منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 Dec 2011, 03:01 PM
نقادي محمد سفيان نقادي محمد سفيان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
الدولة: الجزائر، تلمسان
المشاركات: 41
افتراضي من أقوال محمد البشير الإبراهيمي -رحمه الله- عن منهج ابن باديس-رحمه الله- الدعوي

تقديم بقلم فضيلة العلامة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي
شيخ علماء الجزائر، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر وعضو المجمع اللغوي بالقاهرة، والمجمع العلمي بدمشق.
************************************************** ***************************************
الحمد لله حق حمده. وصلى الله على سيدنا محمد رسوله وعبده، وعلى آله وأصحابه الجارين على سنته من بعده.
هذه عدة دروس دينية، مما كان يلقيه أخونا الإمام المبرور الشيخ عبد الحميد بن باديس- إمام النهضة الدينية والعربية والسياسية في الجزائر غير مدافع- على تلامذته في الجامع الأخضر بمدينة قسنطينة في أصول العقائد الإسلامية وأدلتها من القرآن، على الطريقة السلفية التي اتخذتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين منهاجا لها بعد ذلك، وبنت عليها جميع مبادئها ومناهجها في الإصلاح الديني، مسترشدة بتلك الأصول التي كان الإمام - رحمه الله - يأخذ بها تلامذته قبل تأسيس الجمعية، وإن كانت الجمعية قد توسعت في ذلك.
فالفكرة التي بنى عليها الإمام دروسه وأماليه.. كانت تصحبها فكرة أخرى أشمل منها وهي فكرة جمعية العلماء. فالفكرتان كانتا
مختزنتين في تلك النفس الكبيرة. وكان - رحمه الله - يديرهما بذلك النظر البعيد، ويهيء لهما من الوسائل ما يبرزهما في الحين المقدر لهما.
وكان يمهد في نفوس تلامذته والمستمعين لدروسه، ليكونوا في يوم ما قادتها وأعوانها، وحاملي ألويتها ومنفذي مبادئها، وناشري الطريقة السلفية الشاملة في العلم والعمل وسائر فروع الإصلاح الديني.
كان الإمام المبرور يصرف تلامذته من جميع الطبقات على تلك الطريقة السلفية.
ومعلوم أن الإصلاح الإسلامي الذي قامت به جمعية العلماء بعد ذلك لا تقوم أصوله إلا على ذلك، وأن هذا الإمام رفع قواعده وثبت أصوله وهيأ له جيشا من تلامذته وحاضري دروسه.
والإمام - رضي الله عنه - كانت منذ طلبه للعلم بتونس قبل ذلك - وهو في مقتبل الشباب - ينكر بذوقه ما كان يبني عليه مشائخه من تربية تلامذتهم على طريقة المتكلمين في العقائد الإسلامية، ويتمنى أن يخرجهم على الطريقة القرآنية السلفية في العقائد يوم يصبح معلما، وقد بلغه الله أمنيته: فأخرج للأمة الجزائرية أجيالا على هذه الطريقة السلفية قاموا بحمل الأمانة من بعده، ووراءهم أجيال أخرى من العوام الذين سعدوا بحضور دروسه ومجالسه العلمية.
وقد تربت هذه الأجيال على هداية القرآن؛ فهجرت ضلال العقائد
وبدع العبادات؛ فطهرت نفوسها من بقايا الجاهلية التي هي من آثار الطرائق القديمة في التعليم، وقضت الطريقة القرآنية على العادات والتقاليد المستحكمة في النفوس، وأتت على سلطانها.
