منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 20 Oct 2016, 05:35 PM
أبو إكرام وليد فتحون أبو إكرام وليد فتحون غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
الدولة: الجزائر
المشاركات: 1,798
افتراضي أخطاء يجب الحذر منها - يرتكبها بعض طلبة العلم - للشيخ العثيمين رحمه الله .

بسم الله الرحمن الرحيم

أخطاء يجب الحذر منها
للشيخ العثيمين رحمه الله .

هناك أخطاء يرتكبها بعض طلبة العلم:

منها الحسد:
وهو: كراهة ما أنعم الله به على غيره، وليس هو تمني زوال نعمة الله على الغير، بل هو مجرد أن يكره الإنسان ما أنعم الله به على غيره، فهذا هو الحسد، سواء تمنى زواله، أو أن يبقى ولكنه كاره له. كما حقق ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- فقال: "الحسد كراهة الإنسان ما أنعم الله به على غيره ".
والحسد قد لا تخلو منه النفوس، يعني قد يكون اضطراريًا للنفس، ولكن جاء في الحديث: "إذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تحقق " (1) ، يعني أن الإنسان يجب عليه إذا رأى من قلبه حسدًا للغير عليه ألا يبغي عليه بقول أو فعل، فإن ذلك من خصال اليهود الذين قال الله عنهم: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (2) .

ثم إن الحاسد يقع في محاذير:
أولاً: كراهته ما قدره الله، فإن كراهته ما أنعم الله به على هذا الشخص كراهة لما قدره كونًا ومعارضة لقضاء الله- عز وجل-.
ثانيًا: إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب؛ لأن الغالب أن الحاسد يعتدي على المحسود بذكر ما يكره وتنفير الناس عنه، والحط من قدره وما أشبه ذلك، وهذا من كبائر الذنوب التي قد تحيط بالحسنات.
ثالثًا: ما يقع في قلب الحاسد من الحسرة والجحيم والنار التي تأكله أكلاً، فكلما رأى نعمة من الله على هذا المحسود اغتم وضاق صدره، وصار يراقب هذا الشخص كلما أنعم الله عليه بنعمة حزن واغتم وضاقت عليه الدنيا.
رابعًا: أن في الحسد تشبهًا باليهود، ومعلوم أن من أتى خصلة من خصال الكفار صار منهم في هذه الخصلة، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من تشبه بقوم فهو منهم " (3) .
خامسًا: أنه مهما كان حسده ومهما قوي لا يمكن أبدًا أن يرفع نعمة الله عن الغير، فذا كان هذا غير ممكن فكيف يقع في قلبه الحسد.
سادسًا: أن الحسد ينافي كمال الإيمان لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" (4) . ولازم هذا أن تكره أن تزول نعمة الله على أخيك، فإذا لم تكن تكره أن تزول نعمة الله عنه، فأنت لم تحب لأخيك ما تحب لنفسك وهذا ينافي كمال الإيمان.
سابعًا: أن الحسد يوجب إعراض العبد عن سؤال الله تعالى من فضله، فتجده دائمًا مهتمًا بهذه النعمة التي أنعم الله بها على غيره ولا يسأل الله من فضله، وقد قال الله تعالى: (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ)) (5) .
ثامنا: أن الحسد يوجب ازدراء نعمة الله عليه، أي أن الحاسد يرى أنه ليس في نعمة، وأن هذا المحسود في نعمة أكبر منه، وحيئذ يحتقر نعمة الله عليه فلا يقوم بشكرها بل يتقاعس.
تاسعًا: الحسد خلق ذميم؛ لأن الحاسد يتتبع نعم الله على الخلق في مجتمعه، ويحاول بقدر ما يمكنه أن يحول بين الناس وبين هذا المحسود بالحط من قدره أحيانًا، وبازدراء ما يقوم به من الخير أحيانًا إلى غير ذلك.
عاشرًا: أن الحاسد إذا حسد فالغالب أن يعتدي على المحسود، وحينئذٍ يأخذ المحسود من حسناته، فن بقي من حسناته شيء وإلا أخذ من سيئاته فطرح عليه ثم طرح في النار.

