهرُ جليًّا أنّ الشيخ الحافظ محمد ناصر الدين الألباني و إن جعل العمل شرط كمالٍ على الوجوب في الإيمان إلا أنّه لم يُخرج العمل عن مُسمّى الإيمان بل متى ترك العمل فإنّ إيمانه ناقص و يَأثم و يستحق العقاب و العذاب ، إلا أنه لا يُخلّد في النار بل الإيمان عنده يزيد و ينقص .

ولا ريب أنّ هذا مُخالفٌ تماما لقول المرجئة من ناحية أنّهم يعتقدون أنّ من نطق بالشهادتين فهو مؤمنٌ مستكمل الإيمان و يرون أنّ تارك العمل كالعامل و مقترف السيّئات و الموبقات فجميعهم إيمانهم واحد على أصلهم بمعنى أنّ الإيمان على أصلِهم أنّه لا يزيد و لا ينقص .

ولا يخفى أنّ هذا المذهب لا يقول به الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ ولا غيره من أهل السنّة أبدا ، ذلك لأنّ من قال أنّ الإيمان يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصيّة أنّه اعتقاد و قول و عمل فقد برئ من الإرجاء كلّه أولّه و أخره كما نُقل ذلك عن الإمام أحمد بن حنبل و البربهاري و غيره من أهل السنة .

ثمّ إنّ الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ لم ينفرِد بهذا القول أي بأنّ الأعمال كماليّة دون سائر أهل السنّة أجمعين و إنّما في مقالة أبي عبيد القاسم بن السلام في كتابه الإيمان و كذلك ما ورد عن الحافظ بن رجب في فتج الباري ما فيه إشارة إلى هذا القول ، بل هو مقتضى مذهب كل من لم يُفسّر تارك الصلاة ، فمقتضى الكلام القائلين بعدم تكفير تارك الصلاة يلزم منهم ما يلزم قول الشيخ الألباني في ما ذهب إليه و على رأسهم الأئمة الكبار من أهل السنة و الجماعة .

و عليه فإنه يلزم إطلاق هذا الوصف عليهم جميعاً و هذا باطِلٌ بلا ريب ، لذلك الواجب توقير العلماء لكونهم ورثة الأنبياء مع اقتران توقيرهم بالمحبّة الصادقة لأهل العلم و العدل و التقوى و الإخلاص و تحسين الظنِّ به و إنزالهم المنازل الجديرة بهم مع عدم الاعتقاد العصمة فيهم فإنّ ذلك إحدى علامات أهل السنة و هي حبّهم لأئمة السنة و علماءها و أنصارها و أولياءها ، أمّا علامة أهل البدع فالوقيعة في أهل الأثر ، و عليه فإنّه إذا كان الاختلاف على الأنبياء سببا في هلاك من قبلنا ، فالاختلاف على ورثة الأنبياء بالباطل لا يجوز لأنه يؤدي إلى الهلاك على نحو ما أخبر به النبيّ ـ صلى الله عليه و سلم ـ حيث قال : ( إنّما هَلَكَ الذين من قبلكم كثرة مسائلهم و اختلافهم على أنبيائهم ) .

أسأل الله سبحانه و تعالى أن يُعزّ أولياءه و يذلّ أعداءه و يهدينا للحق فهو حسبنا و نعم الوكيل وبكلّ جميل كفيل و عليه الاتكال في الحال والمآل والحمد لله ربّ العالمين .

التعديل الأخير تم بواسطة عبد الحميد الهضابي ; 28 Jun 2014 الساعة 12:42 AM
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 28 Jun 2014, 11:43 AM
أبو إبراهيم هارون رشيد الجزائري أبو إبراهيم هارون رشيد الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
المشاركات: 7
افتراضي

بارك الله فيك وجزاك الله خيرا.

التعديل الأخير تم بواسطة أبو إبراهيم هارون رشيد الجزائري ; 01 Jul 2014 الساعة 06:56 PM
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 28 Jun 2014, 01:40 PM
عبد الحميد الهضابي عبد الحميد الهضابي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Dec 2013
المشاركات: 300
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي رشيد خلاف أهل السنة السلفيين مع هؤلاء الفجرة الضلال أنهم لا يقبلون منك أن تقول : السلف اختلفوا في مسألة تارك الصلاة تهاونا وكسلا لا جحودا ومسألة تارك العمل بين كفره من عدمه ، بغض النظر عن الراجح والمرجوح ،ولا يريدون من هذه المسائل نصرة دين الله تعالى وإنما يريدون الطعن في علماء السنة والتوحيدورميهم بالعظائم ووالله فيه شباب من ضحايا هذا المنهج الخبيث يكفرون علماءنا بهذه المسائل فضلا عن رميهم بالعظائم والله المستعان

التعديل الأخير تم بواسطة عبد الحميد الهضابي ; 28 Jun 2014 الساعة 08:22 PM
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, مميز, ردود, وائل


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013