وقد راجت هذه الطريقة وشاعت حتى بين العوام، وإن كانوا لا يحسنون الاستدلال بالقرآن، وإن كان الاستعداد الكامن في الأمة للإصلاح الديني، وكثرة حفاظ القرآن فيها أعانا على تثبيت هذا الميل القرآني فيها: فأصبح العامي لا يقبل من العالم كلاما في الدين إلا إذا استدل عليه بآية قرآنية، وأصبح العامي إذا سمع الاستدلال بالقرآن أو الحديث.. اهتز وشاعت في شمائله علامة الاقتناع والقبول! وهذه أمارة دالة على عودة سلطان القرآن على النفوس يرجى منها كل خير!
ختم الإمام ابن باديس القرآن كله درسا على هذه الطريقة في خمس وعشرين سنة، ولو أنه رزق تلامذة حراصا على تلقف كل ما كان يقوله وينزل عليه الآيات من المعاني.. لوصل إلى الأمة كثير.
كما وصلت هذه الأمالي بعناية الأستاذ الموفق محمد الصالح رمضان القنطري، فإنه تلقى هذه الدروس ونقلها من إلقاء الإمام واستأذنه في التعليق عليها ونشرها للانتفاع بها، فجزاه الله خير الجزاء.
لم ينقل لنا تاريخ العلماء بهذا الوطن أن عالما ختم تفسير القرآن كله درسا إلا ما جاء فيه عن الشريف التلمساني، أنه ختم تفسير القرآن كله في المائة التاسعة، والشريف حقيق بذلك، ولكن لم ينقل لنا منه شيء، لأن تلامذته كانوا في التقصير كتلامذة ابن باديس. ولو كانوا على درجة من الحرص والاحتياط.. لوصل إلينا شيء من ذلك.
وقدكتب الإمام ابن باديس بقلمه البليغ مجالس التذكير، وهي تفسير لآيات ولأحاديث جامعة كانت تعرض له في تفسير القرآن أو في شرح الموطأ التي أقرأها درسا حتى النهاية، ونشر ذلك كله في مجلة الشهاب، ثم فسر سورتي المعوذتين يوم الختم تفسيرا عجيبا! ونقلها من إلقائه كاتب هذه السطور نقلا مستوعبا بحيث لم تفلت منه كلمة ونشره في عدد خاص من مجلة الشهاب، وقدم له كاتب هذه السطور أيضا .
وهذا درس من دروسه ينشره اليوم في أصل العقيدة الإسلامية بدلائلها من الكتاب والسنة تلميذه الصالح كإسمه محمد الصالح رمضان: فجاءت عقيدة مثلى يتعلمها الطالب فيأتي منه مسلم سلفي، موحد لربه بدلائل القرآن كأحسن ما يكون المسلم السلفي، ويستدل على ما يعتقد
في ربه بآية من كلام ربه، لا بقول السنوسي في عقيدته الصغرى: أما برهان وجوده تعالى فحدوث العالم!
كان علماء السلف يرجعون في كل شأن من شؤون الدين إلى القرآن، بل كان خلقهم القرآن كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكما ثبت في حديث عائشة - رضي الله عنها -:" كان خلقه القرآن يرضى لرضاه ويغضب لغضبه ". وكانوا يحكمون القرآن في كل شيء، حتى في الخطرات العارضة، والسرائر الخفية، حتى تمكن سلطانه من نفوسهم وأصبحت لا تتحرك ولا تسكن إلا بأمره ونهيه. وأصبحوا يقودون حتى الخلفاء والأمراء بذلك السلطان. وذلك هو السر في علوّ كلمة الاسلام وسرعة انتشاره في المشارق والمغارب.
فلما تفرقت المذاهب الفقهية ونشأ علم الكلام، وتفرقت منازعه بين الأشاعرة والمعتزلة، وطما علم الجدل، وتفرق المسلمون شيعا حتى أصبح كل رأي في علم الكلام أو الفقه يتحزب له جماعة، فيصبح مذهبا فقهيا أو كلاميا يلتف حوله جماعة ويجادلون. فضعف سلطان القرآن على النفوس، وأصبح العلماء لا يلتزمون في الاستدلال بآياته ولا ينتزعون الأحكام منها إلا قليلا: فعلماء الكلام صاروا يستدلون بالعقل، والفقهاء أصبحوا يستدلون بكلام أئمتهم أو قدماء أتباعهم!