والخلاصة: أن الحسد خلق ذميم، ومع الأسف أنه أكثر ما يوجد بين العلماء وطلبة العلم، ويوجد بين التجار فيحسد بعضهم بعضاً، وكل ذي مهنة يحسد من شاركه فيها، لكن مع الأسف أنه بين العلماء أشد، وبين طلبة العلم أشد، مع أنه كان الأولى والأجدر أن يكون أهل العلم أبعد الناس عن الحسد، وأقرب الناس إلى كمال الأخلاق.
وأنت يا أخي إذا رأيت الله قد أنعم على عبده نعمة ما فاسعى أن تكون مثله، ولا تكره ما أنعم الله عليه فقل: (اللهم زده من فضلك وأعطني أفضل منه) ، والحسد لا يغير شيئًا من الحال، لكنه كما ذكرنا آنفًا فيه هذه المفاسد وهذه المحاذير العشرة، ولعل من تأمل وجد أكثر والله المستعان.

ومنها: الإفتاء بغير علم.
الإفتاء منصب عظيم، به يتصدى صاحبه لبيان ما يشكل على العامة من أمور دينهم، ويرشدهم إلى الصراط المستقيم؛ لذلك كان هذا المنصب العظيم لا يتصدر له إلا ممن كان أهلاً له، لذلك يجب على العباد أن يتقوا الله وألا يتكلموا إلا عن علم وبصيرة، وأن يعلموا أن الله وحده له الخلق والأمر، فلا خالق إلا الله، ولا مدبر للخلق إلا الله، ولا شريعة للخلق سوى شريعة الله، فهو الذي يوجب الشيء، وهو يحرمه، وهو الذي يندب إليه ويحلله، ولقد أنكر الله على من يحللون ويحرمون بأهوائهم فقال تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (6) . وقال تعالى:) وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (7) .
وإن من أكبر الجنايات أن يقول الشخص عن شيء: إنه حلال.
وهو لا يدري ما حكم الله فيه، أو يقول عن الشيء: إنه حرام. وهو لا يدري عن حكم الله فيه، أو يقول عن الشيء: إنه واجب. وهو لا يدري أن الله أوجبه، ويقول عن الشيء: إنه غير واجب. وهو لا يدري أن الله لم يوجبه، إن هذه جناية وسوء أدب مع الله عز وجل.
كيف تعلم أيها العبد أن الحكم لله ثم تتقدم بين يديه فتقول في دينه وشريعته ما لا تعلم؟ لقد قرن الله القول عليه بلا علم بالشرك به، فقال سبحانه: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (33)) (8) .

وإن كثيرًا من العامة يفتي بعضهم بعضًا بما لا يعلمون فتجدهم يقولون: هذا حلال، أو حرام، أو واجب، أو غير واجب، وهم لا يدرون عن ذلك شيئاً، أفلا يعلم هؤلاء أن الله تعالى سائلهم عما قالوا يوم القيامة؟!
أفلا يعلم هؤلاء أنهم إذا أضلوا شخصًا فأحلوا له ما حرم الله، أو حرموا ما أحل الله له، فقد باؤوا بإثمه وكان عليهم مثل وزر ما عمل؟ وذلك بسبب ما أفتوه به.
وإن بعض العامة يجني جناية أخرى فإذا رأى شخصًا يريد أن يستفتي عالمًا يقول له هذا العامي: لا حاجة أن تستفتي، هذا أمر واضح، هذا حرام، مع أنه في الواقع حلال، فيحرمه ما أحل الله له، أو يقول له: هذا واجب فيلزمه بما لم يلزمه الله به، أو يقول: هذا غير واجب، وهو واجب في شريعة الله فيسقط عنه ما أوجب الله عليه، أو يقول: هذا حلال، وهو في الواقع حرام، وهذه جناية منه على شريعة الله، وخيانة لأخيه المسلم حيث أفتاه بدون علم، أريتم لو أن شخصًا سأل عن طريق بلد من البلدان، فقلت الطريق من هنا وأنت لا تعلم، أفلا يعد الناس ذلك خيانة منك؟ فكيف تتكلم عن طريق الجنة وهو الشريعة التي أنزل الله وأنت لا تعلم عنها شيئًا؟!
وإن بعض المتعلمين أنصاف العلماء يقعون فيما يقع فيه العامة من الجرأة على الشريعة في التحليل والتحريم والإيجاب، فيتكلمون فيما لا يعلمون، ويجملون في الشريعة ويفصلون، وهم من أجهل الناس في أحكام الله، إذا سمعت الواحد منهم يتكلم فكأنما ينزل عليه الوحي فيما يقول من جزمه وعدم تورعه، لا يمكن أن ينطق ويقول: لا أدري، مع أن عدم العلم هو وصفة الحق الثابت، ومع ذلك يصر بناء على جهله على أنه عالم فيضر العامة؛ لأن الناس ربما يثقون بقوله ويغترون به، وليت هؤلاء القوم يقتصرون على نسبة الأمر إليهم بل تراهم ينسبون ذلك للإسلام فيقولون: الإسلام يقول كذا، الإسلام يرى كذا، وهذا لا يجوز إلا فيما علم القائل أنه من دين الإسلام، ولا طريق إلى ذلك إلا بمعرفة كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أو إجماع المسلمين عليه.

