"ومن أخطائنا نتعلّم" هكذا يقول المثل الّذي نأخذ منه مواعظَ وعِبَرًا قد نمرّ عليها: في قراءَتِنَا للقرآن الكريم، في حياتنا، في نصائح مَن أعطاهم الله الحكمة والعلم، وفي أنفسنا، وفي عثرات غيرنا. لكن قلّ مَن ينتبه منّا إلى هذه الجواهر التي يريد الله أن ينقذنا بها من براثن المعصية، ومستنقعات الأمراض النفسيّة، ولفحات العقوبة الدّنيوية، وكلّ ما يكون أثرًا سيّئًا سبّبته تلك الأخطاء، سواءً كانت بِعَمْدٍ أو بِعَفْوِيَّة.
وقد يكون أكثرنا لم يستطع إدراك الحلول المناسبة لها، إمّا بسبب تهاونٍ في البحث عمّا يعالجها، أو غباءٍ منّا نتجاهل به ماينفعنا من نصائح غيرنا، حين نعتقد أنّنا أفهم من غيرنا، وأنّنا أعلم وأفقه للحياة بمجرّد حيازتنا على شهادات، نبحث فيها عن دُنيا..نرى أنّها تغنينا عن التّزوّد بما يصلحنا، وهي نهاية علمنا في نظرنا، وقد قال الله تعالى "فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى".
وإذا كان أحدٌ منّا من النّوع الّذي لايفقه ما يريد قوله فقهاء الميدان، رغم رغبته في التّعلّم، فعليه أن يسأل وقد قال الله تعالى: "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " ، ولايتحرّج بالسّؤال ولايخجل ممّن يسألهم.
فكم ممّن ضيّع فرصًا ثمينة، تكسبه علومًا، بسبب إحجامه عن سؤال أهل الإختصاص، إمّا لخَجَلٍ انتابه أو استكبارٍ عمّن رأى أنّهم ليسوا من الفقهاء الّذين يتأهّلون للخوض في مسائل هي أكبر منهم، أو يراهم بعين التّشدّد والغلوّ وهم بَرَاء منه، و قد يكون الخير عندهم، وبركة العلم تغشاهم من ربّ العالمين.
فالخيرُ فيما اختاره الله لنا، وليس فيما نختاره لأنفسنا، مجرّدين من العلم والبصيرة اللاّزمين لتحصيننا من الأخطاء في الاختيار والمتابعة.
وإذا اعتقدنا أنّ الخير فيما اختاره الله لنا، علينا أن نسأله سبحانه أن يفقّهنا في الدّين وأن يوجّهنا لِمن يعيننا على ذلك الفقه ويرشدنا إلى سبيل السّلامة والنّجاة .
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم :" مَن يُرِدِ الله به خيرًا يُفَقِّهْهُ في الدّين ". وبهذا الفقه، إن شاء الله، ندرك الطّريق السويّ الذي نفهم به معنى الحياة الكريمة الّتي بها نمتطي جِيَادَ العِزَّةِ والرِّفْعَةِ والسُؤْدَد. وهذا هو الخير الّذي يرشدنا الله إليه، حين نفقه، ما يريده سبحانه منّا، علمًا، ونعيشه عملاً، في هذه الحياة.