ومن هنا نشأ علم الكلام، وعلم الفقه.
وعلى هذه الطريقة أُلّفت المؤلفات التي لا تحصى في العلمين وانتشرت في الأمة وطارت كل مطار.
أما أئمة الفقه ومؤلفاتهم فلا يحصون كثرة.
وأما أئمة الكلام: فالذي توسع في الطريقة العقلية ووسع دائرتها فهم جماعة معروفون كفخر الدين الرازي، والقاضي أبي بكر بن الطيب، وأبى بكر الباقلاني، والبيضاوي، وإمام الحرمين، وسعد الدين التفتزاني، والقاضي عضد الدين الإيجي، وهؤلاء هم الذين ثبتوا القواعد الكلامية والاستدلال على التوحيد بالعقل. ومؤلفاتهم ما زالت إلى يومنا هذا مرجعا للمتمسكين بهذه الطريقة، وإن كانت لا تدرس في المدارس إلا قليلا، وكلها جارية على الأصول التي أصلها أبو الحسن الأشعري - رضي الله عنه -، وآراؤه هي التي يقلدها جمهرة المسلمين اليوم، وهذا كله في الشرق الإسلامي.
وأما مغربنا هذا مع الأندلس فلم يتسع فيه علم الكلام إلى هذا الحد وإن كانوا يدرسونه على هذه الطريقة ويقلدونه، ويدينون باتباع رأي الأشعري ولم يؤلفوا فيه كتابا ذا بال إلا الإمام محمد بن يوسف السنوسي التلمساني، فإنه ألف فيه على طريقة المشارقة عدة كتب شاعت وانتشرت في الشرق والغرب، وقررت في أكبر المعاهد الاسلامية كالأزهر.
حتى جاءت دروس الإمام ابن باديس فأحيا بها طريق السلف في دروسه- ومنها هذه الدروس- وأكملتها جمعية العلماء.
فمن مبادئها التي عملت لها بالفعل لزوم الرجوع إلى القرآن في كل شيء لا سيما ما يتعلق بتوحيد الله، فإن الطريقة المثلى هي الاستدلال على وجود الله وصفاته وما يرجع إلى الغيبيات لا يكون إلا بالقرآن، لأن المؤمن إذا استند في توحيد الله وإثبات ما ثبت له ونفي ما انتفى عنه لا يكون إلا بآية قرآنية محكمة، فالمؤمن إذا سولت له نفسه المخالفة في شأن من أمور الآخرة، أو صفات الله فإنها لا تسول له مخالفة القرآن.
وقد سلك علماء جمعية العلماء في دروسهم الدينية كلها، وخطبهم الجمعية طريقة الإمام ابن باديس فرجع لسلطان القرآن على النفوس.
فجزى الله أخانا ابن باديس عن الإسلام خير الجزاء، فإن من أحيا القرآن فقد أحيا الدين كله. وجزى الله إخوانه الذين اتبعوا طريقته توفيقا للعمل يساوي توفيقهم في العلم، وجزي الله تلامذته الذين قاموا بحمل الأمانة من بعده.
وهذه دروس من دروسه ينشرها اليوم في أصل العقيدة الإسلامية بدلائلها من الكتاب والسنة الأستاذ محمد الصالح رمضان، أحد طلابه، فجاءت عقيدة مثلى يتعلمها الطالب فيأتي منه مسلم سلفي موحد لربه
بدلائل القرآن كأحسن ما يكون المسلم السلفي، ويستدل على ما يعتقد في ربه بآية من كلام ربه.
فنحث القائمين على تعليم ناشئتنا في المدارس الحرة أو الحكومية في الجزائر وغيرها من الأقطار الإسلامية، على اتخاذها أساسا في تربيتهم على التوحيد الصحيح، بل نحث كل أب مسلم أن يقتنيها لأولاده، ويحثهم على تعلمها وتفهمها، وأن يشترك أهل البيت كلهم في ذلك فكلهم في حاجة إليها.
وفقنا الله جميعا لاتباع كتابه، وسنة نبيه، والرجوع إليهما، وإلى هدى السلف الصالح في تبيين معانيهما.