إن بعض الناس لجرأته، وعدم ورعه، وعدم حيائه من الله، وعدم خوفه منه يقول عن الشيء المحرم الواضح تحريمه: ما أظن هذا حرام، أو عن الشيء الواجب والواضح وجوبه يقول: ما أظن هذا واجبًا، إما جهلاً منه أو عنادًا ومكابرة، أو تشكيكًا لعباد الله في دين الله. وإن من العقل والإيمان ومن تقوى الله وتعظيمه أن يقول الرجل: عما لا يعلم لا أعلم، لا أدري، اسأل غيري، فإن ذلك من تمام العقل؛ لأن الناس إذا رأوا تثبته وثقوا به؛ ولأنه يعرف قدر نفسه حينئذ وينزلها منزلتها، وإن ذلك أيضًا من تمام الإيمان بالثه وتقوى الله حيث لا يتقدم بين يدي ربه ولا يقول عليه في دينه ما لا يعلم، ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أعلم الخلق بدين الله كان يسأل عما لم ينزل عليه فيه الوحي فينتظر حتى ينزل عليه الوحي فيجيب الله سبحانه عما سئل عنه نبيه (يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) (9) وقوله: (وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً) (10) وقوله: (يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ) (11).

ولقد كان الأجلاء من الصحابة رضي الله عنهم تعرض لهم المسألة لا يدرون حكم الله فيها فيهابونها ويتوقفون فيها.
فها هو أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- يقول: "أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا أنا قلت في كتاب الله بغير علم ".
وهاهو عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- تنزل به الحادثة فيجمع لها الصحابة ويستشيرهم فيها، قال ابن سيرين: لم يكن أحد أهيب مما لا يعلم من أبي بكر، ولم يكن أحد بعد أبي بكر أهيب بما لا يعلم من عمر، وقال ابن مسعود- رضي الله عنه-: "أيها الناس، من سئل عن علم يعلمه فليقل به، ومن لم يكن عنده علم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم".
وسئل الشعبي عن مسألة فقال: لا أحسنها، فقال له أصحابه: قد استحيينا لك، فقال: لكن الملائكة لم تستح حين قالت: (لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا) (12) .
وهناك أمثلة كثيرة على الإفتاء بغير علم، منها: أن المريض إذا تنجست ثيابه ولم يمكن أن يطهرها يفتى بأنه لا يصلي حتى يطهر ثيابه، وهذه فتوى كاذبة خاطئة باطلة، فالمريض يصلي ولو كان عليه ثياب نجسة، ولو كان بدنه نجسًا إذا كان لا يستطيع أن يطهر ذلك؛ لأن الله يقول: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (13) ؛ يصلي المريض على حسب حاله وعلى حسب ما يقدر عليه، يصلي قائمًا، فإن لم يستطع أومأ بعينه عند بعض أهل العلم، فإن لم يستطع الإيماء بعينه وكان معه عقله فلينو الفعل بقلبه وليقل القول بلسانه، مثلاً يقول: الله أكبر ثم يقرأ الفاتحة وسورة، ثم يقول: الله أكبر وينوي أنه راكع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده وينوي أنه رفع من الركوع، ثم يقول: هكذا في السجود وبقية أفعال الصلاة، ينوي الفعل الذي لا يقدر عليه، ينويه بقلبه ولا يؤخر الصلاة عن وقتها.
وبسبب هذه الفتوى الكاذبة الخاطئة يموت بعض المسلمين وهم لا يصلون من أجل هذه الفتوى الكاذبة، ولو أنهم علموا أن الإنسان المريض يصلي على أي حال لماتوا وهم يصلون.
ومثل هذه المسألة وأشباهها كثير فيجب على العامة أن يتلقوا أحكامها من أهل العلم حتى يعرفوا بذلك حكم الله- عز وجل- ولا يقولوا في دين الله ما لا يعلمون.

