ذكر بعض ما جاء في حقوق " الفقراء والمساكين " على " الأغنياء "

[أبو عبد الله حيدوش]

ذكر بعض ما جاء في حقوق " الفقراء والمساكين " على " الأغنياء "

إن الحمد لله نحمده,ونستعينه,ونستغفره,ونعوذ بالله من شرور أنفسنا,ومن سيئات أعمالنا,من يهده الله فلا مضل له,ومن يضلل فلا هادي له .
أما بعد:
إن: مدار حياتنا في هذه الدنيا بين علاقتين,وجب علينا أن نصلحها,علاقتنا بربنا ومولانا جل في علاه,وصلاح هذه العلاقة بتقواه,وعلاقتنا فيما بيننا-أي مع غيرنا- وهذا بالإحسان إليهم وحسن معاملتهم,وأداء جميع حقوقهم,وممن أوجب الله-جل وعلا-علينا حسن رعايتهم,والتودد إليهم,هم الفقراء والمساكين من المسلمين .اه
من-خطبة جمعة-للشيخ الوالد أبي عبد الله لزهر سنيقرة حفظه الله.
إن الوصية بالإحسان إلى الفقراء والمساكين مما قد جاء في شرع بني إسرائيل.
قال الله -تبارك وتعالى-)وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ(*83) البقرة(
وكذلك في شريعتنا جاء الأمربالإحسان إليهم,وبيان حقوقهم,وتفصيل ذلك في الكتاب والسنة,وتقسيمه إلى واجب مفروض ومندوب إليه مستحب.
قال الله تبارك وتعالى:)وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ( 26الإسراء
أي:فأعط القريب منك-على حسب قربه وحاجته-حقه الذي أوجبه الشارع,أوحض عليه من النفقة الواجبة,والصدقة,والهدية,والبر,والسلام,والإكرام,وال عفوعن زلته,والمسامحة عن هفوته,وكذلك آت المسكين الذي أسكنه الفقر والحاجة ماتزيل حاجته,وتدفع به ضرورته,من إطعامه وسقيه وكسوته.تفسير السعدي

الفقراء والمساكين في مصارف الزكاة الثمانية.
قال الله تبارك وتعالى:)إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (9التوبة
يقول تعالى )إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ (أي:الزكوات الواجبة,بدليل أن المستحبة لكل أحد,لايخص بها أحد دون أحد,أي:إنما الصدقات لهؤلاء المذكورين دون عداهم,لأنه حصرها فيهم,وهم ثمانية أصناف.الأول والثاني: الفقراء والمساكين .اه تفسير السعدي
وفي قصة ابتعاث معاذ-رضي الله عنه- إلى اليمن، الذي جاء فيه، أنه قال له عليه الصلاة والسلام :)وأن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم()البخاري1395(
إختصاص الفقراء والمساكين بزكاة الفطر دون غيرهم من الأصناف الثمانية.)وطعمة للمساكين ( الحديث
قال ابن القيم -رحمه الله- )كان من هديه- صلى الله عليه وسلم-تخصيص المساكين بهذه الصدقة ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية,قبضة قبضة,ولا أمر بذلك,ولا فعله أحد من أصحابه...اه زاد المعاد
قال الشيخ لزهرسنيقرة-حفظه الله-:زكاة الفطرتختلف على الزكاة المفروضة -الزكاة الركن-في مصارفها, إذا كانت الزكاة مصارفها ثمانية ,فإن زكاة الفطر مصارفها إثنان فقط,أن تؤدا للفقراء والمساكين,بهذا أمرنا,وهذا الذي بينه لنا نبينا -عليه الصلاة والسلام-,لانزيد على هذا ولا نغير ونبدل,حتى نكون طائعين لله -عزوجل-,على الوجه المطلوب .اه من خطبة الجمعة 27رمضان1435

كما أن الله-سبحانه وتعالى-جعلهم من مصارف،الغنيمة والفيء، وكفارة اليمين وكفارة قتل المحرم للصيد وكفارة الظهار....
وأمرنا-سبحانه وتعالى- أن نطعمهم من الهدي والأضاحي، وأن نرزقهم من الميراث إذا حضروا القسمة...