محمد البشير الابراهيمي
أنظر العقائد الإسلامية لإبن باديس رحمه الله
ص15

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 30 Dec 2011, 06:21 PM
عماد السدراتي عماد السدراتي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 53
افتراضي

بارك الله فيك

اقتباس:
محمد البشير الابراهيمي
أنظر العقائد الإسلامية لإبن باديس رحمه الله
هذه احدى الرويتين للكتاب والرواية الثانية
رواية الأستاذ محمد حسن فضلاء مفتش التعليم الابتدائي سابقا

وآخر طبعات رواية محمد الصالح رمضان الطبعة الخامسة بدار الفتح الشارقة -الامارات- حسب علمي

وليعم النفع حبذا لو تنفعنا بنفلك لتقديم الابراهيمي لتفسير ابن باديس
الذي جمع شتاته من جريدة الشهاب ا

بوركت أخي

التعديل الأخير تم بواسطة عماد السدراتي ; 30 Dec 2011 الساعة 06:48 PM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 30 Dec 2011, 06:48 PM
عماد السدراتي عماد السدراتي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 53
افتراضي

[
quote]أشهر طبعات كتاب تفسير ابن باديس[/quote]
أ-نشر أحمد بوشمال الذي جرد من تلك المجالس آيات مختارة من سورة الفرقان فقط وطبعت بالمطبعة الجزائرية الإسلامية بقسنطينة سنة1367هـ-1948م مصدرة بمقدمة ضافية بقلم العلامة الأديب الشيخ محمد البشير الابراهيمي رحمه الله
ب-نشر الأستاذ محمد الصالح رمضان بمشاركة الأستاذ توفيق محمد شاهين المصري اللّذين عملا تجريد المجالس من المجلة ولم يفتهما منها سوى القليل فخرج الكتاب في 538 صفحة ونشره دار الكتاب الجزائري بالجزائر وطبع بمطبعة الكيلاني بالقاهرة سنة1384هـ-1964م
ج-نشر وزارة الشؤون الدنية بالجزائر وطبع "بدار البعث" بقسنطينة سنة 1403هـ1983م.
د-نشرة دار الكتب العلمية بيروت سنة 1416هـ-1995م مصورة عن النشرة الثانية وعلق عليها وخرج آياتها وأحاديثها:أحمد شمس الدين.
و-نشرة فضيلة الشيخ السلفي أبو عبد الرحمن محمود لقدر الجزائري حيث إعتنى بتفسير ابن باديس وخرج أحاديثه وآثاره وتعتبر أشمل وأجمل حلة خَرج فيها الكتاب،طبع وأجمل حلة خَرج
فيها الكتاب،طبع بدار الراية–السعودية- وطبع مؤخرا بالجزائر بدار الرشيد للكتاب والقرآن
الكريم سنة:1430/ 2009م في جزئين فجزاه الله خيرا عن المؤلف وعن شباب الجزائر والأمة الإسلامية خير الجزاء على ما يقوم به من إخراج كتب علماء الجزائر الى النور في أحسن حلة.

أخوكم عماد السدراتي
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 30 Dec 2011, 08:56 PM
نقادي محمد سفيان نقادي محمد سفيان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
الدولة: الجزائر، تلمسان
المشاركات: 41
افتراضي تقديم بشير الابراهيمي لتفسير ابن باديس أو مجالس الذكر. رحمهم الله