ومنها: الكبر:
وقد فسره النبي - صلى الله عليه وسلم - بأجمع التفسير وأبينه وأوضحه فقال: "الكبر بطر الحق، وغمط الناس " (14) .
قوله: "وبطر الحق" هو: رد الحق.
وقوله: "وغمط الناس" يعني: احتقارهم.
ومن الكبرياء ردك على معلمك، والتطاول عليه، وسوء الأدب معه، وأيضًا استنكافك عمن يفيدك ممن هو دونك كبرياء، وهذا يقع لبعض الطلبة إذا أخبره أحد بشيء وهو دونه في العلم استنكف ولم يقبل، وتقصيرك عن العمل بالعلم عنوان حرمان- نسأل الله العافية-.

وفي هذا يقول القائل:
العلم حرب للفتى المتعالي كالسيل حرب للمكان العالي
ومعنى البيت: إن الفتى المتعالي لا يمكن أن يدرك العلم؛ لأن العلم حرب له كالسيل حرب للمكان العالي؛ لأن المكان العالي ينفض عنه السيل يمينًا وشمالاً، ولا يستقر عليه، كذلك العلم لا يستقر مع الكبر والعلو، وربما يسلب العلم بسبب ذلك.

ومنها: التعصب للمذاهب والآراء:
فيجب على طالب العلم أن يتخلى عن الطائفية والحزبية بحيث يعقد الولاء والبراء على طائفة معينة، أو على حزب معين، فهذا لاشك خلاف منهج السلف، فالسلف الصالح ليسوا أحزابًا، بل هم حزب واحد، ينضوون تحت قول الله عز وجل: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) (15) .
فلا حزبية، ولا تعدد، ولا موالاة، ولا معاداة إلا على حسب ما جاء في الكتاب والسنة، فمن الناس مثلاً من يتحزب إلى طائفة معينة، ثم يقرر منهجًا ويستدل عليه بالأدلة التي قد تكون دليلاً عليه، ويحامي دونها، ويضلل من سواه، حتى وإن كانوا أقرب إلى الحق منها، ويأخذ مبدأ: من ليس معي. فهو علي، وهذا مبدأ خبيث؛ لأن هناك وسطًا بين أن يكون لك أو عليك، وإذا كان عليك بالحق، فليكن عليك وهو في الحقيقة معك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا" (16) .
ونصر الظالم أن تمنعه من الظلم، فلا حزبية في الإسلام، ولهذا لما ظهرت الأحزاب في المسلمين، وتنوعت الطرق، وتفرقت الأمة، وصار بعضهم يضلل بعضًا، ويكل لحم أخيه ميتًا، لحقهم الفشل كما قال الله تعالى: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (17) .
لذلك نجد بعض طلاب العلم يكون عند شيخ من المشايخ، ينتصر لهذا الشيخ بالحق والباطل ويعادي من سواه، ويضلله ويبدعه، ويرى أن شيخه هو العالم المصلح، ومن سواه إما جاهل أو مفسد، وهذا غلط كبير، بل يجب أخذ قول من وافق قوله الكتاب والسنة، وقول أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

ومنها: التصدر قبل التأهُّل:
مما يجب الحذر منه أن يتصدر طالب العلم قبل أن يكون أهلاً للتصدر، لأنه إذا فعل ذلك كان هذا دليلاً على أمور:
الأمر الأول: إعجابه بنفسه حيث تصدر فهو يرى نفسه علم الأعلام.
الأمر الثاني: أن ذلك يدل على عدم فقهه ومعرفته للأمور، لأنه إذا تصدر، ربما يقع في أمر لا يستطيع الخلاص منه، إذ أن الناس إذا رأوه متصدرًا أوردوا عليه من المسائل ما يبين عواره.
الأمر الثالث: أنه إذا تصدر قبل أن يتأهل لزمه أن يقول على الله ما لا يعلم؛ لأن الغالب أن من كان هذا قصده، أنه لا يبالي ويجيب على كل ما سئل، ويخاطر بدينه وبقوله على الله- عز وجل- بلا علم.
الأمر الرابع: أن الإنسان إذا تصدر فإنه في الغالب لا يقبل الحق؛ لأنه يظن بسفهه أنه إذا خضع لغيره ولو كان معه الحق كان هذا دليلاً على أنه ليس بعالم.