الأمروالترغيب بالإحسان والإنفاق على الفقراء و المساكين والبداءة بالأقربين .
قال الله -تبارك وتعالى- آمرا عباده المؤمنين: ) وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (الإسراء 26
)وَآتِ ذَا الْقُرْبَى( من البر والإكرام,الواجب والمسنون,وذلك الحق بتفاوت الأحوال,والأقارب,والحاجة وعدمها,والأزمنة ) وَالْمِسْكِينَ ( أته حقه من الزكاة وغيرها,لتزول مسكنته. تفسيرالسعدي
قال سبحانه وتعالى واصفا عباده المتقين (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19الذاريات
وعن عمر-رضي الله عنه-قال: )أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أن نتصدق... (أبوداود1278 -ولا يخفى أن أولى الناس بالصدقة هم الفقراء والمساكين-
وقال عليه الصلاة والسلام:) وإن هذا المال خضرة حلوة فنعم صاحب المسلم ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل (البخاري1465
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:) ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا (
ويا من يخطأ بالليل والنهار أما علمت ان) الصدقة تطفيئ الخطيئة ( كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام.
وأكبر من ذلك قال عليه الصلاة والسلام:) إن الصدقة لتطفئ عن أهلها حر القبور، وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته (الصحيحة3484

ومن حقوقهم التواضع لهم,والجلوس إليهم وإجابة دعوتهم، ودعوتهم وإطعامهم مما نطعم.
قال الله –عزوجل-:) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا(الكهف(28
عن ابن عباس -رضي الله عنهما-:)كان صلى الله عليه وسلم يجلس على الأرض ويأكل على الأرض، و ويعتقل الشاة، ويجيب دعوة المملوك، على خبز الشعير (الصحيحة2125
وعن عائشة-رضي الله عنها-قالت: أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ضب فلم يأكله، قالت عائشة: يا رسول الله، ألا نطعمه المساكين؟ قال:)لا تطعموهم مما لا تأكلون (الصحيحة2426
وعن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:) إذا طبختم اللحم فأكثروا المرق أو الماء فإنه أوسع وأبلغ للجيران (الصحيحة1368

إطعام الفقراء والمساكين من أسباب دخول الجنة بسلام.
قال عليه الصلاة والسلام) أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام (الترمذي2485-
-وأولى الناس بالإطعام هم المساكين-
قضاء حوائج الفقراء والمساكين وإقراضهم، وإنظارهم وتمكينهم من حقوقهم بأيسر طريق.

قال تبارك وتعالى) فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ( وهذا واجب عليه أن ينظره حتى يجد ما يوفي به) وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (إما بإسقاطها أو بعضها.اه تفسير السعدي
فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-مرفوعا- :)أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك سرورا، أو تقضي عنه دينا أو تطعمه خبزا (الصحيحة1494
وعن سليمان بن بريدة عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:)من أنظر معسرا، فله بكل يوم مثله صدقة (ثم سمعته يقول) من أنظر معسرا فله بكل يوم مثليه صدقة (...قال) له بكل يوم صدقة قبل أن يحل الدين، فإن حل الدين فأنظره فله بكل يوم مثليه صدقة (الصحيحة86
وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-يبلغ به:) ألا رجل يمنح أهل بيت لا در لهم ناقة من إبله، تغدو بعس، وتروح بعس؟ إن أجرها لعظيم (الصحيحة360
وعن الحسين-رضي الله عنه-مرفوعا :) نهى عن الجداد بالليل، والحصاد بالليل (قال: جعفر بن محمد أراه من أجل المساكين.الصحيحة2393