تصدير
بقلم الإمام محمد البشير الإبراهيمي- رحمه الله-
بسم الله الرحمان الرحيم
القرآن كتاب الإنسانية العليا، استشرفت إليه قبل أربعة عشر قرناً حين ضامها أبناؤها فعقلوها، فارتكسوا في الحيوانية السفلى، فأخلدوا إلى الأرض، فأكثروا فيها الفساد، فأنزله الله من السماء ليصلح به الأرض وليدل أهلها المستخلفين عليها من بني آدم، على الطريق الواصلة بالله، ويجدد ما رث من علائقهم به.
وما أشد شبه الإنسانية اليوم بالإنسانية قبل نزول القرآن، في جفاف العواطف، وضراوة الغرائز، وتحكم الأهواء، والتباس السبل، وتحكيم القوة، وتغول الوثنية المادية. وما أحوج الإنسانية اليوم إلى القرآن، وهي في هذا الظلام الحالك من الضلال، وقد عجز العقل عن هدايتها وحده، كما عجز قديماً عن هدايتها، لولا تأييد الله له بالأمداد السماوية من الوحي الذي يقوي ضعفه إذا أدركه الوهن، ويصلح خطأه إذا اختل ميزانه.
وكما أتى القرآن لأول نزوله بالعجائب المعجزات في إصلاح البشر فإنه حقيق بأن يأتي بتلك المعجزات في كل زمان، إذا وجد ذلك الطراز العالي من العقول التي تفهمته، وذلك النمط السامي من الهمم التي نشرته وعممته، فإن القرآن لا يأتي بمعجزاته ولا يؤتي آثاره في إصلاح النفوس إلاّ إذا تولته بالفهم عقول كعقول السلف، وتولته بالتطبيق العملي نفوس سامية وهمم بعيدة كنفوسهم وهممهم.
أما انتشاره بين المسلمين بهذه الصورة الجافة من الحفظ المجرد، وبهذا النمط السخيف من الفهم السطحي، وبهذا الأسلوب التقليدي من التفسير اللفظي- فإنه لا يفيدهم شيئاً، ولا يفيد بهم شيئاً، بل يزيدهم بعدا عن هدايته، ويزيد أعداءهم استخفافاً بهم، وإمعاناً في التكالب عليهم، والتحكم في رقابهم وأوطانهم.
ولو فهمنا القرآن كما فهمه السلف، وعملنا به كما عملوا به، وحكّمناه في نفوسنا كما حكموه، وجعلنا أهواءنا ومشاربنا تابعة له، وموزونة بميزانه، لو فعلنا ذلك لكنّا به أعزة في أنفسنا وأئمة لغيرنا.
تفسير القرآن، تفهيم لمعانيه وأحكامه وحكمه وآدابه ومواعظه. والتفهم تابع للفهم؛ فمن حسن فهمه أحسن تفهيمه، ومن لم يحسن فهمه لم يحسن تفهيمه، وإن كتب فيه المجلدات، وأملي فيه ألوف المجالس.
وفهم القرآن يتوقف - بعد القريحة الصافية، والذهن النير- على التعمق في أسرار البيان العربي. والتفقه لروح السنة المحمدية المبينة لمقاصد القرآن، الشارحة لأغراضه بالقول والعمل. والاطلاع الواسع على مفهوم علماء القرون الثلاثة الفاضلة. ثم على التأمل في سنن الله في الكائنات. ودراسة ما تنتجه العلوم الاختبارية من كشف لتلك السنن وعجائبها.
وقد فهمه السلف حق الفهم ففسروه حق التفسير، مستعينين بإرشاده على فقه سنن الأكوان.
ولو لم ينحسر تيار الفهوم الإسلامية للقرآن، بما وقف في سبيله من توزع المذاهب والعصبيات المذهبية، لانتهى بها الأمر إلى كشف أسرار الطبيعة ومكنونات الكون، ولسبق العقل الإسلامي إلى اكتشاف هذه العجائب العلمية التي هي مفاخر هذا العصر.
كان علماء السلف يشرحون الجانب العملي من القرآن على أنه هداية عامة لجميع البشر، يطالب كل مؤمن بفهمها والعمل بها، وكانوا يتحاشون الجانب الغيبي منه لأنه مما لا يصل إليه عقل المكلف، فلا يطالب بعلمه، ولا يحاسب على التقصير فيه. وكانوا ينظرون إلى الجانب الكوني منه نظرات مسددة، لو صحبها بحث مسدد ممن أتى بعدهم.