ومنها سوء الظن:
فيجب على طالب العلم الحذر من أن يظن بغيره ظنًا سيئًا مثل أن يقول: لم يتصدق هذا إلا رياء، لم يلق الطالب هذا السؤال إلا رياءً ليعرف أنه طالب فاهم، وكان المنافقون إذا أتى المتصدق من المؤمنين بالصدقة، إن كانت كثيرة قالوا: مرائياً، وإذا كانت قليلة قالوا: إن الله غني عن صدقة هذا، كما قال الله عنهم: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (18) .

فإياك وسوء الظن بمن ظاهره العدالة، ولا فرق بين أن تظن ظنًا سيئًا بمعلمك أو بزميلك، فإن الواجب إحسان الظن بمن ظاهره العدالة، أما من ظاهره غير العدالة فلا حرج أن يكون في نفسك سوء ظن به، لكن مع ذلك عليك أن تتحقق حتى يزول ما في نفسك من هذا الوهم؛ لأن بعض الناس قد يسيء الظن بشخص ما بناء على وهم كاذب لا حقيقة له.

فالواجب إذا أسأت الظن بشخص، سواء من طلبة العلم أو غيرهم، الواجب أن تنظر هل هناك قرائن واضحة تسوغ لك سوء الظن فلا بأس، وأما إذا كان مجرد أوهام فإنه لا يحل لك أن تسيء الظن بمسلم ظاهره العدالة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ) (19) لم يقل (كل الظن) ؛ لأن بعض الظنون لها أصل ولها مبرر: (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) (20) ، فالظن الذي يحصل فيه العدوان على الغير لاشك أنه إثم، وكذلك الظن الذي لا مستند له، وأما إذا كان له مستند فلا بأس أن تظن الظن السيء بحسب القرائن والأدلة.

لذلك ينبغي للإنسان أن ينزل نفسه منزلتها، وألا يدنسها بالأقذار، وأن يحذر هذه الأخطاء مما تقدم؛ لأن طالب العلم شرفه الله بالعلم، وجعله أسوة وقدوة، حتى أن الله رد أمور الناس عند الإشكال إلى العلماء فقال: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (21) . وقال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (22) ، فالحاصل أنك يا طالب العلم محترم، فلا تنزل بنفسك إلى ساحة الذل والضعة، بل كن كما ينبغي أن تكون.


(1) رواه الطبراني في المعجم الكبير 3/228.
(2) سورة النساء، الآية: 54.
(3) رواه أبو داود/كتاب اللباس/باب في لبس الصوف والشعر، برقم (4031) .
(4) رواه البخاري/كتاب الإيمان/باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، برقم (13) . ومسلم/كتاب الإيمان/باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحل لأخيه المسلم ما يحب لنفسه، برقم (45)
(5) سورة النساء، الآية: 7.
(6) سورة يونس، الآية: 59.
(7) سورة النحل، الآيتان: 116، 117.
(8) سورة الأعراف، الآية: 33.
(9) سورة المائدة، الآية: 4.
(10) سورة الكهف، الآية: 83.
(11) سورة الأعراف، الآية: 187.
(12) سورة البقرة، الآية: 32.
(13) سورة التغابن، الآية: 16.
(14) رواه مسلم/كتاب الإيمان/باب تحريم الكبر وبيانه، برقم (91) .
(15) سورة الحج، الآية: 78.
(16) رواه البخاري/كتاب المظالم/باب أعن أخاك ظالمًا أو مظلومًا، برقم (2443) .
ومسلم/كتاب البر والصلة/باب نصر الأخ ظالمًا أو مظلومًا، برقم (2584) .
(17) سورة الأنفال، الآية: 46.
(18) سورة التوبة، الآية: 79.
(19) سورة الحجرات، الآية: 12.
(20) سورة الحجرات، الآية: 12.
(21) سورة النحل، الآية: 43.
(22) سورة النساء، الآية: 83.


مجموع رسائل وفتاوى الشيخ العثيمين رحمه الله
الشاملة من 229/26 الى 243/26
رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, أخطاءيحذرمنها, العثيمين, دعوة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013