إذا جاءك المسكين لا ترده، فلعله ممن لا يرد طلبه عند رب العالمين، فتمنعه فتمنع فضل الله.
فعن ثوبان-رضي الله عنه-مرفوعا)إن من أمتي من لو جاء أحدكم يسأله دينارا لم يعطه، ولو سأله درهما لم يعطه، ولو سأله فلسا لم يعطه، ولو سأل الله الجنة لأعطاه إياها ذو طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره (الصحيحة2643
عن عبد الله بن عمرو، كتب إلى عامل له على أرض له، ألا تمنع فضل مائك فإني سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يقول:) من منع فضل مائه أو فضل كلئه منعه الله فضله يوم القيامة (الصحيحة1422
وعن أبي سعيد الخدري مرفوعا) ويل للمكثرين، إلا من قال بالمال هكذا، وهكذا، وهكذا، وهكذا، أربع: عن يمينه، وعن شماله، ومن قدامه، ومن ورائه (الصحيحة2412

أن يكرموا ويردوا بأحسن رد .
قال تعالى: )وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ(10 الضحى
أي:لايصدرمنك إلى السائل كلام,يقتضي رده عن مطلوبه بنهروشراسة خلق,بل أعطه ماتيسر عندك,أو رده بمعروف وإحسان.تفسير السعدي
وقال تبارك وتعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى ( 264البقرة

الإحسان إلى الفقراء والمساكين لوجه الله لا لآجل، طلب الأجر والشكر منهم
قال تعالى عن عباده الأبرار) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا (9الإنسان
أي:لاجزاء ماليا,ولا ثناء قوليا.تفسير السعدي

الراجع في العطية مثله كمثل الكلب بئست السجية.
فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-مرفوعا :) إن مثل الذي يعود في عطيته كمثل الكلب أكل حتى إذا شبع قاء ثم عاد في قيئه فأكله (الصحيحة1699

البخل ومنع حقوق المساكين من صفات أصحاب الجحيم.
إن من الأوصاف التي ذكرها ربنا-عزوجل-لأصحاب الجحيم أنهم لا يطعمون الطعام، قالوا: )وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44المدثر
وقال تبارك وتعالى: )وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (الفجر18
قال صلى الله عليه وسلم :) ما من ذي رحم يأتي رحمه فيسأله فضلا أعطاه الله إياه فيبخل عليه، إلا أخرج له يوم القيامة من جهنم حية يقال لها شجاع يتلمظ، فيطوق به (الصحيحة2548

يعجل الله العقوبة بسبب منع حقوق المساكين في الدنيا أوفي الأخرة.
عن ابن عمر-رضي الله عنه-مرفوعا :) كم من جار متعلق بجاره يقول: يارب سل هذا لم أغلق عني بابه، ومنعني فضله (الصحيحة2646
وفي خبر أصحاب الجنة عبرة وعظة,فليحذر المسلم أن يصيبه ما أصابهم، قال تعالى): إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ(ولهذا اقسموا وحلفوا من غير استثناء، أنهم سيصرمونها، أي يحذونها مصبحين، ولم يدروا أن الله بالمرصاد وأن العذاب سيخلفهم عليها، ويبادرهم إليها ) أَن لّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ (أي بكروا قبل انتشار الناس، وتواصوا مع ذلك بمنع الفقراء والمساكين )وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ(من عذاب الدنيا) لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (فإن من علم ذلك، أوجب له الإنزجار عن كل سبب يوجب العذاب ويحل العقاب.اه تفسير السعدي

ومثله ما جاء في الحديث لما ذكر الأبرص والأقرع والأعمى، وما تفضل الله عليهم من العافية والبركة في المال، بعدما كانوا فيه من الذل والهوان، ثم ابتلاهم الله فنجىا منهم الأعمى الذي ذكر نعمة الله عليه، وأكرم المسكين,فحفظ الله عليه عافيته، وأهلك صاحبيه، بجحودهما نعمة رب العالمين,ومنعهما حق المسكين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه

كتبه أبو عبد الله حيدوش
..... يتبع