وللمفسرين من عهد التدوين إلى الآن طرائق في فهم القرآن، وأساليب في كتابة تفسيره، أما الأساليب فقلما تختلف إلاّ بعض العصور، حين تختلف الأساليب الأدبية فتنحط أو تعلو، فيسري التطور منها إلى الأساليب العلمية.
وأما الطرائق فإنها تختلف باختلاف الاختصاص في المفسرين والعلوم التي غلبت عليهم وعرفوا بها. فالمحدثون، يلتزمون التفسير بالمأثور، فإن اختلفت الرواية فمنهم من يروي المتناقضات ويدعك في حيرة، ومنهم من يدخل نظره وفكره في التعديل والترجيح كما يفعل أبو جعفر الطبري.
ومقلدة المذاهب يفسرون القرآن بقواعد مذاهبهم، ويحكمونها فيه. فإذا خالف نصه قاعدة من قواعدهم ردوه بالتأويل إليها. وهذا شر ما أصيب به هذا العلم، بل هو نوع من التعطيل، وباب من التحريف والتبديل؛ لأنه في حقيقة أمره وضع لكلام الله في الدرجة الثانية من كلام المخلوق، وفي منزلة الفرع من أصله يرد إليه إذا خالفه، وأعظم بها زلة وإن هذه الزلة هي الغالبة على صنيع المتشبثين بالمذاهب والمتعصبين لها، يتباعدون عن القرآن ما شاء لهم الهوى فإذا تناولوه فبهذه النظرة الخاطئة.
والمتكلمون في "معاني القرآن" معظمهم من اللغويين والنحاة، فهم يتكلمون غالبا على الألفاظ المفردة، وأوجه الإعراب. فهم أقرب الكاتبين في الغريب أمثال الأصفهاني، وأبي ذر الهروي. وإنما أطلقوا على كتبهم هذا الإسم (معاني القرآن) لأن بساطة الأسماء كانت هي الغالبة في زمنهم. والإخباريون مفتونون بالقصص، فلا يقعون إلاّ على الآيات المتعلقة به. ويا ليتهم يحققون الحكمة من القصص، فيجلون العبر منها، ويستخرجون الدقائق من سنن الله في الأمم وجميع الكائنات. ولكنهم يسترسلون مع الرواية، وتستهويهم غرابة الأخبار، فينتهي بهم ذلك إلى الإسرائيليات الخاطئة الكاذبة، وقد أدخلوا بصنيعهم هذا على المسلمين ضررا عظيما، وعلى التاريخ فسادا كبيرا. وأصحاب المذاهب العقلية إذا تعاطوا التفسير، لا يتوسعون إلاّ في الاستدلالات العقلية على إثبات الصفات أو نفيها، وعلى الغيبيات والنبوات وما يتعلق بها.
و والنحاة والباحثون في أسرار التراكيب لا يفيضون إلاّ في توجيه الأعاريب أو نكت البلاغة كما يفعل الزمخشري، وأبو حيان.
هكذا فعل القدماء والمحدثون بالقرآن: حكموا فيه نحلهم ومذاهبهم وصناعاتهم الغالبة عليهم، فأضاعوا هديه وبلاغه، وأبعدوا الأمة عنه؛ وصرفوها عن حكمه وأسراره. ولو ذهبنا مذهب التحديد في معاني الألفاظ الاصطلاحية لوجدنا المفسر من هؤلاء قليلا. أما المفسرون الذين يصدق عليهم هذا الوصف: فهم الذين يشرحون بحق فقه القرآن، ويستثيرون أسراره وحكمه، معتمدين على القرآن نفسه، وعلى السنة، وعلى البيان العربي، كما أشرنا إلى ذلك قبلاً.
ومن هؤلاء من اقتصر على الأحكام فقط كابن العربي، والجصاص، وعبد المنعم بن الفرس، وهؤلاء الثلاثة هم الذين انتهت إلينا كتبهم.
ومنهم من عمم، ولكن توسعه ظاهر في الأحكام، وأحكام العبادات والمعاملات، كالقرطبي، وابن عطية، وأضرابهما.
وكان جمود، وكان ركود، وضرب التقليد بجرانه ، فقضى على ذكاء الأذكياء وفهم الفهماء، إلى أن أذن الله للعقل الإسلامي أن ينفلت من عقال التقليد، ويستقل في الفهم، وللنهضة العلمية الإسلامية أن يتبلج فجرها، ويعم نورها.
فكانت إرهاصات التجديد لهذا العلم ظاهرة في ثلاثة من أذكى علمائنا وأوسعهم اطلاعا الشوكاني ، والألوسي، وصديق حسن خان. مع تفاوت بينهم في قوة النزعة الاستقلالية، وفي القدرة على التخلص من الصبغة المذهبية التقليدية. ثم كانت المعجزة بعد ذلك الإرهاص بظهور إمام المفسرين بلا منازع "محمد عبده" أبلغ من تكلم في التفسير، بيانا لهديه، وفهما لأسراره، وتوفيقا بين آيات الله في القرآن، وبين آياته في الأكوان، فبوجود هذا الإمام وجد علم التفسير وتم، ولم ينقصه إلاّ أنه لم يكتبه بقلمه كما بينه بلسانه، ولو فعل لأبقى للمسلمين تفسيرا لا للقرآن بل لمعجزات القرآن. ولكنه مات دون ذلك. فخلفه ترجمان أفكاره ومستودع أسراره "محمد رشيد رضا" فكتب في التفسير ما كتب، ودون آراء الإمام فيه، وشرع للعلماء منهاجه، ومات قبل أن يتمه. فانتهت إمامة التفسير بعده في العالم الإسلامي كله، إلى أخينا وصديقنا، ومنشئ النهضة الإسلامية العلمية بالجزائر، بل بالشمال الإفريقي "عبد الحميد بن باديس".
كان للأخ الصديق "عبد الحميد بن باديس" رحمه الله ذوقا خاص في فهم القرآن كأنه حاسة زائدة خص بها. يرفده- بعد الذكاء المشرق، والقريحة الوقادة، والبصيرة النافذة- بيان ناصع، واطلاع واسع، وذرع فسيح في العلوم النفسية والكونية، وباع مديد في علم الاجتماع، ورأي سديد في عوارضه وأمراضه. يمد ذلك كله شجاعة في الرأي، وشجاعة في القول، لم يرزقهما إلاّ الأفذاذ المعدودون في البشر. وله في القرآن رأي بنى عليه كل أعماله في العلم، والإصلاح، والتربية والتعليم: وهو أنه لا فلاح للمسلمين إلاّ بالرجوع إلى هدايته والاستقامة على طريقته، وهو رأي الهداة المصلحين من قبله.
وكان يرى- حين تصدى لتفسير القرآن- أن تدوين التفسير بالكتابة مشغلة عن العمل المقدم؛ لذلك آثر البدء بتفسيره درسا تسمعه الجماهير فتتعجل من الاهتداء به ما يتعجله المريض المنهك من الدواء، وما يتعجله المسافر العجلان من الزاد.
وكان- رحمه الله- يستطيع أن يجمع بين الحسنيين، لولا أنه كان مشغولا مع ذلك بتعليم جيل، وتربية أمة، ومكافحة أمية، ومعالجة أمراض اجتماعية، ومصارعة استعمار يؤيدها. فاقتصر على تفسير القرآن درسا ينهل منه الصادي، ويتزود منه الرائح والغادي، وعكف عليه إلى أن ختمه في خمس وعشرين سنة. ولم يختم التفسير درسا ودراية بهذا الوطن غيره، منذ ختمه "أبو عبد الله الشريف التلمساني" في المائة الثامنة.
كان ذلك الأخ الصديق رحمه الله يعلل النفس باتساع الوقت وانفساح الأجل حتى يكتب تفسيرا على طريقته في الدرس. وكان كلما جرتنا شجون الحديث إلى التفسير، يتمنى أن نتعاون على كتابة التفسير، ويغريني بأن الكتابة علي أسهل منها عليه. ولا أنسى مجلسا كنا فيه على ربوة من جبل تلمسان في زيارة من زياراته لي، وكنا في حالة حزن لموت الشيخ "رشيد رضا" قبل أسبوع من ذلك اليوم، فذكرنا تفسير المنار، وأسفنا لانقطاعه بموت صاحبه فقلت له: «ليس لإكماله إلاّ أنت». فقال لي: «ليس لإكماله إلاّ أنت». فقلت له: «حتى يكون لي علم رشيد، وسعة رشيد، ومكتبة رشيد، ومكاتب القاهرة المفتوحة في وجه رشيد». فقال لي واثقا مؤكدا: «إننا لو تعاونا وتفرغنا للعمل لأخرجنا للأمة تفسيرا يغطي على التفاسير من غير احتياج إلى ما ذكرت».
ولما احتفلت الأمة الجزائرية ذلك الاحتفال الحافل بختمه لتفسير القرآن عام 1357هـ، وكتبت بقلمي تفسير المعوذتين مقتبسا من درس الختم، وأخرجته في ذلك الأسلوب الذي قرأه الناس في مجلة الشهاب أعجب به أيما إعجاب؛ وتجدد أمله في أن نتعاون على كتابة تفسير كامل، ولكن العوارض باعدت بين الأمل والعمل سنتين. ثم جاء الموت فباعد بيني وبينه.ثم ألحت الحوادث والأعمال بعده، فلم تبق للقلم فرصة للتحرير ولا للسان مجال في التفسير ... وإنا لله.
...
لم يكتب الأخ الصديق أماليه في التفسير، ولم يكتب تلامذته الكثيرون شيئاً منها. وضاع على الأمة كنز علم لا يقوّم بمال، ولا يعوض بحال. ومات فمات علم التفسير وماتت طريقة "ابن باديس" في التفسير. ولكن الله تعالى أبى إلاّ أن يذيع فضله وعلمه. فألهمه كتابة مجالس معدودة من تلك الدروس، وكان ينثرها فواتح لأعداد مجلة "الشهاب" ويسميها "مجالس التذكير"، وهي نموذج صادق من فهمه للقرآن وتفسيره له، كما أنها نموذج من أسلوبه الكتابي.
هذه المجالس العامرة هي التي تصدّى الأخ الوفي السيد "أحمد بو شمال"، عضد الإمام المفسر وصفيه، وكاتبه والمؤتمن على أسراره- لتجريدها من مجلة الشهاب ونشرها كتاباً مستقلاً؛ قياماً بحق الوفاء للإمام الفقيد، وإحياء لذكراه أخرج أشرف أثر من آثاره، يستروح القراء منه نفحات منعشة من روح ذلك الرجل العظيم؛ ويقرءونه فلا يزيدهم عرفاناً بقدره، فحسبهم ما بنى وشاد، وعلم وأفاد، وما ربى للأمة من رجال كالجبال، وما بث فيها من فضائل وآداب، وما أبقى لها من تراث علمي خالد؛ لا يرثه الأخ عن الأخ، ولا الولد عن الوالد.
وشكراً للأخ الوفي "أحمد بو شمال" على هذا العمل الذي هو عنوان الوفاء

1367هـ-1948م
محمد البشير الإبراهيمي
من كتاب تفسير ابن باديس أو مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير
للإمام عبد الحميد ابن باديس رحمه الله 1889-1940
ص6

التعديل الأخير تم بواسطة نقادي محمد سفيان ; 30 Dec 2011 الساعة 08:58 PM
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013